مسقطات النفقة الزوجية (متى تسقط نفقة الزوجة؟)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فقد انتهينا في مبحث النفقة الزوجية إلى أن الزوجة تستحق نفقة على زوجها، وأنه قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وأن هذه النفقة لازمة للزوج في اليسار والإعسار، وأنها مقدمة على نفقة غيرها من الأقارب، وأن سببها أن الزوج بعقده عليها قد حبسها عن نكاح غيره، لاستمتاعه هو بها، وكل محبوس لمنفعة غيره تلزم هذا الغير نفقته[1].
ونضيف هنا أن النفقة تعتبر ديناً في ذمة الزوج لزوجته لا يسقط إلا بأدائه للزوجة، أو بإبراء الزوجة له.
غير أنه في بعض الحالات تسقط نفقة الزوجة، ولا يلزمه زوجها الإنفاق عليها حينئذ، وتلزم هي بالإنفاق على نفسها إن كان لها مال، أو يلزم أقرباؤها أو عصبتها الإنفاق عليها، إن لم يكن لها مال.
وهذه الحالات التي تسقط فيها نفقة الزوجة عن زوجها هي كما يلي:
أولًا: امتناع المرأة – أو وليها - من تسليم نفسها لزوجها، أو امتناعها من الانتقال معه:
إذا سلمت المرأة نفسها إلى زوجها وتمكن من الاستمتاع بها ونقلها إلى حيث يريد، وهما من أهل الاستمتاع في نكاح صحيح، وجبت نفقتها[2].
وأما إذا امتنعت من الانتقال مع زوجها إلى مسكنه - بغير وجه حق – أو منعها وليها فأطاعته، وزوجها يطلبها، سواء في بلدها أو غير بلدها سقطت نفقتها عند جمهور العلماء[3]، وذلك لعدم تمكنه من وطئها أو الاستمتاع بها، ولأن النفقة تجب مجازاة لحبسه إياها عن نكاح غيره بشرط التمكين، فإذا وجد استحقت النفقة، وإذا فقد لم تستحق شيئا.
وفي قول لأبي حنيفة: لا يخرجها من بلدها إلى بلد غيره إلا برضاها لأن الغربة تؤذي إذا لم يكن لها فيها عشيرة.
جاء في الفتاوى الهندية: (وإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء، وكثير من المشايخ على أنه ليس للزوج أن يسافر بها في زماننا، وإن أوفاها المهر، ولكن ينقلها إلى القرى أين أحب، وعليه الفتوى، وله أن ينقلها من القرية إلى المصر ومن القرية إلى القري)[4].
وقال الزيلعي: (وقيل لا يخرجها إلى بلد غير بلدها إلا برضاها؛ لأن الغربة تؤذي إذا لم يكن لها فيها عشيرة، واختاره أبو الليث. وقال صاحب ملتقى البحار: وأفتي أنا بأنه يتمكن من نقلها إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان مأمونا، ولا يمكن منه إذا أوفاها المعجل دون المؤجل؛ لأنها لا ترضى بالتأجيل إذا أخرجها إلى بلاد الغربة لعلمها أن الغربة تؤذي)[5].
والصحيح قول الجمهور؛ فإن من حق الزوج على زوجته أن يسكنها حيث شاء، وينتقل بها حيث أراد، وليس للزوجة الامتناع عن ذلك ما لم تكن اشترطت عليه في عقد النكاح، وإلا عد ذلك امتناعا عن التمكين.
ذلك أن التمكين يشتمل على أمرين لا يتم إلا بهما، أحدهما: تمكينه من الاستمتاع بها. والثاني: تمكينه من النقلة معه حيث شاء، والامتناع عن التمكين نشوز، تأثم الزوجة به، وتحرم من النفقة، حتى ترجع إلى طاعة الزوج، فيجب على الزوجة طاعة الزوج في الانتقال بها إلى حيث يقيم، ولا حق لها في الامتناع بحجة العمل أو عدم الرغبة في الاغتراب عن الأهل[6]
ومرد هذا لقوله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم} [الطلاق: 6].
وكذلك قوله تعالى: (وسار بأهله)، فقد قال القرطبي: (قيل فيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء، لما له عليها من فضل القوامية وزيادة الدرجة إلا أن يلتزم لها أمرا فالمؤمنون عند شروطهم، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به)[7].
وأما إذا لم تمتنع عن التسليم أو الانتقال معه حيث شاء، ولم تعرض عليه ذلك، وهو أيضا ساكت عن طلبها، أو حصل اتفاق بينهما على تأجيل البناء، كما هو العرف الجاري الآن في مد فترة العقد سنة أو نحوها قبل الدخول بها، فيرى الشافعية في الجديد، والحنابلة، وبعض المتأخرين من فقهاء الحنفية سقوط نفقتها أيضا[8].
وأما إذا كان امتناعها عن تسليم نفسها بحق، أو كان امتناعها عن الانتقال معه بحق، كأن طلبت تسلم مهرها أولا، أو كان السفر أو الانتقال معه مخوفا، أو محرما[9]، أو مشروطا عليه عدمه، فلا تسقط نفقتها.
قال برهان الدين الحنفي: (إذا تزوج الرجل امرأة كبيرة فطلبت النفقة وهي في بيت الأب بعد، فلها ذلك إذا لم يطالبها الزوج بالنقلة، لأن النفقة مستحقة لها على الزوج لما ذكرنا من الدلائل، ولكل أحد يتمكن من المطالبة بحقه، وهذا لأن النفقة حق المرأة، والانتقال حق الزوج، فإذا لم يطالبها بالنقلة فقد ترك حقه وهذا لا يوجب بطلان حقها.
وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخ: لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت زوجها، والفتوى على جواب «الكتاب» ، فإن كان الزوج قد طالبها بالنقلة فإن لم تمتنع عن الانتقال إلى بيت الزوج لها النفقة أيضاً، وأما إذا امتنعت عن الانتقال، فإن كان الامتناع لحق بأن امتنعت لتستوفي مهرها فلها النفقة لأن إيفاء المهر واجب على الزوج، ولها حق حبس نفسها عن الزوج إلى أن تستوفي المهر فإنما حبست نفسها بسبب فوات مهرها، فيكون فوات الاحتباس محالاً على الزوج فلا يسقط حقها في النفقة كالفرقة إذا جاءت من قبل الزوج قبل الدخول بها لا يسقط حقها عن المهر كذا ههنا.
فأما إذا كان الامتناع بغير حق بأن كان أوفاها المهر أو كان المهر مؤجلًا، أو وهبته منه فلا نفقة لها لأن فوات الاحتباس ههنا لمعنى من جهتها، والنفقة بأن الاحتباس على تبين، فتجازى بمنع بيان أداء الاحتباس وهي النفقة، ألا ترى أن الفرقة إذا جاءت من قبلها قبل الدخول تجازى بمنع جميع البدل وهو المهر كذا ههنا)[10].
واستدلوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع، ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم، أنه أنفق عليها إلا بعد دخوله ولم يلتزم نفقتها لما مضى[11].
ويرى ابن حزم وبعض الفقهاء عدم سقوط نفقتها؛ إذ إن النفقة عنده تجب على الزوج بمجرد العقد لا غير[12].
ثانيا: إذا كانت المرأة صغيرة لا يجامع مثلها:
الأصل أن المرأة إذا كانت كبيرة وهي غير مانعة نفسها عن الزوج بغير حق فإنها تستحق النفقة على الزوج، كما سبق، وأما إذا تزوجت البنت، وهي صغيرة لم تبلغ، فلا نفقة لها عند الحنفية والحنابلة والمالكية، وقول للشافعية على الصحيح عندهم[13]، وذلك لأنه لم يدخل بها بعد، ولا يمكنه ذلك لسبب من جهتها، وبالتالي لم يحصل تسليم نفسها لزوجها في منزله، ومن ثم فلا تستوجب النفقة عليه.
ولأن الصغيرة جدا لا تنتقل إلى بيت الزوج بل تنقل إليه، ولا تنقل إليه للقرار في بيته أيضا، فتكون كالمكرهة إذا حملت إلى بيت الزوج. ولأن نفقتها باعتبار تفريغها نفسها لمصالحه، فإذا كانت لا تصلح لذلك لمعنى فيها كان ذلك بمنزلة منع جاء من قبلها فلا نفقة لها على الزوج؛ ولأنها أيضا غير مشتهاة أصلا فلا يستمتع بها ولو دون الفرج، حتى إن كل عاقل يستنكر جماع الرضيعة فيما دون الفرج حيث تعد من الصغار[14].
قال برهان الدين الحنفي: (وإن كانت المرأة صغيرة، فإن كانت مثلها توطأ وتصلح للجماع فلها النفقة، وإن كانت مثلها لا توطأ ولا تصلح للجماع فلا نفقة لها عندنا حتى تصير إلى الحالة التي تطيق الجماع سواء كانت في بيت الزوج، أو في بيت الأب)[15].
ثالثا: المنكوحة نكاحا فاسدًا:
إذا نكحت المرأة بنكاح فاسد[16] فلا نفقة لها عند الحنفية والحنابلة والشافعية[17]، وفي قول لهم تسقط عن الزوج أثناء عدة النكاح الفاسد، وذلك أن فساده يمنع شرعا من تسليم نفسها له، فسبب الوجوب الذي هو حبس الزوج إياها عن نكاح غيره منعدم، فتسقط نفقتها حينئذ، حتى في العدة، لأن حق الحبس وإن ثبت فيها لكنه لتحصين الماء لا النكاح، وقياسا على البائع الذي لا يستحق ثمن المبيع في بيع فاسد[18].
رابعا: إذا نشزت المرأة:
الزوجة الناشز هي التي تخرج عن طاعة زوجها بغير مبرر شرعي أو بسبب ليس من جهته؛ ولذلك صور عدة، منها:
- أن تمتنع عن الانتقال لمنزل زوجها رغم كونه معدًا إعدادًا لائقًا.
- أن تخرج من منزل الزوجية بغير إذن زوجها دون مبرر شرعي.
- أن تمنعه من الدخول عليها في بيتها الذي يقيم معها فيه بإذنها.
- أن تمتنع الزوجة عن السفر مع زوجها إلى حيث يريد أن يعيش.
- أن تمتنع من المبيت معه في فراشه.
ففي هذه الحالات ونحوها تكون الزوجة ناشزًا، وتكون قد فوّتت على زوجها حقه في الاحتباس؛ وبالتالي تسقط نفقتها.
قال الكاساني: (ولا نفقة للناشزة لفوات التسليم بمعنى من جهتها وهو النشوز، والنشوز في النكاح أن تمنع نفسها من الزوج بغير حق خارجة من منزله بأن خرجت بغير إذنه وغابت أو سافرت، فأما إذا كانت في منزله ومنعت نفسها في رواية فلها النفقة؛ لأنها محبوسة لحقه منتفع بها ظاهرًا وغالبًا فكان معنى التسليم حاصلا والنشوز في العدة أن تخرج من بيت العدة مراغمة لزوجها أو تخرج لمعنى من قبلها)[19].
وقال ابن قدامة تعليقا على قول الخرقي: (والناشز لا نفقة لها، فإن كان لها منه ولد، أعطاها نفقة ولدها): معنى النشوز معصيتها لزوجها فيما له عليها، مما أوجبه له النكاح، وأصله من الارتفاع، مأخوذ من النشز، وهو المكان المرتفع، فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها، فسميت ناشزًا. فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم، منهم الشعبي، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبو ثور.
