المرأة في حياة الداعية
إن وراء كل رجل ناجح امرأة تسانده وتؤازره، وتقدم له الدعم والعون للتقدم نحو الأمام، ومن يعارض ذلك قد يكون غالط الواقع الذي يؤكده كل الناجحين من الرجال على مدى التاريخ.
وهذه حقيقة، شريطة أن يكون الرجل أو المرأة يمتلك مقومات النجاح، ومؤهلًا بتكوينه لأن يكون عظيمًا، ويساعد المرأة لتقوم بدور الداعم لتصل به إلى أعلى مستويات النجاح.
إن نجاح الرجل ينطلق من قلب أسرته، وهذا يؤكد أن هذا النجاح لا يخلو من دعم ومساندة من المرأة؛ انطلاقًا من الأم التي تتعب وتقدم الكثير والكثير في الصغر، وانتهاءً بالزوجة التي هي الأخرى تبذل جهودًا كبيرةً لاستمرار نجاح الرجل.
الأم مصنع الرجال ومحضن الأبطال:
إن الأم من الأمة بمثابة القلب من الجسد؛ فهي غذاء أرواحهم، ومران أعوادهم، ومفيض مداركهم، ومبعث عواطفهم، فإن وهنت كان كل أولئك ضعيفًا.
إذا قلبت صفحات تاريخنا الإسلامي، فلا تكاد تقف على عظيم ممن ذَلّتْ لهم نواصي الأمم، ودانت لهم الممالك، وطبق ذكرهم الخافقين، إلا وهو ينزع بِعِرْقِهِ وخُلُقِهِ إلى أم عظيمة، وكيف لا يكون ذلك والأم المسلمة قد اجتمع لها من وسائل التربية ما لم يجتمع لأخرى ممن سواها؟ مما جعلها أعرف خلق الله بتكوين الرجال، والتأثير فيهم، والنفاذ إلى قلوبهم، وتثبيت دعائم الخُلق العظيم بين جوانحهم، وفي مسارب دمائهم.
موسى عليه السلام تربى على يد الواثقة بالله:
لقد ولد موسى في ظل تلك الأوضاع القاسية ...، ولد والخطر محدق به، والموت يتلفت عليه، والشفرة مشرعة على عنقه، تهم أن تحتز رأسه.
وها هي ذي أمه حائرة به، خائفة عليه، تخشى أن يصل نبؤه إلى الجلادين، وترجف أن تتناول عنقه السكين، ها هي ذي بطفلها الصغير في قلب المخافة، عاجزة عن حمايته، عاجزة عن إخفائه، عاجزة عن حجز صوته الفطري أن ينم عليه، عاجزة عن تلقينه حيلة أو وسيلة، ها هي ذي وحدها ضعيفة عاجزة مسكينة.
هنا تتدخل يد القدرة، فتتصل بالأم الوجلة القلقة المذعورة، وتلقي في روعها كيف تعمل، وتوحي إليها بالتصرف:
{وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي}