logo

مهارات القيادة


بتاريخ : الاثنين ، 2 جمادى الأول ، 1435 الموافق 03 مارس 2014
بقلم : أحمد بن عبد المحسن العساف
مهارات القيادة

لا تصلح التجمعات البشرية ولا تنتظم من غير قيادة حكيمة تسعى في مصالح تابعيها جلبًا للخير والمكارم ودفعًا للشر والرذائل؛ من غير استئثار أو ظلم أو إهمال.

 

وهذا بحثٌ في القيادة فيه القديم والجديد، والمسهب والمختصر، وآمل أن يفيد قارئيه فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم وديارهم ودنياهم؛ ولن نعدم من ناصح أو محبٍ تنبيهًا أو تصحيحًا.

 

أولاً: لماذا الحديث عن هذا الموضوع؟

لابد للمجتمعات على اختلافها من قيادة توجهها، وتتولى التنظيم والتنسيق بين جميع فئات المجتمع وأنشطته, وهذه القيادة تصبغ المجتمع بوجهتها, وتضفي عليه طابعها المميز، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.

لا زال المجتمع الإسلامي مجبولًا على الخير سليم الفطرة إلى حد كبير، وأزمة المجتمعات الإسلامية بالدرجة الأولى هي أزمة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وموضوعنا هذا فيه حث للهمم واستنهاض للعزائم؛ كي نكون القادة الفاعلين النافعين في مجتمعاتهم الضيقة والواسعة.

إثارة الكامن وتحريك الساكن في النفوس؛ لاستمرار الجهد والبذل في التدريب والتعليم والبحث والممارسة والتطبيق؛ حتى نحقق القائد الناجح في أنفسنا أولًا ثم فيمن نتولى أمره من ولد وصاحب ومتربٍ؛ حتى نتسلم ذروة القيادة في كل مكان يمكن أن تخدم به الدعوة إلى الله سبحانه.

زيادة المعرفة وربط العلوم السلوكية والإدارية بأدلتها الشرعية؛ لتكون العقول والقلوب أكثر اطمئنانًا وقبولًا لها.

 

ثانياً: تعريف القيادة والقائد:

" القود " في اللغة نقيض " السوق ", يقال: يقود الدابة من أمامها ويسوقها من خلفها, وعليه فمكان القائد في المقدمة كالدليل والقدوة والمرشد.

القيادة: هي »القدرة على التأثير على الآخرين, وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة«, فهي إذن مسئولية تجاه المجموعة المقودة للوصول إلى الأهداف المرسومة.

تعريف آخر: هي »عملية تهدف إلى التأثير على سلوك الأفراد وتنسيق جهودهم لتحقيق أهداف معينة«.

القائد: هو »الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لإنجاز أهداف محددة«.

 

ثالثاً: أهمية القيادة:

لابد للمجتمعات البشرية من قيادة تنظم شئونها وتقيم العدل بينها, حتى لقد أمر النبي, صلى الله عليه وسلم, بتعيين القائد في أقل التجمعات البشرية, حين قال عليه الصلاة والسلام: »إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم«(1)، قال الخطابي: إنما أمر بذلك ليكون أمرهم جميعاً ولا يتفرق بهم الرأي ولا يقع بينهم الاختلاف.

ولأهمية القيادة قال القائد الفرنسي نابليون: »جيش من الأرانب يقوده أسد، أفضل من جيش من أسود يقوده أرنب«, وعليه فأهمية القيادة تكمن في:

أنها حلقة الوصول بين العاملين وبين خطط المؤسسة وتصوراتها المستقبلية.

أنها البوتقة التي تنصهر داخلها كافة المفاهيم والاستراتيجيات والسياسات.

تدعيم القوى الإيجابية في المؤسسة وتقليص الجوانب السلبية قدر الإمكان.

السيطرة على مشكلات العمل وحلها، وحسم الخلافات والترجيح بين الآراء.

تنمية وتدريب ورعاية الأفراد, باعتبارهم أهم مورد للمؤسسة، كما أن الأفراد يتخذون من القائد قدوة لهم.

مواكبة المتغيرات المحيطة وتوظيفها لخدمة المؤسسة.

