من مظاهر رحمة الله تعالى
مظاهر رحمة الله لا يحصيها العد، ويعجز ابن آدم عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها؛ سواء في ذات نفسه وتكوينه، أو في تكريمه وتسخير ما حوله له، أو ما أنعم الله به عليه من نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأجل ذلك الرحمة بهدايته إلى الصراط المستقيم وشرع الله القويم، وتتوالى رحمات الله حتى أنها تتمثل فيما مُنِعَ عنه كما تتمثل فيما مُنِحَ له؛ فما مُنِعَ عنه إلا ما يضره ولا ينفعه؛ وذلك رحمة به.
ويجد هذه الرحمات في نفسه ومشاعره وما حوله كلُ من فتح الله عليه بالرحمة، بينما يفتقدها كل من أمسك الله عنه الرحمة، حتى ولو أُغرِق في النعم؛ لأنها تصير عليه حينئذ نقمة لا نعمة؛ وذلك مصداق قول الله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: ٢]، يخبر تعالى أن مفاتيح كل شيء بيده، فما يفتح للناس من أرزاق وخيرات وبركات لا يمكن لأحد من خلقه أن يمسكها دونه، وما يمسك من ذلك فلا يستطيع أحد من خلقه أن يرسله، وهو وحده العزيز الغالب على أمره ومراده فلا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى الحكيم في صنعه وتدبير خلقه (1).
فليستشعر العبد المؤمن ذلك؛ فإن شعوره برحمة الله له هو أجلُّ رحمة، ورجاؤه لرحمة الله وتطلعه إليها هو الرحمة بعينها، وثقته بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة ذاتها.
ورحمة الله تتمثل في مظاهر لا يحصيها العد ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه، وتكريمه بما كرمه وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته، وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير.
ورحمة الله تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح، ويجدها من يفتحها الله له في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حال، وفي كل مكان؛ يجدها في نفسه، وفي مشاعره، ويجدها فيما حوله، وحيثما كان، وكيفما كان، ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان؛ ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حالة، وفي كل مكان، ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان! وما من نعمة- يمسك الله معها رحمته- حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة- تحفها رحمة الله- حتى تكون هي بذاتها نعمة؛ ينام الإنسان على الشوك- مع رحمة الله- فإذا هو مهاد، وينام على الحرير- وقد أمسكت عنه- فإذا هو شوك القتاد، ويعالج أعسر الأمور- برحمة الله- فإذا هي هوادة ويسر، ويعالج أيسر الأمور- وقد تخلت رحمة الله- فإذا هي مشقة وعسر، ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام، ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار.
ولا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساكها دون سواه، لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب أو في شعاب الهلاك، ولا وسعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم، وفي مراتع الرخاء، فمن داخل النفس برحمة الله تتفجر ينابيع السعادة والرضا والطمأنينة، ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصب والكد والمعاناة! هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب، وتوصد جميع النوافذ، وتسد جميع المسالك.. فلا عليك.
فهو الفرج والفسحة واليسر والرخاء، وهذا الباب وحده يغلق وتفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع، وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء! هذا الفيض يفتح، ثم يضيق الرزق، ويضيق السكن، ويضيق العيش، وتخشن الحياة، ويشوك المضجع..
فلا عليك؛ فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة، وهذا الفيض يمسك، ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء.
فلا جدوى؛ وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء! المال والولد، والصحة والقوة، والجاه والسلطان، تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله، فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان.
يبسط الله الرزق- مع رحمته- فإذا هو متاع طيب ورخاء، وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة، ويمسك رحمته، فإذا هو مثار قلق وخوف، وإذا هو مثار حسد وبغض، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض، وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار.
ويمنح الله الذرية- مع رحمته- فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله، ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء، وسهر بالليل وتعب بالنهار.
