حقوق الملكية الفكرية
نزل آدم عليه السلام إلى الأرض ليعمرها، وأنجب آدم من أم البشرية حواء ذكورًا وإناثًا، وحدث بينهم التزاوج فالتكاثر، وتكونت الأسر، أسر بسيطة، حاجاتها بسيطة، لا تتعدى غذاءً يحفظ الرمق، وكساءً يستر الجسد، وظل الأمر كذلك أجيالًا وأجيالًا.
وتطورت الأمور جيلًا بعد جيل، وتكاثرت الحوائج حينًا بعد حين، فأصبح ما كان يكفي الأسرة بالأمس لا يكفيها اليوم، وما كان يقنع به الفرد بالأمس أصبح يطمع في أضعافه اليوم.
وتعقدت الأمور بعد أن كانت بسيطة، وتضاربت المصالح بعد الوئام والسلام، وصار عسيرًا ما كان سهلًا، وشاقًا ما كان يسيرًا.
ومن الأمور التي تعقدت حقوقُ المؤلِّفين والمبتكِرين، فقد بدأ الأمر بسيطًا؛ ينعم الله على العالِم بعلم فيفيضه ذلك العالم دروسًا وخطبًا على من حضره من المسلمين، ثم تشعبت العلوم وتكاثرت مسائلها، فلجأ العلماء إلى تدوينها في صحائف من جلد أو ورق بدائي، ومن أراد نسخة من ذلك الكتاب فعليه أن يشمر عن ساعديه، ويمسك بمحبرته وقلمه، ويكتب لنفسه نسخة بخط يده، أما إن كان موسرًا فإنه يستأجر ناسخًا ينسخ له نسخة.
وكان مؤلف مثل هذا الكتاب يعتمد في قُوْتِه على ما تدره تجارته، أو ما يجري عليه من بيت المال، ويحتسب علمه الذي يؤخذ عنه عند الله تعالى، فلم يكن يُعرف، كاليوم، أن فلانًا من العلماء قد تفرغ كلية للتأليف، حتى صار هو كل ما يفعله في حياته.
لكن ما إن ظهرت المطابع الحديثة، التي تطبع آلاف النسخ من الكتاب الواحد في ساعات، وكثرت الكتب المطبوعة، وكثر المؤلفون، إلا وبدأت المشكلة تتبلور، وأطلت القضية برأسها؛ فقد تدخل في الأمر من لا شأن له بالعلم ولا بالتأليف ولا بالاختراع، ولِمَ تدخلوا إذن؟ تدخلوا ابتغاء كسب مادي، أو مركز اجتماعي؛ فقد يضع اسمه على كتاب لا يملكه ليقال عنه مؤلف ومفكر، وقد يطبع آلاف النسخ من كتاب، أو يصنع آلاف القطع من مخترع ما ليحصد كسبًا ماديًا.
فأطلت المشكلة برأسها، وبرز التساؤل: هل هناك عقوبة في الإسلام على مثل تلك الأفعال، أم أن مثل تلك الأفعال أصلًا لا تستأهل عقابًا؛ لأنها من الحلال بل ومن المستحب؛ إذ إن فيها نشر للعلم، وتبرئة للعالم، سواء كان عالمًا في الشرع أو في الفيزياء...، من تهمة كتمان العلم.
ومن هنا نشأ الخلاف بين العلماء؛ هل طباعة كتب الغير بدون إذنه مخالفة للشرع يجب المنع منها، أم أنه أمر مباح ومستحب ينبغي التشجيع عليه؟! هما رأيان للعلماء، نحاول في هذه العجالة أن نفصلهما ونعرض بعضًا من أدلتهما، ونوازن بينهما، وذلك من خلال النقاط التالية:
- تعريف الملكية الفكرية، وما يندرج تحتها.
- نوعا حقوق الملكية الفكرية.
- هل الحقوق الفكرية حقوق معنوية، وليست حقوقًا مادية؟ أم هي حقوق مادية ومعنوية؟
- بيان خلاف العلماء، وسرد أدلة الفريقين.
- الترجيح.
- تأقيت الحق المالي للملكية الفكرية.
***
ما هي حقوق الملكية الفكرية؟
هي مجموعة من الحقوق وضعت لحماية الفكر الإنساني، والإبداع البشري، والابتكار العقلي، والتي توجب لصاحبها حقًا محترمًا، لا يجوز للغير التعدي عليه.
وتشمل حماية الأفكار، وبراءات الاختراع، وحق المؤلف، والعلامات التجارية، وبرامج الكمبيوتر، والتسجيلات السينمائية والإذاعية، والمخططات الجغرافية، والرسومات الصناعية، وكل مجهود فكري مستقل(1).
وكذلك حق الابتكار، وعرف الدكتور فتحي الدريني الابتكار بأنه: الصور الفكرية التي تفتقت عن الملكة الراسخة في نفس العالِم أو الأديب أو نحوه، مما قد يكون أبدعه هو ولم يسبقه إليه أحد(2).
وكذلك حق المؤلف، والذي اصطلح على تسميته بالملكية الأدبية والفنية، ويندرج تحت اسم التأليف: اختراعُ معدومٍ، وجمع متفرق، وتكميل ناقص، وتفصيل مجمل، وتهذيب مطول، وترتيب مخلط، وتعيين مبهم، وتبيين خطأ.
وكذلك الاسم التجاري، ويطلق على التسمية التي يستخدمها التاجر كعلامة مميزة لمشروعه التجاري عن نظائره؛ ليعرف المتعاملون معه نوعًا خاصًا من السلع، وحسن المعاملة، والخدمة.
مضامين الاسم التجاري:
(أ) الشعار التجاري للسلعة أو العلامة التجارية (الماركة): وهي كل إشارة توسم بها البضائع والسلع والمنتجات، أو تعلم بها تمييزًا لها عما يماثلها من سلع تاجر آخر، أو منتجات أصحاب الصناعات الأخرى، ويراد بها جذب المستهلكين لاعتيادهم عليها، ومعرفتهم بخصائصها.
(ب) العنوان التجاري: ويتمثل في الاسم المعلن على لافتته.
(ج) الوصف الذي يتمتع به المحل التجاري: من حيث مكانه وموقعه.
وأما براءة الاختراع، فهي وثيقة تمنح من طرف دائرة رسمية، أو من مكتبٍ عاملٍ باسم مجموعة من الأقطار، بناءً على طلب بذلك، ويترتب على هذه الشهادة الرسمية حق من منحت له في استخدام الاختراع المعين فيها، وأعماله، والتنازل عنه بالبيع واستيراده(3).
نوعا حقوق الملكية الفكرية:
إذا ما أنتج العقل البشري نتاجًا فكريًا، له نوع من الاستقلالية والشخصية، والتي يعبر عنها أحيانًا بحقوق الإنتاج العلمي، فإنه بمجرد إثبات ذلك يجب له نوعان من الحقوق؛ حقوق معنوية، وأخرى مادية.
