logo

مرحلة المراهقة


بتاريخ : السبت ، 29 صفر ، 1439 الموافق 18 نوفمبر 2017
مرحلة المراهقة

بعد مرحلة الصبا تأتي مرحلة البلوغ والشباب الباكر، حيث تتغير الطباع، وتنمو الغرائز، وتظهر علامات الرجولة أو علامات الأنوثة, إذ لم يعد هو الطفل الذي كان بالأمس القريب غارقًا في أحلام طفولته، ولم يعد ليقبل من الآخرين معاملتهم السابقة له, إنما يريد أن يعامل على أنه إنسان كبير، يعامل على أنه رجل إذا كان ذكرًا، وعلى أنها امرأة إذا كانت أنثى.

إنها مرحلة المراهقة والنضوج والحمية والحماس، والنشاط والعنفوان، وعندها يجب أن يتغير أسلوب التدليل إلى أسلوب الملاطفة، وأسلوب البنوة إلى أسلوب الصداقة(1).

وتعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة، التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة، التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة، الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية، ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة، داخلية وخارجية.

مميزات هذه المرحلة:

مرحلة المراهقة جسر يفصل بين مرحلتين، هي مرحلة انتقالية، لكن لها مميزاتها الخاصة، ولها تأثيرها الكبير، وإذا أردنا أن نتقن التعامل مع الفتيان في هذه المرحلة فيجب أن نفهمهم بشكل واضح.

أولًا: على المستوى الحيوي الوظيفي: يزيد مستوى بعض الهرمونات في الدم، والتي تسبب تغيرات جسدية وتسبب استيقاظًا للغريزة الجنسية.

 ثانيًا: انتقال نقطة الاهتمام من الأسرة إلى الأقران والأصدقاء، فلم يعد من المهم ما يقوله والدي أو والدتي! بل هم ينتمون إلى عالم غير العالم الذي أعيش فيه! وأصبح المهم بالنسبة إلي أن أكسب القبول بين أقراني وأصدقائي.

ثالثًا: توهان الهوية: حيث يجدون صعوبة في معرفة ماذا يريدون؟ وأين يسيرون؟ وكيف سيكون مستقبلهم؟ وكيف يراهم الآخرون؟، هذه أسئلة مهمة تتردد في أعماقهم، ولا يجدون لها إجابة شافية.

رابعًا: السعي وراء الاستقلال: وهنا تظهر على الفتى والفتاة سلوكيات نفهمها على أنها تمرّد، والمعنى الخفي وراءها هو البحث عن الاستقلال، ولسان حالهم تجاه الكبار: لا بد أن أختلف عنكم، لا بد أن تكون لي شخصيتي المستقلة، لا بد أن يكون لدي رأي يختلف عن رأيكم.

وتظهر هذه الرغبة في الاستقلال في اتخاذ أسلوب خاص به في أمور كثيرة، فمن اختياره المميز لأسلوب الترفيه إلى التخصص الجامعي إلى الآراء في القضايا السياسية والاجتماعية وغير ذلك كثير، وقد يظهر في كثرة الانتقاد لأسلوب العائلة، أو لديكور البيت، أو لملابس الأم، وقد ينفجر غضبًا عندما يوجهه الأب أو الأم بضرورة القيام بواجباته الناقصة(2).

ارتباط مرحلة المراهقة بسن التكليف الشرعي:

فالشاب حين يبلغ سن البلوغ يصبح مكلفًا تكليفًا شرعيًا، فتجب عليه الواجبات الشرعية، ويجب عليه أن يمتنع عن كل ما حرمه الله سبحانه وتعالى، ولو مات وهو في هذه السن فإنه سيحاسب في قبره ويسأل.

وحينها نتساءل: من الذي خلق الإنسان؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى! أليس سبحانه وتعالى هو العليم بهذا الإنسان وبدواخله وبنوازعه؟ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

فهو سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان، وهو سبحانه وتعالى أعلم بهذا الإنسان بكل ما فيه، فهو أعلم بخصائصه ونوازعه ودوافعه وشهواته ورغباته، ومع ذلك شرع سبحانه وتعالى تكليف الإنسان في هذه السن بالتكليف الشرعي، فصار مؤتمنًا على الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وسائر التكاليف الشرعية.

