logo

الخلوة والاختلاط: حقائق وشبهات


بتاريخ : السبت ، 16 رمضان ، 1441 الموافق 09 مايو 2020
بقلم : تيار الإصلاح
الخلوة والاختلاط: حقائق وشبهات

 

تعريف الخلوة:

الخلوة هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه، في غيبة عن أعين الناس.

بم تتحقق الخلوة؟

فإذا كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر: فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة؛ لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر. وهذا في غير السفر، أما في السفر: فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم.

قال النووي: "والمشهور جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالباً؛ لأن النساء يستحين من بعضهن بعضاً في ذلك".

 وعلى ما سبق فإن ضابط الخلوة أن يكون الرجل والمرأة الأجنبيين وحدهما في مكان لا يراهما فيه أحد.

حكم الخلوة:

اتفق الفقهاء على حرمة خلو الرجل بمرأة ليست له زوجة، ولا ذات رحم محرم.

وهذه الحرمة عندهم على الإطلاق، أي سواء أمنت الفتنة أم لم تؤمن.

ولا يختلف الحكم الشرعي إذا كانت كبيرة في السن أو غير جميلة.

هل تحصل الخلوة في الأماكن العامة؟

الأصل أن الطرقات مما لا يقع فيها خلوة، هذا في حال امتلأت بالذاهب والرائح إلا أنه يمكن أن تحصل الخلوة في الأماكن المفتوحة إذا قل الناس وخلت الطرقات والزوايا وقل من فيها.

الدليل على تحريم الخلوة:

1 - قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم».

2 - قول النبي  صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان».

من صور الخلوة المعاصرة:

يقول الشيخ ابن باز: " فليس للرجل أن يخلو بالمرأة لا في مكتب ولا في سيارة ولا في غرفة بل يجب عليه أن يحذر ذلك؛ لأن الشيطان قد يدعو إلى ما لا تحمد عقباه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (..فإن الشيطان ثالثهما). ومن هذا ما قد يقع لبعض الناس يكون له سكرتيرة يجعلها في مكتبه، هذا منكر.

لا يجوز أن يكون للرجال سكرتيرة يخلو بها في مكتبه أو بيته أو غير ذلك، بل يكون له سكرتير من الرجال، والمرأة لها سكرتيرة من النساء، فالنساء للنساء والرجال للرجال. أما أن يتخذ سكرتيرة في مكتبه أو في إدارته أو محل علاجه لكونه طبيبا أو ما أشبه ذلك هذا لا يجوز، هذا منكر عظيم، ووسيلة للشر العظيم.

وهكذا الخلوة في السيارة، كونه يذهب بها هاهنا وهاهنا ما معه أحد وسيلة لشر عظيم، قد يغمزه الشيطان ويذهب بها إلى حيث يشاء، وقد يتفق معها في السيارة على ما لا تحمد عقباه، فهذا كله لا يجوز ".

وفي فتاوى دار الإفتاء المصرية:

" إن فرص الخلوة بين الجنسين كثيرة في هذه الأيام، فقد تكون في البيوت والفنادق والمكاتب ودواوين القطارات المغلقة، والسيارات الخاصة والمصاعد الكهربائية، حتى في الأماكن الخلوية البعيدة عن الأنظار.

إن مجرد الخلوة حرام حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، ... والخلوة لا تجوز إلا للضرورة، وليس من الضرورة كسب العيش بالعمل الذى يستلزمها ولو في بعض الأحيان، كما أنه ليس من الضرورة خلوة المدرس الخصوصى بالمتعلمة، فقد يكون الشيطان أقوى سلطانا على النفس من العلم، ومن مأثور السلف قول عمر بن عبد العزيز: لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن (المستطرف ج 2 ص 2) وليس من الضرورة خلوة المخدومة بخادمها، أو المخدوم بخادمته، فكم من مآسٍ ارتكبت بسبب ذلك".

بماذا تنتفي الخلوة؟

1. تنتفي الخلوة بوجود امرأة أخرى، أو رجل آخر وليسوا من أهل الريبة.

2. بكون المكان مفتوحاً ويكثر الداخل والخارج، كالمكاتب المفتوحة مع كثرة المراجعين والمحلات المزدحمة.

الخلوة في المصعد الكهربائي:

المصعد مكان ضيق لا يرى من بداخله غالباً، ويمثل مكانًا تتحقق فيه شروط الخلوة، وقصر زمن الانتقال في المصعد لا يلغي كونها مظنة فتنة يحضر الشيطان فيها، ثم إن الفتنة المخوفة ليست هي الفاحشة فقط بل حتى ما يقع في القلب من الوساوس التي لها ما بعدها، فوجود رجل وامرأة فقط في داخله ولا يراهما أحد أمر يدخل كلا الراكبين في الشبهات، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

 فإذا كان رجل وامرأة ينتظران ليصعدا في المصعد ولا أحد معهما، فالأحوط أن ينتظر الرجل حتى تصعد المرأة ويعود إليه المصعد، فإن لم يفعل فلتمتنع المرأة حتى يصعد الرجل ويعود إليها المصعد.

الخلوة في السيارة:

وهل يحكم بالخلوة في السيارات الخاصة وسيارات الأجرة؟

الجواب: إذا أُمنت الفتنة والريبة في السيارة الصغيرة وكان يرى من بداخلها وتسير في وسط المدينة  في الطرق المليئة بالسيارت والمارة فالأقرب أن هذا ليس من الخلوة. على أن تحرص على الجلوس بعيداً عن الرجل قدر المستطاع. وإن كان الأولى البعد عن مواطن الشبهات، واستخدام وسائل النقل العام كالباصات والقطارات والمترو وغير ذلك.

الخلوة في المسجد، والخلوة لغرض التعليم والعلاج:

قال النووي: " قال أصحابنا ولا فرق في تحريم الخلوة حيث حرمناها بين الخلوة في صلاة أو غيرها. ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق أو نحو ذلك فيباح له استصحابها، بل يلزمه ذلك إذا خاف عليها لو تركها، وهذا لا اختلاف فيه ويدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك".

نعم، طلب العلم، والعلاج كلاهما من الأمور المشروعة، لكن إذا صاحبهما أمر محرم حرما، لا لذاتهما وإنما للأمر المحرم المصاحب لهما.

شــبهة وجوابها:

قال بعضهم: كل خلوة تنتفي فيها التهمة لا يتحقق فيها النهي، وإنما المحرَّم منها ما تحققت فيه التهمة فقط

واستدل القائل على ذلك بحديث أنس بن مالك قال "جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها، فقال: والله إنكم لأحب الناس إلي".

والجواب:

أولا: أن هذا الكلام يعارض الأحاديث الصحيحة المحكمة في تحريم الخلوة، وهذا الحكم مما نقل عليه الإجماع، كما سلف، وكما سيأتي.

ثانيا: الحديث ليس فيه أنه خلا بها عن الناس، حتى يعارض به الأحـــاديث الأخـرى في تحـريم الخلوة، بل صرح البخاري بقوله: "عند الناس"، ومعناه واضح، وهو أن الخلوة ليست مطلقة، بل مقيدة، وأما الخلوة المطلقة فهي محرمة، لا خلاف فيها.

قال الحافظ: قوله:" باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس" أي: لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما، إذا كان بما يخافت به كالشيء الذي تستحيي المرأة من ذكره بين الناس.

إلى أن قال: وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سراً لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة، ولكن الأمر كما قالت عائشة: " وأيكم يملك إربه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه ".

وقال النووي: هذه المرأة إما محرم له صلى الله عليه وسلم، كأم سليم وأختها، وإما المراد بالخلوة أنها سألته سؤالاً خفياً بحضرة ناس، ولم تكن خلوة مطلقة، وهي الخلوة المنهي عنها.

وللإمام النووي كلام آخر عن الخلوة في مواضع من شرح صحيح مسلم، ومن ذلك: حديث عقبة بن عامر: " إياكم والدخول على النساء ..".

قال النووي: في هذا الحديث، والأحاديث بعده، تحريم الخلوة بالأجنبية، وإباحة الخلوة بمحارمها، وهذان الأمران مجمع عليهما.

وتأمل حكايته الإجماع على تحريم الخلوة بالأجنبية، وقول المخالف: كل خلوة تنتفي فيها التهمة لا يتحقق فيها النهي!

والحاصل أن خلوة النبي صلى الله عليه وسلم مع المرأة الأنصــارية وغيرها، لم تكن خلوة مطلقة، كما تقدم.

ويؤيد ذلك حديث أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه، فمـــر به رجل فدعاه، فقال: يا فلان هذه زوجتي فلانة. فقال يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من الإنسان مجــرى الدم ".

قال النووي: فيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان، وطلب السلامة، والاعتذار بالأعذار الصحيحة.

ويؤيد ذلك أيضاً حديث صفية في الاعتكاف وفيه: " على رسلكما إنها صفية".

ولو كانت الخلوة المطلقة – عند عدم تحقق التهمة – مباحة لما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم إلى التنبيه إلى أنها زوجته.

هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتقى الخلق، والزمان أفضل الزمان، فكيف بالله يبيح مثل هذا المتعالم الخلوة المطلقة في مثل هذا الزمان؟.

تعريف الاختلاط:

هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم، في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم، بالنظر أو الإشارة أو الكلام.

حكم الاختلاط:

الاختلاط كلمة مطلقة، لا يحكم بمنعه مطلقاً، ولا بالإذن به مطلقاً، حتى يتبين المراد منه، وأين ومتى وكيف يكون الاختلاط؟

فالاختلاط يطلق تارة، ويقصد به وجود النساء في مكان يوجد فيه الرجال أيضاً، ولكن بينهما مسافة من الحشمة والستر والعفة، ومسافة أخرى من البعد المكاني تكفي لسد مداخل الشيطان، وذلك بأن تكون النساء في ناحية والرجال في ناحية في قاعة واحدة أو مكان واحد، فهذا لا بأس به، لأنه قد تدعو له الحاجة، وهذا هو الذي كان يحصل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأماكن بين الصحابة رضي الله عنهم.

ويطلق تارة أخرى ويقصد به أن يحصل التداخل بين الرجال والنساء بحيث تمكن المماسة، فإن ذلك هو الاختلاط الممنوع، ما نراه في واقعنا في الوظائف وأماكن التعليم حيث يكون اختلاط الرجال بالنساء بغير ضوابط، مما هو من أشد دواعي الفتنة والفساد، فهذا محرم، لا يخفي تحريمه على من شم رائحة الفقه.

من صور الاختلاط المشروع:

- وجود الرجال والنساء في الأماكن العامة، سواء للعبادة، كالحج والصلاة، أو لشئون الحياة والمعاش المعتادة، كالطرقات والأسواق ونحو ذلك.

- الاختلاط العفوي الحاصل في المتنـزهات والمعارض التي لا يكون فيها تزاحم ولا تبرّج ولا سفور.

- خروج النساء ومشاركتهن لمحارمهن أو غير محارمهن في وجود محارمهن، في بعض الأعمال، كالزراعة ورعاية الماشية ونحو ذلك مما اعتادت عليه بعض المجتمعات البدوية في كثير من البلدان.

والمقصود أن مجرد وجود الرجال والنساء في مكان واحد والتقائهم فيه عفواً لم يكن في أصله ممنوعاً في الشريعة بإطلاق، ولا موجباً للإثم بمجرده، كيف وقد اجتمع الرجال والنساء على عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - في مسجده، وفي غيره، وكان النساء يخرجن إلى الأسواق وفيها الرجال، ويمشين في الطرقات مع سائر الناس، وهذا بمجرده ليس مدعاةْ للفتنة، ولا ذريعة للفاحشة، ما لم تشبه شائبة أخرى من تبرّج أو سفور ونحو ذلك.

لكن هناك ضوابط شرعية لمثل هذا الاختلاط أو ذاك، وسواء كان واقعا في العبادات أو في العادات، منها ما هو منصوص عليه بعينه، ومنها ما يدخل في المنصوص عليه، بالعموم المعنوي، لأنه في معناه، أو هو أولى بالدخول فيه.

من صور الاختلاط المحرم

يمكن حصر صور الاختلاط المحرم في الصور الآتية:

أولاً: الاختلاط الذي هو مظنة للتزاحم وتماسّ الأجساد، فهو ظاهر المفسدة، ومظنة راجحة للفتنة.

ثانياً: الاختلاط الذي يصاحبه تبرّج وسفور وميل ومجون، حتى وإن لم يكن فيه تزاحم وتماسّ للأجساد؛ لأن علة التحريم ليست في كونه اختلاطاً، وإنما فيما يحتف به من تبرج وسفور وفتنة وإغراء.

ثالثاً: الاختلاط المنتظم المتكرر لأشخاص بأعيانهم؛ كالاختلاط الحاصل بين الطلاب والطالبات، وبين الموظفين والموظفات، فهذا الاختلاط ترتفع فيه الحواجز بين الجنسين شيئاً فشيئاً، وتنشأ العلاقة بينهما مبتدئة بزمالة عفوية نزيهة ـ على حد زعمهم ـ فصداقة، فحب وغرام وهيام، فمثل هذا الاختلاط ظاهر المفسدة، مظنّةٌ للفتنة، ذريعة من ذرائع الفاحشة والسوء.

من أدلة تحريم الاختلاط:

جاء ما يفيد تحريم الاختلاط والمنع منه في أكثر من حديث، من ذلك:

(1) حديث أبي أسيد رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق- يقول للنساء: "استأخرن، فليس لكُنّ أن تحققن الطريق - أي تذهبن في وسط الطريق -، عليكن بحافات الطريق، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به".

(2) حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لو تركنا هذا الباب - أي: باب من أبواب مسجده – للنساء"، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.

(3) ومما يدل على التحريم أيضا مباعدته صلى الله عليه وسلم بين صفوف الرجال والنساء في مسجده، مع قوله: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها - أي أقلها أجراً؛ إذ ليس في الاصطفاف للصلاة شر - وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها».

ولا نفهم معنىً لهذه الأحاديث الثلاثة إلاّ درْء الفتنة الناشئة من التزاحم وتماسّ الأجساد.

(4) حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد، فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن.

قال ابن حجر: «قوله (ثم أتى النساء) يشعر بأن النساء كنّ على حدة من الرجال غير مختلطات بهم».

(5) ثبت أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته، يمكث قليلا في مقامه، حتى ينصرف النساء قبل الرجال.

ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: " إن النساء كنّ إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال ".

وفي رواية " قال: نرى – والله أعلم – أن ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال "  .

وفي معنى هذا الحديث أيضاً، ما ورد عن عائشة رضي الله عنها " كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس " .

وبوّب له البخاري بقــــــوله: " باب سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلة مقامهن في المسجد".

قال الحافظ ابن حجر: " قيّد بالصبح، لأن طول التأخير فيه يفضي إلى الإسفار، فناسب الإسراع بخلاف العشاء، فإنه يفضي إلى زيادة الظلمة، فلا يضر المكث ".

 ويمكن الاستدلال لتحريم الاختلاط أيضا بما يأتي:

(6) قاعدة سد الذرائع، والقاعدة في هذا أن كل ما كانت مفسدته راجحة على مصلحته، أو ما كان ظاهر المفسدة مفضياً في الغالب إلى الفتنة والشر فهو محرم في الشريعة.

نعم ليست المفسدة في هذا الاختلاط مطردة متحققة في جميع صوره؛ ولكن كون المفسدة لا تتحقق في بعض الصور لا ينقض حكم التحريم ولا يبطل القول بالمنع؛ لأن العبرة بغالب الحال، والحكم الشرعي أغلبي، أي أنه قد أُنيط بالأعم الأغلب، والواقع يشهد أن الواقعين في فتنة هذا النوع من الاختلاط كثيرٌ، واسألوا المبتلين بالعمل المختلط لينبِّئوكم بمفاسده، ولا ينبئك مثلُ خبير.

(7) القياس الأولوي، وهو الاستدلال بالأدنى على ما هو أعـلى في العلة نفسها، فمن غير اللائق بالشـرع أن تُنهى المرأة عن أن تضربَ برجلها ليُعلم ما تخفي من زينتها، ثم يجيز هذا الضرب من الاختلاط الذي فيه من المفسدة والفتنة ما هو أعظم من ضرب المرأة برجلها.

ثم هل يصح في العقول أن يحرِّم الشرع الخلوة ولو لزمن يسير، ثم يبيح الاختلاط المنتظم، الذي هو ذريعة للخلوة المحرمة ومظنة لنشوء العلاقات الآثمة؟!!

(7) اتباع هدي السلف الصالح والأئمة المرضيين (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده):

وهذا المنع من الاختلاط، والتحذير منه، هو ما فهمه علماء المسلمين، واستنبطه فقهاؤهم، ودرج عليه الأئمة، من الصحابة وغيرهم على مدى العصور والأزمنة المتتابعة، وهو ما صار إليه حال نساء السلف الصالحات الطاهرات، فإنهن حتى في خروجهن لأماكن العبادة كالمساجد قد تقيدن بقيود، متى ما فقدت، أو ظن فقدها فإنهن يمتنعن من حضور المساجد، وشهود الأعياد، أو يمنعهن أولياؤهن.

 فإذا كان هذا فقه السلف في شهود النساء العيد، وهو لا يحصل إلا مرتين في العام، ووقته قصير، صلاة وخطبة قد لا تتعدى النصف ساعة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإخراج النساء إلى العيد، حتى الحيّض، مع أنهن لا يصلين، لكن علل ذلك بقوله " يشهدن الخير ودعوة المسلمين ".

فماذا يقال في خروجهن في هذا الزمان، لا لعبادة، ولا لوقت يسير، بل لتقضي الساعات في حضرة الرجال، وأي رجال هم رجال هذا الزمان؟

فكيف إذا كان النساء والرجال كلهم في سن الشباب، كما هو الحال في طلاب وطالبات المعاهد والجامعات، وأكثرهم عزاب ؟.

المجادلون في تحريم الاختلاط على النحو المذكور، والرد عليهم:

يجادل البعض في حكم الشريعة بالمنع من اختلاط الرجال بالنساء على النحو المذكور، ولهم في ذلك شبهات، قبل أن نذكرها، ننوه إلى أنه قد حذر العلماء من هؤلاء الذين يحاولون تبرير الباطل بأدلة من القرآن والسنة، وبينوا أن هؤلاء، مع إحسان الظن بهم، لم يحسنوا فهم الأدلة الشرعية، ولا الاستدلال بها. ومع ذلك فإن منهم مغرضون سيئو القصد، خبيثو الهدف.

شبهات المخالفين (المجادلين):

وذكروا في مجادلتهم هذه عدة شبهات، ترتب على إثارتها التشكيك بين الناس، خاصة العوام، منها:

 

الشبهة الأولى: أنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - تحريمُ الاختلاط؛ فليبق المحرم إذاً محصوراً في الخلوة.

والجواب من عدة أوجه:

الأول: أنه ليس كلُ ما لم يُنص على تحريمه صراحةً في الكتاب والسنة يكون مباحاً بإطلاق؛ لأن أدلة الأحكام لا تنحصر في الكتاب والسنة، فمن الأدلة التي تُستنبط بها الأحكام الشرعية القياس وسدُّ الذرائع، ولا يصح أن نقول إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان إلاّ إذا أخذنا بحجية القياس؛ لأن الوحي قد انقطع والحوادث والأقضية تستجدّ.

ولو عرضتَ كتابَ الله آية آية، لما وجدت فيه نصاً صريحاً يحرم على الولد ضرب والديه، لكنك واجد فيه نهياً صريحاً للولد أن يقولَ لهما أفٍ أو ينهرَهما، ومع ذلك فكل عاقل يفهم أساليب الخطاب وإيماءاتِه يدرك من النهي عن مجرّد التأفف للوالدين النهيَ عن كل ما هو أعظم منه من باب أولى.

وكم نص الشرع على حكم الأدنى ليدل على الأعلى من باب أولى، ولذا نقول: إن من غير المظنون بالشرع الحكيم أن ينهى عن خروج المرأة متعطرة ليجد الرجال من ريحها، ثم يأذن لها أن تخالطهم في العمل لتجر وراءها آثار الفتنة!

وإن من اتهام الشرع في حكمته وعقلانيته أن نـزعم أنه يُبيح صور الاختلاطِ كلَّها، حتى الاختلاط في العمل بحجة أنه لم ينصّ على تحريم ذلك، وهو الذي نهى المرأة عن مجرد ضربها برجليها، ليُعلم ما تخفي من زينتها!