ويهب الله الصحة والقوة- مع رحمته- فإذا هي نعمة وحياة طيبة، والتذاذ بالحياة، ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح، ويدخر السوء ليوم الحساب! ويعطي الله السلطان والجاه- مع رحمته- فإذا هي أداة إصلاح، ومصدر أمن، ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر.
ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما، ومصدر طغيان وبغي بهما، ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار، ولا يستمتع بجاه ولا سلطان، ويدخر بهما للآخرة رصيدًا ضخمًا من النار! والعلم الغزير، والعمر الطويل، والمقام الطيب، كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال؛ مع الإمساك ومع الإرسال، وقليل من المعرفة يثمر وينفع، وقليل من العمر يبارك الله فيه، وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة.
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله! فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك، ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة، ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة، وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة، والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها، وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبدًا {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال؛ وجدها إبراهيم عليه السلام في النار، ووجدها يوسف عليه السلام في الجب كما وجدها في السجن، ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور، فقال بعضهم لبعض: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف: 16]، ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار، ووجدها كل من آوى إليها يأسًا من كل ما سواها، منقطعًا عن كل شبهة في قوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصدًا باب الله وحده دون الأبواب.
ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها، ومتى أمسكها فلا مرسل لها، ومن ثم فلا مخافة من أحد.
ولا رجاء في أحد، ولا مخافة من شيء، ولا رجاء في شيء، ولا خوف من فوت وسيلة، ولا رجاء مع الوسيلة.
إنما هي مشيئة الله، ما يفتح الله فلا ممسك، وما يمسك الله فلا مرسل، والأمر مباشرة إلى الله، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} يقدر بلا معقب على الإرسال والإمساك، ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك.
{مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2]، وما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه، بلا وساطة وبلا وسيلة إلا التوجه إليه في طاعة وفي رجاء وفي ثقة وفي استسلام (2).
ورحمة الله بعباده تأتي على أوجه متعددة، وصور مختلفة، لا يمكن حصرها، ولا يستطاع عدها، ولكن سنكتفي بذكر شيء منها:
فمن صور رحمته تبارك وتعالى بعباده: أن بعث فيهم رسلًا مبشرين ومنذرين، يعرفونهم ربهم، ويدعونهم إلى عبادته وإخلاص الدين له، ويعلمونهم الحق، ويحذرونهم من سبيل الباطل والضلال، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الأنعام: 48].
عن المغيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة» (3).
أيُّ شيء يمنحه الله لعباده ويتفضل به عليهم من خزائن رحمته، من نعمةٍ، وصحةٍ، وأمنٍ، وعلمٍ وحكمةٍ، ورزقٍ، وإرسال رسلٍ لهداية الخلق، وغير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحيط بها عدٍّ، فلا يقدر أحدٌ على إمساكه وحرمان خلق الله منه، فهو الملك الوهاب الذي لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع (4).
فالرسل بُعثوا يُهذّبون العباد، ويُخرجونهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويُحرّرونهم من رقّ عبودية المخلوق إلى حرية عبادة رب الأرباب، الذي أوجدهم من العدم، وسيفنيهم بعد الوجود، ويبعثهم بعد الفناء، ليكونوا إما أشقياء، وإما سعداء.
ولو تُرك الناس هملًا دون إنذار وتخويف، لعاشوا عيشة ضنكًا، في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وعادات منحرفة، وأخلاق فاسدة، وأصبحت الحياة مجتمعُ غاب، القويّ فيهم يأكل الضعيف، والشريف فيهم يذلّ الوضيع، وهكذا.. فاقتضت حكمته جلّ وعلا ألا يخلق عباده سُدى، ولا يتركهم هملًا، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة: 36].
ومن رحمته جلّ وعلا بهم، أن منّ عليهم إذ بعث فيهم رسلًا مبشرين ومنذرين يتلون عليهم آيات ربهم، ويُعلّمونهم ما يصلحهم، ويُرشدونهم إلى مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134].