تسهل للمؤسسة تحقيق الأهداف المرسومة.

فائدة: يوجد في غالب كليات الإدارة بالجامعات الغربية أقسام للقيادة, كما يوجد في جامعاتهم مراكز متخصصة لأبحاث القيادة.

 

رابعاً: متطلبات القيادة وعناصرها:

متطلبات القيادة هي:

التأثير: القدرة على إحداث تغيير ما أو إيجاد قناعة ما.

النفوذ: القدرة على إحداث أمر أو منعه، وهو مرتبط بالقدرات الذاتية وليس بالمركز الوظيفي.

السلطة القانونية: وهي الحق المعطى للقائد في أن يتصرف ويطاع.

وعليه فعناصر القيادة هي:

وجود مجموعة من الأفراد.

الاتفاق على أهداف للمجموعة تسعى للوصول إليها.

وجود قائدٍ من المجموعة ذي تأثير وفكر إداري وقرار صائب وقدرة على التأثير الإيجابي في سلوك المجموعة.

 

خامسًا:صفات القائد ومهاراته:

الصفات والخصائص للقائد من أهمها:

خصائص ذاتية "فطرية": كالتفكير والتخطيط والإبداع والقدرة على التصور.

مهارات إنسانية "اجتماعية": كالعلاقات والاتصال والتحفيز.

مهارات فنية "تخصصية": كحل المشكلات واتخاذ القرارات.

صفات القادة الملتزمين بالمبادئ: كما يراها ستيفن كوفي في كتابه "القيادة على ضوء المبادئ ":

- أنهم يتعلمون باستمرار: القراءة, التدريب, الدورات, الاستماع.

- أنهم يسارعون إلى تقديم الخدمات: ينظرون إلى الحياة كرسالة ومهمة لا كمهنة, إنهم يشعرون بالحمل الثقيل وبالمسئولية.

- أنهم يشعون طاقة إيجابية: فالقائد مبتهج دمث سعيد نشيط, مشرق الوجه باسم الثغر طلق المحيا, تقاسيم وجهه هادئة لا يعرف العبوس والتقطيب إلا في موضعهما, متفائل إيجابي, وتمثل طاقتهم شحنة للضعيف ونزعاً لسلبية القوي.

- أنهم يثقون بالآخرين: لا يبالغ القائد في رد الفعل تجاه التصرفات السلبية أو الضعف الإنساني, ويعلمون أن هناك فرقًا كبيرًا بين الإمكانات والسلوك, فلدى الناس إمكانات غير مرئية للتصحيح واتخاذ المسار السليم.

- أنهم يعيشون حياة متوازنة: فهم نشيطون اجتماعيًا, ومتميزون ثقافيًا, ويتمتعون بصحة نفسية وجسدية طيبة, ويشعرون بقيمة أنفسهم ولا يقعون أسارى للألقاب والممتلكات, وهم أبعد ما يكونون عن المبالغة وعن تقسيم الأشياء إلى نقيضين, ويفرحون بإنجازات الآخرين, وإذا ما أخفقوا في عمل رأوا هذا الإخفاق بداية النجاح.

- أنهم يرون الحياة كمغامرة: ينبع الأمان لديهم من الداخل وليس من الخارج, ولذا فهم سباقون للمبادرة تواقون للإبداع ويرون أحداث الحياة ولقاء الناس كأفضل فرصة للاستكشاف وكسب الخبرات الجديدة؛ إنهم رواد الحياة الغنية الثرية بالخبرات الجديدة.

- أنهم متكاملون مع غيرهم: يتكاملون مع غيرهم ويحسنون أي وضع يدخلون فيه, ويعملون مع الآخرين بروح الفريق لسد النقص والاستفادة من الميزات, ولا يترددون في إيكال الأعمال إلى غيرهم بسبب مواطن القوة لديهم.

- أنهم يدربون أنفسهم على تجديد الذات: يدربون أنفسهم على ممارسة الأبعاد الأربعة للشخصية الإنسانية: البدنية والعقلية والانفعالية والروحية.

