logo

مشاركة المرأة في العمل السياسي


بتاريخ : السبت ، 13 شوّال ، 1443 الموافق 14 مايو 2022
بقلم : تيار الإصلاح
مشاركة المرأة في العمل السياسي

تمهيد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فبين الفينة والفينة يتشدق المتشدقون بالحديث عن حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والزوجية في الإسلام، ويتحامل أعداء الإسلام على التشريع الرباني، مدعين أن الإسلام هضم المرأة حقوقها المختلفة، ومن ذلك "حق" مشاركتها في السياسة، بأمره لها بالقرار في البيت، وإلزامه لها بالحجاب والتستر، ويرون في ذلك تمييزا للرجل عليها، وعنصرية لا تليق بمواكبة التقدم العصري، ويزعمون أن فيه مساسا بالحريات الشخصية، وتنطعا في الدين، وظلما للمرأة.

ومن المؤسف أن ينخدع بعض المسلمين، بل بعض الدعاة أيضا، الذين تأثروا بالثقافات الغربية، بتلك الشبهات التي يثيرها هؤلاء الحاقدون المغرضون، فيعملون جاهدين على محاولة "تقريب وجهات النظر" بين ما يظنونه دينا، وبين ما يريده هؤلاء، حتى يتحقق بظنهم "التقدم الحضاري"، وذلك بسير المرأة مع الرجل جنبا إلى جنب، فصاروا يرددون تلك الشعارات البراقة الزائفة، والتي منها "حقوق المرأة السياسية"، "حرية المرأة"، "حق المساواة بينها وبين الرجل"، ظنا منهم أنهم بذلك يحسنون صنعا إلى النساء، ونسوا أو تناسوا أنهن مكرمات مصونات بأنوثتهن وحيائهن في ظل الإسلام وشريعته، وأن الله عز وجل قد جعل لهن حقوقاً، وميزهن وكرمهن بما لم يكن له نظير في أي دين سماوي قبل الإسلام.

وغض أولئك القومُ أبصارهم عما آل إليه أمر المرأة المسكينة في المجتمعات الأجنبية، من انحطاط في السلوك والمكانة، وبعد عن دورها الرائد في تربية الأجيال، وتنشئة القادة والعلماء، وتقاعسٍ عن وظيفتها الأساسية، فأساءوا إليها، وامتهنوا كرامتها، واتبعوا ما تدبره شياطين الإنس من مكائد للمرأة المسلمة، كأنهم لا يعلمون عداوة القوم وحقدهم على المسلمين وودهم عنتهم.

وصدق الله القائل: (ودوا لو تدهن فيدهنون)، (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى).

ولما كانت مسألة مشاركة المرأة في الميدان السياسي - على شكله المعاصر- من نوازل العصر الحديث، لزم أن نستضيء قبل الحكم فيها، بأصول الكتاب والسنة، وما تفرع عنهما من اجتهادات الفقهاء في المسائل المناظرة لها أو القريبة منها، ولذا رأينا أن نمهد لذلك بذكر ما يلي:

(1) من حقوق المرأة في الإسلام: الإحسان إليها، والإنفاق عليها، ورعايتها، وصونها عما يشينها

قبلَ أن يُبعث محمد "صلى الله عليه وسلم"، كانت الجاهلية قد سيطرت على العقول في قبائل شبه الجزيرة العربية، ولو نظرنا للمرأة الجاهلية نجد أنّها كانت مضطهدة، فلم يكن للنساءِ أيّ حق في اختيار الزوج، أو التوريث، أو الملكية، وكانت المرأة مُجَرد سلعةٍ تباع وتشترى من قِبَلِ وليّ أمرها، بل وصل بهم الأمر إلى وأد البنات واعتبارهن عارا عليهم، فجاء دين الهُدى لينيرَ العقول بالتوحيد والإيمان والعلم، فكفلَ للمرأةِ حقوقها، وحرم وأد البنات، وكفلَ حقَّ المرأة في التعليم وفي ورثة أبيها، وأكرمها أُمَّاً، وأكرمها زوجةً، وحثَّ على الرفق في معاملتِها.

ولو تأملنا أحاديث النبي عن النساء لتبين لكل منصف مدى عناية الإسلام بهن، وإكرامه لهن، وحفظه لحقوقهن، ومن ذلك: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة).

وعن أبي ذر عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خيارهم لنسائهم) وفي لفظ (وألطفهم بأهله).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له ثلاث بنات او أخوات فصبر على لأوائهن وضرائهن أخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن فقال رجل يا رسول الله؟ واثنتان قال واثنتان فقال رجل: وواحدة؟ فقال: وواحدة) رواه الخرائطي واللفظ له، والحاكم لم يقل او اخوات، وقال صحيح الاسناد.

وعن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت أمكم، كلوا، فأكلوا فأمر حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها). ولم يزد صلى الله عليه على هذا تعنيفا ولا سبا، ولم يظهر غضبا.

 وقال صلى الله عليه وسلم:(الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.

وعن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:(وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا اُجرت بها عليها حتى ما تجعل في في امرتك). رواه البخاري ومسلم.

وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً: فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن[1]. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.

وعن إياس بن عبد اللَّه بن أبي ذباب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمة: لا تضربوا إماء اللَّه، فجاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم.

وقال صلى الله عليه وسلم:(إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم).

وقال صلى الله عليه وسلم:(الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقاً رضي منها اخر اوقال غيره) رواه مسلم.

وعن أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.

وعنه ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة، إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. فقال: انطلق فحج مع امرأتك» متفق عليه واللفظ لمسلم.

فهل بعد هذا إكرام وتقدير للمرأة؟؟ وحفظ وصون لها ولحقوقها؟؟ وتعظيم وإجلال لدورها.

(2) موقف الإسلام من عمل المرأة:

 لم يرفض الدين الإسلامي عمل المرأة رفضا مطلقا، بل هناك مجالات يحتاج فيها المجتمع للمرأة، ويستحب بل قد يوجب عليها مشاركتها فيها، وهي الأعمال التي تتناسب مع مقدرتها وتوافق طبيعتها وفطرتها، كالتعليم والتمريض، ولكنه مع ذلك وضع لخروج المرأة من بيتها ضوابط وشروط من شأنها أن تحافظ على هيبة المرأة، وتحميها من أي اعتداء أو تحرش قد يحدث لها خارج منزلها، ومن أهم تلك الضوابط:

  1. أن تكون المرأة الخارجة للعمل في حاجة له، ووضع أسرتها الاقتصادي يحتم عليها خروجها للعمل.
  2. أن تخرج المرأة من بيتها محجبة مستورة، ولا تبدي أي زينة أثناء خروجها من بيتها.
  3. ألا تعمل في عمل يقوم على الاختلاط مع الرجال، على نحو يؤدي إلى افتتان بها أو منها
  4. ألا يكون عملها قائما على حساب وظيفتها الأساسية في أسرتها، وهي تربية الأبناء.
  5. أن تحصل على موافقة وليها، والدها كان أو زوجها لكي تخرج للعمل.

 

وأما إذا كانت المرأة بغير حاجة إلى العمل، فالأصل قرارها في بيتها، كما أمر الله بذلك خير نساء هذه الأمة، وخير لها ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال، كما قالت عائشة رضي الله عنها مستوحية ذلك مم كلام الحكيم العليم: (وقرن في بيوتكن).

وإذا احتمل الرجل نار الهجير في العمل، ومشاق الكد والسعي على الرزق، واصطلى جمرة الحرب، وتناثرت أوصاله تحت ظلال السيوف، فليس ذلك بزائد مثقال حبة المرأة إذا وفت لبيتها وأخلصت لزوجها، وأحسنت القيام على بنيها.

ولا يقلل ذلك بحال من الأحوال، من شأنها، ولا يضع من مكانتها، كما أنه لا يخل بحق من حقوقها، كما يدعي المدعون، بل حفظها وصونها عن كل ما يسيء إليها - ومنه خروجها متبذلة متبرجة مختلطة بالرجال فاتنة مفتونة - هو حق من آكد حقوقها التي يغفلها مدعو الدفاع عنها وعن حقوقها، ويزينون لها خلاف ذلك.

وقد روي عن أسماء بنت يزيد الأنصاري أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إنّ الله عز وجل بعثتك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك. إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل. وإنّ أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمرا، أو مجاهدا، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفنُشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كلمة ثم قال: هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا. يا رسول الله ما ظننا أنّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا!. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: افهمي أيتها المرأة وأعلمي مَنْ خلفك من النساء، إنّ حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله. فانصرفت المرأة وهي تُهلل، حتى وصلت إلى نساء قومها من العرب، وعرضت عليهن ما قاله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرحن وآمن جميعهن[2].

فهل بعد هذا إكرام وتقدير للمرأة؟؟ وحفظ وصون لها؟؟

وفي فتاوى الشبكة الإسلامية ورد السؤال: هل يستحب عمل المرأة عندما لا تكون بحاجة للمال، ولكنها تعمل لزيادة ثروتها ومساعدة الفقراء والمساكين؟.

والجواب: نقول ابتداء إن الأصل قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها إلا لما لابد لها منه، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}. فبقاؤها في بيتها وقيامها على شؤون زوجها وولدها أعظم لأجرها، وأصون لها عن الفتنة وأسبابها، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ـ أي: الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة. اهـ.

ويتأكد أمر بقائها في بيتها إذا كانت مكفية بنفقتها، قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: فإن خروج المرأة عن أولادها وبيت زوجها إلى العمل، هذا أمر خطير جداً، لأن المرأة ليست بحاجة إليه أي إلى التكسب بالعمل، إذ إن زوجها مأمور بالإنفاق عليها، لقول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ـ وهو الزوج: رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ـ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع في عرفة: لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ـ ولقوله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ـ ولم يقل الله من قُدر عليه رزقه فلتكن زوجته معه تكتسب، فالإسلام نظام مُتَكامل يُحِّمل كل إنسان ما يليق بحاله، فعلى الزوج النفقة وعلى الأم الرعاية في البيت... اهـ.

 وإذا كان العمل لا يستدعي خروجا من البيت، أو تفريطا في حق زوجها وولدها، فعملها بنية الصدقة على الفقراء والمساكين قربة من القربات، ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا، قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، قالت فكانت أطولنا يدا زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق.

وفي رواية الحاكم في المستدرك: وكانت زينب امرأة صناعة اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله عز وجل.

 ويبقى النظر في عمل لا يتضمن الوقوع في محاذير شرعية، لكنه يستدعي الخروج من البيت، فهل يستحب لها أن تخرج وتعمل من أجل الصدقة؟ فالذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه يستحب لها الخروج إذا انضبطت بالضوابط الشرعية بالالتزام بالستر وتجنب الاختلاط ومواطن الفتنة، روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى، فجدى نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا.

قال ملا علي القارئ في مرقاة المفاتيح: وقوله: فإنه عسى أن تصدقي ـ أي تتصدقي، تعليل للخروج، ويعلم منه أنه لولا التصدق لما جاز لها الخروج، و أو في قوله: أو تفعلي معروفا ـ أي من التطوع والهدية والإحسان إلى الجيران ونحوها للتنويع، يعني أن يبلغ مالك نصابا فتؤدي زكاته، وإلا فافعلي معروفا من التصدق والتقرب والتهادي وفيه أن حفظ المال واقتناءه لفعل المعروف مرخص...[3].اهـ.

(3) بين التأييد والمعارضة لعمل المرأة مع الرجل، ومشاركتها له في الأعمال (حكم الاختلاط بين الجنسين):

 مع دخول الفكر العلماني إلى العقل العربي الشرقي، ظهرت النداءات التي طالبت بخروج المرأة للعمل، ويرى مدعو مناصرة المرأة أنّه حق شرعي لها أن تشارك في الحياة العامة، فلا تضع نفسها في "سجن المنزل" كربة بيت دائمة، ويجب أن تشارك الرجل في العمل، على وجه الندية والتكافؤ؛ إذ ليس ثمت فرق بينهما في هذا الحق، والأصل: المساواة بينهما.

والمعارضون لهؤلاء يقولون لهم:

كيف تصنعون بالآيات المتكاثرة، والأحاديث المستفيضة، ونقول العلماء المتواترة الدالة على مكث المرأة في بيتها، وقيامها برعاية زوجها، وتنشئة أولادها؟ وإذا خرجت وشاركت الرجال، فمن الذي يقوم بدورها في المنزل؟

وكيف تخرج في مجتمع صار تبرج النساء فيه وتكشفهن هو الأصل، وصار الحجاب ما بين مجرم ومستنكر؟ 

وبماذا تردون على اتفاق أهل العلم على تحريم الاختلاط بالوضع القائم في هذا الزمان؟

وكيف تتقون الفتنة التي أخبر عنها أسامة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، لما قال: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وعن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللَّه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء> رَوَاهُ مُسْلِمٌ؟؟.

ثم يذكرون أن فتاوى العلماء، وكلمتهم تكاد تكون متفقة، على تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء في الوظائف ونحوها من الأنشطة والأعمال، التي تخرج فيها المرأة متبذلة متبرجة مهملة لشئون بيتها وأولادها، وهو غالب أحوال خروج المرأة في هذا الزمان.

ومن هذه الفتاوى ما يلي:

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز العمل للفتاة في مكان مختلط مع الرجال علماً بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان؟

فأجاب: الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي أو بعمل في قطاع خاص أو في مدارس حكومية أو أهلية؛ فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة للرجال، لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجل من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال.

وهذا (أعني الاختلاط بين الرجال والنساء) خلاف ما تقضية الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكرهن وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها). وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط.

 والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).

فنحن والحمد لله _ نحن المسلمين _ لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا ويجب أن نحمد الله _ سبحانه وتعالى _ أن من علينا بها ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله _ عز وجل _ وعن شريعة الله فإنهم على ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد ولهذا نسمع أن الأمم التي يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد، نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة[4]. اهـ.

وفي المقابل يرى البعض التساهل في أمر الاختلاط، ويدعون أنه ليس الأصل فيه المنع أو التحريم.

 ففي فتاوى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث:

" اللقاء والتعاون والتكامل بين الرجال والنساء أمر فطري، ولا يمكن منعه واقعاً، ولم يرد في دين الفطرة ما يحجره بإطلاق، وإنما أحاطه بالضوابط التالية:

منع الخلوة: (وهي وجود رجل وامرأة أجنبية عنه في موضع لا يراهما فيه أحد) امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما” أخرجه أحمد (رقم: 114، 177) والترمذي (رقم: 2165) من حديث عمر بن الخطاب، ولفظه: “لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان”. وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح “..

توقي التَّماسّ: (وهو التلاصق والتراص بالأبدان بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه) حذر الإثارة والفتنة.

تجنب التبرج: (وهو الكشف عما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بستره من البدن)، إذ يجب على المرأة حين اجتماعها بالرجال غير المحارم أن تستر كل جسدها ما عدا الوجه واليدين، على مذهب جمهور الفقهاء.

التزام المرأة الحشمة في حديثها وحركاتها: فلا تتصنع من الكلام والحركات ما يؤدي إلى إثارة الغرائز، قال تعالى: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) (الأحزاب 32، وقال تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).

فإذا التزم الرجال والنساء في أي لقاء أو نشاط بهذه الضوابط الشرعية، فلا حرج عليهم في ذلك، ما كان موضوع اللقاء أو النشاط جدياً، سواء أكان علمياً أم ثقافياً ونحو ذلك.

ولا فرق في ضرورة الالتزام بهذه الضوابط بين أن يتعلق الأمر بفتيات مسلمات أو غير مسلمات؛ لأن الإثارة محتملة في الحالتين، على أن الانفصال في المجلس الواحد في المقاعد بين الرجال والنساء هو الأفضل، خصوصاً إذا لم تكن هناك حاجة إلى خلافه[5].اهـ.

ولا شك أن لنا على هذه الفتوى بعض الملاحظات والمآخذ، منها:

1- أين شرط عدم وضع الزينة على الوجه والكفين وهو موضع اتفاق أهل العلم.

2- لماذا قصروا التوقّي على التَّماس ففيه إيحاء على جواز القرب الشديد الذي يقارب الالتصاق وهذا مخالف لنص (ولا تقربوا الزنا..).

3- الانفصال في المجلس الواحد هو الأصل، وليس مجرد الأفضل، وهذا ظاهر في حتى أفضل الأماكن بعداً عن الشبهة، وهو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، بل حتى الخروج من المسجد.

4- لم يتعرض القرار لحكم المصافحة؟

5- هذه النسبة لجمهور الفقهاء ينازعكم فيها أصحاب القول الآخر، ويزعمون أن قولهم هو قول الجمهور؟

6- الكلام فيه تهوين من شأن الاختلاط، وكأن المرأة إذا اختلطت بالرجال بهذه الضوابط فهذه الفطرة، ألم يسمعوا بخدر الفتاة؟ والمرأة البرزة وغير البرزة؟

7- لم لا يقال: الأفضل عدم الاختلاط إلا لحاجة، ولا يتم إطلاق هذا الأمر بضوابط مصنوعة من المطاط كما هو ظاهر؟

8-  إن قيد هذا بشأن الجاليات الموجودة هناك ربما كان له وجه في بعض الجوانب، أما أن تصدر اللهجة تعميمية فلا أرى مناسبة ذلك.

وما أحسن ما صنعه الشيخ محمد شاكر محمد الشريف، لما جمع أربعين حديثا بين بها أهم أحكام المرأة، ومنها خروجها من بيتها، ومخالطتها الرجال. ونقتبس من هذه الأحاديث هذه الباقة بما عنون لها به الشيخ، وكفى بها حجة دامغة على من يريد إبراز المرأة وخروجها من خدرها، وتنازلها عن مملكتها. قال حفظه الله:

باب قرار المرأة في بيتها خير لها من الخروج ولو إلى المسجد:

1- عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمنعوا نسائكم المساجد، وبيوتهن خير لهن" صحيح أخرجه أبو داود وابن خزيمة.

باب الإذن بخروج النساء لحوائجهن:

2- عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد أذن أن تخرجن في حاجتكن" متفق عليه.

باب بيان ما في خروج المرأة من المفاسد:

3- عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من وجه ربها في قعر بيتها" صحيح أخرجه الترمذي، وابن خزيمة وابن حبان.

استشرفها الشيطان: تطلع إليها وزينها في أعين الرجال ليغويها ويغوي بها.

باب لا تخرج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها فإن لم يأذن لم يجز الخروج:

4- عن ابن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لما تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" أخرجه البخاري.

باب منع النساء من الطيب ونحوه عند الخروج إلى المسجد أو غيره:

5- عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -": إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا قال قولا شديدا، وفي لفظ "فهي زانية" حسن صحيح أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.

باب منع النساء من إبداء الزينة عند الخروج:

6- عن فضالة بن عبيد - رضي الله تعالى عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصيا، وأمة أو عبد أبق من سيده فمات، وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم". صحيح.

التبرج: إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال أخرجها أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم.

باب نهي النساء عن السفر بدون محرم:

7- عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر المرأة إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها" متفق عليه.

باب تخصيص النساء بباب في المسجد:

8- عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لو تركنا هذا الباب للنساء، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. حسن أخرجه أبو داود.

باب ليس للنساء وسط الطريق:

9- عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنساء: استأخرن فإن ليس لكُن أن تحْقُقْنَ الطريق عليكن بحافات الطريق فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. حسن أخرجه أبو داود.

أن تحْقُقْنَ: هو أن تركبن حُقها وهو وسَطها.

باب طواف النساء من غير اختلاط بالرجال:

10- عن ابن جريح قال أخبرني عطاء إذ منع ابن هاشم النساء من الطواف مع الرجال قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة - رضي الله عنها - تطوف حَجْرَة من الرجال لا تخالطهم.

 حجرة: ناحية. أخرجه البخاري.

باب منع دخول الرجال على الأجنبيات:

11- عن عقبة بن عامر رضي الله - تعالى - عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه

الحمو: القريب من الزوج. والموت: أي الهلاك واقع في الخلوة به.

باب تخصيص النساء بمجالس العلم وإفرادهن بمكان مستقل عن الرجال عند الحاجة:

12- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال: جاء نسوة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلن: يا رسول الله ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يوما نأتيك فيه فقال: موعدكن بيت فلان وأتاهن في اليوم ولذلك الموعد قال: فكان مما قال لهن ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة منهن:أو اثنان قال أو اثنان. صحيح أخرجه أحمد وابن حبان.

باب حمل الرجال الجنازة دون النساء:

13- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - عليه السلام - قال: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قال: قدموني وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق". أخرجه البخاري.

باب منع النساء من دخول حمامات السباحة ونحوها:

14- عن أبي المليح الهذلي أن نسوة من أهل حمص استأذنُ على عائشة فقالت: لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله" صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجه[6].

(4) هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة؟ وهل يصح أن يقال: إن الإسلام دين المساواة؟

من المهم جدا أن يعي المسلمون قضية المصطلحات في هذا الزمان؛ إذ صار أعداؤنا يضعون مصطلحات ويروجون لها بكل خبث ومكر حتى يصلوا إلى مرادهم من تضليل للمسلمين، وإمضاء لكيدهم لهم، حتى يحصل لهم ما يرومونه من زيغ وانحراف.

ومن هذه المصطلحات المعاصرة: مصطلح - المساواة - الذي ينادي به كثير من المفكرين في الشرق والغرب في مجالات الحياة المتعددة، وهو لا شك مما يخطئ الناس فيه، فيقولون: الإسلام دين المساواة، والصحيح أن يقولوا: الإسلام دين العدل. وقد نبه علماؤنا الأجلاء على ذلك، فيقول الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:

"يجب أن نعرف أن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة وهذا خطأ، لا يقال: مساواة؛ لأن المساواة تقتضي عدم التفريق بينهما، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فرق بين الذكر والأنثى؟ سووا بين الذكور والإناث،... لكن إذا قلنا بالعدل وهو إعطاء كل أحد ما يستحقه: زال هذا المحذور، وصارت العبارة سليمة، ولهذا لم يأت في القران أبدا: " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء: {إن الله يأمر بالعدل} النحل/90، {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء/58. وكذب على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين.

أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها من يعرف دين الإسلام، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر/9، {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} الرعد/16، {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} الحديد/10، {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} النساء/95، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبدا إنما يأمر بالعدل.

وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس فأنا أشعر أن لي فضلا على هذا الرجل بالعلم، أو بالمال، أو بالورع، أو ببذل المعروف، ثم لا أرضى بأن يكون مساويا لي أبدا، كل إنسان يعرف أن فيه غضاضة إذا قلنا بمساواة ذكر بأنثى "[7]. اهـ.

وعلى ما يذكره الشيخ: فالإسلام لم يساو بين الرجل والمرأة في الأمور التي لو ساوى بينهما لظلم أحدهما؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم شديد. فالقرآن - مثلا - أمر المرأة أن تلبس غير الذي أمر به الرجل، للفارق في فتنة كل من الجنسين بالآخر فالفتنة بالرجل أقل من الفتنة بالمرأة فكان لباسها غير لباسه، إذ ليس من الحكمة أن يأمر المرأة أن تكشف من بدنها ما يكشف الرجل لاختلاف الفتنة في بدنها وبدنه[8].

والخلاصة:

أن القول بأن الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة؟ وأن الإسلام دين المساواة، قول باطل، وفهم خاطئ، ومصطلح مغرض يروج له البعض، إما بعمد ومكر، أو بجهالة وتقليد أعمى.

(5) وقفة مع تفسير آيات من سورتي آل عمران، والقصص:

قال الله تعالى: (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (36) من سورة آل عمران.

هذه الآيات من الآيات القرآنية الجازمة، والحجج النورانية القاطعة بعدم التسوية بين المرأة والرجل، هذه الآية، وإن المرء ليأخذه العجب العجاب من الغفلة، أو إن شئت قل: الحيدة، عن مدلول هذه الآية.

ولنستبين معنى هذه الآية الكريمة، ونهتدي بهديها، على الوجه الأمثل فلنرجع إلى كتب التفسير الموثوقة في شرحها وبيان المستفاد منها، وما قاله السلف وفهموه من مراد الله بها.

قال القشيري: المحرّر الذي ليس في رقّ شيء من المخلوقات، حرّره الحق سبحانه في سابق حكمه عن رق الاشتغال بجميع الوجوه والأحوال. فلمّا نذرت أمّ مريم ذلك، ووضعتها أنثى خجلت، فلمّا رأتها قالت «رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى» وهى لا تصلح أن تكون محررا[9].

وقال ابن الجوزي: قوله تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، قرأ ابن عامر، وعاصم إلا حفصاً ويعقوب (بما وضعْتُ) بإسكان العين، وضم التاء. وقرأ الباقون بفتح العين، وجزم التاء، قال ابن قتيبة: من قرأ بجزم التاء، وفتح العين، فيكون في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: إني وضعتها أُنثى، وليس الذكر كالأنثى، والله أعلم بما وضعت. ومن قرأ بضم التاء، فهو كلام متصل من كلام أمّ مريم.

وقوله تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، من تمام اعتذارها، ومعناه: لا تصلح الأنثى لما يصلح له الذكر، من خدمته المسجد، والإقامة فيه، لما يلحق الأنثى من الحيض والنفاس. قال السدي: ظنت أن ما في بطنها غلام، فلما وضعت جارية، اعتذرت[10].

وقال ابن كثير: وليس الذكر كالأنثى أي في القوة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى[11].

وقال الثعلبي: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى: في خدمة الكنيسة والعبّاد الذين فيها لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس والأذى[12].

وقال السمعاني: {وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} فَإِن الذّكر أقوم وَأقوى لخدمة الْبيعَة من الْأُنْثَى، وَقيل: لِأَنَّهُ أبعد عَن الْمَوَانِع من الْعِبَادَة بِخِلَاف الْأُنْثَى، يمْنَعهَا الْحيض وَالنّفاس[13].

وقال الشوكاني: قوله: رب إني نذرت لك ما في بطني تقديم الجار والمجرور لكمال العناية، وهذا النذر كان جائزا في شريعتهم. ومعنى: لك أي: لعبادتك. ومحررا: منصوب على الحال، أي: عتيقا خالصا لله خادما للكنيسة. والمراد هنا: الحرية التي هي ضد العبودية.

وقيل: المراد بالمحرر هنا: الخالص لله سبحانه، الذي لا يشوبه شيء من أمر الدنيا. ورجح هذا بأنه لا خلاف أن عمران وامرأته حران. قوله: فتقبل مني التقبل: أخذ الشيء على وجه الرضا، أي: تقبل مني نذري بما في بطني. قوله: فلما وضعتها التأنيث باعتبار ما علم من المقام أن الذي في بطنها أنثى، أو لكونه أنثى في علم الله، أو بتأويل ما في بطنها بالنفس أو النسمة أو نحو ذلك.

قوله: قالت رب إني وضعتها أنثى إنما قالت هذه المقالة لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكر دون الأنثى، فكأنها تحسرت وتحزنت لما فاتها من ذلك الذي كانت ترجوه وتقدره، وأنثى: حال مؤكدة من الضمير أو بدل منه. قوله: والله أعلم بما وضعت قرأ أبو بكر، وابن عامر، بضم التاء فيكون من جملة كلامها ويكون متصلا بما قبله، وفيه معنى: التسليم لله والخضوع والتنزيه له أن يخفى عليه شيء. وقرأ الجمهور: وضعت، فيكون من كلام الله سبحانه على جهة التعظيم لما وضعته، والتفخيم لشأنه، والتجليل لها، حيث وقع منها التحسر والتحزن، مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله وابنها آية للعالمين وعبرة للمعتبرين، ويختصها بما لم يختص به أحدا.

وقرأ ابن عباس بما وضعت بكسر التاء على أنه خطاب من الله سبحانه لها، أي: إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب، وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الأفهام، وتتضافر عندها العقول.

قوله: وليس الذكر كالأنثى أي: وليس الذكر الذي طلبتِ كالأنثى التي وضعتِ، فإن غاية ما أرادت من كونه ذكرا أن يكون نذرا خادما للكنيسة، وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم.

وهذه الجملة اعتراضية مبينة لما في الجملة الأولى من تعظيم الموضوع ورفع شأنه وعلو منزلته، واللام في: الذكر والأنثى للعهد، هذا على قراءة الجمهور، وعلى قراءة ابن عباس، وأما على قراءة أبي بكر، وابن عامر، فيكون قوله: وليس الذكر كالأنثى من جملة كلامها ومن تمام تحسرها وتحزنها، أي: ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادما، ويصلح للنذر، كالأنثى التي لا تصلح لذلك، وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت.

قوله: وإني سميتها مريم عطف على إني وضعتها أنثى ومقصودها من هذا الإخبار بالتسمية: التقرب إلى الله سبحانه، وأن يكون فعلها مطابقا لمعنى اسمها، فإن معنى مريم خادم الرب بلغتهم، فهي وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات[14].

وقال الطاهر بن عاشور: وامرأة عمران هي حنة بنت فاقوذا. قيل: مات زوجها وتركها حبلى فنذرت حبلها ذلك محررا أي مخلصا لخدمة بيت المقدس، وكانوا ينذرون ذلك إذا كان المولود ذكرا.

وإطلاق المحرر على هذا المعنى إطلاق تشريف لأنه لما خلص لخدمة بيت المقدس فكأنه حرر من أسر الدنيا وقيودها إلى حرية عبادة الله تعالى. قيل: إنها كانت تظنه ذكرا فصدر منها النذر مطلقا عن وصف الذكورة وإنما كانوا يقولون: إذا جاء ذكرا فهو محرر. وأنث الضمير في قوله: فلما وضعتها وهو عائد إلى ما في بطني باعتبار كونه انكشف ما صدقه على أنثى.

وقولها: إني وضعتها أنثى خبر مستعمل في إنشاء التحذير لظهور كون المخاطب عليما بكل شيء. وتأكيد الخبر بإن، مراعاة لأصل الخبرية، تحقيقا لكون المولود أنثى إذ هو بوقوعه على خلاف المترقب لها كان بحيث تشك في كونه أنثى وتخاطب نفسها بنفسها بطريق التأكيد، فلذا أكدته. ثم لما استعملت هذا الخبر في الإنشاء استعملته برمته على طريقة المجاز المركب المرسل، ومعلوم أن المركب يكون مجازا بمجموعه لا بأجزائه ومفرداته.

وهذا التركيب بما اشتمل عليه من الخصوصيات يحكي ما تضمنه كلامها في لغتها من المعاني: وهي الروعة والكراهية لولادتها أنثى، ومحاولتها مغالطة نفسها في الإذعان لهذا الحكم، ثم تحقيقها ذلك لنفسها وتطمينها بها، ثم التنقل إلى التحسير على ذلك، فلذلك أودع حكاية كلامها خصوصيات من العربية تعبر عن معان كثيرة قصدتها في مناجاتها بلغتها.

وأنث الضمير في إني وضعتها أنثى باعتبار ما دلت عليه الحال اللازمة في قولها أنثى؛ إذ بدون الحال لا يكون الكلام مفيدا فلذلك أنث الضمير باعتبار تلك الحال.

وقوله: (والله أعلم بما وضعت) جملة معترضة، وقرأ الجمهور: وضعت- بسكون التاء- فيكون الضمير راجعا إلى امرأة عمران. وهو حينئذ من كلام الله تعالى وليس من كلامها المحكي، والمقصود منه: أن الله أعلم منها بنفاسة ما وضعت، وأنها خير من مطلق الذكر الذي سألته، فالكلام إعلام لأهل القرآن بتغليطها، وتعليم بأن من فوض أمره إلى الله لا ينبغي أن يتعقب تدبيره.

وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب: بضم التاء، على أنها ضمير المتكلمة امرأة عمران فتكون الجملة من كلامها المحكي، وعليه فاسم الجلالة التفات من الخطاب إلى الغيبة فيكون قرينة لفظية على أن الخبر مستعمل في التحسر.

وجملة (وليس الذكر كالأنثى) خبر مستعمل في التحسر لفوات ما قصدته في أن يكون المولود ذكرا، فتحرره لخدمة بيت المقدس.

وتعريف الذكر تعريف الجنس لما هو مرتكز في نفوس الناس من الرغبة في مواليد الذكور، أي ليس جنس الذكر مساويا لجنس الأنثى. وقيل: التعريف في وليس الذكر كالأنثى تعريف العهد للمعهود في نفسها. وجملة وليس الذكر تكملة للاعتراض المبدوء بقوله: والله أعلم بما وضعت والمعنى: وليس الذكر الذي رغبت فيه بمساو للأنثى التي أعطيتها لو كانت تعلم علو شأن هاته الأنثى وجعلوا نفي المشابهة على بابه من نفي مشابهة المفضول للفاضل وإلى هذا مال صاحب «الكشاف» وتبعه صاحب «المفتاح» والأول أظهر[15].اهـ.

وقال السعدي: {وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم} فيه دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى[16].

وقال الجزائري، في ذكر فوائد الآية: فيها: بيان فضل الذكر على الأنثى في باب النهوض بالأعمال والواجبات[17].

وقال الأستاذ سعيد حوى: في قوله تعالى على لسان أم مريم وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى قاعدة عظيمة:

فالأنثى ليست كالذكر في تركيبها الجسمي، ولا في تركيبها النفسي، ومن ثم فلا بد أن تكون وظيفتها الحياتية تختلف عن وظيفة الذكر، ولا بد أن يترتب على ذلك اختلاف في المسئوليات، واختلاف في الحقوق والواجبات، ومن أراد المساواة المطلقة بين الرجال والنساء، فليسوا بينهما في التركيب الجسمي والنفسي أولا ثم فليطالب[18].

ونخلص من هذه الآية إلى حقيقة واضحة، وبرهان قاطع، مفاده: اختلاف طبيعة المرأة عن الرجل في التكوين والقدرات، وفي الاستعداد لإنجاز الأعمال، فلكل منهما ما يصلح له.

آيات سورة القصص:

يقول الله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24).

جاء في تفسير الشيخ الشعراوي، رحمه الله:

عرض القرآن الكريم هذه القصة في إيجاز بليغ، ومع إيجازها فقد أوضحتْ مهمة المرأة في مجتمعها، ودور الرجل بالنسبة للمرأة، والضرورة التي تلجئ المرأة للخروج للعمل.

معنى {وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ}: يعني: جاء عند الماء...{وَجَدَ عَلَيْهِ} أي: على الماء {أُمَّةً}: جماعة {يَسْقُونَ} أي: مواشيهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} يعني: بعيداً عن الماء {امرأتين تَذُودَانِ} أي: تكفّان الغنم وتمنعانها من الشُّرْب لكثرة الزحام على الماء {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} أي: ما شأنكما؟ وفي الاستفهام هنا معنى التعجُّب يعني: لماذا تمنعان الغنم أنْ تشربَ، وما أتيتُما إلا للسُّقْيا؟

{قَالَتَا لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، وقولهما {حتى يُصْدِرَ الرعآء} يعني: ينصرفوا عن الماء، فصدر مقابل ورد، فالآتي للماء: وارد، والمنصرف عنه: صادر: نقول: صدر يَصْدُر أي: بذاته، وأصدر يُصْدر أي: غيره.

فالمعنى: لا نَسْقي حتى يسقي الناس وينصرفوا. و {الرعآء} جمع رَاعٍ. ثم يذكران العلَّة في خروجهما لِسقْي الغنم ومباشرة عمل الرجال {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}.

ثم يقول الحق سبحانه: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)

معنا إذن في هذه القصة أحكام ثلاثة {لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء} أعطَتْ حكماً و {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أعطتْ حُكْماً و {فسقى لَهُمَا} أعطت حكماً ثالثاً.

وهذه الأحكام الثلاثة تُنظم للمجتمع المسلم مسألة عمل المرأة، وما يجب علينا حينما تُضطر المرأة للعمل، فمن الحكم الأول نعلم أن سَقْي الأنعام من عمل الرجال، ومن الحكم الثاني نعلم أن المرأة لا تخرج للعمل إلا للضرورة، ولا تؤدي مهمة الرجال إلا إذا عجز الرجل عن أداء هذه المهمة {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}.

أما الحكم الثالث فيعلم المجتمع المسلم أو حتى الإنساني إذا رأى المرأة قد خرجت للعمل فلا بد أنه ليس لها رجل يقوم بهذه المهمة، فعليه أن يساعدها وأنْ يُيسِّر لها مهمتها.

وأذكر أنني حينما سافرت إلى السعودية سنة 1950 ركبتُ مع أحد الزملاء سيارته، وفي الطريق رأيته نزل من سيارته، وذهب إلى أحد المنازل، وكان أمامه طاولة من الخشب مُغطَّاة بقطعة من القماش، فأخذها ووضعها في السيارة، ثم سِرْنا فسألتُه عما يفعل، فقال: من عاداتنا إذا رأيتُ مثل هذه الطاولة على باب البيت، فهي تعني أن صاحب البيت غير موجود، وأن ربة البيت قد أعدَّتْ العجين، وتريد مَنْ يخبزه فإذا مَرَّ أحدنا أخذه فخبزه، ثم أعاد الطاولة إلى مكانها.

وفي قوله تعالى: {لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء} إشارة إلى أن المرأة إذا اضطرتْ للخروج للعمل، وتوفرْت لها هذه الضرورة عليها أنْ تأخذَ الضرورة بقدرها، فلا تختلط بالرجال، وأنْ تعزل نفسها عن مزاحمتهم والاحتكاك بهم، وليس معنى أن الضرورة أخرجتْ المرأة لتقوم بعمل الرجال أنها أصبحتْ مثلهم، فتبيح لنفسها الاختلاط بهم[19].اهـ.

ويتضح لنا من خلال تفسير هذه الآيات أن المرأة لا يصلح لها بحال من الأحوال الاختلاط بالرجال، بحيث يكون ذلك بصفة دائمة، أو في وظيفة ثابتة، يكونان فيها كأنهما صديقان متحابان، وخلان لا يفترقان، يفرح كل منهما لفرح الآخر ويحزن لحزنه، ويعلم كل منهما دخائل الآخر وأسراره، وصفاته وميزاته.

(6) أمور تختلف فيها المرأة عن الرجل في الشريعة الإسلامية:

من المقرر أن الشرع قد سوى بين المرأة والرجل في كثير من العبادات والمعاملات: فمن ذلك أنها تتوضأ كوضوء الرجل، وتغتسل كغسله، وتصلي كصلاته، وتصوم كصيامه إلا أن تكون في حال حيض أو نفاس، وتزكي كما أنه يزكي، وتحج كحجه - وتخالفه في يسير من الأحكام - ويجوز البيع منها ويقبل، وكذا لو تصدقت جاز منها، ويجوز لها أن تعتق من عبيدها ما ملكت يمينها، ولها أن تتملك المال، وتهبه، وترث، وتورث، وغير ذلك كثير لأن النساء شقائق الرجال، كما في الحديث عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا، قال: لا غسل عليه، قالت أم سلمة: يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: نعم، إن النساء شقائق الرجال[20].

لكن كل هذا لا يلغي أو ينفي أن بين المرأة والرجل فروقا عدة، لا يتعامى عنها إلا عم.

ولمزيد من التوضيح والبيان، نذكر ما تختلف به المرأة عن الرجل بنص آيات بينات من القرآن الكريم، فمن ذلك:

1- القوامة:

قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء/34.

قال ابن كثير: يقول تعالى {الرجال قوامون على النساء} أي: الرجل قيم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت. {بما فضل الله بعضهم على بعض} أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وكذا منصب القضاء، وغير ذلك.

{وبما أنفقوا من أموالهم} أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى {وللرجال عليهن درجة} الآية. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرجال قوامون على النساء} يعنى أمراء عليهن أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله[21].

2- الشهادة: إذ جعل القرءان شهادة الرجل بشهادة امرأتين.

قال الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} البقرة/282.

قال ابن كثير: وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه ….عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت يا رسول الله: ما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين "[22].

وقد يوجد بعض النساء أعقل من بعض الرجال ولكن ليس هذا هو الأصل ولا الأكثر والشريعة مبناها على الأعم الأغلب.

وليس نقص عقل المرأة يعني أنها مجنونة ولكن تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان، وتحدث لها هذه الحالة أكثر مما يحدث عند الرجل ولا ينكر هذا إلا مكابر.

3- المرأة ترث نصف الرجل:

قال الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء/11.

قال القرطبي: ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم[23].

ومن ذلك أن الرجل عليه نفقات أكثر مما على المرأة فيناسب أن يكون له من الميراث أكثر مما للمرأة.

4- اللباس:

فعورة المرأة تكون في بدنها كله وأقل ما قيل في عورتها أنها لا تكشف إلا الكفين والوجه. وقيل لا تكشف شيئا من ذلك.

قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} الأحزاب/59.

والرجل عورته من السرة إلى الركبة - قيل لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت منه ولا تحدثنا عن غيره وإن كان ثقة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين السرة إلى الركبة عورة "[24].

وهناك فوارق أخرى بين الجنسين منها باختصار:

أن الرجل يتزوج أربع نسوة، والمرأة ليس لها إلا زوج واحد.

ومن ذلك: أن الرجل يملك الطلاق ويصح منه، ولا يصح منها الطلاق ولا تملكه.

ومن ذلك: أن الرجل يتزوج من الكتابية، والمرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلما.

ومن ذلك: أن الرجل يسافر بلا زوجة أو أحد من محارمه، والمرأة لا تسافر إلا مع محرم.

ومن ذلك: أن الصلاة في المسجد حتم على الرجال، وهي على النساء على خلاف ذلك، وصلاتها في بيتها أحب إلى الله.

وهي تلبس الحرير والذهب، ولا يلبسه الرجل.

