logo

متابعة المأموم لإمامه في الصلاة، ومسائل هامة متفرعة على ذلك


بتاريخ : الثلاثاء ، 13 شوّال ، 1442 الموافق 25 مايو 2021
متابعة المأموم لإمامه في الصلاة، ومسائل هامة متفرعة على ذلك

متابعة المأموم لإمامه في الصلاة، ومسائل هامة متفرعة على ذلك

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

فإنه مما اعتنى الشرع ببيان فضله وتأكيد الأمر به: صلاة الجماعة، ولما كانت هذه الصلاة قائمة على المتابعة من المأموم للإمام، وكان لهذه المتابعة أحوال، ويعتريها عوارض قد تخل بها، وقد لا تخل، اقتضى الأمر الوقوف على هذه القضية بشيء من البحث والتدقيق طلبا لتصحيح بعض الأخطاء التي تقع من بعض المصلين، والناشئة في كثير من الأحيان عن الجهل بالحكم الشرعي، وفي بعض الأحيان عن سوء الفهم للدليل الشرعي، أو التقليد لمن ليس له بأهل.

أهم العناصر:

وسيدور بحثنا لتلك القضية، حول عدة عناصر، تشتمل على ما يلي:

  1. أحوال المأموم مع الإمام في الصلاة، وهل تبطل صلاة من سبق إمامه؟
  2.  معنى المتابعة، وصفتها، وحكمها
  3. متى يسجد المأموم؟ هل يتبع صوت الإمام أو يقتدي بفعله؟
  4. إذا ركع الإمام هل للمأموم أن يكمل قراءته ثم يركع؟
  5. متى تكون تكبيرات انتقال الإمام (وتسميعه) في الصلاة؟
  6. حكم التأخر بعد سلام الإمام لأجل إتمام التشهد أو الصلاة على النبي بعد التشهد
  7. حكم موافقة المأموم لإمامه في الأقوال وفي الأفعال
  8. هل يقول المأموم سمع الله لمن حمده كما يقول الامام؟
  9. هل يخل بمتابعة الإمام إتيان المأموم بما يعتقد أنه من السنن؟ كجلسة الاستراحة؟
  10. هل يتابع إمامه العاجز عن القيام ونحوه من الأركان؟
  11. هل يسجد المأموم المسبوق لسهو إمامه؟
  12. حكم متابعة الإمام في الزيادة في الصلاة، كمن قام إمامه إلى ركعة خامسة
  13. العمل إذا سجد الإمام لسجدة التلاوة في غير موضع السجود
  14. إذا سلم الإمام تسليمتين في صلاة الجنازة، فهل يتابعه؟
  15. ماذا يفعل المسافر إذا صلى خلف المقيم، والعكس؟

أقسام متابعة المأموم للإمام وحكم كل حالة:

للمأموم مع إمامه في الصلاة أحوال أربعة، بيانها فيما يلي:

الحالة الأولى: أن يسبقه:

وهذا محرم، إلا إن كان نوى مفارقته لعذر، وإتمام صلاته منفردا، كما فعل بعض الصحابة لما أطال إمامه الصلاة[1].

قال ابن قدامة: "ولا يجوز أن يسبق إمامه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود؛ ولا بالقيام، ولا بالانصراف"[2].

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله صورته صورة حمار»[3].

ولما روينا من الأخبار في الفصل الذي قبله، ولأنه تابع له، فلا ينبغي أن يسبقه، كما في تكبيرة الإحرام "[4].

ويتفرع عن ذلك فرعان:

الفرع الأول: هل تبطل صلاة من سابق إمامه؟:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وإذا سبق الإمام سهوا لم تبطل صلاته لكن يتخلف عنه بقدر ما سبق به الإمام... وأما إذا سبق الإمام عمدا ففي بطلان صلاته قولان معروفان في مذهب أحمد وغيره ومن أبطلها قال: إن هذا زاد في الصلاة عمدا فتبطل كما لو فعل قبله ركوعا أو سجودا عمدا فإن الصلاة تبطل بلا ريب وكما لو زاد في الصلاة ركوعا أو سجودا عمدا. وقد قال الصحابة للمسابق: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت ومن لم يصل وحده ولا مؤتما فلا صلاة له[5].  

ومن الحالات التي يلزم التنبيه إليها هنا ما لو كان الإمام يسرع في قول تكبيرات الانتقال مثلا، فينتهي من التكبير قبل الوصول إلى الركن التالي، ولم يستوعب بها جميع ما بين الركنين، أو كان بطيء الحركة لكبر سن أو لتخمة، فإنه لا يجوز للمأموم أن يسبقه بالقيام أو بالانتقال، بل الواجب أن يقوم بعده، ومن سبقه عامدا عالما بالتحريم ففي صحة صلاته خلاف بين الفقهاء، كما سبق.

كما ينبغي على المأمومين أيضا أن يكونوا على دراية بحال إمامهم أثناء الصلاة فالأئمة منهم الخفيف ومنهم الثقيل ومنهم المسن الذي بلغ من الكبر عتيا. وبعض الأئمة - بسبب الشيخوخة - ثقيل في الركوع والسجود وقد يسبقه الى ذلك من لا يعرف حاله.

الفرع الثاني: متى تكون تكبيرات انتقال الإمام (وتسميعه) في الصلاة؟:

بمعنى أنه عندما يصلي الإمام، متى يكبر مثلا للركوع؟ هل يكبر قبل أن يركع أم أثناء الركوع أم بعد الركوع؟ ومتى يقول: سمع الله لمن حمده؟ قبل الرفع أو أثناءه أو بعده؟

الجواب: دلت السنة على أن التكبير يقارن الحركة المقصودة من ركوع، وسجود، وقيام منه.

 ففي الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع» ثم يقول: «سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع» ثم يقول: وهو قائم «ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس» ثم يقول: أبو هريرة «إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)[6].

فهذا الحديث ظاهرٌ في أن التكبير للركوع يكون أثناء انحنائه إلى الركوع، وتكبير السجود أثناء نزوله إلى السجود، وتكبير الرفع من السجود أثناء رفعه ... وهكذا.

وقد ذكر ذلك النووي في شرح مسلم، وذكر أنه مذهب جمهور العلماء[7].

وقال ابن قدامة: " إذا قضى سجوده رفع رأسه مكبرا، وجلس، واعتدل، ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفعه، وانتهاؤه مع انتهائه "[8].

ومن الفقهاء من شدد في ذلك، ورأى أنه لو بدأ المصلي التكبير وهو قائم قبل أن ينحني، أو أكمله بعد وصوله إلى الركوع أن ذلك لا يجزئه ، ويكون تاركا للتكبير؛ لأنه أتى به في غير موضعه، وعلى القول بوجوب التكبير: تبطل صلاته إن تعمد ذلك، وإن فعله سهوا لزمه السجود للسهو، والصحيح أنه يعفى عن ذلك دفعاً للمشقة[9].

خطأ شائع عند بعض الأئمة:

بعض الأئمة اجتهد هنا اجتهادا خاطئا، فعمد إلى تأخير التكبير حتى يصل إلى الركن التالي لما هو فيه، فلا يكبر للركوع حتى يتلبس به ويستتم راكعا، يفعل ذلك ليفوت على المأموم الوصول إلى الركوع معه أو قبله. وهكذا في السجود؛ يكبر بعد أن يستتم ساجدا.

وهذا خطأ بين، وفهم غريب؛ إذ إنه من جهة خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جهة أخرى فإنه بفعله هذا يبدل في أذكار الصلاة، فيحرفها عن موضعها الذي شرعت فيه، فيجعل من أذكار الركوع والسجود: قول: الله أكبر، والمشروع فيهما التسبيح، ويجعل من أذكار القعود بين السجدتين: الله أكبر، والمشروع فيها أن يقول: ربي اغفر لي، ونحوه من الدعاء الثابت.

وقد علق الشيخ ابن عثيمين على ذلك بقوله: "وهذا من غرائب الاجتهاد؛ أن تفسد عبادتك على قول بعض العلماء؛ لتصحيح عبادة غيرك؛ الذي ليس مأمورا بأن يسابقك بل أمر بمتابعتك. ولهذا نقول: هذا اجتهاد في غير محله، ونسمي المجتهد هذا الاجتهاد: "جاهلا جهلا مركبا"؛ لأنه جهل، وجهل أنه جاهل"[10].

والذي حمل هؤلاء على هذا الصنيع سوء الفهم لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه، الذي سبق ذكره: قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده " لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده. فظنوا أن هذا الكلام موجه للأئمة، وأن من مهام الإمام أن يحمل المأمومين على التأخر عنه، ففعلوا ما فعلوا ليؤخروهم. مع أن كلام النبي إنما يتوجه إلى المأمومين، ولا علاقة له بفعل الأئمة من أي وجه!.

وسيأتي ما يبين الفهم الصحيح للحديث في كلام النووي وغيره من شراح الحديث.

والحالة الثانية: أن يتخلف عنه، وذلك نوعان:

فالنوع الأول: أن يكون لعذر، فعليه أن يأتي بما تخلف به، ويتابع الإمام ولا حرج عليه، حتى وإن كان ركنا كاملا أو ركنين، فلو أن شخصا سها وغفل، أو لم يسمع إمامه حتى سبقه الإمام بركن أو ركنين، فإنه يأتي بما تخلف به، ويتابع إمامه، إلا أن يصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه؛ فإنه لا يأتي به ويبقى مع الإمام، وتصح له ركعة واحدة ملفقة من ركعتي إمامه الركعة التي تخلف فيها والركعة التي وصل إليها الإمام وهو في مكانه.

والنوع الثاني أن يتخلف عنه لغير عذر.

وذلك أيضا نوعان: إما أن يكون تخلفا في الركن، أو تخلفا بركن.

فالتخلف في الركن معناه: أن يتأخر عن المتابعة، لكن يدرك الإمام في الركن الذي انتقل إليه، مثل: أن يركع الإمام وقد بقي عليك آية أو آيتان من السورة، وبقيت قائما تكمل ما بقي عليك، لكنك ركعت وأدركت الإمام في الركوع، فالركعة هنا صحيحة، لكن الفعل مخالف للسنة، وهي المتابعة.

والتخلف بالركن معناه: أن الإمام يسبقه بركن، أي أن يركع ويرفع قبل أن يركع؛ فإذا تخلف المأموم بالركوع فصلاته باطلة كما لو سبقه به، وإن تخلف بالسجود فصلاته صحيحة؛ لأنه تخلف بركن غير الركوع. هكذا قال الفقهاء[11].

من الأخطاء الشائعة في صلاة الجماعة:

ومما يحسن التنبيه له هنا ما يقع من بعض المأمومين، حيث يستمرون في القراءة، ولا يركعون فور ركوع إمامهم، كما أن منهم من يبقى ساجدا يدعو الله، بعد أن رفع إمامه من السجود، ومنهم من يبقى بعد سلام الإمام من التشهد يدعو.