والرسل هم قادة للبشر يسيرون بهم على طريق الخير، ويهدونهم إلى سبيل الرشاد، ويجنبونهم سبل الغواية والضلال، وهم قدوة للناس في أخلاقهم وعبادتهم، وطريقة حياتهم، وقد أمر الله سبحانه باتباعهم والسير على طريقهم فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
ومن صور رحمته بنا: أن بعث فينا سيدَ الأولين والآخرين، وجعل رسالته رحمة للخلق أجمعين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة (5).
عن ابن عباس: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} قال: من تبعه كان له رحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يتبعه عوفي مما كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والقذف (6).
أي: وما أرسلناك- أيها الرسول الكريم- بهذا الدين الحنيف وهو دين الإسلام، إلا من أجل أن تكون رحمة للعالمين من الإنس والجن.
وذلك لأننا قد أرسلناك بما يسعدهم في دينهم وفي دنياهم وفي آخرتهم متى اتبعوك، واستجابوا لما جئتهم به، وأطاعوك فيما تأمرهم به أو تنهاهم عنه (7).
التقت طبيعة الرسول بطبيعة الرسالة، والتقت حقيقة الداعي بحقيقة الدعوة، في هذه السمة الأصيلة البارزة، وكذلك كانت الأمة التي جاءها الرسول الميسر بالرسالة الميسرة، فهي الأمة الوسط، وهي الأمة المرحومة الحاملة للرحمة، الميسرة الحاملة لليسر، تتفق فطرتها هذه مع فطرة هذا الوجود الكبير (8).
قال الرازي: كان عليه السلام رحمة في الدين وفي الدنيا، أما في الدين فلأنه عليه السلام بعث والناس في جاهلية وضلالة، وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم؛ فبعث الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب، فدعاهم إلى الحق وبين لهم سبيل الثواب، وشرع لهم الأحكام وميز الحلال من الحرام، ثم إنما ينتفع بهذه الرحمة من كانت همته طلب الحق فلا يركن إلى التقليد ولا إلى العناد والاستكبار، وكان التوفيق قرينًا له قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} إلى قوله: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44]، وأما في الدنيا فلأنهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب ونصروا ببركة دينه (9).
وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
أي: شديد الرأفة والرحمة بكم- أيها المؤمنون- والرأفة عبارة عن السعي في إزالة الضرر، والرحمة عبارة عن السعي في إيصال النفع، فهو صلى الله عليه وسلم يسعى بشدة في إيصال الخير والنفع للمؤمنين، وفي إزالة كل مكروه عنهم.
قال بعضهم: لم يجمع الله تعالى لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ}، وقال عن ذاته سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} (10).
عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: «إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة» (11).
قال الطيبي أي: إنما بعثت لأقرب الناس إلى الله، وإلى رحمته، وما بعثت لأبعدهم عنها، فاللعن مناف لحالي فكيف ألعن (12).
وفي الحديث الآخر: «إنما أنا رحمة مهداة» (13).
ومن صور تلك الرحمة: إنزال الشريعة الكاملة في مبادئها ونُظُمِها وقِيَمها وأخلاقها، وجعلها شريعة شاملة صالحة لكل زمان وإنسان، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51].
فالذين يؤمنون هم الذين يجدون مس هذه الرحمة في نفوسهم، وهم الذين يتذكرون فضل الله وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل ويستشعرون كرمه وهو يدعوهم إلى حضرته وإلى مائدته وهو العلي الكبير.
وهم الذين ينفعهم هذا القرآن، لأنه يحيا في قلوبهم، ويفتح لهم عن كنوزه ويمنحهم ذخائره، ويشرق في أرواحهم بالمعرفة والنور (14).
وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» (15).
وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
وصفه الله تعالى بأربعة أوصاف كاملة:
الوصف الأول: أنه تبيان كل شيء أي فيه بيان كامل لكل شيء من شئون الرسالات الإلهية للبشر، ففيه خير رسالات النبيين السابقين، وفيه بيان الأحكام المحكمة التي لم يَعْرُها نسخ من الشرائع الإلهية كلها، وفيه المعجزات التي جاءت بها الرسل معجزة معجزة، ولولا القرآن الكريم ما علمت على درجة اليقين معجزة لنبي أو رسول، لأنه الكتاب المحفوظ المتواتر حقا وصدقًا.