وكل ما ذكر قائم على اختلاف الرجل عن المرأة؛ لأن الذكر ليس كالأنثى، فقد قال الله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} آل عمران/36، فالذكر يفارق الأنثى في أمور كثيرة في قوته، وفي بدنه، وفي صلابته، وفي خشونته، وفي صوته، وفي مشاعره، وفي صبره، وهكذا.

كما يختلف عنها في العقل إذ عرف الرجل بقوة إدراكه، وذاكرته بالنسبة إليها، وهي أضعف منه ذاكرة وتنسى أكثر منه، وهذا مشاهد في أغلب العلماء والمخترعين في العالم هم من الرجال، ويوجد بعض النساء أذكى من بعض الرجال وأقوى منهم ذاكرة ولكن هذا لا يلغي الأصل والأكثر كما تقدم.

وفي العواطف فهو يتملكها عند غضبه وفرحه، وهي تتأثر بأقل المؤثرات العاطفية، فدموعها لا تلبث أن تستجيب لأقل حادثة عاطفية.

ومن ذلك أن الجهاد على الرجال، والنساء ليس عليهن جهاد القتال، وهذا من رحمة الله بهن ومن المراعاة لحالهن.

فحتم أن نقول: وليست أحكام الرجل كأحكام الأنثى[25].

تنبيه هام:

ويجب أن ننبه هنا إلى أن هذا الكلام الذي سقناه، ليس يعني أفضلية مطلقة لكل رجل على كل امرأة، بل الأمر كما قال الله: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

نعم، هناك مفاضلة، إلا أنه لا وجود لأفضلية مطلقة، وكذلك قيله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، فهذه القوامة ليست لأفضليته المطلقة، ولكن لأنها تناسب طبيعته.

وليس شرطا أن يكون الخليفة أفضل من كل الرعية، ولا يعني كون مدير المدرسة قائما عليها أنه أفضل من كل الأساتذة.

وكثرت الأقوال في المراد بالدرجة، في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}، حيث قيل إنها درجة الميراث والجهاد، وقيل إنها درجة الإنفاق، وقيل إنها الطلاق والمراجعة، وقيل إنها الإمرة والطاعة، بل إن من المفسرين من قال بأنها اللحية!

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "ما أحب أن أستنطف جميع حقي عليها، لأن الله تعالى يقول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، فرأى أن الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن المعاشرة، والتوسع للنساء في المال والخلق..".

 قال الطبري: "وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن الدرجة التي ذكر الله تعالى في هذا الموضع: الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه."، وأيا كانت هذه الدرجة، فليس فيها ما يدل على الأفضلية المطلقة"[26].

وخلاصة ما سبق: أن المرأة تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم، ويركب رأسه ليزعم المساواة بين الجنسين فليخبرنا كيف يحمل الرجل جنينا ويرضعه ويركب رأسه وهو يرى ضعف المرأة وما ينزل عليها من الدم حال الدورة الشهرية، وهكذا يظل راكبا رأسه حتى يتحطم على صخرة الواقع، ويظل المسلم مطمئنا بالإيمان مستسلما لأمر الله (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)[27].

وفيما يتعلق بموضوع بحثنا نخلص في تفسير هذه الآية إلى حقيقة واضحة، متفق عليها، ألا وهي: أن المرأة يناط بها من العمل، ويليق لها من الأعمال ما لا يناط بالرجل وما لا يليق به، والعكس صحيح.

وإذا أردنا أن نوسع هذه النظرة الشرعية، ونؤكد هذه الحقيقة الفطرية، فلنستعرض باختصار يناسب المقام آيات القرآن في هذا المضمار، لنتبين دور المرأة على مدى العصور والأجيال.

(7) حكم تولي المرأة القضاء الشرعي

من المسائل الفقهية التي ذكرها الفقهاء في باب القضاء من أبواب الفقه الإسلامي، مسألة حكم تولي المرأة للقضاء، وكذلك مسألة الولاية على الرجال، ولما كان لهاتين المسألتين تعلق ظاهر بموضوع بحثنا لزم التعرض لما قالوه واستخلاص النتائج التي وصلوا إليها، وما اتفقوا عليه بهذا الصدد، وما اختلفوا فيه، فنقول مختصرين:

جماهير أهل العلم لا يجيزون للمرأة أن تتولى القضاء، وقد قامت على ذلك أدلة كثيرة، منها: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} سورة النساء الآية 34.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري.

ووجه الاستدلال من الآية عامة أن (أل) تفيد الاستغراق فتشمل كل النساء والرجال في جميع الأحوال، ومن المقرر عند الأصوليين أن العام يبقى على عمومه حتى يأتي ما يخصصه، ولم يوجد مخصص لهذا العموم[28].

 وما أحسن ما ذكره ابن كثير في تفسير الآية، حيث يقول: [أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت {بما فضل الله بعضهم على بعض} أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خيرٌ من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري... وكذا منصب القضاء وغير ذلك. {وبما أنفقوا من أموالهم} أي: من المهور والنفقات والكُلَف التي أوجبها الله عليهم لهنَّ في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيماً عليها، كما قال الله تعالى: {وللرجال عليهن درجة}[29].

ووجه الاستدلال من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أسباب عدم الفلاح تولي المرأة للولايات العامة، والقضاء داخل فيها، فإن قال قائل إن هذا الحديث ورد في حادثة خاصة، فنقول إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين.

قال الصنعاني: فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقومها توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب[30].

وقال ابن العربي المالكي: وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه. ونقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية؛ ولم يصح ذلك عنه؛ ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم، إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير[31].

ومما يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء ما ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثةٌ، واحدٌ في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجلٌ عرف الحق فقضى به، ورجلٌ عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجلٌ قضى للناس على جهل فهو في النار)[32].

وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على اشتراط كون القاضي رجلاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر القضاة بينهم بقوله: رجلٌ في الحالات الثلاث، قال ابن تيمية الجد: وهو - أي الحديث - دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً.

وقال الشوكاني: واستدل المصنف أيضاً على ذلك بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه رجل ورجل، فدلَّ بمفهومه على خروج المرأة[33].

ومما يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء أنه لم يثبت في تاريخ الإسلام وعلى مدى هذه القرون المتطاولة أن تولت امرأة القضاء، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من خلفاء المسلمين لا في عهد الراشدين ولا الأمويين ولا العباسيين ولا غيرهم أنهم ولوا امرأة القضاء، ولو حصل لنقل.

قال القرافي المالكي: ولذلك لم يسمع في عصر من الأعصار أن امرأة وليت القضاء، فكان ذلك إجماعاً، لأنه غير سبيل المؤمنين[34].

وقال ابن قدامة الحنبلي: ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ من خلفائه، ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالباً[35].

ومما يؤكد أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء أن في ذلك مدخلاً للخلطة المنهي عنها شرعاً.

قال البغوي: اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً، لأن الإمام يحتاج إلى البروز لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال[36]

ويضاف إلى ذلك ما يعتري المرأة من عوارض طبيعية كالحمل والرضاع والحيض والنفاس، وهذه أمور تتعارض مع توليها لمنصب القضاء الذي يحتاج إلى الصحة البدنية والنفسية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وغير ذلك من الأدلة.

يقول الدكتور حسام الدين عفانة، بعدما ذكر هذه النقولات القيمة لأهل العلم:

ولا شك أن فتح هذا الباب إنما هو فتح لباب شرٍ، والمسلمون في غنىً عنه، وهو من باب من سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، كما ورد في الحديث في صحيح مسلم. ثم قال: ولا بد أن أذكر هنا أمرين:

 أولهما: مستند من قال بجواز تولي المرأة للقضاء هو تعيين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها على ولاية الحسبة وهي أخطر من منصب قاضي الأحوال الشخصية كذا زعموا، أقول: إن هذا الاستدلال باطل، لأن قصة تولية الشفاء للسوق في عهد عمر رضي الله عنه قصة ليست ثابتة، قال الشيخ ابن العربي المالكي: وقد روي أن عمر قدَّم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح؛ فلا تلتفتوا إليه؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث[37].

وهذه الحادثة روتها كتب التراجم بدون إسناد، ومع ذلك رويت بصيغة التضعيف فلا يعول عليها ولا يعتمد عليها، قال ابن سعد: وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات.. ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه[38]. ولا شك أن أولادها أعلم بحال أمهم من غيرهم.

وقال الحافظ ابن عساكر: وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات،... ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه[39].

وقال الحافظ المزي في ترجمة الشفاء بنت عبد الله: وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئاً من أمر السوق[40].

 وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وكان عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاها شيئا من أمر السوق[41]. ثانيهما: لو سلمنا بجواز تولي المرأة للقضاء فإن من أجاز للمرأة تولي القضاء أجازه بشروط منها:

  1. أن تتوافر في المرأة المراد تقليدها القضاء الشروط المطلوبة في القضاة، من أهلية القضاء من رجحان العقل، والاتزان، وسلامة الحواس، ومن العدالة والاستقامة على طريق الحق، والقدرة على الوقوف أمام الباطل من خلال شخصية قوية متزنة، إضافة إلى العلم بالأحكام الشرعية؛ لأن القاضي الجاهل في النار، كما ورد ذلك في الحديث.
  2. وأن تهيأ للقاضيات الأجواء التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة.
  3. وألا يكون هذا المنصب على حساب تربية أولادها والحقوق المتبادلة بينها وبين زوجها[42].

وإذا نظرنا في هذه الشروط نجد أنه من الصعب جداً تحققها[43].

وخلاصة الأمر:

  • اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" على ثلاثة أقوال:
  • الأول: يقول أن الحديث على عمومه، وعليه فلا يحل لأي امرأة أن تتولى أي ولاية عامة على الرجال، وهو الصحيح.
  • الثاني: قال بقصر الحديث على الولاية العظمى فقط، وعليه فلا يجوز للمرأة أن تكون خليفة للمسلمين ـ أو ملكة على دولة من الدول ـ ويجوز لها تولي ما دون ذلك من الولايات العامة.
  • الثالث: نفى أي عمومية للحديث وجعله تعليقًا من النبي صلى الله عليه وسلم على ما فعلت الفرس من توليتهم ابنة كسرى، فقالوا: هي واقعة عين لا عموم لها ولا يتعدى حكمها إلى غيرها.
  • قول ابن جرير الطبري بجواز تولي المرأة القضاء مطلقًا، نقله عنه بعض أهل العلم، لكن لم أقف عليه في أي من كتبه، بل لقد شكك البعض في نسبته إليه كابن العربي[44].
  • الحنفية القائلون بتولي المرأة القضاء في غير حد أو قصاص، قد قال بعضهم بكراهة قضائها، والبعض قال بإثم من ولاها، فيظهر من ذلك أن القول بذلك ليس على إطلاقه عند الحنفية، وإنما يقولون به عند الاضطرار إليه أو أن يكون فيه يسر على المتقاضيين خاصة إذا كن من النساء.

 

 (8) حكم دخول البرلمانات، والمشاركة في الانتخابات في ظل الدولة ذات الحكم العلماني

انقسم العلماء في العصر الحاضر في حكم المشاركة في الانتخابات النيابية، فمنهم من يقطع بعدم جوازها وأن الدخول فيها لا يصح في ظل الوضع الراهن، ومن قائل إنه يتعين على المسلمين دخولها وعليهم ألا يضيعوا ذلك، ومنهم من يقول إن ذلك جائز بشروط.

سئل الشيخ الألباني رحمه الله: ما الحكم الشرعي في الانتخابات التشريعية (ما يسمى بالبرلمان) التي نسعى من خلالها إلى إقامة الدولة الإسلامية، وإقامة الخلافة الراشدة؟

فأجاب: إنّ أسعد ما يكون المسلمون في بلادهم يوم ترفع راية (لا إله إلا الله) وأن يكون الحكم فيها بما أنزل الله، وإن مما لا شك فيه أن على المسلمين جميعا ـ كل حسب استطاعته ـ أن يسعوا إلى إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بكتاب الله وسنة رسول الله وعلى منهج السلف الصالح، ومن المقطوع به عند كل باحث مسلم أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، وأول ذلك أن يقوم جماعة من العلماء بأمرين هامين جدا:

الأول: تقديم العلم النافع إلى من حولهم من المسلمين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يقوموا بتصفية العلم الذي توارثوه مما دخل فيه من الشركيات والوثنيات حتى صار أكثرهم لا يعرفون معنى قولهم: (لا إله إلا الله)، وأن هذه الكلمة الطيبة تستلزم توحيد الله في عبادته تعالى وحده لا شريك له، فلا يستغاث إلا به، ولا يذبح ولا ينذر إلا له، وأن لا يعبدوه تعالى إلا بما شرع الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا من مستلزمات قولهم: (محمد رسول الله)، وهذا يقتضيهم أن يُصَفُّوا كتب الفقه مما فيها من الآراء والاجتهادات المخالفة للسنة الصحيحة حتى تكون عبادتهم مقبولة، وذلك يستلزم تصفية السنة مما دخل فيها على مر الأيام من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كما يستلزم ذلك تصفية السلوك من الانحرافات الموجودة في الطرق الصوفية، والغلو في العبادة والزهد، إلى غير ذلك من الأمور التي تنافي العلم النافع.

والآخر: أن يُرَبُّوا أنفسهم وذويهم ومن حولهم من المسلمين على هذا العلم النافع، ويومئذ يكون علمهم نافعاً وعملهم صالحاً؛ كما قال تعالى: {فمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}، وحينئذٍ إذا قامت جماعة من المسلمين على هذه التصفية والتربية الشرعية فسوف لا تجد فيهم من يختلط عليه الوسيلة الشركية بالوسيلة الشرعية؛ لأنهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بشريعة كاملة بمقاصدها ووسائلها، ومن مقاصدها مثلا النهي عن التشبه بالكفار وتبني وسائلهم ونظمهم التي تتناسب مع تقاليدهم وعاداتهم، ومنها اختيار الحكام والنواب بطريقة الانتخابات، فإن هذه الوسيلة تتناسب مع كفرهم وجهلهم الذي لا يفرق بين الإيمان والكفر ولا بين الصالح والطالح ولا بين الذكر والأنثى؛ وربنا يقول: {أَفَنَجْعلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمون}،  ويقول: {ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}. وكذلك يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بدأ بإقامة الدولة المسلمة بالدعوة إلى التوحيد والتحذير من عبادة الطواغيت وتربية من يستجيب لدعوته على الأحكام الشرعية حتى صاروا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما جاء في الحديث الصحيح، ولم يكن فيهم من يُصِرُّ على ارتكاب الموبقات والربا والزنا والسرقات إلا ما ندر. فمن كان يريد أن يقيم الدولة المسلمة حقا لا يُكتِّل الناس ولا يجمعهم على ما بينهم من خلاف فكري وتربوي كما هو شأن الأحزاب الإسلامية المعروفة اليوم، بل لا بد من توحيد أفكارهم ومفاهيمهم على الأصول الإسلامية الصحيحة: الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح كما تقدم، {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُون بِنَصْرِ الله}، فمن أعرض عن هذا المنهج في إقامة الدولة المسلمة وسلك سبيل الكفار في إقامة دولتهم فإنما هو (كالمستجير بالرمضاء من النار)! وحسبه خطأ ـ إن لم أقل: إثماً ـ أنه خالف هديه صلى الله عليه وسلم ولم يتخذه أسوة والله عزّ وجل يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثِيرا}.

وسئل: ما الحكم الشرعي في النصرة والتأييد المتعلقين بالمسألة المشار إليها سابقاً؟

الجواب: في الوقت الذي لا ننصح أحدا من إخواننا المسلمين أن يرشِّح نفسه ليكون نائبا في برلمان لا يحكم بما أنزل الله، وإن كان قد نص في دستوره (دين الدولة الإسلام) فإن هذا النص قد ثبت عمليا أنه وضع لتخدير أعضاء النواب الطيِّبي القلوب!! ذلك لأنه لا يستطيع أن يغيِّر شيئاً من مواد الدستور المخالفة للإسلام، كما ثبت عمليا في بعض البلاد التي في دستورها النص المذكور. هذا إن لم يتورط مع الزمن أن يُقر بعض الأحكام المخالفة للإسلام بدعوى أن الوقت لم يحن بعدُ لتغييرها كما رأينا في بعض البلاد؛ يُغَيرِّ النائب زيّه الإسلامي، ويتزيّا بالزي الغربي مسايرة منه لسائر النواب! فدخل البرلمان ليُصْلِح غيره فأفسد نفسه، وأوَّل الغيث قطرٌ ثم ينهمر! لذلك فنحن لا ننصح أحدا أن يرشح نفسه؛ ولكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشَّحين من يعادي الإسلام وفيهم مرشَّحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج، فننصح ـ والحالة هذه ـ كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين فقط ومن هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح الذي تقدم بيانه. أقول هذا ـ وإن كنت أعتقد أن هذا الترشيح والانتخاب لا يحقق الهدف المنشود، كما تقدم بيانه ـ من باب تقليل الشر، أو من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء.اهـ.

وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم الانتخابات، فقال:

 "أنا أرى أن الانتخابات واجبة، يجب أن نعين من نرى أن فيه خيراً، لأنه إذا تقاعس أهل الخير، مَنْ يحل محلهم؟ سيحل محلهم أهل الشر، أو الناس السلبيون الذين ما عندهم خير ولا شر، أتباع كل ناعق، فلابد أن نختار من نراه صالحاً
فإذا قال قائل: اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلكقلنا: لا مانع، هذا الواحد إذا جعل الله فيه البركة وألقى كلمة الحق في هذا المجلس سيكون لها تأثير ولا بد، لكن الذي ينقصنا الصدق مع الله، نعتمد على الأمور المادية الحسية ولا ننظر إلى كلمة الله عز وجل.... فَرَشِّحْ مَنْ ترى أنه خير، وتوكل على الله ".[45] 
ولتجلية الأمر الصواب من هذه الآراء ـ فيما نحسب ـ ننقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله: " يجب أن يعلم أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا الدنيا إلا بها..إلى أن قال: فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله".

وقال رحمه الله: "ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف وصاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان في ولايتهم رأى كثير من الناس أن الإمارة تنافي الإيمان وكمال الدين، ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به، ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك فأخذه معرضاً عن الدين لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل لا في محل العلو والعز، وهاتان السبيلان الفاسدتان سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين هما سبيل المغضوب عليهم والضالين.

إلى أن قال رحمه الله: "فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك حسب الوسع فمن وُليِّ ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات لا يؤاخذ بما يعجز عنه، فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار، ومن كان عاجزاً عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من الخير لم يكلف ما يعجز عنه فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر" انتهى كلامه[46].

وقد طلب يوسف الصديق عليه السلام من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض لما واتته الفرصة فاهتبلها ولم يهملها لأنه سيكون في موقع يستطيع حسب طاقته أن يقيم العدل ويأمر به قال تعالى: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) [يوسف:55]. ومعلوم أن يوسف طلب ولاية من نظام كافر على الأصح.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)[هود:91] قال رحمه الله في الفوائد المتحصلة من هذه الآية العظيمة ومنها: أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة، وقد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئاً منها وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم وأهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب رجمة قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها بل ربما تعين ذلك لأن الإصلاح مطلوب حسب القدرة والإمكان)[47].

جاء في كتاب "معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية" للشيخ مناع القطان رحمه الله حيث ذكر فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رداً على سؤال: عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والاخوة المتدينين لدخول المجلس فأجاب رحمه الله قائلاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فلا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب (البرلمان) إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل لما في ذلك من نصر الحق والانضمام إلى الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج كذلك في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين وتأييد الحق وأهله والله الموفق. ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم.

لكن يجب أن ننبه إلى أن انتخاب غير المسلمين فلا يجوز، لأن ذلك يعني منه الثقة والولاء، وقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) [المائدة: 57 ] والذي يجب عليكم أن تختاروا وتنتخبوا أكثر المرشحين المسلمين جدارة وكفاءة، ومن يتوسم فيه أن يحقق للمسلمين مصالح أكثر، ويدفع عنهم ما استطاع دفعه من المضار، والمسلم وإن كان فيه ما فيه من قصور فهو خير من غير المسلم وإن بدا ناصحاً قال تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) [البقرة 221] كما أن انتخاب غير المسلم وتقديمه على المسلم هو من جعل السبيل للكافرين على المؤمنين وهو منهي عنه، لقوله سبحانه وتعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على للمؤمنين سبيلاً) [ النساء:141].

كما يجب أن ننبه إلى أن هذه المسألة - دخول البرلمانات- من موارد الاجتهاد، فقد تتحقق المصلحة الشرعية في بلد من دخول البرلمانات، ولا تتحقق في بلد آخر، فعلى المسلمين في كل بلد الموازنة بين المصالح والمفاسد، وترجيح ما يرونه مناسباً.