وهذا– في الجملة - خلاف السنة؛ لأن المأموم إنما أمر بمتابعة إمامه، وهذا في الحقيقة ينافي تمام المتابعة.

لكن على سبيل التفصيل، هناك مسائل قد حصل فيها من العلماء شيء من النظر والاجتهاد المقبول، ووقع الخلاف السائغ بينهم بشأنها، منها:

المسألة الأولى: إذا ركع الإمام هل للمأموم أن يكمل قراءته ثم يركع؟

فرق بعض أهل العلم بين ما إذا كان المأموم يقرأ الفاتحة أو غيرها؛ فإن كان يقرأ الفاتحة، فمنهم من يرى أن عليه أن يكملها، وهم القائلون بتعين قراءتها على المأموم كما تتعين على الإمام.

وذهب بعضهم إلى أن عليه متابعة الإمام، وعدوا تركها هنا من جانب المأموم، إنما هو لعذر، ولا حرج فيه، وإن كانت في الأصل يتعين قراءتها على المأموم والإمام، وعليه، فإذا ركع الإمام فإن على المأموم أن يتابعه ويركع وليس عليه أن يبقى حتى يقرأ الفاتحة، فإنما جعل الإمام ليؤتم به.

وأما من لا يرى تعينها على المأموم، وأن قراءة الإمام له قراءة فيرون ترك إتمامها؛ لأن الأصل المتابعة للإمام، وصفة المتابعة المسنونة – كما أسلفنا -  أن يفعل المأموم الأمر عقب فعل إمامه مباشرة.

قال الشيرازي: " وإن أدركه في القيام وخشي أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراءة; لأنها فرض فلا يشتغل عنه بالنفل، فإن قرأ بعض الفاتحة فركع الإمام ففيه وجهان: أحدهما: يركع ويترك القراءة; لأن متابعة الإمام آكد؛ ولهذا لو أدركه راكعا سقط عنه فرض القراءة. الثاني: يلزمه أن يتم الفاتحة; لأنه لزمه بعض القراءة فلزمه إتمامها "[12].

والذي يظهر في كلتا الحالتين هو وجوب المتابعة، ولو لم يكمل الفاتحة. وذلك لظاهر ما جاء في الحديث: وإذا ركع فاركعوا.

وأما إن كان الكلام في القراءة المسنونة، التي بعد الفاتحة، فقيل: يقطع القراءة، ويتابع إمامه، قولا واحدا.

قال النووي: " ومن التخلف بلا عذر أن يركع الإمام فيشتغل المأموم بإتمام قراءة السورة، قالوا: وكذا لو اشتغل بإطالة تسبيح الركوع والسجود "[13].

وقال البهوتي: " فلو سبق الإمامُ المأمومَ بالقراءة وركع الإمام: تبعه المأموم، وقطع القراءة لأنها في حقه مستحبة، والمتابعة واجبة، ولا تعارض بين واجب ومستحب "[14].

وقيل أيضا بالتفصيل بين ما إذا كان يقرأ آية قصيرة لا يخل إتمامها بالمتابعة، أو يقرأ آية طويلة يخل إتمامها بالمتابعة؛ فإن كانت الآية قصيرة وكان المأموم على يقين أنه سيدرك الركوع مع الإمام فلا يعد إكمالها تخلفا عن الإمام.

وإن كانت طويلة فينبغي له قطعها ومتابعة الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا[15].

المسألة الثانية: حكم التأخر بعد سلام الإمام لأجل إتمام التشهد أو الصلاة على النبي بعد التشهد:

المشروع في حق المأموم – كما أسلفنا -  أن يتابع إمامه، فلا يسبقه ولا يوافقه ولا يتأخر عنه، بل يفعل الأمر عقب فعل إمامه مباشرة. كما دل على ذلك حديث أنس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائما فصلوا قياما).

أما التأخر بعد سلام الإمام فقد كرهه بعض العلماء، بل قال بعضهم بعدم جوازه.

قال في مواهب الجليل: قال التلمساني: " ولا يجوز اشتغال المأموم بعد سلام الإمام بدعاء ولا غيره "[16].

لكن إن كان التأخر من أجل أن يأتي بما هو فرض في حقه، فهذا قد أوجبه فقهاء الحنابلة؛ فعلى فرض أن الإمام قد فرغ من تشهده وسلم، ولم يكن المأموم فرغ من التشهد، فعليه أن يأتي به، ولو تأخر عن إمامه في السلام.

قال البهوتي: " فلو سبق الإمامُ المأمومَ بالقراءة وركع الإمام: تبعه المأموم، وقطع القراءة لأنها في حقه مستحبة، والمتابعة واجبة، ولا تعارض بين واجب ومستحب، بخلاف التشهد إذا سبق به الإمامُ المأمومَ فلا يتابعه المأموم بل يتمه إذا سلم إمامه، ثم يسلم لعموم الأمر بالتشهد "[17].

وهذا القول أفتى به – بل بما هو أبعد منه - من المعاصرين الشيخ ابن باز رحمه الله؛ فقد سئل في إحدى الصلوات سلم الإمام ولم أكمل إلا جزءاً يسيراً من التحيات، فهل أعيد صلاتي؟

فأجاب: " عليك أن تكمل التشهد ولو تأخرت بعض الشيء عن إمامك لأن التشهد الأخير ركن في أصح قولي العلماء، وفيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب أن تكمله ولو بعد سلام الإمام ، ومنه التعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير ، ولأن بعض أهل العلم قد رأى وجوب ذلك، والله أعلم "[18].

ومما يجدر الإشارة إليه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر هذا التشهد، قد اختلف العلماء في حكمها؛ فمنهم من قال: إنها ركن، لا تصح الصلاة إلا بها (كالتشهد). ومنهم من قال: إنها واجبة. ومنهم من قال: إنها سنة مستحبة.

فمن ذهب إلى فرضيتها، فالكلام فيها كالكلام في التشهد، وعلى المأموم أن يأتي بها ولو بعد سلام إمامه، ومن لا، فالأصل المتابعة للإمام، على الوجه الذي تتحقق به المتابعة المسنونة[19].

وهل يتأخر عن المتابعة لأجل الإتيان بالتشهد الأول أيضا؟:

جاء في بعض كتب الفقه الحنفي: (ولو قام الإمام إلى الثالثة قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه يتمه ثم يقوم، لأن التشهد واجب فيتم الواجب الذي هو فيه ثم يتابع الإمام)[20].

وهذا القول عند الأحناف بإتمام التشهد، والتأخر عن الإمام، مبني على القول بوجوب التشهد الأول، وهو صحيح، خلافا للجمهور، القائلين بسنيته، لأدلة ليس المقام مقام تفصيلها وسردها، لكن مع ذلك، فإن الأصل في صلاة الجماعة وجوب المتابعة، ويتأكد كونها فور فعل الإمام.

وبناء على ذلك، فالصحيح أن على المأموم أن يترك قراءة التشهد ليتابع إمامه، وهو معذور هنا في تركه، لأجل مصلحة الاجتماع على أفعال الصلاة مع الإمام، وحصول المتابعة المأمور بها.

وهذا نظير ما ذكرناه في الكلام على قراءة فاتحة الكتاب، على القول بوجوبها على المأموم، من أنها تسقط قراءتها عليه لأجل المتابعة المأمور بها في الحديث، والتي هي الركن الركين في صلاة الجماعة.

والحالة الثالثة: الموافقة. وهي قسمان أيضا:

إما في الأقوال، وإما في الأفعال.

القسم الأول الموافقة في الأقوال: وهي لا تضر، إلا في تكبيرة الإحرام والسلام؛ فلو كبر المأموم قبل أن يتم الإمام تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته أصلا؛ لأنه لا بد أن يأتي بتكبيرة الإحرام بعد انتهاء الإمام منها.

وأما الموافقة بالسلام، فقال العلماء: إنه يكره أن يسلم مع إمامه التسليمة الأولى والثانية، وأما إذا سلم التسليمة الأولى بعد التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية بعد التسليمة الثانية، فإن هذا لا بأس به، لكن الأفضل ألا يسلم إلا بعد التسليمتين.

وأما بقية الأقوال: فلا يؤثر أن يوافق المأموم الإمام، أو يتقدم عليه، أو يتأخر عنه؛ كما لو سبقه بكلمات من التشهد، أو من الفاتحة فقرأ: {ولا الضالين} والإمام يقرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} في صلاة الظهر مثلا، فلا بأس[21].

القسم الثاني الموافقة في الأفعال، وهي مكروهة، أو خلاف السنة، كما لو قال الإمام: «الله أكبر» للركوع، وشرع في الهوي فشرع المأموم معه[22].

قال ابن قدامة: (والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة؛ من الرفع والوضع، بعد فراغ الإمام منه، ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم.

واستحب مالك أن تكون أفعاله مع أفعال الإمام. ولنا، ما روى البراء قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم نزل قياما حتى نراه قد وضع جبهته في الأرض، ثم نتبعه» متفق عليه، وللبخاري: «لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده»[23].

ومن هنا عد العلماء من الأخطاء التي يقع فيها بعض المأمومين، الموافقة لإمامهم في الأفعال، كما لو شرع الإمام في الركوع، وأثناء الهوي شرع المأموم معه راكعا؛ لأن هذا الصنيع يخالف المتابعة، وتمام الاقتداء )[24].

الحالة الرابعة: المتابعة.. وهذه هي السنة..

وهذه هي محل حديثنا، لأنه يقع بسبب عدم الانتباه للسنة فيها أخطاء من كثير من المصلين، ولذلك نعرض هنا لمعنى المتابعة، وصفتها، كما جاءت بذلك السنة، ونبين ما يقع من أخطاء بصددها، والأدلة على كل ذلك.

تعريف المتابعة:

هي: أن يشرع الإنسان في أفعال الصلاة فور شروع إمامه، لكن بدون موافقة.

مثال ذلك: إذا ركع الإمام يركع المأموم، وإذا رفع الإمام من السجود رفع المأموم، وإذا سلم من التشهد سلم فور تسليمه المأموم، وهكذا.

ومن العلماء من يرى أن المتابعة للإمام هي: أن يشرع الإنسان في أفعال الصلاة إثر تمام فعل الإمام، كاستوائه قائما أو استقراره ساجدا، ونحو ذلك. لقول البراء بن عازب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: «سمع الله لمن حمده» لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده.

قال ابن حجر: " قال البيضاوي وغيره الائتمام الاقتداء والاتباع أي جعل الإمام إماما ليقتدي به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله "[25].

حكم المتابعة للإمام في الصلاة:

وهذه المتابعة من المأموم لإمامه في أفعال الصلاة أمر واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا "[26].

قال النووي: (قال أصحابنا رحمهم الله يجب على المأموم متابعة الإمام ويحرم عليه ان يتقدمه بشئ من الأفعال للحديث المذكور وقد نص الشافعي على تحريم سبقه بركن...)[27].