وقال الحكم: لها النفقة. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا خالف هؤلاء إلا الحكم، ولعله يحتج بأن نشوزها لا يسقط مهرها، فكذلك نفقتها.
ولنا، أن النفقة إنما تجب في مقابلة تمكينها، بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إليه، وإذا منعها النفقة كان لها منعه التمكين، فإذا منعته التمكين كان له منعها من النفقة، كما قبل الدخول وتخالف المهر؛ فإنه يجب بمجرد العقد، ولذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة)[20].
وقال الرافعي (شافعي): (ولو قالت المرأة، لا أمكن إلا في بيتي أو في بيت كذا أو بلد كذا، فهي ناشزة؛ لأن التمكين التام لم يوجد، وهكذا لو سلم البائع المبيع، وشرط أن لا ينقله إلا إلى موضع كذا)[21].
صور لا تدخل في نشوز الزوجة:
وأما إذا كان امتناع الزوجة عن الانتقال إلى منزل الزوجية، أو كان خروجها منه دون إذن زوجها، قد تم بمبرر شرعي أو بسبب من جهة الزوج: كأن يكون المنزل غير صالح للسكنى، أو كانت الزوجة قد طلبت من زوجها أن ينقلها من بيتها الذي يقيم معها فيه إلى منزل آخر ولم يفعل ثم منعته من الدخول في بيتها، أو كان البلد المسافر إليه الزوج غير آمن، أو كانت الزوجة قد اشترطت في عقد زواجها ألا ينقلها من البلد الذي تعيش فيه، أو كانت قد خرجت من منزل الزوجية لتمريض أحد أبويها أو لقضاء حوائجها التي يقضي بها العرف أو الضرورة، فلا تعد في هذه الحالات ونحوها ناشزا[22].
إذا خرجَتْ عن مَسْكَنِه بغير إذنه، ثم عادَتْ وهو غائب، فهل يعود الاستحقاق للنفقة؟:
لو نَشَزَتِ المرأةُ، فغاب الزوج، فعادت إلى الطاعة، كما إذا خرجَتْ عن مَسْكَنِه بغير إذنه، ثم عادَتْ، وهو غائب، فهل يعود الاستحقاق للنفقة؟ فيه وجهان للعلماء:
أحدهما: نعم؛ لأن الاستحقاق زال بعارض من الخروج، فإذا زال العارض، عاد الاستحقاق.
والثاني لا: لأنها خرجت عن قبضته، فلا بد من تسليم وتسلم مستأنفين، وهما لا يحصلان بمجرد عودها إلى مسكنه؛ فعلى هذا يرفع الأمر إلى القاضي؛ ليقضي بطاعتها، ويخبر الزوج بذلك، فإذا عاد إليها أو بعث إليها وكيله، واستأنف تسليمها، عادت النفقة [23].
خامسا: الزوجة المسافرة، لطاعة من حج أو غيره:
إذا سافرت الزوجة بغير إذن زوجها، بغير وجه حق، سقطت نفقتها لفوات تسليم نفسها له، ولعدم تمكنه من معاشرتها.
وكذلك إذا خرجت معه في سفر بدون إذنه ولم يقدر على ردها فلا نفقة لها ما لم يستمتع بها.
وأما إذا سافرت بإذن زوجها مع غيره لحاجتها فإنها كذلك تسقط نفقتها عند الحنابلة، وفي قول للشافعية؛ لانتفاء التمكين فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول فأنظرها[24].
وإذا سافرت الزوجة مع زوجها، فإن كان الزوج هو الذي أراد السفر وأخذها معه، كان لها نفقة السفر، وإن كانت هي التي أرادت السفر وأخذته معها، كان لها نفقة الإقامة فقط.
وإذا أراد الزوج أن يسافر بزوجته فأبت أن تسافر معه بدون عذر شرعي سقطت نفقتها، على شرط أن يكون الزوج أميناً على نفسها ومالها، وأن لا يقصد من السفر الإضرار بها، فإن اختل من ذلك شيء كان لها الحق في النفقة؛ لأن لامتناعها حينئذ عذراً شرعياً[25].
قال الموصلي الحنفي: (ولو حجت ... فلا نفقة لها، وإن حج معها فلها نفقة الحضر)[26].
وفي درر الحكام (حنفي): (ولو) سافرت (به) أي بالزوج (فنفقة الحضر) أي الواجب هي؛ لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها (لا غير) أي لا نفقة السفر ولا الكراء)[27].
وقال العمراني في البيان (شافعي): (وإن سافرت المرأة بغير إذن زوجها.. سقطت نفقتها؛ لأنها قد منعت استمتاعه بالسفر، وإن سافرت بإذنه نظرت: فإن سافر الزوج معها لم تسقط نفقتها؛ لأنها في قبضته وطاعته. وإن سافرت وحدها، فإن كانت في حاجة الزوج وجبت عليه نفقتها؛ لأنها سافرت في شغله ومراده، وإن سافرت لحاجة نفسها فقد قال الشافعي في النفقات: لها النفقة. وقال في النكاح: لا نفقة لها.
واختلف أصحابنا فيها: فقال أبو إسحاق: ليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين: فحيث قال: (لها النفقة) أراد: إذا كان الزوج معها. وحيث قال: (لا نفقة لها) أراد: إذا لم يكن الزوج معها. ومنهم من قال: فيه قولان: أحدهما: لا نفقة لها، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد؛ لأنها غير ممكنة من نفسها، فلم تجب لها النفقة، كما لو سافرت بغير إذنه. والثاني: تجب لها النفقة؛ لأنها سافرت بإذنه، فلم تسقط نفقتها، كما لو سافرت في حاجته)[28].
وقال ابن قدامة: (وجملة الأمر أنها إذا سافرت في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج أو عمرة لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم. هكذا ذكر الخرقي والقاضي. وقال أبو الخطاب في ذلك وجهان، وللشافعي فيه قولان أحدهما: لا يسقط حقها لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه)[29].
والحكم بعدم حق الزوجة التي سافرت بغير إذن زوجها واضح، ولا إشكال فيه، لأنها حينئذ تصير عاصية كالناشز، وأما كون الحكم كذلك إذا سافرت لحاجتها بإذنه، ففي النفس منه شيء. والظاهر أنه تجب نفقتها نفقة الحضر، ويستحب تحمله نفقة السفر كذلك إذا كان قادرًا على ذلك، وأما تعليلهم هذا الحكم بأنه قد تعذر على زوجها الاستمتاع بها لسبب من جهتها، فلا يكفي لمنع النفقة عنها، لأن إذن الزوج بسفرها، بمثابة تنازله عن بعض حقه زمنا ما، فلعل ما حكاه الشيرازي قولا للشافعي، وما ذكره أبو الخطاب وجها عند الحنابلة، هو الأوجه والأرجح.
سادسا: الزوجة المتغيبة عن بيتها لعذر أو غيره كاختطاف أو حبس أو اعتكاف أو طلب علم أو صلة رحم أو تجارة:
وكذلك لا نفقة للزوجة إذا خرجت من منزل زوجها وغابت عنه بغير وجه حق، ولو في غير سفر، حتى لو كان هذا الخروج لاعتكاف أو طلب علم، بغير إذن زوجها، سقطت نفقتها لخروجها من منزله فيما ليس بواجب بأصل الشرع، وهو مذهب المالكية والشافعية وقول للحنابلة[30].
قال أبو البركات ابن تيمية: (وإذا حبست المرأة في حق أو غصبها رجل أو نشزت أو حجت أو صامت تطوعا أو لنذر في الذمة أو صامت لكفارة أو قضاء رمضان قبل وقته ولم يكن ذلك بإذنه فلا نفقة لها وإن حجت الفريضة أو صلت المكتوبة في أول الوقت وسنتها فلها النفقة، وإن صامت أو حجت لنذر معين فوجهان)[31].
وقال الشيخ حمد الحمد تعليقًا على قول صاحب زاد المستقنع (حنبلي): "ومن حبست ولو ظلماً أو نشزت أو تطوعت بلا إذنه بصوم أو حج أو أحرمت بنذر حج أو صوم أو صامت عن كفارة أو قضاء رمضان مع سعة الوقت، أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه سقطت النفقة"، قال: (هذا هو المشهور في المذهب في هذه المسائل كلها. والقول الثاني في المسألة: وهو اختيار الشيخ السعدي وهو الصحيح في هذه المسألة، أن نفقة الزوجة لا تسقط إلا حيث نشزت أو عصت. وأما ما سوى ذلك فإنها لا تسقط وذلك لأن الأصل هو وجوب النفقة على الزوجة ولا دليل على إسقاطها ولا نسلم أن النفقة تجب في مقابل تمكينها نفسها له بدليل أن النفقة تجب للمريضة التي لا يستطيع زوجها أن يطأها وتجب للنساء، فليس هذا في مقابل تمكينها نفسها له بل تجب النفقة بالزوجية)[32].
سفر المرأة بإذن زوجها في التجارة:
اختلف الفقهاء فيما لو سافرت الزوجة لطلب كسب لها بإذن زوجها، هل يلزمه نفقتها أو لا؟ على قولين.
قال القدوري الحنفي: (قال أصحابنا: إذا سافرت بإذن زوجها في تجارة لها فلا نفقة لها. وقال الشافعي: لها النفقة.
لنا: أنها مانعة لنفسها بسفر ليس بواجب، فصار كما لو خرجت بغير إذنه. واحتجوا بأنها سافرت بإذنه كما لو أنفذها في حاجة. قلنا: هناك لم تمنع نفسها بسفر؛ لأنها تتصرف له. وهاهنا هي مانعة؛ لأنها متصرفة لنفسها في أمر لم يجب عليها.
قالوا: معنى لم تعص به فصار كما لو خرجت إلى منزل والدها بإذنه. قلنا: لو غصبها أحد فلا نفقة لها، وإن لم تكن عاصية لهذا المعنى، وأما إذا خرجت إلى منزل والديها بأمره، وأقامت فيه سقطت النفقة، وإن لم تقم فذلك ليس يمنع فهو كخروجها إلى العيد)[33].
وقال في المعاني البديعة: (عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سافرت في حاجة نفسها بإذنه فقَوْلَانِ: أحدهما تجب لها النفقة. والثاني لا تجب، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد)[34].
الزوجة المحبوسة، والزوجة المخطوفة:
وإذا حبست الزوجة في دين قادرة على وفائه فلا نفقة لها، لأن استحقاقها للنفقة بحبس الزوج إياها على النكاح بطل بالعرض الطارئ، وهو حبس الدين، خاصة وأن صاحب الدين أحق بحبسها لدينه لمماطلتها بوفائه فصارت كالناشزة.
وكذا المحبوسة بحق، لا تستحق النفقة لتعذر الاستمتاع والتمكين للزوج بسبب من جهتها؛ فإذا حُبِسَت الزوجة في جريمة من الجرائم أو دَين، فإنها لا تستحق نفقتها وقت الحبس؛ لأنه تم حرمان زوجها من حقه في الاحتباس الموجب للنفقة لسبب لا دخل له فيه.
وكذلك لو كان الحبس ظلمًا؛ لنفس المعنى والتعليل السابق؛ أن الزوج له الحق بغض النظر عن كون الذي لم يقم بحقه معذوراً أو غير معذور، فالنفقة لقاء القيام بحقوق الزوجية، قال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] فجعل الحق مقابل الحق، فإذا لم تقم بحقه لم ننظر إلى كونها معذورة أو غير معذورة، هذا ليس لنا به علاقة لأنه من باب الأسباب[35].
