تعدد الأحزاب في الدولة الإسلامية
شاء الله عز وجل حين خلق البشر أن يخلقهم، في الأغلب الأعم، مختلفين متفاوتين في كل شيء؛ متفاوتين في الشكل والمظهر، ومتفاوتين في الجوهر والمخبر، ومتفاوتين في المشاعر والأحاسيس، ومتفاوتين في العقول والأفهام، ومتفاوتين في التوجهات والأفكار، ومتفاوتين في الميول والرغبات...، حتى لقد قررها الله تعالى قاعدة في كتابه تقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119].
نعم، ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم، وقوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} قال الحسن البصري: «وللاختلاف خلقهم»(1).
وتبع هذا الاختلاف خلاف في الإدراك والتصور، والفهم لعديد من القضايا، منها قضايا إسلامية، فتجمع كل أصحاب رأي معين، والتقوا على رأيهم ذلك، حتى كوَّن بعض المسلمين تجمعات عديدة، وتطور الأمر في عصرنا، وتبلور فيما يعرف بالأحزاب.
ولا نعني بالأحزاب هنا مطلق الأحزاب؛ سواء كانت إسلامية أو علمانية أو ليبرالية...، وإنما نعني، في موضوع بحثنا الآن، الأحزاب الإسلامية فقط.
وسؤالنا: هل يحل أن يُكوِّن بعض المسلمين، أصحاب الفهم الواحد للإسلام، أحزابًا متعددة مختلفة، طبقًا لاختلاف تلك الأفهام؟ أم أن هذا محرم لأنه من التفرق المذموم، والاتباع المحرم لغير المسلمين؟
نقول: اختلف المعاصرون في هذه الجزئية على قولين، نحاول هنا مستعينين بالله أن نعرضهما، ونعرض لبعض أدلتهما، ثم نضع كلا الرأيين في الميزان، ثم نرجح بينهما، والله الهادي إلى سواء السبيل.
بيان الخلاف:
القول الأول: يجوز تعدد الأحزاب في الدولة الإسلامية بشرطين:
الأول: أن تعترف بالإسلام، عقيدة وشريعة، ولا تعاديه أو تتنكر له، وإن كان لها اجتهاد خاص في فهمه، في ضوء الأصول العلمية المقررة.
الثاني: ألا تعمل لحساب جهة معادية للإسلام ولأمته، أيًا كان اسمها وموقعها(2).
من القائلين به: د. يوسف القرضاوي(3)، والشيخ محمد شاكر الشريف(4)، والشيخ راشد الغنوشي(5)، والدكتور صلاح الصاوي(6)، والدكتور عبد الرحمن عبد الخالق، والدكتور عبد الله النفيسي، والدكتور عبد الوهاب الديلمي، والدكتور عدنان النحوي، والدكتور محمد أبو فارس، والدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد العوا، والأستاذ محمد العوضي(7)...
القول الثاني: لا يجوز قيام أحزاب في الدولة الإسلامية، وإن ادعت خدمة الإسلام.
من القائلين به: الشيخ حسن البنا(8)، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني(9)، والدكتور بكر أبو زيد(10)، والشيخ صفي الرحمن المباركفوري(11)، والدكتور فتحي يكن(12)، والشيخ وحيد الدين خان(13)...
أدلة القائلين بجواز تعدد الأحزاب في الدولة الإسلامية:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
وجه الاستدلال:
حيث أمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، ومن يكوِّنون حزبًا إسلاميًا إنما يتعاونون لإحقاق الحق وإبطال الباطل؛ وعليه، فتكوين الأحزاب مشروع؛ بل هو مأمور به.
قال القرطبي: «والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيُعَلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة»(14).
نوقش:
تكوين الأحزاب ليس تعاونًا على البر والتقوى؛ بل هو من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]؛ إذ التحزب تفريق للمسلمين، وتمزيق لوحدتهم، وبث لأسباب النزاع بينهم...، فكيف يكون هذا من البر والتقوى؟!
أجيب:
ما ذكرتم ليس ناتجًا عن تكوين الأحزاب الإسلامية وقيامها؛ بل عما ينشأ في قلوب البعض من تعصب حزبي، وهذا التعصب مرفوض، ولكن ليس معنى ذلك أن نرفض الأحزاب نفسها؛ وإلا لوجب رفض المذاهب الفقهية الأربعة؛ لما يصاحبها، عند البعض، من تعصب مذهبي.
إذن: فسبب ما ذكرتم هو التعصب للحزب، وليس وجود الحزب نفسه.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].
وجه الاستدلال:
حيث جعل الله تعالى من خصائص الأمة الإسلامية أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولما كانت أولى أهداف الأحزاب الإسلامية هو أمر الحكومات والحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإن تكوين هذه الأحزاب يعتبر من الوسائل التي تتحقق بها خيرية الأمة، وما كان كذلك كان مشروعًا؛ بل هو مأمور به.
نوقش:
تكوين الأحزاب لا يتعين وسيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل يستطيع الأفراد القيام بذلك محتسبين، فإن أصابهم ضر ففي الله، وإن قتلوا ماتوا شهداء.
أجيب:
بل قد يتعين في بعض الدول تكوين الأحزاب طريقًا أوحد لأمر الحكومات والحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ إذ لا يستطيع الأفراد فعله، فإذا تحقق ذلك فإننا نقول بوجوب تكوين الأحزاب؛ بناءً على قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
ولقد «علَّمنا التاريخ وتجارب الأمم وواقع المسلمين أن تقويم اعوجاج الحاكم ليس بالأمر السهل، ولا بالخطب اليسير، ولم يعد لدى الناس سيوف يقومون بها العوج؛ بل السيوف كلها يملكها الحاكم!
والواجب هو تنظيم هذا الأمر لتقويم عوج الحكام بطريقة غير سل السيوف وشهر السلاح،
وقد استطاعت البشرية في عصرنا، بعد صراع مرير وكفاح طويل، أن تصل إلى صيغة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقويم عوج السلطان، دون إراقة للدماء، وتلك هي وجود (قوى سياسية) لا تقدر السلطة الحاكمة على القضاء عليها بسهولة، وهي ما يطلق عليها (الأحزاب).
إن السلطة قد تتغلب بالقهر أو بالحيلة على فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد، ولكنها يصعب عليها أن تقهر جماعات كبيرة منظمة، لها امتدادها في الحياة، وتغلغلها في الشعب، ولها منابرها وصحفها وأدواتها في التعبير والتأثير.
إن تكوين هذه الأحزاب أو الجماعات السياسية أصبحت وسيلة لازمة لمقاومة طغيان السلطات الحاكمة ومحاسبتها، وردها إلى سواء الصراط، أو إسقاطها ليحل غيرها محلها، وهي التي يمكن بها الاحتساب على الحكومة، والقيام بواجب النصيحة والأمر بالمعروف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»(15).
الدليل الثالث:
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
وجه الاستدلال:
في هذه الآية إشارة واضحة إلى أنه ليس بطاقة المؤمنين أن ينفروا كافة لحمل الأعباء العامة، وفي المقابل إشارة إلى وجوب ذلك على كل مستعد؛ لتتحقق المصلحة العامة للأمة، فتتكون طائفة مستعدة لتتولى هذه المهام؛ إذ إنها أساسًا مهام جماعية، وبذلك تكون الأمة مكلفة بتشكيل الأحزاب السياسية التي تسعى إلى تحقيق ذلك(16).
نوقش:
ليس في الآية دليل على ما قلتم؛ فإنما نزلت الآية في الجهاد، وأن يتعلم من لم يخرجوا للجهاد العلم ليعلموه المجاهدين إذا عادوا، قال القرطبي: «قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ} هي أن الجهاد ليس على الأعيان، وأنه فرض كفاية كما تقدم؛ إذ لو نفر الكل لضاع مَن وراءهم من العيال، فليخرج فريق منهم للجهاد، وليقم فريق يتفقهون في الدين ويحفظون الحريم، حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع، وما تجدد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم...
الثانية: هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم؛ لأن المعنى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم لا ينفر فيتركوه وحده، {فَلَوْلَا نَفَرَ} بعد ما علموا أن النفير لا يسع جميعهم، {مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} وتبقى بقيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا، فإذا رجع النافرون إليهم أخبروهم بما سمعوا وعلموه، وفي هذا إيجاب التفقه في الكتاب والسنة»(17).
وعليه، فالآية خارجة عن محل النزاع.
الدليل الرابع:
قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].