حينما حرم الله سبحانه وتعالى على المسلم قائمة من الشهوات، وأوجب عليه سبحانه وتعالى الواجبات، ألا يعني بالضرورة أنه قادر ومؤهل، قادرٌ على أن يمتنع من كل ما حرمه الله سبحانه وتعالى عليه، ومؤهل لأن يتحمل هذه الأمانة وهذه المسئولية التي حملها الله سبحانه وتعالى إياه؟ بلى ولا شك.

بل إن اختيار هذه السن للتكليف فيه حكمة بالغة، فهو في هذه المرحلة وهذا السن أقرب ما يكون للعبادة، أقرب ما يكون للتوجه إلى الله سبحانه وتعالى لأن يتحمل أمانة التكليف، فهو سبحانه وتعالى أعلم من هؤلاء البشر، هو الذي خلق الإنسان سبحانه وتعالى، وهو الذي خلق نوازعه، وهو الذي خلق شهوته، وهو سبحانه وتعالى عليم حكيم، يعلم هذا الإنسان وما يحيط به، ومع ذلك كلف الله سبحانه وتعالى الناس كل الناس، الشباب والفتيات، في كل عصر وزمان ومكان، اعتبارًا من هذه السن، فما أن يصل الشاب أو تصل الفتاة إلى مرحلة البلوغ حتى يصبح مكلفًا بالتكاليف الشرعية، فلا يجوز له أن ينظر إلى ما حرمه الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز له أن يمتع نفسه بشهوة محرمة، وفي المقابل يجب عليه أداء ما افترض عليه من الصلاة، والبر، والصدقة، وسائر الواجبات الشرعية؛ بل حتى الجهاد له ارتباط وثيق بهذه السن كما سيأتي بعد قليل.

إذن، فالله سبحانه وتعالى حين كلف الشاب وكلف الفتاة في هذه السن فهذا يعني أنه مؤهل، وهذا يعني أنه عاقل مهما كان، ومهما قال الناس ومهما تحججوا ومهما أظهرت الدراسات فهي أقوال بشر وآراء بشر، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه، وهو سبحانه وتعالى أعلم بخلقه، فهذا التكليف يعني أنه قادر على أن يكون عفيفًا، قادر على أن يمتنع عن الفواحش، وأن يمتنع عن أكل المال بالباطل، وعن إيذاء الناس وإزعاجهم، وعلى أن يحافظ على أوامر الله سبحانه وتعالى.

أمرٌ آخر: تقول معظم الدراسات المعاصرة في علم النفس: إن المراهق في هذه المرحلة يعيش توجهًا نحو التدين والعبادة، وهذا مما يكشف لنا السر والحكمة في كون التكليف الشرعي يبدأ من هذه المرحلة(3).

العوامل المؤثرة في نوعية المراهقة:

1- السلوك التربوي المتبع من قبل الأهل أحيانًا يكون أسلوبًا خاطئًا؛ بدلًا من أن يستوعب المرحلة، ويعاملها بطرق مناسبة، نجد الأسلوب التربوي مغايرًا تمامًا؛ متسمًا بالعنف والعصبية، وهذا أسوأ أسلوب يمكن للأهل أن يمارسوه مع أبنائهم المراهقين.

 2- البيئة المحيطة بالمراهق تلعب دورًا بالغ الأهمية، مثلًا إن كان المراهق يعيش في بيئة منضبطة وملتزمة؛ نجد أن المراهق أقل عنفًا وأكثر تعاونًا، بينما إن كان المراهق يعيش في بيئة متحررة جدًا وغير مقيدة نجد المراهق صعب المراس وعنيفًا.

لذلك لا يمكن أن نغفل دور البيئة في تحديد نوع المراهقة التي يعيشها أبناؤنا؛ بل علينا أن نفهم تلك البيئة جيدًا؛ لنعرف كيف نسخرها لتساعدنا على وضع أفضل أسلوب للتعامل مع المراهقين.

وللتعامل مع مرحلة المراهقة هناك معايير خاصة يجب التنبه إليها، ومن أهمها ضرورة إدراك الأهل أن ولدهم لم يعد طفلًا؛ بل هو في مرحلة جديدة، وتحتاج التعامل معها بأسلوب أعلى مستوى من مرحلة الطفولة.

والأفضل في مرحلة المراهقة عدم اتباع أسلوب تربية مبني على كثرة الانتقادات والأوامر، بل يجب أن يكون مبنيًا على الإرشاد والتوعية المنمقة، وعند الضرورة، يعني لا ننهال على المراهق بالإرشاد والتوعية طوال الوقت، هذا أمر سيدفعه للنفور من الأهل.

ومن المهم الاهتمام بالتربية الجنسية للمراهقين، فهم الآن لديهم مشاعر جنسية متدفقة في أجسادهم، ويجب أن يفهموا طبيعة تلك المشاعر، وأن يتم توجيههم أخلاقيًا ودينيًا وأدبيًا ليحسنوا التعامل مع تلك المشاعر، كل هذا لحمايتهم من أي تصرف سيء يمكن أن يصدر عن أحدهم.

وعلى الأهل أن يتصفوا بفن الإصغاء للمراهقين، وأن يقللوا، قدر الإمكان، الحديث، وذلك لحساب كثرة الإصغاء؛ فالمراهق، في هذه المرحلة، سيكون كثير الاستفسارات، وكثير الكلام عن قدرته التي بدأ يشعر بها، وعن مشاعره الجديدة.

ويجب التنبه إلى أن المراهق، بهذه المرحلة، بحاجة إلى أن يجد من يثق به وبقدراته، وعلى الأهل أن يكونوا أفضل مَن يثق بالمراهق؛ بل أكثر من ذلك عليهم أن يزرعوا ثقته بنفسه، وأن يدعموا شخصيته الجديدة.

وإن كانت المراهقة عدوانية فالأفضل أن يستوعب الأهل هذه المراهقة، وألَّا يواجهوها بالعنف؛ بل الأفضل التعامل معها بذكاء وحنكة لا مهاودة ولا عنيفة؛ بل تكون معاملة وسطية بين أمرين، وإن لاحظ الأهل أي حالة انطواء وعزلة على المراهق عليهم العمل على إخراج المراهق من هذه الحالة بعدة أمور؛ مثل: مرافقة المراهق في زيارات اجتماعية، ودفعه للاندماج مع أقرانه، كأن نسجل له في نادي، والمهم ألا يترك المراهق على حاله؛ بل دومًا يجب اقتحام لحظات الانطواء لديه، ومحاولة إخراجه منها؛ لأنها صفة صعبة، وتتملك شخصية المراهق في مراحل عمرية قادمة.

والتفريق بين الأولاد والبنات في غرف النوم أصبح ملحًا في هذه المرحلة، وهذا ما أمرنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ويتبعها متابعة سلوكيات المراهقين بصورة دائمة؛ لأن فترة المراهقة هي فترة الانحراف أيضًا، وسيتعرض المراهقون للكثير من الأمور التي ستجذبهم نحوها، فقد نجد البعض من المراهقين يمتهن السرقة مثلًا أو الكذب، ومتابعة الأهل المستمرة، وعدم التساهل مع هذا الأمر سيضع حدًا لها، وخاصة إن تمت مراقبة رفاق المراهقين، ومحاولة إبعاد المراهقين عن رفاق السوء بأسلوب جيد لا بأسلوب الفرض والأمر.

إن المراهقة مرحلة وتمر مثل عواصف البحار، ولكن تلك العاصفة إن استعدينا لها مسبقًا تمكنا من منعها من تدمير مراكبنا، ولكن إن أهملنا أمرها ستدمر مراكبنا وتغزو شواطئنا وتحفر عميقًا في صخرها، وحتى لا نصل إلى هذا الأمر علينا التحلي بالحكمة وحسن السلوك المرفق بفهم واضح لطبيعة المراهقة.