وفي معنى ذلك إذا حبست هي زوجها بغير حق بادعاء باطل، أو لدين وهو معسر، فلا تستحق النفقة مدة حبسه، لحصول تغيبها عنه بسبب منها.
أما لو كان حبس الزوجة قد تم استيفاءً لحق الزوج؛ كأن كانت مدينة له وطالب بحبسها لعدم سدادها الدين، فإنه لا تسقط نفقتها؛ لأنه هو من سعى لتفويت حقه في الاحتباس.
وكذلك لا نفقة للزوجة المخطوفة مدة خطفها؛ لأن فوات حق الاحتباس، وإن لم يكن بسبب من جهتها، فهو كذلك ليس بسبب من جهة زوجها.
قال الموصلي الحنفي: (ولو حجت أو حبست بدين أو غصبها غاصب فذهب بها فلا نفقة لها، وإن حج معها فلها نفقة الحضر، وإن مرضت في منزله فلها النفقة)[36].
وقال الرافعي (شافعي): (وألحق في التهذيب ما إذا غصبت المرأة بما إذا هربت لا بما إذا مرضت، وإن كانت معذورة؛ لخروجها من قبضته فوات الاستمتاع بالكلية)[37].
وقال أبو البركات ابن تيمية في المحرر: (وإذا حبست المرأة في حق أو غصبها رجل ... فلا نفقة لها)[38].
هذا ما إليه ذهب جمهور الفقهاء. ويرى المالكية أن نفقة الزوجة لا تسقط بحبسها في دين شرعي ترتب عليها؛ لأن المانع من الاستمتاع ليس من جهتها، وكذلك لا تسقط نفقتها بحبس زوجها في دين ترتب عليه لها أو لغيرها؛ لاحتمال أن يكون معه مال وأخفاه فيكون متمكنًا من الاستمتاع لعدم أدائه لما هو عليه[39].
سابعًا: الزوجة العاملة (الموظفة):
كما تقدم، فإن نفقة الزوج على الزوجة واجبة ما دامت قد بذلت نفسها لزوجها، واحتبست في بيته لأجله بمقتضى عقدة النكاح، وهكذا هي القاعدة فيمن احتبس لمنفعة غيره، كالقاضي وغيره من العاملين في المصالح العامة.
وعليه، فما دامت في بيتها فالنفقة واجبة، ولو كانت تعمل؛ فإذا عملت الزوجة داخل بيتها كأن تغزل أو تنسج، أو تطبخ وتبيع الطبيخ، أو تخيط، وكذا إذا كانت تعمل في عصرنا هذا عن بعد، كالتي تعمل على جهاز الحاسب الآلي في بيتها، فهؤلاء لا تسقط نفقتهن لتحقق الاحتباس والتمكين.
وأما إن كانت تعمل خارج بيتها، فإن ذلك قد يكون بإذن من الزوج واتفاق معه، أو باشتراط عليه عند عقد النكاح، وإما أن يكون بغير ذلك، ولكل حكمه من حيث استحقاقها للنفقة أو سقوطها، وبيان ذلك فيما يلي:
إذا خرجت من بيتها للعمل بغير إذن زوجها:
وأما إذا احترفت المرأة وتكسبت بدون رضا من الزوج فلا نفقة لها، ذلك أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج كما سبق، فلا يصح لها الاكتساب إلا إذا لم ينفق عليها. والمرأة التي تحترف وتكتسب لم تفرغ نفسها لزوجها، ولم تسلمها التسليم الكامل، فلو منعها من ذلك وعصته وخرجت بلا إذنه كانت ناشزة ما دامت خارجة من بيته، وبالتالي لا تستحق النفقة منه.
فإذا لم ينفق عليها فلها تحصيل النفقة بكسب أو تجارة أو سؤال، وليس للزوج منعها حينئذ، سواء أكانت فقيرة أم غنية؛ لأن بقاءها في عصمته وطاعتها له يوجب لها النفقة، فإذا لم يوف ما عليه لم يستحق عليها حجرًا.
وعليها الرجوع إلى بيتها ليلا، لأنه وقت الإيواء دون العمل والاكتساب، ولها منعه من الاستمتاع بها نهارا[40].
إذا خرجت من بيتها للعمل بإذن زوجها:
واختلف الفقهاء في وجوب نفقة الزوجة إذا كانت قد خرجت للعمل بإذن زوجها، على قولين[41]:
القول الأول: لا نفقة للزوجة إذا خرجت من بيت زوجها للعمل لنفسها بإذنه، وهذا قول للحنفية والشافعية، وهو مقتضى مذهب الحنابلة.
قال في البحر الرائق: "وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل أو على عكسه لا تستحق النفقة؛ لأن التسليم ناقص، قلت: وبهذا عرف جواب واقعة في زماننا بأنه إذا تزوج من المحترفات التي تكون عاملة النهار في الكرخانة، والليل مع الزوج لا نفقة لها". وتعقبه ابن نجيم فقال: "هو من كلام المجتبى قال في النهر، وفيه نظر"[42].
وقال ابن قدامة: "إذا سافرت زوجته بغير إذنه، سقطت نفقتها عنه؛ لأنها ناشز وكذلك إن انتقلت من منزله بغير إذنه وإن سافرت بإذنه في حاجته فهي على نفقتها؛ لأنها سافرت في شغله ومراده، وإن كان في حاجة نفسها سقطت نفقتها؛ لأنها فوتت التمكين لحظ نفسها وقضاء حاجتها "[43].
واستدل هؤلاء بأن النفقة في مقابل الاحتباس لحق الزوج، فإذا خرجت فقد انتقصت حقه، فسقطت نفقتها لذلك، وبأن خروجها سبب لفوات حق الزوج في الاستمتاع فيشبه النشوز، وبأنها استبدلت عن تمكينها شغلًا لها، فلا يجتمع لها قضاء وطرها من شغلها ودرور النفقة.
القول الثاني: تثبت للزوجة العاملة النفقة إذا خرجت للعمل بإذن زوجها، وهذا هو القول الآخر للحنفية والشافعية، وهو مقتضى مذهب ابن حزم لأنه يلزم الزوج بالنفقة بمجرد العقد ولو ناشزًا[44].
واستدلوا بأن الزوج أذن بهذا الخروج، فيعد تنازلاً عن حقه، وبأنها لم تخالف الزوج؛ بل فعلت نقيض المخالفة.
وسبب الخلاف أمران: أولهما: ما العلة في النفقة: هل هي الاحتباس أو الزوجية، أو كما يعبر إمام الحرمين وغيره: "النفقة تجب بالعقد أم بالتمكين؟". ثانيهما: النفقة هل تسقط بغير النشوز، وهل تجب بغير التمكين ؟، فإن قلنا: النفقة لا تسقط إلا بالنشوز فهذه ليست بناشز، وإن قلنا: لا تجب النفقة إلا بالتمكين، فهذه ليست ممكنة. واختلف من قال إن العلة العقد، فذهب بعضهم إلى أنها تجب بالعقد ولا يلزم التسليم إلا بالتمكين، وقال بعضهم: إنها إذا نشزت سقطت نفقتها.
يقول د. خالد بن عبد الله المزيني مرجحا بين القولين: (من خلال تأمل الأقوال والأدلة ظهر لي أنه لا بد من التفصيل في المسألة، فإن للزوج حقين: الاحتباس والتمكين، وقد يأذن لها بالخروج للعمل لكن لا يتنازل عن حقه في التمكين، ويطلب إسقاط مقابل التمكين وهي النفقة، وعليه فالواجب التفصيل، وهو أنه إذا أذن لها الزوج بالخروج دون إسقاط حقه في التمكين فلا نفقة لها، وإذا أذن لها بالخروج وأسقط حقه في التمكين ثبتت لها النفقة.
والفرق بين هذا التفصيل وبين القول الثاني، أن أصحاب القول الثاني يعدون نفس الإذن بالخروج إسقاطاً لحقه في التمكين، والصواب أن هاهنا حقين: حق الاحتباس وحق التمكين، وإسقاط أحدهما لا يسري إلى الآخر.
على أنه لا بد من ضبط وصف النشوز بالعرف، فما يعده الناس نشوزاً فهو كذلك، وما لا فلا، وفي عصرنا الحاضر لا يعد خروج الزوجة للعمل نشوزًا لعموم البلوى به في نساء اليوم، خصوصاً إذا صرح الزوج بالإذن)[45].
هذا، وقد أخذ القانون بالقول بعدم سقوط نفقتها، ما دامت خرجت للعمل بإذن زوجها، ونصوا على أنه لا يجوز للزوج منعها، ولا تسقط نفقتها في الأحوال التالية:
- اشتراط الزوجة في عقد زواجها أن تعمل أو أن تظل في عملها.
- إذا تزوجها الرجل وهو عالم بعملها قبل الزواج.
- إذا رضى الزوج بخروج زوجته للعمل، بعد زواجه منها.
ولكن عمل الزوجة في تلك الحالات مشروط بألا تسيء استعمال حقها في الخروج للعمل، وإلا جاز لزوجها أن يمنعها من العمل، وألا يتنافى عملها مع مصلحة الأسرة، كأن يستدعي عملها سهرها ليلًا خارج المنزل.
ويفهم من ذلك أيضا أن نفقتها تسقط بخروجها للعمل مع الإخلال بحق الزوج أو شرطه عليها، ولكن إذا لم يكن شرط بينهما في ذلك، وأعسر الزوج بالنفقة، فقد ذكر الفقهاء أن لها حينئذ الخروج وإن لم يأذن لها، وذلك لتحصيل حاجتها الأساسية من طعام وشراب وغيرهما[46].
ثامنًا: ارتداد الزوجة المسلمة:
إذا خرجت الزوجة المسلمة عن الإسلام إلى أي دين آخر أو إلى الإلحاد، أو بترك الصلاة تركا كليا، فإنه تسقط نفقتها؛ لأن ارتدادها عن الإسلام يوجب التفريق بينها وبين زوجها، فإذا ارتدت عن الإسلام، أوجب ذلك بطلان النكاح، ولا يعود النكاح بعد إسلامها إلا بعقد جديد، فتسقط النفقة لانتفاء المعنى الذي استحقت به النفقة[47].
وأما إذا ارتد الزوج، بعد الدخول، فإن نفقتها لا تسقط؛ وكذلك إذا أسلمت الزوجة وهي تحت كافر لم تسقط نفقتها؛ لأن تعذر الاستمتاع بها في الحالتين من جهته، وهو قادر على إزالته بأن يسلم[48].
تاسعًا: إذا أسلم الذمي وزوجته كافرة من غير أهل الكتاب:
وإذا أسلم الذمي وامرأته من غير أهل الكتاب كوثنية أو مجوسية وأبت الإسلام وفرق بينهما فلا نفقة لها في العدة، لأن الفرقة جاءت من قبلها بسبب هي عاصية فيه، وهو إباء الإسلام بعد عرضه عليها، حيث تعد في حكم الناشزة لحبسها نفسها عن زوجها.
وكذلك الحال: إذا أسلم الذمي وزوجته حربية وأبت الإسلام فلا نفقة لها، لأن العصمة انقطعت فيما بينهما، ولأنه مأمور بقتلها.