كيفية (صفة) المتابعة:

المأموم لا بد أن يأتي بالأفعال بعد الإمام فلا يسبقه ولا يساويه وقد بين الفقهاء كيفية متابعته له.

قال ابن قدامة: " والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من الرفع والوضع بعد فراغ الإمام منه ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم "[28].

وقال النووي: " المتابعة أن يجري على أثر الإمام بحيث يكون ابتداؤه لكل فعل متأخرا عن ابتداء الإمام ومقدما على فراغه منه "[29].

وقال الشيخ أحمد الدردير: " فالمندوب أن يفعل بعده ويدركه فيه. انتهى، قال الدسوقي: قال عياض: اختلف في المختار في اتباعه في غير الإحرام والسلام هل هو بإثر شروعه أو بإثر تمام فعله كاستوائه قائما "[30].

وهنا فروع:

الفرع الأول: هل يتبع المأموم صوت الإمام أو يقتدي بفعله؟:

الذي يلزم المأموم متابعة إمامه، بحيث يشرع في الركن بعد فعل إمامه له مباشرة.

يقول ابن عثيمين: " المشروع أن تشرع في الركوع من حين أن يصل إمامك إلى الركوع، ولا تتخلف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ركع فاركعوا»[31].

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع)، ومثله في السجود، يدل على أن المأموم لا يبدأ في الانتقال إلى الركن إلا بعد وصول الإمام إليه، فلا يركع حتى يركع الإمام، ولا يسجد حتى يسجد الإمام.

وقد جاء ذلك صريحا في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده " لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده[32].

قال النووي: " وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أن السنة ألا ينحني المأموم للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض "[33].

وعلى ما سبق، فالمشروع للمأموم أن يتابع إمامه بعد انتقاله إلى الركن مباشرة، فالعبرة بفعل الإمام لا بتكبيره.

لكن هذا فيمن يرى الإمام، أما من لا يراه من المأمومين، فإنه يقتدي بقوله، فيبدأ في الانتقال إلى الركن بعد انتهاء الإمام من التكبير[34].

الفرع الثاني: هل إتيان المأموم بجلسة الاستراحة التي لا يجلسها إمامه يعد من ترك المتابعة للإمام؟

بداية اختلف أهل العلم في حكم تلك الجلسة، على أقوال ثلاثة: استحبابها، عدم استحبابها، مشروعيتها للحاجة.

ثم لو افترضنا أن الإمام تركها بقطع النظر عن السبب، فهل للمأموم أن يأتي بها، أو أن ذلك يعد من مخالفة الإمام، ومن التخلف عنه المنافي لتحقيق تمام المتابعة.

المفتى به عند الشافعية الأول، فلم يعدوا ذلك من مخالفة الإمام[35]، ورأوا أن إتيان المأموم بها لا يخل بمتابعة الإمام المأمور بها. وعللوا بأن المخالفة يسيرة.

قال النووي: (وإن ترك - أي الإمام - سنة.. فإن كان في اشتغال المأموم بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الأول، لم يجز للمأموم الاتيان بها، فإن فعلها بطلت صلاته، وله فراقه - أي له فراق الإمام - ليأتي بها، وإن ترك الإمام سجود السهو أو التسليمة الثانية أتى به المأموم لأنه يفعله بعد انقضاء القدوة، فإن لم يكن في اشتغال المأموم بها -أي بالسنة التي تركها الإمام- تخلف فاحش بأن ترك الإمام جلسة الاستراحة أتى بها المأموم، قال أصحابنا: لأن المخالفة يسيرة)[36].

وذهب بعض أهل العلم إلى القول الثاني: أن فعلها دون الإمام يعد اختلافا عليه، وتخلفا عنه. وردوا تعليل أصحاب القول الأول.

يقول د. يوسف بن أحمد القاسم[37]: وأما بالنسبة لجلسة الاستراحة، فعلى القول بأنها سنة مطلقاً - للمحتاج وغيره - فإن المشروع متابعة الإمام؛ لأن المتابعة واجبة والجلسة سنة، فتقدم المتابعة لهذا السبب، كما أفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[38].

بل إن الواجب قد يترك لأجل متابعة الإمام، كما إذا سها الإمام فقام ولم يجلس للتشهد الأول فإن المأموم يلزمه متابعة الإمام ولو ترك الواجب، بل وقد يترك المأموم الركن من أجل متابعة الإمام كما يدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين"[39].

وقد يقال إن هذه الجلسة يسيرة لا يحصل بها تخلف عن الإمام.

والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وإذا ركعوا فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا ". فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب دون مهلة، وهذا يدل على أن المشروع في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيراً، وهذا هو حقيقة الائتمام، كما قرر ذلك الشيخ: محمد بن عثيمين - رحمه الله[40].

والأمران محتملان، والقولان يسوغ العمل بأيهما، والله أعلم.

الفرع الثالث: هل يقول المأموم: (سمع الله لمن حمده) عند رفعه من الركوع، متابعة للإمام؟:

اتفق الفقهاء على أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع من الركوع، فإذا استوى قائما قال: ( ربنا ولك الحمد )[41]. ولكنهم اختلفوا في الإمام والمأموم ما الذي يشرع لكل منهما:

أما الإمام: فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يُسَمِّعُ فقط، ولا يسن له أن يقول: ربنا لك الحمد.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يُسَمِّعُ ويَحمّد. وهذا هو القول الراجح؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه قَال: الَّلهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ )[42]. وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن استحباب تحميد الإمام مستفاد من هذا الحديث ومن غيره[43].

وأما المأموم: فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة بأن المأموم يقتصر على التحميد فقط، ولا يقول:

(سمع الله لمن حمده). وخالفهم الشافعية والظاهرية، فقالوا باستحباب التسميع والتحميد في حق المأموم، وهو اختيار الألباني في صفة الصلاة[44].

والراجح قول الجمهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد)[45].

الفرع الرابع: إذا صلى الإمام جالسا هل يجب على المأموم متابعته بالجلوس؟

اختلف الفقهاء في إمامة القاعد لمن يقدر على القيام على ثلاثة أقوال:

الأول: أنه لا تجوز إمامة القاعد لمن يقدر على القيام، وهذا مذهب المالكية.

الثاني: أنه لا تجوز إمامة القاعد إلا بشرطين: أن يكون إمام الحي، وأن يرجى زوال علته، وهذا هو مذهب الحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون"[46].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وهو شاك، فصلى جالسا، وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا ... وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون"[47].

قال الحنابلة: فلو صلوا خلفه قياما، ففي صحة صلاتهم وجهان، والمذهب أنها تصح، وأن الجلوس مندوب.

على أن القول بوجوب صلاتهم جالسين هو المستفاد من الأدلة السابقة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

وأما إن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس، فيجب على المأمومين أن يصلوا قياما، هذا مذهب الحنابلة، وهو الذي يدل عليه فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتدأ بهم أبو بكر الصلاة قائما، ثم ائتم أبو بكر والصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، مع إكمالهم صلاتهم قياما.

الثالث: جواز إمامة العاجز القاعد للقادرين على القيام، ويصلون خلفه قياما، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، واستدلوا بصلاة الصحابة قياما - كما في الحديث السابق- ورأوا أن هذا آخر الأمرين من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ناسخا للأمر بالجلوس خلف الإمام.

وأجيب عن هذا بأن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، وقد أمكن الجمع بما ذكره الحنابلة[48].

وفي فتاوى الإسلام سؤال وجواب:

(اختلف العلماء في جواز صلاة الإمام جالساً إذا كان مريضاً أو عاجزاً عن القيام وخلفه من هو صحيح. والصواب في ذلك جواز إمامته وصحة الاقتداء به. ويدل على ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ))[49].

وأما العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ؛ هل تصحُّ الصلاةُ خلفَه؟

ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَه إلا بمثلِه، وهو مذهب الحنابلة.

قال ابن عثيمين: (ولكن الصحيحَ أنَّ الصَّلاةَ خلفَه صحيحةٌ؛ بناءً على القاعدةِ: أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّتْ إمامتُه إلا بدليلٍ. لأن هذه القاعدةِ دلَّت عليها النصوصُ العامةُ؛ إلا في مسألة المرأةِ، فإنَّها لا تصحُّ أن تكون إماماً للرَّجُلِ، لأنَّها مِن جنسٍ آخرٍ.

وأيضاً: قياساً على العاجزِ عن القيام، فإنَّ صلاةَ القادرِ على القيامِ خلفَ العاجزِ عنه صحيحةٌ بالنصِّ، فكذلك العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ.

فإن قال قائل: إنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (إذا صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون) ولم يقلْ: إذا صَلَّى راكعاً فاركعوا، وإذا أومأ فأومِئوا؟

قلنا: إنَّ الحديثَ إنما ذَكَرَ القيام؛ لأنه وَرَدَ في حالِ العجزِ عن القيامِ، فالرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم خاطَبهم حين صَلَّى بهم قاعداً، فقاموا، ثمَّ أشارَ إليهم فجلسوا، فلهذا ذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم القيامَ كمثالٍ؛ لأن هذا هو الواقع.

فعليه نقول: إنَّ القولَ الراجحَ: أنَّ الصلاةَ خلفَ العاجزِ عن الركوعِ صحيحةٌ، فلو كان إمامُنا لا يستطيع الرُّكوعَ لأَلَمٍ في ظهرهِ صلّينا خلفَه. ولكن؛ هل إذا رَكَعَ بالإِيماءِ نركعُ بالإِيماءِ؟ أو نركعُ ركوعاً تاماً؟ الظاهر: أننا نركعُ ركوعاً تامًّا؛ وذلك لأنَّ إيماءَ العاجزِ عن الرُّكوعِ لا يغيرُ هيئةَ القيامِ إلا بالانحناءِ، بخلافِ القيامِ مع القعودِ.

وأيضاً: القيام مع القعودِ أشارَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عِلَّتِه بأنَّنا لو قمنا وإمامُنا قاعدٌ كنَّا مشبهين للأعاجمِ الذين يقفون على ملوكهم. ولهذا جاءَ في بعضِ ألفاظِ الحديث: (إنْ كِدْتُم آنفاً لتفعَلُونَ فِعْلَ فارسَ والرُّومِ، يقومونَ على مُلُوكهم وهم قُعودٌ، فلا تفعلُوا، ائْتَموا بأئمتِكُم، إنْ صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعودًا).

فإذا كان إمامُنا قاعداً، ونحن قيامٌ، صِرنا قائمين عليه، أما الرُّكوع، إذا عَجَزَ عنه وأومأ وركعنَا فإننا لا نُشبه العَجَمَ بذلك.

وكذلك في العَجْزِ عن السُّجودِ، الصحيحُ: أنه تصحُّ إمامةُ العاجزِ عن السُّجودِ بالقادرِ عليه، وهل المأمومُ في هذه الحالِ يومئُ بالسُّجودِ؟ الجواب: لا؛ بل يسجدُ سجوداً تامًا، وكذا العاجزُ عن القعودِ، نصلِّي خلفَه مع قُدرتِنا على القعودِ، كما لو كان مريضاً لا يستطيع القعودَ ويصلِّي على جنبِه.