كما يجب أن ننتبه إلى أن القول بمشروعية هذه المشاركة، على هذا النحو، وبهذا القصد، لا يعني بحال من الأحوال الرضا بالنظام الديمقراطي والتعددية الحزبية، فإن هذا النظام لا ريب أنه نظام غير إسلامي ومباين لدين الله، ولكن دخول البرلمانات في مثل هذا الوضع يتوقف على جلب المصلحة، ودفع المفسدة كما سبق بيانه[48].

(9) المرأة والعمل السياسي

بعد ما ذكرناه، في التمهيد السابق، وقبل أن نبحث في هذه القضية بخصوصها يجب أن نتصور أولا ما الذي يعنيه العمل السياسي، وما الذي يقتضيه عمل المرأة في هذا المجال، ويترتب عليه، ثم ننقل مذاهب العلماء المعاصرين في هذه القضية، ثم ننظر في الواقع الذي نحياه لننزل عليه الحكم الشرعي الصحيح في هذه القضية.

 فنقول بداية: يتمثل العمل السياسي في الواقع المعاصر في أمور أهمها:

أولًا: الاشتراك في النشاط الحزبي السياسي مع القوى والأحزاب.

ثانيًا: تشكيل الأحزاب السياسية، وعمل التحالفات مع بقية التكتلات بحثًا عن المصالح المشتركة.

ثالثًا:  إبداء الرأي في شئون السياسة وممارسة السلطات المختلفة في الدولة.

رابعًا: المشاركة في اختيار ممثلي الأمة في المجالس المختلفة، من خلال التصويت في الانتخابات.

خامسًا: المشاركة في اختيار الحاكم.

سادسًا: الترشح لعضوية المجالس المحلية والتشريعية والرئاسية.

سابعًا: المشاركة في المظاهرات والاعتصامات.

ثامنًا: نشر الوعي السياسي عبر وسائل الإعلام المختلفة، كالتلفاز والصحف وشبكة الانترنت.

تاسعًا: إرسال الوفود للتفاوض والضغط على أصحاب القرار للحصول على مكاسب أو دفع ضررٍ عن المسلمين.

عاشرًا: الإضراب عن الطعام داخل السجون.

وأما عن مذاهب المعاصرين في مشاركة المرأة في العمل السياسي، فنقول:

اتفق الفقهاء على عدم جواز تولي المرأة الإمامة العظمى مطلقًا، واختلفوا فيما سوى ذلك؛ فمن الفقهاء من يذهب إلى عدم أهلية المرأة للعمل السياسي مطلقًا، ومنهم من يفصل بين أنواع العمل السياسي، فيجيز للمرأة ممارسة بعضها دون البعض الآخر، وبضوابط أو شروط محددة.

فأما المذهب الأول: المنع من مشاركة المرأة في العمل السياسي مطلقًا..

فمن القائلين به: الشيخ حسنين مخلوف[49]، والشيخ عبد العزيز بن باز[50]، والشيخ أبو الأعلى المودودي[51]، والشيخ عبد الرحمن السحيم، والدكتور عدنان علي رضا النحوي[52]، والشيخ مقبل الوادعي، والشيخ أحمد بن محمد جعفري.

وبهذا القول يفتي كثير من هيئات الفتوى المعاصرة[53].

وأما المذهب الثاني: جواز مشاركة المرأة في العمل السياسي، بضوابط وشروط محددة.

فمن القائلين به: الشيخ الألباني[54]، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ القرة داغي، والدكتور محمود عاشور[55]، والشيخ فركوس.

سئل الشيخ الألباني عن حكم خروج النساء للانتخابات؟ فقال: يجوز لهن الخروج بالشرط المعروف في حقهن وهو أن يتجلببن الجلباب الشرعي، وألا يختلطن بالرجال، هذا أولا. ثمَّ أن ينتخبن من هو الأقرب إلى المنهج العلمي الصحيح من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى كما تقدم.اهـ.

رأي الشيخ القرضاوي:

يقول الشيخ حفظه الله: (وليست كل امرأة صالحة للقيام بعبء النيابة، فالمرأة المشغولة بالأمومة ومتطلباتها لن تزج بنفسها في معترك الترشيح لهذه المهام، ولو فعلت لكان على الرجال والنساء أن يقولوا لها: لا.. أطفالك أولى بك.

 ولكن المرأة التي لم ترزق الأطفال وعندها فضل قوة ووقت وعلم وذكاء، والمرأة التي بلغت الخمسين أو قاربت، ولم تعد تعرض لها العوارض الطبيعية المذكورة، وتزوج أبناؤها وبناتها، وبلغت من نضج السن والتجربة ما بلغت، وعندها من الفراغ ما يمكن أن تشغله في عمل عام، ما الذي يمنع من انتخاب مثلها في مجلس نيابي، إذا توافرت فيها الشروط الأخرى، التي يجب أن تتوفر في كل مرشح، رجلا كان أو امرأة ؟)[56].

 رأي القره داغي:

 يقول: المرأة لها الحق في المشاركة السياسية، وفي شغل المناصب القيادية ـ ما عدا الإمامة العظمى ـ إذا توافرت الشروط الآتية:

  1. توفير الأجواء المناسبة شرعاً التي تدرأ من حيث الظاهر المفاسد والمحظورات الشرعية من الخلوة المحرمة، والنظر ونحو ذلك.
  2. التزام المرأة التي تريد الولاية بضوابط الشرع بالأخلاق والقيم الإسلامية، وفي الملبس ونحوه..
  3. ألا تكون مشاركتها السياسية وولايتها العامة على حساب اولادها وأسرتها، وبعبارة أخرى فإن أهم ولاية ودور للمرأة هي صناعة الأجيال وتربية الرجال والأبطال، وتوفير السكنى والأمن لزوجها ولنفسها ولأسرتها، أما إذا تعارضت المشاركة مع هذا الدور الأساس الأصيل، فإنها تصبح محظورة في نظري.

  وبهذه الشروط الشرعية يجوز في نظري المشاركة السياسية للمرأة، وتولي المناصب القيادية المناسبة لفطرتها وبنيتها، بل إن بعض المناصب التربوية والتعليمية تكون المرأة فيها أولى من الرجال، وكذلك منصب القضاء فيما يخص الفصل في النزاعات الخاصة بالنساء، أو المشاكل الزوجية.

  وبالإضافة إلى ذلك فإن المرأة لها الحق في المشاركة السياسية بالضوابط والشروط السابقة فيما يأتي:

  1. حق الادلاء بصوتها في الانتخابات السياسية وغيرها، لأن ذلك من باب الشهادات التي من حقها بالاجماع، بل إنه من باب التعاون على الخير في توصيل من يستحق الوصول إلى الحكم، أو إلى البرلمان، أو إلى المجالس الأخرى، بل إن ذلك من باب التوكيل الذي يجوز للمرأة أن تقوم به حيث يوكل شخصاً للوصول إلى البرلمان للقيام بواجب الحسبة والأمر بالمعروف ونحو ذلك.
  2. حق ترشيح نفسها للبرلمان لتكون عضواً فيه لأن معظم أعمال البرلمان تكمن في سنّ القوانين (وفي المجتمع الإسلامي تكون متعارضة مع الثوابت)، فهذا من باب الاجتهاد الذي تشترك فيها المرأة مع الرجل بالاجماع، فهذه عائشة وصلت إلى مرتبة من العلم بالسنة والفقه حتى استدركت على بعض كبار الصحابة[57].

وإما أن يكون عمل البرلمان في الرقابة المحاسبة من خلال الاستجوابات، فهذا من باب الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الواجب يشترك فيه الرجل والمرأة على حدّ سواء.

  1. المشاركة في المظاهرات السياسية، والاعتصام وكل الوسائل المشروعة لتحقيق مصالح العباد، أو لخلع الحاكم الظالم بما لا يترتب عليه مفسدة أعظم. 
  2. المشاركة في الشرطة والأمن العام فيما يخض النساء، أو سجنهنّ، أو التفتيش، أو نحو ذلك، أو في الأمور الإدارية التي تتناسب مع فطرتها وبنيتها بالشروط الثلاثة السابقة.
  3. حق المشاركة في تشكيل اتحادات، ونقابات النساء، وجميع مؤسسات المجتمع المدني، بل هي أولى من الرجال ببعضها..اهـ[58].

 

وسئل الشيخ فركوس: عن حكم مشاركة المرأة سياسيا وخاصة في الانتخابات البلدية والبرلمانية؟

فأجاب: فلئلا يلبس الحق بالباطل فإنّه ينبغي التفريق بين حكم مشاركة المرأة سياسيا في النظام الإسلامي، وبين الأنظمة السياسية الأخرى، وخاصة النظام الديمقراطي الذي سارت عليه معظم البلدان الإسلامية.

ومشاركة المرأة سياسيا في النظام الإسلامي ينظر إليها من حيث مشاركتها للترشيح لمنصب الخليفة (رئيس الدولة) أو مشاركتها لبقية الولايات العامة، أو من حيث مشاركتها في اختيار الخليفة وانتخابه، أو انتخاب الولاة واختيارهم.

ومن جهة أخرى ينظر إليها من حيث مشاركتها للترشيح في عضوية مجلس الشورى، ومن حيث مشاركتها لاختيار أعضائه وانتخابهم.

أمّا بخصوص تولي منصب الخليفة (رئيس الدولة) أو ما يقوم مقامه من سائر المسئوليات الكبرى والولايات العامة فإنّ الذكورة فيه شرط مجمع عليه، قال الجويني: "وأجمعوا أنّ المرأة لا يجوز أن تكون إماما"[59]، وهو ما نصّ عليه ابن حزم في "مراتب الإجماع"[60]، لما رواه البخاري وغيره من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"[61]. قال الشوكاني: "فيه دليل على أنّ المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقوم توليتها، لأنّ تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب"[62].

هذا، وإذا كانت لا يحق لها أن تتولى منصب الخلافة أو الإمامة، فلها أن تشارك- من بُعْدٍ- في إبداء رأيها فيمن يصلح لهذا المنصب، من غير أن تكون عضوًا في المجلس الشوري إذا ما احتيج إليها لأنّ إبداء الرأي من لوازم المشاورة ومقتضياتها وتدخل في عموم قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38].

 ويدل على ذلك ما نقله ابن تيمية في قصة انتخاب الخليفة بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بين الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بقي عبد الرحمن يشاور الناس ثلاثة أيام، وأخبر أنّ الناس لا يعدلون بعثمان، وأنّه شاور حتى العذارى في خدورهنّ"[63].

- أمّا مجلس الشورى القائم على أركان الحكم في الإسلام، والذي تجري المشاورة فيه مع الأمة في الأمور الشرعية الاجتهادية التي لا نص فيها، فإنّ أهل الشورى هم أهل الحل والعقد الذين يقومون باختيار الخليفة عند شغور منصبه، ويراقبون تصرفاته وتصرفات نوابه، فهذا المجلس الذي يجمعهم يقوم بوضع التنظيمات اللازمة لإدارة شؤون الدولة طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية المنصوص عليها في الكتاب والسنة، ووفقا للأحكام الشرعية الناتجة عن طريق الاجتهاد والاستنباط، وهو غير المجلس الشعبي أو مجلس الأمة أو البرلمان كما هو معهود في النظام الديمقراطي، فإنّ للمرأة أن تبدي رأيها- استقلالاً- في أهل الشورى اختيارا وانتخابا، إذا كانت من أهل الاجتهاد والرأي، لأنّ الاجتهاد والإفتاء غير مقصور على الرجال وغير محظور على النساء، وموضوع الاجتهاد شامل لشؤون الدولة وعلاقة الخليفة بالأمة[64].

 وقد صرح الفقهاء بأنّ الأنوثة لا تمنع الأهلية للإفتاء والاجتهاد، وقد ذكر ابن حزم في الإحكام: "أنّ المرأة لو تفقهت في علوم الديانة للزمنا قبول نذارتها"[65]، وقد أشارت أمّ سلمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم بنحر بدنة، وفعل ذلك[66]، وكذلك خولة بنت ثعلبة وعظت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين.

قال ابن كثير رحمه الله: "وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة، حدثنا جرير يعني ابن حازم قال: سمعت أبا يزيد يحدث قال: لقيت امرأة عمر يقال لها: خولة بنت ثعلبة، وهو يسير مع الناس فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز، قال ويحك وتدري من هذه؟ قال: لا. قال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلا أنّ تحضر صلاة فأصليها ثم أرجع إليها حت تقضي حاجتها. هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب وقد روى من غير هذا الوجه"[67].

غير أنّ المرأة وإن جازت لها المساهمة – من بُعد- في أعمال مجلس الشورى بإبداء الرأي في أمور الدولة إن كانت من أهل الرأي والاجتهاد إلاّ أنّه لا يلزم المشاركة البدنية بأن تكون عضوا في المجلس الشوري لما يترتب على عضويتها فيه من محاذير منها:

- تزاحم أعمال المرأة في بيتها الذي هو الأصل المسؤولة عنه، وهو في حقها من قبيل الواجب العيني مع ما هو واجب كفائي، وحال التعارض والتزاحم يقدم العيني على الكفائي كما هو مقرر أصوليا، وخاصة أنّ الكفائي يسقط وجوبه بقيام الرجال به.

- وكذلك اعتبار العضوية في مجلس الشورى وظيفة عامة يسترزق منها ويكتسب، والمرأة مكفية المؤونة إمّا مع وليها أو مع زوجها.

- فضلا عن اختلاطها بالرجال من أعضاء المجلس أو الخلوة مع بعضهم.

الحاصل أنّ المرأة وإن كانت لا تصلح سياسيا في المشاركة لتولي منصب الخليفة (رئيس الدولة) ولا عضوية مستحقة لها في مجلس الشورى إلاّ أنّها تصلح- وفق الشروط الواجب توافرها في المرأة وهي: [الإسلام والعقل، والبلوغ، والعدالة فلا تعرف بفسق ولا إصرار على معصية، مع حسن رأي ومعرفة بالأشخاص]- في أن تبدي الرأي فيمن يتولى منصب الخلافة ويصلح له على وجه الاستقلال عن مجلس الشورى إذا احتيج إلى حسن رأيها ورجاحة عقلها وسداد قولها، وبهذا المعيار نفسه تشارك بالرأي أيضا في اختيار أعضاء مجلس الشورى من أهل الحل والعقد[68].اهـ.

ذكر الأدلة، وما ورد عليها من اعتراضات ومناقشات:

أدلة المذهب الأول: القائل بحرمة المشاركة السياسية للمرأة مطلقًا.

الدليل الأول: قول الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب 33].

وجه الاستدلال:

أمر الله النساء بالمكث في البيوت والاستقرار فيها، وهذا يستلزم عدم الخروج منها إلا للضرورة أو للحاجة، أما ممارستها للعمل السياسي فإنه يستلزم جعلها خراجة ولاجة! ويستلزم بروزها أمام أعين الرجال! و(المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده) [69].

وكذلك، فإن خروجها ودخولها وعدم استقرارها في بيتها غالبًا ما يستتبع نوعًا ما من التبرج المنهي عنه، وقد قال مجاهد في معنى: (تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى): (كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، فذلك تبرج الجاهلية)[70].

وقال مقاتل بن حيان: (والتبرج: أنها تلقي الخمار على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها) [71].

نوقش:

أولا: بأن هذا الحكم خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم..

 وأجيب: بأن الظاهر خلافه، وعدم الاختصاص بهن..

قال القرطبي: (وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، على ما تقدم في غير موضع)[72].

ونوقش:

ثانيا: بأن خروج الطاعة لا ينافي القرار في البيت، قال ابن تيمية: (والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفرة)[73].

الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب 53].

وجه الاستدلال: الخطاب هنا للصحابة رضي الله عنهم بخصوص أمهات المؤمنين، فإن أمر الله تعالى أطهر رجال وأطهر نساء بعدم الاختلاط، فما بالنا بمن دونهم!!

ومشاركة المرأة في العمل السياسي يحتم اختلاطها بالرجال، ورفع صوتها أمامهم، والاحتكاك المباشر أو غير المباشر بهم، وفي ذلك ما فيه من فتن ومفاسد.

نوقش: نحن لا نقول بجواز مشاركة المرأة في العمل السياسي إلا بضوابط وشروط، أولها: منع الاختلاط المستهتر بين الجنسين، فإن انعدم هذا الشرط فإننا نقول بالمنع، وهذا الشرط ليس مما يستحيل تحققه ـ كما يظهر من كلامكم ـ بل على العكس يمكن بيسر تحقيقه.

أما احتجاجكم برفع صوتها أما الرجال، فإننا نقول  بأن صوت المرأة ليس بعورة، ما دام قد خلا من التغنج والتكسر.

والآية دليل عليكم؛ فالله يقول: (سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ)، فهناك كلام بينهم، ولكن من وراء حجاب، قال ابن كثير: (أي: وكما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب)[74].

الدليل الثالث: قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء 34].

وجه الاستدلال: أن السماح للمرأة بدخول معترك العمل السياسي ربما جعل لها قوامة على كثير من الرجال، وسلطة وسطوة عليهم وهذا مضاد لما قررته الآية الكريمة.

نوقش: المقصود بقوامة الرجل على المرأة في الآية هي القوامة الأسرية، بدليل سياق الآيات فإنها تتحدث عن العلاقة بين الزوج والزوجة داخل الأسرة، وعللت تلك القوامة بما ينفق الزوج من ماله، وعددت طرق علاج الشقاق بين الزوجين..

أجيب: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالرجل بطبيعته قوام على المرأة بما أوتي من خصائص تكفل له ذلك كقوة الجسد ورجاحة العقل وجسارة النفس وجراءة القلب.. فلا يصح لمرأة ولاية على رجل مطلقًا.

الدليل الرابع: قال الله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) [آل عمران 36].  

وجه الاستدلال: سبق نقل أقوال المفسرين للآية، ومفادها: عدم صلاحية النساء لكثير مما يصلح له الرجال، ومن ذلك ممارسة العمل السياسي والذي يستلزم الخروج من المنزل ورفع الصوت بين الرجال والسفر والانتقال والمخاصمة والجدال، ونحو ذلك مما تضعف معه المرأة عن القيام بالمهام الموكولة إليها في هذا المجال..

فلو جاز ذلك لهن، لجاز من باب الأولى خروجها لصلاة الجماعة ـ دون كون بيتها أفضل ـ ولجاز رفعها الأذان وإمامتها للرجال وإلقاءها خطبة الجمعة.. وكل ذلك لا يجوز.

نوقش:

إنما تقصد امرأة عمران: ليس الذكر كالأنثى (في القوة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى)[75]، لا في الحقوق والواجبات.. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن النساء: (إنما هن شقائق الرجال)[76].

أجيب: بأن كلامنا إنما هو في القوة والجلد والخدمة؛ إذ إن الأعمال الموكولة لأعضاء البرلمان أو المترتبة على المشاركة في المظاهرات أو القيام بإضرابات أو العمل على إنشاء أحزاب وتكتلات سياسية، ونحو ذلك مما تقتضيه المشاركة السياسية وصورها، كله يتطلب ما ذكر من قوة وجلد، وصبر ومصابرة، وبذل وسهر، وتفكير وجدال وخصام.

وقد قال الله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)) [الزخرف 18].

قال ابن كثير: (أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عيية.. فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص،... وأما نقص معناها، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار، لا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: "ما هي بنعم الولد: نصرها بالبكاء، وبرها سرقة")[77].

وقال قتادة: (ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها)[78].

ويؤخذ من ذلك كله: أن المرأة ضعيفة لا تستطيع مصاولة ولا مجادلة، والعمل السياسي معترك لا يثبت فيه إلا الأشداء[79].

الدليل الخامس: عن أبي بكرة، قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس، قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)[80].

وجه الاستدلال: حيث قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم فلاح أي بلد أو أمة جعلوا ولايتهم وسلموا إلى امرأة.

قال ابن الجوزي: (وكذلك كان، فإنهم لم يستقم لهم أمر)[81].

وقال الصنعاني: (فيه دليل على عدم جواز تولية المرأة شيئًا من الأحكام العامة بين المسلمين)[82].

ومشاركة النساء في العمل السياسي من شأنه أن يصل بعضهن إلى ولايات عامة على المسلمين، وهذا ما لا يجوز بنص الحديث.

نوقش:

أولًا: الحديث خاص بالولاية العامة كأن تكون المرأة خليفة، قال ابن العربي: (وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه)[83].

ثانيًا: أن الحديث خاص بحادثة معينة هي حادثة تمزيق كسرى لكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه بأن يمزق ملكه، واستجابة الله عز وجل له وقتل كسرى بيد ابنه الذي قتل اخوته أيضًا ثم مات، فولوا ابنة كسرى عليهم، فضاع ملكهم استجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي واقعة خاصة لا عموم لها.

ثالثًا: قد وجدت قرينة تؤكد أنه لا عموم للفظ هذا الحديث؛ وهو ما قصه علينا القرآن على لسان هدهد سليمان: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)) [النمل 23]، وكيف أنها قد قادتهم بحكمة وهدى إلى دين الإسلام: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)) [النمل 44]، فأفلحت وأفلح قومها.