وأما إذا كان الزوجان كافرين، وأسلمت المرأة بعد الدخول ولم يسلم الزوج، فإن النفقة لا تسقط، لأنه تعذر الاستمتاع بها من جهته، وهو قادر على إزالته بأن يسلم، فلم تسقط نفقتها، كالمسلم إذا غاب عن زوجته[49].
عاشرًا: الزوجة المفارقة زوجها بلعان أو وفاة أو طلاق:
إذا فارق الزوج زوجته بملاعنة فلا نفقة لها في العدة، إن كانت غير حامل، (وكذا إن كانت حاملا عند المالكية)؛ لما روي من حديث ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، فرق بين المتلاعنين وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت[50].
وكذلك إن كانت حاملا فنفى حملها - وهو لا يلحقه نسبه - فلا نفقة لها لانتفاء الولد بزوال الفراش[51].
قال ابن قدامة: (فأما الملاعنة فلا سكنى لها ولا نفقة, إن كانت غير حامل للخبر وكذلك إن كانت حاملا فنفى حملها وقلنا: إنه ينتفي عنه أو قلنا: إنه ينتفي بزوال الفراش وإن قلنا: لا ينتفي بنفيه أو لم ينفه, وقلنا: إنه يلحقه نسبه فلها السكنى والنفقة لأن ذلك للحمل أو لها بسببه وهو موجود, فأشبهت المطلقة البائن.
فإن نفى الحمل فأنفقت أمه وسكنت من غير الزوج, وأرضعت ثم استلحقه الملاعن لحقه, ولزمته النفقة وأجرة المسكن والرضاع لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له فإذا ثبت له أب لزمه ذلك, ورجع به عليه.
فإن قيل: النفقة لأجل الحمل نفقة الأقارب وهي تسقط بمضي الزمان فكيف ترجع عليه بما يسقط عنه؟ قلنا: بل النفقة للحامل من أجل الحمل, فلا تسقط كنفقتها في الحياة وإن سلمنا أنها للحمل, إلا أنها مصروفة إليها ويتعلق بها حقها فلا تسقط بمضي الزمان, كنفقتها.
فأما المعتدة من الوفاة فإن كانت حائلا فلا سكنى لها ولا نفقة لأن النكاح قد زال بالموت, وإن كانت حاملا ففيها روايتان إحداهما: لها السكنى والنفقة لأنها حامل من زوجها, فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة في الحياة، والثانية: لا سكنى لها ولا نفقة لأن المال قد صار للورثة)[52].
قال الشيخ صالح الفوزان: (والمرأة المتوفى عنها لا نفقة لها من تركة الزوج؛ لأن المال انتقل من الزوج إلى الورثة، ولا سبب لوجوب النفقة عليها، فتكون نفقتها على نفسها، أو على من يمونها إذا كانت فقيرة.
وإن كانت المتوفى عنها حاملا؛ وجبت نفقتها في حصة الحمل من التركة إن كان للمتوفى تركة، وإلا وجبت نفقتها على وارث الحمل الموسر)[53].
وأما المطلقة فقد سبق بيان حكمها، وأنه إذا طلق الرجل زوجته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فلا سكنى لها, ولا نفقة إلا أن تكون حاملا، بخلاف المطلقة الرجعية فهي في حكم الزوجة ولها النفقة.
إذا زنت الزوجة، هل تسقط نفقتها أو شيء من حقوقها؟ وهل يجوز أن يضيق عليها لتفتدي نفسها منه بترك حقها؟
من ثبت عنده زنا زوجته باعترافها فطلقها، فالواجب عليه إعطاؤها كامل حقوقها، فإن لم يرغب بإعطائها حقوقها، فإنه يجوز له التضييق عليها (عضلها) لتفتدي نفسها بالخلع، فيطلب إرجاع ما دفع لها من مهر، ويطلب زيادة عليه، إن شاء، على خلافٍ في الزيادة.
ومرد ذلك إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء/19.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا جاز للرجل إذا أتت امرأته بفاحشة مبينة أن يعضلها لتفتدي نفسها منه، وهو نص أحمد ، وغيره؛ لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه، وتعرضت لإفساد نكاحه، فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب)[54].
ولأن حبس النكاح أوجب عليه صلة، فإذا وقعت الفرقة بفعلها المعصية لم تستحق الصلة؛ إذ الجاني لا يستحق الصلة بل يستحق الزجر، خلافا للشافعية فإنها تستحق النفقة لأنه لا أثر لزناها - وإن حبلت - لأنه لا يمنع الاستمتاع بها، ولعدم قدرتها على عصمة نفسها[55].
الزوجة المريضة والزوجة المجنونة والزوجة الرتقاء:
تجب النفقة للمريضة والمجنونة والرتقاء، لأن هذه أعذار دائمة، ولأن المرأة غير ممتنعة من الرجل بذلك، فلو منعته المجنونة من الاستمتاع، أو منعته في المرض ما أمكن أن يستمتع به من المريضة من نظر وقبلة ولمس سقطت نفقتها.
وإذا كانت الزوجة مريضة ولم تزف إلى بيت زوجها، ولا تقدر على الانتقال معه لمرضها المانع من التسليم بالكلية فتسقط نفقتها.
قال أبو المعالي برهان الدين الحنفي: (وإن تعذر وطؤها بعارض أمر نحو الرتق والقرن والحيض والمرض سواء حصل هذا العارض في بيت الأب قبل الانتقال إلى بيت الزوج أو حصل بعدما انتقلت إلى بيت الزوج حتى إن المرأة الكبيرة إذا مرضت في بيت الزوج مرضاً لا يقدر الزوج على جماعها تستحق النفقة استحساناً، وكذلك الكبيرة إذا مرضت في بيت الأب مرضاً لا يقدر الزوج على جماعها، وزفت إلى بيت الزوج كذلك، أو لم تزف إلى بيت الزوج إلا أنها غير مانعة نفسها من الزوج بغير حق تستحق النفقة.
وكذلك المرأة إذا كانت رتقاء أو قرناء، أو صارت مجنونة أو أصابها بلاء يمنعه عن الجماع أو كبرت حتى لا يمكن وطؤها بحكم كبرها كان لها النفقة سواء أصابتها هذه العوارض بعدما انتقلت إلى بيت الزوج، أو قبل ذلك إذا لم تكن مانعة نفسها من الزوج بغير حق، وهذا الذي ذكرنا في هذه المسائل جواب ظاهر الرواية.
والوجه من هذه المسائل ما ذكرنا: أن المعتبر في إيجاب النفقة احتباس ينتفع به الزوج انتفاعاً مقصوداً بالنكاح وهو الجماع أو الدواعي إلى الجماع، والانتفاع من حيث الدواعي في هذه المسائل حاصل.
وروي عن أبي يوسف رحمه الله في الرتقاء والمريضة التي لا يمكن وطؤها أنه لا نفقة لها قبل أن ينقلها الزوج إلى بيت نفسه، وإن انتقلت إلى بيت الزوج من غير رضا الزوج فللزوج أن يردها إلى أهلها، وأما إذا نقلها الزوج بنفسه مع علمه بذلك فليس له أن يردها بعد ذلك ولها النفقة.
ووجه ذلك: أن التسليم الذي اقتضاه العقد تسليم من غير مانع يمنع من الوطء وذلك غير موجود ههنا فكان في التسليم نوع قصور وخلل فلا تستحق النفقة، فإذا نقلها الزوج إلى بيته مع علمه بذلك فقد رضي بالخلل فكان عليه النفقة فلا يجوز ردها لرضاه بالتسليم القاصر بخلاف الصغيرة التي لا تصلح للجماع، لأن هناك المنفعة فائتة أصلاً فكان له أن يردها ولا تجب نفقتها)[56].
وقال الخرشي المالكي: (فلا تجب لغير مطيقة للوطء ولا لذي مانع من رتق ونحوه إلا أن يدخل الزوج بها لأنه يستمتع بها بغير الوطء)[57].
وفي وجوبها عند المالكية مع المرض الشديد الذي لا يمكن معه الاستمتاع، ولم يبلغ صاحبه حد السياق قولان[58].
وقال الرافعي الشافعي: (تجب النفقة للمريضة والمجنونة والرتقاء والمضناة التي لا تحتمل الجماع، سواء حدثت هذه الأحوال بعد ما سلمت نفسها، وما إذا سلمت كذلك؛ لأن هذه الأعذار دائمة وهي معذورة فيها، وقد سلمت التسليم الممكن، وتمكن من الاستمتاع بها من بعض الوجوه، وكذا الحكم في أيام الحيض والنفاس)[59].
وقال ابن قدامة الحنبلي: (وإن كانت الزوجة صغيرة، يمكن وطؤها، أو مجنونة، فسلمت نفسها إليه، فتسلمها، لزمته نفقتها كالكبيرة، وإن لم يتسلمها، لمنعها نفسها، أو منع أوليائها، فلا نفقة لها عليه)[60].
هل تسقط النفقة بالتقادم؟
أي إذا ترك الزوج نفقة زوجته مدة معينة لسبب من الأسباب، فهل تسقط هذه النفقة بمضي الزمان أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك؛ على ثلاثة أقوال[61]:
القول الأول: أن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان مطلقاً، وهو مذهب الشافعية والحنابلة[62].
واستدلوا بما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم، يأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى.
قالوا: ومثل هذا لا يقوله عمر رضي الله عنه برأيه، فهو سنّة علمها، ولم يخالف عمرَ رضي الله عنه في ذلك أحدٌ من الصحابة.
أيضا، استدلوا بأن نفقة الزوجة حق يجب مع اليسار والإعسار، فلم يسقط بمضي الزمان، قياساً على أجرة العقار والديون، كما أن الأجرة والدَّيْن لا تسقط بمضي الزمان بالإعسار أو بغيره، فكذلك نفقة الزوجة لا تسقط بمضيه، بجامع أن كلاً منهما حق من حقوق العباد.
ونوقش الأثر عن عمر رضي الله عنه، بأنه إنما أمر الأزواج إذا طلقوا أن يبعثوا بنفقة ما مضى، ولم يأمرهم إذا قدِموا أن يفرضوا نفقة ما مضى، ولا يلزم من الإلزام بالنفقة الماضية بعد الطلاق وانقطاعها بالكلية الإلزام بها إذا عاد الزوج إلى النفقة والإقامة واستقبل الزوجة بكل ما تحتاج إليه.
وأجيب بأن النفقة إذا ثبتت قبل الطلاق فتثبت قبله، إذ لا فرق؛ لأنها حق ثبت عن مدة ماضية، فما دامت لم تسقط فلا فرق بين الفرقة وعدمها.
القول الثاني: أنها تسقط بمضي الزمان إذا ترك الزوج الإنفاق بسبب الإعسار فقط، وهو مذهب المالكية[63].
واستدلوا بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:7]، وهذا معسر لم يؤته الله شيئاً، فلا يكلف بالنفقة في حال إعساره، ولا يلزمه قضاء ما ترك حال الإعسار؛ لأنها ساقطة عنه في هذه الحال.
ونوقش بأن الآية لا دلالة فيها على سقوط قضاء النفقة بعد الإيسار، بل غاية دلالتها عدم التكليف بالنفقة حال الإعسار، ولا يلزم من ذلك سقوطها، كما أن الدين يُمنع من المطالبة به إذا كان المدين معسراً، ولا يلزم من ذلك سقوطه.
القول الثالث: أنها تسقط بمضي الزمان، إلا إذا فرضها الحاكم أو تراضيا عليها، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد[64].
واستدلوا بأن هذه نفقة الزوجة تجري مجرى الصلة وإن كانت تشبه الأعواض، لكنها ليست بعوض حقيقة؛ ولذلك سماها الله تعالى "رزقاً" كرزق القاضي، والصلات لا تملك بأنفسها، بل بقرينة تنضم إليها وهي القبض، كما في الهبة أو قضاء القاضي.
وبيان ذلك أن ما يكون عوضاً عن البضع يجب جملةً واحدة؛ لأن مِلك الزوج للبضع يحصل جملة، ولا يجوز أن تكون النفقة عوضاً عن الاستمتاع والقيام عليها، لأن ذلك تصرف منه في ملكه، فلا يوجب عليه عوضاً، فعرفنا أن نفقة الزوجة طريقها طريق الصلة، وتأكدها إما بحكم حاكم أو بالتراضي بين الزوجين.
ونوقش بعدم التسليم بأن نفقة الزوجة صلة بل هي عوض، لأن النفقة شرعت عوضاً عن الاحتباس الذي يستحقه الزوج على زوجته.
وبأن نفقة الزوجة تسقط بامتناعها ونشوزها، وهذا يدل على أن النفقة في مقابل الاستمتاع والتمكين، وليست مجرد صلة.
وبأن الشريعة الإسلامية جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد، وإذا فتح هذا الباب – وهو إسقاط نفقة الزوجة بمضي الزمن – فإن الزوج سوف يتساهل في الإنفاق على زوجته، باعتبار أنها سوف تسقط بمضي الزمان، فتكون الزوجة في النهاية مظلومة.
الترجيح:
الذي يبدو لي رجحانه هو القول الأول القاضي بأن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان، وذلك لقوة وصحة ما استدلوا به، ولأن الأصل أن كل ما وجب على الإنسان لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، كسائر الواجبات.
مع الأخذ في الاعتبار أن لكل قول من القولين الآخرين حظه من النظر، وعلى أية حال فإنه عند حصول التنازع، فإن حكم الحاكم يرفع مثل هذا الخلاف.
حادي عشر: إسقاط الزوجة حقها في النفقة:
ذكر الفقهاء أن الرجل بعد العقد، إذا قضى وطرا من امرأته، وكرهتها نفسه، أو عجز عن حقوقها، فله أن يطلقها، وله أن يخيرها إن شاءت أقامت عنده، ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة، أو في بعض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه[65].
كما ذكر الفقهاء أنه إذا رضيت الزوجة بإسقاطها بعد العقد، فإنه يحق لها الرجوع في ذلك، والمطالبة بنفقة المستقبل، ولا يحق لها ذلك في نفقة الماضي.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي: (تسقط النفقة الماضية بالإبراء أو الهبة ويكون الإبراء إسقاطاً لدين واجب، ولكن قال الحنفية: لا يصح الإبراء أو الهبة عن النفقة المستقبلة؛ لأن نفقة الزوجة تجب شيئاً فشيئاً على حسب حدوث الزمان، فكان الإبراء منها إسقاطاً لواجب قبل الوجوب، وقبل وجود سبب الوجوب أيضاً، وهو حق الاحتباس)[66].
وقال الغنيمي الحنفي: (وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج) فيها (عليها فطالبته) الزوجة (بذلك فلا شيء لها)، لأن النفقة فيها معنى الصلة، فلا يستحكم الوجوب وتصير دينا (إلا) القضاء، وهو (أن يكون القاضي فرض لها النفقة) عليه (أو) الرضا، بأن تكون الزوجة قد (صالحت الزوج على مقدارها) ففرض لها على نفسه قدراً معلوما ولم ينفق عليها حتى مضت مدة (فيقضي لها بنفقة ما مضى) لأن فرضه على نفسه آكد من فرض القاضي)[67].
وقال ابن القيم: (وله أن يخيرها إن شاءت أقامت عنده، ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة، أو في بعض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه، فإذا رضيت بذلك، لزم، وليس لها المطالبة به بعد الرضى. هذا موجب السنة ومقتضاها وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره.
وقول من قال إن حقها يتجدد، فلها الرجوع في ذلك متى شاءت فاسد؛ فإن هذا خرج مخرج المعاوضة وقد سماه الله تعالى صلحا، فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق والأموال، ولو مكنت من طلب حقها بعد ذلك لكان فيه تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه، ولم يكن صلحا، بل كان من أقرب أسباب المعاداة، والشريعة منزهة عن ذلك، ومن علامات المنافق أنه إذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر والقضاء النبوي يرد هذا)[68].
اشتراط الزوج ترك الإنفاق عليها عند العقد:
وأما مع اشتراط الزوج ترك الإنفاق عليها عند العقد، ورضاها بذلك، فهل يصح هذا الشرط ويكون معتبرا فيعمل به، أو لا يصح ولا يعتبر ولا يعمل به؟
أكثر أهل العلم على عدم مشروعية ذلك، وأن ذلك شرط باطل، لكونه يخالف مقتضى عقد النكاح، لكنه لا يبطل العقد.
قال ابن قدامة في كلامه عن أقسام الشروط في النكاح: (... ما يبطل الشرط، ويصح العقد، مثل أن يشترط أن لا مهر لها، أو ألا ينفق عليها أَوْ إنْ أَصْدَقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا، أَوْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَلَا يَطَأَهَا، أَوْ يَعْزِلَ عَنْهَا.... فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد؛ ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، فلم يصح...، فأما العقد في نفسه فصحيح؛ لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به، فلم يبطله)[69].
وعليه، فإذا اشترط على الزوجة ذلك الشرط، فإنه يجوز لها أن ترجع وتطالب بالنفقة عليها بالمعروف، ولا تسقط نفقتها بهذا الشرط.
هذا، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، احتمالا لصحة هذا الشرط؛ فقال: "وشرط عدم النفقة فاسد ويتوجه صحته لا سيما إذا قلنا: إنه إذا أعسر الزوج ورضيت الزوجة به لم تملك المطالبة بعد "[70].
وجاء في الدرر السنية: (سئل بعضهم: إذا شرط النفقة عليها؟ فأجاب: وأما إذا تزوج المرأة بشرط أن النفقة عليها، فهو صحيح إذا تراضوا عليه)[71].
وقال الحمد: ( وأما كون الشرط فاسداً[72] فلأنه يخالف مقتضى العقد فعليه تجب لها النفقة وتجب لها القسمة الشرعية. واختار شيخ الإسلام أن هذه الشروط صحيحة معتبرة وهذا كالشروط التي تقدم أنها تصح من المرأة، فإن هذا ليس فيه مخالفة لشرع الله تعالى بل فيه أنها إن شاءت قبلت هذا الشرط وإلا فإنه لا ينكحها، وعلى ذلك هذه الشروط صحيحة والنكاح صحيح، لأنها لا تخالف الشرع، والأصل في الشروط الوفاء)[73].
وعلى هذا القول فلا حرج في هذه الشروط، مع وجوب الوفاء بها، لكن الأحوط العمل بقول الجمهور.
وكما سبق التنبيه له، فعند التنازع فإن حكم الحاكم يرفع الخلاف[74].
إذا اختلف الزوجان في تسليم النفقة وحصولها، هل تسقط أخذا بقول الزوج؟
سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن المرأة والرجل إذا تحاكما في النفقة والكسوة؛ هل القول قولها؟ أم قول الرجل؟
فأجاب: الحمد لله. إذا كانت المرأة مقيمة في بيت زوجها مدة تأكل وتشرب وتكتسي كما جرت به العادة؛ ثم تنازع الزوجان في ذلك فقالت هي: أنت ما أنفقت علي ولا كسوتني؛ بل حصل ذلك من غيرك. وقال هو: بل النفقة والكسوة كانت مني. ففيها قولان للعلماء. " أحدهما " القول قوله، وهذا هو الصحيح الذي عليه الأكثرون، ونظير هذا أن يصدقها تعلم صناعة وتتعلمها ثم يتنازعان فيمن علمها فيقول هو: أنا علمتها وتقول هي: أنا تعلمتها من غيره.
ففيها وجهان في مذهب الشافعي وأحمد. والصحيح من هذا كله أن القول قول من يشهد له العرف والعادة، وهو مذهب مالك.
وأبو حنيفة يوافق على أنها لا تستحق عليه شيئا؛ لأن النفقة تسقط بمضي الزمان عنده كنفقة الأقارب، وهو قول في مذهب أحمد. وأصحاب هذا القول يقولون: وجبت على طريقة الصلة فتسقط بمضي الزمان، والجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه يقولون: وجبت بطريق المعاوضة فلا تسقط بمضي الزمان.
ولكن إذا تنازعا في قبضها فقال بعض أصحاب الشافعي وأحمد: القول قول المرأة؛ لأن الأصل عدم المقبوض كما لو تنازعا في قبض الصداق.
والصواب أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة؛ فإذا كانت العادة أن الرجل ينفق على المرأة في بيته ويكسوها وادعت أنه لم يفعل ذلك فالقول قوله مع يمينه. وهذا القول هو الصواب الذي لا يسوغ غيره لأوجه:
أحدها: أن الصحابة والتابعين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين لم يعلم منهم امرأة قبل قولها في ذلك ولو كان قول المرأة مقبولا في ذلك لكانت الهمم متوفرة على دعوى النساء وذلك كما هو الواقع. فعلم أنه كان مستقرا بينهم أنه لا يقبل قولها.
الثاني: أنه لو كان القول قولها لم يقبل قول الرجل إلا ببينة فكان يحتاج إلى الإشهاد عليها كلما أطعمها وكساها وكان تركه ذلك تفريطا منه إذا ترك الإشهاد على الدين المؤجل ومعلوم أن هذا لم يفعله مسلم على عهد السلف.
الثالث: أن الإشهاد في هذا متعذر أو متعسر فلا يحتاج إليه كالإشهاد على الوطء ؛ فإنهما لو تنازعا في الوطء وهي ثيب لم يقبل مجرد قولها في عدم الوطء عند الجمهور؛ مع أن الأصل عدمه؛ بل إما أن يكون القول [قول] الرجل أو يؤمر بإخراج المني أو يجامعها في مكان وقريب منهما من يعلم ذلك بعد انقضاء الوطء. على ما للعلماء في ذلك من النزاع. فهنا دعواها وافقت الأصل ولم تقبل لتعذر إقامة البينة على ذلك.
والإنفاق في البيوت بهذه المثابة ولا يكلف الناس الإشهاد على إعطاء النفقة ؛ فإن هذا بدعة في الدين وحرج على المسلمين واتباع لغير سبيل المؤمنين.
الرابع: أن العلماء متنازعون: هل يجب تمليك النفقة؟ على قولين. والأظهر أنه لا يجب ولا يجب أن يفرض لها شيئا؛ بل يطعمها ويكسوها بالمعروف. وهذا القول هو الذي دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حيث قال في النساء: {لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف} " كما في المملوك {وكسوته بالمعروف}، وقال: " {حقها أن تطعمها إذ طعمت وتكسوها إذا اكتسيت} كما قال في المماليك: " {إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس} هذه عادة المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه لا يعلم قط أن رجلا فرض لزوجته نفقة؛ بل يطعمها ويكسوها.
وإذا كان كذلك كان له ولاية الإنفاق عليها كما له ولاية الإنفاق على رقيقه وبهائمه، وقد قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء}، وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله. وقرأ قوله: {وألفيا سيدها لدى الباب}، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق؛ فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته.
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " {اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم وإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله} " فقد أخبر أن المرأة عانية عند الرجل؛ والعاني الأسير وأن الرجل أخذها بأمانة الله فهو مؤتمن عليها، ولهذا أباح الله للرجل بنص القرآن أن يضربها وإنما يؤدب غيره من له عليه ولاية؛ فإذا كان الزوج مؤتمنا عليها وله عليها ولاية: كان القول قوله فيما اؤتمن عليه وولي عليه كما يقبل قول الولي في الإنفاق على اليتيم وكما يقبل قول الوكيل والشريك والمضارب والمساقي والمزارع فيما أنفقه على مال الشركة.
وإن كان في ذلك معنى المعاوضة وعند النكاح من جنس المشاركة والمعاوضة والرجل مؤتمن فيه فقبول قوله في ذلك أولى من قبول قول أحد الشريكين.
وكذلك لو أخذت المرأة نفقتها من ماله بالمعروف وادعت أنه لم يعطها نفقة، قبل قولها مع يمينها في هذه الصورة؛ لأن الشارع سلطها على ذلك؛ كما {قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف لما قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح؛ وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف}.
وكذلك لو كان الزوج مسافرا عنها مدة وهي مقيمة في بيت أبيها وادعت أنه لم يترك لها نفقة ولا أرسل إليها بنفقة، فالقول قولها مع يمينها وأمثال ذلك. فلا بد من التفصيل في الماضي مطلقا في هذا الباب.
وهذه المعاني من تدبرها تبين له سر هذه المسألة، فإن قبول قول النساء في عدم النفقة في الماضي فيه من الضرر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو يئول إلى أن المرأة تقيم مع الزوج خمسين سنة ثم تدعي نفقة خمسين سنة وكسوتها وتدعي أن زوجها مع يساره وفقرها لم يطعمها في هذه المدة شيئا، وهذا مما يتبين الناس كذبها فيه قطعا، وشريعة الإسلام منزهة عن أن يحكم فيها بالكذب والبهتان؛ والظلم والعدوان.
الوجه الخامس: أن الأصل المستقر في الشريعة أن اليمين مشروعة في جنبة أقوى المتداعيين؛ سواء ترجح ذلك بالبراءة الأصلية؛ أو اليد الحسية أو العادة العملية؛ ولهذا إذا ترجح جانب المدعي كانت اليمين مشروعة في حقه عند الجمهور كمالك والشافعي وأحمد؛ كالأيمان في القسامة، وكما لو أقام شاهدا عدلا في الأموال فإنه يحكم له بشاهد ويمين، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعى عليه إذا لم يكن مع المدعي حجة ترجح جانبه؛ ولهذا قال جمهور العلماء في الزوجين إذا تنازعا في متاع البيت فإنه يحكم لكل منهما بما جرت العادة باستعماله إياه فيحكم للمرأة بمتاع النساء وللرجل بمتاع الرجال؛ وإن كانت اليد الحسية منهما ثابتة على هذا، وهذا لأنه يعلم بالعادة أن كلا منهما يتصرف في متاع جنسه.
وهنا العادة جارية بأن الرجل ينفق على امرأته ويكسوها فإن لم يعلم لها جهة تنفق منها على نفسها أجري الأمر على العادة.
الوجه السادس: أن هذه المرأة لا بد أن تكون أكلت واكتست في الزمان الماضي، وذلك إما أن يكون من الزوج وإما أن يكون من غيره. والأصل عدم غيره، فيكون منه كما قلنا في أصح الوجهين: إن القول قوله في أنه علمها الصناعة والقراءة التي أصدقها تعليمها؛ لأن الحكم الحادث يضاف إلى السبب المعلوم؛ كما لو سقط في الماء نجاسة فرئي متغيرا بعد ذلك وشك هل تغير بالنجاسة أو غيرها؟ فأصح الوجهين أنه يضاف التغير إلى النجاسة.
ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم، أفتى عدي بن حاتم فيما إذا رمى الصيد وغاب عنه ولم يجد فيه أثرا غير سهمه أنه يأكله؛ لأن الأصل عدم سبب آخر زهقت به نفسه، بخلاف ما إذا تردى في ماء أو خالط كلبه كلابا أخرى فإن تلك لأسباب شاركت في الزهوق. وبسط هذه المسائل له موضع آخر غير هذا)[75].
وصل اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
[1] قال ابن نجيم: "النفقة جزاء الاحتباس فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه، أصله القاضي والعامل في الصدقات والمفتي والوالي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة، والمقاتلة إذا أقاموا لدفع عدو المسلمين". البحر الرائق شرح كنز الدقائق (4/ 188). وقد أخذ القانون المصري برأي الأحناف في أن سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها هو الاحتباس لحق الزوج، أي حبس الزوجة نفسها لرعاية شئون زوجها ودخولها في طاعته لتحقيق أغراض الزواج.
[2] المجموع شرح المهذب (18/ 235)، الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 228). الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/ 810)، وفيه: "إذا أسلمت المرأة نفسها وأمكنت من الاستمتاع والزوج قادر على ذلك استقرت لها النفقة من غير حاجة إلى فرض الحاكم، وقال أبو حنيفة: لا تستقر لها إلا بفرض الحاكم؛ ودليلنا أنه حق مالي يجب في مقابلة الاستمتاع، فإذا أسلمت نفسها وأمكنت من بدلها لم ينتظر فرض الحاكم كالمهر". اهـ.
[3] انظر: الفواكه الدواني (2/ 24)، المجموع (18/ 235)، المغني لابن قدامة (8/ 236).
[4] الفتاوى الهندية (1/ 317).
[5] تبيين الحقائق (2/ 156).
[6] انظر: المجموع (18/ 238)، شرح منتهى الإرادات (3/ 232)، فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 13492).
[7] تفسير القرطبي (13/ 281).
[8] فالنفقة تجب إذا استلم الزوج زوجته، لا بمجرد العقد، في قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة؛ فإذا سلمت المرأة نفسها ومكنت زوجها من الاستمتاع بها، وجبت النفقة. وكذلك لو بذلت نفسها، وكان التأخير من الزوج، فإنه تلزمه النفقة، كما لو عقد عليها، وقالت أو قال أهلها: متى ما شئت أن تأخذها فخذها، لكنه أخر الدخول لسبب من جهته، فتلزمه النفقة. قال ابن قدامة رحمه الله: وجملة الأمر: أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج، على الوجه الواجب عليها، فلها عليه جميع حاجتها من مأكول ومشروب وملبوس ومسكن" انتهى. وقال في روض الطالب مع شرحه أسنى المطالب (3/432): " لا تجب النفقة بالعقد بل بالتمكين " انتهى. وقال الحجاوي في زاد المستقنع: " ومن تسلم زوجته، أو بذلت نفسها، ومثلها يوطأ، وجبت نفقتها ". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " وقوله: " أو بذلت نفسها " يعني قالت: لا مانع لدينا من الدخول، ولكن الزوج قال: أنا لا أريدها الآن، عندي اختبارات لمدة شهر، وسآخذها بعد هذا الشهر، فمدة هذا الشهر تجب فيه النفقة على الزوج؛ لأن الامتناع من قبله " انظر: الشرح الممتع (13/487). وبناء على ذلك؛ فإذا كان اتفاقك معهم على أن الدخول سوف يكون بعد سنة، فلا تجب عليك نفقتها في هذه السنة. انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (6/ 1626).
[9]. ومنه السفر لبلاد الكفار، قال الشيخ عبد الكريم الخضير، في تعليقه على هذه المسألة: " وهذه المسألة مسألة السفر بالمرأة مسألة مشكلة يعني يعاني منها العالم الإسلامي، حيث يذهب كثير من المنتسبين للإسلام لا سيما من الشباب إلى ما يسمى بالدراسة في بلاد الكفر، ويلزم زوجته على أن تسافر معه، على أن هذا السفر مستثنى شرعاً، لا يجوز له أن يسافر هو، فضلاً على أن يسافر بأهله". التعليق على تفسير القرطبي - (22/ 2).
[10] المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 519).
[11] قال ابن قدامة: " فإن امتنعت من تسليم نفسها كما يجب عليها، أو مكنت من استمتاع دون استمتاع، أو في منزل دون منزل، أو في بلد دون بلد، ولم تكن شرطت دارها ولا بلدها، فلا نفقة لها؛ لأنه لم يوجد التمكين التام، فأشبه البائع إذا امتنع من تسليم المبيع، أو تسليمه في موضع دون موضع. وإن عرضت عليه، وبذلت له التمكين التام وهو حاضر، لزمته النفقة؛ لأنها بذلت الواجب عليها، وإن كان غائبا، لم تجب حتى يقدم هو أو وكيله، أو يمضي زمن ولو سار، لقدر على أخذها؛ لأنه لا يوجد التمكين إلا بذلك. وإن لم تسلم إليه، ولم تعرض عليه فلا نفقة عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة، فلم ينفق عليها حتى أدخلت عليه. ولأنه لم يوجد التمكين، فلا تجب النفقة، كما لو منعت نفسها ". اهـ. الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 227).
[12] قال ابن حزم: " وعلى الزوج كسوة الزوجة - مذ يعقد النكاح - ونفقتها، وما تتوطاه وتتغطاه وتفترشه، وإسكانها كذلك أيضا، صغيرة أو كبيرة، ذات أب أو يتيمة، غنية أو فقيرة، دعي إلى البناء أو لم يدع نشزت أو لم تنشز، حرة كانت أو أمة، بوئت معه بيتا أو لم تبوأ". واستدل بما روي عن حكيم بن معاوية القشيري، قال «قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت». المحلى بالآثار (9/ 113). وجاء في موسوعة الفقه المصرية (ص: 56) نقلا عن مذهب الشيعة الجعفرية: "وإن ترك الزوج جلبها، أي أخذها، تهاونا بها لزمه نفقتها وكسوتها وسكناها ومؤونتها ولو لم تطلب الجلب". وفيه أيضا: " ولو كانت ثيبا لزمت حقوقها من حين العقد". اهـ.
[13] انظر: الاختيار لتعليل المختار (4/ 5)، شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 184)، المهذب في فقة الإمام الشافعي (3/ 148)، المقنع في فقه الإمام أحمد (ص: 390). وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف (2/ 807): "إذا تزوج الكبير بصغيرة لا يوطأ مثلها فلا نفقة لها، خلافاً للشافعي في أحد قوليه؛ لأن الاستمتاع يتعذر منها لقصورها عن بلوغه، فلم تستحق العوض عليه".