وعلى الأهل أن يستوعبوا المرحلة بكل ما فيها، فهي مرحلة أساسية في بناء رجل المستقبل وسيدة المستقبل، وكلما كان أداء الأهل فيها مبدعًا كلما كانت النتائج أكثر إبداعًا وإشراقًا(4).

أبرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق:

1- الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من وجود عدة صراعات داخلية، ومنها: صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار والجيل السابق.

2- الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من أن والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل؛ لأنه يعد أي سلطة فوقية أو أي توجيه إنما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية، التي أصبحت موازية، جوهريًا، لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة، وفقًا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.

3- الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.

4- السلوك المزعج: والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي قد يصرخ، يشتم، يسرق، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات، يجادل في أمور تافهة، يتورط في المشاكل، يخرق حق الاستئذان، ولا يهتم بمشاعر غيره.

5- العصبية وحدة الطباع: فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوترًا بشكل يسبب إزعاجًا كبيرًا للمحيطين به(5).

مؤثرات الحياة المعاصرة في مرحلة المراهقة:       

الحياة المعاصرة والمجتمع المعاصر هو المسئول عن أزمة المراهقة، من خلال أمور عدة:

أولها: سيطرة التحليل الغربي، فعلم النفس، كغيره من العلوم الإنسانية، تلقفه المسلمون تلقفًا غربيًا، فصار دور المسلمين دور النقد والترجمة كما ذكرنا، ولهذا سيطرت هذه النظرة على علماء النفس والتربويين والآباء، ولهذا صار أهل التربية والمسئولون عن التربية والتوجيه يتعاملون مع الشاب في هذه المرحلة على أنه معذور، وأن هذا هو ما ينتظر منه وما يتوقع أن يصل إليه.

المؤثر الثاني: نظام التعليم المعاصر في المجتمعات المعاصرة يساهم في طول مرحلة المراهقة، وذلك أن الشاب يعيش في التعليم إلى أن يصل إلى سن الثانية والعشرين، فيعيش بعيدًا عن الزواج، ونسبة ضئيلة جدًا ممن يتزوج قبل أن ينتهي من الدراسة الجامعية؛ بل الكثير يحتاج إلى سنوات بعد إنهاء الدراسة الجامعية حتى تتيسر له أمور الزواج، ثم هو خلال هذه المرحلة وهذا السن يعتمد على أهله اعتمادًا كليًا، ويعتمد على أبويه اعتمادًا تامًا؛ بل حتى نظام التعليم يعيش فيه على التسول العلمي والفكري، ويعتمد على تلك المعلومات الجاهزة، التي يقدمها له أستاذه والتي يقرؤها في الصفوف، فلا يمارس الطالب جهده في اكتشاف المادة العلمية، غاية ما يقوم به هو أن يسمع ما يقول له الأستاذ سماعًا جيدًا، وأن يحفظ ما في الكتاب ثم يعبر عنه بعد ذلك برمته، وهذا يولد شخصية غير مستقلة تعتمد على غيرها وتعتمد على الآخرين.

ولهذا أثبتت بعض الدراسات التي أجريت في بعض المجتمعات الأخرى أن عالم المراهقة عالم آخر، كما في دراسة أجراها أحمد أبو زيد على قبائل الطوارق الليبية، وذلك أن قبائل الطوارق الليبية عندهم نظام خاص حينما يبلغ الشاب أو تبلغ الفتاة سن التكليف وسن البلوغ، يقومون باحتفال، ويلبس ملابس خاصة، ويعامل معاملة الرجال، فلاحظ أن أزمة المراهقة تختفي بذاك المجتمع، نظرًا لأنه يعامل وينظر المجتمع إليه على أنه بلغ مبلغ الرجال، وأصبح يعتمد على نفسه.

