منكرات الأفراح

موضوع المنكر بشكل عام ينبغي أن يكون في دائرة اهتمام كل مسلم، لأن المسلم الحق إذا علم المنكر ابتعد عنه خوفًا من غضب ربه عليه، ومن أن يقع تحت طائلة العذاب {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15].
والمشكلة الكبرى والمصيبة العظمى أن يصبح المنكر أمرًا طبيعيًا عند المسلمين، وأن يقره العرف، بل يتعدى الأمر أكثر من ذلك، فإن الأعراف اليوم تستنكر الكثير من الأفراح التي تقل فيها المنكرات، بحجة أن الفرح لم يواكب التقدم الحاصل في الأفراح، دون النظر في كونه حلالًا أم حرامًا.
ومنكرات الأفراح هي تلك الممارسات المخالفة للشريعة الإسلامية، والتي قد تحدث في حفلات الزفاف، أو في أثناء العقد، وتشمل عدة أمور مثل الإسراف والتبذير، العري والسفور، والمبالغة في الزينة المحرمة، الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، استخدام الموسيقى والأغاني الماجنة، وغيرها.
ولا شك أن تهاون الناس في مثل هذه المنكرات جر على البيوت العديد من الويلات، ولعل هذا يكون واحدًا من أسباب الفشل في الحياة الزوجية، لأنه لا يمكن للمعاصي أن تأتي بخير؛ بل كل المصائب التي تصيب الإنسان والشرور التي تلحقه سببها المعاصي والآثام، قال تعالى: {مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠].
فإذا كنا نعيش في زمن كثرت فيه الفتن، وتبرجت النساء، وقل الحياء، فمن أراد أن يحصن نفسه فعليه بالزواج، وقد جاء في الحديث الصحيح: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (1).
والغريب أن الغرب الذين يحذرون من خطورة الزواج المبكر، وينشرون الكتب، والمقالات عن ذلك، بل ويساعدون الجمعيات والمؤسسات المصطنعة التي تدعم موقفهم؛ نجدهم يجيزون في بلادهم الزواج المبكر، بل إن المفهوم من قوانينهم الحث عليه.
فمثلًا: سن الزواج للفتيات في كل من فرنسا ورومانيا وبلجيكا واليابان: هو سن الخامسة عشرة.
وأما إيطاليا فتجيز المحكمة عقد الزواج على فتاة سنها الرابعة عشرة، بل إن بريطانيا وإسبانيا والأرجنتين حددت سن الزواج بالثانية عشرة للفتاة (2).
ويتبين من مخططاتهم أنهم يريدون بذلك هلاك المجتمع في بلادنا، لأن أفكارهم وتوجيهاتهم تحذر من الزواج المبكر، وتحث النساء على التبرج والسفور ونزع الحياء عند النساء، وقتل الغيرة والنخوة والمروءة والرجولة عند الرجال.
أسباب منكرات الأفراح:
ويعود سبب انتشار هذه المنكرات إلى الجهل بأحكام الدين، واتباع العادات والتقاليد الخاطئة، وضعف الوازع الديني، والتأثر بالثقافات الأخرى.
الجهل:
عدم معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج والأفراح، يؤدي إلى ارتكاب المخالفات دون قصد، في حين أن الجهل بها لا يعفي أصحابها من المساءلة الشرعية أو من تحمل العقوبة أمام الله تعالى، فالأصل في المسلم تعلم ما يجب عليه فعله، وتقاعسه عن التعلم وسؤال أهل العلم لا يرفع الحرج عنه، عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: «قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال» (3).
العادات والتقاليد:
اتباع عادات وتقاليد خاطئة موروثة من الأجداد والآباء؛ حتى لو كانت مخالفة للشرع، مما أورث الناس مخالفات شرعية ترسخت عند كثير من الناس حتى صارت هي الأصل ومخالفتها أمر غير مقبول {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24].
والأمر الأبشع من هذا عدم قبولهم الشرع في حين قبولهم لهذه المنكرات واستمتاعهم بها، {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)} [الزخرف: 23، 24].
فعرف الآباء والأجداد والقبيلة أشد تعظيمًا عند بعض الناس من شرع الله تعالى، ولذلك يقبل المفاصلة في قضية الشرع والقبول والرد، أما الموروثات القديمة فلا يقبل النقاش حولها، وهذا مما جعل المنكرات منتشرة دون إنكار أو نفور منها، ودون اعتراض حتى من أهل العقل والفهم الذين ينتظر منهم خلاف ذلك.
التأثر بالمجتمعات الأخرى:
تقليد بعض المجتمعات التي تبالغ في مظاهر الفرح وتتجاوز الحدود الشرعية والآداب الأخلاقية بحجة أن هذا فرح ويباح فيه ما لا يباح في غيره من المناسبات، وكأن الأمر فيه عصمة أو ضرورة مضطرة لهذا المنكر الشنيع.