كما أن سد الذرائع أصل أخذ به جمهور العلماء في كل ما غلبت فيه المفسدة على المصلحة، وإنما اختلفوا في بعض فروع ذلك؛ لاختلافهم في تقدير المفسدة والمصلحة، وهل ينازع عاقل في أن الاختلاط المنتظم المتكرر بين الموظفين والموظفات يفضي إلى كثير من المفاسد؟!

إن قاعدة سدّ الذرائع معمول بها حتى في القوانين والنظم، ولك أن تستقرئ كثيراً من صورها، لتجد شواهد ذلك جلية كل الجلاء.

ولو كان الشأنُ ألاّ نحرِّم إلاّ ما حُرّم بنص صريح، وألاّ نوجب إلاّ ما وجب بنصٍّ صريح يفهمه كل أحد لما كان لنا من حاجة أن نسأل العلماء عن أحكام ديننا، فلما أن أمرنا الله بسؤالهم دلّ ذلك على أن من الأحكام الشرعية ما لا يستنبطه إلاّ العلماء العارفون بدلالات الألفاظ وفحوى الخطاب وطرق القياس.

الثاني: حين الرجوع للسنة ولأقوال أهل العلم وما كتبوه، تجدهم يَذْكُرون أحكام الاختلاط تارة بالمعنى، والعبرة بالمعاني والحقائق لا بالألفاظ، وتارة يصرِّحون بلفظ الاختلاط، ويَطُول المقام بذِكْر النُّقول، لكن أذكر أمثلة ليتبيَّن أن النهي عن الاختلاط تلقَّتْه الأُمَّة خلفًا عن سلف. فمن ذلك:

(1) حديث أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: (اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ) فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.

فقد عَبَّر أبو أسيد رضي الله عنه، باختلاط الرجال مع النساء في الطريق، وهو دليلٌ على أنّه استعمالٌ معروفٌ من زمان الصحابة رضي الله عنهم. ويدل ـ أيضاً ـ على أن اختلاط الرجال بالنساء لما وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولم يُقَّره، وشرع من الأحكام ما يمنع هذا الاختلاط، حتى في الطريق.

(2) قول ابن جريج للتابعي عطاء بن أبي رباح: "كيف يخالطن الرِّجال؟ قال: لم يَكُنَّ يُخالطن".

(3) قول الماوَرْدِيُّ - أحد أئمَّة الشافعية: "وإن كان معه رجال ونساء - الإمام في الصلاة - ثبت قليلاً؛ لِيَنصرف النساء، فإن انصرفن وَثَب؛ لئلاَّ يختلط الرجال بالنساء".

(4) قول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "الرِّجال إذا اختلطوا بالنساء كان بِمَنْزِلة اختلاط النار والحطب".

(5) قول ابن القَيِّم: "ولا ريب أن تمكين النِّساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصْل كلِّ بليَّة وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نُزول العقوبات العامَّة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامَّة والخاصَّة، واختلاط الرِّجال بالنساء سببٌ لِكَثْرة الفواحش والزِّنا، وهو من أسباب الموت العامِّ، والطَّواعين المُتَّصلة".

إذاً فليس منع اختلاط الرجال بالنساء من فعل المتشددين من الفقهاء المتأخرين، وإنما هو تشريع رباني، بَيَّنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44.

وإذا مُنِعَ الاختلاط في الطريق مع كونه عابرًا عارضًا فمنعه في المجالس، وأماكن العمل والتعليم ووسائل المواصلات أولى.

يقول ابن حجر رحمه الله معلّقًا على حديث أم سلمة في انصراف النساء قبل الرجال من المسجد: "وَفِيهِ اِجْتِنَاب مَوَاضِع التُّهَم، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت".

الثالث: يرى البعض أنه لا يوجد في النصوص نهي صريح عن اختلاط الرجال بالنساء، ويرجع ذلك إلى أن الاختلاط يختلف حكمه بحسب الحال، وإلى أن فساد الاختلاط بين الرجال والنساء لم ينتشر في القرن الأول، إلا في نطاق ضيق، لكنه أخذ في الازدياد شيئاً فشيئاً في القرون التالية، ومن ثم نبه العلماء عليه وحذروا منه، وشددوا في سد الذرائع المفضية إلى الفتنة.

وليس العبرة بوجود المصطلح في النصوص الشرعية، فهناك مصطلحات فقهية كثيرة حادثة، لم يكن لها اسم في القرون الأولى، ولم يمنع ذلك من إطلاقها وإدراجها في الأحكام التكليفية الخمسة؛ فالعبرة بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني.

وقد تكاثرت عبارات الفقهاء في التحذير من الاختلاط والتنبيه على خطره، بل ونصوا على تحريم اختلاط الرجال بالنساء، وأن ذلك من المنكرات، وفهموا هذا الحكم من مجموعة أدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ومقاصد الشريعة وقواعدها.

ولكون هذه الشريعة الإسلامية، صالحة لكل زمان ومكان، وصالحة لكل إنسان، فإنها لم تحدد كثيراً من الأمور المعتادة، رفعاً للحرج والمشقة عن الأمة، لكنها نصت على القواعد العامة في مثل تلك العادات، حتى يتبصر بها من أراد إصابة الحق وموافقة مقاصد الشرع.

الشبهة الثانية: منع الاختلاط في العمل ليس له معنى إلاّ تضييق مجالات العمل للمرأة وحرمانها من أبواب رزق كثيرة، والمطالبة بعزل الرجال عن النساء مطالبات مكلِفة، فيها تضييع للمال وتبديد للثروات!! ذلك أن اشتغالها يزيد في الثروة القومية للبلاد، وأن البلاد تخسر كثيرا بقصر عمل المرأة على أعمال البيت، عدا ما فيه من تعويد على الكسل وقتل وقتها بما لا يفيد.

الجواب:

ما جاء هذا الحكم الجائر والنظر القاصر إلاّ من النظرة الماديةِ، التي لا تراعي في حسابات الربح والخسارة مكتسباتِ القيم والفضائلِ.

فليس معدوداً من المكتسبات التي تستحق أن يُصرفَ فيها المال عند هؤلاء أن تحافظ على أخلاق الموظفين والموظفات وعلى أعراضهن، وأن تسدَّ عليهم ذرائع الفتنة والفاحشة.

يقول د/ مصطفي السباعي، في كلامه حول مزاحمة المرأة للرجل في ميادين عمله:

ودحض هذه الحجة "الاقتصادية" سهل إذا تذكرنا الحقائق التالية:

1 - إن اشتغال المرأة يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً، باعتبار أن اشتغالها فيه مزاحمة للرجل في ميدان نشاطه الطبيعي، مما يؤدي الى نشر البطالة في صفوف الرجال، كما وقع في بلادنا منذ أخذت المرأة طريقها الى وظائف الدولة فقد أصبح عدد كبير من حملة الشهادات الثانوية والعليا عاطلين عن العمل، يملؤون المقاهي، ويقرعون أبواب الحكومة طلباً للوظائف، بينما تحتل أمكنتهم فتيات لا يحملن غالباً مثل مؤهلاتهم وكفاءاتهم.

ومثل ذلك يقع الآن في أمريكا فقد أدت مزاحمة المرأة للرجل إلى بطالة متفشية في الرجال تزداد يوماً بعد يوم.

2 - إذا ثبت أن اشتغال المرأة يؤدي الى بطالة الرجل، كان من المحتمل أن يكون هذا الرجل الذي زاحمته زوجها أو أباها أو أخاها، فأي ربح اقتصادي للأسرة، إذا كان اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة عميدها والمكلف بالإنفاق عليها؟

3 - إن مصالح الشعوب لا تقاس دائماً بالمقياس المادي البحت، فلو فرضنا أن اشتغال المرأة يزيد في الثروة القومية، إلا أنه من المؤكد أن الأمة تخسر بذلك خسارة معنوية واجتماعية لا تقدر، تلك هي خسارتها بانسجام الأسرة وتماسكها، فقد ذكرنا فيما مضى - وسترى ذلك في الملاحق - أن الغرب خسر كثيراً باشتغال المرأة، حيث انهار صرح الأسرة، وفسدت أخلاق الأولاد، فأي الخسارتين أبلغ ضرراً في الأمة؟ الخسارة المادية! أم الخسارة الاجتماعية!

إن الذين يلحون على ضرورة اشتغال المرأة خارج بيتها لتكسب البلاد نتيجة عمل المرأة، لا يبالون بما تخسره البلاد من تفكك الأسرة، وفقدان الرقابة والرعاية على تربية أبنائها وبناتها، ومثل هؤلاء يتبنون فلسفة مادية بحتة - وهذا ما تفعله الشيوعية تماماً - ولكن المجتمع لا تتم سعادته إذا نظر الى القيم الأخلاقية والروحية والعائلية نظرة ثانوية أو نظرة ازدراء، ومجتمعنا مجتمع متدين تسيّر سلوكه المبادئ الأخلاقية التي جاءت بها أديانه، فلا يمكن أبداً أن ينظر إلى الأسرة بالمنظار الذي تنظر به الشيوعية والحضارة الغربية المادية اليها، وإلا كان ذلك خراباً للمجتمع في نظر أديانه ومبادئه ومثله الخلقية، ورسالته الانسانية.

إن النظر الى كل فرد في المجتمع كآلة منتجة لا تهتم الدولة إلا بزيادة إنتاجها، هو رجوع بالإنسان الى الوراء .... إلى عهود الرق والعبودية والسخرة ... وهذا ما لا ترضاه الانسانية الكريمة في انسان مجتمعنا المتدين الراقي بعواطفه وأخلاقه ومثله العليا ...

4 - على أن هذه النظرة المادية لا تنطبق على واقع حياتنا وحياة المجتمعات الأخرى حتى في الشيوعية نفسها، فهنالك - في كل مجتمع - فئات معطلة عن الانتاج المادي، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم بأن يتفرغ الجيش لحماية البلاد، دون أن تلزمه بالعمل والكسب، فهل يقال أن هذا تعطيل للثروة البشرية يؤدي الى انخفاض الثروة القومية في البلاد؟ أم إن هؤلاء المنادين باشتغال المرأة خارج بيتها يوافقون على حرمان الأمة من جهود أفراد الجيش الاقتصادية في سبيل مصلحة أعلى وأثمن من المنفعة الاقتصادية؟ وإذا كان كذلك فهل يكون التفرغ لشؤون الأسرة أقل فائدة للأمة من تفرغ الجيش لحماية البلاد؟ أم يريدون أن ترهق المرأة بالعملين معاً؟

إن حياة الناس - أي ناس كانوا - ليست كلها تحسب بحساب الربح والخسارة المادية، فالكرم والشهامة والتضحية والوفاء، وبذل العون للآخرين كل ذلك خسران مادي، ولكنه ربح عظيم لا يتخلى عنه الناس الشرفاء الذين يعتزون بكرامتهم الانسانية.

