مقاصد النكاح
رغب الإسلام في الزواج بصور متعددة؛ فتارة يذكر أنه من سنن الأنبياء والمرسلين، وهم القادة الذين يجب علينا الاقتداء بهم، وأحيانًا يتحدث عن كونه آية من آيات الله، وتارة بلفته النظر إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلًا إلى الغنى... إلخ.
فالزواج سنة كونية، وفطرة إنسانية، ومِنَّة إلهية، وله عديد من المقاصد والفوائد في الدارين، ومعرفة المقاصد الشرعية التي أراد الإسلام تحقيقها من الزواج هو من القضايا الجديرة بالعناية، فينبغي لمن أراد الزواج أو من تزوج معرفتها، ومن أبرز المقاصد الشرعية للزواج في الإسلام ما يلي:
1- حفظ النسل وتكثيره؛ بغرض إعمار الكون وبقاء النوع الإنساني، وكذلك إكثار أفراد الأمة المسلمة وتقويتها وتمكينها في الوجود الحياتي والكوني؛ حتى تكون مرهوبة الجانب، عزيزة الذات، فاعلة الأثر والتأثير، وحتى تؤدي رسالة الاستخلاف في الأرض، والشهادة على الناس.
ذكر الإمام الغزالي تكثير النسل وإبقاءه على أنه المقصد الأول للزواج، وجعل حفظ الفرج وكسر الشهوة المقصد الثاني، فقال: فيه [أي النكاح] فوائد خمسة:
1- الولد، وهو الأصل، وله وضع النكاح، والمقصود به إبقاء النسل.
2- كسر الشهوة، والمراد التحصن من الشيطان، وكسر التوقان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر وحفظ الفرج.
3- ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر ونحوهما؛ إراحة وتقوية لها على العبادة، ذلك أن النفس ملول، وهي عن الحق نفور؛ لأنه على خلاف طبعها، فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت، وإذا روحت في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكره ويروح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات؛ ولذلك قال تعالى: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189].
4- في الزواج تفريغ القلب عن تدبير المنزل وتهيئة أسباب المعيشة، ولو تكفل المرء بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرغ للعلم والعمل، والمرأة الصالحة عون على الدين بهذه الطريق.
5- مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن والسعي في إصلاحهن وإرشادهن إلى طريق الدين، ورعايتهن، وهذه كلها أعمال عظيمة الفضل؛ لما فيها من الرعاية والولاية، والأهل والولد رعية، وفضل الرعاية عظيم، ولا يحترز منها إلا من خاف القصور عن القيام بحقها(1).
وقال السفاريني: «النكاح مأمور به شرعًا، وهو مستحسن وضعًا وطبعًا؛ لأن به بقاء النسل وعمار الدنيا، وعبادة الله، والقيام بالأحكام، وهو سنة لذي شهوة ولا يخاف الزنا ولو كان فقيرًا، والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة، ويباح لمن لا شهوة له، ويجب على من يخاف الزنا، رجلًا كان أو امرأة، علمًا كان الخوف أو ظنًا، وهو مقدم على الحج الواجب، كما نص عليه الإمام أحمد بن حنبل، وتعرض الكراهية للنكاح إذا كان الناكح غير ذي شهوة لأنه يمنع من تزوجها من الإحصان [العفة] بغيره، ويضرها بحبسها على نفسه»(2).
لذلك جاءت الأدلة الشرعية تحث على الزواج والإنجاب، وترغب في التناسل، وتحرم قتل الأولاد والبنات بسبب الفقر أو العار أو ما شابه ذلك، وتحظر الإجهاض إلا عند الضرورات القصوى، كأن يخشى على الأم من الموت بسبب خطر الجنين، فيباح إجهاضه؛ لأن المحافظة على الأصل مقدمة على المحافظة على الفرع.
وقال سبحانه: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل:72]، وعن معقل بن يسار أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم»(3).
قال البخاري في صحيحه: باب من طلب الولد للجهاد، وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون»(4).
قال الإمام ابن حجر العسقلاني: «قوله: باب: من طلب الولد للجهاد؛ أي ينوي عند المجامعة حصول الولد ليجاهد في سبيل الله؛ فيحصل له بذلك أجر وإن لم يقع ذلك».
وبوب البخاري أيضًا (باب طلب الولد)، قال ابن حجر: «أي بالاستكثار من جماع الزوجة، أو المراد الحث على قصد الاستيلاد بالجماع لا الاقتصار على مجرد اللذة، وليس ذلك في حديث الباب صريحًا، لكن البخاري أشار إلى تفسير الكيس كما سأذكره، وقد أخرج أبو عمرو النوقاني في كتاب (معاشرة الأهلين) من وجه آخر عن محارب رفعه قال: «اطلبوا الولد والتمسوه فإنه ثمرة القلوب، وقرة الأعين، وإياكم والعاقر» وهو مرسل قوي الإسناد»(5).