والحقيقة المرة التي بتنا نعاني منها قضية التقليد الأعمى سواء تقليد بعض المجتمعات لبعض أو بعض البيئات لبعض أو بعض الفئات لبعض، في حين أن الأصل في المسلم أن يقلد ما يوافق الشرع، ويتفق مع أحكامه وآدابه، ولا يقبل من المسلم أن يترك القدوة الأصلية التي أمر بالاقتداء بها ليسير خلف سفاهات قوم ضالين، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)} [الجاثية: 18، 19].
وهكذا يتمحض الأمر، فإما شريعة الله، وإما أهواء الذين لا يعلمون، وليس هنالك من فرض ثالث، ولا طريق وسط بين الشريعة المستقيمة والأهواء المتقلبة، وما يترك أحد شريعة الله إلا ليحكم الأهواء فكل ما عداها هوى يهفو إليه الذين لا يعلمون.
إنها شريعة واحدة هي التي تستحق هذا الوصف، وما عداها أهواء منبعها الجهل، وعلى صاحب الدعوة أن يتبع الشريعة وحدها، ويدع الأهواء كلها، وعليه ألا ينحرف عن شيء من الشريعة إلى شيء من الأهواء (4).
ضعف الوازع الديني:
عدم وجود رادع داخلي يحول دون ارتكاب المعاصي والمنكرات، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 37 - 42]
فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان، وكل تجاوز، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى، فالجهل سهل علاجه، ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها.
والخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة (5).
مظاهر المنكرات في الأفراح:
الإسراف والتبذير:
الإسراف والتبذير في الأفراح هما ظاهرتان سلبيتان تتنافيان مع تعاليم الدين الإسلامي، حيث يتجلى الإسراف في تجاوز الحد المسموح به في الإنفاق على الاحتفالات، ويتجلى التبذير في صرف المال في أمور غير مفيدة أو محرمة.
إن الإسراف والتبذير مسلك خطأ من مسالك الإنسان في المال، تولى القرآن الكريم الحديث عنه وعن أهله، فبيّنه وفضح الغارقين فيه، ودلّ على آثاره وجزاء المنغمسين فيه، وجاء في السنة المطهرة التحذير منه والنهي عنه؛ قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء: 26، 27]، وقال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا، والبسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة» (6)، قال الموفق عبد اللطيف البغدادي: هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة، فإن السرف في كل شيء يضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذا كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضر بالنفس حيث يكسبها العجب، ويضر بالآخرة حيث تكسب الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس (7).
وقال عليه السلام: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» (8).
اختلف العلماء في إضاعة المال؛ فقال سعيد بن جبير: إضاعة المال أن يرزقك الله رزقا فتنفقه فيما حرم الله عليك، وكذلك قال مالك، قال المهلب: وقيل: إضاعة المال: السرف في إنفاقه وإن كان فيما يحل، ألا ترى أن النبي رد تدبير المعدم؛ لأنه أسرف على ماله فيما يحل له ويؤجر فيه، لكنه أضاع نفسه، وأجره في نفسه أوكد عليه من أجره في غيره.
واختلف العلماء في وجوب الحجة على البالغ المضيع لماله، فقال جمهور العلماء: يجب الحجر على كل مضيع لماله صغيرًا كان أو كبيرًا (9).
والإسراف داء مهلك ومرض قتّال، ينبت أخلاقًا سيئة مرذولة، ويهدم بيوتًا عامرة مصونة، ويورث الجبن وينبت الذل، والمسرف ضعيف العزيمة واهن القوة، منهمك في فنون المتاع الرخيص، لا يصمد أمام الشدائد ولا يحتمل المكاره؛ لأنه متعلق بمشتهيات نفسه، مغرق في لذيذ عيشها، ما يقوي حرصه على الحياة وكراهيته للموت.
الإسراف يمسك بيد صاحبه عن فعل الخير وبذل المعروف، وأهل الإسراف تأبى أيديهم أن تبسط في إسعاد ذوي الحاجات والنكبات، لا يسارعون إلى مروءة ولا يسعفون في أخوة، ولا يهمهم أن يكون لهم في الناس ذكر جميل أو صيت حسن، ومن ثم تنقطع صلة التعاطف والتراحم بين كثير من أفراد الأمة، بل لقد نبه المجربون إلى أن للإسراف أثرًا كبيرًا في إهمال النصيحة وحب الناصحين، ولقد قال الله في فرعون: {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان: 31].