فأما الحقوق المعنوية فهي بمثابة الامتيازات الشخصية للمؤلف على مؤلفه؛ كاستمرار نسبته إليه، فليس له حق التنازل عن صفته التأليفية فيه لأي فرد أو جهة حكومية، وكحق تقرير نشره من عدمه، وكسلطة الرقابة بعد النشر لسحبه من التداول، وكسلطة التصحيح لما فيه من أخطاء(4).
وهي واجبة للمؤلف والمبتكر والمخترع باتفاق العلماء، والتعدي عليها، بنسبتها عمدًا إلى غير صاحبها، يعتبر نوعًا من أنواع السرقات.
وتقوم حرمة نسبة الأعمال الفكرية إلى غير أصحابها على الأدلة الآتية:
ما روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن ادعى ما ليس له فليس منا»(5)، وفي لفظ لابن ماجه: «من ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار».
وعن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»(6).
وأما الحقوق المادية فهي حق المؤلِّف، أو المبتكِر، أو المخترِع، في الحصول على الربح المادي من مؤلفه أو ابتكاره أو اختراعه.
تحرير محل النزاع:
اتفقوا على حرمة نسبة المؤلفات أو المخترعات أو المبتكرات إلى غير أصحابها؛ لأنه من الكذب.
واتفقوا على جواز انتفاع الشخص بالكتاب أو المخترَع الذي اشتراه أو وُهب أو أُعير إليه انتفاعًا شخصيًا.
ثم اختلفوا في اعتبار ما ينتجه صاحب الفكر من نتاج ذهني، مهما كانت صورته، ملكًا خاصًا له، ترجع إليه حقوقه المادية والمعنوية.
بيان الخلاف:
الرأي الأول: الحقوق الفكرية حقوق معنوية، وليست حقوقًا مادية.
وعليه فحماية الملكية الفكرية بمثل ما يسمى حقوق الطبع، وحق الابتكار، وبراءة الاختراع، وغيرها، هي شروط غير مرعية؛ لأنها غير شرعية، فلا يجب التقيد بها، ولا سبيل إلى إلزام الغير بها.
الرأي الثاني: احترام الملكية الفكرية، واعتبارها حقًا معنويًا وماديًا.
الأدلة:
أولًا: أدلة الرأي الأول القائل بعدم مالية الحقوق الفكرية:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159].
وجه الاستدلال:
أن في القول بحق المؤلف أو المبتكر أو المخترع في حبس كتابه أو ابتكاره عن عموم المسلمين إلا بعوض مادي كتمانًا للعلم، الذي هو أصلًا هبة من الله عز وجل، وكتمان العلم محرم.
نوقش من عدة وجوه:
الأول: ليس بكاتم بل مروج، إنما يعدُّ كاتمًا إذا امتنع عن بيعه لمن طلبه للقراءة والتعلم والمدارسة، لكنه لا يمنعه؛ بل يتيحه لكل من طلبه، ويسعده أن يكثر عليه طالبوه، لكنه يمنعه عمن يريد الاتجار والتربح بما لا يملكه، ومن يريد سرقة مجهود وعرق ونصيب غيره، ومن يريد الاعتداء على حق سواه.
بل يمكننا أن ندعي عكس ذلك تمامًا؛ فإن احترام الملكية الفكرية، وصون حق المؤلف أو المبتكر المادي يدفعه أن يعمم نشره وترويجه ليحقق عائدًا ماديًا حلالًا أكبر، لا أن يكتمه ويخفيه، والواقع يشهد لذلك.
فكيف يعد كاتمًا من يحرص أن يصل مؤلفه أو ابتكاره إلى كل يد، وأن ينتفع به كل إنسان؟!
الثاني: الآية خارجة عن محل النزاع؛ فسبب نزول الآية يوضح الكتمان المراد؛ فعن ابن عباس قال: سأل معاذ بن جبل، أخو بنى سلمة، وسعد بن معاذ، أخو بني عبد الأشهل، وخارجة بن زيد، أخو بني الحارث بن الخزرج، نفرًا من أحبار يهود... عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه، وأبوا أن يخبروهم عنه، فأنزل الله تعالى ذكره فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى...}(7)؛ فقد كتموا الحق ولم يخبروا به أصلًا، فالآية خارجة عن محل النزاع.
الثالث: حرمة كتمان المؤلفات والابتكارات الفكرية لا يستلزم عدم كونها حقًا ماديًا، ولا ينفي عنها صفة التمول؛ فاحتكار السلع الضرورية محرم، ومع ذلك لم يقل أحد أن حرمة احتكارها يستلزم بذلها لمن طلبها بلا عوض!
الرابع: إنما ترد الآية على المؤلفات الشرعية فقط، دون غيرها من ابتكارات ومؤلفات غير شرعية.
الدليل الثاني:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»(8).
وجه الاستدلال:
أخذ الأجر يمنع من قبول الله تعالى للعمل؛ إذ إنه ليس خالصًا لوجهه تعالى.
نوقش:
كلامكم منقوض بالجهاد في سبيل الله؛ فلم يقل أحد من العلماء بأن الغنائم التي يأخذها المجاهد تمنع من قبول جهاده!!
فالحق أن الأمر راجع إلى النية؛ فإن خلصت نية المؤلف أو المبتكر، وكذلك المجاهد لله تعالى، فإن الله يثيبه، ولو أخذ أجرًا أو حصل على غنيمة، أما إذا شابت نيةَ العبد شائبةٌ فإن الله لا يقبل عمله، وإن لم يتقاض عليه مثقال خردلة.
الدليل الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «جاءتني بريرة فقالت: (كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني)، فقلت: (إن أحب أهلك أن أعدها لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت)، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم فأبوا ذلك عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (خذيها، واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)، ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)»(9).
وجه الاستدلال:
أن من اشترى نسخة من الكتاب، أو قطعة من الشيء المبتكر أو المخترع، فقد انتقلت إليه ملكيته بمقتضى عقد البيع، وأصبح حر التصرف فيه بجميع أنواع التصرف؛ من بيع، وهبة، وإعارة وغيرها من التصرفات، وبالبيع تنتقل كل حقوق المالك الأصلي كاملة إلى المشتري، الذي هو المالك الجديد.
أما أن يباع إليه بشرط ألا ينسخه، وألا يوزعه، وألا ينشره، وأن يكون للانتفاع الشخصي فقط، وتقييد حق المالك الجديد بأي صورة، فهذا شرط مناقض لمقتضى عقد البيع، فلا يصح ولا يجوز، كما إذا باع إليه السيارة بشرط ألا يركبها، أو السرير بشرط ألا ينام عليه!
نوقش:
ليس هناك شرط مخالف لعقد البيع؛ لأن عقد البيع قد ورد على نسخة من الكتاب أو آلة من المخترَع...، ولم يرد عقد البيع أبدًا على فكر المبدع، ولا على حقه المادي أو المعنوي.