وقال الماوردي: «وأن ينوي في ذلك كله نية الولد، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وينوي في الولد أن الله لعله يرزقه من يعبد الله ويوحده، ويجري على يديه صلاح الخلق، وإقامة الحق، وتأييد الصدق، ومنفعة العباد وعمارة البلاد»(6).
2- حفظ النسب والعرض، وصيانته من الفوضى والاختلاط والتداخل والتلاعب، والنسل الذي ذكرناه بأنه مقصد شرعي للنكاح هو النسل المضبوط والمنضبط بمعرفة النسب الصحيح، وإلحاق الفروع بأصولها الحقيقية، ومراعاة الكرامة والعفة والحياء، ومنع كل ما يخل بحق الإنسان في النسب الصحيح، والعرض الشريف والنظيف والعفيف؛ لذلك شرعت أحكام الزواج الشرعي الصحيح، ومنع الزنا واللواط والسحاق، ومعاقبة الشاذين والمنحرفين، ومنع التبني.
إن انتساب الإنسان إلى أصله، ونقاء الأنساب وصيانتها من الاختلاط مقصد للشريعة مستقل عن حفظ النسل، ولأجل تحقيق هذا المقصد حرم الإسلام التبني والزنا، وشرعت الأحكام الخاصة بالعدة، وعدم كتمان ما في الأرحام، وإثبات النسب وجحده، وغير ذلك من الأحكام.
والغالب في استعمال النسب أن ينسب الإنسان إلى أبيه، وإذا انقطع النسب عن أبيه، كما في اللعان والزنا، فإن نسب الولد يكون للأم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحَجَرُ»(7)، ولحفظ النسب أبطل الله تعالى التبني، ونسب الأولاد إلى أنسابهم الحقيقية، قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ فَإن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [الأحزاب:5].
ولذلك أيضًا منعت الذرائع والأسباب المؤدية إلى الإخلال بمقصد حفظ النسب والعرض، كالخلوة والنظر بشهوة والعدة، وكذلك منعت بعض الحوادث والنوازل المعاصرة؛ لكونها مفضية إلى هتك هذا المقصد وخدشه وتفويته؛ كتجميد الخلايا الجنسية واستئجار الأرحام.
3- تحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وتحقيق التآلف والتعاون على البر والتقوى ودوام العشرة بالمعروف، ومما يكون له الأثر الكبير في عبادتهما وانقيادهما لله تعالى، وفي إعمار الأرض وإصلاحها وتجميلها وجعلها مزرعة للآخرة وممرًا لها.
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:189].
الزوجة ملاذ للزوج يأوي إليها بعد جهاده اليومي في سبيل تحصيل لقمة العيش، ويركن إلى مؤنسته بعد كده وجهده وسعيه ودَأَبِه، يلقي، في نهاية مطافه، بمتاعبه إلى هذا الملاذ، إلى زوجته التي ينبغي أن تتلقاه فَرِحَةً، طلقة الوجه، ضاحكة الأسارير، يجد منها، آنئذٍ، أُذنًا صاغية، وقلبًا حانيًا، وحديثًا رقيقًا.
عن أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله»(8).
وهذا المفهوم لصلاح المرأة يؤكده ما خُلِقت المرأة من أجله؛ وهو أن تكون سكنًا للرجل، بكل ما تحمله كلمة سكن من دلالات ومعان وأبعاد، وحتى يكون السكن صالحًا لا بد من أن تتوفر فيه صفات؛ أهمها أن يرى فيه صاحبه ما يَسرُّه، وأن يقدر على أن يحفظ فيه أهله وماله، وألَّا يقيم فيه معه من يخالفه وينازعه، وهذه هي الصفات نفسها التي أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة الصالحة.
وهذه المقاصد الشريفة لا تتم لبني الإنسان على الوجه الأكمل إلا بزواج مستمر دائم، يتعاون فيه الزوجان على العناية بثمرة اجتماعهما.
وإذا كان الخالق سبحانه قد وضع في الإنسان غريزة الجنس؛ لتكون حافزًا إلى زواج يبقى به النوع ويعمر به الكون، فلا شك في أن فتح باب المتعة يحول مجرى هذا الحافز؛ إذ يجعل كثيرًا من الناس يكتفون في قضاء حاجتهم الجنسية بالمتعة، وينصرفون عن الزواج المطلوب بما فيه من تبعات وتكاليف.