الاختلاط المحرم:
لا شك أنه يحرم اختلاط جنس الرجال بجنس النساء في قاعة حفلات الزفاف وغيرها؛ لما في ذلك من الفتنة والاطلاع على عورات النساء والتشبه بعادات الكفار الفاسدة، والنساء يكن في هذا الوسط متجملات ومتزينات وكاشفات لمفاتنهن؛ وهذا يزيد الأمر بلاء وسوءًا، والشريعة جاءت بتحريم الفواحش وتحريم الوسائل المفضية لذلك.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاط في مناسبات متعددة كما في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (10)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» (11).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق» (12)، ومن مراسم الحفل رقص النساء وإظهار الفرح ورفع الصوت بالزغردة؛ وكل ذلك يزيد في الفتنة والإغراء وتزيين الشهوات والوقوع في المنكرات، وكم حصل من جراء تساهل الناس في هذا الباب مفاسد وشرور لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل بالأحوال.
ومن المنكرات البالية في هذا الباب دخول الزوج وبعض أقاربه من الرجال على النساء واطلاعهم عليهن، وجلوس الزوج بقرب الزوجة ليلبسها الشبكة ويطعمها ويصور معها، ويحصل بينهما من الملاطفة، ويرقص الأقارب أمام النساء الأجنبيات.
استخدام الموسيقى والأغاني الماجنة:
إن مما يؤسف له أن كثيرًا من الناس يتخذون في أفراحهم اللهو اللاهي، والمجون المخزي، والخلاعة الفاضحة، يقوم بذلك طائفة من حثالة الناس وسفلتهم، بين مطرب ومطربة، وراقص وراقصة، في ضجة شديدة، وصخب ممقوت، وأوضاع يندى لها جبين الفضيلة، وتأباها نفس الحر الكريم، ويمجها الطبع السليم، وتبرأ منها العزة والكرامة.
ولقد تكلم العلامة ابن القيم -رحمه الله- عن الغناء، فأفاد وأجاد، فذكر أن له في الشرع بضعة عشر اسمًا: اللهو، اللغو، والباطل، والزور، والمكاء، والتصديـة، ورقية الزنا، وقرآن الشيطان، ومنبت النفاق في القلب، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمود (13).
اللباس العاري والفاضح:
لبس غير الكاسي من الثياب بالنسبة للنساء، حتى إن الداخل لأسواقنا، ليرى ألبسة عجيبة يستنكرها العقلاء فضلًا عن ذوي الإيمان، ثيابٌ رقيقة وأخرى عارية، وألبسةٌ مخرّمة، وكذا القصيرة والمفتوحة من الجوانب، والضيقة التي تصف حجم الأعضاء، وحدّث ولا حرج عن البناطيل والصدور والنحور المكشوفة... والحجة موديل العصر ونحن أمام النساء، يا سبحان الله.. أين هنّ مما جاء في مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لم أرهما: قوم معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن مثل أسنمة البخت المائلة لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا» (14).
والكاسيات العاريات: هي التي تستر بعض بدنها وتكشف بعضه أو تلبس ثوبًا رقيقًا يصف بدنها، ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لابسة البنطلون تدخل في حديث «صنفان من أهل النار» الآنف الذكر حتى ولو كان واسعًا فضفاضًا.
إن مما عمّت به البلوى تلك الملابس الفاضحة العارية، التي تلبسها كثير من المسلمات في صالات الأفراح وغيرها، ملابسٌ يُندى لها جبين المؤمن الغيور والمؤمنة الغيورة التقية، كل ذلك بحجة: أننا أمام النساء.
ملابس في غاية العُريّ والسفالة، إنها أزياء وموديلات جاءت ووفدت إلى نساءنا من لدن البغايا اللائي خسرن أعراضهن، بعرض أجسادهن عبر هذه الأزياء المتعرية التي شُحِنت بها أسواقنا، وتسابق إلى شراءها نساءنا، ولو علموا مصدرها المتعفن لتباعد عنها الذين فيهم بقيةٌ من حياء.
إن من أعز ما يملكه الإنسان هو الحياء والعفاف والفضيلة، والمرأة عندما تتعرى فماذا بقي لها من العفاف والحياء والفضيلة.
وكذلك المبالغة في تفصيل الثياب وهي ملابس خيلاء أو شهرة، يقول صلى الله عليه وسلم: «من ترك اللباس تواضعًا لله عز وجل وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها» (15).
وحلق ما يحرم حلقه من الشعر ومنها الحواجب، وهذا هو النمص، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن النامصة والمتنمصة» (16).
الإسراف في حفلات الزفاف، ابتداءً من كروت وبطاقات الدعوة، ومرورًا بالمكالمات وانتهاءً بقصور الأفراح، وكذلك الإسراف في المطاعم والمشارب، فضلًا عن وجبات العشاء التي تقدم، والنتيجة رؤية رؤوس المواشي في الحاويات والبخار يتصاعد منها، أممٌ تتباهى بالأطعمة كمًا ونوعًا، وإخوانها في العقيدة والدين في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون عن فتات الخبز، والله يقول: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43].