وأجيب:

أولا: قول ابن العربي لا ينفي ما ذكرناه من العموم، وإنما هو ينص على الاتفاق على أن المرأة لا تكون خليفة، وأن هذه المسألة مستفادة يقينا من الحديث، وأن هذا الحكم منصوص عليه بهذا الحديث.

ثانيا: الظاهر أن الحديث يفيد العموم، وعليه أكثر العلماء، وهو ما فهموه من النص النبوي.

قال ابن قدامة: (والمرأة ناقصة العقل، قليلة الرأي، ليست أهلًا للحضور في محافل الرجال، ولا تقبل شهادتها، ولو كان معها ألف امرأة مثلها، ما لم يكن معهن رجل، وقد نبه الله تعالى على ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالى: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [البقرة: 282]، ولا تصلح للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان؛ ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم، امرأة قضاء ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا).

ثالثا: إنما آل أمرها وقومها إلى ما هو خير لما تنازلت لسليمان، وخضعت لحكم الرجل وقيادته، فيكون فيما ذكرتموه حجة عليكم لا لكم.

(وتجدر الإشارة إلى أن هذه الآيات لا تدخل في إطار "شرع من قبلنا" الذي يمكن للحديث النبوي أن ينسخه؛ إذ أن الحديث كما ذكرنا لا يتضمن حكمًا، بل هو إخبار بعدم الفلاح، كما أن الأهلية لا ترتبط باختلاف الشرع بل بقدرة المرأة وعقلها، وهذه فطرة وسُنّة وليست حكمًا ينسخ، ولو كان الحديث عامًا لنشأ بذلك تعارض بين القرآن والسنة، وهذا لا يكون، مما يؤيد دعوى خصوصية الحديث بقوم فارس وعدم انسحابه على أية ولاية للمرأة)[84].

الدليل السادس: القياس:

ووجهه: أنَّ المرأة ممنوعة مِن توِّلي رئاسة الدولة بالإجماع؛ استناداً إلى حديث: ((لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))، والسبب في ذلك ضعف المرأة ونقصانها الطبيعي عنِ الرجل بسبب ما يعتريها منَ الأمور الخاصة بالنساء، فيُقاس عليها كل ما فيه ولاية عامة، فتكون المرأة ممنوعة مِن هذه المشاركات؛ حيث لا يمتنع – حسب القوانين العلمانية المعمول بها في هذه الأنظمة- أن تكون مسئولة عن مجموعة الرجال، أو رئيسة لحزب من الأحزاب، أو ممثلة لطائفة من الناس.

الدليل السابع: إنَّ مشاركة المرأة يلزم منه أن تحضر محافل الخصوم، ومخالَطة الرجال، والمرأةُ ممنوعة من ذلك، وربما كانتِ المرأة ذات جمال باهر، فتحدث فتنة؛ لأنها لا بُدَّ مِنَ التَّعَرُّض للرِّجال، فيحدث الممنوع شرعًا، وما يؤدِّي إلى الممنوع ممنوع، فنصل إلى منع المرأة من هذه المشاركات.

الدليل الثامن: لو جاز مشاركة المرأة، على النحو الذي تريدون، وهو ما نعلمه من واقعنا المعاصر، لَفَعَلَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أصحابه - رضوان الله عليهم - من بعده؛ ولكنه لم يثبتْ توليتها هذا المنصب في تلك العصور وما بعدها، ولم ينقل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَلاَّها أي ولاية تستلزم اختلاطها بالرجال، وقيامها بنحو هذه الأعمال، لا ولاية بلد منَ البُلدان، ولا غير ذلك، ولا نقل ذلك عنْ أحد منَ الخلفاء الراشدين، ولا عمَّن بعدهم، فثبت: أنه لا يجوز لها هذه المشاركة.

الدليل التاسع: لا شك أن السياسة تحتاج إلى كمال الرأي، والفطنة، وتمام العقل، وهذا غير مُتَحَقِّق في المرأة على سبيل الكمال؛ وقد نَبَّه الله - سبحانه - إلى نسيان النساء بقوله - تعالى -: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}[44].

فالغالب في النساء أنهنَّ مُعَرَّضات للنِّسيان، وإن كان بعضهنَّ شديدات الذَّكاء، بحيث يفوق بعض الرجال، ولكن النادر لا حُكم له، وينسب بعض الباحثين السبب في هذا إلى ما يعتري المرأة من الأمور الخاصة بالنساء، وهي في غالب الظن مما يؤثر على الملكة العقليَّة؛ كالحمل، والولادة، وما يصاحبها من آلام ومشقَّة وحمل هموم الصغار، ومرضها الشهري، وما يغلب عليها منَ العاطفة وشدتها، مما يمكن أن يشوش على العقل؛ حتى ولو كان حاد الذكاء، شديد الفطنة، فيؤثِّر هذا على كمال قدراتها العقلية، حين الالتجاء إلى الملكة العقليَّة في حل المستعصي منَ المشكلات، والعويص منَ القضايا[45].

ثانيًا: أدلة المذهب الثاني القائل بجواز مشاركة المرأة في العمل السياسي.

الدليل الأول: قول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة 228].

وجه الاستدلال: حيث قرر الله عز وجل تساوي الأنثى مع الذكر في الواجبات والحقوق، بلا تفرقة بينها بسبب الجنس أو النوع، قال ابن كثير: (أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف)[85].

نوقش:

أولا: إما أن يقال: إنما تتحدث الآية عن العلاقة بين الزوج وزوجته خاصة عند فصم العلاقة الزوجية؛ لأن سياق الآيات كله يتحدث عن ذلك، فأول هذه الآية: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)، وأول الآية التي بعدها: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) [البقرة 228].

وحتى في هذه العلاقة ـ التي نزلت الآية في سياقها ـ قال الله فيها: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء 34].

فإن قيل: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب). قد روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ـ عن النساء ـ: (إنما هن شقائق الرجال). فلا يصح حرمانها من حقوقها السياسية.

نجيب بما يأتي، وهو:

ثانيا: من قال إن هذه المشاركات السياسية حق من حقوق المرأة، أو واجب من الواجبات المقررة عليها، بل هذه المشاركات من آكد أعمال الرجال، لأنها تتناسب مع قدراتهم وطبيعتهم دون النساء، أوهي نوع من أنواع الجهاد الذي لا تتحمله المرأة، لما تستلزمه من مخاصمات وجدال ومناظرات وبروز واختلاط وقضاء أوقات كثيرة خار منزلها الذي أمرت بالنص الصريح بالقرار فيه، أو على الأقل استحب لها الشرع ذلك، إلا فيما استثني.

مع أن الحديث يتكلم عن الخصائص الجسدية و(الفسيولوجية) للجنس البشري؛ فكلاهما له ماء منه يُخلق الولد، ولو رجعنا إلى متن الحديث بأكمله لتبين ذلك. فعند الترمذي عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ قال: (يغتسل)، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللًا؟ قال: (لا غسل عليه)، قالت أم سلمة: يا رسول الله، هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: (نعم، إن النساء شقائق الرجال).

وعليه، فلا وجه للاستدلال به في مسألتنا.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)) [التوبة 71].

وجه الاستدلال: القرآن الكريم قد حمَّل المرأة، كما حمَّل الرجل سواء بسواء، مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى المجتمع عمل سياسي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا امتلك الفرد ـ مسلمًا كان أم مسلمة ـ حق المشاركة السياسية[86].

نوقش: قد جاء الدليل على استثناء النساء من التكاليف التي تستلزم خلاف ما جبلن عليه من ضعف ورقة؛ كمنعها من الخروج من بيتها إلا لحاجة، وكون بيتها خير لها على كل حال، وحرمة اختلاطها بالرجال..

الدليل الثالث: ورد في السيرة النبوية حوادث عدة تدل على مشاركة النساء في مسائل السياسة، وأمور الدولة الإسلامية؛ فمن ذلك:

(1) عن أبي مرة، مولى أم هانئ بنت أبي طالب، أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب، تقول: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت، فقال: (من هذه؟) قلت: أم هانئ بنت أبي طالب، قال: (مرحبا بأم هانئ)، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلًا أجرته، فلان ابن هبيرة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)[87].

وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها زوجها أبو العاص بن الربيع أن خذي لي أمانًا من أبيك، فخرجت فأطلعت رأسها من باب حجرتها والنبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح يصلي بالناس، فقالت: أيها الناس، أنا زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني قد أجرت أبا العاص، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: (أيها الناس، إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه، ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم)[88].

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أم هانئ، على إجارتها لعدو للمسلمين، كما أقر زينبا على نحو ذلك، وهذا بلا شك عمل سياسي.

قال النووي: (واستدل بعض أصحابنا وجمهور العلماء بهذا الحديث على صحة أمان المرأة، قالوا: وتقدير الحديث: حكم الشرع صحة جواز من أجرت)[89].

نوقش: لا يقاس هذا على ما نحن بصدده من قضية مشاركة المرأة على النحو الواقع؛ إذ عمل كل من أم هانئ وزينب لا يستلزم ما تستلزمه المشاركة السياسية بالنحو المعاصر، من أمور محرمة أو تؤدي إلى محرم، أو على أحسن تقدير لا تتلاءم بوجه من الوجوه مع ما جبلت عليه المرأة، أو مع ما هو مطلوب منها من القيام بالتربية والرعاية لزوجها وأولادها.

(2) أن عائشة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم قد خرجت من مكة قائدة لجيش فيه عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم الزبير وطلحة، ولم ينكر خروجها وقيادتها تلك أحد منهم، وحدث ما يعرف في التاريخ الإسلامي بموقعة الجمل تحت إمرتها وقيادتها.

قال الطبري: (فخرجت عائشة ومعها طلحة والزبير، وأمرت على الصلاة عبد الرحمن ابن عتاب بن أسيد، فكان يصلي بهم في الطريق وبالبصرة حتى قتل.. فأمرت عائشة رضي الله عنها عبد الله ابن الزبير فصلى بالناس)[90].

نوقش: أولًا: عائشة لم تخرج قائدة لجيش، فلم يكن هناك جيش أصلًا، وإنما خرجت ومن معها بقصد الإصلاح بين الناس والمطالبة بدم عثمان، وسافرت مع محرم لها وهو عبد الله بن الزبير ابن اختها، مع أن جميع المؤمنين لها محارم؛ فهي أم المؤمنين.

قال ابن تيمية: (عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها)[91].

وقال الذهبي: (ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ، فعن عمارة بن عمير عمن سمع عائشة: إذا قرأت (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب: 33]، بكت حتى تبل خمارها)[92].

وفي ذلك حجة عليكم لا لكم؛ إذ به يتبين أن المرأة قد تأخذها العاطفة، فتستعجل القرار، وتخطئ في تدبير الأمور، ومن ثم فلا يتصور تحملها للأعباء النترتبة على هذه المشاركات المستلزمة لتوجيه الأمة في قضايا عامة ونحو ذلك.

 (3) ما حدث في صلح الحديبية من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا)، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك: أخرج لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل غمًا[93].

وجه الاستدلال: حيث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة أم سلمة رضي الله عنها، وعمل بها، فنجحت وظهر صوابها، وهذا يدل على جواز مشاورة النساء والعمل بما يشيرون به، وبالتالي جواز دخولهن مجلس الشورى.

نوقش: هذه حالة طبيعية في جو الأسرة المسلمة؛ أن يفضي الرجل إلى زوجته بعض همومه، وأن يستشيرها في ذلك، وأن يستمع إلى رأيها، فإن وجد فيه خيرًا أخذ به، وإن لم يجد تركه، ومن غاية التكلف أن نعتبر ذلك نشاطًا سياسيًا لنخرج منه بحكم عام مطلق ينطبق على جميع النساء في جميع العصور والأماكن في النشاط السياسي.

وأين ذلك من مشاركة المرأة على النحو الواقع؟ وهل شاركت أم سلمة بعد ذلك في أي نشاط سياسي، تكون فيه مساوية للرجال على قدم سواء؟

كلا، لا هي ولا غيرها، فلم يُعرف عن النساء في زمن السلف، ولا بعدهم، هذه المشاركة التي تتساوى فيها مع الرجال في المجتمع المسلم[94].

(4) عن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل، أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم ـ نفسي لك الفداء ـ أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلاهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجًا أو معتمرًا ومرابطًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابًا، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟

قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: (هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟)، فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ثم قال لها: (انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله)، قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارًا[95].

وجه الاستدلال: حيث سمح النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت يزيد أن تمثل النساء بين يديه، وطلب منها أن تنقل لمجموعة للنساء من خلفها الكلمات التي قالها لها، وعليه فيجوز أن تمثل المرأة أمثالها في مجلس الشعب أو الشورى أو غيرهما من المستويات.

نوقش: الحديث ضعيف؛ فأبو سعيد الساحلي الجبيلي ـ أحد رواة الحديث ـ مجهول الحال[96]، وفيه سقط بين أبي سعيد الساحلي وأسماء بنت يزيد[97].

أجيب بأن للحديث شواهد من حديث ابن عباس، وجابر، وإن كنت لا تخلو من ضعف، وقد حسن هذا الحديث الدكتور نجم عبد الرحمن خلف في تحقيق كتاب "العيال"[98].

نوقش: على القول بتحسينه، فليس فيه إلا مجرد استفتاء المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمره إياها بإبلاغ ما عرفته من دين وحق لنظيراتها من النساء.

ولا شك في مشروعية استفتاء المرأة للعالم، ولا خلاف كذلك في مشروعية تبليغ المرأة للدين، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر في مجتمع النساء، بل وفي غيره مع التزام ضوابط الشرع.

لكن أين هذا كله من قضيتنا؟ فبينهما من البعد كما بين المشرقين، وكما بين الحق والباطل.

(5) دور أسماء بنت أبى بكر في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فها هي تخاطر بنفسها وتذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبيها في الغار بالطعام في شجاعة وتحمل، قال ابن هشام: (وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى في الغار، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما)[99].

وكفى أنها لقبت في هذه الأثناء بلقب لزمها طوال عمرها؛ (ذات النطاقين)، تحكي رضي الله عنها فتقول: (صنعت سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر، حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، قالت: فلم نجد لسفرته، ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: "والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي"، قال: "فشقيه باثنين، فاربطيه: بواحد السقاء، وبالآخر السفرة"، ففعلت، فلذلك سميت ذات النطاقين)[100].

وجه الاستدلال: قالوا: هذا يدل على جواز مشاركة المرأة في أخطر الأعمال السياسية بل والجهادية، فقد كان ذلك كله بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم، وتتصاغر مشاركة المرأة اليوم في الحياة السياسية مع ما فعلته أسماء رضي الله عنه، فجواز المشاركة السياسية اليوم من باب الأولى.

نوقش: بأنه كلام حق، لكن أريد به باطل، ولا دليل فيه بوجه من الوجوه على مشاركة المرأة على النحو الكائن في زمننا المعاصر.

ونحن لا نقول بانعدام أن يكون للمرأة دور ومشاركة في نصرة الدين وتبليغه والقيام به، وفي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف، لكن لكل تلكم الصور والمهمات ضوابط شرعية، لا تنطبق بحال على ما هو كائن في المشاركات السياسية الراهنة.

(6) عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في حصن حسان بن ثابت حين خندق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت صفية: "فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، فقلت لحسان: إن هذا اليهودي يطيف بالحصن كما ترى، ولا آمنه أن يدل على عورتنا، فانزل إليه فاقتله"، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت صفية: "فلما قال ذلك احتجزت وأخذت عمودًا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان، انزل فاستلبه؛ فإنه لم يمنعني أن أستلبه إلا أنه رجل"، فقال: "ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب"[101].

وجه الاستدلال: حيث أثبتت صفية رضي الله عنها عمليًا أن في استطاعة المرأة أن تفعل ما لا يستطيع فعله بعض الرجال، ومن تستطيع فعل ما فعلته صفية تستطيع من باب أولى المشاركة السياسية؛ إذ أنه قطعًا أيسر من قتل يهودي.

نوقش: بما نوقش به أثر أسماء رضي الله عنها. وبأننا نتكلم عن الأصل لا عن الاستثناء؛ فكم من النساء تستطيع ما فعلته صفية! وكم من الرجال يفعل ما فعله حسان رضي الله عنه!.

الدليل الرابع: تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه للشفاء، قال المزي وغيره: (وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق)[102].

وجه الاستدلال: فيه دليل على تولية المرأة الولاية العامة، فيكون لها المشاركة في الميدان السياسي بشتى صوره، وإن ترتب على ذلك ولاية عامة على الرجال والنساء.

نوقش: أولًا: لا يثبت هذا عن عمر:

قال ابن العربي: (وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح؛ فلا تلتفتوا إليه؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث)[103].

ويقول ابن سعد (ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه)[104].

وأكد ابن عبد البر أن الذي ولاه عمر على السوق هو ابنها سليمان بن أبي حثمة، فقال: (هاجر صغيًرا مع أمه الشفاء، وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم، واستعمله عمر على السوق)[105].

وقال مرة عنها بلفظ التشكيك: (وربما ولاها شيئًا من أمر السوق) [106].

وقصة التولية هذه ليس لها سند إلا هذا السند: عند أبى عاصم قال: حدثنا دحيم عن رجل سماه عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، (أن عمر رضي الله عنه استعمل الشفاء على السوق، قال: ولا نعلم امرأة استعملها غير هذه)[107].

ففي السند راو مجهول، وفيه: ابن لهيعة ولا يخفى ضعفه، قال ابن معين: (ضعيف لا يحتج به)، وقال ابن مهدي، قال: (لا أحمل عن ابن لهيعة شيئًا)، وقال النسائي: (ضعيف)[108].

 ولا نتصور من عمر الفاروق رضي الله عنه أن يصنع ذلك؛ (فما مثل عمر من يجعل امرأة تختلط بالرجال وتباشر التجار والوافدين إلى السوق وهو المعروف بحزمه على النساء وأمره إليهن بأن يلتزمن حافات الطرق. وما مثل عمر من يعدم كبار رجال الصحابة والتابعين في عصره لكي يولى أحدهم قضاء السوق)[109].

ثانيًا: على فرض ثبوت ذلك من عمر فليس فيه دليل على تولية المرأة الولاية العامة لأن أمر السوق ليس كذلك كما لا يخفى، فهو كتولية المرأة شؤون بنيها وبيتها وفي ذلك نوع ولاية، وليس كل ولاية تمنع منها المرأة بل الولاية العامة[110].

الترجيح:

بعد عرض أدلة الفريقين، وما ورد عليها من مناقشات وردود، نخلص إلى ما يلي:

1- أكثر أدلة القائلين بمشاركة المرأة في الميدان السياسي لم تسلم من المناقشة، ومنها ما هو متكلف، وفي غير محله.

2ـ ما ثبت من مشاركات المرأة قديمًا في معارك أو مشاحنات أو مشاورات أو أخذ عهود عليها، ونحو ذلك مما يروق للبعض أن يسميه مشاركة سياسية، لا يرقى بحال من الأحوال للاستدلال به في مشاركة المرأة في الواقع المعاصر، وفي ظل النظم القائمة، فشتان بين واقع وواقع، وشتان بين حكم وحكم.  

3- المشاركة السياسية نوعان:

أولًا: ما فيه ولاية عامة: فالأصل: أنه لا يجوز للمرأة المشاركة فيه، وذلك لأسباب كثيرة منها:

حديث: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)[111]، نرى أنه على عمومه يشمل كل النساء ويشمل جميع المناصب العامة التي تتضمن ولاية عامة على أمة أو شعب أو طائفة، وأما ولايتها على النساء، فلا نمنع أن تكون المرأة مديرة لمستشفى نسائي أو ناظرة لمدرسة أطفال، أو رئيسة لجمعية نسائية.. 

طبيعة المرأة مقودة لا قائدة، هادئة رقيقة وادعة عاطفية حنونة، وما وجد من النساء على غير هذه الصفات قلنا: نتكلم عن الأصل لا عن الاستثناء،  قال تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ) [النساء 34]، ومعنى قانتات: طائعات، وقال تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) [النساء 34].

ما ينتاب المرأة من أعذار طبيعية تصاحبها تغيرات نفسية تتعارض مع مقومات القائد الناجح.

لو سلمنا لمن قال بخصوصية قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء 34]، بالزوج على زوجته، ثم ولينا المرأة ولاية عامة، فقد يكون زوجها تحت ولايتها العامة، وهي المأمورة بطاعته لأن له القوامة عليها!!

أن للأب منع ابنته من الخروج من المنزل، وللزوج منع زوجته من الخروج من بيتها.. فلا يحق لامرأة الخروج من البيت إلا بإذن وليها أو قيمها سواء أكان أبًا أم زوجًا، فماذا إن لم يأذنا لها وقد تولت ولاية عامة للمسلمين!! إن هذا يتعارض مع أبسط شروط من يتولى ولاية عامة.