وجه الاستدلال:
تدل هذه الآية على التكليف الجماعي في أداء الأمانات إلى أهلها، ومن أهم الأمانات وأعظمها أن يتبوأ مقاليد الحكم أصحابه، فلا يجوز أن يُمكَّن من هو ليس بأهل له، وهذه التكاليف تحتاج إلى جماعة تنوب فيها عن الأمة، فلربما يصل إلى السلطة من هو دونها، ويجور ويظلم، فتتولى الجماعة رد الحق إلى أهله، فيكون إقامة الأحزاب السياسية لازمًا؛ إذ الأمر بالشيء أمر بما لا يتم ذلك الشيء إلا به(18).
قال القرطبي: «هذه الآية من أمهات الأحكام، تضمنت جميع الدين والشرع»(19).
نوقش:
يمكن تحقيق هذا بوسائل شتى سوى الأحزاب السياسية، ومن أهمها الأمر والنهي الفردي الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من المناسبات، ومنها:
ما رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فنهاه وأمره، فقتله»(20).
وعن أبي أمامة قال: «عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى، فقال: (يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟)، فسكت عنه، فلما رمى الجمرة الثانية سأله، فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة وضع رجله في الغرز ليركب، قال: (أين السائل؟)، قال: (أنا يا رسول الله)، قال: (كلمة حق عند ذي سلطان جائر)»(21).
الدليل الخامس:
قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود:116].
وجه الاستدلال:
قال ابن كثير: «يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض»(22).
والصورة المقبولة في عصرنا لأمر الأمة بالمعروف ونهيها عن المنكر هو أن يكون ذلك من خلال حزب إسلامي.
نوقش:
لا يتعين تكوين الأحزاب طريقة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل هناك طرق متعددة مباحة متاحة، ليست الأحزاب من بينها.
الدليل السادس:
قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].
وجه الاستدلال:
حيث أمر الله تعالى أن تتصدر أمة من المسلمين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووعدهم بالفلاح، قال ابن كثير: «{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}؛ أي: منتصبة للقيام بأمر الله، في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر...
والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه»(23).
وعليه، فتكوين الأحزاب الإسلامية تنفيذ دقيق للأمر الوارد في هذه الآية، وطاعة مطلقة لأمر الله تبارك وتعالى.
نوقش:
من عدة أوجه:
أولًا: إنما حث تعالى على أن تقوم طائفة من المسلمين العالمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض كفاية على الأمة بأجمعها، وليس في الآية مطلقًا أن تكون هذه الطائفة في شكل تنظيمي أو أن تكون تكتلًا أو حزبًا.
أجيب:
بل قد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2].
وقد سبق أن قررنا أن الأفراد قد لا يستطيعون القيام بذلك؛ بل قد يتعين أن يكون ذلك في صورة حزب، فيكون طريقًا إلى فعل المأمور به في الآية.
ثانيًا: قال الضحاك في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}: «هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة، يعني: المجاهدين والعلماء»(24)، وما ذلك إلا (لأنها مهمة عظيمة، لا يصلح لها الجهال والرعاع من الناس، الذين قد لا يفقهون من أمور دينهم شيئًا؛ لأن جاهل الشيء كفاقده، وفاقد الشيء لا يُعطيه، ومن يتأمل واقع الأحزاب يجد أن هؤلاء الجهال هم مادة الأحزاب التي تقوم على عنصر الكم والكثرة، وبالتالي من المستحيل أن تكون هذه الأحزاب، بصورتها الغثائية المعروفة، هي المرادة من قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}»(25).
أجيب:
نعم؛ الواجب أن يكونوا من العالمين؛ ولذا يجب أن يكون رؤساء تلك الأحزاب، ومكاتبها التنظيمية، والمتحدثون باسمها، والقائمون على أمرها، وكل من تصدى لمهمة أساسية فيها، من العلماء، ولا مانع أبدًا أن يعينهم ويلتحق بهم كل من ارتضى فكرهم وطريقتهم، من الذين لا يشترط فيهم أن يكونوا من العلماء؛ لأن هؤلاء الرؤساء ومن عاونهم هم الذين يحددون موقف الحزب من القضايا، ويقومون بواجب الأمر والنهي...
وليس بغريب ولا بجديد أن الصحابة الأبرار لم يكونوا جميعًا من الفقهاء...
الدليل السابع:
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون:1-6]، وقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29].
وجه الاستدلال:
حيث أقر الإسلام مبدأ التسامح مع غير المسلمين الذين اختلفوا معنا في أصل الدين، فلئن يقر التسامح مع من يتفقون معنا في أصل الدين ويخالفوننا في بعض الفروع لهو أولى، ومن ذلك الأحزاب الإسلامية.
نوقش:
أولًا: لا يصح قياس مسلم على كافر.
ثانيًا: إطلاق حرية الاعتقاد لغير المسلمين، ممن يحيون في الدولة الإسلامية، لا يعني ولا يقتضي إقرارهم على كفرهم؛ بل الإسلام يحرم ما يعتقدون، ويعلن أنه كفر، وإنما يأذن لهم بالتعايش صونًا لحسن الجوار.
وعلى هذا فدليلكم لا يرقى للاحتجاج على ما أردتم.
الدليل الثامن:
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص:71-72].
وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم:22].
وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:27-28].
وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119].
وجه الاستدلال:
أن التعددية أصل أصيل في الكون كله، وأن الإسلام يقر مبدأ التعدد ويقبله، وأن (من الخصائص الأصلية في الخطاب القرآني أنه خطاب يؤصل لحالة التعددية الكونية والإنسانية، فهو موجه إلى فئات متعددة عقديًا وجنسيًا وعقليًا، فقد توجه بخطابه إلى الناس؛ عموم الناس، كافرهم ومؤمنهم، والأنبياء القلة المصطفاة، والكافر والمؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، كما تناول متطلبات الفرد التربوية بتنوعها واختلافها، في محاولة في كل ذلك لإرساء مبدأ التعددية الكونية والإنسانية، وقد أشار في أكثر من موضع حول هذه التعددية الكونية والإنسانية، وفى مجال الإنسان أرسى قواعد الاختلاف والتنوع في مقابل قاعدة: (الواحدية).
فيمكن القول بأن المنظور الإسلامي، خصوصًا بمصدره الأساسي، القرآن، يقر التعددية بكل صورها وألوانها، ويبين للمسلمين وغير المسلمين أن الحياة تتسع للموافق والمخالف.
ونستطيع أن نَخْلُص بأن الاختلاف حقيقة كونية، وفريضة شرعية أقرها الإسلام، فإذا وصلنا إلى هذه النتيجة أيقنا أن الذين يتحدثون عن زوال هذا الاختلاف أو نفي وجوده أصلًا، وعن اجتماع الناس على رأي واحد غير منصوص عليه بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وهو الذي يمثل ثوابت الإسلام وأركانه، كلامهم يحتاج إلى نظر؛ حيث يصعب إثباته أو تطبيقه، وهو ما لم يحدث حتى في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين اختلفوا والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يتنزل عليه الوحي.
فالإنسان لا يمل من هذا الاختلاف، سواء كان في أمور شرعية أو أمور حياتية صرفة، ما دام ذلك بعيدًا عن التنازع المفضي إلى التفرقة والشقاق والبغضاء والبغي؛ بل من المهم أن يكون هذا الاختلاف منهج حياة، يطبقه الزوج والزوجة في بيتهما مع أولادهما، وتطبقه المؤسسات على اختلافها وتنوعها، بداية من الأسرة، النواة الأولى لبناء المجتمع، وصولًا إلى مؤسسة الدولة أو مجموعة الدول أو العالم بأسره؛ وذلك لتوطيد قيم الحوار والتسامح، اللذان يعدان من أرقى الروابط السامية للاجتماع البشري)(26).
نوقش:
نحن نقر أن الاختلاف فطرة فطر الله تعالى الناس عليها، لكن الاختلاف، أو الخلاف، نوعان: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد.
فأما ما عرضتم من اختلاف فهو من النوع الأول الذي لا غبار عليه، وأما الاختلاف بين الأحزاب الإسلامية، الذي نراه اليوم، فهو من خلاف التضاد المحرم والمنهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى التنازع والتفرق.
الدليل التاسع:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا»(27).
وجه الاستدلال:
في هذا المثل، الذي أورده الحديث، أدق تصوير للمسئولية الفردية والجماعية، ولِعقبى التفريط فيها، فالشخص الأخرق لو تُرِك يصنع ما يحلو له فسيقود المجتمع كله إلى طريق البوار، فإذا كثر هؤلاء الخرقاء، وتعددت الخروق التي يصنعونها، فالمجتمع غارق لا محالة.
ومما لا ريب فيه أن المعارضة الفردية، في وضع كهذا الوضع الذي ورد في الحديث الشريف، لا تكون مجدية، وأن المعارضة الجماعية هي الوسيلة الفعالة لاتقاء الكوارث السياسية بكل تداعياتها، الاقتصادية والاجتماعية...، وحتى تكون هذه المعارضة الجماعية فعالة ومجدية فلا بد أن تكون منظمة، وقد أثبت الفكر السياسي، في تطوره الحديث، أن الأحزاب السياسية هي الأطر الأكثر صلاحًا لتنظيم وإعداد المعارضة الجماعية(28).