وليست صيانة الأسرة، ورعاية الطفولة، وتربية الأولاد بأقل شأناً في نظر الانسان الراقي المعتز بإنسانيته من تلك القيم الاخلاقية التي لا تقاس بالمقياس المادي البحت.

وأخيراً فإن خوض الأمة معارك الدفاع عن حياتها أو انتزاع استقلالها من أيدي المغتصبين، ترحب به كل أمة، بل لا تستطيع أي أمة كانت أن تفعل غيره، فكم تحلق بالأمة من خسائر مادية وبشرية في سبيل الدفاع المشروع؟

وهل يجرؤ أحد على أن يدعو الأمة الى تسريح جيشها، وعدم شراء الأسلحة والذخائر أو صنعهما، وعدم مقاومة المغيرين المعتدين بحجة أن في ذلك كله خسارة مادية، وإضراراً بالإنتاج القومي والثروة العامة في البلاد؟.

الشبهة الثالثة: لا داعي لظن السوء بالناس، والعبرة باحترام كل امرئ لنفسه، وحفظه لعرضه وشرفه، ولا يلزم من الاختلاط سوء المقصد، كما أنه لا تعارض بين الحجاب والاختلاط، فلتختلط النساء مع المحافظة على الحجاب!

والجواب:

إن هذا الصنف ممن يناقش قضيةَ الاختلاط يناقشها بمثالية مفرطة؛ فينظر إلى واقع الشبان والشابات نظرةً مثالية، فهم في نظره بمنأى عن مزالق الفاحشة، ويرى أن نضجَ عقولهم وحصانة أخلاقهم يمنعانهم -مهما اختلطوا- أن يقعوا في شيء من طرائقها.

والعجيب أن هؤلاء يدعون الواقعيةَ في التعامل مع الواقع، ويطالبون غيرهم بأن يعالج الأمور بنظرة واقعية تراعي طبيعة البشر وطباعَهم، ويتناسَوْن أن من طبيعة البشر ميل كل جنس إلى الآخر.

ويتناسَوْن أن النظرة الواقعية في طبيعة العلاقة بين الجنسين تفرض التحرّزَ والتحوّطَ، لا التساهلَ والمبالغة في إحسان الظن، والتعويلَ على الحصانة الإيمانية والثقافية.

والنظرة الواقعية تقول: قَلَّ من الشباب من يتقي ويصبر إذا أحاطت به المغريات من كل جانب.

والنظرة الواقعية تقول: إذا اختلط الشبان والشابات ثارت بينهم عقابيل الفتنة، ونشأت فيهم العلاقات المحرمة والصداقات الحميمية التي تجعل الصديق كالزوج في أخص خصائصه.

والنظرة الواقعية تملي عليه أن ينظر في تجارب الآخرين، فما زالت أكثر الدول تطوراً وأحكمها نظاماً وأصرمها قانوناً تعاني من مشكلات التحرش الجنسي، وهي تزداد في كل سنة بنسبة مضاعفة.

ليس من الواقعية في شيء أن تفرض الاختلاط أمراً واقعاً في شتى مجالات العمل، ثم تجابه من ينكر الاختلاط فيها بقولك: يا أخي كن واقعياً!

فأين هذا من الجانب الآخر من الواقعية، وهي الواقعية في مراعاة طبيعة العلاقة بين الجنسين، وبخاصة في مرحلة الشباب، التي تكون فيها الغريزة الجنسية في أوج اتقادها.

الشبهة الرابعة: قياس اختلاط الرجال والنساء في التعليم على الطواف بالبيت الحرام

فمن الشُّبَه التي يوردها البعض على جواز الاختلاط الدائم بين الرِّجال والنِّساء: ما يحصل في بيت الله الحرام من طواف الرِّجال مع النساء.

والجواب:

أولا: هذا القياس – كما قيل - أفسد قياس على وجه الأرض، وكيف يسمى الاختلاط الواقع في الجامعات بين الشباب المتحلل والشابات المتبرجات على نساء قصدن البيت الحرام للحج أو العمرة ونادرا ما ترى فيهن متبرجات.

إن من مفاسد هذا العصر أن بعض الناس اليوم يسمون ساحة الجامعة بالحرم حرم الجامعة لابد عندكم علم بهذا، وهذا من الاعتداء على الأحكام الشرعية لأنهم يشبهون حرم الجامعة بحرم المساجد الثلاثة المحترمة التي لها فضيلة خاصة. المهم من هنا بدأ الشر من هذه التسمية ومن هنا جاء ذلك القياس الباطل اختلاط في حرم الجامعة مثل الاختلاط في المسجد الحرام.

إذن هم يقيسون ما ليس بجائز على ما ليس بجائز ... نحن نقول هذا العلم ليس من الفروض العينية وإنما هو من الفروض الكفائية إذا قام به البعض سقط عن الباقين فلو لم تنتمي امرأة بل وشاب إلى الجامعة لطلب العلم فهو ليس بعاص لأنه لم يدع طلب علم هو فرض عين عليه، فكيف إذن طلب هذا العلم الذي هو من فروض الكفاية ويقع فيه ما هو محرم من الاختلاط..

ثانيا: على التنَزُّل بجواز اختلاط الرِّجال بالنساء في الطواف، فيُقال: فرْقٌ بين اختلاط مؤقَّت، ربما لا يتكرَّر مع بعض النِّساء إلاَّ مرَّة أو مرَّتين في العمر، واختلاطٍ دائم تَبْقى المرأة مع الرِّجال الساعات الطوال في العمل والكلية.

 ثالثا: هذا الواقع الذي يحتجُّ به ليس بحجَّة؛ لأنَّ هذا الواقع من الخطأ الذي لم يكن معهودًا في عهد النبي، ولا في عهد الخلفاء الراشدين.

فقد كانت النساء تَطُوف من خلف الرِّجال، ولم تكن تخالط الرِّجال في طوافها على قِلَّة نسبيَّة في الطائفين، فعلم من هذا أنه ليس من الجائز اختلاط النساء بالرجال في الحج أو في العمرة أو في أي مكان من الأمكنة حتى لو كانت من بيوت الله عز وجل وهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق.

الشبهة الخامسة: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، في الضيافة، وخدمة زوجة الأنصاري للضيف في حضرة زوجها، ونزول القرآن في ذلك، ما يعني مشروعية الاختلاط

وذلك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضم أو يضيف هذا»، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضحك الله الليلة، أو عجب، من فعالكما» فأنزل الله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9].

والجواب:

 كان هذا قبل نزول الحجاب، وبيان ذلك: أن هذه القصة كانت سببا في نزول قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) كما في الحديث، وهي آية من سورة الحشر، وسورة الحشر نزلت في إثر جلاء بني النضير، فروى البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الحَشْرِ، قَالَ: " نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ ".

وقال يزيد بن رومان: " نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عزّ وجل به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وما عمل به فيهم ". وكان إجلاء بني النضير سنة أربع.

وسورة الأحزاب – والتي فيها أمر النساء بالحجاب – نزلت بعد غزوة الأحزاب، وقد كانت سنة خمس.

فهذه القصة كانت قبل نزول الأمر بالحجاب. وبذلك تنتفي الشبهة.

الشبهة السادسة: ثبت بالسنة مشروعية دخول الرجال الأجانب على النساء، وذلك كما في حديث: (لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ)..

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد برأها من ذلك». ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: «لا يدخلن رجل، بعد يومي هذا، على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان».

الجواب:

أن هذا الحديث إنما أفاد دخول بعض أهل الخير والصلاح من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على أسماء بنت عميس رضي الله عنها - وهي من السابقين الأولين - مدة يسيرة؛ للاطمئنان على أبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم.

وليس في الحديث ما يدل على جلوس أسماء بنت عميس رضي الله عنها مع هؤلاء الرجال، فهم قدموا لغاية الجلوس مع أبناء جعفر، وليس للجلوس مع أسماء، ثم لو فرضنا جلوس أسماء معهم فلا شك أنها كانت بالحجاب الكامل.

فأين هذا مما يحصل اليوم من اختلاط الرجال بالنساء المتبرجات، والتحدث إليهن، ومضاحكتهن، ومسامرتهن، ومصافحتهن، إلى غير ذلك مما يحصل بين الناس بسبب الاختلاط، دون وازع من خلق أو دين ؟!.

وكذلك: حديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم على أم حرام رضي الله عنها، وزيارته صلى الله عليه وسلم – وكذلك أبي بكر وعمر - لأم هانئ..

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه - وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت - فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك ... الحديث.

الجواب:

أن أم حرام كانت من محارم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على ذلك. وقال عند شرحه لحديث في صحيح مسلم لفظه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا أم سليم، فإنه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك. فقال: إني أرحمها. قتل أخوها معي)؛ قال: قد قدمنا في كتاب الجهاد عند ذكر أم حرام أخت أم سليم أنهما كانتا خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين، إما من الرضاع وإما من النسب فتحل له الخلوة بهما.

ومن خالف اتفاق العلماء، لينشر باطلا أو بدعة، أو يحل ما حرم الله؛ فهو مستحق للوعيد المذكور في قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) .

وأما زيارته صلى الله عليه وسلم لأم هانئ، وكذلك ما ثبت من زيارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لها بعد مماته صلى الله عليه وسلم، فقد استخلص منه العلماء جواز زيارة جماعة من الرجال للمرأة الصالحة وسماع كلامها. أفاد ذلك النووي في شرحه على مسلم أيضا.

فقال في عدّ فوائد حديث فاطمة بنت قيس الآتي ذكره: السادسة: استحباب زيارة النساء الصالحات للرجال بحيث لا تقع خلوة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في أم شريك: (تلك امرأة يغشاها أصحابي).

فعلى هذا فلا حرج في زيارة الرجل للمرأة إذا كان يصحبه رجل آخر أو أكثر، ولا شك أن هذا مقيد بأمن الفتنة وانتفاء الشبهة. وهو حينئذ من الاختلاط المشروع، الذي أسلفنا بيانه.

وأما حديث اعتداد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم، ودخول الصحابة على أم شريك

وفيه: أن أبا عمرو بن حفص طلق فاطمة البتة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: «ليس لك عليه نفقة»، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني»".

وقد قالوا: هو دليل على جواز الاختلاط، وذلك من وجهين:

1- أن الصحابة يغشون بيت أم شريك، والقول بأنها كبيرة في السن ليس بحجة فحديث المنع في الدخول على النساء عام، وهذا الحديث إما أن نقول بأنه ناسخ له وهو يحتاج لمعرفة زمن كلا الحديثين والأقوى منه بأنه صارف للتحريم المذكور بالنهي على الدخول على النساء للكراهة وبيان أن الدخول عليهم للجواز.

2- أن فاطمة اعتدت في بيت ابن أم مكتوم، وهذا فيه جواز الاختلاط إن لم نقل بالخلوة.

فالجواب:

بالرجوع إلى كلام أهل العلم في شرح هذا الحديث تتجلى الحقيقة ويتضح الحكم الشرعي إن شاء الله، فأما عن اعتداد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم فإنما كان للضرورة، لأن زوجها طلقها ثلاثاً وتخشى أن يقتحم عليها، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: قلت: يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثاً، وأخاف أن يقتحم علي، قال: فأمرها فتحولت.

فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن على فاطمة من الاعتداد عند أم شريك حرجاً من حيث إنه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها ونظرها إليهم وانكشاف شيء منها، وفي التحفظ من هذا مع كثرة دخولهم وترددهم مشقة ظاهرة، فأمرها بالاعتداد عند ابن أم مكتوم لأنه لا يبصرها ولا يتردد إلى بيته من يتردد إلى بيت أم شريك... كذا قال النووي في شرح مسلم.

وقال أيضاً: وأما حديث فاطمة بنت قيس مع ابن أم مكتوم فليس فيه إذن لها في النظر إليه، بل فيه أنها تأمن عنده من نظر غيرها، وهي مأمورة بغض بصرها فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة؛ بخلاف مكثها في بيت أم شريك. انتهى.

وبهذا يعلم أن اعتدادها في بيت ابن أم مكتوم هو من باب ارتكاب أخف الضررين، وأن هذه قضية معينة تحكمها الحاجة فلا يقاس عليها غيرها بدون مراعاة لاختلاف الأحوال والظروف.

وأما دخول الصحابة على أم شريك رضي الله عنها فقد قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: معنى هذا الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزورون أم شريك ويكثرون التردد إليها لصلاحها. انتهى.

وقال أيضاً في عدّ فوائد الحديث: السادسة: استحباب زيارة النساء الصالحات للرجال بحيث لا تقع خلوة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في أم شريك: (تلك امرأة يغشاها أصحابي).

وليس في ذلك أي إشكال إذ أن القاعدة عند العلماء أن ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وهنا لا شك من وجود مصلحة في هذه الزيارة وهي من أناس فضلاء ثقات مشهود لهم بالخيرية والورع والإيمان لامرأة هي كذلك، ومع وجود المصلحة المعتبرة ومع أمن الخلوة والفتنة ينتفي القول بحرمة الاختلاط...

وأين ذلك مما يريد دعاة الإباحية والاختلاط المعاصر تقريره والاحتجاج له؟ وهل يقيس عاقل هذه الحالة على من شأنهن التبرج والسفور وارتكاب الفواحش واستدراج النساء للمنكر وعدم الغيرة على محارم الله وعدم حفظ حدوده؟!.

وكذلك استدلالهم بحديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي". وأن فيه جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها.

وجوابه:

قال د/ عبد العزيز الطريفي:

"وهذا من الجهل العريض والظن الفاحش، والهوى المُتبع، وعدم معرفة بحال الحُجرات النبوية، ولا بلسان العرب، فالحجرات غرف لها باحات صغيرة مكشوفة للضيفان والداخل إلى الباحة موصوف بالدخول، قال ابن حجر في الفتح: (9/286) في معنى الدخول: (لا يلزم من الدخول رفع الحجاب فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب)".

وكذلك استدلوا بحديث سهل بن سعد: " كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة، فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر، وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها، فتقدمه إلينا ...".

وجوابه:

أنه بوب لهذا الحديث البخاري بقوله: " باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال". وذكر الحافظ في الشرح الاختلاف في جوازه، وقــال: " والــمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة ". إلى أن قال: " قال ابن بطال عن المهلب: سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة، وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سداً للذريعة، ومنع منه ربيعة مطلقًا".

والقصة المذكورة صرح فيها سهل بن سعد أن المرأة كانت عجوزًا.

واستدلوا أيضاً بحديث عائشة قالت: " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وعــــــك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجــدك؟ ويا بلال، كيف تجدك؟ ..." الحديث.

وجوابه:

أولاً: قد نص أهل العلم على أن هذه الحادثة كانت قبل الحجاب. وذلك بين؛ إذ الرواية ذكرت أنها كانت عند مقدمهم المدينة، وإنما فرض الحجاب بعد ذلك بسنوات، كما سبق بيانه.

ثانياً: الزيارة كانت بحضور أبيها، لأنها قالت: فدخلت عليهما، ومقتضاه أن بــــلالاً كان مع أبي بكر، ولم يكن منفرداً.

ثالثاً: هذه أم المؤمنين، وذاك بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك الزمان هو أطهر وأتقى من كل زمان.

ثم بعد ذلك، تأمل قول الحافظ: " بالشرط المعتبر " وقوله " بشرط التستر، " وقوله: " الأمن من الفتنة".

فهل يصح أن يستدل بمثل هذه القصة على اختلاط تشوبه شوائب الفتن من كل جانب؟!

و مما استدلوا به أيضاً حديث سهل بن سعد قال: " لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد ..." الحديث.

وجوابه:

أولا: قال الحافظ: " في الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفي أن محل ذلك عند أمن الفتنة، ومراعاة ما يجب عليها من الستر".

 فنبه الحافظ هنا أيضاً على شرط أمن الفتنة ومراعاة الستر، ولاشك أن هذا الأمر كان متحققاً في ذلك الزمان أكثر من غيره، والقصة ليس فيها أنها جلست مع الضيوف تخالطهم وتتحدث إليهم، وغاية ما فيها أنها قامت بالخدمة عليهم، وهذا يقتضي أن تكون أكثر الوقت مجانبة عنهم لتهيئ لهم الطعام وغيره.

ثانيا: ثم من هم أضيافها؟ إنهم أفضل وأتقى ضيف، فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.

فهل يصح أن يقاس على مثل هذه الحادثة، الاختلاط الذي يحصل في كثير من الأماكن بين الرجال والنساء في زماننا هذا، وهو اختلاط يفضي إلى مفاسد كثيرة يغلب على الظن وقوعها؟

واستدلوا أيضاً بحديث الربيع بنت معوذ في قصة زواجها، ودخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وفيه قالت:

 " فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ...".

وجوابه:

قال الحافظ: " قال الكرماني: هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب، أو كان قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة أو عند الأمن من الفتنة اهـ، والأخير هو المعتمد ".

ثم قال الحافظ: "والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها، وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية".

الشبهة السابعة: عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة

الجواب:

لا يصلح ذلك حجة، ولا يستشهد به في هذا الموضوع لسببين:

الأول: لأنه حدث قبل البعثة، فلا يرد به النصوص المحكمة الصريحة الصحيحة المتكاثرة في منع الاختلاط، وحرص الشريعة على الفصل بين الجنسيين، إلا ما استثني.

الثاني: لا يستلزم عمل الرجل في مال المرأة وقوع الاختلاط على الصفة المذمومة والمحذورة، كل ما هنالك أنه قد يترتب عليه مخاطبتها في هذا الشأن بين الحين والآخر.

هذا مع قيام الحاجة لتنمية المرأة مالها بواسطة رجل أمين، وربما مع فقد القريب من ذوي المحارم لها. ومع مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك. وهذا من يسر الشريعة، وهي لا تحجر واسعا.

الشبهة الثامنة: خبر تعيين عمر امرأة على الحسبة، وولاية السوق

وهي: سمراء بنت نهيك. ونصه: (كانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها )!

والجواب:

أولا: هو خبر دون إسناد؛ فقد ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب - دون سند - فلا يصح.

قال شيخ الأزهر في عصره: محمد الخضر حسين رحمه الله: (وما نُسب لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من أنه ولى امرأة الحسبة؛ فإنه قول ليس صحيح وموضوع عليه).

ثانيًا: لو صح لما كان فيه دليلا لما يريده الكاتب لمن تأمل. إنما يدل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه يشمل الرجال والنساء. وقد حمله البعض لو قيل بصحته على مجتمعات النساء.

ثالثا: يلزم القائل به أن يأخذ بما جاء فيه من ضرب الآمرين بالمعروف الناس بالسياط! فهل يقول بهذا آل الشيخ؟!

الشبهة التاسعة: وضوء النساء مع الرجال الأجانب زمن النبوة، ما يعني مشروعية ذلك

واستدل المنادون بالاختلاط بين الرجال والنساء بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: " كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً ".

قالوا: ففيه جواز الاختلاط عموماً، وأنه ليس من خصوصياته عليه السلام.

وذكروا شواهد له تدل على الاختلاط أيضاً، ومنها حديث أم صبية الجهنية قالت" اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد".

قالوا: وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية مالا يجوز من المرأة.

والجواب:

غاية ما تدل عليه هذه الروايات إباحة وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة. هذا الذي فهمه أهل العلم وبوبوا عليه أبواب الفقه في كتبهم، ولم يتعدوا إلى الفهم السقيم الذي فرح به المخلـَّـفون وظنوه دليلاً على الاختلاط المذموم.

فقد بوب الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله: " باب وضوء الرجل مع امرأته، وفضل وضوء المرأة ".

وبوب له أبو داود بقوله: " باب الوضوء بفضل وضوء المرأة ".

وذلك لأن في المسألة خلافاً، لم يتنبه إليه الجاهلون، وهو: هل يصح أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة أم إن استعمال المرأة للماء يمنع من ذلك.

قال ابن عبد البــر: " في هذا الحديث دليل واضــح على إبطال قول من قال: لا يتوضأ بفضل المرأة".

ولما  كانت بعض ألفاظ الحديث قد يفهم منها البعض مثل ذلك الفهم السقيم، وهو وضوء الرجال والنساء الأجانب، فقد بادر العلماء إلى الجواب عنها حتى يـــزيلوا الإشــكال عن أولئــك البعض.

قال الحافظ ابن حجر: " وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضئون جميعًا في موضع واحد، هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة ".