وبالمثال يتضح المقال، فإذا اشترى أحدهم مقدارًا من اللبن البقري، فإن البيع لا ينسحب إلى البقرة التي قد حلب منها ذلك اللبن!
ومن اشترى كرسيًا بلاستيكيًا من مصنع ما، فإن البيع لا يرد على الماكينة التي صنعته، وهكذا، شراء نسخة من الكتاب، مثلًا، لا تعني شراء حق المؤلف وجهده وفكره.
والآن نقول: بل في عدم احترام تلك الحقوق مخالفة لكتاب الله تعالى؛ فالله عز وجل هو القائل: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188].
الدليل الرابع:
عن عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «...والمسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا»(10).
وجه الاستدلال:
فاشتراط عدم تصرف المشتري فيما اشتراه وتملكه، بأنواع معينة من التصرف، تحريم لما أحل الله تعالى؛ وعليه، فتلك الشروط، المحرِّمة لما أحل الله، باطلة.
نوقش:
بل في عدم احترام تلك الحقوق إحلال لما حرم الله تعالى؛ أليس قد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»(11).
والجزء الأول من الحديث، كذلك، حجة عليكم؛ «والمسلمون على شروطهم»، فهناك شرط مكتوب على المؤلَّف نصه: (حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، أو للناشر)(12)، ففي التصرف فيها بالنسخ والتوزيع إخلال بشرط، والمسلمون على شروطهم.
الدليل الخامس:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط، البيع باطل، والشرط باطل(13).
وعن عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه أميرًا على مكة، وقال: «إني أبعثك إلى أهل الله، فانههم عن أربع خصال: عن ربح ما لم يضمن، وبيع ما لم يقبض، وعن شرطين في بيع وسلف»(14).
وجه الاستدلال:
حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول عن بيع وشرط، وهي نفس الصورة التي بين أيدينا؛ ففيها يباع المؤلَف أو المبتكَر على شرط ألا ينشره وألا يوزعه.
وهو نفس ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني؛ «شرطين في بيع»، وفي هذا البيع شروط عدة لا شرطين فقط.
نوقش:
أما الحديث الأول: فهو ضعيف؛ قال ابن تيمية: «هذا حديث باطل، ليس في شيء من كتب المسلمين، وإنما يروى في حكاية منقطعة»(15)، ثم قال بعدها: «يروى في حكاية عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى وشريك...، وقد ذكره جماعة من المصنفين في الفقه، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث.
وقد أنكره أحمد وغيره من العلماء، وذكروا أنه لا يعرف، وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه، وأجمع الفقهاء المعروفون، من غير خلاف أعلمه من غيرهم، أن اشتراط صفة في المبيع ونحوه؛ كاشتراط كون العبد كاتبًا أو صانعًا، أو اشتراط طول الثوب أو قدر الأرض ونحو ذلك، شرط صحيح»(16).
وأما الحديث الثاني: فلا حجة فيه؛ لأنه خارج عن محل النزاع؛ فكما قال ابن الأثير: «الشرطان في بيع هو بمنزلة بيعتين في بيعة؛ كقولك: بعتك هذا الثوب نقدًا بدينار، ونسيئة بدينارين»(17).
الدليل السادس:
أن العلم من قبيل القرب والعبادات، ولا يجوز أخذ أجر على قربة أو عبادة.
قال القرطبي: «استدل العلماء على وجوب تبليغ العلم الحق، وتبيان العلم على الجملة، دون أخذ الأجرة عليه؛ إذ لا يستحق الأجرة على ما عليه فعله، كما لا يستحق الأجرة على الإسلام»(18).
نوقش:
أولًا: استدلالكم وارد فقط على ما هو قربة من العلم؛ وهو العلم الشرعي، فلا يشمل العلم غير الشرعي، ولا حقوق الابتكار والاختراع.
ثانيًا: لا نسلم لكم أن جميع القربات لا يجوز أخذ الأجر عليها؛ فقد أجاز بعض الفقهاء أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وتعليم العلم الشرعي، وعلى الإمامة والأذان...؛ بل لقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»(19).
الدليل السابع:
عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «نضر الله امرأً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع»(20).
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية»(21).
وجه الاستدلال:
أن الله عز وجل قد أمر بنشر العلم وتبليغه، فنشر المؤلف لعلمه واجب عليه، فكيف يأخذ أجرًا على واجب عليه.
نوقش:
استدلالكم يتضمن خلطًا بين العلم في ذاته والنشاط العقلي للعالم، وبين ما يظهر فيه ذلك النشاط العقلي من مصنفات قابلة للتداول، والفرق بينهما كبير؛ لأن النشاط العقلي ألصق بشخصيته، وأقرب إلى الحق الأدبي، أما طبع عشرة آلاف نسخة من عمل أدبي أو فقهي فهو الذي يجري التعامل فيه بالأعواض(22).
الدليل الثامن:
الإجماع: فقد أجمعت الأمة إجماعًا عمليًا، منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى بداية القرن الماضي، على جواز نسخ كتب المؤلفين دون استئذانهم، وكان إعادة نسخ المؤلفات، نسخًا عديدة، وتوزيعها من الأمور البديهية التي تلقى ترحيبًا وتشجيعًا، لا استهجانًا ولا منعًا.
حتى من كان يتكسب بشعره من الشعراء، فيمدح أميرًا أو والٍ لينال منه عطية، لم يطالب أحد منهم من ينقل شعره وينشره بعوض ما مقابل ملكيته الفكرية!
نوقش:
إنما يعتبر الإجماع السكوتي، على خلاف في حجيته، حين تثور مسألة ما، فيفتي فيها بعض العلماء بحكم معين، ويسكت باقي العلماء عن إنكاره ومخالفته، فعندها قد يُدعى الإجماع.
أما في حالتنا فلم تثر المسألة أصلًا، ولم يكن إليها حاجة من الأساس؛ فليس هناك مطابع لتطبع آلافًا من النسخ؛ بل قد يستغرق الناسخ شهورًا أو سنين في نسخ كتاب واحد بخط يده، ولم يكثر المؤلفون والمؤلَفاتُ كاليوم؛ بل كان عدد المؤلفين محدودًا محصورًا، وكانوا يعتمدون في المقام الأول على مشافهة الناس بالعلم.
وأما قصائد الشعر التي كانت تقال أمام الأمراء أو غيرهم، فإنما تقاس الآن على خطابات المفكرين، وخطب الخطباء التي تذاع على الشاشات، أو تذاع على العامة، فتتناقل عنهم، وتحمل أسماءهم، فإنما كانت تنسب كل قصيدة إلى صاحبها صيانة للحق المعنوي، وهذا دليل لنا، فقد نقل إلينا شعر الأقدمين منسوبًا إلى أصحابه؛ بل نقلت إلينا معلقات الشعر الجاهلي السبع وغيرها، وكل منها تحمل اسم صاحبها.
وأما عن الحق المادي لتلك القصائد، فيجاب بما مر؛ وهل كانت تطبع وتوزع وتباع ويجنى من ورائها ربح مادي ليقال ذلك.