نوقش:
نكرر ونؤكد: ما قلتم لا يستلزم وجود أحزاب سياسية؛ بل يكفي فيه هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا إن لم يستطع الأفراد القيام بهذا الواجب.
وهذا الحديث لا يصلح للاستدلال على مدعاكم؛ فأنتم تدعون ضرورة تكوين الأحزاب السياسية للحسبة على الحكام، وأين في الحديث شاهد ذلك؟!
الدليل العاشر:
عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم»(29).
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»(30).
وجه الاستدلال:
حيث خاطب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين كأمة وجماعة، ووجههم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كجماعة، وتوعدهم بالعقاب إن فرطوا في هذا الأمر، وأن العقاب ينزل عليهم أيضًا كجماعة، فهذان الحديثان يدلان على التكليف الجماعي للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نوقش:
يكفي في الجواب عليكم ما أوردناه توًا من أمرين هامين:
الأول: أن هذا يتحقق بهيئة تقام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الثاني: أن تعليلكم لقيام الأحزاب هو تقويم الحكام، وليس في الحديث إشارة إلى ذلك.
الدليل الحادي عشر:
عن كثير بن نمر قال: «بينا أنا في الجمعة وعلي بن أبي طالب على المنبر، إذ جاء رجل فقال: (لا حكم إلا لله)، ثم قام آخر فقال: (لا حكم إلا لله)، ثم قاموا من نواحي المسجد يحكمون الله، فأشار عليهم بيده: (اجلسوا، نعم، لا حكم إلا لله، كلمة حق يبتغى بها باطل، حكم الله ينتظر فيكم، الآن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئًا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلوا)، ثم أخذ في خطبته»(31).
وجه الاستدلال:
أن عليًا بن أبي طالب رضي الله عنه أقر وجود حزب سياسي في خلافته؛ حيث أقر الخوارج، مع اختلافهم معه، وتعهد بعدم منعهم حقوقهم.
نوقش:
كلا، لم يقرهم علي رضي الله عنه يومًا، وإنما فاصلهم وأمهلهم، فلما تجاوزوا الحد قاتلهم.
قال العجلي في ترجمة عبد الله بن خباب بن الأرت المدني: «وكان من كبار التابعين، ثقة، قتلته الحرورية، أرسله عليٌّ إليهم فقتلوه، فأرسل إليهم: (أقيدونا بعبد الله بن خباب)، فقالوا: (كيف نقيدك به وكلنا قتله)! فنفذ إليهم فقاتلهم»(32).
قال الشافعي في سياق كلامه عن الخوارج: «ولو قتلوا واليهم أو غيره قبل أن ينصبوا إمامًا، ويظهروا حكمًا مخالفًا لحكم الإمام، كان عليهم في ذلك القصاص.
قد أسلموا وأطاعوا واليًا عليهم من قبل علي رضي الله عنه، ثم قتلوه، فأرسل إليهم علي أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به، قالوا: (كلنا قتله)، قال: (فاستسلموا نحكم عليكم)، قالوا: (لا)، فسار فقاتلهم، فأصاب أكثرهم»(33).
وعند الدارقطني تفاصيل ذلك؛ فعن أبي الأحوص قال: «لما كان يوم النهروان كنا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه دون النهر، فجاءت الحرورية حتى نزلوا من ورائه، قال علي: (لا تحركوهم حتى يحدثوا حدثًا)، فانطلقوا إلى عبد الله بن خباب، فقالوا: (حدثنا حديثًا حدثك به أبوك سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال: (حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الساعي»، فقدموه إلى النهر فذبحوه كما تذبح الشاة، فَأُتِيَ علي رضي الله عنه فأُخبر، فقال: (الله أكبر، نادوهم أن أخْرِجوا إلينا قاتل عبد الله بن خباب)، فقالوا: (كلنا قتله)، ثلاث مرات، فقال علي رضي الله عنه لأصحابه: (دونكم القوم)، فما لبث أن قتلهم علي وأصحابه(34).
الدليل الثاني عشر:
القياس على تعدد المذاهب الفقهية، فنحن نرى أن الأمة الإسلامية قد تمذهبت بمذاهب عديدة، أشهرها المذاهب الأربعة؛ الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وما زال علماء الشريعة يتمذهبون على أحد هذه المذاهب منذ نشوئها وحتى يومنا هذا.
وبالقياس على ذلك نقول: وما الفرق بين المذاهب الفقهية، التي هي اختلاف في الدين والشريعة، وبين الأحزاب الإسلامية السياسية، التي هي اختلاف في وسائل تطبيق تلك الشريعة؟
ومن أجمل ما قيل في هذا الشأن قول الدكتور يوسف القرضاوي: «الأحزاب مذاهب في السياسة، والمذاهب أحزاب في الفقه»(35).
نوقش:
المذاهب السياسية تختلف اختلافًا جذريًا عن المذاهب الفقهية؛ فإن المذاهب الفقهية عبارة عن فقيه برز بآرائه الفقهية حتى اشتهر أمره، وصار له أتباع ينشرون آراءه تلك، بخلاف الأحزاب السياسية، التي هي اختلاف على أفراد وتعصب لهم.
أجيب:
ليس الأصل في الأحزاب السياسية هو التعصب للأشخاص؛ بل هذا انحراف عن الأصل، تمامًا كما حدث لأتباع المذاهب الفقهية من تعصب لمشايخهم عانى المسلمون منه حينًا من الزمان، لدرجة أن المتمذهب بمذهب معين لم يكن يصلي خلف من يخالفه مذهبه، وحتى كانت تعقد في المسجد الواحد عدة جماعات؛ لأتباع كل مذهب جماعة منفصلة، وحتى كان الرجل لا يزوج ابنته ممن يخالفه مذهبه الفقهي...، مع أنه أيضًا ليس الأصل في المذاهب الفقهية.
وعليه: فليس من المنطق أن نمنع تعدد الأحزاب أو تعدد المذاهب لانحراف طرأ عليها؛ بل العقل يقتضي العودة بالمذاهب والأحزاب إلى الأصل فيها؛ كأدوات للإثراء والتنوع الإيجابي، والبعد عن أي غلو أو انحراف.
الدليل الثالث عشر:
أن الأصل في الأشياء الإباحة، والتعددية السياسية تفي بمتطلبات الأمة وحاجاتها، وتقيها من شر الاستبداد بالحكم، كما أنها تقوي وحدة المجتمع من خلال التنظيم الذي يجمع في إطاره من تبنى أفكاره، ولا يوجد في الشريعة الغراء ما يمنع من هذه التعددية، ويحول بينها وبين إقامتها، فتكون التعددية السياسية مباحة في أدنى درجاتها(36).
أدلة القائلين بعدم جواز قيام أحزاب في الدولة الإسلامية:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].
وفي الحديث: «ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا»(37).
وجه الاستدلال:
أن الله عز وجل قد أمرنا بالتوحد والاعتصام، وحذرنا من التفرق، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي زادنا صلى الله عليه وسلم أن الاختلاف كان سبب هلاك من قبلنا، من هنا ندرك أن اتحاد الأمة فريضة، وأن تفرقها محرم.
وعليه: فيحرم تعدد الأحزاب في الدولة الإسلامية؛ لأنه يؤدي، لا محالة، ليس فقط إلى التفرق؛ بل إلى التشرذم والتقاطع والتدابر؛ بل وربما إلى التقاتل.
نوقش:
التعدد لا يعني بالضرورة التفرق، كما أن بعض الاختلاف ليس ممقوتًا؛ مثل الاختلاف في الرأي نتيجة الاختلاف في الاجتهاد، ولقد اختلف الصحابة في مسائل فروعية كثيرة، ولم يضرهم ذلك شيئًا؛ بل اختلفوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم في بعض القضايا؛ مثل اختلافهم في صلاة العصر في طريقهم إلى بني قريظة، وهي قضية مشهورة، ولم يوجه الرسول الكريم لومًا إلى أي من الفريقين المختلفين.
وعلى هذا فإنه لا مانع أن تتعدد الجماعات العاملة للإسلام ما دامت الوحدة متعذرة عليهم، بحكم اختلاف أهدافهم واختلاف مناهجهم، واختلاف مفاهيمهم، واختلاف ثقتهم بعضهم ببعض.
على أن يكون هذا التعدد تعدد تنوع وتخصص، لا تعدد تعارض وتناقض، يقف الجميع صفًا واحدًا في كل القضايا المصيرية، التي تتعلق بالوجود الإسلامي، وبالعقيدة الإسلامية، وبالشريعة الإسلامية، وبالأمة الإسلامية.