[14] ذهب جماهير العلماء إلى صحة زواج الصغيرة قبل البلوغ، وقد نقل كثير من العلماء الإجماع عليه، ولا يُعرف مخالف لهذا الإجماع إلا ابن شبرمة وعثمان البتي رحمهما الله، ومن أدلة الجمهور قوله تعالى: ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) الطلاق/ 4، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى ذكر عدة المطلقة الصغيرة قبل الحيض، وهذا يعني أنها غير بالغة، ولا يمكن أن يصح طلاقها – أو فسخ نكاحها - ويُذكر له عدة، إلا مع صحة عقد النكاح. وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا خيار للزوجة إذا بلغت، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وهي ابنة سبع سنين ولم يخيِّرها عند البلوغ. ومن أجل ضمان تزويج الأب ابنته الصغيرة ممن في زواجها منه مصلحة لها: فقد ذكر بعض العلماء لصحة تزويجه إياها شروطا أهمها: ا. ألا يكون بينها وبين والدها عداوة ظاهرة. 2. ألا يكون بينها وبين الزوج عداوة. 3. ألا يزوجها بمن في زواجها منه ضرر بين عليها كهرِم ومجبوب ونحو ذلك.4. أن يزوجها بكفء غير معسر بصداقها. مجلة البحوث الإسلامية (33 / 256، 257). وينبغي التنبيه ها هنا على أمور: 1. أن هذا الجواز في إنكاح الصغيرة إنما هو للأب لا لغيره، وهو قول جمهور العلماء، وهو الصواب، خلافاً لمن أجاز للجد، وخلافاً لمن أجاز لغير الأب بشرط تخييرها عند البلوغ. قال الشافعي رحمه الله: " وليس لأحدٍ غير الآباء أن يزوج بكراً ولا ثيباً صغيرة لا بإذنها ولا بغير إذنها، ولا يزوج واحدة منهما حتى تبلغ فتأذن في نفسها، وإن زوَّجها أحد غير الآباء صغيرة: فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان ولا يقع عليها طلاق وحكمه حكم النكاح الفاسد في جميع أمره لا يقع به طلاق ولا ميراث " الأم (5 / 18). فإذا كانت البنت يتيمة ليس لها أب: فإذا بلغت تسع سنين: صح تزويجها بإذنها، ولا خيار لها إذا بلغت، ولا يصح تزويجها قبل ذلك، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو الذي رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
2. أن يكون هذا النكاح من أجل مصلحة للصغيرة لا للأب أو غيره. قال الشوكاني رحمه الله: " أمّا مع عدم المصلحة المعتبرة: فليس للنكاح انعقادٌ من الأصل، فيجوز للحاكم بل يجب عليه التفرقة بين الصغيرة ومَن تزوجها، ولها الفرار متى شاءت، سواء بلغت التكليف أم لم تبلغ، ما لم يقع منها الرضا بعد تكليفها ". وبل الغمام على شفاء الأوام (2 / 33 ).
3. لا يعني جواز نكاحها أن تسلَّم لزوجها، بل لا يفعل ذلك إلا عندما تصلح للوطء.
4. لا علاقة للبلوغ بالجماع بل حينما تكون صالحة للوطء فإنه يجوز لزوجها وطؤها. وعليه: فإذا عقد للزوجة غير أبيها كعمها أو جدها أو أخيها: فالنكاح غير صحيح، وإذا كان التزويج لأجل مصلحة الأب أو أحد غير الزوجة: فالعقد غير صحيح، ولا يحل تسليمها لزوجها قبل أن تكون صالحة للوطء، ولا يشترط أن يكون ذلك بعد بلوغها بل يمكن أن يكون قبل ذلك. (نقلا عن فتاوى الإسلام سؤال وجواب – فتوى رقم (176799)، بعنوان: الحكمة من تشريع تزويج الصغيرة دون البلوغ. (بتصرف واختصار يسير).
[15] المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 519).
[16] كمن تزوج أخته من نسب أو رضاع بلا علم منهما.
[17] بدائع الصنائع (4/ 16)، البيان (11/ 194)، المجموع (18/ 241)، الهداية على مذهب الإمام أحمد (ص: 497).
[18] مجلة البحوث الإسلامية (19/ 303).
[19] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 22).
[20] المغني لابن قدامة (8/ 236).
[21] العزيز شرح الوجيز (10/ 31).
[23] العزيز شرح الوجيز (10/ 31).
[24] التنبيه في الفقه الشافعي (ص: 208)، المغني لابن قدامة (8/ 236).
[25] انظر مقالا بعنوان: من آثار عقد النكاح: النفقة - د. فارس العزاوي، موقع الألوكة.
[26] الاختيار لتعليل المختار (4/ 5).
[27] درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 414).
[28] البيان في مذهب الإمام الشافعي (11/ 195). وقال في ابن قدامة المقدسي (حنبلي): " وإِن سافرت لحاجتها بإِذنه فلا نفقة لها، ذكره الخرقي، ويحتمل أن لها النفقة". المقنع في فقه الإمام أحمد - ت الأرناؤوط (ص: 392).
[29] المغني لابن قدامة (7/ 313). وقال في الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 228): "وإن سافرت زوجته بغير إذنه لغير واجب، أو انتقلت من منزله، فلا نفقة لها. وإن كان غائبا؛ لأنها خرجت عن قبضته وطاعته، فأشبهت الناشز. وإن سافرت بإذنه، فعلى ما ذكرناه في القسم. وإن أحرمت بحج، أو عمرة في الوقت الواجب من الميقات، لم تسقط نفقتها؛ لأنها فعلت الواجب بأصل الشرع، فأشبه ما لو صامت رمضان. وإن تطوعت بالإحرام بغير إذنه، أو أحرمت بالواجب قبل الوقت، أو قبل الميقات بغير إذنه، فلا نفقة لها؛ لأنها منعته الاستمتاع بما لا يجب عليها، فهو كسفرها بغير إذنه وإن فعلته بإذنه، فهو كسفرها لحاجتها".اهـ.
[30] الفواكه الدواني (2/ 24)، المغني لابن قدامة (8/ 231)، المهذب في فقه الإمام الشافعي (3/ 149)، وفيه: " وإن منعت نفسها باعتكاف تطوع أو نذر في الذمة سقطت نفقتها ". اهـ.
[31] المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2/ 115).
[32] شرح زاد المستقنع للحمد (25/ 51).
[33] التجريد للقدوري (10/ 5419)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (9/ 60).
[34] المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة (2/ 337)، المهمات في شرح الروضة والرافعي (8/ 80).
[35] انظر: بدائع الصنائع (4/ 20)، حاشية البجيرمي (2/ 417)، وفيه: "وإذا حبست الزوجة فلا نفقة لها ولو من الزوج وكذا عكسه إلا إن حبسته بحق فلها النفقة"، شرح زاد المستقنع للشنقيطي (336/ 7). وفيه: "ومنهم من يقول: إن كان الحبس ظلماً لم يسقط حقها؛ لأنه سبب خارج عن إرادتها؛ مثلا: والدها أخذها ومنعها من زوجها وحبسها أن ترجع إلى بيت الزوجية، فحبست ومنعت ظلماً وهي ترغب في زوجها وتريد زوجها، أو أصلح ذات بينهما فمنعها وليها أبوها أو أخوها أو قريبها، فحال بينها وبين بيت الزوجية لكنها هي تريد بيت الزوجية، قالوا: لأنها مستعدة للقيام بالحقوق ولكن حيل بينها وبين هذا لعذر، كما لو كانت حائضاً فلم يستطع زوجها أن يجامعها فهذا عذر، وكما لو مرضت ولم تستطع أن تقوم بحقوق بيت الزوجية فهذا عذر، قالوا: كذلك لو منعت ظلماً فالعذر بالظلم كالعذر القاهر، فلا يسقط حقها في هذه الحالة. وفي الحقيقية هذا القول له قوة".
[36] الاختيار لتعليل المختار (4/ 5).
[37] العزيز شرح الوجيز (10/ 31).
[38] المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2/ 115).
[39] شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 195). وقال الشيخ حمد الحمد. والقول الثاني في المسألة: وهو اختيار الشيخ السعدي، وهو الصحيح في هذه المسألة، أن نفقة الزوجة لا تسقط إلا حيث نشزت أو عصت. وأما ما سوى ذلك فإنها لا تسقط وذلك لأن الأصل هو وجوب النفقة على الزوجة ولا دليل على إسقاطها ولا نسلم أن النفقة تجب في مقابل تمكينها نفسها له بدليل أن النفقة تجب للمريضة التي لا يستطيع زوجها أن يطأها وتجب للنساء، فليس هذا في مقابل تمكينها نفسها له بل تجب النفقة بالزوجية. شرح زاد المستقنع للحمد (25/ 51).
[40] العزيز شرح الوجيز (10/ 31).
[41] انظر: نفقة الزوجة في العصر الحاضر بحث فقهي مقارن – موقع المسلم. د. خالد بن عبد الله المزيني.
[42] يرى الحنفية: أن المرأة إذا سلمت نفسها في النهار أو الليل فقط فلا نفقة لنقص التسليم كما لو تزوج من المحترفات التي تكون بالنهار في مصالحها وبالليل عند زوجها فلا نفقة لها؛ لأنها بالعمل تتعب والتعب يذهب جمالها، وجمالها حق الزوج فكان له أن يمنعها، فلو لم تمتنع لم تلزمه نفقتها خاصة وأن نقص التسليم منسوب إليها لرغبتها بالاكتساب. وعندهم أن للزوج منعها من الغزل وكل عمل ولو قابلة ومغسلة، وروي عن المالكية منعها من الغزل، وحكي أنه المذهب عندهم، وجاء عند الحنفية أيضا أن للزوج منعها من كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره أو إلى خروجها من بيته، أما العمل الذي لا ضرر له فيه فلا وجه لمنعها عنه خصوصا في حال غيبتها عن بيته، فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان، أو الاشتغال بما لا يعني مع الأجانب والجيران، غير أن الخروج لا يكون إلا بإذنه؛ لأن حقه فرض عين وخروجها للعمل فرض كفاية، والأول مقدم على الثاني.
[43] المغني لابن قدامة (8/ 231)، قال: "ويحتمل ألا تسقط نفقتها، وإن لم يكن معها؛ لأنها مسافرة بإذنه، أشبه ما لو سافرت في حاجته، وسواء كان سفرها لتجارة، أو حج تطوع، أو زيارة". اهـ ، ويرى الشافعية والحنابلة أن المرأة لو نشزت نهارا دون الليل أو عكسه، أو بعض أحدهما، سقطت نفقة جميع اليوم، لأنها لا تتجزأ بدليل أنها تسلم دفعة واحدة، ولا تفرق غدوة وعشية، حيث لم تسلم نفسها التسليم الواجب. ويرون أنه لا يحق له منع المرأة المستأجرة للإرضاع أو العمل قبل إنكاح الزوج لها غير أنه لا نفقة لها، لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه، فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة أو دارا مشغولة. ويمكن أن يقال بأن مقتضى مذهب الحنابلة ومن وافقهم تشطير النفقة، فمن خرجت في النهار أو معظمه للعمل ورجعت بالليل فتشطر نفقتها وتستحق نفقة الليل دون النهار، وذلك تخريجاً على مسألة من تزوج الأمة وهي تعمل عند سيدها بالنهار وتبيت عند زوجها بالليل، فهذه نفقتها بالنهار على سيدها، وبالليل على زوجها، فيتحمل الزوج ثمن العشاء والوطاء والغطاء ودهن المصباح ونحوها. ويرى الحنابلة: أن المرأة المزوجة إذا أجرت نفسها للرضاع بإذن زوجها جاز ولزم العقد، لأن الحق لهما، ولا يخرج عنهما، وإن أجرتها بغير إذن الزوج لم يصح لما يتضمن من عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق، وهو الزوج، فلم يصح كتأجير المستأجر لما أجر له بدون إذن مالكه. ويحق للزوج منع مزوجته من إرضاع ولدها من غيره إلا أن يضطر إليها، ولما مضى يعلم أن المرأة إذا احترفت بدون رضا زوجها سقطت نفقتها عنه خاصة وأن العلماء يرون أن المرأة إذا نشزت عن زوجها بأي نوع من أنواع النشوز لا تستحق النفقة، وعملها بدون إذنه يعد نشوزا فتسقط به النفقة.