وأما تناقل الناس لها: فقد كانوا يذيعونها منسوبة إلى أصحابها، برضا؛ بل باستحباب أصحابها؛ لتنتشر فيشتهروا.
فدعوى الإجماع هنا لا أساس لها؛ لعدم بحث من سبقونا في هذه المسألة، التي نحن بصددها، أصلًا.
الدليل التاسع:
في منع المؤلِف والمخترِع مؤلفاته أو مخترعاته شبهة احتكار؛ فقد يكون المسلمون في أمس الحاجة إلى مؤلَفه أو مخترَعه، ويأبى هو أن يبيحه لهم! فيكون كمن احتكر طعامًا والناس في حاجة إليه.
نوقش:
أولًا: ليس في الأمر احتكار؛ فالمؤلَف أو المخترع متاح معروض لكل من احتاجه أو أراده، لكن بثمنه، أما في الاحتكار فإن المحتكر يمنع ويخفي السلع التي يملك بعيدًا عن أعين الناس، حتى يرتفع ثمنها، وتشتد حاجة الناس إليها، فيخرجها مستغلًا تلك الحاجة لجني الأرباح، فأين هذا مما يفعله المؤلِف أو المبتكر؟!
ثانيًا: على فرض أن هناك احتكارًا، فهل قال أحد من الفقهاء أن المحتكر يبذل ما احتكره مجانًا بلا مقابل! بل غاية ما هنالك أن يؤمر ببيعه بثمن المثل، فإن أبى يباع عليه ما احتكره بثمنه العدل.
الدليل العاشر:
القياس على حق الشفعة؛ فمع أنه من الحقوق الثابتة إلا أنه حق مجرد؛ فقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز الاعتياض عنه بأي عوض، وكذلك حقوق الملكية الفكرية، فهي من الحقوق المجردة التي لا يجوز أخذ مقابل لها.
نوقش:
أولًا: قياسكم مع الفارق؛ فإن علة ثبوت حق الشفعة هي رفع الضرر عن الشفيع، أما حقوق الملكية الفكرية فهي حقوق ثبتت مقابل عمل وجهد وكد بُذِل، وليال سُهرت، وأموال أنفقت، فهو عوض مقابل عمل.
ثانيًا: أما قولكم: (حق معنوي)، فنجيب: هناك فرق بين قدح الذهن وإعمال الفكر والاجتهاد لإخراج مؤلَف أو مخترَع، وبين ثمرة ونتيجة تلك الأمور؛ فأما قدح الذهن وإعمال الفكر فتلك منحة ربانية، وهبة إلهية، لا يستحق عليها المرء أجرًا، وأما ثمرة ذلك من مؤلَف أو مبتكَر فتلك التي يستحق المرء عليها العوض.
تمامًا كمهندس أعمل ذهنه ليبتكر تصميمًا رائعًا لسرير أو كرسي مريح، مثلًا، فإنه لا يستحق أجرًا على نفس تفكيره داخل عقله، لكنه إن أخرج لنا ذلك التصميم مرسومًا على ورق يستطيع كل صانع أن يصنعه، فذلك الذي يستأهل عليه الأجر.
الدليل الحادي عشر:
أسباب التملك في الإسلام معروفة، منها: البيع والهبة والميراث...، أما السبق إلى فكرة ما أو إلى كلام مؤلَف فليس من أسباب التملك.
نوقش:
قد بين الشرع وقرر أن للمرء الحق في ثمرة عمله: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [آل عمران:195]، وأن من يعمل أي عمل نافع ولو مثقال ذرة استحق أجره: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة:7]، وأن الله لا يضيع أجرًا على عمل: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:30].
وقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم السبق إلى الشيء سببًا لتملكه؛ فعن أسمر بن مضرس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فقال: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»(23).
الدليل الثاني عشر:
اعتبار حقوق الملكية الفكرية حقوقًا عينية مالية له مردود عكسي على عملية التأليف والابتكار، والواقع يؤكد ذلك؛ فمن ألَّف كتبًا أو ابتكر ابتكارات... فصارت تدر عليه عائدًا ماديًا، تراه قد ركن إلى ذلك، وتعيَّش منه، وزهد في مواصلة ابتكاراته وتأليفه.
كذلك، فإن كون هذه العملية مربحة قد جذب إليها من يريدون المكاسب المادية، ممن اتخذوها صنعة ومصدر تكسب، ولو لم يكن ذلك لما أقبل عليها إلا من يبتغي بها وجه الله عز وجل، ولانفض عنها من سواهم.
نوقش:
كل ما قلتم ليس مبررًا لإسقاط حق ثابت لمؤلِف أو لمبتكِر أنفق أيامه ولياليه، ونور عينيه، وعرق جبينه، وضحى براحته ليصل إلى عمل فكري ما.
وهل نمنع عن المؤذنين والأئمة ومعلمي القرآن والعلوم الشرعية أجورهم، لنفس الأسباب التي ذكرتم؟!!
وعلى عكس ما ذكرتم؛ فقد يكون لاعتباره حقًا ماديًا أثره الإيجابي في تشجيع أصحاب العقول والعلوم؛ لإخراج المؤلفات النافعة، والمبتكرات النافعة، وتفريغهم وتخفيف كواهلهم من عناء البحث عن مصدر دخل.
الدليل الثالث عشر:
حماية الملكية الفكرية شيء غريب على المجتمع الإسلامي، ولقد صدَّره إلينا أعداء الإسلام للحفاظ على تفوقهم العسكري والاقتصادي والثقافي، عن طريق توقيعنا على اتفاقيات تمنعنا من الاستفادة مما تفوقوا فيه علينا، فتكون لهم الصدارة علينا دائمًا.
فلهذه القوانين دوافع حقيقية تختلف عن الدوافع المعلنة؛ بل وتناقضها، فأما الأسباب المعلنة لسن هذه القوانين فهي اثنان:
أولًا: حفظ حقوق المخترعين ومكافأتهم.
ثانيًا: تشجيع الاختراع والتقدم العلمي.
وحقيقة، فإن هذه القوانين تحقق غايات غير تلك، وهي:
أولًا: حماية أصحاب رءوس الأموال، وتمكينهم من احتكار رءوس الأموال، وتضييق دائرة السيولة النقدية؛ بل وحصرها في دائرة الرأسماليين.
ثانيًا: التركيز على تحقيق القيمة المادية وتكريسها، والتي هي مقياس الرأسمالية في الحياة(24).
نوقش:
أولًا: ليس غريبًا علينا؛ بل لقد عرف أجدادنا معنى الملكية الفكرية، واحترموها، وعدُّوا الاعتداء عليها سرقة، ولقد أشار المتنبي إلى ما كان يحدث من سرقات شعرية إذ يقول:
أجــزنـــي إذا أُنــــشِـــــــدتَ شــعرًا فإنـــــــما بــــشـــعــــــري أتــاك الـــمــادحــــــــون مرددًا
ودع كل صوت دون صوتي فإنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
أجزني: أي أعطني الجائزة إذا مدحك غيري؛ فإن الشعراء إنما يأخذون معاني شعري فيمدحونك بها؛ فإذن إنما المستحق بجوائزك أنا لا هم؛ إذ لولا شعري لم يهتدوا إلى ما يمدحونك به، فكلما أحسنوا فإنما الإحسان لي.