أما في مجتمعات المسلمين المعاصرة فمع نظام التعليم المعاصر، ومع نظام الحياة المعاصرة صار الشاب كَلًّا على المجتمع، كلًا على والده، لا يعتمد على نفسه ولا يتحمل مسئولية، أيضًا لا تتيسر له سبل الزواج وبناء الأسرة، لهذا تطول هذه الأزمة.

المؤثر الثالث: الإثارة والمغريات وحياة الترف المعاصر، وهي قضية لسنا بحاجة للحديث عنها، فقد صارت الأجهزة المعاصرة تصور غرف النوم تصويرًا فاضحًا، تصور العملية الجنسية بكل وقاحة أمام المراهقين والمراهقات، وصارت الصور الفاتنة تعرض أمام شباب وفتيات المسلمين، بكل ما فيها من إغراء وإثارة، ويتفنن تجار الغرائز والمتاجرون بالفضيلة في الإثارة والإغراء، حتى أصحاب السلع المادية وجدوا أن أفضل ترويج لها في استخدام صور المرأة وأساليب الإثارة الجسمية.

فالشاب والفتاة تعيش في المجتمع المعاصر في جو مشحون بالإثارة الجنسية والمغريات التي تدعوه إلى عالم الشهوات، وصار يفتح عينيه في هذه المجتمعات وهو لا يرى إلا الشهوات، وما يدعوه إلى الشهوات والتمتع بها، ومن ثم كان من نتيجة ذلك ما نراه الآن من أزمات ومن معاناة المراهقين.

أما لو عاش الناس عيشة سوية، بعيدًا عن مظاهر الإثارة والإغراء لكان الأمر يختلف.

العامل الرابع: غياب التوجيه والقدوة والمثل الأعلى:

من هم الذين يبرزون الآن أمام شباب المسلمين، وأمام فتيات المسلمين في مجتمعات المسلمين المعاصرة؟ هم أهل الفن، أهل الغناء والتمثيل والرقص، أهل الرياضة والمجون، هذه هي النجوم اللامعة، والأسماء المشتهرة بين شباب وفتيات المسلمين، فهل يرى هؤلاء القدوات الصالحة التي تضرب لهم المثل الأعلى؟

وهل يسمعون بكل وضوح وكل طمأنينة الكلمة الواعية العميقة الناصحة، التي تحدثهم عن مشكلاتهم وعن معاناتهم، والتي تحدثهم عن الدين حديثًا يربطهم بعالمهم وواقعهم المعاصر؟

فحين تثار أمامهم الغرائز والشهوات، وحين يعولون الاعتماد على غيرهم، وحين تفتح أمامهم القدوات السيئة والساقطة حينها يعيشون فعلًا أزمة المراهقة.

هذه النظرة السائدة عن المراهق بحاجة إلى مراجعة، فهذه النظرة ولدت شعورًا خاطئًا عند الشباب والمراهقين أن مرحلة المراهقة مرحلة ملازمة للأزمة والانحراف والشهوات، التي ولدت النظرة عند الأب أن ابنه أو ابنته ما دام في مرحلة المراهقة فهو معذور، ولا يرجى منه إلا ذاك، هذه النظرة التي ولدت عند المجتمع بأسره التماس العذر لهؤلاء نظرة خاطئة، لا تتفق مع النظرة الشرعية التي ترى أنه فرد مكلف، وأنه إنسان مطالب بسائر التكاليف الشرعية.

وهذا كما قلنا لا ينفي أنها مرحلة ذات صعوبة، أو أنها مرحلة فيها أزمات ومشكلات، لكن هذه المشكلات ليست كلها عائدة إلى طبيعة الشاب أو طبيعة الفتاة أو طبيعة السن؛ بل هناك عوامل عدة تساهم في التأثير عليها(6).

كيفية التعامل مع المراهق والمراهقة:

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام غاية في الحكمة للوقاية من خطرها قبل وقوعها، ومن ذلك :

1- التربية على حسن الأخلاق، وتحفيظ الطفل القرآن في أوائل عمره، وإدخال كلام الله تعالى في صدر الطفل في أوائل عمره من شأنه أن يطهِّر قلبه وجوارحه، وخاصة إن صار حافظًا لكتاب الله تعالى قبل بلوغه فترة المراهقة، ولا شك أنه سيكون متميزًا بذلك الحفظ في المجالس والمساجد.