ولم يعد خفيًا ما تعانيه المجموعة الدولية، بتفاوت ملحوظ بحسب الاعتبارات الدينية والأخلاقية، من آثار الشذوذ الجنسي، وتعاطي المخدرات، ومزاولة العنف والتقتيل والترويع، وغير ذلك مما هو نتيجة حتمية في الغالب لتفكك الأسرة، وتهميش دورها التربوي والوجداني والحضاري بصورة عامة.
4- بناء الأسرة المسلمة وإيجاد المجتمع الصالح: من مقاصد النكاح بناء الأسرة المسلمة، المكونة من الزوجين الشرعيين ومن الأصل والفروع، التي تطيع ربها وتعمل بأحكامه وتعاليمه، وتسهم في بناء المجتمع الإسلامي الصالح، وبناء الأمة المُسلمة الرائدة والقائدة.
ومعلوم أن الأمة المسلمة قد اختارها الله تعالى لتكون خير أمة أخرجت للناس؛ بسبب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، وأداء العمل الصالح، والقيام برسالة الاستخلاف بكل صورها ومجالاتها وأبعادها.
وهذه الأمة لن تحقق إلا ببناء المجتمعات والشعوب الإسلامية، على اختلاف أعراقها وألوانها وقاراتها ودولها وتقاليدها وخاصياتها، وبناء تلك المجتمعات والشعوب متوقف على إيجاد وبناء الأسرة المسلمة الصالحة المتزنة المستقيمة العارفة بعقيدتها الصحيحة وتدينها المطلوب وتعاملها الرشيد.
فتكون النتيجة المستخلصة والبديهية أن الأمة المسلمة بأسرها متوقف وجودها ونجاحها على الأسرة المسلمة الناجحة والناهضة والمجتهدة.
إن الأسرة المسلمة مطلب له أهميته الكبرى، ومقصد شرعي دلت عليه القواطع والظاهر والقرائن المختلفة، وهو طريق وجود الأمة ووحدتها وتقدمها وقوتها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولقد أدرك خصوم الأمة وأعداؤها أهمية الأسرة المسلمة ودورها الحضاري العام، وشأنها في تحقيق السيادة والشهادة على الناس، فراحوا يعملون بوسائل شتى لأجل تحجيمها وتشتيتها وإضعافها، ولا سيما أن كثيرًا من الأسر والمجتمعات غير المسلمة تعيش أوضاعًا أخلاقية لا تحسد عليها، وتشهد التفكك الأسري، والميوعة الأخلاقية، والتسيب القيمي، والتهارج القانوني والنظامي بشكل مفزع وخطير.
وقد زاد هذا في غيظهم ومكرهم وحرصهم على تدمير الأسرة المسلمة، الحصن الحصين لسلامة الأمة وقوتها وتمكينها.
5- تطهير المجتمع من الأمراض الجنسية والآفات الخلقية: لعل هذا المقصد متضمن في المقصد السابق، المتعلق ببناء الأسرة المسلمة، والمجتمع الإسلامي، والأمة القوية والرائدة، المرتكزة على طهارة الظاهر والباطن، والسلامة من العيوب والأمراض الجنسية والخلقية والحضارية بشكل عام، وفي أغلب الأحيان وأكثرها؛ غير أننا أفردنا هذا المقصد بالذكر والبيان لأهميته وخطورته، ولا سيما في العصر الحالي، وفي كثير من المجتمعات والدول التي شهدت ما لا يحصى من المشكلات والأزمات القانونية والسياسية والاجتماعية؛ بسبب الأمراض الجنسية الخطيرة؛ كالزهري، والسيلان، والإيدز...، وبسبب العاهات والآفات الخُلقية والقيمية التي أدت إلى التحلل الاجتماعي العام، والتَّسَيُّب الأسري الملحوظ.
6- إعفاف النفس والزوجة وإشباع الغريزة والفطرة: فقد خلق الله في الإنسان غريزة لا مفر له من الاستجابة لها؛ لأنها من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي إن لم تُشبع انتاب الإنسان القلق والاضطراب، والإسلام لا يقف حائلًا أمام الفطرة والغريزة، ولكنه يهيئ لها الطريقة الشريفة والوسيلة النظيفة لإروائها وإشباعها، بما يحقق للبدن هدوءه من الاضطراب، وللنفس سكونها من الصراع، وللنظر الكف عن التطلع إلى حرام، مع صيانة المجتمع وحفظ حقوق أهله.