6- وهو أهمها: ما يترتب على دخول المرأة المعترك السياسي؛ فمن المعلوم أن مشاركة المرأة في أي من الولايات العامة لا بد لها فيه من الاختلاط بالرجال وحضور المجالس العامة، بل والاختلاء ببعض الرجال بسبب متطلبات العمل السياسي، وإقحام المرأة في المعترك السياسي تحت حجة منحها حق الترشيح والانتخاب، يؤدي حتما إلى التبني الشمولي للنظام الاجتماعي الغربي العلماني في نظرته إلى المرأة، وهذا وإن لم يكن ظاهرا على المدى القريب، فإن عين البصيرة تقطع بحصوله على المدى البعيد.

وفي ذلك مناقضة للنظام الاجتماعي الإسلامي، في تشريعاته المختصة بالمرأة، وذلك بالنظر إلى ما يحدث في الواقع الملموس، والحدث المحسوس، من المخالفات الجزئية الكثيرة التي سيؤدي إليها حتما الزج بالمرأة في المعترك السياسي، والتي إذا انضمت إلى بعضها مجتمعة أفضت إلى تحويل موقع المرأة في المجتمع من وظيفتها الفطرية الأصلية في الإسلام، إلى منحى آخر يختلف تماما، لا بالنظر المقطوع الساذج الذي ينظر إلى آحاد الأمثلة والقضايا المنفصلة.

إن المرأة إذا دخلت هذا المعترك، اقتضاها ذلك أن تخالط الرجال في المجالس العامة والخاصة، وتتدخل في شئونهم الخاصة مما يتعلق بالانتخابات وحساب الأصوات وغير ذلك، مما يضطرها إلى تكوين الأنصار وما يسمى المفاتيح الانتخابية، والتنقل بين المجالس طلبا لحشد التأييد، وتحتاج إلى نشر صورتها في الأماكن العامة، ومخاطبة كل من يرغب، ومجالسة كل من يطلب، بحيث تكون أشبه بالمرفق العام الذي يرتاده الخاص والعام، وينافسها الرجال فيطعنون فيها انتصارا للنفس، ويبحثون عن ماضيها لنفس الغرض.

وقد ينالها ما ينال غيرها في هذه المعارك من تشويه السمعة، والطعن الذي قد يمتد إلى شرفها ويتناول معها أسرتها، فتضطر إلى الدفاع عن نفسها، وتتعرض مع ذلك إلى ضغوط كثيرة في هذا الميدان الوعر.

وستضطر إلى أن تخلط الرجال بالنساء في مقرها الانتخابي، وسيترتب على هذا كله، مفاسد كثيرة جدا.

وحتى لو قدر لها أن تصبح نائبة، فما ستضطر إليه من الاعمال بعد دخولها المجلس النيابي، أشد ضررا مما كان، فإنها مضطرة أن تنتصب لناخبيها، لتقضي حاجاتهم، وتسعى في طلباتهم، وتنتصر لظلاماتهم، مما يحتاج الى الترفق في الطلب لذوي الرتب، أو المناحرة والمجاهرة بالقول والخطب، وكل ذلك بمحضر من الرجال، وتسعى في ذلك الليل والنهار، وتذر واجبها تجاه زوجها وأسرتها، وتهمل ذلك كله إهمالا كليا أو جزئيا.

وكل من أوتى بصيرة في الدين، يعلم أن الشريعة الإسلامية في واد، وإقحام المرأة في هذا الميدان في واد آخر، وأنه لا لقاء بينهما البتة، وإنما يحدث مثل هذا العبث في حياة المرأة عند غير المسلمين، حيث لا يوجد لديهم مالدى المسلمين من الأحكام الشرعية التي تؤدب المرأة بآداب الإسلام، فلا يؤمنون برب ولا دين.

وكأن هؤلاء الذين يجيزون للمرأة الدخول في المجالس النيابية، وخوض المعارك الانتخابية ـ يفتحون من حيث لا يشعرون ـ بابا واسعا لحصول جميع ما تقدم ذكره من المخالفات الشرعية[112].

ثانيا: ما ليس فيه ولاية عامة: كالتصويت في الانتخابات والخروج في المظاهرات ـ إن أمنت الفتن والمحاذير ـ وكذلك الترشح لمجلس الشورى ما دام دوره مقتصرًا على مجرد المشاورة، وما لم يتضمن القانون المنظم له أن تكون لأعضائه ولاية عامة، فيجوز للمرأة المشاركة في ذلك للضرورة التي يحددها أهل العلة والدعوة الثقات، وقد يختلف الحكم في ذلك من بلد إلى آخر، حسب المعطيات والمتغيرات، وفقه الواقع، فلا ينبغي إعطاء حكم قاطع في ذلك.

 ووجه هذا الاختيار ما يلي:

1ـ أن الظاهر أن المسألة من مسائل السياسة الشرعية، وتقبل الاجتهاد ممن هم أهله، وإنما جاءت النصوص بمنع ولاية المرأة على الرجل، وهنا ليس هناك ولاية.

2ـ أنه قد يكون في ذلك نصرة للحق، وتقليلًا للشر، وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر.. وكل ذلك واجب على الرجال والنساء على حد سواء. 

ونحب أن نختم بكلام طيب للدكتور مصطفى السباعي، في بيان ما انتهى إليه بعد البحث والمناقشة وتقليب وجهات النظر في حكم مشاركة المرأة في هذا الميدان، وهل لها حق في الانتخاب والاختيار، والترشح أو الترشيح، أو لا، حيث يقول:

"كان أول مرة أعطيت فيها المرأة في بلادنا حق الانتخاب في عام 1949 وفي عهد حسني الزعيم إثر انقلابه المعروف، فقد صدر في عهده قانون جديد للانتخاب أعطيت فيه المرأة حق الانتخاب، وقد فرض هذا القانون على الأمة فرضاً.

ولما قامت الجمعية التأسيسية في ذلك العام وبدأ بوضع الدستور، رأينا بعد المناقشة وتقليب وجهات النظر أن الاسلام لا يمنع من اعطاء هذا الحق، فالانتخاب هو اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل، يذهب الشخص الى مركز الاقتراع فيدلي بصوته فيمن يختارهم وكلاء عنه في المجلس النيابي يتكلمون باسمه ويدافعون عن حقوقه، والمرأة في الاسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنساناً بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع، وكان المحظور الوحيد في إعطاء المرأة حق الانتخاب هو أن تختلط بالرجال أثناء التصويت والاقتراع، فيقع ما يحرمه الاسلام من الاختلاط والتعرض للمحصنات وكشف ما أمر الله به أن يستر.

وقد تقرر دفعاً لذلك المحظور أن يجعل لهن مراكز للاقتراع خاصة بهن، فتذهب المرأة وتؤدي واجبها ثم تعود الى بيتها دون أن تختلط بالرجال أو تقع في المحرمات.

وتقرر في الدستور الذي أصدرناه عام 1950 حق المرأة في الانتخاب فقط، ثم جاء عهد الوحدة، فصدر قانون بإرادة الحاكم الفرد يعطي المرأة حق الترشيح للنيابة، ومع أن عدداً من النساء قد رشحن أنفسهن للانتخابات بعد ذلك إلا أن واحدة منهن لم تنجح لأن الأمة لم تقتنع بعد بفائدة نيابة المرأة واشتغالها بالسياسة، وقد كان فرض منهن عدد في مجلس الأمة أيام الوحدة لم يكن للشعب نفسه رأي في اختيارهن ولا نيابتهن".

ثم يقول في بيان اختياره لحكم الشرع في حق النيابة بالنسبة للمرأة:

وإذا كانت مبادئ الاسلام لا تمنع أن تكون المرأة ناخبة، فهل تمنع أن تكون نائبة؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نعرف طبيعة النيابة عن الأمة انها لا تخلو من عملين رئيسين:

1 - التشريع: تشريع القوانين والأنظمة.

2 - المراقبة: مراقبة السلطة التنفيذية في تصرفاتها وأعمالها.

أما التشريع فليس في الاسلام ما يمنع أن تكون المرأة مشرعة، لأن التشريع يحتاج قبل كل شيء الى العلم مع معرفة حاجات المجتمع وضروراته التي لا بد منها والاسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء، وفي تاريخنا كثير من العالمات في الحديث والفقه والأدب وغير ذلك.

وأما مراقبة السلطة التنفيذية فإنه لا يخلو من أن يكون أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، والرجل والمرأة في ذلك سواء في نظر الاسلام، يقول الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.

وعلى هذا فليس في نصوص الاسلام الصريحة ما يسلب المرأة أهليتها للعمل النيابي كتشريع ومراقبة.

ولكننا اذا نظرنا إلى الأمر من ناحية أخرى نجد مبادئ الاسلام وقواعده تحول بينها وبين استعمالها هذا الحق - لا لعدم أهليتها - بل لأمور تتعلق بالمصلحة الاجتماعية.

فرعاية الأسرة توجب على المرأة أن تتفرغ لها ولا تشتغل بشيء عنها.

واختلاط المرأة بالأجانب عنها محرم في الاسلام - وبخاصة الخلوة مع الأجنبي.

وكشف المرأة من غير ما سمح الله بكشفه وهو الوجه واليدان محرم في الاسلام.

وسفر المرأة وحدها خارج بلدتها دون أن يكون معها محرم منها لا يبيحه الاسلام.

وهذه الأمور الأربعة التي تؤكدها نصوص الاسلام تجعل من العسير - إن لم يكن من المستحيل - على المرأة أن تمارس النيابة في ظلها ففي النيابة ترك للبيت خلال أكثر النهار والليل، وفيها اختلاط بالنواب في غير قاعة المجلس النيابي، وفيها تضطر المرأة أن تكشف ما حرم الله اظهاره من زينتها وجسمها، وفيها سفرها خارج بلدتها - اذا كانت من مدينة غير العاصمة - وليس معها أحد من محارمها، وقد تسافر الى مؤتمرات برلمانية في دول أجنبية.

مثل هذه المحرمات لا يجرؤ مسلم أن يقول بإباحتها، فالمرأة إن كانت بحسب أهليتها لا يمنعها الاسلام من النيابة، ولكنها بحسب طبيعة النيابة وما يقتضيها ستقع في محرمات يمنعها الاسلام منها.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، نرى الاسلام يجعل للمصلحة العامة الاعتبار الأول في تشريعه، فما كانت تقتضيه المصلحة أباحه، وما لا تفتضيه المصلحة منعه أو حذر منه.

وإذا أردنا أن نناقش نيابة المرأة من حيث المصلحة العامة نرى مضارها أكثر من فوائدها.

فمن مضارها إهمال البيت وإهمال شؤون الاولاد، ومن ذلك ادخال الخصومات الحزبية الى بيتها وأولادها، وقد قرأنا في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة أن زوجة قتلت زوجها لأنها كانت تتحمس لمرشح غير مرشح الحزب الذي ينتمي اليه الزوج.

واشتغال المرأة بالسياسة من المشكلات التي لا ينكرها منصف، فهي عاطفية وتتأثر بالدعاية الى حد كبير، وللجمال والذوق أثر كبير فيمن تختاره من المرشحين.

ونضيف الى ذلك احتمال أن تكون هي جميلة، فتستعمل جمالها سلاحاً لإقناع الرجال بانتخابها، ومن عانى الدعايات الانتخابية وعناء المرشحين في الطواف على بيوت الناخبين وأحيائهم وقراهم، ومواصلتهم سهر الليل بعمل النهار، أدرك أي شقاء وتعب وهموم ستتعرض لها المرأة المرشحة.

أنا لا أريد أن أذكر الناس بما جرى في الانتخابات التكميلية سنة 1957 في مراكز اقتراع النساء في دمشق - من شد شعور بعضن لبعض واتهام بعض المتحمسات لأحد المرشحين، لكرائم السيدات بتهم تأنف من سماعها المروءات، وما كان من هجوم بعضهن على بعض وضربهن بالأحذية، والاستنجاد بالشرطة، مما جعل المتحمسين لاشتغال المرأة عندنا بالسياسة يندمون على موقفهم - أنا لا أريد أن أذكر الناس بتفاصيل ما وقع، ولكني أريد أن أذكر السيدات اللاتي يحسبن النيابة أمراً هيناً، بأن الحكم بالأشغال الشاقة أهون مما يجب على المرشح أن يقوم به من استرضاء لخواطر الناخبين وتردد عليهم وتزلف لهم، فهل تتحمل طبيعة المرأة هذا؟ أم تحسب أن مجرد ترشيحها نفسها كاف لنجاحها؟

ثم ماذا نفعل بالأمومة؟ هل نحرم النائبة أن تكون أما؟ وذلك ظلم لفطرتها وغريزتها وظلم للمجتمع نفسه، أم نسمح لها بذلك على أن تتقطع عن عملها النيابي مدة ثلاثة أشهر كما تفعل المدرسات والموظفات؟ وهل نسمح لها أن تقطع أيام "الوحم" وقد تمتد شهرين فأكثر، وطبيعة المرأة في تلك الأيام طبيعة غير هادئة ولا هانئة، بل تكون عصبية المزاج، تكره كل شيء؟ فماذا بقي لها بعد ذلك من أيام العمل الخالصة وقد تكون الدورة البرلمانية خلال هذه الأشهرالتي تنقطع فيها عن العمل الخارجي؟

أنا لا أفهم ما هي الفائدة التي تجنيها الأمة من نجاح بضعة مرشحات في النيابة: أيفعلن ما لا يستطيع الرجال أن يفعلوه؟ أيحللن من المشاكل ما يعجز الرجال عن حلها؟ ألأجل أن يطالبن بحقوقهن؟ إن كانت حقوقاً كفلها الاسلام فكل رجل مطالب بالدفاع عنها وإن كانت حقوقا لا يقرها الاسلام. فلن تستجيب الأمة لهن وهي تحترم دينها وعقائدها.

يقولون: إن الفائدة من ذلك إثبات كرامة المرأة وشعور المرأة بإنسانيتها!

ونحن نسأل: هل إذا منعن من ذلك كان دليلاً على أن لا كرامة لهن ولا انسانية؟

أفليس في قوانيننا القائمة مواطنون منعهم القانون من الاشتغال بالسياسة كأفراد الجيش مثلاً؟ فهل يعني منعهم من حق الاشتغال بالسياسة أنهم دون المواطنين كرامة وإنسانية؟

أليست قوانيننا تمنع الموظف من الاشتغال بالتجارة؟ فهل يعني ذلك أنه فاقد الأهلية أو ناقصها؟

إن مصلحة الأمة قد تقضي تخصيص فئات منها بعمل لا تزاول غيره، وليس في ذلك غض من كرامتها، أو انتقاص من حقوقها، فلماذا لا يكون عدم السماح للمرأة بالاشتغال بالسياسة هو من قبيل المصالح التي تقتضيها سعادة الامة كما تقتضي تفرغ الجندي لحراسة الوطن دون اشتغاله بالسياسة؟ وهل تفرغ الأم لواجب الأمومة أقل خطراً في المجتمع من تفرغ الجندي للحراسة، وتفرغ الموظف للادارة دون التجارة؟

ثم يستطرد قائلا:

لنكن صريحين في معالجة هذا الموضوع، فأنا لا يخيفني أن أتهم بالجمود والرجعية وعداوة المرأة بمقدار ما يهمني أن أذكر آرائي بكل حرية وأن أنبه أمتي الى الاخطاء. لقد وفدت الينا عدوى اشتغال المرأة بالسياسة من الغرب، ومع أن الغرب لم يعط هذا الحق للمرأة إلا بعد مئات السنين من نهضته، نحب أن نتساءل: ماذا كانت نتيجة هذه التجربة عند الغربيين؟

إن أول شيء يبدو للمتتبع لهذه القضية تناقص عدد النائبات سنة عن سنة، ومعنى ذلك أن الغربي بدأ يشعر بعد التجربة أن إعطاء المرأة حق الاشتغال بالسياسة لا فائدة منه إن لم يكن قد عمل على تفكك الأسرة، أو أن المرأة نفسها أصبحت عازفة عن الاشتغال بالسياسة والنيابة عن الشعب.

وثاني الملاحظات - وقد زرت أوروبا أربع مرات أقمت في بلادها بضعة شهور - أني لم أحس أبداً بأثر المرأة الغربية في السياسة عندهم بوجه عام، وفي المجالس النيابة بوجه خاص، ولقد زرت مرة مجلس العموم البريطاني وحضرت جلسة طويلة من جلساته، فلم أشاهد نائبة واحدة من نائباته، بل كن كلهن غائبات!...

وثالث الملاحظات، أن المرأة السويسرية ما تزال حتى الآن ترفض باختيارها أن تمارس حقها السياسي، وفي كل مرة تستفتى في هذا الموضوع يكون جواب 95% منهن رفض الاشتغال بالسياسة، هذا مع العلم بأن سويسرا من أرقى بلاد العالم الحديث، ونساءها لا يتهمن بالجمود والرجعية والرضى بالقيود والأغلال! كما يحلو لبعض المتمردات عندنا أن يتهمن زميلاتهن اللاتي يعلن عن رفضهن للاشتغال بالسياسة.

ولذلك فإني أعلن بكل صراحة أن اشتغال المرأة بالسياسة يقف الاسلام منه موقف النفور الشديد إن لم أقل موقف التحريم - لا لعدم أهلية المرأة لذلك - بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عنه، وللمخالفات الصريحة لآداب الاسلام وأخلاقه، وللجناية البالغة على سلامة الأسرة وتماسكها، وانصراف المرأة عن معالجة شؤونها بكل هدوء وطمأنينة[113].

وهو قريب مما اخترناه، والحمد لله رب العالمين.

 خاتمة بخلاصة البحث، وأهم النتائج:

من خلال ما أصلناه وقررناه بالأدلة ومن كلام العلماء، انتهينا في بحثنا إلى ما يلي:

  1. يليق للرجل من الأعمال ما لا يليق بالمرأة، وليس الذكر كالأنثى؛ فالأصل في الكد والسعي والبروز والشقاء الكائن في تولي الأعمال وكسب الرزق، أنما هو للرجال، والأصل في المرأة لزوم بيتها، والقيام بمسؤولية البيت من خدمة الزوج وتربية الأولاد.
  2. يحرم على المرأة التبرج، ومنه البروز للرجال في المجتمعات ونحوها، ويحرم عليها الاختلاط، ويحصل ذلك بمشاركتهم الأعمال بصفة دائمة، وصورة راتبة.
  3. مشاركة المرأة في الميدان السياسي يحتاج الأمر فيه إلى شيء من التفصيل؛ إذ تختلف صور هذه المشاركة، لكن يمكن أن نقول إن الأصل فيه عدم الجواز، لما سبق من أدلة وتأصيل، وعليه:

فالمجالس النيابية التنفيذية والتشريعية، التي ينتخب أعضاؤها لتمثيل الأمة في إدارة شؤون البلاد داخليًّا وخارجيًّا، وسن القوانين المستنبطة من الشريعة، وتلزم بها الأمة، أو لها صلاحية في اختيار الحاكم أو خلعه، ومحاسبة كبار المسؤولين في الدولة، فهذه المجالس لها ولاية وسلطة، سواء سمِّيت برلمانًا، أو مجلس شورى، أو مجلس شعب، أو غير ذلك.

 فلا يجوز للمرأة أن ترشح نفسها، أو يرشحها الناس لتكون عضوًا فيه؛ لما تقدم من الأدلة التي تدل على أنه ليس للمرأة ولاية عامة، وأمرها بالقرار بالبيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة، إضافة إلى سفرها من غير محرم داخل البلاد وخارجها، وخلوتها بالرجال الأجانب لمقتضيات العمل، لا بد أن تقع في ذلك المرأة من بدء الترشيح، مرورًا بالدعاية الانتخابية، وبعد دخولها في هذا المجلس.

فإذا كان ليس للمرأة الولاية العامة، وليس لها أن تتقلد هذه الولايات، فمشاركتها منكر تأباه الشريعةُ، وإنكار المنكر بالقلب من الواجبات العينية، وذلك بكراهته، واعتقاد حرمته، فهذا الواجب عينيٌّ على الجميع.

والإسلام يقف موقفًا حازمًا من مشاركة المرأة في السياسة، ودخولها هذا المعترك الذي يشق على أقوياء الرجال؛ لطبيعة تكوين المرأة، وما يعتريها من تغيرات، والغرب الكافر الذي يدعو إلى مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات السياسية، يدرك عدم جدوى ذلك، وأن الأمر متعلق بالرجال، والمرأة غير مهيئة لذلك، وذلك من خلال الواقع العملي لمشاركة المرأة في السياسة، فليقارن عدد النساء بالرجال في حكومات الغرب وبرلماناته.

فلم تُخلق المرأة لهذا؛ بل خلقت لتكون محضنًا يتربى فيه الأولاد، ويشعرون بعاطفة الأمومة، فيخرجون أسوياء، إضافة إلى سياسة بيتها، ومتابعة أولادها، وملاحظتهم من قرب، وما يطرأ عليهم من تغيرات، ((والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها))، وفي ترك هذا المجال صيانةٌ لها ممَّا يشينها، وحفظ عفتها وكرامتها، وليس ذلك حطًّا من مكانتها، أو انتقاصًا من قدرها؛ بل هذا إجلال لها وتوقير، وأعظم خدمة تقدمها المرأة لمجتمعها تفرُّغُها لما خُلقت له، ويتفرغ الرجل لما خُلق له، فعمل كل واحد منهما مكمل للآخر، لا مصادم له.