[44] فيرى الشافعية: أنه لو نكح مستأجرة العين لم تجب نفقتها بخلاف ما لو خرجت في البلدة بإذنه لصناعة لها لم تسقط نفقتها، لوجود الإذن منه، ولعدم فوات حقه من الاستمتاع متى ما طلبها. وفرق بعض الحنفية بين الخروج بدون إذنه والخروج بغير الحق.
[45] انظر: نفقة الزوجة في العصر الحاضر بحث فقهي مقارن – موقع المسلم. د. خالد بن عبد الله المزيني.
[46] انظر: موقع بوابة أخبار اليوم – مقال بعنوان: تعرف على حالات سقوط النفقة الزوجية. وفيه: " وقد نصت الفقرة الخامسة من المادة الأولى من القانون المصري رقم 100 لسنة 1985 على أنه: " لا يعتبر سبباً لسقوط نفقة الزوجة خروجها من مسكن الزوجية دون إذن زوجها في الأحوال التي يُباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد به نص أو جرى به عرف أو قضت بها ضرورة، ولا خروجها للعمل المشروع ما لم يظهر أن استعمالها لهذا الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق، أو مناف لمصلحة الأسرة، وطلب منها الزوج الامتناع عنه ". اهـ.
[47] انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 49)، الجامع لمسائل المدونة (10/ 651)، المجموع شرح المهذب (18/ 245)، شرح منتهى الإرادات (2/ 691).
[48] انظر: موسوعة الفقه الإسلامي (4/ 155)، فقه السنة (2/ 172).
[49] انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 200)، المجموع شرح المهذب (18/ 245)، فقه السنة (2/ 173).
[50] رواه أحمد (2130)، أبو داود (2256)، وصححه الشيخ أحمد شاكر، وقال: إسناده صحيح، وصححه الأرنؤوط (3/ 569).
[51] ودم وجوب النفقة لها، هو مذهب الشافعية والحنابلة. انظر: العزيز شرح الوجيز (10/ 42)، حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات (5/ 465)، لكن عند الشافعي في السكنى قولان: تجب. ولا تجب. انظر: البناية شرح الهداية (5/ 693). وكذلك مذهب المالكية، ففي التهذيب في اختصار المدونة (2/ 438): " وكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة بطلاق أو بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان ومحوه، فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين، فذلك لها ما أقامت حاملاً، خلا الملاعنة فإنها لا نفقة لها في حملها ". اهـ. ومذهب الحنفية أن لها نفقة العدة، جاء في الأصل للشيباني ط قطر (5/ 46): وللملاعنة النفقة والسكنى ما دامت في العدة. اهـ.
[52] المغني لابن قدامة (8/ 233).
[53] انظر: الملخص الفقهي للشيخ صالح بن فوزان.
[54] مجموع الفتاوى ( 15 / 320 ). قال العلماء: إذا زنت المرأة وهي متزوجة فلا ينفسخ نكاحها ولا تطلق بمجرد وقوعها في هذه المعصية، لكن .. يؤمر زوجها إذا لم تتب وأصرت على هذه الفاحشة أن يطلقها، حفاظاً على عرضه، وأولاده.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن زنت امرأة رجل، أو زنى زوجها، لم ينفسخ النكاح، سواء كان قبل الدخول أو بعده، في قول عامة أهل العلم. وبذلك قال مجاهد وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولكن أحمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت، وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه. وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه، وتلحق به ولدا ليس منه. قال ابن المنذر: لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم، فيكون مثل قول أحمد هذا. قال أحمد: ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض ... والأولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة". وقال البهوتي: "وإن زنت امرأة قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح، أو زنى رجل قبل الدخول بزوجته أو بعده لم ينفسخ النكاح بالزنا، لأنه معصية لا تخرج عن الإسلام أشبه السرقة، لكن لا يطؤها حتى تعتد إذا كانت هي الزانية ". قال ابن مفلح: إذا زنت امرأة رجل أو زنى زوجها، قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح في قول عامتهم.
وقال الشنقيطي رحمه الله: اعلم أن من تزوج امرأة يظنها عفيفة، ثم زنت، وهي في عصمته: أن أظهر القولين: أن نكاحها لا يُفسخ، ولا يحرم عليه الدوام على نكاحها، وقد قال بهذا بعض من منع نكاح الزانية، مفرقاً بين الدوام على نكاحها، وبين ابتدائه.
واستدل من قال هذا بحديث عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: « استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في عدم سقوط المهر: ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب. " مجموع الفتاوى " (15 / 320).
[55] بدائع الصنائع (4/ 17).
[56] وفي الأصل للشيباني ط قطر (10/ 331): "وكذلك لو ذهب عقلها أو صارت معتوهة مغلوبة على عقلها أو مجنونة جُبِرَ على نفقتها. وكذلك المرأة إذا دخلت في السن وكَبِرَت حتى لا يستطيع زوجها جماعها أو أصابها بلاء لا يستطيع الزوج معه الجماع بعدما يدخل بها فإنه يجبر على نفقتها. وكل نكاح فاسد فلا نفقة فيه على الزوج ما دامت معه وبعد الفرقة من قبل أنه حرام لا يصلح. ألا ترى أني أجعل للرتقاء نفقة وهي لا تستطاع أن تجامع. وكذلك المريضة، فإن النفقة لها دخل بها أو لم يدخل بها، زفت إليه أو لم تزف، لها النفقة منذ يوم تزوج إذا كانت كبيرة قد فُرِضَ لها".
[57] شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 184).
[58] مذهب المدونة الوجوب خلافا لسحنون. الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 508).
[59] العزيز شرح الوجيز (10/ 31).
[60] المغني لابن قدامة (8/ 229).
[61] انظر: نفقة الزوجة في العصر الحاضر بحث فقهي مقارن – موقع المسلم. د. خالد بن عبد الله المزيني.
[62] التهذيب في فقه الإمام الشافعي (6/ 347)، المغني لابن قدامة (8/ 207).
[63] حاشية الصاوي (2/ 749).
[64] الاختيار لتعليل المختار (4/ 6)، المبسوط للسرخسي (5/ 184).
[65] زاد المعاد في هدي خير العباد (5/ 139). وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "إذا وهبت الزوجة نصيبها من المبيت لضرتها أو زوجها جاز ذلك؛ لأنه حق لها، وقد ثبت أن أم المؤمنين سودة رضي الله عنها وهبت ليلتها لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولكن متى رجعت الواهبة وجب على الزوج أن يقسم لها مستقبلا". اهـ.
[66] الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7363).
[67] اللباب في شرح الكتاب (3/ 97).
[68] زاد المعاد في هدي خير العباد (5/ 139).
[69] المغني لابن قدامة (7/ 94)، ووافق الحنفية الحانبلة في ذلك، وذهب المالكية والشافعية إلى بطلان العقد والشرط معا على خلاف عند المالكية فيما يترتب على ذلك، قال القاضي عليش المالكي عند كلامه عن هذا النوع من الشروط: فهذا القسم لا يجوز اشتراطه في عقد النكاح، ويفسد به النكاح إن شرط فيه، ثم اختلف في ذلك، فقيل: يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده، وقيل: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويسقط الشرط، وهذا هو المشهور. اهـ.
وقال الماوردي الشافعي في كتابه الحاوي: وأما القسم الثالث: وهو ما يختلف حكمه باختلاف مشترطه، فهو ما منع مقصود العقد في إحدى الجهتين دون الأخرى، فمثل أن يتزوجها على ألا يطأها، فإن كان الشرط من جهتها، فتزوجته على ألا يطأها، فالنكاح باطل، لأنها قد منعته ما استحقه عليها من مقصود العقد، وإن كان الشرط من جهته، فتزوجها على ألا يطأها، فالنكاح على مذهب الشافعي صحيح، لأن له الامتناع من وطئها بغير شرط، فلم يكن في الشرط منع من موجب العقد. اهـ.
[70] انظر: الفتاوى الكبرى (5/462)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/ 189)، فتاوى الشبكة الإسلامية، فتوى رقم (192759)، بعنوان: "للزوجة المطالبة بالنفقة وإن اشترط الزوج عدمها قبل العقد".
[71] الدرر السنية في الأجوبة النجدية (7/ 207).
[72] وهو: أن لا مهر لها، أو لا نفقة لها، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر.
[73] شرح زاد المستقنع للحمد (20/ 69). واختار ابن تيمية أيضا الصحة فيما إذا شرط عدم الوطء، كشرط ترك ما تستحقه. انظر: الإنصاف (8/165).
[74] وقريب من هذه المسألة ما لو كان الزوج يريد أن يرجع طليقته بشرط أن تتنازل عن حقها في النفقة أو غيرها من حقوقها عليه، المبيت والجماع وقد ورد في فتاوى الاسلام سؤال وجواب– رقم الفتوى (163057) جوابا عن نحو هذا المسألة: "للزوج أن يصالح زوجته على إسقاط حقها في المبيت أو النفقة أو غيرها من الحقوق، مقابل إمساكها وعدم تطليقها؛ لقوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء/ 128. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. رواه الترمذي (3040) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وهكذا فسَّرت عائشةُ رضي الله عنها الآيةَ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) قَالَتْ : هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا ، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِى وَلاَ تُطَلِّقْنِى، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِى، فَأَنْتَ في حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ، وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) رواه البخاري (4910) ومسلم (3021). قال ابن كثير رحمه الله: " إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يطلقها : فلها أن تسقط حقها، أو بعضه، من نفقة، أو كسوة، أو مبيت، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها؛ ولهذا قال تعالى : (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا)، ثُمَّ قَالَ: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، أي: من الفراق. انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/426). وهذه المصالحة تتم حال الزوجية، وأما إن طلقها وأراد أن يراجعها بشرط أن تسقط حقها في المبيت لو تزوج الثانية، فالجمهور من المذاهب الأربعة لا يرون صحة الرجعة المعلقة على شرط، وذهب بعض أهل العلم إلى الصحة إن كان للزوج غرض صحيح في الشرط. وينظر: تبيين الحقائق (4/132)، حاشية الدسوقي (2/420)، مغني المحتاج (5/5)، المغني (7/405)، الموسوعة الفقهية (22/108)، الشرح الممتع (13/190). وعليه فالأحوط أن تراجع زوجتك دون شرط، ثم تخيرها بين الطلاق، وبين البقاء مع إسقاط حقها في المبيت والجماع. وفي فتاوى الشبكة: يجوز للزوجة إسقاط حقها في المبيت إذا رضيت بذلك ورضي زوجها كما يجوز لها التراجع عما أسقطته، لأن حقها في المبيت يتجدد شيئاً فشيئاً ولما قد يلحقها من ضرر بسبب التنازل المذكور. وعليه، فيجوز لزوجتك التراجع عن إسقاط حقها في المبيت ولو اشترطت عليها إسقاطه، فإن لم تؤد لها حقها في المبيت فلها طلب الطلاق إن أرادت ذلك. اهـ.
[75] مجموع الفتاوى (34/ 77)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 377).