ومن هنا كانت حكمة تشريع الزواج؛ فهو الطريق الطبيعي والسليم لمواجهة هذه الميول، وإشباع هذه الغريزة؛ فجعل الله الزوجة سكنًا لزوجها وهو كذلك لها، فيسكن كل منهما لصاحبه ليروي ظمأه، في ظلال من الحب والمودة والعفة والطهارة، وفي رضا من الله ورضوان، فيسكن قلبهما عن الحرام، وتسكن جوارحهما عن السقوط في حمأة الرذيلة، وعن الانزلاق في مهاوي الخطيئة؛ فالزواج يعين أصحابه على غض البصر وحفظ الفرج وصيانة الدين وعفة النفس، وكل هذا واضح من خلال وصية النبي صلوات الله وسلامه عليه للشباب بالزواج؛ كما في حديث ابن مسعود الشهير: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»(9)(10).
بعض النوازل المعاصرة التي ضيعت مقاصد النكاح:
أ- تجميد الخلايا الجنسية للزوج قبل وفاته، ووضعها فيما يعرف ببنوك المني، ثم تلقيح بويضة الزوجة عند رغبتها بعد وفاة الزوج ولو بسنين؛ فهذه العملية، والتي تمت، كما يقال، في إطار الزوجية أو بين زوجين شرعيين؛ غير أنها واقعة على خلاف مراد الشرع في التلقيح والإنجاب.
ووجه المخالفة أن العملية قد وقعت بعد وفاة الزوج، وفي ظروف قد تئول إلى ما لا يحصى من المفاسد والفتن، وعلى نحو التذرع بذلك لإجراء الزنا، والإبقاء على آثاره المتعلقة بوجود الأبناء غير الشرعيين ونسبتهم إلى ذلك الأصل الموهوم، أو الأب المنسي المهجور والمقبور حقيقة وحكمًا.
وكذلك على نحو الأخطاء المحتملة للقائمين على تجميد الخلايا وإعطائها لمن يريدها، وإذ يمكن؛ بل يرجح، أن يحصل الخطأ في اختيار الحيوان المنوي الفلاني؛ فيعطى إلى امرأة أخرى ليست زوجة صاحب ذلك الحيوان المنوي؛ فيحصل التلقيح الممنوع بين شخصين ليس بينهما علاقة شرعية البتة، وليس يربط بينهما سوى هذا التركيب المسقط، والخطأ الفادح، والخلط الشنيع، الذي لم تدْعُ له ضرورة ولا حاجة ولا كمال سوى الترف العلمي والمدني، والإفراط المادي، والاستخفاف بالحياء والكرامة والعفة.
ومعلوم أن هذا الخطأ وارد ممكن الوقوع، ولا سيما بعد توارد الأخبار والتقارير العلمية والطبية المفيدة لحصول الأخطاء الطبية الكثيرة؛ على نحو: نقل فيروس الإيدز في جسد إنسان؛ بسب نقل الدم الذي لم يتأكد من سلامته وخلوه من الفيروس، وكذلك نسيان بعض الأدوات الطبية في بطن المريض بعد إجراء العملية الجراحية، وغير ذلك من الأمثلة التي وقعت فيها الأخطاء والهفوات على الرغم من التأكد البالغ والاحتياط الشديد.
ولعل الخطأ بنسيان مقص أو خيط أو إبرة في بطن مريض، إثر العملية الجراحية، يُعد هيِّنًا وغير ذي بال أمام الخطأ والتهاون في تلقيح بويضة امرأة أجنبية بمني رجل أجنبي، فيُنْجبان مولودًا ليس له وضع شرعي، ولا وضع قانوني ولا عرفي ولا إنساني، وليس له سوى الوضع الفوضوي الممقوت.
ب- كراء الرحم واستئجاره: حقيقة هذه النازلة الغريبة الشاذة، أن يُستأجر رحم امرأة أجنبية لتوضع فيه اللقيحة، بسبب تعطل رحم المرأة الزوجة، صاحبة البويضة.
وهذه النازلة معلومة التحريم والفساد؛ وذلك لما فيها من معارضة حرمة العلاقة الزوجية المشروعة والمستورة، ومعارضة مقاصد الأمومة، ولكونها مفضية إلى اضطراب النسب وتداخله، واهتزاز العلاقة النسبية، والروابط الدموية، والاجتماعية، والسنن الكونية والحياتية(11).
***
_______________
(1) إحياء علوم الدين، (2/ 24-31)، بتصرف.
(2) غذاء الألباب شرح منظومة الآداب (2/ 432-434).
(3) أخرجه أبو داود (2050).
(4) أخرجه البخاري (2819).
(5) فتح الباري (9/ 341).
(6) نصيحة الملوك، ص66.
(7) أخرجه البخاري (2053).
(8) أخرجه ابن ماجه (1857).
(9) أخرجه البخاري (1905).
(10) مقاصد الزواج في الاسلام، منتدى: الآجري.
(11) علم المقاصد الشرعية، ص179-183.