ولكن هل نضطجعُ؟ الجواب: لا، لأنَّ الأمرَ بموافقةِ الإِمامِ إنَّما جاءَ في القعودِ والقيامِ، وعلى هذا؛ فنصلِّي جلوساً وهو مضطجعٌ، وكذلك لو عَجَزَ عن القعودِ بين السجدتين مثلاً، أو عن القعودِ في التشهُّدِ فإننا نصلِّي خلفَه.

إذاً فالصحيحُ: أننا نصلِّي خلفَ العاجزِ عن القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ. وهذا القولُ هو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله، وهو الصحيحُ؛ بناءً على عموماتِ الأدلةِ كقوله صلّى الله عليه وسلّم: (يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله)، وعلى القاعدة التي ذكرناها وهي: أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّت إمامتُه )[50].

وسئل الشيخ أيضاً: دخلت مسجداً وقت صلاة المغرب وتقدم رجلٌ ليصلى بالجماعة وعند سجوده مد رجله ولم يسجد على الأعضاء السبعة، علماً بأن ركبة وقدم الرجل لم تقع على الأرض، فما حكم من صلى خلف هذا؟

فأجاب: " هذا الإمام عاجزٌ عن السجود على الوجه المطلوب ... وقد اختلف العلماء فيما إذا كان الإمام عاجزاً عن ركن هل يجوز أن يكون إمامًا للقادر عليه؟ والصحيح أنه يجوز أن يكون إماماً للقادر عليه؛ وذلك لأن هذا الإمام العاجز يسقط عنه ما عجز عنه ويكون كأنه أتى به ... لكن ينبغي أن يلتمس إمامٌ غيره قادر على فعل الأركان والقيام بالشروط ؛ لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة "[51].

الفرع الخامس: حكم اتباع الإمام في حالة سجود السهو:

يجب على المأموم أن يتبع إمامه في سجود السهو إذا كان قد أدرك معه جميع الركعات، أي لم يكن مسبوقا، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا)[52].

أما المسبوق، وهو من فاتته ركعة فأكثر، فإنه يتابع إمامه إذا سجد قبل السلام، ولا يتابعه إذا سجد بعد السلام لتعذر ذلك؛ إذ المسبوق لا يمكن أن يسلم مع إمامه، ولكن عليه أن يقضي ما فاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.

هذا من حيث الإجمال، وأما من حيث التفصيل: فيمكن تلخيص أحوال المأموم مع سجود السهو فيما يلي:

1- إذا أدرك المأموم جميع الصلاة مع إمامه، فسها الإمام وسجد للسهو، فإنه يلزمه متابعته، سواء كان السجود قبل السلام أو بعده.

2- إذا كان المأموم مسبوقا، وسها الإمام في الجزء الذي أدركه المأموم: ففيه تفصيل:

فإن سجد الإمام قبل السلام سجد معه المأموم ثم أتم صلاته، ثم سجد للسهو مرة أخرى؛ لأن سجوده الأول مع إمامه كان في غير موضعه، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة، بل يكون في آخر الصلاة، وإنما كان سجوده مع إمامه تبعا لإمامه فقط.

وإن سجد الإمام بعد السلام، لم يسجد المسبوق معه، بل يقوم ويتم صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.

3- إذا كان المأموم مسبوقا، وسها الإمام في الجزء الذي لم يدركه المأموم، كما لو سها في الركعة الأولى، والمأموم دخل في الركعة الثانية:

فإن سجد الإمام قبل السلام، تابعه المأموم، ثم أتم صلاته، ولا يلزمه السجود مرة أخرى لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه.

وإن سجد الإمام بعد السلام: لم يتابعه المأموم، ولم يلزمه السجود في نهاية الصلاة أيضا؛ لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، لأن السهو وقع قبل أن يلتحق بإمامه في الصلاة.

وهذه الحالات كلها فيما إذا كان السهو من الإمام، وأما سهو المأموم نفسه فله أحوال أيضا:

4- إذا سها المأموم في صلاته، ولم يكن مسبوقا، أي أدرك جميع الركعات مع إمامه، كما لو نسي أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، فإنه لا سجود عليه؛ لأن الإمام يتحمله عنه، لكن لو فرض أن المأموم سها سهوا تبطل معه إحدى الركعات كما لو ترك قراءة الفاتحة نسيانا، فهنا لابد أن يقوم إذا سلم الإمام ويأتي بالركعة التي بطلت من أجل السهو، ثم يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام.

5- إذا سها المأموم في صلاته، وكان مسبوقا، فإنه يسجد للسهو، سواء كان سهوه في حال كونه مع الإمام، أو بعد القيام لقضاء ما فاته؛ لأنه إذا سجد لم يحصل منه مخالفة لإمامه حيث إن الإمام قد انتهى من صلاته[53].

الفرع السادس: حكم متابعة الإمام في الزيادة في الصلاة:

اتفق الفقهاء على أن كلا من الإمام والمنفرد إذا تعمد زيادة ركعة أو سجدة في الصلاة، بغير سبب، أو بغير وجه شرعي، أو بلا تأويل سائغ، فصلاته باطلة، كمن تعمد نقص ركعة او سجدة منها.

واختلفوا في المأموم إذا قام إمامه لركعة خامسة، هل يتابعه المأموم، وهو يعلم أنها خامسة أم لا؟ وما حكم صلاته؟ على قولين مشهورين: الأول: لا يتابعه، وتبطل صلاته إذا تابعه. الثاني: يتابعه، ولا تبطل صلاته.

والقول الأول قول جمهور الفقهاء، وعليه أكثر المجامع الفقهية، ودور الفتوى، ورجحه الشيخان: ابن باز، ابن عثيمين[54].

والقول الثاني قول بعض العلماء، منهم الشيخ الألباني، وقليل من أهل العلم من أهل الفتوى المعاصرين[55].

والقول الأول هو القول الراجح.

وسنعرض حجة كل فريق، والمناقشة التي وجهت له، لنصل إلى أدلة وأوجه هذا الترجيج، على أن يكون ذلك في مبحث مستقل، وذلك نظرا لحاجة تلك المسألة لشيء من التفصيل لا يناسب المقام هنا[56].

الفرع السابع: حكم متابعة الامام اذا سجد لآية سجدة قبل موضع السجود؟:

الظاهر أيضا في هذه المسألة - كسابقتها - أن من علم خطأ الإمام لا يتبعه. وقد قال الإمام سحنون من فقهاء المالكية: إذا سجد الإمام في السرية لقراءة آية فيها سجدة: لا يتبعه، لاحتمال خطئه، فكيف إذا تيقن المأموم خطأ إمامه[57].

وأما بطلان الصلاة بذلك، فيحتمل القول ببطلان صلاة من تبعه عامدا عالما بخطئه؛ لأنه زاد سجدة في غير موضعها فصار كمن زاد في صلاته ركنا.

وقد اختار ذلك طائفة من أهل العلم، وقاسوه على من سجد سجدة شكر في الصلاة. قالوا: "وقد نص أصحابنا على بطلان صلاة من سجد للشكر في الصلاة عامدا عالما، لأنه سجود أجنبي عن الصلاة؛ فكذا سجدة التلاوة في غير محلها؛ لأن سببها لم ينعقد، والشيء لا يعتبر قبل وجود سببه"[58].

لكن مع قيام الاحتمال عند المأموم بصحة فعل الإمام لا تبطل صلاته، وكذلك إذا كان موضع السجود قد اختلف فيه.

هذا، وقد قال الخطيب الشربيني من فقهاء الشافعية:

"ومحال هذه السجدات معروفة، لكن اختلف في أربع منها: إحداها سجدة النحل، عند قوله تعالى: (ويفعلون ما يؤمرون). وقال الماوردي: إنها عند قوله تعالى: (وهم لا يستكبرون)، ونقله الروياني عن أهل المدينة.

وثانيها: سجدة النمل، عند قوله تعالى: (لا إله إلا هو رب العرش العظيم)، ونقل العبدري في الكفاية: أن مذهبنا أنها عند قوله تعالى: (ويعلم ما تخفون وما تعلنون). وفي المجموع: أن هذا باطل مردود. وقال الأذرعي: وليس كما قال، بل هو قول أكثر أهل المدينة، وابن عمر، والحسن البصري، وغيرهم، وبه جزم الماوردي، والمسألة محتملة ولا توقيف فيما نعلمه اهـ

وثالثها: سجدة حم السجدة، عند قوله تعالى: (وهم لا يسأمون)، وقيل: عند قوله تعالى: إن كنتم إياه تعبدون.

ورابعها: سجدة (إذا السماء انشقت)، عند قوله تعالى: (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون)، وقيل: إنها في آخر السورة، ذكره بعض شراح البخاري"[59].

وهنا فائدتان، يحسن ذكرهما لتعلقهما بموضوع بحثنا:

الأولى: سئل الإمام الرملي الشافعي: (من اقتدى بمن يرى جواز سجدة ص في الصلاة وقلتم: إن الأفضل للمأموم الانتظار فهل يستحب المفارقة أيضا؛ لأن تعبيرهم يقتضي أن في المفارقة فضيلة ولكن الانتظار أفضل اهـ. وليس هذا بواجب، ولا حرام فبقي من القواعد الخمس ثلاثة الكراهة والمباح والمستحب فهذا أعني المفارقة من أيهم؟

فأجاب: بأنه يحصل فيها فضيلة الجماعة بكل من مفارقة إمامه وانتظاره ولكن انتظاره أفضل وتمتنع متابعته فيه)[60].

والفائدة الثانية: إذا سجد الإمام سجود التلاوة ولم يتابعه المأموم، فهل تبطل صلاته أم لا؟

سئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فأجاب: الإمام متبوع يجب على الإنسان أن يفعل ما يفعله إمامه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا)، فإذا سجد الإمام للتلاوة وجب على المأموم متابعته، امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: " وإذا سجد فاسجدوا "، وإن تخلف عن سجدة التلاوة عالما، فإن صلاته تبطل؛ لأنه ترك الواجب عمدا.

أما إذا كان غافلا أو كان بعيدا لم يسمع إمامه، فإن صلاته صحيحه؛ لأن هذه السجدة ليست من أركان الصلاة حتى نقول إنه لابد للمأموم من فعلها، بل هي للتلاوة استحبابا للإمام ووجوباً على المأموم من أجل متابعة الإمام، ولكنها ليست بركن، فإذا تركها عمدا بطلت صلاته من أجل تعمد مخالفة الإمام، وإذا تركها سهوا أو غفلة أو بعدا فلا شيء عليه[61].