وكقول الآخر:
فإن أنشدَ حَمادٌ فقد أحسن بشارُ
أي إن حمادًا إنما يأخذ شعر بشار، فالإحسان له، والإنشاد لحماد(25).
أقول: بل لقد اتَهم أبو سعد العميدي، المتوفى سنة 433هـ، المتنبي نفسه بسرقة كثير من معاني شعره ممن سبقه، وذلك في كتاب صنفه العميدي لسرقات المتنبي بعنوان: (الإبانة عن سرقات المتنبي لفظًا ومعنى)، فلقد سرق المتنبي، على قول العميدي، البيتين السابقين من قول أبي الهندي:
تردد الشعراء الـمادحـوك بـما أبدعته فيك والمداح أجناس(26)
ولطالما ردد أجدادنا: بركة العلم عزوه إلى أهله، ونسبته إلى قائله.
ثانيًا: أما عن نواياهم، فعلمنا بها كافٍ لتلافيها، فمتى كان أعداء الأمة الإسلامية يعملون لصالحها؟! بل هم في كل زمان ومكان يكيدون في خبث للأمة الإسلامية، ويرجون بوارها.
ثالثًا: في الأخذ بهذا المبدأ مصلحة للمسلمين، وليس فيه مخالفة لشرائعه؛ بل على العكس، إن الإسلام يقره؛ بل يوجبه، وكل ما كان شأنه كذلك فواجب على المسلم أن يغتنمه.
ثانيًا: أدلة الرأي الثاني القائل بمالية حقوق الملكية الفكرية:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188].
وجه الاستدلال:
أن المؤلفات والمخترعات تعتبر الآن مالًا متقومًا، ونشره أو توزيعه دون موافقة مالكه أكل لأموال الناس بالباطل.
نوقش:
من باع شيئًا فقد رضي بالتخلي عن سلطته عليه، وطالما أن المؤلف أو المخترع قد طرح مؤلفاته أو مخترعاته للبيع، واشتراها أحدهم، فقد أصبح مالكًا لما اشتراه، وله مطلق التصرف فيه، وقد بيَّنا أن أي تقييد لتصرفه يعتبر من قبيل (الشرط الذي ليس في كتاب الله) أو من قبيل: (شرط حرَّم حلالًا).
أجيب:
المشتري للمؤلَف أو المخترَع إنما يشتري ما ينتفع به شخصيًا هو وذووه، ولم يشترِ فكرًا وجهدًا بُذل في الاختراع أو التأليف، فالثمن الذي دفعه في المؤلف مثلًا هو ثمن الأوراق والطباعة ومصاريف النقل... مع هامش ربح يتيح للمؤلِف التفرغ من هموم العيش ليواصل تأليفه، وليس أبدًا ثمنًا لأفكار المؤلِف وعصارة ذهنه.
ومثل ذلك يقال عن الابتكار أو الاختراع؛ فإنما يشتري المشتري المادة التي صنع منها ذلك الاختراع، وما تبعها من مصروفات وربح، ولم يشترِ فكرة الاختراع ولا تصميم الابتكار.
الدليل الثاني:
عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»(27).
وجه الاستدلال:
أن المؤلِف والمخترِع لا تطيب نفسيهما أن يُسرق جهدهما ويباع، ويكون ربحه لغيرهما، وإذا لم تطب بذلك نفسيهما كان فعل من أخذ جهدهما فباعه بدون إذنهما حرام بنص الحديث.
الدليل الثالث:
عن أسمر بن مضرس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فقال: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»(28).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر أن السبق إلى شيء مباح مشاع سبب في ملكيته، والمؤلف بتأليفه، والمخترع باختراعه، قد سبقا إلى مباح مشاع، فتحقق لهما ملكيته.
نوقش:
الحديث لا تقوم به حجة؛ لأن إسناده ضعيف مظلم؛ فمن دون أسمر بن مضرس أربعتهم مجهولون، ولذلك استغربه المنذري(29).
أجيب: بأن معناه صحيح، وعليه كافة أهل العلم؛ فعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيا أرضًا ميتة فهي له»(30).
وعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيا أرضًا مواتًا ليست لأحد، فهي له ولا حق لعرق ظالم»(31).
وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق»، قال عروة: «قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته»(32).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لمن أحيا أو أعمر أرضًا مشاعًا كانت ميتة أن يتملكها، وكذلك كانت تلك الفكرة أو الأفكار، التي أخرجها المخترع أو المؤلف إلى الواقع، ميتة لا ينتفع بها أحد، فأصبحت، بفضل المؤلِف والمخترِع بعد فضل الله تعالى، شيئًا ملموسًا محسوسًا يمكن الانتفاع به، فله كذلك ملكيتها كما تملك الأرض.
وفي شرح النووي على مسلم (14/ 160):
فمن سبق إلى موضع مباح فى المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث إلا أن أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعا يفتي فيه أو يقرأ قرآنا أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه، وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة.اهـ.
الدليل الرابع:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «... ومن غشنا فليس منا»(33).
وجه الاستدلال:
ففي طباعة ونشر وتوزيع كتاب المؤلف، أو تصميم المبتكر أو الشيء المخترع، بدون إذن صاحبه، غش وخداع؛ بل هو أشبه بالسرقة؛ لأنه يأخذ الأرباح التي هي أصلًا من حق أصحابها!! وكل ذلك حرّمه بل وجرمه الشرع.
ويبلغ الغش والخداع ذروته إذا لم ينسب تلك الأعمال الفكرية إلى أصحابها؛ بل إلى غيرهم.
الدليل الخامس:
قول الله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص:27].
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما لي في النساء من حاجة»، فقال رجل: زوجنيها، قال: «أعطها ثوبًا»، قال: لا أجد، قال: «أعطها ولو خاتمًا من حديد»، فاعتل له، فقال: «ما معك من القرآن؟»، قال: كذا وكذا، قال: «فقد زوجتكها بما معك من القرآن»(34).
وفي رواية مسلم: «اذهب فقد مُلِّكْتَهَا بما معك من القرآن».
وجه الاستدلال:
حيث أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم كون تعليم القرآن مهرًا وصداقًا، والأصل في الصداق أن يكون مالًا، فلأن يجوز أخذ الأجرة على تعليمه لهو أولى، ولا فرق كذلك بين تعليمه وبين مؤلَف يشرحه، أو برنامج حاسوبي يسهل حفظه أو يوضحه...، فيجوز أخذ العوض عن الجميع.
الدليل السادس:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»(35).