فهم يمارسون الرياضة والقراءة والكتابة والتفكير, ويتحلون بالصبر وكظم الغيظ ويتدربون على فن الاستماع للآخرين مع المشاركة الوجدانية, ومن الناحية الروحية يصلون ويصومون ويتصدقون ويتأملون في ملكوت الله ويقرءون القرآن ويتدارسون الدين.

ولا يوجد وقت في يومهم أكثر عطاء من الوقت الذي يخصصونه للتدرب على الأبعاد الأربعة للشخصية الإنسانية, ومن شُغل بالنشاطات اليومية عنها, كان كمن شغل بقيادة السيارة عن ملء خزانها بالوقود.

أما العادات السبع للقادة الإداريين كما يراها ستيفن كوفي في كتابه الشهير:

- كن مختارًا لاستجابتك: وهذه الخصلة تتصل بمدى معرفة الذات ومعرفة الدوافع والميول والقدرات, فلا تجعل لأي شيء أو أي أحد سيطرة عليك, كن فاعلًا لا مفعولًا به, مؤثرًا بالدرجة الأولى لا متأثرًا دومًا, ولا تتهرب من المسئولية أبدًا، وهذا سيعطيك درجة من الحرية وكلما مارست هذه الحرية أصبحت مختارًا بهدوء لردود أفعالك, وتكون ممسكًا بزمام الاستجابة بناء على قيمك ومبادئك.

- لتكن غايتك واضحة حينما تبدأ بعمل ما: يعني ابدأ ونظرك على الغاية, فتحتاج إلى إطلاق الخيال ليحلّق بعيدًا عن أسر الماضي وسجن الخبرة وضيق الذاكرة.

- اجعل أهمية الأشياء بحسب أولويتها: وهذه مرتبطة بالقدرة على ممارسة الإدارة وضبط الإرادة, فلا تجعل تيار الحياة يسيرك كيفما سار, بل اضبط أمورك وركز اهتمامك على ما له قيمة وأهمية وإن لم يكن أمرًا ملحًا الآن, ومثل هؤلاء يكون لهم أدوار بارزة وقوية في حياتهم.

- فكر على أساس الطرفين الرابحين: أن تؤمن أن نجاح شخص ما لا يعني فشل الآخر, وتحاول قدر الإمكان حل المشاكل بما يفيد الجميع, وهذه الخصلة ترتبط بعقلية ثرية واسعة الأفق عظيمة المدارك تتبع عقلية الوفرة لا عقلية الشح والندرة.

- اسع أولًا لأن تفهم, ثم اسع إلى أن تُفهم: وترتبط هذه الخصلة باحترام الرأي الآخر, فمن الخطأ أن يكون استماعك لأجل الجواب والرد بل لأجل الفهم والمشاركة الوجدانية.

- اجعل العمل شراكة مع الآخرين: فنحن يكمل بعضنا بعضًا نظرًا للاختلافات والفروق بيننا, وموقف المشاركة هذا هو الموقف الرابح للطرفين, لا موقف الرابح والخاسر.

- اشحذ قدراتك: ويقصد بها التحسين المستمر والولادة المتجددة وألا يبقى الفرد منا في مكانه بلا تقدم لأنه سوف يتأخر حتمًا.

ويرى ج. كورتوا في كتابه "لمحات في فن القادة" 17 صفة للقائد هي:

الهدوء وضبط النفس.

معرفة الرجال.

الإيمان بالمهمة.

الشعور بالسلطة.

البداهة والمبادرة وأخذ القرار.

الانضباط.

الفعالية.

التواضع.

الواقعية.

الدماثة والعطف.

طيبة القلب.

الحزم.

العدل.

احترام الكائن البشري.

إعطاء المثل.

المعرفة.

التنبؤ.

ولكل واحدة من هذه الصفات أمثلة شاهدة من حياة القادة عبر التاريخ؛ وتكفينا السيرة العطرة الشريفة لنبينا محمد, صلى الله عليه وسلم, ففيها ما يتخذ مثالًا واضحًا على هذه الصفات الكريمة دون اضطرار للي أعناق النصوص أو اعتساف العبر من القصص دون جلاء في الدلالة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن أبي داود (2608).