والوصف الثاني: أنه هدى، فهو يشتمل على الهداية، كما قال قائل الجن: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2]، ويبين السبيل الأقوم والطريق المستقيم.
والوصف الثالث: أنه الرحمة، لأن شريعته رحمة للعالمين فهي بنظامها واقتصادها وحدودها، وكل عقوباتها رحمة للكافة من الأمة، وإن كانت فيها قسوة أحيانًا على الآحاد، ففيها رحمة للعباد.
والوصف الرابع: {وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} فيه التبشير للمؤمنين بالجنة، والإنذار للكافرين بالنار، وذكرت البشرى دون النذر لأنها التي تتناسب مع الرحمة، والله ولي المؤمنين (16).
وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86].
ومن مظاهر هذه الرحمة: أنها شريعة ميسرة سهلة لا مشقة فيها: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وفي الحديث: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا» (17)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» (18).
قال ابن القيم: فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى البعث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل (19).
ومن مظاهر رحمته -جل جلاله- بعباده: قبول التوبة والعفو عن العصاة، ومغفرته لذنوبهم، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]؛
إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية، كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة، دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال، دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله، إن الله رحيم بعباده، وهو يعلم ضعفهم وعجزهم، ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه، ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد، ويأخذ عليهم كل طريق، ويجلب عليهم بخيله ورجله، وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث!
ويعلم أن بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه، وأنه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده، وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك ويوقعه في المعصية وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم..
يعلم الله سبحانه عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون ويوسع له في الرحمة ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيئ له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط، وبعد أن يلج في المعصية، ويسرف في الذنب، ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره، ولم يعد يقبل ولا يستقبل، في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط، يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (20).
فالله: «يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» (21)، وينزل في الثلث الأخير من الليل فينادي: «هل من سائل فيُعطَى سُؤلَه؟ هل من مستغفر فيُغفَر له؟ هل من تائب فيُتاب عليه» (22)، وكل ذلك رحمة منه بعباده تعالى.
ومن الصور الدالة على رحمته: أنه تكفّل برزق عباده جميعًا، ولم يَكِل أحدًا إلى أحد؛ فلا الأولاد وُكِلُوا لآبائهم، ولا الآباء لأولادهم؛ بل الجميع تحت فضله وكرمه وإحسانه، قال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 61]، يبسط الله الرزق- مع رحمته- فإذا هو متاع طيب ورخاء وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة، ويمسك رحمته، فإذا هو مثار قلق وخوف، وإذا هو مثار حسد وبغض، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض، وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار (23).
وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]، أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء.
من مظاهر سعة رحمة الله تعالى أنه يضاعف الحسنات: ومن مظاهر سعة رحمة الله تعالى، أنه تبارك وتعالى يضاعف الحسنات أضعافًا كثيرة، بينما السيئة تبقى واحدة، بل إن الحسنات يذهبن السيئات، وأن من هم بحسنة ولم يعملها كتبها الله تعالى له حسنة، فإن عملها كتبها له عشر حسنات إلى سبعمئة، إلى أضعاف كثيرة، وأن من هم بسيئة ولم يعملها كتبها له حسنة، فإن عملها كتبها عليه سيئة واحدة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل قال: قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة» (24).
هذا حديث شريف بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم مقدار تفضل الله على عباده بأن جعل هموم العبد بالحسنة، وإن لم يعملها حسنة، وجعل همومه بالسيئة إن لم يعملها حسنة، وإن عملها كتبت سيئة واحدة، وإن عمل الحسنة كتبت عشرًا، ولولا هذا التفضل العظيم لم يدخل أحد الجنة؛ لأن السيئات من العباد أكثر من الحسنات، فلطف الله بعباده بأن ضاعف لهم الحسنات، ولم يضاعف عليهم السيئات، وإنما جعل الهموم بالحسنة حسنة، لأن الهموم بالخير هو فعل القلب بعقد النية على ذلك (25).
بل إن الله جل شأنه يبدل سيئات المسيء إذا تاب حسنات.
روى الإمام مسلم عن صفوان بن محرز، قال: قال رجل لابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: في النجوى؟ قال: سمعته يقول: «يدني المؤمن يوم القيامة من ربه عز وجل، حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله» (26).
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا (71)} [الفرقان: 68- 71].
عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئًا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها، فهل لذلك من توبة؟ قال: «فهل أسلمت؟»، قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: «تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن»، قال: وغدراتي وفجراتي، قال: «نعم»، قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى (27).
قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
من مظاهر سعة رحمة الله تعالى أنه يحاسب عباده بفضله: ومن مظاهر سعة رحمة الله تعالى أنه تعالى لا يحاسب العباد على ما أعطاهم وأكرمهم به، بل يحاسبهم بمحض فضله تعالى، لأنه لو طالبهم بما كان قد منحهم لما قام بذلك أحد.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدًا منكم عمله الجنة» قالوا: ولا أنت؟ يا رسول الله قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة» (28).
كما أن الله تعالى لا يحاسب العباد على موجب علمه بما عملوا، وإنما يحاسبهم على وفق تعلق فعلهم بالأمر والنهي، فمن وافق عمله الأمر الرباني أكرم، ومن خالف فعله النهي الرباني عوقب.
كما أن من رحمته عز وجل بعباده أن من ستره في الدنيا لن يفضحه في الآخرة، إنما يعاقب المجاهرين.
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يستر الله على عبد في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة» (29).
عن سالم بن عبد الله، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» (30).
أخيرًا:
مظاهر رحمة الله بعباده إن رحمة الله ليست كرحمة المخلوقين، فالله سبحانه وتعالى خلَق الرحمة وأودع في الخلق جزءًا من رحمته، وأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا كما ذكر في الحديث النبوي الشريف، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة» (31).
قال الطيبي: رحمة الله تعالى لا نهاية لها، فلم يرد بما ذكره تحديدًا بل تصويرًا للتفاوت بين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الدنيا (32).
***
------------
(1) أيسر التفاسير للجزائري (4/ 336).
(2) في ظلال القرآن (5/ 2921- 2923).
(3) أخرجه البخاري (7416).
(4) صفوة التفاسير (2/ 519).
(5) تفسير ابن كثير (5/ 385).
(6) تفسير ابن كثير (5/ 387).
(7) التفسير الوسيط لطنطاوي (9/ 258).
(8) في ظلال القرآن (6/ 3892).
(9) مفاتيح الغيب (22/ 193).
(10) تفسير القرطبي (8/ 302).
(11) أخرجه مسلم (2599).
(12) مرقاة المفاتيح (9/ 3714).
(13) أخرجه الحاكم (100).
(14) في ظلال القرآن (5/ 2747).
(15) أخرجه البخاري (4981).
(16) زهرة التفاسير (8/ 4247).
(17) أخرجه مسلم (1732).
(18) أخرجه البخاري (220).
(19) إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 11).
(20) في ظلال القرآن (5/ 3058).
(21) أخرجه مسلم (2759).
(22) أخرجه مسلم (758).
(23) في ظلال القرآن (5/ 2922).
(24) أخرجه البخاري (6491)، ومسلم (131).
(25) شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/ 199- 200).
(26) أخرجه مسلم (2768).
(27) صحيح الترغيب والترهيب (3164).
(28) أخرجه مسلم (2816).
(29) أخرجه مسلم (2590).
(30) أخرجه البخاري (6069).
(31) أخرجه مسلم (2752).
(32) تحفة الأحوذي (9/ 369).