الفرع الثامن: حكم متابعة الإمام في صلاة التراويح إذا كان يصلي أربعا بتسليمة واحدة:

اختلف الفقهاء فيمن صلى التراويح ولم يسلم من كل ركعتين، وجاء خلافهم على النحو التالي:

قال الحنفية: لو صلى التراويح كلها بتسليمة وقعد في كل ركعتين فالصحيح أنه تصح صلاته عن الكل، وعللوا ذلك بأمرين: الأول: أنه قد أتى بجميع أركان الصلاة وشرائطها. الثاني: أن تجديد التحريمة لكل ركعتين ليس بشرط عندهم.

قالوا: لكن يكره إن تعمد ذلك على الصحيح عندهم، لمخالفته المتوارث، ولكراهة الزيادة على ثمان في صلاة مطلق التطوع فهنا أولى[62].

وقال المالكية: يندب لمن صلى التراويح التسليم من كل ركعتين، ويكره تأخير التسليم بعد كل أربع، حتى لو دخل على أربع ركعات بتسليمة واحدة فالأفضل له السلام بعد كل ركعتين[63].

وقال الشافعية: لو صلى في التراويح أربعا بتسليمة واحدة لم يصح فتبطل إن كان عامدا عالما، وإلا صارت نفلا مطلقا، وذلك لأن التراويح أشبهت الفرائض في طلب الجماعة فلا تغير عما ورد[64].

وقال الحنابلة: الأفضل في صلاة التطوع في الليل والنهار: أن يكون مثنى، وإن زاد على ذلك صح، ولو ثمانيا ليلا، أو أربعا نهارا، وهذا المذهب[65].

وقيل: لا يصح إلا مثنى فيهما... وقيل: لا يصح إلا مثنى في الليل فقط، وهو ظاهر كلام ابن قدامة، وقد نقل عن الإمام أحمد فيمن قام في التراويح إلى ثالثة يرجع، وإن قرأ، لأن عليه تسليما ولا بد. فعلى القول بصحة التطوع بزيادة على مثنى ليلا: لو فعله كره، على الصحيح من المذهب عندهم، وعنه: لا يكره[66].

وخلاصة ما سبق أن الشافعية – وقول في مذهب أحمد - لا يجوزون متابعة الإمام والصورة هذه، ـ بل إذا قام الإمام إلى الثالثة فإنه يفارقه ويتم صلاته وحده، لأنهم لا يجوزون صلاة التروايح أربع ركعات بسلام واحد، بل يرون أن القيام إلى الثالثة عمدا مبطل للصلاة كما سبق به بيانه عنهم.

وغير الشافعية يجوزون ذلك مع الكراهة، أو مع كونه خلاف الأولى والأفضل.

وهذا القول للجمهور بالجواز رجحه بعض المعاصرين؛ لعدة أمور:

الأول: لأنه لم يرد نهي عن ذلك، وحديث ابن عمر[67] محمول على الأفضلية والاستحباب لا الوجوب.

الثاني: لأنه ورد في الشرع نظير لذلك الصلاة بأربع في الفريضة والنافلة.

الثالث: لأنه ثبت وصل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الوتر بثلاث وخمس وتسع في سلام واحد.

الرابع: لأن ظاهر حديث عائشة[68] يدل على ذلك، فلا حاجة إلى تأويله إذا أمكن الجمع بين الأحاديث، والجمع ظاهر بحمد الله: الصلاة ركعتان سنة، والأربع ركعات جائز[69].

ومع ترجيح ذلك من جهة الدليل، لكن ينبغي العمل بما هو أفضل، خاصة والأئمة في موضع القدوة والتعليم لغيرهم، فلا ينبغي أن يحيدوا عن الأكمل وعن سنة النبي الدائمة.

كما لا ينبغي اللجوء إلى الأقوال التي توقع الناس في الحرج في صلاتهم، سواءً عادت عليها بالبطلان أو بالكراهة[70].

وأما ما يقع من بعض الأئمة، من القيام إلى الثالثة نسياناً؛ فقد ذكر الشافعية فيمن قام إلى ثالثة في نفل نسياناً، أنه يجلس ثم يسجد للسهو، فإن أراد الزيادة بعد القيام فالأصح عندهم أنه يجلس ثم يقوم إلى الثالثة، حتى يكون نوى الزيادة قبل البدء فيها. وأجاز بعضهم أن ينوي الزيادة بعد القيام إليها ولا يلزمه القعود[71].

وعلى هذا، فما يفعله بعض الأئمة، موافقة لهذا المذهب، أو اتباعا لهذا القول السائغ عند بعض العلماء، لا حرج فيه؛ فإن الإمام إذا فعل ما يسوغ عند بعض العلماء اجتهاداً منه، أو تقليداً، أو ظناً أنه صحيح، فصلاته صحيحة، ويلزم المأموم متابعته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لو فعل الإمام ما هو محرم عند المأموم دونه مما يسوغ فيه الاجتهاد صحت صلاته خلفه، وهو المشهور عن أحمد، وقال: إن الروايات المنقولة عن أحمد لا توجب اختلافا وإنما ظواهرها أن كل موضع يقطع فيه بخطأ المخالف تجب الإعادة، وما لا يقطع فيه بخطأ المخالف، لا تجب الإعادة وهو الذي تدل عليه السنة، والآثار، وقياس الأصول، وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء "[72].

فحتى على القول بأنه لا تسوغ الزيادة هنا، فإن تابعه المأموم ظانا مشروعية ذلك للإمام أو جاهلاً بتحريم المتابعة في الزيادة أو ناسياً، فصلاته صحيحة.

الفرع التاسع: إذا سلم الإمام تسليمتين في صلاة الجنازة، فهل يتابعه؟:

بعض الأئمة في بعض البلدان، إذا فرغ من صلاة الجنازة، فإنه يسلم تسليمتين، كالتسليم في صلاة الفريضة، بينما يكتفي البعض منهم بتسليمة واحدة، فإذا كان المأموم يرى مشروعية التسليمة الواحدة، فهل له أن يكتفي بها؟ أو يجب عليه متابعة الإمام؟

بداية نقول: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التسليم من صلاة الجنازة مرةً واحدةً عن اليمين.

قال ابن عبد البر: "فجمهور أهل العلم من السلف والخلف على تسليمة واحدة ... وقد احتج بعض القائلين بالتسليمة الواحدة أن المسلمين قد أجمعوا عليها واختلفوا في الثانية فلا تثبت سنة مع الاختلاف"[73].

وقال ابن قدامة: "التَّسْلِيمُ عَلَى الْجِنَازَةِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، عَنْ سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم... وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا"[74].

وقال الشيخ ابن باز: "هذا هو السنة ، تسليمة واحدة، هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تسليمة واحدة عن اليمين"[75].

وذهب بعض العلماء إلى أن السنة في صلاة الجنازة أن يسلم تسليمتين، كما هو الحال في الفرائض والنوافل، وهو مذهب الحنفية والشافعية. واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود: (ثَلاَثُ خِلاَلٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُنَّ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ، إِحْدَاهُنَّ: التَّسْلِيمُ عَلَى الْجَنَازَةِ مِثْلَ التَّسْلِيمِ فِي الصَّلاَةِ)[76].

لكن هذا الحديث ليس صريحًا في التسليمتين، فيحتمل أن يكون المراد بالتشبيه أصل السلام، أي أنه كان يسلم في الجنازة، كما كان يسلم في الصلاة. أو أن المراد أنه كان يقول: السلام عليكم ورحمة الله، كما هو الحال في الصلاة. أو أنه مثل تسليم الصلاة من حيث الجهر. وفي حمله على أحد هذه الاحتمالات يكون موافقاً لآثار الصحابة في التسليمة الواحدة، وحمله على ما يوافق ما جرى عليه عملهم، أولى من حمله على ما يخالف ذلك.

واختار الشيخ ابن عثيمين جواز الأمرين، وأن الأمر في ذلك واسع، ولا حرج فيه، وكذلك اختار الشيخ الألباني جواز كلا الأمرين[77].

وعلى ما سبق، فإن من صلى وراء إمام يسلم تسليمتين على الجنازة، فالمشروع له أن يتابعه على ذلك؛ لأن التسليمة الثانية محل خلاف معتبر بين العلماء، كما سبق بيانه، والسنة متابعة الإمام، وعدم الخلاف عليه، وهذا قد نص عليه غير واحد من أهل العلم، مع أن الراجح عندهم التسليمة الواحدة.

قال البهوتي: "(ويجوز) تسليمة (ثانية عن يساره) ... قال في المبدع: ويتابع الإمام في الثانية، كالقنوت"[78].

الفرع العاشر: ماذا يفعل المسافر إذا صلى خلف المقيم، والعكس؟:

السنة للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية الظهر والعصر والعشاء ركعتين، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة في السفر، لكن إن صلى المسافر خلف المقيم وجب عليه عند أكثر الفقهاء إتمام الصلاة كإمامه؛ لأن حكم صلاته حينئذ حكم صلاة إمامه وهو تابع له لا يجوز له مخالفته في عدد الركعات، كما يمنع من مخالفته في الهيئات والحركات.

ولأن قصره للصلاة والحالة هذه ترك للائتمام الواجب شرعا.

ولما ثبت عن نافع قال: (كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلاها وحده صلى ركعتين)[79].

وعن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام فقال: (ركعتين، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)[80].

وعن ابن عباس أنه قيل له: ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد وأربعًا إذا ائتم بمقيم، فقال: (تلك السنة)[81].

وقال ابن قدامة: (وإذا دخل مع مقيم، وهو مسافر ائتم. وجملة ذلك أن المسافر متى ائتم بمقيم لزمه الإتمام سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة أو أقل)[82].

وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذ يجلس بعد الثالثة. وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم؟ لكل من هذين القولين احتمال، والأقرب الاحتمال الثاني وهو الانتظار.

وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب، فالذي يظهر أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه[83].

وإذا اشتبه الأمر على المأموم، فلم يدر حال إمامه: هل هو من المقيمين أم من المسافرين؟ كما يحدث أحيانا في المساجد على طرق المسافرين، أو في المصليات في المطارات ونحوها؛ فقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ينظر: إذا كان على الإمام علامة السفر بأن كانت الشنطة إلى جانبه وكان عليه ثياب السفر فليأخذ بالظاهر: أن الامام يقصر. وإذا كان عليه علامة الإقامة، كما لو كان الإمام موظفا بالمطار- والموظف بالمطار له لباس خاص - فهنا ينوي الإتمام لان الظاهر أنه متم، فيعمل بالظاهر. فان تردد ولم يتبين له، فهنا نقول: إذا احتاط وأتم فهو أفضل وإن قصر فلا حرج[84].

وأما صلاة المقيم خلف المسافر: فإذا إذا صلى المقيم الرباعية خلف مسافر، فأجمع العلماء على أنه يلزمه أن يتم صلاته أربعًا بعد تسليم الإمام، ويستحب للإمام بعد تسليمه أن يقول لهم: «أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفْر»؛ فعن ابن عمر «أن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم، فإنا قوم سَفر»[85].

قال ابن قدامة رحمه الله: " أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر، وسلم المسافر من ركعتين، أن على المقيم إتمام الصلاة، وقد روي عن عمران بن حصين قال: (شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعًا، فإنا سفر) رواه أبو داود.