وجه الاستدلال:
حيث أجاز النبي صلى الله عليه وسلم أخذ العوض عن قراءة القرآن، وهي من العبادات والقرب، فأخذ العوض عن تعليمه أولى، وأخذ العوض عن تعليم باقي العلوم أولى وأولى.
الدليل السابع:
عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده»(36).
وجه الاستدلال:
أن في التأليف والاختراع عمل يد، بالكتابة أو رسم التصاميم، إلى جانب عمل فكري، وفيه جهد ساعات طوال، وسهر ليال...، فقد يبذل المؤلِف في كتابه والمخترِع في اختراعه من الجهد والتعب والنصب والساعات الطوال، ما لا يبذله عامل في مصنع، أو تاجر في متجر.
وعليه، فله أن يتقاضى على ذلك أجرًا، ويحق له تملك ما تعب فيه ونصب.
الدليل الثامن:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخراج بالضمان»(37).
وجه الاستدلال:
حيث قضى صلى الله عليه وسلم أن من له الربح هو من يتحمل العبء والمخاطرة، ومتحمل ذلك في قضيتنا هو المؤلف أو المبتكر أو المخترع؛ فلو ظهر في الكتاب، أو الشيء المخترع، خطأ دنيوي أو ديني، فالمؤلف أو المبتكر أو المخترع هم الذين يتحملون تلك المسئولية أمام الناس أو القضاء في الدنيا، وأمام الله عز وجل في الآخرة.
وعليه، فإن لهم كل ما يدره منتجهم الفكري من مميزات وأرباح، كما أن عليهم كل ما يجره من مساءلات ومؤاخذات.
الدليل التاسع:
في عدم احترام الملكية الفكرية، ماديًا ومعنويًا، عدة مخالفات ومفاسد وأضرار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»(38)، ومن تلك المفاسد:
(أ) نسبة الفضل لغير أهله، وقد أجمع الفضلاء أن: «بركة العلم عزوه لأهله»، وروى مسلم عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن ادعى ما ليس له فليس منا»(39).
وفي لفظ لابن ماجه: «من ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار».
وعن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»(40).
وفي القرآن: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:188].
فكذلك يجب نسبة العمل الفكري، سواء ظهر في صورة كتاب أو مخترع، إلى صاحبه اعترافًا له بفضله، ومن تمام ذلك حماية حقوقه المعنوية والمادية.
(ب) الاستيلاء على مؤلَف الغير أو اختراعه، سواء بانتحال الغير له، أو بالحصول على ربحه دون مالكه، يعتبر سرقة محرمة شرعًا.
(ج) فيه تخذيل للمؤلِف أو المخترِع عن الجد والكد والنصب، واستفراغ الوسع في بحثه وتنقيبه وإعمال فكره؛ لعلمه أن جهده هذا قد يسرق، أو ينسب إلى غيره، أو يستفيد من أرباحه سواه.
نوقش:
أولًا: الحرامُ حرامٌ ولو كان فيه منفعة: ففي الخمر والميسر منافع، ومع ذلك فهي حرام، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219].
ثانيًا: مرت عصور طوال بدون قوانين حماية الفكر، ومع ذلك لم ينقطع المؤلفون ولا المخترعون عن نتاجهم الفكري؛ بل على العكس، لقد ظهرت أروع المؤلفات، وأنفع المخترعات في تلك الفترة.
أجيب:
أولًا: في الآية التي أوردتم رد عليكم؛ فالخمر والميسر فيهما إثم {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}، ولا إثم في احترام وصيانة حقوق الملكية الفكرية؛ بل هي واجبة.
وفي الخمر والميسر الإثم يغلب المنفعة؛ {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}، والأمر ليس كذلك في موضوعنا، فقياسكم مع الفارق.
ثانيًا: في العصور التي أشرتم إليها، كان عند أكثر الناس من الوازع الديني والأخلاقي ما يمنعهم من الاستيلاء على ملك الغير الفكري، وليس هذا متحققًا في عصرنا.
كما أن المنتجات الفكرية ساعتها لم تكن في عرف الناس مصدرًا للمال، إذا ما استثنينا عطايا الأمراء للشعراء والكُتاب، لكنها صارت كذلك عندنا.
الدليل العاشر:
القياس على:
(أ) الإجارة: ففي الإجارة يجري العقد على منافع الأجير لا على شخصه، وعليه يجوز تقويم منفعة المؤلف أو المخترع الذهنية، قياسًا على تقويم منفعة الأجير البدنية.
(ب) تخريج الجانب المالي لحقوق المبدعين، على مذهب الحنابلة، في تقويم العمل الإنساني مطلقًا، الذي يناقش عندهم تحت عنوان: (منافع الحر)، وعلى مذهب المالكية والشافعية في تقويم هذه المنافع بمجرد الاستخدام والاستفادة منها.
ومبنى هذا الاستحسان الذي لا يخفى هو إلحاق العمل الإبداعي والفني للإنسان بجنسه، وهو العمل الإنساني بوجه العموم، سواء كان يدويًا أو ذهنيًا أو مركبًا منهما.
ومن غير المنطقي تخريج العمل الإبداعي للإنسان على رأي جمهور الفقهاء في منافع الأعيان، وإغفال مناقشتهم لمنافع الإنسان(41).
(ج) منافع الأعيان: فالابتكار الذهني صور معنوية مجردة، تشبه منافع الثمرات بعد انفصالها عن أصولها التي كانت قائمة عليها، فكذلك الإنتاج المبتكر بعد انفصاله عن المؤلف، واستقراره في كتاب أو عين ترتسم فيها مظاهر هذه الصور الفكرية(42).
الدليل الثاني عشر:
العرف: فالشيء يصبح مالًا إذا تعارف الناس على ماليته، ولم يكن نص خاص يمنع من ماليته، وقد تعارف الناس على مالية الابتكار فيصبح مالًا(43).
الدليل الحادي عشر:
المصلحة المرسلة: ففي حماية الملكية الفكرية، وحقوق الطبع والنشر والابتكار مصلحة راجحة لصاحب الفكر وللمجتمع كله؛ فصاحب الفكر لا بد له من تفرغ عن هموم العيش؛ ليستطيع مواصلة إنتاجه، والمجتمع في أمس الحاجة إلى المبدعين لبناء نهضته، والسعي به إلى صدارة الأمم.
خاصة أنه لا يوجد دليل صريح يوجب احترام الملكية الفكرية ماديًا ومعنويًا، ولا دليل كذلك على العكس.
الراجح:
بعد الوقوف على وجهة نظر الفريقين، واستعراض أدلتهما، وما وجه إليها من مناقشات، فإننا نميل إلى ترجيح الرأي الثاني، القائل باحترام حقوق الملكية الفكرية، واعتبارها حقوقًا مادية ومعنوية.
وذلك للأسباب التالية:
أولًا: لم يرد في الشرع ما يمنع من ذلك؛ بل لقد جاءت إشارات عديدة ترجحها، وإن لم تكن صريحة.
ثانيًا: أن عدم فعل الأقدمين لها، وعدم نصهم الصريح على احترام الملكية الفكرية، وعدم نصهم كذلك على اعتبارها حقًا ماديًا ومعنويًا، ليس دليلًا على عدم اعتبارهم لها، ولا على تحريمهم إياها، وذلك لعدة أسباب، منها:
1- لم يكن لهذا الأمر محل وقتها؛ فأي طباعة ونشر وتوزيع هنالك وقد كان الناسخ للكتاب ربما قضى الشهور الطوال، وربما السنين، لنسخ كتاب واحد من الكتب الطوال؟!
وأي اختراعات تسجل أو تصان ولم تحدث تلك الطفرة الصناعية والتقنية إلا في العصر الحديث؟!، وقد كانت حدود الابتكارات وقتها لا تتعدى نظريات تكتب في كتاب، أو تأملات في الفلك مثلًا، تسجل كذلك في سجل.
أما الآن فقد ينفق المرء عمره كله في تصنيف مؤلف واحد، يضع فيه تجارب عمره، وزبدة معاناته، وخلاصة كتب كثيرة طالعها على مدار سنين، ثم يأتي أحد فيطبعها وينشرها في أيام، وربما ساعات، ويوزعها على العالم كله، جانيًا ريعها وأرباحها!.
وقد تأخذ شركة أو مصنع تصميمًا ما لمبتكر أو مخترع، ثم تصنع منه آلاف القطع، وتطرحه في الأسواق للبيع، متعدية على حقوق مالكه.
2- أمانة الناس زمانها، وعرفانهم للعلماء مكانتهم، وقلة عدد العلماء، والتفاف الناس حول العالِم ينهلون شفهيًا من علمه...، كل ذلك وغيره قلَّل الحاجة إلى النص على صيانة تلك الحقوق؛ إذ يصعب سرقتها، ولا تعم البلوى بانتحالها.
ثالثًا: أننا نحيا في عصر تكاثرت فيه المؤلفات والمبتكرات والمخترعات، وفسدت فيه الضمائر، فإن لم تنضبط حقوق تلك الجهود الفكرية بضوابط واضحة ملزمة ضاعت الحقوق على أصحابها.
وإننا اليوم لنعاني من الشك في نسبة عدد من كتب التراث إلى أصحابها، ومن إلصاق بعض كتابات، دون المستوى، إلى أسماء وقمم سامقة من سلفنا، إن سلمنا بنسبتها، المشكوك فيها، إليهم اعتبرناها منهم زلة وكبوة!
رابعًا: كثرة أعباء المعيشة في عصرنا، وتنوعها، وتعددها، حتى لقد أصبحت حملًا ثقيلًا تنوء به كواهل المؤلفين والمبتكرين والمخترعين، فتشغلهم عما هم بصدده من كدح ذهني، وإنتاج فكري، فاستلزم الأمر اعتبار وصيانة حقهم المادي لإنتاجهم الفكري.
خامسًا: وعجيب أن يقع الاتفاق على تقييم جهاز الحاسوب، مثلًا، ثم يختلف بعد ذلك على تقييم وحق تصميم اختراع ذلك الحاسوب، الذي هو الأساس لكل حاسوب يُصنع إلى يوم القيامة! وهو حق الابتكار أو براءة الاختراع.
أو أن يقع الاتفاق على تقييم الأوراق والأحبار والتجليد الداخل في صنع مجلد ما، ثم يختلف في تقييم الأفكار التي من أجلها طبعت هذه الأوراق، واستخدمت هذه الأحبار، ولولاها لما كان لذلك المجلد قيمة! وهو حق المؤلف.
سادسًا: وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي، المنعقد في دورة مؤتمره التاسعة، المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، في الفترة ما بين السبت 12 رجب 1406هـ، إلى السبت 19 رجب 1406هـ.
وهي فتوى مجمع الفقه الإسلامي، المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت، في الفترة من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ، بشأن الحقوق المعنوية، كحق التأليف ونحوه، فقال في نص قراره(44)، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الحقوق المعنوية، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله:
قرر المجلس:
أولًا: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع، أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري، أو العنوان التجاري، أو العلامة التجارية، ونقل أي منه بعوض مالي إذا انتفى الضرر والتدليس والغش، باعتبار أن ذلك أصبح حقًا ماليًا.
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها.
وهي أيضا فتوى دار الإفتاء المصرية التي جاءت تحت عنوان: (حقوق الملكية الفكرية والعلامات التجارية الأصلية)(45).
- وقد أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء، برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز، وعضوية الشيخ صالح الفوزان والشيخ بكر أبو زيد، على أحد الأسئلة بقولهم: «لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم...، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلمًا أو كافرًا غير حربي؛ لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم»(46).
القانون المصري وتأقيت الحق المالي للملكية الفكري:
يقول الدكتور محمد سامي عبد الصادق: «الحق المالي، خلافًا للحق الأدبي، ينقضي بفوات مدة معينة، يصبح بعدها جزءًا من التراث الثقافي للمجتمع، ومن ثم يحق لأي فرد الاستفادة منه عن طريق استغلاله، دون حاجة إلى الحصول على إذن من الورثة، أو دفع تعويض لهم نتيجة هذا الاستغلال.
ولكن يراعى في هذا الصدد ما نص عليه المشرع في المادة (183)، والتي تناولت لأول مرة في التشريع المصري ما يعرف بمصنفات الملك العام المعطى، والتي لا تجيز استغلال المصنفات، التي سقطت في الملك العام، استغلالًا مهنيًا أو تجاريًا، دون الرجوع إلى الوزارة المختصة، والحصول على موافقتها، ودفع رسوم مالية بسيطة لا تتعدى ألف جنيه عن كل مصنف يتم استغلاله.
وفي هذا تنص المادة (183) صراحة على أن: "تُصْدر الوزارة المختصة الترخيص بالاستغلال التجاري أو المهني للمصنف، أو التسجيل الصوتي، أو الأداء، أو البرنامج الإذاعي، الذي يسقط في الملك العام، مقابل رسم تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون بما لا يجاوز ألف جنيه".
والقاعدة العامة التي أقرها المشرع المصري في قانون الملكية الفكرية، هي انقضاء مدة حماية حقوق الاستغلال المالي على المصنفات بمضي خمسين سنة، تحسب من تاريخ وفاة المؤلف (المادة 160)، أما إذا كنا بصدد مصنف مشترك، فتنقضي مدة حماية حقوق الاستغلال المالي لمؤلفي هذه المصنفات بمضي خمسين سنة، تحسب من تاريخ وفاة آخر من بقى حيًا من الشركاء (المادة 161).
وإذا كنا بصدد مصنف جماعي فقد حدد المشرع للحماية مدة خمسين سنة، تبدأ من تاريخ نشر المصنف، أو إتاحته للجمهور لأول مرة، أيهما أبعد، وذلك إذا كان مالك حقوق المؤلف شخصًا اعتباريًا، أما إذا كان مالك هذه الحقوق شخصًا طبيعيًا فتكون مدة الحماية طبقا للقواعد العامة؛ أي مدة خمسين سنة، تبدأ من تاريخ وفاة هذا الشخص الطبيعي.