فالأصل في المرأة القرار في البيت، والعناية به، ولا يمنع أن تشارك في الأعمال الأخرى إذا احتاجت لذلك، أو احتيج إليها، فتشتغل في تربية وتعليم بنات جنسها، والعناية بهن، وتهذيب سلوكهن، ودلالتهن على الخير، وقيامها بالاحتساب على النساء أمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وعملها كمرجع للنساء في الفتيا، لا سيما ما يتعلق بالنساء، فهي أعلم من الرجل بذلك، وأقدر على إدراك الحادثة المسؤول عنها، كذلك عنايتها في تطبيب النساء، والمشاركة في هذا الجانب عبر الأعمال الرسمية أو التطوعية.

  1. قد يجوز للمرأة بعض صور المشاركة في الميدان السياسي، استثناء من الأصل، للضرورة أو الحاجة الملحة. والواجب الرجوع في ذلك لأهل العلم والدعوة الثقات.

 

ملحق بفتاوى هامة للعلماء في قضية مشاركة المرأة في العمل السياسي

(1) فتوى الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق - رحمه الله:

المبادئ:

1 - رفع الإسلام من شأن المرأة فكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها طلب العلم والمعرفة.

2 - لا يجوز للمرأة خوض غمار الانتخابات حماية لأنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، والبعد من مظاهر الريب وبواعث الافتتان.

السؤال: وردت إلينا أسئلة عديدة عن حكم انتخاب المرأة لعضوية مجلس النواب أو الشيوخ فى الشريعة الإسلامية؛ إذ قامت ضجة من جانب بعض النساء للمطالبة بتعديل قانون الانتخاب الذى حرمت نصوصه انتخابهن بحيث يكون لهن الحق فى الانتخابات.

الجواب: بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله.

عني الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل فى بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم، وفى حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين؛ فرفع شأنها وكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة، ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيؤها لها طبيعة الأنوثة وما تحسنه، حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأما مربية وربة منزل مدبرة، وكانت دعامة قوية فى بناء الأسرة والمجتمع.

وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان؛ فحرم على الرجل الأجنبى الخلوة بها والنظرة العارمة إليها، وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها، وأن تخالط الرجال فى مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم، وأعفاها فى الحج من التجرد للإحرام، ومنعها الإسلام من الأذان العام وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، وولاية القضاء بين الناس، وأثم من يوليها بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها.

كل ذلك لخيرها وصونها وسد ذرائع عنها والافتتان بها حذرا من أن يحيق بالمجتمع ما يفضى إلى انحلاله وانهيار بنائه، والله أعلم بما للطبائع البشرية من سلطان ودوافع وبما للنفوس من ميول ونوازع والناس يعلمون والحوادث تصدق.

ولقد بلغ من أمر الحيطة للمرأة أن أمر الله تعالى نساء نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - بالحجاب وهن أمهات المؤمنين حرمة واحتراما، وأن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تمس يده ـ وهو المعصوم ـ أيدى النساء اللاتى بايعنه، وأن المرأة لم تول ولاية من الولايات الإسلامية فى عهده ولا فى عهد الخلفاء الراشدين ولا فى عهود من بعدهم من الملوك والأمراء، ولا حضرت مجالس تشاوره - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحابه من المهاجرين والأنصار.

ذلك شأن المرأة فى الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار، وتقتحم على الرجال قاعة البرلمان، فتزاحم فى الانتخابات والدعاية والجلسات واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفاع، وما إلى ذلك مما هو أكبر إثما وأعظم خطرا من ولاية القضاء بين خصمين وقد حرمت عليها.

واتفق أئمة المسلمين على تأثيم من يوليها تاركة زوجها وأطفالها وبيتها وديعة فى يد من لا يرحم، إن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام، بل ولا الأكثرية الساحقة من النساء، اللهم إلا من يدفعه تملق المرأة أو الخوف من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء، ولا حسبان فى ميزان الحق لهؤلاء.

على المسلمين عامة أن يتعرفوا حكم الإسلام فيما يعتزمون الإقدام عليه من عمل فهو مقطع الحق وفصل الخطاب، ولا خفاء فى أن دخول المرأة فى معمعة الانتخابات والنيابة غير جائز لما بيناه.

وإننا ننتظر من السيدات الفضليات أن يعملن بجد وصدق لرفعة شأن المرأة من النواحى الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية الصحيحة فى حدود طبيعة الأنوثة والتعاليم الإسلامية قبل أن يحرصن على خوض غمار الانتخاب والنيابة، وأن نسمع منهن صيحة مدوية للدعوة إلى وجوب تمسك النساء عامة بأهداب الدين والفضيلة فى الأزياء والمظاهر والاجتماعات النسائية وغير ذلك مما هو كمال وجمال للمرأة المهذبة الفاضلة.

ولهن منا جميعا إذا فعلن ذلك خالص الشكر وعظيم الإجلال، ذلك خير لهن والله يوفقهن لما فيه الخير والصلاح[114].

 (2) وسئل الشيخ عطية صقر: ما رأي الدين في إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح للمجالس التشريعية؟

الجواب: العلماء اشترطوا فيمن يختارون الخليفة: العدالة الجامعة لشروطها، والعلم الذى يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها، والرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أصلح للإمامة وبتدبير المصالح أقوم وأعرف.

وإذا كانت هذه الشروط لم تتحقق حتى فى الرجال، حيث إن الانتخاب فى الدساتير المعمول بها فى كثير من البلاد الإسلامية لا يحتم وجودها، فهل يمكن أن تتحقق فى النساء؟ وإذا أمكن أن تتحقق فهل يوجد ذلك فى عالم الواقع، ذلك يحتاج إلى نظر.

أقول هذا لأن الدساتير الحالية تعطى حق الترشيح لمن أعطى حق التصويت، فلو أن الأمر اقتصر على إعطاء صوتها إذا وجدت فيها المواصفات التى ذكرها الماوردي ما كان هناك اعتراض، لكن الذين ينادون بإعطائها هذا الحق يربطون بينه وبين حق الترشيح لتمثيل الشعب فى المجالس التشريعية، وبالتالى إذا اشتركت فى انتخاب الإمام أو الحاكم جاز لها الترشيح لهذا المنصب، فالتصويت سلم للترشيح، والقوانين الوضعية لا تلتزم حدود الدين فى الوقوف عند منح امتياز معين.

ومن هنا لا يجوز القول بجواز تصويتها لأنه وسيلة إلى ممنوع، كما قررته لجنة الفتوى بالأزهر ونشر فى المجلة فى يونية 1952 م، ونصها مذكور فى (ص 448) من الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، وجاء فيها: «أن وسيلة الشيء تأخذ حكمه، وأن حركة عائشة ضد على - رضي الله عنه - لا تعد تشريعا وقد خالفها فيها كثيرون، وأن مبايعة النساء للنبى - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تثبت زعامة ولا رياسة ولا حكما للرسول، بل هى مبايعة على الالتزام بأوامر الدين».

ثم ذكرت اللجنة عدم جواز ترشيح المرأة للمجالس التشريعية؛ لأن فيه معنى الولاية العامة وهى ممنوعة بحديث البخارى وغيره: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». وهذا ما فهمه أصحاب الرسول وجميع أئمة السلف.

ووضحت المبررات لذلك، ثم ذكرت أن منع المرأة من التصويت والترشيح لم ينظر فيه إلى شيء آخر وراء طبيعة هذين الأمرين، أما ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير إلى نهايته فإننا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات وما إلى ذلك، مما نشفق على المرأة أن تزج بنفسها فيها، ويجب تقدير الأمور وتقدير الأحكام على أساس الواقع الذى لا ينبغي إغفاله أو التغافل عنه.

هذا ما قررته لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1952، فهل يقبل فى هذه الأيام أو يرفض؟ وهل للمادة الثانية فى الدستور المصرى اعتبار فى التشريع[115]؟.

(3) وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة: هل يجوز للمسلم أن يُدْلِي بِصَوته في الانتخابات، وهل يجوز إدلاء صوته  لصالح الكفار؟

فأجابت اللجنة: لا يجوز التصويت من المسلمين لصالح الكفار ؛ لأن في ذلك رِفعة لهم، وإعزازا لشأنهم، وسبيلا لهم على المسلمين، وقد قال الله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

وسُئلوا أيضا: هل يجوز التصويت في الانتخابات والترشيح لها ؟ مع العلم أن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله.

فأجابوا: لا يجوز للمسلم أن يُرَشِّح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك حكومة تَحْكُم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة. والله تعالى أعلم.اهـ.

(4) حكم عمل المرأة في البرلمان وهي ملتزمة بحجابها وتربيتها ولا تختلط مع الرجال:

جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية:

لا يجوز للمرأة تولي الولايات العامة، ومن ذلك مشاركتها في البرلمان، وكونها تلتزم بالحجاب ولا تخالط الرجال لا يسوغ المشاركة فيه. والله أعلم. اهـ.

(5) سئل الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم: عن مشاركة المرأة في الانتخابات والاستفتاء لتعديل الدستور، هل يجب على كل النساء المشاركة وإن لم تشارك تكون آثمة ؟ هل بالفعل الصوت أمانة واجبة على الجميع؟

فأجاب: لا يجب على المرأة أن تُدْلِي بِصوتها ؛ لأن ذلك شأن الرجال، إلاّ إذا تعلّق ذلك بأمور النساء، مِن غير فتنة ولا افتتان، ولا اختلاط مع الرجال. والأصل أن الْحُكم لله، ولا تصويت على دستور، ولا على غيره، ويَجِب شَرْعا نَبْذ كُلّ ما خَالَف شَرْع الله مِن غير تصويت. والله تعالى أعلم.

وسئل أيضا: حدث لي إشكالية حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ".. أنا من مصر يا شيخ والعام المقبل إن شاء الله هناك انتخابات رئاسية فماذا أفعل هل أستخرج بطاقة انتخابية وأنتخب أحد المرشحين؟؟ أم أن الحديث لا يتحقق في حال ما آل إليه الحكم في بلدنا من تداول سلطة وانتخابات؟؟

فأجاب: إنما البيعة للحاكم الشرعي.  والحاكم الشرعي هو من يَحكُم بِحُكم الله. ولا يجوز انتخاب شخص مع العِلْم بما سيؤول إليه الأمر مِن الْحُكم بِغير ما أنْزل الله.

 (6)  وسئل الشيخ مقبل بن هادي الوادعي: يرى البعض أن من الواجب الدخول في الانتخابات، وأنه لا يجوز لأهل الخير أن يتخلوا عنها، لأنّهم إذا تخلوا عنها، دخل فيها من لا خير فيه، ولأنّ وجود أهل الخير في المجالس الحكومية فيه خير، لأنه سيكون لهم رأي يرشدون به في هذه المجالس، فما رأيكم في الانتخابات، وكيف الرد على من يقول بجوازها من الكتاب والسنة، وما الدليل على تحريمها؟

فأجاب: يقول رب العزة في كتابه الكريم: ﴿أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون﴾، والعالم الفاضل، والخمار، والشيوعي، صوتهم واحد، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار﴾، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وليس الذكر كالأنثى﴾.

فصاحب الفضيلة صوته كصوت المرأة الفاجرة، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿تلك إذا قسمة ضيزى﴾ حين جعلوا الملائكة بنات الله، ولهم أنفسهم الذكران. وهل كانت الانتخابات على عهد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو على عهد أبي بكر وعمر، أم الدولة الأموية والعباسية، وهكذا.

وقد انتهى ببعضهم الحال في التصويت في بلاد الكفر على إباحة اللواط، وأن يتزوج الرجل بالرجل، وعلى إباحة الخمر، والبنوك الربوية. وكل شيء يمكن أن يجري تحت التصويتات والانتخابات، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون﴾.

فأنت مطالب بالاستقامة، والله سبحانه وتعالى يقول لنبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿فاستقم كما أمرت﴾، ويقول أيضا: ﴿فاستقيموا إليه﴾. فنحن مأمورون بالاستقامة على الكتاب والسنة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا﴾.

وما هي عاقبة الانتخابات في أفغانستان؟ وما هي ثمرات الانتخابات في كثير من البلاد الإسلامية؟ وأعظم من هذا أن الانتخابات وسيلة إلى الديمقراطية[116].

(7) حكم مشاركة المرأة في الانتخابات؟ (أحمد بن محمد جعفري):

قال حفظه الله: صدرت قبل فترة لائحة الانتخابات من وزارة الشؤون البلدية والقروية، ولم تشر صراحة إلى مشاركة المرأة من عدمها في الانتخابات ’ ولذلك بدأ بعض الناس يتساءلون عن هذا الأمر: أعني جواز مشاركة المرأة في الانتخابات من عدمه، وقد اختلف العلماء والباحثون المعاصرون حول هذا الأمر.

والحقيقة أنه يتضح لمن تأمل في نصوص الشرع وقواعده العامة أن النساء لا مدخل لهن في الانتخابات لأدلة كثيرة منها:

أولا: لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة إباحة تولي المرأة لأية ولاية عامة، والانتخابات والترشيح لها من الولايات العامة، كما لم ترد إباحة الانتخابات لهن، لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا في سنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم’ بل نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تولي المرأة أية ولاية عامة في قوله (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) حديث صحيح.

ثانيا: وإذا قيل إن عدم وجود دليل صريح في المنع معناه الإباحة فالجواب أنه لم يثبت أن المرأة شاركت في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في اختيار الخليفة أو من دونه، ولاشك أن أفضل تطبيق للإسلام كان في هذين العصرين ’ فلو كان للمرأة حق الانتخاب لما منعت منه فيهما، ولو كان الانتخاب من حقوق النساء لما سكتت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وزوجات الصحابة الكرام عن المطالبة به.

ثالثا: أن العلماء حددوا الشروط المعتبرة فيمن يختار الإمام أو من دونه وهي العدالة والعلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة أو ما دونها ’ والرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أهل للمنصب المراد الترشيح له، والشرطان الأخيران لايتوافران في المرأة لأن طبيعة رسالتها التي تقتضي بقاءها في البيت وبعدها عما لا يعنيها من الأمور تحول بينها وبين معرفة من يستحق الترشيح، وليست لديها خبرة بهذه الأمور. كما أنها عاطفية تتأثر بالدعاية إلى حد كبير، ولا تستطيع معرفة حقيقة الأمر مع وجود مرشحين كثر كل منهم يدعي لنفسه المصداقية والحرص على المصالح العامة.

رابعا: أن عملية الانتخاب والترشيح تستلزم سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات ونحو ذلك من أنواع الشر والأذى التي ينبغي للمرأة أن تبعد نفسها عنها، ومن المعلوم أن الطريقة السائدة للانتخابات تعتمد على اجتماع الناخبين بالمرشح ليقوم بالدعاية لنفسه وذكر برامجه ورؤاه الإصلاحية، وهذا معناه اختلاط النساء بالرجال بدون ضرورة تدعو لذلك وفتح باب من أبواب الفساد وهو ما تأباه نصوص الشريعة وقواعدها.

وهنا أمر ينبغي التنبيه عليه وهو أن حق المرأة في التعبير وإبداء الرأي فيما يمكن أن تبدي رأيها فيه أمر ثابت لا يستطيع أحد أن يسلبها إياه، ولكن لابد أن يكون هذا التعبير عن علم وبصيرة، وهناك طرق أخرى لإبداء الرأي والنصح والمشورة، فإذا فرض وجود امرأة أو أكثر يعرفن صلاحية شخص وكفايته ولهن رأي في ذلك فيمكن أن يدلين رأيهن بأي طريقة شرعية لاتؤدي بهن إلى مخالطة الرجال ومزاحمتهن كالفاكس والبريد الالكتروني فيكون كالترشيح منهن ثم ينتخبه الرجال.

وليس في هذا عداوة للمرأة من قبل الرجل ولا ينقص شيئا من إنسانيتها وإكرامها ولا نزاع بين الرجل والمرأة في هذا الشأن أو غيره لأنها أمه أولا وأخته ثانيا وزوجته ثالثا وبنته رابعا ولها في كل هذه الأحوال ما تستحقه من الاحترام والتقدير، ولكن العدل وضع الشئ في موضعه وتقدير أهمية الأمر والعمل بما هو أصلح.

وأخيرا فربما يعترض إنسان على ما قلناه بخروج عائشة رضي الله عنه في معركة الجمل ويرى أنه يدل على جواز المشاركة في مثل هذه الأعمال والجواب أن أم المؤمنين رضي الله عنها لم تخرج لتطالب بالخلافة أو البيعة لها أو لغيرها وإنما خرجت داعية للإصلاح بين الناس وللمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه، وقد كان خروجها اجتهادا منها أنكره عيها بعض الصحابة رضي الله عنهم فاعترفت بخطئها وندمت على خروجها[117].

(8) فتوى الدكتور/ ياسر برهامي في حكم مشاركة المرأة في المجالس النيابية:

وسئل الشيخ: هل يصح ترشح المرأة للانتخابات حيث إن الأمر محل اجتهاد معاصر، وهي قضية محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين، وأن المسألة المختلف فيها بين العلماء يكون العمل بأحد الرأيين مشروعًا ولا يصح إنكار فريق على الفريق الآخر ويبقى التناصح بينهما وصولاً إلى الحق؟

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) (رواه البخاري)، ونقل الجويني -رحمه الله- في "الغياث" الإجماع على أن الذكورة من شروط أهل الحل والعقد، فضلاً عن العلم؛ فأين النساء العالمات لو قلنا بالجواز -ونحن لا نقول به-؟! والأوضاع المعاصرة معروفة والمفاسد المتوقعة غالبة؛ فكيف تعرض أخواتنا لمخاطر جمة لن تغيِّر من الواقع الأليم شيئًا؛ فهل غيَّر الثمانية والثمانون شيئًا؟! فما ظنكم إذا كانوا أقل من ذلك بكثير كما هو متوقع ومظنون؟! وسوف يقع ذلك بكل الطرق المعروفة وغير المعروفة، والمشروعة وغير المشروعة!

وما زالت موازين القوى داخل المجتمع لا تسمح بانتخابات نزيهة -كما يقولون-، وأنا أحيلك على مقال: المشاركة السياسة وموازين القوى. موقع صوت السلف.اهـ.

وسئل: سبقت لكم فتوى في عدم جواز ترشيح المرأة في المجالس النيابية، وفاجأنا موقع "صوت السلف" بفتوى بعنوان جواز مشاركة المرأة.. أليس هذا تناقضًا؟!

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلو تأملتَ الفتوى المنشورة لما وجدت تناقضًا - بحمد الله-، فالحكم كما ذكرناه أولاً وثانيًا: هو أن هذه المجالس النيابية على الصحيح نوع من الولايات، وهي داخلة تحت قوله - صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً).

فالأصل عدم الجواز، ولكن الفتوى في واقعنا المعاصِر ليست على الحكم المطلق، بل قلنا بأنه لا يمنع من ترشح امرأة على القوائم للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ومنها: "حزب النور"؛ لدرء مفسدة ترك البرلمان لليبراليين والعلمانيين يسنون دستورًا يحارب الإسلام، ويقيد الدعوة، بل ويمنعها ويعاقب عليها!

فتحمل أدنى المفسدتين لدفع أشدهما لا يجعل المفسدة الأدنى في الحكم العام المطلق مصلحة جائزة، بل هي من جنس إباحة المحظور عند الضرورة، فلا يتغير الحكم العام عن كونه محظورًا محرمًا أبيح عند الضرورة، فكذلك ما احتمل من مفسدة مرجوحة لدفع مفسدة أعظم لا يعني تغير الحكم العام.

وكانت الفتوى قبل ذلك بمنع الترشيح لضعف المصلحة، بل انعدامها تقريبًا في ظل النظام السابق المستبد القائم على التزوير والبطش، وتمرير ما يريد كرهًا فكانت المشاركة مع ما فيها من تنازلات أعظم بكثير من ترشح امرأة مجرد تحسين لصورة النظام المستبد، فلم يكن هناك المصالح المرجوة حاليًا ولا دفع المفاسد الأعظم عند كتابة دستور البلاد الذي يرغب العلمانيون في صياغته بطريقة تستخدم لخنق الدعوة وإلغاء مرجعية الشريعة الإسلامية وجعلها مادة ديكورية - كما قالوا-! وكان الأحسن أن يوضع عنوان الفتوى الأخيرة عن "حكم مشاركة المرأة"، وليس الجواز، ولعله يتم تصحيحه.

وسئل: ما رأي الشيخ في مشاركة الأخوات في الأحزاب السياسية السلفية؟

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمشاركة النساء في النشاط النسائي في حزب ذي مرجعية شرعية لا حرج فيه؛ لأنه يُفترض فيه الالتزام بالضوابط الشرعية فيما يخص علاقة الرجل بالمرأة.