ولأن الصلاة واجبة عليه أربعا، فلم يكن له ترك شيء من ركعاتها كما لو لم يأتم بمسافر "[86].

وفعل عمر رضي الله عنه كان في جمع العلماء من الصحابة ولم ينكر عليه أحد، ولا يعلم له مخالف فيه، فكان العمل عليه[87].

 

وصل اللهم، وبارك على عبدك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين.

 


[1] روى جابر قال: كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم، فأخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فصلى معه ثم رجع إلى قومه فقرأ سورة البقرة، فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له: نافقت يا فلان، قال: ما نافقت، ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: أفتان أنت يا معاذ؟! أفتان أنت يا معاذ؟! مرتين، اقرأ سورة كذا وسورة كذا، وقال وسورة ذات البروج والليل إذا يغشى، والسماء والطارق، وهل أتاك حديث الغاشية. رواه البخاري (705)، مسلم (178). ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالإعادة ولا أنكر عليه فعله. ومن الأعذار التي يخرج لأجلها المشقة بتطويل الإمام، أو المرض، أو خشية غلبة النعاس، أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوات مال أو تلفه، أو فوات رفقة، أو من يخرج من الصف لا يجد من يقف معه، وأشباه هذا. انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 10728)،

وفيها: (... ففوات القطار يعتبر عذرا في مفارقة المأموم لإمامه إذا كانت تترتب على فواته مشقة معتبرة أو فوات رفقة يتضرر بمفارقتها، وبالتالي، فتصح صلاة المأموم في تلك الحالة). وقال الشيخ ابن عثيمين ذاكرًا بعض الأعذار التي تبيح انفصال المأموم عن الإمام: "من الأعذار أيضاً أن يطرأ على الإنسان غازات يشق عليه أن يبقى مع إمامه فينفرد ويخفف وينصرف، ومن الأعذار أيضا أن يطرأ عليه احتباس البول فيحصر ببول أو غائط ". انظر: الشرح الممتع (2/ 312).

[2] رواه مسلم (112).

[3] رواه البخاري (691)، مسلم (178).

[4] المغني (1/ 378).

[5] مجموع الفتاوى (23/ 337). وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى القول ببطلانها؛ فقال: "ومن رفع من السجود أو من الركوع قبل إمامه فالحكم واحد، فإذا رفع قبل رفع إمامه من الركوع عالما عمدا فصلاته باطلة، وإذا رفع من السجود كذلك فصلاته باطلة على القول الصحيح ". الشرح الممتع (4/ 182). وفي فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين (8/ 2): فضيلة الشيخ: هل عدم المتابعة تبطل الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا) فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يكون فعلنا موالياً لفعل الإمام وإذا لم يمكنا ذلك فأين المتابعة؟.اهـ.

وقال الشوكاني عند شرح الحديث المذكور: "وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ، وهو أشد العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئه صلاته". نيل الأوطار (3/ 169). وفي فتاوى الشبكة: والمفتى به عندنا هو صحة الصلاة مع الإثم.اهـ.

وكذلك المذهب عند الشافعية: أنه يحرم على المأموم أن يسبق إمامه بركن فعلي مثل الركوع أو السجود ويأثم بذلك مع صحة الصلاة، قالوا ويستحب أن يرجع إليه ليأتي بالركن خلفه إن سبقه عمدا وله أن ينتظره حتى يلحقه، فإن سبقه سهوا خير بين الرجوع إليه والانتظار حتى يلحقه. ولا يضر السبق بركنين أحدهما قولي والآخر فعلي كقراءة الفاتحة والركوع، ولكن يحرم الركن الفعلي. قال في المنهاج في الفقه الشافعي: " ولو تقدم بفعل كركوع وسجود إن كان بركنين بطلت، وإلا فلا، وقيل: تبطل بركن. انتهى.

قال الشربيني: وإلا بأن كان التقدم بأقل من ركنين سواء أكان بركن أم بأقل أم بأكثر (فلا) تبطل صلاته لقلة المخالفة ولو تعمد السبق به لأنه يسير كعكسه، وله انتظاره فيما سبقه به كأن ركع قبله، والرجوع إليه مستحب ليركع معه إن تعمد السبق جبرا لما فاته، فإن سها به تخير بين الانتظار والعود، والسبق بركن عمدا -كأن ركع ورفع والإمام قائم- حرام لخبر مسلم: لا تبادروا الإمام: إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا. وفي رواية صحيحة رواها الشيخان: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل رأس الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار". اهـ. مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج (1/510).

[6] رواه البخاري (789) ومسلم (392).

[7] شرح النووي على مسلم (4/ 99).

[8] المغني لابن قدامة (1/ 375).

[9] انظر: الشرح الممتع (3/ 88).

[10] الشرح الممتع (3/ 88).

[11] الشرح الممتع (4/ 188).

[12] المجموع شرح المهذب (4/ 212).

وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله، في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، وممن ذهب إلى أنها واجبة على المأموم الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، رحمهما الله، ووبه تفتي الشبكة الإسلامية، وذلك إذا تمكن المأموم من قراءتها، وأما إذا لم يتمكن من قراءتها فإنها تسقط عنه. وعلى ذلك. انظر: فتاوى الشبكة – فتوى رقم 33163.

[13] المجموع شرح المهذب (4/ 235).

[14] كشاف القناع (1/464).

[15] سبق تخريجه، وهو في الصحيحين. وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 10775).

[16] انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 10407). ولم أجد النقل في المرجع المذكور.

[17] كشاف القناع (1/464). وهذا باعتبار أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة عند الحنابلة، فلا بد من الإتيان به كاملا؛ وإذا سلم الإمام قبل أن يكمل المأموم تشهده، فإنه لا يتابعه، بل يتم تشهده أولا؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل خلقه، السلام على جبرائيل وميكائيل، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد) رواه النسائي (1277) والدارقطني والبيهقي وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح (2/312)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (319). فقوله: "قبل أن يفرض علينا التشهد " صريح في أن التشهد فرض. انظر: الشرح الممتع (3/309).

[18] مجموع فتاوى ابن باز (11/248).

[19] وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من فرغ من التشهد الأخير أيضا بالاستعاذة من أربع، فقال: (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) رواه مسلم (588). وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب هذا الدعاء. وعلى هذا فالأحوط للمأموم ألا يسلم من الصلاة حتى يتم التشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستعيذ بالله من هذه الأربع. (نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب (5/ 980).

[20] فقه العبادات على المذهب الحنفي (ص: 86).

[21] واختلفوا في متى يؤمن المأموم؟ وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك السؤال التالي: أشكل عليَّ ـ سلمكم الله ـ متى يقول المأموم آمين، هل إذا قال الإمام: {ولا الضالين} أو إذا قال: (آمين)؟ فقد سمعت بعض الإخوة يقول: لا تؤمِّن إلا إذا قال: آمين، لحديث «إذا أمن الإمام فأمنوا»؟ فأجاب: الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن من السنة لمن قرأ الفاتحة أو استمع لمن يقرؤها، أن يقول: آمين، بعد قوله تعالى: {وَلاَ الضَّالِّينَ} في الصلاة وخارجها، وكذا الإمام والمأموم، ومعنى آمين: اللهم استجب. ومناسبة التأمين بعد الفاتحة ظاهرة، فإن الآيات الثلاث الأخيرة من الفاتحة دعاء، من قوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}، ومحله في حق الإمام والمأموم واحدٌ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا قال ـ أي الإمام ـ: ولا الضالين، فقولوا: آمين» (رواه الشيخان)، والعمل على هذا عند أهل العلم، وأما حديث: «إذا أمَّن الإمام فأمنوا» فهو مؤوَّلٌ عندهم بتأويلات، غايتها ومقصودها الجمع بين الحديثين، وذلك يحصل باقتران تأمين المأموم بتأمين الإمام، لا يتأخر عنه، بل معه، وذلك إذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ}، كما دل عليه الحديث المتقدم، وقال بعض أهل العلم بظاهره، فيجعله كقوله في الحديث: (وإذا كبر الإمام فكبروا)، والراجح هو قول الجمهور، وهو ما عليه العمل.اهـ.  انظر الفتوى على موقع طريق الإسلام.

[22] قال ابن عثيمين: " وأما موافقة الإمام فإن كان ذلك في تكبيرة الإحرام فإن الصلاة لا تنعقد وعليه أن يعيدها من جديد مثل أن يكبر للإحرام قبل أن ينتهي الإمام من تكبيرة الإحرام فإن الصلاة لم تنعقد وأما في غير تكبيرة الإحرام فإن موافقته خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال (إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وقال لا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد) لكن في التأمين يوافق المأموم إمامه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا أمّن الإمام فأمنوا) أي إذا بلغ محل التأمين فأمنوا والدليل على أن هذا هو معنى ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين) وهذا يدل على أن معنى قوله (إذا أمن الإمام فأمنوا) أي إذا بلغ مكان التأمين وهو آخر الفاتحة أو إذا شرع في التأمين فاشرعوا به أنت". فتاوى نور على الدرب للعثيمين (8/ 2).

[23] المغني لابن قدامة (1/ 377).

[24] وقد روي عن أبي حنيفة أن تسليم المأموم مقارناً لإمامه سنة وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: المقتدي يسلم عقب سلام الإمام وبهذا قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي والإمام أحمد. بل إن المقارنة في السلام من مبطلات الصلاة على قول عند الشافعية والحنابلة وفي المذهب المالكي قولاً واحداً إن ابتدأ معه وأحرى إن سبقه، وإليك كلام الفقهاء في هذا الأمر.

قال في بدائع الصنائع في الفقه الحنفي وهو يذكر سنن التسليم: ومنها أن يسلم مقارناً لتسليم الإمام إن كان مقتدياً في رواية عن أبي حنيفة كما في التكبير، وفي رواية يسلم بعد تسليمه وهو قول أبي يوسف ومحمد كما قالا في التكبير وقد مر الفرق لأبي حنيفة على إحدى الروايتين.

وقال في الإنصاف في الفقه الحنبلي: يستحب أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد فراغ الإمام مما كان فيه. فإن وافقه في غير تكبيرة الإحرام كره، ولم تبطل صلاته، على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقال في المبهج: تبطل، وقيل: تبطل بالركوع فقط، وقيل: تبطل بسلامه مع إمامه واختاره في الرعاية إن سلم عمداً. انتهى.