وعلى أية حال، يكون حسن الظن والتماس العذر فضيلة يتصف بها جميع الأطراف، فلا تأثيم ولا تضليل ولا تكفير؛ بل تواص بالحق، وتواص بالصبر، وتناصح في الدين، مع التزام الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
ومثل هذا التعدد أو الاختلاف، اختلاف التنوع، لا يؤدي إلى تفرق ولا عداوة، ولا يلبس الأمة شيعًا، ويذيق بعضها بأس بعض؛ بل هو تعدد واختلاف في ظل الأمة الواحدة، ذات العقيدة الواشجة، فلا خوف منه، ولا خطر فيه؛ بل هو ظاهرة صحية(38).
الدليل الثاني:
قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4].
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وشبك بين أصابعه(39).
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوًا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»(40).
وجه الاستدلال:
فهذه الأحاديث دليل واضح على وجوب وحدة الأمة، وهي دليل أيضًا على تحريم كل الأمور التي تحول دون الوحدة الكاملة، فإن تمثيل الرسول المؤمنين بالجسد الواحد، وكذلك بالبنيان الذي يشد بعضه بعضًا، لدليل، ما بعده دليل، على حرمة التباغض والتدابر، وقد حرص كل الحرص على توثيق الأخوة الإيمانية بين المسلمين ليكونوا أمة واحدة متعاضدة متراحمة، على خلاف ما هي عليه اليوم من التباغض والتدابر، ولا شك أن تعدد الأحزاب في الأمة يسهم إسهامًا كبيرًا في تفرقها وعدم وحدتها؛ بل وفي تخالف قلوبها وتشتيت جهودها(41).
نوقش:
إنما الأحزاب وسائل للتجميع والتوحد والتعاون على الخير وليس العكس؛ فهي تجمع الأفراد ذوي التوجه الواحد لتكون لكلمتهم وزن، ولتسمع آراؤهم، وإن انحرفت الأحزاب عن هذا، فهي آفة وعلة طرأت عليها، والواجب ساعتها هو ردها إلى الأصل فيها، وليس إسقاطها ومحوها وتحريم وجودها.
الدليل الثالث:
قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46].
وجه الاستدلال:
ففي الآية تحذير واضح من الله عز وجل من التنازع الذي يؤدي لا محالة إلى التفرق والتشرذم، وأنه سبب أكيد في الفشل وضياع التأثير والقوة، وواقع التعدد الحزبي يشهد بأن كل ذلك متحقق في الأحزاب السياسية؛ نزاع وتعارض وتضاد وتقاطع...، ومن هنا نقول بحرمتها والمنع من تكوينها.
نوقش:
بنفس ما نوقش به الدليل السابق.
الدليل الرابع:
قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:31-32].
وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون:52-54].
وجه الاستدلال:
في الآية الأولى، وفي غيرها من آيات القرآن، بيان أن التحزب، بتفرق الأمة شيعًا، من صفات المشركين لا المؤمنين؛ بل وفي آية أخرى قد أعلن الله تعالى براءة نبيه صلى الله عليه وسلم ممن تفرقوا شيعًا وأحزابًا، وهم اليهود والنصارى ومن شابههم، في فعلهم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159].
وفي الثانية بيان أن الأصل في الأمة الإسلامية الوحدة والاتحاد، والتأسف على الأمم التي تفرقت أحزابًا، كل منها مغتر برأيه، ثم توعدهم الله على هذا.
نوقش(42):
أولًا: كلمة (شيعة)، التي وردت في الآيات، تحمل نفس المعنى الذي تحمله كلمة حزب، أو طائفة، أو فرقة، ولكن استخدام هذه الكلمات لا تصل بنا إلى نتيجة قطعية؛ لأنه كما استخدمت هذه المصطلحات في مقام الذمّ فقد استخدمت في مقام المدح في آيات أخرى، وبما يدل على الفئة الراشدة المهدية، ومن ذلك قول الله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:15]، وقال سبحانه: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:83]، فجاءت في الموقع الأول تشير إلى شيعة موسى، وفي الثاني إلى أن إبراهيم كان من شيعة نوح، ويَصْدقُ الأمرُ ذاته على الكلمتين الأخريين.
ثانيًا: رغم أن القرآن الكريم قد حرم تفرقة الدين، وما يئول إليه من الانقسام إلى شيع، فقد توقع إمكانية تواجد الخلاف الذي قد يؤدي إلى الاقتتال، وذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]، ومع هذا الخلاف الذي وصل إلى درجة الاقتتال، فقد أشار القرآن إلى الطوائف الثلاث؛ الطائفتان المقتتلتان، والطائفة الساعية إلى الصلح بينهما باعتبارها من المؤمنين.
ثالثًا: أن الأدلة القرآنية التي تنهى عن التفرق إلى شيع وفرق وأحزاب، وتحض على الاجتماع والاعتصام، محمولة على أساس الافتراق والاختلاف في الأصول الكلية.
قال ابن كثير: «وقوله: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} أي: لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم؛ أي: بدلوه وغيروه، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض.
وقرأ بعضهم: (فارقوا دينهم)؛ أي: تركوه وراء ظهورهم، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان، وسائر أهل الأديان الباطلة، مما عدا أهل الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159]، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملل باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنها على شيء، وهذه الأمة أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين»(43).
وقال القرطبي: «قرأه حمزة والكسائي: (فارقوا) بالألف، وهي قراءة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، من المفارقة والفراق، على معنى أنهم تركوا دينهم وخرجوا عنه، وكان علي يقول: (والله، ما فرقوه ولكن فارقوه)، وقرأ الباقون بالتشديد، إلا النخعي فإنه قرأ (فرقوا) مخففًا، أي آمنوا ببعض وكفروا ببعض، والمراد اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي والضحاك، وقد وصفوا بالتفرق، قال الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:4]، وقال: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء:150]، وقيل: عنى المشركين، عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة.
وقيل: الآية عامة في جميع الكفار، وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر الله عز وجل به فقد فرق دينه»(44).
وهذا التفرق محظور شرعًا؛ لأنه يفضي إلى زعزعة أركان ومقومات الدولة المسلمة، أما الاختلاف الذي يكون في المسائل الاجتهادية، أو في الوسائل والسياسات، أو يكون على أساس المنافسة في أعمال الخير، فهذا لا ضير ولا تثريب فيه، ولا يتعارض وأحكام الشريعة الغراء، لا سيما أن الاختلاف في الفروع وقع بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وقع بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
قال الشاطبي خلال كلامه عن أسباب الخلاف: «والثالث: أنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة، وهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم، بحيث لا يصح إدخالهم في قسم المختلفين بوجه، فلو كان المخالف منهم في بعض المسائل معدودًا من أهل الاختلاف، ولو بوجه ما، لم يصح إطلاق القول في حقه أنه من أهل الرحمة، وذلك باطل بإجماع أهل السنة.
والرابع: أن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة، وإذا كان من جملة الرحمة فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجًا من قسم أهل الرحمة.
وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة ما روي عن القاسم بن محمد قال: (لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل؛ لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة).
وعن ضمرة بن رجاء أن عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد اجتمعا، فجعلا يتذاكران الحديث، فجعل عمر يجيء بالشيء يخالف فيه القاسم، وجعل القاسم يشق ذلك عليه حتى يتبين ذلك فيه، فقال له عمر: «لا تفعل؛ فما يسرني باختلافهم حمر النعم»(45).
الدليل الخامس:
قول الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص:4].
وجه الاستدلال:
إن الانقسام إلى أحزاب يؤدي إلى فقدان القوة؛ مما يؤدي بدوره إلى تعريض الناس للاستعباد، وهذه السنة استغلها فرعون في تفريق قومه إلى شيع؛ حتى يتسنى له استعبادهم وإذلالهم(46).
نوقش:
أولًا: إنما نقول بجواز تعدد الأحزاب الإسلامية في حالة ما إذا امتنع كونهم كيانًا واحدًا متماسكًا، وإنا نرى ذلك ممتنعًا؛ لأسباب كثيرة قد قدمنا طرفًا منها، من أهمها أن الله تعالى فطر الناس على الاختلاف في الأفهام والعقول والظروف والتوجهات...، لكن إذا أمكن التوحد في حزب إسلامي واحد أو كيان واحد فذاك ما نصبو إليه ونتمناه.
ثانيًا: إنما نقول بجواز تعدد الأحزاب الإسلامية لتقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كبديل لقيام الأفراد به، لنفس السبب الذي ذكرتموه أنتم؛ لئلا يستبد الحكام، ولسبب آخر وهو: أن إخماد صوت حزب متماسك قوي أصعب من إخماد صوت أفراد متفرقين.
فإنما نقول بجواز التجمع في أحزاب كبديل للتفرق كأفراد، وليس كبديل للتجمع تحت راية واحدة؛ بل هذا ما نتمناه إن كان ممكنًا.
الدليل السادس:
قوله تعالى: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]، ثم قال بعدها بآيتين: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:17]، وقال تعالى: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد:36]، وقال تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} [مريم:37]، وقال تعالى: {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} [ص:13]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} [غافر:5].
وجه الاستدلال:
أن كلمة: (حزب) بصيغة المفرد، قد وردت في القرآن الكريم على وجهين: وجه يفيد المدح، ووجه يفيد الذم، وحزب الله واحد لا يتعدد، يتمثل في جماعة المسلمين وإمامهم الذين يكونون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الهدى والفهم لهذا الدين.
أما الوجه الذي يفيد الذم فهو كل حزب غير حزب الله سبحانه وتعالى.
بينما لم تُذكر كلمة: (الأحزاب) بصيغة الجمع والتعدد إلا على وجه الذم والإنكار، وقد وردت في القرآن الكريم في أحد عشر موضعًا، كلها جاءت بصيغة الذم.
شاهِدُنا من هذا أن الإسلام لو كان يقبل بفكرة التعددية الحزبية، فتصبح جميع هذه الأحزاب على حق، لجاءت، ولو مرة واحدة، آية تشير إلى أن أحزاب الله هم المفلحون أو الغالبون، ولكن الحق واحد لا يتعدد، وما دونه فهو الضلال: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32](47).
نوقش:
بل كل الأحزاب الإسلامية التي تُعلي حكم الله تعالى وتعمل له هي من حزب الله تعالى وإن تعددت، وإنما سبب تعبير القرآن بالمفرد عن جميع من يعمل للدين هو أنها وإن تعددت، واختلفت في الوسائل والأساليب، فإن هدفها واحد؛ هو إعلاء كلمة الله تعالى؛ ولذا فالجميع، مهما اختلفوا في الوسائل، حزب واحد.
ولقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم تمايزات كانت بين الصحابة أنفسهم، تميز بعضهم عن بعض؛ فعُرف المهاجرون، وعرف الأنصار، وأهل بيعة الرضوان، وأهل غزوة بدر...، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم تلك التفريقات بين المسلمين ما دام الجميع يعمل لدين الله.
أجيب:
ما ذكرتم شاهد عليكم وليس لكم؛ فلما أصبحت تلك المسميات سبب فرقة وتنازع بين المسلمين أنكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها من أمر الجاهلية.
فعن جابر بن عبد الله قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: (يا للأنصار)، وقال المهاجري: (يا للمهاجرين)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال دعوى الجاهلية؟)، قالوا: (يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار)، فقال: (دعوها فإنها منتنة)»(48).
وهذا هو واقع الأحزاب الإسلامية اليوم؛ تنازع وتقاطع وتدابر وتعصب، ومعاداة وموالاة على الحزب.
نوقش ثانية:
إن تحقق في الأحزاب الإسلامية ما قلتم فإن الحل هو إصلاحها وتقويمها وليس إلغاؤها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينههم عن التسمي بالمهاجرين والأنصار، وإنما نهاهم عن التعصب لتلك المسميات.
الدليل السابع:
قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، قلنا: «يا رسول الله، اليهود، والنصارى»، قال: «فمن»(49).
وجه الاستدلال:
أن تكوين الأحزاب اتباع لغير سبيل الصحابة، وهم المقصودون بالمؤمنين في الآية؛ لأنهم لم يفعلوه؛ بل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا اتباع لغير المسلمين من اليهود والنصارى، وتقليد لهم منهي عنه.
نوقش:
إن الذي نهينا عنه وحذرنا منه هو التقليد الأعمى لغيرنا، بحيث نغدو مجرد ذيول تَتبع ولا تُتبع، «حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، والتشبه الممنوع هو ما كان تشبهًا فيما هو من علامات تميزهم الديني؛ كلبس الصليب للنصارى، والزنار للمجوس، ونحو ذلك مما يدخل صاحبه في زمرة المتشبه بهم، ويحيله كأنه واحد منهم.
أما الاقتباس منهم فيما عدا ذلك مما هو من شئون الحياة المتطورة فلا حرج فيه، ولا جناح على مَن فعله، والحكمة ضالة المؤمن، أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، وقد حفر الرسول صلى الله عليه وسلم خندقًا حول المدينة، ولم تكن مكيدة تعرفها العرب، إنما هي من أساليب الفرس، أشار بها سلمان، واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتمًا يختم به كتبه حين قيل له: إن الملوك لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختومًا، واقتبس عمر نظام الخراج، ونظام الديوان، واقتبس معاوية نظام البريد، واقتبس من بعده أنظمة مختلفة.
وعلى هذا لا غضاضة ولا حرج من اقتباس مبدأ التعدد الحزبي من الديمقراطية الغربية بشرطين:
أولهما: أن نجد في ذلك مصلحة حقيقية لنا، ولا يضرنا أن نخشى من بعض المفاسد من جرائه، المهم أن يكون نفعه أكبر من ضرره، فإن مبنى الشريعة على اعتبار المصالح الخالصة أو الغالبة، وعلى إلغاء المفاسد الخالصة أو الراجحة، وقوله تعالى في الخمر والميسر: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219]، أصل في هذا الباب.
وثانيهما: أن نعدل ونطور فيما نقتبسه، حتى يتفق مع قيمنا الدينية ومُثُلنا الأخلاقية، وأحكامنا الشرعية، وتقاليدنا المرعية، ولا يجبرنا أحد أن نأخذ النظام بحذافيره وتفاصيله، ومنها: التعصب للحزب بالحق وبالباطل(50).
الدليل الثامن:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية»(51).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتة جاهلية»(52).
وغيرها من الأحاديث التي تحث على الجماعة، وتحذر من الفرقة.
وجه الاستدلال:
في هذه الأحاديث أمر صريح بلزوم الجماعة، وتوعد صريح للمفارق للجماعة، ووصف ميتته بالجاهلية، وذم العصبية والدعوة إليها ونصرتها، والتوعد والذم لا يكون إلا على فعل محرم، أو ترك واجب، فتكون الأحزاب السياسية محرمة؛ لأنها تقوم على أساس العصبية ومفارقة الجماعة(53).
نوقش:
أولًا: غاية ما في هذه الأحاديث الأمر بلزوم الجماعة، والنهي عن مفارقتها، وذم العصبية، وتحريم الدعوة إليها، والقتال عليها، والأحزاب السياسية الإسلامية من أهم أهدافها تحقيق معاني الجماعة، ومقاومة الفرقة والاختلاف، ومحاربة العصبية، وتعميق معاني الأخوة بين المسلمين.
ثانيًا: إن الذي يورث التفرق والاختلاف في الحياة الحزبية هو التعصب المقيت، واعتقاد أهلها أنهم على حق محض، وما دونهم باطل محض، وهذا الاختلاف لا يكون إلا على أساس عقائدي؛ وبالتالي فالأحزاب الإسلامية غير ذلك، فتعددها مشروع؛ لأنه تعدد في الوسائل والسياسات؛ فيكون لا فرقة فيه ولا اختلاف(54).
قال ابن تيمية رحمه الله: «وأما (رأس الحزب) فإنه رأس الطائفة التي تتحزب؛ أي: تصير حزبًا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله، من غير زيادة ولا نقصان، فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا؛ مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان»(55).
الدليل التاسع:
قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
عن عبد الله بن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا، وخط عن يمين الخط وعن شماله خُطَطًا، ثم قال: «هذا صراط الله مستقيمًا، وهذه السبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام:153](56).
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم فيُذَبُّ عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا»(57).
وعن العرباض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: (يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟) قال: (قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة، وإن عبدًا حبشيًا، عضوا عليها بالنواجذ)»(58).
وفي لفظ: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»(59).
وعن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: (صبحكم ومساكم)، ويقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الْهُدَى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)»(60).
وجه الاستدلال:
أن القول بتعدد الأحزاب السياسية في الإسلام هو قول مفترى ومحدث، وهو طرح غريب على ثقافة وعقيدة الأمة؛ حيث لم يكن معهودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، الذين أُمرنا بالاقتداء بسنتهم وهديهم، ولا في القرون الأولى المشهود لها بالخيرية والفضل.