(9) وفي موقع: الإسلام سؤال وجواب، السؤال: حكم مشاركة المرأة في المنتديات ومناقشة الرجال:

السؤال: ماحكم مشاركة المرأة في المنتديات؟ وردها على الرجال ومناقشتها مواضيع معهم؟ وهل المزح مع الرجال في المنتديات يعتبر حراما؟ وما حكم استخدام الأيقونات التعبيرية مثل الابتسامات ؟ وهل استخدام الرسائل الخاصة بين المرأة والرجل للاستفسار عن أمر أو طلب مساعدة يجوز؟ وهل يجوز للمرأة أن تكتب كلمة هههههه؟

الجواب:

يجوز للمرأة أن تشارك في المنتديات العامة، إذا تقيدت بالضوابط التالية:

1- أن تكون مشاركتها على قدر الحاجة، فتطرح سؤالها أو موضوعها، وتنصرف، ولا تعلّق إلا على ما لابد منه؛ لأن الأصل هو صيانتها عن الكلام مع الرجال، والاختلاط بهم.

2- ألا يكون في كلامها ما يثير الفتنة، كالمزاح ولين الكلام، والضحك كأن تكتب: (هههههه) كما في السؤال، أو تستخدم الأيقونات المعبرة عن الابتسامات؛ لأن ذلك يؤدي إلى طمع من في قلبه مرض، كما قال سبحانه: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32

3- تجنب إعطاء البريد، أو المراسلة الخاصة مع أحد من الرجال، ولو كان ذلك لطلب مساعدة؛ لما تؤدي إليه هذه المراسلة من تعلق القلب وحدوث الفتنة غالبا.

4- والأولى والأفضل ألا تشارك المرأة إلا في المنتديات النسائية، فهذا أسلم لها، وقد كثرت هذه المنتديات، وفيها خير وغنى. وإن احتاجت للمشاركة في منتديات عامة فالأولى أن تختار اسما لا يدل على أنها أنثى. والله أعلم[118].

(10) وفي فتاوى الشبكة الإسلامية: السؤال: ماحكم عمل المرأة في وسائل الإعلام المرئية؟:

والجواب: مما لا شك فيه أن وسائل الإعلام المرئية لها إيجابيات ومنافع ولها كذلك سلبيات ومضار، فما كان منها من سلبيات ومضار، فلا يجوز العمل فيها للرجال والنساء على السواء، لأن العمل في مثل هذا المجال من باب التعاون على الإثم والعدوان وكذا من باب إشاعة الفاحشة بين المؤمنين كمن يعمل في مجال الأفلام والغناء ونحو ذلك. وأما ما كان منها إيجابيا ونافعا فلا حرج في العمل فيه بالنسبة للرجال إن ضبط ذلك بضوابط الشرع.

ونود أن نلفت انتباه السائل إلى أمر مهم وهو أن الله تعالى قال في كتابه: (وليس الذكر كالأنثى). [آل عمران: 3]. فالمرأة تختلف عن الرجل في كل شيء: في الصورة والأعضاء الخارجية والسمة العامة وكذا ما يعتريها من حيض ونحو ذلك فهذا يقتضي أن تقوم المرأة بدور يلائم طبيعتها ووظيفتها الجسدية. وإن أهم ما تقوم به المرأة وتعتني به هو بيتها، فوظيفة الأمومة والأسرة والبيت من أجل الوظائف وأهمها ولا ينبغي التساهل في هذا أبدا والتقليل من شأنه. فالمرأة هي الدعامة الأساس للأسرة وسلامة دعم الأسرة تقوم على فهم سمة المرأة الحقيقية ووظيفتها الأساسية، فإذا تخلت المرأة عن ذلك إلى مربية أو نحوها، وخرجت للعمل في غير مجالها، فإنها بذلك تهدم ولا تبني وماذا ينفع أن تبني لغيرها وتهدم بيتها.

فالذي نريد أن نبينه في هذا المقام أن للمرأة وظائف تصلح لها وكذلك للرجل وظائف يصلح لها. فلا يجوز للمرأة أن تعمل في مجال الإعلام المرئي كأن تعمل مذيعة أو مقدمة برامج أو نحو ذلك لأن هذا يؤدي إلى مفاسد عظيمة منها أن المرأة ستسعى جهدها في تحسين صوتها وصورتها للمشاهدين، وقد يحصل أن تحدث خلوة مع رجال أجانب عنها عند التسجيل والإعداد ونحو ذلك، فالذي ينبغي على المسلمين عمله هو سد هذا الباب بالكلية والسعي في ذلك قدر المستطاع. وأما الرجل فإنه أجدر للقيام بهذه المهمة، وكثير من الإعلاميين لا يتخذون المرأة في هذا المجال إلا لجذب أنظار من لا يراعي بصره، فإن من المعلوم أن المرأة لا تضيف شيئا جديد للنشرة أو البرنامج[119].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

 


[1] قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: عوان: أي أسيرات. جمع عانية، بالعين المهملة وهي: الأسيرة. والعاني: الأسير. شبه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير. والضرب المبرح: هو الشاق الشديد. وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: فلا تبغوا عليهن سبيلاً: أي لا تطلبوا طريقاً تحتجون به عليهن وتؤذونهن به.

[2] انظر: المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها (2/ 35). وسيأتي الكلام عن درجة الحديث، والخلاف في ذلك.

[3] وفيها أيضا: السؤال: نود من فضيلتكم أن تعرفونا بحدود الاختلاط السموح به في الشرع؟ وما هو الاختلاط العام المأذون به شرعا والاختلاط الخاص...؟ والجواب: ... فحدود الاختلاط المسموح به في الشرع هو ما تؤمن معه الفتنة، ويتحقق فيه الالتزام بضوابط الشرع، من تجنب الخلوة والخضوع بالقول والالتزام بالحجاب وغض البصر. والاختلاط الشائع اليوم والذي لا تراعى فيه ضوابط الشرع، هو باب شر وفساد يجر على المجتمع كثيراً من المفاسد والبلايا، والواقع شاهد بذلك. أمّا ما ذكرت عن موقع العمل الذي يحدث فيه بين الرجال والنساء الأجانب مزاح وكلام بلا حاجة، فذلك غير جائز. ... وأمّا إذا تمّ الفصل بين مكاتب الرجال ومكاتب النساء، وكان التعامل بينهما في حدود العمل بقدر الحاجة مع التزام النساء بالحجاب، والبعد عن الخضوع بالقول وتجنب الخلوة، فذلك جائز، وانظر الفتوى رقم: 63091. واعلم أن الشرع قد حذّر من فتنة النساء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه. والشريعة حرصت على ستر المرأة، وإبعادها عن مواطن الريبة ومظان الفتنة، حتى ولو كان ذلك في المسجد.اهـ.

[4] وعلى مضمون هذه الفتوى أكثر أهل العلم الثقات، كابن باز، وابن جبرين، والفوزان، والألباني، وهيئات الفتوى الشرعية المعروفة، بالسعودية ومصر والشام، وغيرها.

[5]

[6] انظر: أحكام وآداب للنساء – محمد شاكر الشريف – طبعة: دار طيبة.

[7] شرح العقيدة الواسطية " (1 / 180-181).

[8] انظر:

[9] لطائف الإشارات = تفسير القشيري (1/ 237).

[10] زاد المسير في علم التفسير (1/ 276).

[11] تفسير ابن كثير ط العلمية (2/ 28).

[12] تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (3/ 55).

[13] تفسير السمعاني (1/ 312).

[14] فتح القدير للشوكاني (1/ 384).

[16] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 129)

[17] أيسر التفاسير للجزائري (1/ 312).

[18] الأساس في التفسير (2/ 762).

[19] تفسير الشعراوي (17/ 10903).

[20] رواه الترمذي (113) وأحمد (25663) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " (98).

[21] " تفسير ابن كثير " (1 / 490).

[22] " تفسير ابن كثير " (1 / 336).

[23] " تفسير القرطبي " (5 / 164).

[24] رواه الحاكم في المستدرك (6418)، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (5583).

[26] تفسير الطبري - سورة البقر- القول في تأويل قوله تعالى " وللرجال عليهن درجة ".

[27] سورة الملك/14-  وانظر: الشيخ محمد صالح المنجد – فتوى رقم: (1105) - موقع الاسلام سؤال وجواب.

[28] إرشاد الفحول ص 14.

[29] تفسير ابن كثير 2/293. والآية من سورة البقرة 228.

[30] سبل السلام 4/96.

[31] أحكام القرآن 3/1457.

[32] رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 2315.

[33] نيل الأوطار 4/112.

[34] الذخيرة 10/22.

[35] المغني 5/34.

[36] شرح السنة 10/77.

[37] أحكام القرآن 3/1457.

[38] طبقات ابن سعد 1/250.

[39] تاريخ دمشق، عن المكتبة الشاملة.

[40] تهذيب الكمال، عن المكتبة الشاملة.

[41] الإصابة 4/14.

[42] انظر: موقع إسلام أون لاين.

[43] مستفاد من فتوى للدكتور/ حسام عفانة (15/ 12) – بتصرف يسير.

[44] يلاحظ أنَّ بعض العلماء منَ القدامى والمعاصرين، كأنهم اعتبروا رأي ابن جرير خلافًا، وليس اختلافًا، كما يفهم من سياق عباراتهم، فنرى الماوَرْدِي يقول: وشَذَّ ابن جرير الطبري، فجَوَّز قضاءها في جميع الأحكام، ولا اعتبار بقولٍ يردُّه الإجماع، مع قوله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}؛ يعني: في العقل والرأي، فلم يجز أن يقمْنَ على الرجال. وأيضًا: جاء في "أحكام القرآن"، بعد نقل رأي ابن جرير: "ولم يصح ذلك عنه، ولعلَّه كما نقل عن أبي حنيفة"، فنراه ينفي صحة النقل، ويحاوِل التأويل.

وإذا انتقلنا إلى بعضِ الكُتَّاب المعاصرين، بعد أن ساق هذا الرأي يقول: "وهذا الرأي منَ الشذوذ ومخالفة الإجماع؛ بحيث لا يُلْتَفَتُ إليه"، ويقول غيره: "واعتبر الفقهاء رأي ابن جرير الطبري خلافًا لا اختلافًا؛ لأنه يصادِمُ الأدلة الشرعية، فهو قولٌ شاذ". ويرى أحد الباحثين أنَّ هذا الرأي غير ثابت منَ الناحية التاريخية، والناحية الموضوعية. أمَّا منَ الناحية التَّاريخيَّة، فلعدم ثبوت النقل عن ابن جرير؛ لما ذكر في "أحكام القرآن"، كما أن هذا الرأي لم يصلنا عن طريق سندٍ يصل في نهايته إلى الإمام الطبري، وأيضًا فإنَّ هذا الرأي غير موجود في كتبه؛ مما يؤدِّي إلى ضعف الاطمئنان إلى هذا النقل. وأما منَ الناحية الموضوعية، فإنَّ هذا القول مُخالِفٌ لِحديث: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))، كما أنه مخالِف للإجماع القائم في العصر السابق لعصر ابن جرير، على عدم جواز تولية المرأة القضاء، فليس لابن جرير سابق إلى هذا القول، ومثل هذا القول إذا خالف الإجماع، ولم يكن في عصر المجمعين، لا يُعتد به، ولا يقبل؛ لأن الإجماع إذا انعقد في عصر منَ العصور على حكم شرعي، ولم يخالف فيه أحد، فلا يجوز للمتأخرين عن هذا العصر أن يُخالِفوا هذا الإجماع.

ثم يصل هذا الباحث إلى نتيجة هي: أن نسبة القول بجواز أن تَتَوَلَّى المرأة القضاء إلى ابن جرير لا تصلح رواية، ولا دراية. انظر: مقال: حكم تولية المرأة القضاء- لمصطفى محمود سليخ- موقع الألوكة.

 

[45] من "لقاءات الباب المفتوح". باختصار.

[46] انظر مجموع الفتاوى ج28 ص 390-396.

[47] في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان".

[48] انظر: فتاوى الشبكة - رقم الفتوى: 5141- بتصرف يسير.

[49] مفتي مصر الأسبق - رحمه الله، وسيأتي معنا نص فتواه في ذلك.

[50]  انظر: جواب سؤال: (هل يجوز في الشريعة الإسلامية أن تكون المرأة حاكمة؟)، على موقع: http://islamqa.info

 [51] نظرية الإسلام وهديه للمودودي وقال فيه: (بأن المناصب الرئيسية في الدولة، رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس الشورى أو إدارة مختلف مصالح الحكومة لا تفوض إلى النساء)، نقلًا عن: مجلة النبأ العدد 60، جمادى الأولى 1422، (المشاركة السياسية للمرأة وموقف الشريعة الإسلامية) د. ساعد الجابري:  http://annabaa.org

[52]  انظر: مقال فضيلته بعنوان: (المرأة المسلمة والنشاط السياسي)، موقع صيد الفوائد:

[53] كلجنة الفتوى بالأزهر عام 1952م ـ كما نقله ـ الشيخ عطية صقر- انظر: فتاوى دار الإفتاء المصرية، فتوى الشيخ عطية صقر مايو 1997م تحت عنوان: (المرأة والانتخاب)، نقلًا عن موقع: www.islamport.com، وفتاوى اللجنة الدائمة، وموقع الإسلام سؤال وجواب، وفتاوى الشبكة الإسلامية. وسيأتي النص على بعض هذه الفتاوى لاحقا، في آخر البحث.

[54] وذلك في بعض الصور، كالمشاركة في اختيار نواب البرلمان.

[55] وكيل جامعة الأزهر سابقًا وعضو مجمع البحوث الإسلامية، نقلًا عن موقع:www.ahram.org.eg

([56]) المصدر السابق نفسه

([57]) وقد جمع الزركشي هذه الأحاديث في كتاب سماه : الاجابة لما استدركته أم المؤمنين عائشة على الصحابة

[58] بحث: المرأة والمشاركة السياسية والديمقراطية - أ . د . علي محيى الدين القره داغي.

[59] الإرشاد:(427).

[60] (126).

[61] أخرجه البخاري في المغازي (4425)، والترمذي في الفتن (2431)، والنسائي في آداب القضاة (5405)، وأحمد (21049)، والبيهقي (5332)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

[62] نيل الأوطار: (10/255).

[63] منهاج السنة لابن تيمية: (6/350).

[64] أدب القاضي للماوردي (1/628).

[65] الإحكام (3/324).

[66] أخرجه البخاري في الشروط (2731)، وأحمد (19442)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.

[67] في تفسيره (4/402).

[68] موقع الشيخ أبي عبد المعز محمد علي (فركوس).

[69] أحكام القرآن لابن العربي (3/483)، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة: الثالثة، 1424هـ - 2003م.

[70]  تفسير ابن كثير (الأحزاب 33).

[71]  تفسير ابن كثير (الأحزاب 33).

[72]  تفسير القرطبي (الأحزاب 33).

[73]  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية لابن تيمية (4/317)، المحقق: محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1406هـ - 1986م.

[74]  تفسير ابن كثير (الأحزاب 53).

[75] تفسير ابن كثير (آل عمران 36).

[76]  الدارمي (كتاب الطهارة، باب: في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل)، ومسند البزار (مسند أبي حمزة أنس بن مالك)، وصححه الألباني (الصحيحة 2863).

[77]  تفسير ابن كثير (الزخرف 18).

[78]  تفسير القرطبي (الزخرف 18).

[79] فإن قيل: قال القرطبي: (قيل: المنشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها، قاله ابن زيد والضحاك، ويكون معنى: (وهو في الخصام غير مبين) على هذا القول: أي ساكت عن الجواب) . أجيب: قال الطبري بعد أن ذكر القوليين: (وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك الجواري والنساء، لأن ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات، وقلة معرفتهم بحقه، وتحليتهم إياه من الصفات والبخل، وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم، والمنعم عليهم).

[80]  البخاري (كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر).

[81] كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (2/16)، المحقق: علي حسين البواب، الناشر: دار الوطن الرياض.

[82]  سبل السلام للصنعاني (2/575) الناشر: دار الحديث، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.

[83] أحكام القرآن لابن العربي (3/482)، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة: الثالثة، 1424هـ - 2003م.

 [84] من مقال بعنوان: (الأهلية السياسية للمرأة وصلاحيتها للولايات العامة)، صحيفة الوسط البحرينية - العدد 1932 - الجمعة 21 ديسمبر 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1428هـ، نقلً عن: /www.alwasatnews.com

[85] تفسير ابن كثير (البقرة 228).

[86] من مقال بعنوان: (المرأة والمشاركة السياسية)، وهو عبارة عن: مقابلة مع جريدة الوطن الكويتية أجراها الأستاذ محمد الكندري بتاريخ 28/10/1999، نقلًا عن موقع:

[87] البخاري (كتاب الجزية، باب أمان النساء وجوارهن)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان).

[88] البيهقي في السنن الكبرى (جماع أبواب السير، باب أمان المرأة)، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، ذكر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وصححه الألباني (الصحيحة 2819).

[89] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي (5/232)، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة: الثانية، 1392.

 [90] تاريخ الطبري (4/454 و474)، الناشر: دار التراث بيروت، الطبعة: الثانية - 1387هـ.

[91]  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية لابن تيمية (4/316)، المحقق: محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1406هـ - 1986م.

[92]  الطبقات الكبرى لابن سعد (8/64)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة: الأولى، 1410هـ - 1990م، وسير أعلام النبلاء للذهبي (3/452)، الناشر: دار الحديث القاهرة، الطبعة: 1427هـ-2006م.

 [93]البخاري (كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد).

[94] انظر: مقال: (المرأة المسلمة والنشاط السياسي) د. عدنان علي رضا النحوي، بتصرف، موقع صيد الفوائد.

[95] البيهقي في شعب الإيمان (حقوق الأولاد والأهلين)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (النساء، باب الألف، أسماء بنت يزيد الأنصارية)، وضعفه الألباني (الضعيفة 6242).

[96] انظر: السلسلة الضعيفة للألباني (حديث رقم: 6242).

[97] انظر: السلسلة الضعيفة للألباني (حديث رقم: 5340).

[98] انظر: موقع الاسلام سؤال وجواب، وفي فتاوى الشبكة الإسلامية: هذا الحديث روي بعدة روايات عن عدة من الصحابة، فقد رواه البزار والطبراني وابن أبي الدنيا في كتاب العيال، وقال الدكتور نجم عبد الرحمن خلف في تحقيق كتاب العيال إسناده حسن.

[99]  السيرة النبوية لابن هشام (1/485)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ - 1955م.

[100]  البخاري (كتاب الجهاد والسير، باب حمل الزاد في الغزو).

[101] البيهقي في السنن الكبرى واللفظ له (كتاب قسم الفيء والغنيمة، جماع أبواب الأنفال، باب السلب للقاتل)، والحاكم عن هشام بن عروة، عن أبيه (كتاب معرفة الصحابة، ذكر بنات عبد المطلب عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم).

[102]  تهذيب الكمال في أسماء الرجال لأبي محمد القضاعي الكلبي المزي (35/ 207)، المحقق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة: الأولى، 1400 – 1980، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر القرطبي (4/1869)، المحقق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ - 1992م، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (8/202)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة: الأولى - 1415 هـ.

[103]  أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي (3/482)، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة: الثالثة، 1424هـ - 2003م.

[104]  الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الرابعة من الصحابة ممن أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك] لابن سعد (1/379)، تحقيق ودراسة: الدكتور/ عبد العزيز عبد الله السلومي، الناشر: مكتبة الصديق الطائف، المملكة العربية السعودية.

[105]  الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (2/649)، المحقق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ - 1992م.

[106]  الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (4/1869)، المحقق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ - 1992م.

[107]  الآحاد والمثاني لأبي بكر بن أبي عاصم (6/4)، المحقق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، الناشر: دار الراية الرياض، الطبعة: الأولى، 1411 – 1991.

[108]  ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي (2/475ـ 477)، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، الطبعة: الأولى، 1382هـ - 1963م.

[109]  من فتوى بعنوان: (حول أثر الشفاء وتوليتها السوق)، رقم الفتوى: 55562، بتصرف، نقلًا عن موقع: www.islamweb.net

[110]  من فتوى بعنوان: (حول أثر الشفاء وتوليتها السوق)، رقم الفتوى: 55562، بتصرف، نقلًا عن موقع: www.islamweb.net

[111]  البخاري (كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر).

[112] انظر: الاختلاط بين الرجال والنساء (1/ 239).

[113] المرأة بين الفقه والقانون (ص: 124: 129).

[114] فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية  www.islamic-council.com، تحت عنوان: خوض معركة الانتخابات للمرأة غير جائز. تاريخ الفتوى: مايو 1997. (باختصار).

[115] مختصر فتاوى دار الإفتاء المصرية، (ص 356)، تاريخ الفتوى: 4 مايو 1952م.

[116] تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب (ص: 244).

[117] انظر: ولاية المرأة في الفقه الإسلامي / حافظ محمد نور/ ص 146.

[118] رقم الفتوى – فتوى رقم: (82196).

[119] فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 16305).