logo

مواقف نبوية في تربية الأمة (1)


بتاريخ : الجمعة ، 9 ربيع الأول ، 1435 الموافق 10 يناير 2014
بقلم : تيار الاصلاح
مواقف نبوية في تربية الأمة (1)

إن السيرة النبوية غنية في كل جانب من الجوانب التي تحتاج إليها مسيرة الدعوة الإسلامية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك

 

سوابق كثيرة لمن يريد أن يقتدي به في الدعوة والتربية والثقافة والتعليم والجهاد، وفي كل شئون الحياة، كما أن التعمق في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يساعد القارئ على التعرف على الرصيد الخلقي الكبير الذي تميز به الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل البشر، والتعرف على صفاته الحميدة التي عاش بها في دنيا الناس، فيرى من خلال سيرته مصداق قول

الشاعر:

وأجمل منك لم تر قط عيني           وأفضل منك لم تلد النساء

خلقت مبرأً من كل عيب             كأنك خلقت كمــــا تشـــاء

 

وتعتبر السيرة النبوية بأحداثها وتفاصيلها مدرسة نبويّة متكاملة، لما تحمله بين ثناياها من المواقف التربوية العظيمة والفوائد الجليلة، التي تضع للدعاة والمعلمين والمربين منهج التربية، وحسن التعامل مع مواقف الحياة ومجرياتها، وهذه بعض من المواقف التربوية من حياة وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

لقد حكم رسولاللهصلى الله عليه وسلمالأمة فكان قدوة للحكام، ودعاإلى الله فكانقدوة للدعاة، وقاد الجيوش فكان قدوةلجميع القادة،وربَّى الصحابةفكان قدوة للمربين، لقدعلم الناس فنون الاقتصاد والسياسة والحرب والسلم والتربية والاجتماع.

 

ويجد المربي في سيرتهصلى الله عليه وسلم دروسًا نبوية في التربية والتأثير على الناس بشكل عام،وعلى أصحابه الذين رباهم على يده وكلأهم بعنايته، فأخرج منهم جيلًا قرآنيًافريدًا، وكوَّن منهم أمة هي خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهىعن المنكر، وتؤمن بالله، وأقام بهم دولة نشرت العدل في مشارق الأرضومغاربها.

 

لقد كان فقه النبي صلىالله عليه وسلم في تربية الأمة وإقامة الدولة شاملًا ومتكاملًا ومتوازنًا،وخاضعًا لسنن الله في المجتمعات وإحياء الشعوب وبناء الدول، فتعامل صلىالله عليه وسلم مع هذه السنن في غاية الحكمة وقمة الذكاء، كسنة التدرج،والتدافع، والابتلاء، والأخذ بالأسباب، وتغيير النفوس، وغرس صلى الله عليهوسلم في نفوس أصحابه المنهج الرباني.. وما يحمله من مفاهيم وقيم وعقائدوتصورات صحيحة عن الله والإنسان، والكون والحياة والجنة والنار، والقضاءوالقدر.

 

ومن هذه المواقف العظيمة التي ينبغي أن نتعلم منها أصول التربية وفنون التعليم:

 

الموقف الأول: ياخباب هذا هو الدين

عن خباب بن الأرت، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»([1]).

 

والحديث مكي كما يستفاد من مطلعه، وفيه مظهر رائع من قوة إيمان الرسول بما هو عليه من الحق، وبنصر الله إياه في عهد مكة؛ برغم ما كان يحدق به وبأصحابه من أخطار ويقاسونه من شدة، وينطوي فيه ما ينطوي في الآية من تنبيه وتطمين ومعالجة روحية، وفيه بشرى قد تحققت بنصر الله وتمام أمر الله، فكان ذلك معجزة نبوية أو مصداقًا لنبوءة النبي صلّى الله عليه وسلّم الصادقة([2]).

 

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الدعاء في ذلك على أن الله أمرهم بالدعاء أمرًا عامًا بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وبقوله: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43]، إلا لأنه صلى الله عليه وسلم علم من الله أنه قد سبق من قدره وعلمه أنه يجرى عليهم ما جرى من البلوى والمحن ليؤجروا عليها؛ على ما جرت عادته في سائر أتباع الأنبياء من الصبر على الشدة في ذات الله، ثم يعقبهم بالنصر والتأييد، والظفر وجزيل الأجر، وأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة تنزل بهم؛ لأنهم لا يعلمون الغيب فيها([3]).

 

وقد كانت قلوبهم راضية وأنفسهم بذلك مطمئنة، حتى لقد رد بعضهم جوار أقاربه للكفار، ورضي أن يعذب في الله ويبتلى فيه مع الأخيار، وشكواهم ليست عن تضجر ولا تبرم، وإنما هي لأنهم رأوا أن في السلام من ذلك تفرغًا للعبادة، وتوجهًا إلى كمال السعادة، فأرشدهم المصطفى إلى أن غاية الأدب الصبر على مراد الله والرضا بقضاء الله([4]).

 

الموقف الثاني: ليلة مقمرة

 

عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: كناجلوسًا ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر،فقال: »إنكم سترون ربكم يوم القيامة، كما ترون هذا القمر، لا تضامون فيرؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها،فافعلوا ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}[ق: 39] «([5]).

 

يقول ابن القيمرحمه الله :كل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول،وكل إيمان لا يبعث علىالعمل فمدخول([6]) !.

يعني دخله شيء إما رياء, أو إرادة الدنيا, أو نحو ذلك، فلا ينتفعبه, ولا يباركفيه، ولهذافإنحسن النيةفي دراسة العقيدة، وفي دراسة أمور الدين عمومًا أمر لابد منه، فعندمايتعلم العبد العقيدة لا يدرسها من أجل زيادة الاطلاع وكثرةالمعرفة، وإنما عليه أنيتعلمها لأنها دين الله الذي أمر به عباده، ودعاهم إليه،وخلقهم لأجله،وأوجدهملتحقيقهفيجتهد في فهم أدلتها، ويتقرب إلى الله عز وجل باعتقادهاوالإيمانبها، ويرسخها في قلبه ويمكن لها فيفؤاده، فإذا درس العقيدة بهذه النيةأثمرت فيهثمرات عظيمة،وأثرت في سلوكه وأعماله وأخلاقه، وفي حياته كلها، أما إذا كانت دراستهللعقيدةمجرد جدل ونقاش؛ولم يعتنبجانب تزكية القلب بالإيمان والثقة