وإذا تتبعنا نصوص قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري، رقم 82 لسنة 2002م، سنجد أن المادة (147) منه، وهي في معرض بيان حق الاستغلال المالي للمصنفات وطرقه المختلفة، تنص على أن يتمتع بهذا الحقِ المؤلفُ وخَلَفُه العام من بعده.
كذلك تتناول الفقرة الأخيرة من المادة (174) من ذات القانون حكم المصنفات المشتركة، التي يموت أحد المؤلفين المشاركين فيها دون خلف عام أو خاص؛ إذ في هذه الحالة يئول نصيبه إلى باقي الشركاء أو خلفهم، ما لم يوجد اتفاق كتابي يخالف ذلك»(47).
______________
(1) مستل من تعريفات العلماء للملكية الفكرية.
(2) نقلًا عن: حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي، والآثار الاقتصادية المترتِّبة عليها، للدكتور: ناصر بن محمد بن مشري الغامدي.
(3) من بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة، منشور على موقع المكتبة الشاملة.
(4) انظر: فقه النوازل، للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (2/164)، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1416هـ/1996م.
(5) رواه مسلم (كتاب: الإيمان، باب: بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم).
(6) رواه البخاري (كتاب: النكاح، باب: المتشبع بما لم ينل)، ومسلم (كتاب: اللباس والزينة، باب: النهي عن التزوير في اللباس وغيره).
(7) تفسير الطبري (البقرة: 159).
(8) رواه مسلم (كتاب: الزهد والرقائق، باب: من أشرك في عمله غير الله).
(9) رواه البخاري (كتاب: البيوع، باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل)، ومسلم (كتاب: العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق).
(10) رواه الترمذي (أبواب الأحكام، باب: ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس)، والحاكم (كتاب: الأحكام)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1352).
(11) رواه البخاري (كتاب: الحج، باب: الخطبة أيام منى)، ومسلم (كتاب: القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال).
(12) لعل صوابه: محفوظة على المؤلف، أو: على الناشر، كما قرر ذلك بعض العلماء.
(13) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (باب العين، من اسمه عبد الله)، ومسند الإمام أبي حنيفة (باب العين، روايته، عن عمرو بن شعيب)، وضعفه الألباني جدًا في السلسلة الضعيفة (491).
(14) معجم الصحابة، لابن قانع (باب العين، عتاب بن أسيد)، والآثار، لأبي يوسف (في البيوع والسلف)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1212).
(15) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (18/63)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ/1995م.
(16) المصدر السابق (29/132).
(17) جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير أبي السعادات (1/539)، تحقيق: عبد القادر الأرنئوط، التتمة تحقيق: بشير عيون، الناشر: مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى.
(18) تفسير القرطبي (البقرة: 159).
(19) رواه البخاري (كتاب: الطب، باب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم).
(20) رواه النسائي (أبواب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع)، وابن ماجه (افتتاح الكتاب في الإيمان، باب: من بلغ علمًا)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (6764).
(21) رواه البخاري (كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل).
(22) من مقال بعنوان: الإبداع الفكري والاسم التجاري في الفقه الإسلامي، للدكتور: محمد أحمد سراج، أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
(23) رواه أبو داود (كتاب: الخراج والإمارة والفيء، باب: في إقطاع الأرضين)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (3071).
(24) انظر مقال: الملكية الفكرية أداة من أدوات الرأسمالية والاستعمار، موقع مجلة الوعي.
(25) انظر: شرح المشكل من شعر المتنبي، لعلي بن إسماعيل بن سيده.
(26) انظر: الإبانة عن سرقات المتنبي لفظًا ومعنى، لأبي سعد العميدي (1/175-176)، تقديم وتحقيق وشرح: إبراهيم الدسوقي البساطي، الناشر: دار المعارف، القاهرة، عام النشر: 1961م.
(27) رواه البيهقي في السنن الكبرى، واللفظ له (كتاب: الغصب، باب: من غصب لوحًا فأدخله في سفينة)، وأحمد (أول مسند البصريين، حديث عم أبي حرة الرقاشي)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1459).
(28) رواه أبو داود (كتاب: الخراج والإمارة والفيء، باب: في إقطاع الأرضين)، والطبراني في المعجم الكبير، واللفظ له (باب الألف، أسمر بن مضرس)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (3071).
(29) انظر: ضعيف أبي داود (الأم)، للألباني (2/459)، دار النشر: مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1423هـ.
(30) رواه الترمذي (أبواب الأحكام، باب: ما ذكر في إحياء أرض الموات)، وأحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند جابر بن عبد الله)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1550).
(31) رواه النسائي (كتاب: إحياء الموات، من أحيا أرضًا ميتة ليست لأحد)، وأبو داود عن سعيد بن زيد (كتاب: الخراج، باب: في إحياء الموات)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1551).
(32) رواه البخاري (كتاب: المزارعة، باب: من أحيا أرضًا مواتًا).
(33) رواه مسلم (كتاب: الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»).
(34) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، ومسلم (كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن).
(35) رواه البخاري (كتاب: الطب، باب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم).
(36) رواه البخاري (كتاب: البيوع، باب: كسب الرجل وعمله بيده).
(37) رواه النسائي (كتاب: البيوع، الخراج بالضمان)، والترمذي (أبواب البيوع، باب: ما جاء فيمن يشتري العبد)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4490).
( (38رواه ابن ماجه (كتاب: الأحكام، باب: من بَنَى في حقه ما يضر بجاره)، والطبراني في المعجم الكبير (باب العين، عكرمة عن ابن عباس)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (250).
(39) رواه مسلم (كتاب: الإيمان، باب: بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم).
(40) رواه البخاري (كتاب: النكاح، باب: المتشبع بما لم ينل)، ومسلم (كتاب: اللباس والزينة، باب: النهي عن التزوير في اللباس وغيره).
(41) انظر: الإبداع الفكري والاسم التجاري في الفقه الإسلامي، للدكتور: محمد أحمد سراج.
( (42المصدر السابق.
(43) من مقال بعنوان: حق الابتكار في الفقه الإسلامي، للدكتور: أحمد حسن، أستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق، نقلًا عن موقع معهد الفتح الإسلامي.
(44) انظر: فتوى بعنوان: حقوق الملكية الفكرية والعلامات التجارية الأصلية، موقع دار الإفتاء المصرية، الرقم المسلسل للفتوى: 426.
(45) المصدر السابق.
(46) فتاوى اللجنة الدائمة، المجموعة الأولى، فتوى رقم: 18453، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش.
(47) انظر: المحاضرة الرابعة: الحق المالي للمؤلف، للأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق، نقلًا عن موقع: منتديات الحقوق والعلوم القانونية.