قال الحافظ: " وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب".

ثم قال الحافظ: " والأولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم".

وهذا الحديث، ومثله حديث أم صبية الجهنية لو صح ما زعمه المستدل به من إباحة وضوء الرجال والنساء الأجانب، فإنه يحمل على الخصوصية في ذاك الزمان، أو على حال يقل فيه الماء ويخشى من فوات الوقت، لا أنه كان على شكل الدوام.

هذا مع أن وقت الوضوء قصير، فلا يصلح أن يستدل به على اختلاط يطول وقته، كما في التعليم والوظائف.

ثم نقول لهؤلاء المتعالمين: أيسركم أن يفهم المسلمون ما فهمتموه من تلك النصوص المحتملة فيجتمع النساء والرجال أثناء الوضوء أو قضاء الحاجة، مثلاً؟

وما المصلحة في مثل هذا الاختلاط الذي لم تسمح به حتى الأمم الكافرة، فإنها خصصت للنساء أماكن منعزلة لاستعمال الماء وقضاء الحاجة؟

ومع ذلك فإننا نقول: لو فرض أن الحاجة دعت إلى أن يتوضأ الرجال والنساء جميعاً، كما قد رأيناه في مواسم الحج، عند شدة الزحام، فربما خشي الرجال والنساء من خروج الوقت أو ذهاب الرفقة، فاجتمعوا لا عن قصد منهم لذلك الاجتماع، فتوضئوا في مكان واحد. ففي مثل هذه الحال يغتفر مثل هذا الاختلاط، لكن لا يقتضي أن يفعل على شكل الدوام، وفي كل الأحوال.

الشــبهة العاشرة: مشاركة النساء للرجال في الغزو وحرب الكفار، زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بالضرورة يؤدي للاختلاط، ويعني جوازه

فعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة.

والجواب على ذلك:

أولا: قد استقر الأمر في آخر المطاف بإعفاء النساء من الجهاد والقتال وقصره على الرجال ففي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ قال: "لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور".

وعن أم كبشة القضاعية قالت: يا رسول الله ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا، قال: "لا، قلت يا رسول الله: إنه ليس أريد أن أقاتل إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى و أسقي المرضى، قال: لولا أن تكون سنة وأن يقال فلانة خرجت لأذنت لك ولكن اجلسي".

قال الحافظ ابن حجر: (وأخرجه ابن سعد عن ابن أبي شيبة وفي آخره: (اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة). ويمكن الجمع بين هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي أن هذا ناسخ لذاك؛ لأن ذلك كان بخيبر وقد وقع قبله بأحد كما في الصحيح من حديث البراء بن عازب وكان هذا بعد الفتح).

ثانيا: أن هذا محمول على الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.

قال ابن حجر: (وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة، قال ابن بطال ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم وقال الأوزاعي تدفن كما هي قال بن المنير الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات).

وقال الشوكاني: (وهكذا يكون حال المرأة في رد القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع إمكان ما هو دونه).

ثالثا: كان خروجهن مع محارمهن، بدليل ما يأتي:

(1) عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَأَتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ..).

(2) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ..) إلى أن قال: (فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا..).

رابعا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ نساءه في معركة الخندق؛ بل جعلهن في أطم من آطام المدينة فكيف لا يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم الفاضل لنسائه ويأخذهن للجهاد لمداواة الجرحى وسقاية القوم؟ مما يدل على أن الأصل هو الاستغناء عن النساء في المعارك.

خامسا: كره أهل العلم دخول النساء في المعارك.

قال ابن قدامة: (يكره دخول النساء الشواب أرض العدو لأنهن لسن من أهل القتال وقلما ينتفع بهن فيه لاستيلاء الخور والجبن عليهن ولا يؤمن ظفر العدو بهن فيستحلون ما حرم الله منهن.

الشبهة الحادية عشر: ما ورد في السنة من جواز إرداف الرجل للمرأة الأجنبية

وهو حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما حيث قالت في حديث لها: " كنت أنقل النوى من أرض الزبير، التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثم قال: إخ إخ، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صـلى الله عليـه وسـلم أني قد استحـييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد عليَّ من ركوبك معه.

قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني.

قالوا: فيه جواز إرداف المرأة، وهو يفيد جواز ما هو أكثر من الاختلاط، كالإرداف والمصافحة ونحوهما، وهو على ملأ من الصحابة، ولم يخصص نفسه عليه السلام بذلك.

والجواب على ذلك:

أولا: مثل هذه الروايات المحتملة لا يصح أن يعارض بها النصوص المحكمة المتواترة، التي سدت ذرائع المفسدة والفتنة، وهذه القصة حادثة عين، ولم تتكرر، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة أردف امرأة أجنبية خلفه، بل ولا النبي صلى الله عليه وسلم، إلا في هذه القصة، ولم يحصل الإرداف أيضًا، فمن أين كل تلك الاستنباطات التي أتى بها هؤلاء؟

قال الحافظ في شرح هذا الحديث، بعد أن ذكر قول أسماء: " ليحملني خلفه ": كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال، وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يُركبها وما معها، ويركب هو شيئاً آخر غير ذلك.

وقال الحافظ في شرح قول الزبير لأسماء، لما أخبرته بالقصة، " والله لحملك النوى على رأسك كان أشد علي من ركوبك معه ": وجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير: أن ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشأ منه كبير أمر من الغيرة، لأنها أخت امرأته، فهي في تلك الحالة لا يحل له تزويجها أن لو كانت خلية من الزوج ... فما بقي إلا احتمال أن يقع لها من بعض الرجال مزاحمة بغير قصد، وأن ينكشف منها حالة السير ما لا تريد انكشافه، ونحو ذلك، وهذا كله أخف مما تحقق من تبذلها بحمل النوى على رأسها من مكان بعيد".

ثانيا:  قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول الحجاب ومشروعيته.

ثالثا: لماذا لم يتنبه المستدل بهذا الحديث لما جاء في القصة من تصريح أسماء: " فاستحييت أن أسير مع الرجال"، وتصريحها بشدة غيرة الزبير، وصبرها على تجشم كل تلك المشقة الشديدة، عوضاً عن الارتداف خلف أتقى وأطهر خلق الله، صلى الله عليه وسلم.

رابعا: لو فرض حصول مثل تلك الحالة التي كانت عليها أسماء، واضطرت المرأة إلى الركوب مع رجل أجنبي، أو تختلط مع عدد من الرجال، فتلك حالة اضطرار، لا يقاس عليها حال الاختيار.

وقال النووي: " فيه جواز إرداف المرأة التي ليست محرماً إذا وجدت في طريق قد أعيت، لاسيما مع جماعة رجال صالحين. ولاشك في جواز مثل هذا.

خامسا: قال القاضي عياض: هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف غيره، فقد أمرنا بالمباعدة من أنفاس الرجال والنساء، وكانت عادته صلى الله عليه وسلم مباعدتهن ليقتدي به أمته.

قال: وإنما كانت هذه خصوصية له، لكونها بنت أبي بكر، وأخت عائشة، وامرأة للزبير، فكانت كإحدى أهله ونسائه، مع ما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه" اهـ.

والحاصل أنه، ومع وجود تلك الاحتمالات، ومنها أن القصة حدثت قبل الحجاب، إضافة إلى الحال التي كانت عليها أسماء رضي الله عنها، من المشقة والإعياء، من مشيها مسافة طويلة، وحملها النوى على رأسها، مع كونها أيضاً أخت عائشة، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يصح أن يستدل بها عاقل على جواز الاختلاط المفســد، وجواز إرداف أي رجل لأي امرأة أجنبية؟

الشبهة الثانية عشر: ثبت بالسنة عمل المرأة في المسجد ونحوه، وهذا يستلزم مخالطة الرجال

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: «فهلا آذنتموني»، فأتى قبرها، فصلى عليها.

والجواب:

أولا: اليوم أربع وعشرون ساعة، والصلوات الخمس لا تخلص بمجموعها إلى أربع ساعات متفرقات، ومحاولة إيراد عمل المرأة في المسجد وحشرها في الأربع ساعات، وترك العشرين ساعة لا يليق بحامل قلم، ثم هي لا تعمل كل يوم قطعا، فمساجدهم كانت تراباً لا فراشاً، ولا يظهر فيها ما دقَّ كمساجدنا.

ثانيا: أما أنها تنظف والرجال يصلون والنساء خلفهم وهي منصرفة تترك الصلاة وحدها تكنس فهذا محال، وأما في حال خلو المسجد وهو أكثر الوقت فلا حرج ثَمّ، فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم  لا أبواب تغلق فيه، كما ثبت عن ابن عمر في البخاري: قَال: كانت الكلاب تبول وتُقبل وتُدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يرشون شيئاً.

الشبهة الثالثة عشر: قالوا في الاختلاط فوائد، وفي منعه أضرار

وبيان ذلك:

(1) في الاختلاط إتاحة فرصة اختيار الزوجة أو الزوج، وذلك من خلال التعارف العائلي والاجتماعي، ودور العلم والعمل، والنوادي الرياضية والنقابية والسياسية وغيرها.

وفي غياب الاختلاط، كما هو حادث في أغلب الدول الإسلامية يصبح الزواج بالطرق البدائية الفاشلة، وقد قدرت بعض المراجع الإحصائية أن بين كل ثلاث حالات زواج في العالم الإسلامي واحدة تنتهي بالطلاق! وهذه أكبر نسبة في العالم كله.

ومعنى ذلك أن نظام الزواج وبناء الأسرة المسلمة يكون مفككاً وضعيفاً منذ نشأته.

(2) في منع الاختلاط، كما في المجتمع الشرقي سقوط الكثيرين من الشباب الصالح والمستقيم في حب بنات الهوى وبنات الشارع والزواج منهن؛ فبسبب صعوبة الاختلاط بالعائلات المناسبة والأسر المحافظة، يضطر الشباب إلى التعارف بأي فتاة سهلة المنال من بنات الشارع أو بنات الهوى والزواج منهن، والنتيجة ما نشاهده من المشاكل العائلية والخصومات والعداوات وقد يضطرونه إلى طلاقها.

وفي غيبة الاختلاط يغيب الحب، ولا شك أن الحب عنصر هام لبناء الأسرة واستمرارها ونجاحها.

 (3) من أضرار منع الاختلاط: تفكك الأسرة المسلمة؛ ففي المجتمع الذي يهتم بالاختلاط فإن الأسر رجالاً ونساءً وأطفالاً يتزاورون ويتبادلون العلاقات الاجتماعية والتعاون على الخير، وإذا كانت هناك مشكلة اجتماعية أو خلافات زوجية فإنهم يتعاونون على حلها، بينما الذي يكون في حالة الأسر التي تمنع الاختلاط هو العكس من تباعد وهجران، ووجود مشاكل بدون تدخل الأطراف المختلفة لحلها.

(4) في منع الاختلاط انتشار اللواط والانحراف الجنسي. وها هو الدكتور سيمون جراي طبيب أمريكي أخصائي أمراض النساء، وقد عمل فترة طويلة في بعض الدول الإسلامية، ألف كتاباً عن خبرته بعنوان أسرار وراء الحجاب، بالإنجليزية، وفيه يذكر أنه بسبب الفصل الشديد بين الجنسين تظهر الانحرافات الجنسية والشذوذ الجنسي وأهمها اللواطة التي تتسبب في الكثير من الأمراض العضوية والنفسية.

(5) الاختلاط يصلح أخلاق الأمة رجالاً ونساءً؛ فالشباب الذي يتربى منذ الطفولة في مجتمع مختلط ومدارس مختلطة، فيجد بجواره أخته أو جارته أو ابنة عمه، مثل هذا الشباب سيكون نوعاً آخر من البشر غير الإنسان البدائي الغليظ الذي لم ير البنات في حياته.

وبالمقابل، فإنك إذا دخلت أي مكان للعمل أو الرياضة أو التجارة أو العلم، وكان فيه شباب من الجنسين معاً فهو قطعاً أهدأ طبعاً وأقل ضجة وأكثر وقاراً وأكثر إنتاجاً من المكان الذي فيه رجال فقط أو نساء فقط.

وبلا شك فإن الفتاة التي تعودت على الاختلاط بالناس والمجتمع تكون أكثر مناعة وخبرة وبعداً عن الزلل من البنت الساذجة المحرومة من المجتمع ومن الاختلاط.

(6) الاختلاط يزيد طاقات الأمة وإنتاجها، وكثير من المفكرين والباحثين الاجتماعيين يشبهون المجتمع الإسلامي في عصرنا الحاضر بإنسان يعيش برئة واحدة، بينما الأخرى معطلة بسبب عزل المرأة عن الحياة.

الجواب عن ذلك:

أولا: في هذا الكلام الكثير من المغالطات، ومنها ما هو مكابرة ومخالفة للواقع المشاهد، بل وعكس للأمور، وقلب للحقائق؛ إذ ينسف هذه الدعوى بفوائد الاختلاط ما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي، وما ترتب عليه من مضار.

وهذه بعض المفاسد التي تترتب على الاختلاط:

- المفسدة الأولى: اختلاط الرجال بالنساء على النحو المشاهد اليوم في الأسواق ووسائل المواصلات والأفراح والمناسبات والأعياد منافٍ تماما لطهارة القلب وسلامته؛ ألم تسمع لقول الله تعالى: {وإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]. وقد نزلت هذه الآية في رجالٍ ونساءٍ يمتلكون قلوبا أطهر منا وأزكي بملايين المرات.. فكان هذا الأمر أمرًا للمسلمين جميعًا وليس خاصًا بالصحابة وأمهات المؤمنين كما زعم بعض الجهلة؛ بل نحن الأولى أن نُخاطَب به وليس هم رضي الله عنهم جميعا.

- المفسدة الثانية: الاختلاط بين الرجال والنساء يُذهب الحياء ويميته في قلب المرأة، فتفقد المرأة بذلك أغلى ما تملك.

- المفسدة الثالثة: الاختلاط مدعاة لإطلاق البصر ونحن -رجالًا ونساءً- قد أُمرنا بغض البصر كما قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: من الآية 30]، {قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: من الآية 31] فكيف يتأتى ذلك والاختلاط أصبح واقعًا مشاهدًا في كل مكان.

- المفسدة الرابعة: الاختلاط مقدمة للزنا والفواحش؛ كما قالوا: (نظرة فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ) وينتهي الأمر بكارثة. ولعل الأمر واقعٌ لا جدال عليه، وبلادنا ملأى بالمصائب.

- المفسدة الخامسة: الاختلاط سبب كل مشكلة وأساس كل بلية في الحياة الأسرية؛ فالمرأة تنزل إلى العمل أو إلى الأسواق وتختلط بالرجال وترى هذا وتتحدث مع ذاك وقد يعجبها طريقة حديثه أو مظهره وأناقته وتود لو أن زوجها الحالي أو المستقبلي إن لم تكن زوجة مثل هذا الذي رأته وعرفته، وكذا يحدث مع الرجل فيتمنى لو أن زوجته مثل فلانة (زميلته في العمل) وهكذا يبدأ خراب البيوت، وتدمير الأسرة التي هي خلية المجتمع.

- المفسدة السادسة: الاختلاط في الشوارع يعرض النساء خصوصا للإيذاء سواء بالأقوال أو الأفعال.. ثم يخرج علينا من ينادي بقوانين لمنع المعاكسات والتحرشات!! وبدلا من ذلك فلمَ لا نمنع الاختلاط من الأساس!! فأين العقول والألباب؟!! 

وبالجملة، فقد دلت النصوص المحكمة، من الكتاب والسنة، على أن المباعدة بين أنفاس الرجال والنساء مطلوبة، وأن النفوس البشرية السوية قد جبلت على ميل كل جنس للآخر، من الرجال والنساء، ليس في ذلك أدنى شك أو مراء.

ثانيا: كيف يستدل على الحل أو الحرمة بأقوال وأحوال وواقع الغربيين من الكفار، وقد أخبر الله عنهم بأنهم: (ودوا ما عنتم)؟. كيف وهم من فرضوا على مجتمعات المسلمين الاختلاط فرضا، ليضلوهم من بعد الهدى الذي كانوا عليه؟!

كيف وفي المسألة نصوص شرعية واضحة قاطعة؟!

ثالثا: أليس في الحلال غنية عن الحرام؟ ألا يمكن أن يكون التعارف والتزاور، بل والتزاوج وإقامة العلاقات بطريقة شرعية، بعيدة عن المحرمات والاختلاط الآثم؟

لا شك أن ذلك ممكن، ولكنها – كما قال الله تعالى –: (لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

وصدق الله جل في علاه، إذ يقول: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، والله يريد أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفًا).

رابعا: لو كان الأمر كما يزعم هؤلاء، فلماذا ظلت الدول العربية التي سمحت بالاختلاط في كل المرافق والميادين، ضعيفة متخلفة في سياستها واقتصادها كما هو حال مصر ولبنان ودول المغرب العربي وغيرها من البلدان؟

وما حصل في مثل تلك الدول من تقدم يسير في بعض العلوم فليس سببه الاختلاط، وهذا لا يحتاج إلى دليل أو برهان، ولا ينبغي أن يختلف عليه اثنان.

والأمم الكافرة نفسها لم تنهض وتقوى حضارتها بسبب الاختلاط، بل لأنها أخذت بأسباب القوة.

ثم كيف نهضت أمة الإسلام في عصر النبوة والخلافة الراشدة والعصور التي تلت ذلك، والتي سبقت ولادة الحضارة الغربية؟

أكانت نهضتها بما يدعو إليه هؤلاء، من التغريب، أو تحرير المرأة، أو اختلاط الرجــال بالنساء؟

الجواب على ذلك معروف، يشهد له التأريخ ويشهد له واقع الأمة، ولا يصلح آخرها إلا ما أصلح أولها.

خامسا: هذا الكلام يحمل في طياته إما جهلا مطبقا بأحكام الشريعة الغراء، وإما إعراضا بينا عنها، وكلاهما شر من الآخر، لكن الإعراض أشد خطورة؛ إذ قد يعبر عن كراهية معتقده لما أنزل الله، ويجر صاحبه إلى الكفر عياذًا بالله من سخطه. وقد قال الله تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم).

فأين هؤلاء مما قد شحنت به مصنفات الفقه والتفسير وشروح الأحاديث من التحذير من فتنة النساء، ومن تشديد العلماء في أمر النظر والخلوة، وفي كل ما يدعو إلى إثارة الشهوة، بل لا يكاد يأتي ذكر شيء مما يتعلق بالنساء في حضرة الرجال، إلا ويأتي التحذير من الفتنة بهن.

فهل يصح أن يخطـّأ كل أولئك الأئمة والعلماء مع اختلاف مذاهبهم وعصورهم، أو يقال عنهم إنهم متشددون أو متنطعون وهم قد استقوا كلامهم وفهمهم من نصوص الكتاب والسنة الكثيرة التي فيها إشارة بينة، وتحذير واضح من كل ما يؤدي إلى الفتنة بالنساء، وهي ظاهرة لمن تدبرها.

أخيرا: وبعد هذا العرض المصحوب بالأدلة الواضحة، لقضية الاختلاط، وبعد التفنيد لشبهات المبيحين للاختلاط بصفة مطلقة أو شبه مطلقة، والرد عليها، فإن المرء يتساءل: ما الذي يضير هؤلاء أن يتمسك الناس بما عرفوه من الفضائل، حتى لو فرض أنها ليســت واجبة، كالحجاب ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الوظائف والتعليم وغير ذلك؟.

هل يرى هؤلاء المشككون أن في الاختلاط فضيلة وقربة وتأسياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي السلف، وأن في تركه معصية أو بدعة، أو خلاف الأولى؟.

إن الدعوة إلى الاختلاط التي يتزعمها بعض المثقفين والصحفيين اليوم ليست وليدة اليوم، بل هي دعوى قديمة، تولى كبرها من أطلق عليهم لقب "دعاة التغريب"، و "دعاة تحرير المرأة"، وغيرهما من الألقاب.

وأكثر من يتكلم في مسائل الاختلاط والحجاب، ويزعم أنه ينتصر فيها لجانب النساء، لا علم لهم بقواعد الشريعة، ويظنون أن العبرة بوجود النصوص في أي مسألة، فمتى ما وقف على شيء من تلك النصوص، فقد حصل المطلوب، واستوى هو والفقيه في العلم بتلك المسألة. ومن هنا يحصل الغلط والخلط.

هذا وقد بان لنا أن النصوص التي تبيح الاختلاط كما زعموا، تدور حول ثلاثة أقسام:

الأول: نصوص تدل على إباحة اختلاط الجنسين في الأماكن العامة، كالأسواق والطرقات ونحوها، وهذه لا خلاف في إباحتها إذا التزمت النساء بما أوجب الله عليهن من التســتر والحجاب، ومثل هذه النصوص لا تنحصر بعدد.

الثاني: حوادث عين لا عموم لها، إما لخصوصية، وإما لوجود ضرورة أو حاجة ملحة، اقتضت شيئاً من التقارب بين الرجل والمرأة. وهي لا عموم لها، كإرداف الرجـــل لامرأة أجنبية، مثلًا.

الثالث: نصوص مشتبهة، تخالف النصوص المحكمة، التي ورد فيها النهي عن الخلوة، والسفر بغير محرم، والتلاصق أو المباشرة، ومنها المصافحة، ومس بعض أعضاء الجسم، وهذه لا ينبغي أن يختلف فيها، ويجب أن يرد المتشابه منها إلى المحكم، لا العكس.

والعجيب أن هؤلاء المخلـِّـطين اكتفوا بإيراد تلك النصوص واستنبطوا منها الأحكام، دون الرجوع إلى أقوال علماء الإسلام، ومنهم شراح الأحاديث، ولهذا وقعوا في كثير من الأوهام، وخلطوا بين الحق والباطل. إما عن قصد أو عن غير قصد، كما سبق.

(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).

وصدق الله القائل: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

المجموع ( 7/87). وقال النووي أيضا في التعليق على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان): المغيبة هي التي غاب عنها زوجها. والمراد: غاب زوجها عن منزلها، سواء غاب عن البلد بأن سافر، أو غاب عن المنزل، وإن كان في البلد. لأن القصة التي قيل الحديث بسببها وأبو بكر رضي الله عنه غائب عن منزله لا عن البلد. ثم إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه، فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم، أو مروءتهم، أو غير ذلك. وقد أشار القاضي إلى نحو هذا التأويل ". انظر: شرح النووي على مسلم (14/155).

وقال الشيخ عطية صقر: " وتتحقق باجتماع رجل وامرأة فقط، أو باجتماع امرأة برجلين، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد في الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، هكذا حقق الفقهاء ". انظر: فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 10). وفي المسألة خلاف يراجع تحقيقه في كتب المذاهب الفقهية. انظر: أحوال الخلوة بالأجنبية وأحكامها. موقع الدليل الفقهي.

انظر: بحث بعنوان حكم الخلوة بالأجنبية والأحكام الفقهية في ذلك– موقع جامعة الإيمان.

فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 3571).

رواه البخاري (5233)، ومسلم (1341) عن ابن عباس.

رواه أحمد والترمذي عن عمر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 498)، رقم (2546).

موقع الإمام ابن باز. وفي فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (17/ 57):" ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعا انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيدا عن أعين الناس فقط، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها، وتدور بينهما الأحاديث، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما، سواء كان ذلك في فضاء أم سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك؛ لأن الخلوة منعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه، فكل ما وجد فيه هذا المعنى ولو بأخذ وعد بالتنفيذ بعد فهو في حكم الخلوة الحسية بعيدا عن أعين الناس". اهـ.

 فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 10). المفتي: الشيخ عطية صقر.

انظر: أحوال الخلوة بالأجنبية وأحكامها. موقع الدليل الفقهي.

المرجع السابق.

المرجع السابق.

شرح النووي على مسلم (9/ 109).

رواه البخاري (6654)، ومسلم (2509).

الفتح [9/333].

شرح النووي على مسلم (16/ 68).

رواه البخاري [9 / 290]، ومسلم [ح 2172].

شرح النووي على مسلم (14/ 153).

رواه مسلم [2174].

شرح النووي على مسلم (14/ 156).

رواه البخاري [2038] ومسلم [2175].

انظر: الرد على شبهات الغامدي، للشيخ عبد العزيز الطريفي. موقع: صيد الفوائد.

انظر: بحث بعنوان حكم الخلوة بالأجنبية والأحكام الفقهية في ذلك– موقع جامعة الإيمان.

انظر: الواقعيّة في الاختلاط - د. سامي بن عبد العزيز الماجد، الاحتياط في مسألة الاختلاط، لسمير المالكي – موقع صيد الفوائد.

انظر: الواقعيّة في الاختلاط.

أخرجه أبو داود، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 511) رقم (856).

أخرجه أبو داود بسند صحيح، قال الألباني: صحيح على شرط الشيخين.

رواه مسلم (440).

رواه البخاري (977)، ومسلم (884).

فتح الباري (2/466).

الواقعيّة في الاختلاط.

انظر: الاحتياط في مسألة الاختلاط - بتصرف واختصار.

سبق تخريجه.

الحاوي الكبير (2/148).

الاستقامة (1/361).

الطُّرُق الحكمية (1/239) - انظر: أدلة تحريم الاختلاط وشبه المبيحين - الشيخ أحمد الزومان - موقع الألوكة.

فتح الباري (2/336).

الاحتياط في مسألة الاختلاط.

المرأة بين الفقه والقانون (ص: 154)، وانظر أيضا: الواقعية في الاختلاط.

الواقعية في الاختلاط.

انظر: رد الشيخ الألباني على أصحاب هذه الشبهة: [فتوى] قياس الاختلاط في الجامعات على الاختلاط في الحرم! (نت).

رواه البخاري (3798)، ومسلم (2054).

حديث رقم (4882).

 تفسير الطبري (23/ 263).

انظر: الطبقات الكبرى (2/ 43)، أسد الغابة (3/556).

انظر: البداية والنهاية (6/12).

انظر الفتوى رقم (243398) بعنوان: شبهات حول تحريم الاختلاط، والجواب عنها. موقع الاسلام سؤال وجواب.

رواه مسلم (2173).

انظر الفتوى رقم (243398). موقع الاسلام سؤال وجواب.

رواه البخاري (2788)، ومسلم (1912).

انظر: فتاوى الشبكة الفتوى رقم (47116)، بعنوان: زيارة الرجال للمرأة وضابطه الشرعي، وفتاوى الإسلام سؤال وجواب الفتوى رقم (243398)، بعنوان: شبهات حول تحريم الاختلاط.

شرح النووي على مسلم (10/ 106).

رواه مسلم (1480).

انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية، الفتوى رقم: (106085)، بعنوان: دفع شبهات من يبيح الاختلاط.

قال: ومثل هذا احتجاجه بلفظ (الدخول) في الحديث: (أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك) هذا الاستدراك (وهي تحته يومئذ) يُشير إلى قدم الواقعة قريباً من زواجه بها، وهذا قبل فرض الحجاب كانوا يدخلون على أسماء بنت عميس، فبعد الحجاب لم يكونوا يدخلون، قال الحافظ ابن حجر: (7/256): (وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعًا). ثم أورد جملة من الأحاديث المتضمنة اختلاط النبي بالنساء، وفلي بعض النساء لرأسه، وإردافه لأسماء، وجهل أو تجاهل أن هذا من خصوصياته، فالرسول أبو المؤمنين، يزوج النساء بلا وليهم لو شاء، قال تعالى عن لوط وهو يعرض نساء قومه: (هؤلاء بَنَاتِى). أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد، قال: لم تكن بناته ولكن كنّ من أمته، وكل نبيّ أبو أمته. وبنحوه قال سعيد بن جبير. وقال عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «وأزواجه أمهاتهم – قال أبي بن كعب: وهو أبوهم». وبنحوه قال عكرمة مولى ابن عباس. والاختلاط حُرم درءًا للمفسدة وهي منتفية منه صلى الله عليه وسلم.

 ومن قال: (الأصل مشروعية التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) فليتأسّ بزواج النبي تسعاً، وينفي الخصوصية، فالآية أباحت الأربع ولم تمنع من الزيادة، وإن رجع إلى نصوص أخرى تمنع وتُبين فذاك واجب في الحالين، في مسألة الاختلاط: "إياكم والدخول على النساء"، وفي مس المرأة ثبت عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العينان تزنيان، واللسان يزني، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويحقق ذلك الفرج أو يكذبه".

رواه البخاري [6248].

انظر الفتح [11 / 34].

رواه البخاري [ح 5654] في باب " عيادة النساء الرجال". قال الحافظ: " أي ولو كانوا أجانب، بالشرط المعتبر ".

ثم قال: " وقد اعترض عليه بأن ذلك قبل الحجاب قطعاً. وقد تقدم في بعض طرقه " وذلك قبل الحجاب "، وأجيب: بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له من عيادة المرأة الرجل، فإنه يجوز بشرط التستر، والذي يجمع بين الأمرين، ما قبل الحجــاب وما بعده، الأمن من الفــتنة ". اهـ. الفــتح [10 / 117 – 118].

رواه البخاري [ح 5182] في باب " قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس".

الفتح [9 / 251].

رواه البخاري [ح 5147].

الفتح [9 / 203].

انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1863).

عن مقالة بعنوان: موقف الشريعة الإسلامية من المرأة، جريدة الأهرام، 27/2/1953، نقلا من فتاوى وكلمات، للدكتور عبد الرزاق الشايجي، ص (158)، انظر: موقع الألوكة، مقال بعنوان: خبران باطلان حول الشفاء وسمراء بنت نهيك! للشيخ سليمان الخراشي، وانظر: فتاوى الشبكة الإسلامية (7/ 219)، فتوى بعنوان: حكم تولي المرأة المناصب الصغرى والكبرى.

رواه البخاري [ح 193] في باب " وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة ".

رواه أبو داود [ح 78] في باب " الوضوء بفضل وضوء المرأة ".

التمهيد [14 / 164].

انظر الفتح [1 / 300].

انظر: الاحتياط في مسألة الاختلاط.

رواه البخاري (2883).

رواه البخاري (1520).

رواه ابن أبي شيبة والطبراني وغيرهما. وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 547). ح رقم (2740).

الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 455).

فتح الباري لابن حجر (6/ 80).

نيل الأوطار (7/ 282).

رواه البخاري (980).

رواه البخاري (2799)، ومسلم (1912).

رواه البخاري [5224]، ومسلم [2182].

انظر الفتح [9 / 323 – 324].

انظر الفتح [9 / 323 – 324].

شرح النووي على مسلم (14/ 166).

شرح النووي على مسلم (14/ 166).

انظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 279).

انظر: مقال بعنوان: مفاسد الاختلاط وبعض الحلول – سهام عبيد - موقع طريق الإسلام.

المرجع السابق.

انظر: الاحتياط في مسألة الاختلاط.