التصوير وما أدراك ما التصوير.. وهذا حرام بلا شك، ولا يرضى عاقل أن تُلتقط صورةً لمحارمه ونسائه فضلًا عن ذي إيمان ومروءة، والأمر يزيد قبحًا وخطورةً عندما تُصوّر لقاءات النساء ورقصهن بكاميرات الفيديو والجوالات الحديثة، فالعار العار والشنار الشنار.
سبل علاج منكرات الأفراح:
التوعية الشرعية:
توعية الناس بأحكام الشريعة المتعلقة بالزواج والأفراح، من خلال المحاضرات والندوات ودروس المساجد وخطب الجمعة، ووسائل الإعلام المختلفة.
القدوة الحسنة:
حرص أهل العلم والفضل على إقامة أفراحهم وفقًا للشريعة الإسلامية، ليكونوا قدوة للآخرين، وأسوة لمن أراد من العقلاء والنجباء وأهل الفضل والمروءة.
عن ابن عباس أن عليًا رضي الله عنه قال: تزوجت فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله ابن بي، قال: «أعطها شيئًا»، قلت: ما عندي من شيء! قال: «فأين درعك الحطمية؟» قلت: هي عندي، قال: «فأعطها إياه» (17).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قيام كل مسلم بدوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالرفق واللين، والتشجيع على الخير، والحض على التزام شرع الله وترك ما يخالفه، والتحذير من مغبة الوقوع في الحرام والمنكر.
تعزيز الرقابة الذاتية والمجتمعية:
تربية الأفراد على مراقبة أنفسهم قبل أن يراقبهم الآخرون، والتعاون على منع المنكرات داخل المجتمع، وإيقاظ الباعث الإيماني في داخل الفرد، وتنبيه القلوب وإحياؤها بالطاعات والقربات.
التركيز على الأهداف السامية للزواج:
تذكير الناس بأن الزواج هو سنة نبوية وميثاق غليظ، وسكن ومودة ورحمة، وأسرة وأولاد ومسئولية، وليس مجرد حفل للترفيه والإسراف، بل هو آية من آيات الله يجب احترامها وتعظيمها والوقوف عند حدود الله فيها، قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].
تشجيع الزواجات الميسرة:
التيسير على الشباب في إقامة حفلات الزفاف، وعدم المغالاة في المهور والتكاليف.
قال صلى الله عليه وسلم: «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها» (18).
جاء في فيض القدير عند شرحه لهذا الحديث: «وتيسير صداقها» أي عدم التشديد في تكثيره، ووجد أنه بيد الخاطب من غير كد في تحصيله، «وتيسير رحمها»: أي للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل، قاله عروة، قال: وأنا أقول: إن من أول شؤمها أن يكثر صداقها (19).
فثبت أن هدي الإسلام هو التيسير في الزواج والتسهيل في المهور والأجور، ومن أراد معرفة ذلك فليقرأ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تزوجه وتزويجه، وهدي صحابته رضي الله عنهم في ذلك، فقد تزوجت امرأة بنعلين فأجاز النبي نكاحها، وقال للرجل: «التمس ولو خاتما من حديد»، فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل معك شيء من القرآن؟»، قال: نعم سورة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوجتكما أو قال: ملكتكها بما معك من القرآن» (20).
قال الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32]، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف» (21).
قال الطيبي: إنما آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الإنسان وتقصم ظهره لولا أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها وأصعبها العفاف؛ لأنه قمع الشهوة الجبلية المذكورة في النفس وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل سافلين، فإذا استعف وتداركه عون إلهي ترقى إلى منزلة الملائكة في أعلى عليين (22).
-------------
(1) أخرجه مسلم (1400).
(2) شرح قانون الأحوال الشخصية للأشقر (ص: ٥٦).
(3) أخرجه أبو داود (336).
(4) في ظلال القرآن (5/ 3229).
(5) في ظلال القرآن (6/ 3819).
(6) أخرجه النسائي (2559).
(7) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 294).
(8) أخرجه البخاري (2408).
(9) شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 529).
(10) أخرجه البخاري (5096).
(11) أخرجه مسلم (440).
(12) أخرجه أبو داود (5272).
(13) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 237).
(14) أخرجه ابن حبان (7461).
(15) أخرجه الترمذي (2481).
(16) أخرجه أبو داود (4170).
(17) أخرجه النسائي (3375).
(18) أخرجه أحمد (24478).
(19) فيض القدير (2/ 543).
(20) أخرجه البخاري (5135).
(21) أخرجه الترمذي (1655).
(22) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2047).