قال الشيخ صالح الفوزان: «فإذا بلغ الطفل سن التمييز فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلمه وأن يربيه على الخير؛ بأن يعلمه القرآن، وما تيسر من الأحاديث، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل؛ بأن يعلمه كيف يتوضأ، وكيف يصلي، ويعلمه الأذكار عند النوم وعند الاستيقاظ وعند الأكل والشرب؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز فإنه يعقل ما يؤمر به وما ينهى عنه، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة، ويبين له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها؛ كالكذب والنميمة وغير ذلك، حتى يتربى على الخير وعلى ترك الشر من الصغر، وهذا أمر مهم جدًّا غفل عنه بعض الناس مع أولادهم(7).

2- تعليمه الصلاة في سن السابعة، وضربه على تفريطه فيها في سن العاشرة:

فالصلاة تطهر قلب وأفعال الشاب الناشئ على طاعة الله، وخاصة إن كان يؤدي الصلاة في المسجد جماعة مع والده أو مع وليه؛ كأخ أو عم.

3- التفريق بين الأولاد في المضاجع عند النوم عند بلوغهم سن العاشرة:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»(8).

وفي هذا السن يبدأ ميل الذكر للأنثى، والأنثى للذكر، وهذا الحكم من شأنه أن يُبعد الأولاد عن المهيجات الجنسية، وأن يقطع فرص الاحتكاك التي تولد الشهوة .

فلا يجوز للأولاد الذكور إذا بلغوا الحلُم، أو كان سنُّهم عشر سنوات أن يناموا مع أمهاتهم، أو أخواتهم في مضاجعهم، أو في فرشهم، احتياطًا للفروج، وبُعدًا عن إثارة الفتنة، وسدًّا لذريعة الشرِ(9).

4- اختيار الصحبة الصالحة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»(10).

وقد قيل: الصاحب ساحب، فإذا اعتنى الوالدان بصحبة أولادهم وأحسنا اختيارها وفَّر ذلك عليهما وقتًا وجهدًا عظيمين، فالصحبة الصالحة لن تؤدي إلا إلى خير، فالصاحب الصالح يقضي وقته في طاعة الله، يدله على الخير، ويمنعه من الشر، والصاحب الفاسد يدله على الشر، ويمنعه من الخير، ويزين له المعصية ويقوده إليها .

5- إلزام الأولاد في تلك المرحلة بالاستئذان عند الدخول على والديهم في أوقات التخفف من الثياب، ومظنة كشف العورات أو الجماع، حتى لا تقع أعينهم على ما يهيجهم، أو يمارسونه تطبيقًا عمليًّا .

أمر الله تعالى الذين لم يبلغوا الحلُم أن يستأذنوا عند دخول البيوت في الأوقات الثلاثة، التي هي مظنة التكشف وظهور العورة، وأكد ذلك بتسميتها عورات، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58] .

وأمر الذين بلغوا الحلُم أن يستأذنوا في كل الأوقات عند دخول البيوت، فقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:59]، كل ذلك من أجل درء الفتنة، والاحتياط للأعراض، والقضاء على وسائل الشر(11).

6- المبادرة بالزواج:

وقد خاطب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الشباب بذلك، ومخاطبتهم بذلك الاسم وهم في تلك المرحلة له دلالته الواضحة أن في الزواج حفظًا لنظرهم من أن يُطلق في الحرام، وحفظًا لفرجهم أن يوضع في حرام.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»(12).

نماذج من التاريخ في الدور الإيجابي للمراهقين:

حين نقرأ في التاريخ، نرى نماذج ممن عاشوا في هذا السن، وهذه المرحلة تثبت لنا أن هناك وجهًا آخر لعالم المراهقة غير الوجه الذي يبديه علم النفس المعاصر، فتقرءون في القرآن الكريم قصة أهل الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)} [الكهف:13-14].