نوقش:
أولًا: هناك فرق بين أصول الدين والدعوة وثوابتهما وبين الوسائل والأساليب؛ فالأولى ينطبق عليها ما نقلتم من أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الثانية فهي من باب العادات التي لا يقال عنها ابتداع، وتكوين الأحزاب وتعددها ليست من أصول الدين وثوابته كي يكون فيها ابتداع، لكنها من الوسائل الدعوية التي يجوز فيها التجديد والابتكار، إذ الراجح فيها أنها اجتهادية.
ثانيًا: تكوين هذه الأحزاب مما توجبه نصوص الشرع العامة، وقواعده الكلية، فالله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، ويقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «يد الله مع الجماعة»(61).
والقاعدة الفقهية تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، ومن المؤكد أن خدمة الإسلام في هذا العصر، والمحافظة على كيان أمته، والعمل لإقامة دولته، لا يمكن أن يتم بجهود فردية متناثرة هنا وهناك؛ بل لا بد من عمل جماعي يضم القوى المتشتتة، والجهود المبعثرة، والطاقات المعطلة(62)، ومن أدوات ذلك تكوين الأحزاب الإسلامية.
الدليل العاشر:
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيها الناس، ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه»(63).
وفي لفظ: «ما تركت شيئًا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئًا يباعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه»(64).
وجه الاستدلال:
لو كان تشكيل الأحزاب السياسية وتعددها، في الأمة الواحدة، مما يقرب إلى الله عز وجل وإلى رضوانه، ومما يبعد عن النار لكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بينه لأمته بنص صريح، أو فعل، أو إقرار لا يحتمل الصرف أو التأويل.
نوقش:
لقد قَصَر النبي صلى الله عليه وسلم كلامه على بيان كل شيء يقرب إلى الجنة، أو يباعد عن النار، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يتعهد ببيان كل الأشياء غير ذلك؛ بل لقد ترك أشياء لم يبينها رحمة بنا، وفتحًا لباب الاجتهاد، والدليل على ذلك:
ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(65).
وعند مسلم: «ذروني ما تركتكم»، فهو دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك بيان أشياء عامدًا، ولم يبين كل الأشياء.
الدليل الحادي عشر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»(66).
وعن نافع أن عبد الله بن عمر جاء إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: «اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة»، فقال: «إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدًا من طاعة لَقِيَ الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)»(67).
وجه الاستدلال:
حيث أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين طاعة أميرهم، وحرم الخروج عليه ومنازعته، والأحزاب السياسية قائمة على منازعة الحاكم، والعمل على إزاحته، والوصول للحكم مكانه، ومنازعة الحاكم حرام بنص الحديثين.
نوقش:
أولًا: نوافقكم؛ فإنه لا خلاف في حرمة الخروج على الحاكم طالما أنه يحكم بشريعة السماء، وبذلك تكون الأدلة خارجة عن محل النزاع؛ فالأحزاب الإسلامية لا تشق عصا الطاعة عن الحاكم المسلم؛ بل إنها تعضد وتقوي بيعته، ويتمثل دورها في طرح البرامج السياسية وغيرها، والسعي في طريق تنفيذها، كما أن قيام الأحزاب السياسية في الدولة الإسلامية لا يكون إلا بإذن الإمام، إلا إذا كان الإمام جائرًا فتقضي الضرورة تشكيل معارضة سياسية، تقوم بفريضة التغيير، ولا تحتاج وقتها إلى إذن الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف»(68)(69).
ثانيًا: إنما تتم البيعة للإمام في عصرنا عن طريق الانتخاب، لمدة معينة محددة، أربع سنوات أو أكثر، وبانتهائها ينزل هو عن إمامته، ولا يحق له الاستمرار كإمام للمسلمين، ومهمة الأحزاب، عند ذلك، أن تقيم من يترشح في تلك الانتخابات ليكون إمامًا للمسلمين.
أما قبل انتهاء مدته المشترطة «والمسلمون على شروطهم»(70)، فإن أحدًا من الأحزاب لا يستطيع منازعته أو منافسته، إلا في حالة إن طغى وتجبر وظلم؛ «سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فنهاه وأمره فقتله»(71)، أو في حالة إن خرج عن الحكم بما أنزل الله تعالى، فعندها يحل الخروج عليه؛ «وألَّا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان»(72).
الدليل الثاني عشر:
عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وُكِلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها»(73).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة»(74).
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: (أَمِّرْنا يا رسول الله)، وقال الآخر مثله، فقال: (إنا لا نُوَلِّي هذا من سأله، ولا من حرص عليه)»(75).
وجه الاستدلال:
حيث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم، في جلاء، حرمة طلب الإمارة، وأن من طلبها وسعى إليها ينبغي ألا يُولَّى، وإن نالها بطلبه وُكِل إليها، والتعددية السياسية قائمة على التنافس في طلب الولاية، فالسعي إلى الحكم هو مفرق الطرق بين الأحزاب السياسية، وبين غيرها من التكتلات البشرية الأخرى، فأنى تتحقق المشروعية لهذا النظام مع قيامه ابتداءً على مناقضة هذه النصوص؟!(76).
نوقش:
لا نخالفكم في أن الأصل حرمة طلب الإمارة والسعي إليها، لكن هناك ضرورات تحتم طلبها؛ فإنه إن صمت الكفء المؤهل لحمل المسئولية والحامل همَّ إقامة شرع الله وتقاعس فإن غير الكفء يتقدم ويتجرأ ويتصدر، وهذا من أعظم المفاسد.
ولهذا طلب يوسف عليه السلام أن يكون وزيرًا للتموين؛ {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]، والسبب: أن يوسف عليه السلام اعتبرها ضرورة؛ إذ لم يجد غيره صالحًا لتلك المهمة، وقد طلبها سليمان عليه السلام: {وَهَبْ لِي مُلْكًا} [ص:35].
وقد بوَّب الإمام مسلم بابًا بعنوان: (باب: كراهة الإمارة بغير ضرورة)، إشارة منه أن طلبها جائز عند الضرورة.
كذلك بوَّب البيهقي في السنن الكبرى بابًا بعنوان: (باب: كراهية الإمارة، وكراهية تولي أعمالها لمن رأى من نفسه ضعفًا، أو رأى فرضها عنه بغيره ساقطًا)، فمن لم يجد ثقةً غيرَه يُسقِط عنه فرضَها فله أن يطلبها مضطرًا.
الدليل الثالث عشر:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: (يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟)، قال: (نعم)، قلت: (وهل بعد ذلك الشر من خير؟)، قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: (وما دخنه؟)، قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)، قلت: (فهل بعد ذلك الخير من شر؟)، قال: (نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: (يا رسول الله، صفهم لنا؟)، فقال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟)، قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، قلت: (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟)، قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)»(77).
وجه الاستدلال:
السياق واضح أن الحوار، الذي جرى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين حذيفة، كان حول الاجتماع والافتراق في مجال السياسة، والسؤال الأخير ينطبق تمامًا على الظروف التي استجدت على ساحة العالم الإسلامي في أواخر الخلافة العثمانية، وبعد إلغائها، والجواب يوجب الالتزام بطاعة الأمير والانضمام إلى رايته، فإذا وصل الحال إلى انتهاء الإمارة بلا أمير، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فالواجب الابتعاد عن جميع الجماعات والفرق التي تتناطح للحصول على الإمارة والسلطة، وكل هدفها هو السلطة، وليس لها عقيدة واضحة، أما إذا ظهر إمام مسلم عادل فالواجب السير خلفه(78).
نوقش:
أولًا: الفرق المأمور باعتزالها بقوله: «فاعتزل تلك الفرق كلها» هي فرق الضلال والكفر، ولا يصح حمل الأمر: «فاعتزل»، في الحديث على الفرق والأحزاب جميعها، فالحديث لا يأمر باعتزال الأحزاب السياسية المسلمة، وإلا لتناقض مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس»(79).
ثانيًا: لزوم حزب أو جماعة مسلمة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، لا يتناقض ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فإذا أعملنا الحديثين فاعتزلنا فرق الضلال والكفر جميعها، وأنشأنا حزبًا سياسيًا مسلمًا صرفًا يأخذ على عاتقه نصح الخليفة المسلم، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، ونصرته، وحض الأمة على طاعته بالمعروف، والاستقامة إليه ما استقام لها، فعندئذ يتحقق في الأمة قول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110](80).
الراجح:
بعد استعراض القولين وبعض أدلتهما، وما وجه إليها من مناقشات، فإننا نرى رجحان القول الأول، القائل بجواز تكوين أحزاب إسلامية بشروط.
وننكر على من قال بجواز التعدد المطلق للأحزاب في الدولة الإسلامية؛ بأن يسمح بأحزاب علمانية، أو شيعية، أو غيرها من النحل داخل كيان الدولة الإسلامية، بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمح لليهود بالعيش معه في المدينة المنورة!