وقال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: فينبغي للمأموم أن يسلم بعد سلام الإمام، قال البغوي يستحب أن لا يبتدئ السلام حتى يفرغ الإمام من التسليمتين، وقال المتولي يستحب أن يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى وهو ظاهر نص الشافعي، واتفقوا على أنه يجوز أن يسلم بعد فراغ الإمام من الأولى وإنما الخلاف في الأفضل ولو قارنه في السلام فوجهان: (أحدهما) تبطل صلاته إن لم ينو مفارقته كما لو قارنه في تكبيرة الإحرام وأصحهما لا تبطل كما لو قارنه في باقي الأركان بخلاف تكبيرة الإحرام، ولو سلم قبل شروع الإمام في السلام بطلت صلاته إن لم ينو مفارقته، فإن نواها ففيه الخلاف فيمن نوى المفارقة، ولا يكون مسلماً بعده إلا أن يبتدئ بعد فراغ الإمام من الميم من قوله: السلام عليكم. انتهى.

ويرى المالكية أن المتابعة في السلام مثل المتابعة في الإحرام وهي فيهما شرط لصحة الاقتداء، قال في منح الجليل على مختصر خليل في الفقه المالكي: فإن سبقه في أحدهما ولو بحرف أو ساواه في الابتداء بطلت، ولو ختم بعده ... وإن تأخر عنه ولو بحرف صحت إن ختم بعده أو معه فهاتان صورتان، وإن ختم قبله بطلت فالصور تسع الصلاة باطلة في سبع منها وصحيحة في اثنتين وسواء كان المأموم عامداً أو ساهياً إلا من سلم ساهياً قبل إمامه فيسلم بعده ولا شيء عليه، فإن لم يسلم بعده وطال أو خرج من المسجد بطلت. انتهى. نقلا عن فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 10202). رقم الفتوى:(99873).

[25] فتح الباري لابن حجر (2/ 178).

[26] رواه مسلم (411).

[27] المجموع شرح المهذب (4/ 234).

[28] المغني (1/377).

[29] المجموع شرح المهذب (4/ 235).

[30] منح الجليل شرح مختصر خليل (1/ 381).

[31] سبق تخريجه.

[32] رواه البخاري (690)، مسلم (474).

[33] شرح النووي على مسلم (4/ 191).

[34] انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (5/ 1693). وقال: سامي بن عبد العزيز الماجد - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي يظهر أنّ في المسألة تفصيلاً يقتضيه حال المأموم ومكانه من الإمام: فإن كان المأموم بمكان يرى فيه الإمام، فمتابعته له تكون بعد تحقُّق الأمرين جميعاً: التكبير والفعل؛ لأن بعض الأئمة يشرع في الانتقال إلى الركن ثم يكبِّر، وبعضهم يقدِّم التكبير ثم يشرع في الانتقال. وإن كان المأموم بعيداً عن الإمام بحيث لا يراه، فهذا لا تكون متابعته له إلا على تكبيرهِ؛ لاستحالة متابعته على الفعل، وما شرع للإمام رفع الصوت بالتكبير إلا لتحقيق الائتمام به.اهـ.

[35] كما أن وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها لا يؤثر على متابعة الإمام.

[36] المجموع شرح المهذب (4/ 240).

[37] عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء – انظر: فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (5/ 487). وأصل السؤال: هل تجب متابعة الإمام إذا لم يقبض ولم يجلس جلسة الاستراحة؟ الجواب: هذه المسألة محل تفصيل، ويتضح هذا ببيان المراد بمتابعة المأموم للإمام، فأقول: المراد بالمتابعة: ألا يسبق المأموم الإمام بفعل من أفعال الصلاة الظاهرة، كما صرح به الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، وألا يتخلف عنه بفعل من الأفعال، سواء في تكبيرة الإحرام، أو في تكبيرات الانتقال، أو في القيام، أو في الركوع، أو في السجود، أو في التسليم من الصلاة. وعلى هذا، فالواجب متابعة الإمام في ذلك الفعل - بحيث يقوم إذا قام، ويسجد إذا سجد، ويؤدي ذلك في زمنه-، بحيث يقوم بالفعل عقب فعل الإمام بلا تأخر.

وأما هيئة الفعل أو صفته، كالقبض أو السدل حال القيام، والتورك أو الافتراش حال الجلوس، ونحو ذلك من الهيئات، فلا تجب فيها متابعة الإمام، وإنما يفعل المصلي ما يسن له في ذلك الحال، ويدل على ما تقدم حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الثابت في الصحيحين البخاري (722) واللفظ له، ومسلم (414) عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون" وعلى هذا فلا تشرع متابعة الإمام في ترك القبض، بل المشروع قبض اليد اليمنى على اليسرى ووضعهما على الصدر، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه (1/242 -243). اهـ.

[38] مجموع الفتاوى (22/451-452).

[39] الحديث في الصحيحين، وسبق تخريجه.

[40] الشرح الممتع (3/192-193).

[41] وقد نقل الاتفاق: الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/240)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/178)، وإن كان في المغني (1/336) ما يفيد أن هناك خلافاً في المسألة. علما بأن التسميع (وهو قول: سمع الله لمن حمده) عند الرفع من الركوع والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول: ربنا لك الحمد) سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبها. قال الشيخ ابن عثيمين: والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي: أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال. ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام. ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد). انظر: الشرح الممتع (3/317).

[42] رواه البخاري (795)، وانظر: مسلم (417).

[43] انظر: فتح الباري (2/282).

[44] سبق تخريجه.

[45] قال ابن عثيمين: " فقال: ( إذا كبر فكبروا ) (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد)، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، التكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول، لأن قوله: (إذا قال: سمع الله لمن حمده قولوا: ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله: إذا قال سمع الله لمن حمده فلا تقولوا سمع الله لمن حمده ولكن قولوا ربنا ولك الحمد، بدليل السياق، سياق الحديث الذي قال: ( إذا كبر فكبروا )، ومن قال مِن أهل العلم إنه يقول: (سمع الله لمن حمده)، ويقول: (ربنا ولك الحمد) فقوله ضعيف، وليس أحدٌ يقبل قولُه على الإطلاق، ولا يُرَدُّ قولُه على الإطلاق، حتى يُعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضناه على السنة وجدنا الأمر كما سمعت. لقاء الباب المفتوح (11/17). وانظر: المغني (1/367)، الأم (1/135)، المحلى (2/286)، الموسوعة الفقهية (27/81).

[46] رواه البخاري (722)، مسلم (414).

[47] رواه البخاري (688)، مسلم (412). وقد فعل ذلك أربعة من الصحابة: أسيد بن حضير، وجابر، وقيس بن فهد، وأبو هريرة، ذكره ابن قدامة في المغني (2/162).

[48] هذا، وقد ذهب بعض أهل العلم المعاصرين إلى صحة إمامة القاعد ولو لم يكن إمام الحي، ولو لم يرج زوال علته، وأن المأمومين يصلون خلفه جلوسا، ولو أدى ذلك إلى تركهم القيام على الدوام. نقلا عن فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 10612)، بتصرف يسير.

[49] رواه البخاري (722)، مسلم (417).

[50] الشرح الممتع (4/236-238).

[51] انظر: فتاوى نور على الدرب (182/21).

[52] سبق تخريجه، وهو في الصحيحين.

[53] انظر: رسالة في أحكام سجود السهو للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

[54] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة، فتاوى ابن باز، فتاوى ابن عثيمين، فتاوى اسلام ويب، الاسلام سؤال وجواب، فتاوى واستشارات الإسلام اليوم، في مواضع متعددة. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟ فأجاب: " إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن". مجموع الفتاوى (23/53).

[55] كالشيخ صالح المغامسي، والشيخ محمد فراج. راجع فتاوى لهم على بعض المواقع على النت. وراجع فتوى الشيخ الألباني حول الموضوع في بعض أشرطته المسجلة، والموجودة على بعض المواقع على النت.

[56] تم إفراد هذه المسألة بمبحث مستقل، وتم الانتهاء من بحثها، ضمن ما أنجز من أعمال.

[57] جاء في التاج والإكليل لمختصر خليل (2/ 367): ابن بشير: ولم يختلف المذهب في جواز صلاة النافلة بسورة فيها سجدة (مطلقا) ابن بشير: المنصوص الجواز ولو كان في جماعة لا يأمن التخليط. اللخمي: فإن لم يسجد الإمام لم يسجد مأمومه (وجهر إمام السرية، وإلا اتبع) اللخمي: إن قرأ إمام سورة سجدة في صلاة سرية استحب ترك قراءة السجدة، فإن قرأها أعلن بها وسجد، فلو لم يجهر بها وسجد، فقال ابن القاسم: يسجد معه مأمومه. وقال سحنون: لا يسجدون معه لاحتمال سهوه. وفي السليمانية: إن لم يتبعوه فلا شيء عليهم على قول ابن القاسم.اهـ. وجاء فيه أيضا: (بخلاف تكريرها، أو سجود قبلها سهوا) قال مالك: ... ولو سجد في آية قبلها يظن أنها سجدة فليقرأ السجدة في باقي صلاته ويسجد لها ويسجد بعد السلام. اهـ. التاج والإكليل لمختصر خليل (2/ 368).

[58] انظر: ملتقى أهل الحديث - المنتدى الشرعي العام. تحت عنوان: إذا سجد إمامُك للتلاوة عند الآية التي قبل آية السجدة خطأ فهل تتابعه؟

[59] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 442).

[60] فتاوى الرملي (1/ 207).

[61] فتاوى نور على الدرب (8/ 2).

[62] يقول الكاساني الحنفي رحمه الله: "تجديد التحريمة لكل ركعتين ليس بشرط عندنا، هذا إذا قعد على رأس الركعتين قدر التشهد، فأما إذا لم يقعد فسدت صلاته عند محمد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز". بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 289). قالوا: ولكنها تجوز عن ركعتين فقط، ولا يكتب له أجر الأربع. انظر: تحقيق مراقي الفلاح (2/ 63).

[63] يقول العدوي المالكي رحمه الله: " يُسَلِّم من كل ركعتين، أي يندب، ويُكره تأخير السلام بعد كل أربع".حاشية العدوي (3/ 436).

[64] يقول الخطيب الشربيني: "لو صلى أربعاً بتسليمة لم تصح؛ لأنه خلاف المشروع، بخلاف سنة الظهر والعصر، والفرق بينهما أن التراويح لمشروعية الجماعة فيها أشبهت الفرائض فلا تغير عما وردت". مغني المحتاج (1/ 461).

[65] الإنصاف للمرداوي (2/186). ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله: " أو زاد على اثنتين ليلاً، ولو جاوز ثمانيًا، علم العدد أو نسيه، بسلام واحد، كُرِه، وصح". كشاف القناع (1/ 439).

[66] انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 144).

[67] حديث ابن عمر مرفوعا: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» رواه الخمسة، واحتج به الإمام أحمد، ومن تبعه. وقال البهوتي: وليس بمناقض للحديث الذي خص فيه الليل بذلك، وهو «قوله صلى الله عليه وسلم، صلاة الليل مثنى مثنى» متفق عليه؛ لأنه وقع جوابا عن سؤال سائل عينه في سؤاله ومثله لا يكون مفهومه حجة باتفاق ولأنه سيق لبيان حكم الوتر، والنصوص بمطلق الأربع لا تنفي فضل الفصل بالسلام. انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 439).

[68] حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: (مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا) متفق عليه. لكن قد قال بعض العلماء في تفسيره: إنه كان يصلي أربعاً يُسَلِّم بين كل ركعتين، كما قال ابن بطال رحمه الله: "قول عائشة رضي الله عنها (يصلى أربعًا) ذلك مُرَتَّب على قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى)؛ لأنه مفسِّرٌ وقاضٍ على المجمل، وقد جاء بيان هذا في بعض طرق هذا الحديث، روى ابن أبى ذئب، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة بالوتر، يسلم بين كل ركعتين) [رواه مسلم]" انتهى من "شرح البخاري" (3/ 142).

[69] انظر: مقال تحت عنوان: صلاة التراويح أربع ركعات بسلام واحد، لخالد بن سعود البليهد – على موقع صيد الفوائد.

[70] وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: من صلى أربع ركعات بتسليمة واحدة، هل هذا جائز؟ فأجاب: في الليل لا يجوز لقول النبي : صلاة الليل مثنى مثنى، وهذا معناه: الأمر، معناه: صلوا ثنتين ثنتين، أما في النهار فاختلف فيه العلماء، منهم من قال: يجوز، ومنهم من قال: لا يجوز، والأفضل أنه يصلي ثنتين حتى في النهار أيضًا، ثنتين ثنتين، ولو صلى أربع صحت إن شاء الله لكن خلاف السنة، السنة أن يصلي ثنتين ثنتين حتى في النهار؛ لأن في رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح. فينبغي للمؤمن ألا يصلي إلا ثنتين ثنتين حتى في النهار، لكن لو سرد خمساً يوتر بها لا حرج، فعله النبي ، أو سرد سبعًا وأوتر بها لا حرج؛ لأن هذا فعله النبي ، فهو مستثنى من قوله: صلاة الليل مثنى مثنى ، وكذا يجوز سرد تسع يوتر بها، لكن يجلس في الثامنة للتشهد الأول ثم يقوم ويأتي بالتاسعة، أما أن يصلي أربع في الليل أو ستًا في الليل أو ثمانًا في الليل لا، هذا خلاف للسنة لا يجوز؛ لأنه عليه السلام قال: صلاة الليل مثنى مثنى، في الصحيحين ثابت ليس فيه نزاع، فلا يجوز له أن يجمع أربعًا بتسليم واحد، أو ثمان أو ست بتسليم واحد، ولكن يصلي ثنتين ثنتين؛ لأنه عليه السلام قال: صلاة الليل مثنى مثنى، أما زيادة: (والنهار) اختلف فيها العلماء، منهم من قال: إنها خطأ كـالنسائي وجماعة، والصواب: أنها ليست خطأ أنها ثابتة، فينبغي له حتى في النهار أن يصلي ثنتين ثنتين.اهـ. موقع الإمام ابن باز. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا صلى الإمام في التراويح ثلاث ركعات كيف يفعل؟ فأجاب: "إذا قام إلى الثالثة في التراويح ناسياً فإنه يرجع، حتى لو قرأ الفاتحة فإنه يرجع ويجلس ويتشهد ويسلم، ثم يسجد سجدتين، فقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا قام إلى الثالثة في صلاة الليل، فكأنما قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر، ومعلوم أن الإنسان إذا قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر وجب عليه أن يرجع؛ لأن الفجر لا يمكن أن يُصلَّى ثلاثاً، وكذلك صلاة الليل لا تزد على ركعتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى). وأنا سمعتُ أن بعض الأئمة إذا قام إلى الثالثة سهواً وذكَّروه استمر وصلى أربعاً، وهذا في الحقيقة جهل منهم، مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى). والواجب أن الإنسان إذا ذُكِّر في صلاة الليل أو التراويح ولو بعد أن شرع في القراءة فيجب أن يرجع ويجلس ويقرأ التحيات ويسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو ويسلم" انتهى. "جلسات رمضانية".

[71] انظر: تحفة المحتاج (1/271).

[72] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 348).

[73] الاستذكار (3/32). قال: وهو أحد قولي الشافعي، وقالت طائفة منهم أبو حنيفة وأصحابه يسلم تسليمتين. وهو قول الشعبي ورواية عن النخعي، واختاره المزني قياسا على الصلاة، لأنه لم يختلف قول الشافعي في تسليمتين من الصلاة، واختلف قوله في التسليم من الجنازة: فمرة قال: واحدة، ومرة قال: اثنتين.

[74] رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/43)، وقال النووي في "الخلاصة" (2/982): "إسناده جيد"، وقال الذهبي في "المهذب" (3/1387): "إسناده صالح"، وحسنه الألباني في "أحكام الجنائز". والقول بالتسليمتين ورد عن بعض السلف، " ففي المصنف بسند جيد عن جابر بن زيد، والشعبي، وإبراهيم النخعي، أنهم كانوا يسلمون تسليمتين ". انتهى من "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (12/408).

[75] "فتاوى نور على الدرب (14/19).

[76] ينظر: المبسوط (2/65)، المجموع (5/240).

[77] لكنه قال رحمه الله: "وما يقوله البعض أن صلاة الجنازة تختص بتسليمة واحدة لا أصل له في السنة، نعم، في السنة بصورة عامة في كل الصلوات يجوز أن يقتصر المصلى على تسليمة واحدة، لأن هذه التسليمة الواحدة يخرج بها المصلي من الصلاة، لكن تمام السنة أن يسلم أيضاً على يساره، لا فرق في ذلك بين الصلوات الخمس المفروضة وبين صلاة الجنازة، فالتزام التسليم في صلاة الجنازة بتسليمة واحدة فقط هذا ليس له أصل في السنة، كل ما يمكن أن يقال يجوز الاقتصار على تسليمة واحدة في صلاة الجنازة كصلوات الفريضة، لكن الأفضل في الصلوات المفروضة وفى صلاة الجنازة تسليمتان كما سترون ولا أقول كما تسمعون، لأنكم سوف لا تسمعون التسليم جهراً، إنما ستتنبهون إن شاء الله كما ذكرنا آنفًا). وكان قد قال آنفا: صلاة الجنازة مثل كل صلاة، ولكن تتميز صلاة الجنازة عن سائر الصلوات بأن الإمام لا يرفع صوته بالتسليم، حكمة ينبغي الخضوع لها، الإمام في صلاة الجنازة يسلم يمينًا ويسارًا، لكن لا يرفع صوته جهراً كما هي السنة في الصلوات المفروضة فهو يسلم سراً ، وبلا شك سيتسلسل السلام يميناً ويساراً ، والصف الثاني الذي يلي الصف الأول يلاحظ أن هؤلاء الذين بين أيديهم سلموا يميناً ويساراً، لا يقلن أحد كيف نحن بدنا نسلم لأن هذا أمر ظاهر للعيان، كل صف يبصر الآخر، الثاني يرى الأول، والثالث يرى الثاني وهكذا، المهم صلاة الجنازة تسليمتان. [سلسلة الهدى والنور ش: 184]. (منقول - نت). وسئل الشيخ ابن عثيمين: "رأيت في إحدى الدول الإسلامية في صلاة الجنازة أن الإمام يسلم تسليمتين هل هذا له أصل؟ فقال: " أما التسليم مرتين في صلاة الجنازة فقد ذهب إليه بعض أهل العلم، ولا حرج أن يسلم الإنسان مرتين". مجموع الفتاوى (17/130). وقال أيضاً: " التسليم في صلاة الجنازة عن اليمين فقط، ولكنه إذا سلم عن اليمين وعن الشمال فلا حرج؛ لأن الأمر في ذلك واسع، وقد روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر أنه كان يسلم عن يساره أيضاً". فتاوى نور على الدرب (9/2). وانظر الفتوى رقم (245030)، بعنوان: إذا سلم الإمام تسليمتين في صلاة الجنازة، فهل يتابعه؟ على موقع الإسلام سؤال وجواب.

[78] كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 116). وجوز بعضهم أن يقتصر على تسليمة واحدة، وعلل بأن هذا لا يخل بالمتابعة، وخاصة أن التسليمة الأولى يخرج بها المصلي من الصلاة باتفاق العلماء. قال ابن مفلح: "وهل يتابع الإمام في التسليمة الثانية؟ يتوجه، كَالْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَفِي الْفُصُولِ: يَتْبَعُهُ فِي الْقُنُوتِ، قَالَ: وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ". الفروع (3/339). وعلَّق عليه المرداوي رحمه الله باختياره عدم المتابعة في التسليمة الثانية فقال: "الصَّوَابُ هُنَا عدم الْمُتَابَعَة، وَإِنْ قُلْنَا يُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ هُنَا قَدْ فرغت بالتسليمة الأولى". تصحيح الفروع (3/339).

[79] رواه مسلم (1/482) – ح (694).

[80] رواه مسلم (1/479) – ح (688).

[81] رواه أحمد في المسند (135)، وصححه الألباني في الإرواء (571)، وقال: " ولم أجده فى المسند بهذا اللفظ، وهو فيه، بألفاظ أقربها إلى لفظ المؤلف ما أخرجه (1/216) من طريق أيوب عن قتادة عن موسى بن سلمة قال: " كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم ". إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 21).

[82] انظر مقال بعنوان: كيفية صلاة المسافر خلف المقيم - خالد بن سعود البليهد – على موقع صيد الفوائد.

[83] وقال الشيخ ناصر بن سليمان العلوان: (لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا. واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصرا. مثال ذلك: مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذ يصلي الظهر ركعتين، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر. وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يتم وجوبا وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما). انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (5/ 1563) – باختصار.

[84] نقلا عن فتوى صوتية للشيخ، على موقع طريق الاسلام.

[85] إسناده صحيح: أخرجه مالك (195)، وابن أبي شيبة (1/ 419)، وعبد الرزاق (4369)، والبغوي (1024). انظر: صحيح فقه السنة وأدلته (1/ 489). وانظر: سنن أبي داود ت الأرنؤوط (2/ 419).

[86] المغني (2/211).

[87] صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة (1/ 489). وفيه أيضا: (فائدة: إذا أَمَّ مسافر قومًا -فيهم مسافرون ومقيمون- ثم أحدث بعد ركعة، فاستخلف مقيمًا: (أ) فقيل: يصلي المقيم تمام صلاة الأول، ثم يشير إلى من خلفه بالجلوس، ثم يقوم وحده فيتم صلاته أربعًا ثم يقعد للتشهد ويسلم من خلفه من المسافرين، ويقوم من خلفه من المقيمين فيتموا لأنفسهم، وهو قول مالك.

(ب) وقيل: يتم المستخلف صلاة الأول، ثم يتأخر ويقدم مسافرًا يسلم بهم، فيسلم معه المسافرون ويقوم المقيمون، فيقضون وحدانًا، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري. (جـ) وقيل: يتمون كلهم صلاة مقيم، وبه قال الشافعي والأوزاعي والليث).