إنا حين نعود إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ونقرأ حياة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نرى نماذج عدة، ونرى عجبًا من أولئك الشباب الذين كانوا في هذه السن، كيف كانوا في العلم والجهاد والعبادة؟ ولنستعرض أسماء بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان لهم القدح المعلى، والذي نسمع دائمًا ونقرأ في كتب السنة، عن فلان بن فلان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين نتغنى بأمجادهم وبطولاتهم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشرنا معهم.

من هؤلاء جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو من رواة الحديث المكثرين، كان عمره عند الهجرة ستة عشر عامًا، وكان أراد أن يحضر غزوة بدر وأحد فمنعه والده؛ لأنه كان يريد أن يحضر هذه الغزوة، واستشهد فيها والده، وهو ممن نزل فيهم قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، ثم لم يفته بعد ذلك مشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنهم أيضًا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزه، وعرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه، وهو ممن بايع تحت الشجرة، فكان عمره عندما بايع تحت الشجرة ستة عشر عامًا، فشهد بيعة الرضوان، وهي التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18].

وهم أيضًا الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة»(13).

ومنهم أيضًا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، ومواقفه مشهودة مشهورة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب غزوة ذي قرد، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: «خير رجالتنا سلمة، وخير فرساننا أبو قتادة»(14).

وهو الذي كان في غزوة حنين، فجاء جاسوس من المشركين إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجلس معهم ساعة ثم ولى، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بلحاقه، فلحقه على قدميه حتى أدركه وقتله، وكان عمره رضي الله عنه عند الهجرة ستة عشر عامًا.

وعبد الله بن عباس رضي الله عنه ولد في الشعب قبل عام الهجرة بثلاث سنين، قال: أقبلت راكبًا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد(15).

وعبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه أول مولود للمهاجرين في المدينة، كان فارس قريش في زمانه، وله مواقف مشهودة، قيل إنه شهد اليرموك وهو مراهق؛ بل إن الزبير رضي الله عنه أركبه فرسًا يوم اليرموك وهو ابن عشر سنين، وشهد فتح المغرب، وغزو القسطنطينية، بايع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين أو ثمان(16).

ومنهم عبد الله بن السائب رضي الله عنه، صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقرأ سورة المؤمنين، قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع»، قال مجاهد: «كنا نفخر على الناس بقارئنا عبد الله بن السائب، وبفقيهنا عبد الله بن عباس، وبمؤذننا أبي محذورة»(17).

ومنهم أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين، كما روى رضي الله عنه، ومات وهو ابن عشرين، روى ذلك الإمام مسلم وأحمد .

هكذا كان أولئك، أما من بلغ الخامسة عشرة فإنه لا يرده صلى الله عليه وسلم عن الجهاد، والكثير من الذين شهدوا الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في هذه السن؛ بل كثير ممن بايعوا تحت الشجرة كانوا دون العشرين عامًا(18).

***

_________________

(1) من قضايا التربية الدينية في المجتمع، ص116.

(2) لقاء حول المراهقة، موقع: المربي.

(3) المراهقون الوجه الآخر، محمد الدويش.

(4) المراهقة بين الهاوية وبر الأمان، موقع: المربي.

(5) المراهقة.. خصائص المرحلة ومشكلاتها، موقع: المسلم.

(6) المراهقون الوجه الآخر، محمد الدويش.

(7) المنتقى من فتاوى الفوزان (5/ 297).

(8) أخرجه أبو داود (495).

(9) فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 408).

(10) أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (2378).

(11) فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 408).

(12) أخرجه البخاري (4779)، ومسلم (1400).

(13) أخرجه أبو داود (4653).

(14) أخرجه أبو داود الطيالسي (1041).

(15) أخرجه البخاري (493)، ومسلم (504).

(16) أخرجه مسلم (2146).

(17) سير أعلام النبلاء (4/ 413).

(18) المراهقون الوجه الآخر، محمد الدويش.