وإننا نرى هذا في غاية البطلان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حل بالمدينة ضيفًا على أهلها، وتعايش مع اليهود بمقتضى معاهدة أبرمت معهم، فلما خانوا وغدروا أجلاهم وطردهم منها.
ومن أسباب الترجيح:
أولًا: عموم الأدلة الآمرة بالتعاون على الخير، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبارها واجبًا جماعيًا.
ثانيًا: أن أدلة الفريق الثاني، سواءً التي تأمر بالتوحد أو التي تنهى عن التفرق، إنما تنصب على حالة واحدة، وهي: ما إذا كان الأصل في الأحزاب هو التفريق والتنازع، وهذا لا يسلم لهم؛ لأن الأصل فيها عكس ذلك.
وأما الخلاف الفطري الذي لا بد منه فهذا مما لا يلام عليه؛ فقد وقع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنه، وما أمره صلى الله عليه وسلم للصحابة: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»(81)، منا ببعيد، وقد حفظنا كيف أن أبا بكر وعمر كانا يختلفان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحدهما، والأمثلة على ذلك أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر.
وأما أدلتهم التي تنهى عن الابتداع فإنما يكون الابتداع في أصول الدين، لا في الوسائل التي يؤدى به المأمور؛ كواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأحزاب من هذا القبيل؛ فإنها وسيلة إلى إقامة أمر الله تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثًا: أن معنى القول بحرمة الأحزاب الإسلامية، والتي أصبحت أداة التغيير المشروعة في عصرنا، أن يترك من يريدون إعلاء كلمة الله المجال فسيحًا لمن لا يريد الإسلام أصلًا من أحزاب منحرفة، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى.
رابعًا: أننا نجد الخلاف والتشرذم والتنابز والتدابر إنما وقع، بشكل أظهر وأوسع، بين من يقولون بمشروعية الأحزاب الإسلامية، وبين من يعتبرونها بدعة وضلالة، ولو ارتفع اعتبارها بدعة لانقضى أكثر التفرق والتنازع.
لأننا لا نستطيع القول برفع رأي من قال بمشروعيتها؛ لأن الضرورة تحتمها كأداة لإحقاق الحق وإبطال الباطل في عصرنا.
شروط وضوابط تعدد الأحزاب الإسلامية:
الأول: أن تعترف بالإسلام، عقيدة وشريعة، ولا تعاديه أو تتنكر له، وإن كان لها اجتهاد خاص في فهمه، في ضوء الأصول العلمية المقررة(82)، (فالأصل الجامع الذي ينبغي أن يجمع بين فصائل العمل الإسلامي هو الالتزام المُجمَل بأصول أهل السنة والجماعة، والبراءة المجمَلَة من كل ما يخالفها من الفرق والأهواء)(83).
الثاني: ألا تعمل لحساب جهة معادية للإسلام ولأمته، أيًا كان اسمها وموقعها(84).
الثالث: الابتعاد عن التعصب البغيض والمولاة والمعاداة على الانتماء الحزبي، فضلًا عن قيامها على أساسه.
الرابع: ألا تَتحزَّب على أصل بدعيٍّ، يخالف أصول أهل السنة والجماعة، أو بدع جزئية كثيرات.
الخامس: ألا تتجه إلى منازعة السلطان المسلم العدل، الذي يقيم في الناس كتاب الله، ويُقر بمرجعية الشريعة في علاقة الدين بالدولة، وفي علاقة الدين بالحياة، ولا تسعى في نقض بيعته، أو حل عقدة إمامته؛ إلا إذا كان ذلك من خلال منظومة دستورية اتُّفِق عليها في مشارطة مسبقة بين الحاكم والمحكوم.
السادس: الاتفاق بين الأحزاب الإسلامية على الكليات والثوابت، والتغافر في موارد الاجتهاد؛ حتى تتآلف القلوب فلا تختلف، وتتعارف الأرواح فلا تتناكر، ولا بد من المواجهة الشُّجاعة والحكيمة لقضايا الخلاف المنتشرة بين فصائل العمل الإسلامي، وتطويق الخصومة الدائرة حولها تمهيدًا لإنهائها(85).
السابع: سعة الصدر للخلاف والاختلاف، وأن تتخلى عن فكرة أنها هي الجماعة، وأن ما سواها باطل، بمعنى: تقبل الآخر، وعدم طرحه وإسقاطه، وأن يكون المبدأ: التعاون فيما اتفقنا عليه، والتماس العذر للآخر فيما نختلف فيه، وحسن الظن بالآخرين.
الثامن(86): أن يكون الالتزام بالحق والمصالح العامة للأمة هو البديل عن الالتزام الحزبي، فالذي يحكم القرار والاختيار والتوجه هو الحق والمصلحة، وليس مجرد الانتماء إلى الحزب، أو الانتساب إلى تكتل سياسي بعينه، فهذا يمثل في ميزان الشرع جريمة منكرة.
التاسع: أن يكون هدف هذه الأحزاب العمل على تحقيق المصالح العامة للأمة، ودفع المفاسد عنها، وإفراغ الجهد في ذلك، وأن تكون هذه المصالح بمثابة الإطار الجامع الذي يتفق الجميع على دعمه، وهم في هذه الدائرة نسيج واحد وحزب واحد، وهم يد على من سواهم، ولا يمنع التفاوت فيما وراء ذلك من الأساليب من تماسك كافة هذه الفصائل والتقائها جميعًا في هذا الخندق الجامع.
العاشر: المحافظة على وحدة الأمة المسلمة؛ إذ تمثل الوحدة صمام الأمان في علو شأن الأمة، وقوة شوكتها ومجابهتها لأعدائها.
الحادي عشر: التناصح والتواصي بالخير: وهذا من لوازم التعددية السياسية الإسلامية؛ حتى تكون الأمة قوية موحدة، لا تفرقها الوسائل المتباينة في خدمة الإسلام، والله تعالى يقول: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3].
عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة»(87)، وعن جرير بن عبد الله قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم»(88).
الثاني عشر: أن تنتهج الأحزاب السياسية أسلوب الوسطية في أقوالها وأعمالها وأحوالها، دون إفراط أو تفريط، فمن مقاصد الدين الإسلامي بناء المجتمع المسلم الوسط، وإن الغلو أو الجفاء يخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فدين الله تعالى بين الغالي والجافي {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143].
الثالث عشر: الإخلاص التام في العمل، والاعتراف بالتقصير، ودوام الاتصال مع الله سبحانه وتعالى، وبهذا تحفظ الدعوة والحركات الإسلامية، فينبغي على العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ألا يألوا جهدًا ولا يدخروا وقتًا في خدمة دعوة الله، والخضوع والانقياد له تعالى، فيبذلوا ويجاهدوا ويدعوا، وفي المقابل لا يزكوا أنفسهم، ولا يدَّعوا الكمال، ولا يصيبهم العجب؛ بل يتهمون أنفسهم دومًا بالنقص والتقصير، فيجددوا توبتهم وإنابتهم لله تعالى، قال سبحانه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:21].
وهكذا، إذا كانت الجماعات الإسلامية سليمة الفطرة، معترفة بتقصيرها في جنب الله، فإن الشدائد تجملها، وتوحد صفها في مواجهة أعداء الله، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه العاملون للإسلام دومًا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4].
_______________
(1) تفسير ابن كثير (4/ 362).
(2) من فتوى للشيخ يوسف القرضاوي، تحت عنوان: التعددية الحزبية.. رؤية فقهية، انظر: موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة، جمع وإعداد: علي بن نايف الشحود (1/ 29).
(3) انظر: تعدد الأحزاب في ظل الدولة الإسلامية، د. يوسف القرضاوي.
(4) انظر: إيجابيات وسلبيات تعدد الأحزاب الإسلامية، مجدي داود، نقلًا عن موقع مجلة البيان.
(5) وإن كان يقول بالتعددية المطلقة، بحيث يسمح للأحزاب غير الإسلامية في الدولة المسلمة، انظر: التعددية السياسية في الدولة المسلمة، إصدار: مركز بحوث تطبيق الشريعة الإسلامية، إسلام آباد، تلخيص وعرض: خالد أحمد الشنتوت، المدينة المنورة، نقلًا عن موقع: أدباء الشام.
(6) من حوار مع فضيلته، إعداد مجلة البيان.
(7) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة، موقع: المركز الفلسطيني للإعلام.
(8) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ومن أقواله: «إن الإسلام هو دين الوحدة في كل شيء، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه، ولا يوافق عليه»، ويقول أيضًا: «وأعتقد أن هذه الأحزاب المصرية الحالية مصنوعة أكثر منها حقيقية، وأن العامل في وجودها شخصي أكثر منه وطني، وأن المهمة والحوادث التي كونت هذه الأحزاب قد انتهت، ويجب أن ينتهي هذا النظام بانتهائها».
ونوقشت نسبة القول بالمنع المطلق من تكوين الأحزاب إليه بأنها ليست دقيقة؛ فإنما يرى الشيخ مراعاة حال كل بلد وظروفه، التي تختلف من عصر إلى عصر، فهو يتكلم عن العصر الذي عاش فيه، فمما قال: «إن الحزبية السياسية إن جازت في بعض الظروف في بعض البلدان فهي لا تجوز في كلها، وهي لا تجوز في مصر أبدًا، وبخاصة في هذا الوقت الذي نستفتح فيه عهدًا جديدًا، ونريد أن نبني أمتنا بناءً قويًا».
وهذا الكلام إن دل فإنما يدل على أن رأيه مبني على السياسة الشرعية، وهذا مما لا تثريب فيه، يقول الدكتور يوسف القرضاوي: «ولعله لو عاش الإمام إلى اليوم لرأى ما رأينا من جواز التعددية السياسية، خصوصًا وقد تغيرت الظروف، وتطورت الأوضاع والأفكار، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، ولا سيما في أمور السياسة الكثيرة التغيير».
ومن جهة أخرى لا أرى حديث الإمام في تحريم الحزبية يشمل الأحزاب الإسلامية؛ إذ إنها لا تبعث على الفرقة، وإنما كان حديثه يدور على ظاهرة مَرَضِيَّة تعيشها مصر بوجود أحزاب غير إسلامية، ليس من مهامها استئناف الحياة الإسلامية» [نقلًا عن: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة].
(9) انظر تفريغًا صوتيًا لفضيلته بعنوان: حكم تعدد الجماعات الحزبية، ومما قال رحمه الله: «إن التحزب والتكتل في جماعات مختلفة الأفكار، ومختلفة المناهج والأساليب، ليس من الإسلام في شيء؛ بل ذلك مما نهى عنه ربنا عز وجل في أكثر من آية في القرآن الكريم»، [نقلًا عن موقع: الشبكة الإسلامية].
(10) انظر كتابه: حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية.
(11) انظر كتابه: الأحزاب السياسية في الإسلام.
(12) انظر كتابه: أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي.
(13) انظر كتابه: الإسلام والعصر الحديث.
(14) تفسير القرطبي (6/ 47).
(15) انظر: التعددية الحزبية.. رؤية فقهية، للدكتور يوسف القرضاوي.
(16) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(17) تفسير القرطبي (8/ 294).
(18) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(19) تفسير القرطبي (5/ 255).
(20) رواه الطبراني في الأوسط (باب: العين، من اسمه علي)، والحاكم في المستدرك (كتاب: معرفة الصحابة، ذكر إسلام حمزة بن عبد المطلب)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (374).
(21) رواه ابن ماجه، واللفظ له (كتاب: الفتن، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، والنسائي في السنن الصغرى (كتاب: البيعة، فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (491).
(22) تفسير ابن كثير (4/ 361).
(23) المصدر السابق (2/ 91).
(24) المصدر السابق.
(25) موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة، علي بن نايف الشحود.
(26) انظر: التعددية في الإسلام، وقفات مع بعض آيات القرآن، مراد الرويسي، نقلًا عن موقع: الحوار اليوم.
(27) رواه البخاري (كتاب: الشركة، باب: هل يقرع في القسمة والاستهام فيه).
(28) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(29) رواه أحمد (أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث حذيفة بن اليمان)، والترمذي (أبواب الفتن، باب: ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2169).
(30) رواه مسلم (كتاب: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان).
(31) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، واللفظ له (7/ 562)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 319).
(32) الثقات، للعجلي (1/ 254).
(33) شرح السنة، للبغوي (10/ 237).
(34) مصنف عبد الرزاق (كتاب: العقول، باب: قتال الحرورية)، وسنن الدارقطني، واللفظ له (كتاب: الحدود والديات).
(35) انظر: التعددية السياسية في الإسلام، نقلًا عن موقع الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
(36) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(37) رواه البخاري (كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: حديث الغار).
(38) تعدد الأحزاب في ظل الدولة الإسلامية، د. يوسف القرضاوي.
(39) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: المظالم والغصب، باب: نصر المظلوم)، ومسلم (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم).
(40) رواه البخاري (كتاب: الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم)، ومسلم (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم).
(41) انظر: حكم التحزب في الإسلام، شبكة أهل السنة الإسلامية.
(42) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(43) تفسير ابن كثير (6/ 317).
(44) تفسير القرطبي (7/ 149).
(45) الاعتصام، للشاطبي، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، الناشر: دار ابن عفان، السعودية (2/ 676).
(46) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(47) حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية، للشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة.
(48) رواه البخاري (كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ}) ومسلم (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا).
(49) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل)، ومسلم (كتاب: العلم، باب: اتباع سنن اليهود والنصارى).
(50) انظر: التعددية الحزبية .. رؤية فقهية، للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، موقع: أون إسلام.
(51) رواه مسلم (كتاب: الإمارة، باب: الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن).
(52) رواه البخاري (كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: الإمارة، باب: الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن).
(53) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(54) نفس المصدر السابق.
(55) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (11/ 92).
(56) رواه أحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود)، والنسائي في السنن الكبرى (كتاب: التفسير، سورة الأنعام، قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقيمًا} [الأنعام:153])، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (6).
(57) رواه البخاري عن ابن مسعود (كتاب: الرقاق، باب في الحوض)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته).
(58) رواه أحمد (مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية)، وابن ماجه (افتتاح الكتاب في الإيمان، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (937).
(59) رواه أحمد (مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية)، وأبو داود (كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2735).
(60) رواه مسلم (كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة).
(61) رواه الترمذي (أبواب الفتن، باب: ما جاء في لزوم الجماعة)، ومسند الشهاب، للقضاعي (يد الله على الجماعة)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2166).
(62) انظر: الجماعات الإسلامية بين البدعة والوجوب، موقع الشيخ: يوسف القرضاوي.
(63) رواه البيهقي في شعب الإيمان (الزهد وقصر الأمل)، والبغوي في شرح السنة (كتاب: الرقاق، باب: التوكل على الله عز وجل)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2866).
(64) صححه الألباني في موسوعة الألباني في العقيدة (5/ 660).
(65) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومسلم (كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر).
(66) رواه البخاري (كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية).
(67) رواه مسلم (كتاب: الإمارة، باب: الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن).
(68) رواه البخاري (كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية)، ومسلم (كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية).
(69) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(70) رواه الترمذي، واللفظ له (أبواب الأحكام، باب: ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس)، والحاكم في المستدرك (كتاب: الأحكام)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2915).
(71) رواه الطبراني في الأوسط (باب: العين، من اسمه علي)، والحاكم في المستدرك (كتاب: معرفة الصحابة، ذكر إسلام حمزة بن عبد المطلب)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (374).
(72) رواه البخاري (كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سترون بعدي أمورًا تنكرونها»)، ومسلم (كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية).
(73) رواه البخاري (كتاب: الأحكام، باب: من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها)، ومسلم (كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها).
(74) رواه البخاري (كتاب: الأحكام، باب: ما يكره من الحرص على الإمارة).
(75) رواه البخاري (كتاب: الأحكام، باب: ما يكره من الحرص على الإمارة)، ومسلم (كتاب: الإمارة، باب: النهي عن طلب الإمارة).
(76) انظر: التعددية السياسية في ميزان الشريعة الإسلامية، للدكتور صلاح الصاوي.
(77) رواه البخاري (كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام)، ومسلم (كتاب: الإمارة، باب: الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن).
(78) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(79) رواه البخاري (كتاب: المناقب، رقم الحديث:3641)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق»).
(80) انظر: التعددية الحزبية السياسية في ظل الدولة الإسلامية وأنظمة الحكم المعاصرة.
(81) رواه البخاري (أبواب صلاة الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب)، ومسلم (كتاب: الجهاد والسير، باب: المبادرة بالغزو).
(82) من فتوى للشيخ يوسف القرضاوي، تحت عنوان: التعددية الحزبية.. رؤية فقهية.
(83) من حوار مع الدكتور صلاح الصاوي، إعداد مجلة البيان.
(84) من فتوى للشيخ يوسف القرضاوي، تحت عنوان: التعددية الحزبية.. رؤية فقهية.
(85) من حوار مع الدكتور صلاح الصاوي، إعداد مجلة البيان.
(86) انظر: ضوابط العمل السياسي، مراد بن أحمد القدسي.
(87) رواه مسلم (كتاب: الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة).
(88) رواه البخاري (كتاب: الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»)، ومسلم (كتاب: الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة).