مهارات الإقناع والتأثير في الآخرين
للإقناع عدة تعريفات، منها:
استخدام المتحدث أو الكاتب للألفاظ والإشارات التي يمكن أن تؤثر في تغيير الاتجاهات والميول والسلوكيات.
تعريف آخر:
عمليات فكرية وشكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر، وإخضاعه لفكرة أو رأي.
تعريف ثالث:
تأثير سليم ومقبول على القناعات لتغييرها كليًا أو جزئيًا، من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة وواضحة.
ويظهر جليًا من التعريفات السابقة أن الإقناع فرع عن إجادة مهارات الاتصال، والتمكن من فنون الحوار وآدابه؛ وتتداخل بعض الكلمات في المعنى مع الإقناع، مع وجود فوارق قد تكون دقيقة إلى درجة خفائها عن البعض.
ومن أمثال هذه الكلمات: الخداع، الإغراء، التفاوض.
فبعضها تهييج للغرائز، وبعضها تزييف للحقائق، وبعضها مجرد حل وسط واتفاق دون اقتناع، وهكذا.
إن مخاطبة العقول والقلوب فن لا يجيده إلا من يمتلك أدواته، وإذا اجتمعت مع مناسبة الظرف الزماني والمكاني أثرت تأثيرًا بالغًا، ووصلت الفكرة بسرعة البرق.
وهكذا كانت طريقة القرآن في تلمس حاجات الوجدان، وأيضًا من عوامل نجاح الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، في إقناع الناس برسالتهم، وما عليك إلا أن تتأمل في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لتستلهم منها كنوزًا في فقه الدعوة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» [صحيح مسلم (1/11)].
ووصولًا إلى تحقيق الهدف من الدعوة، فإن مما تحسن العناية الشديدة به نشر ثقافة الإقناع، وفنون الحوار، وفن الاستماع، وتقمص شخصية الآخر في محاولة لفهم دوافع موقفه، وهذا لا يعني بطبيعة الحال الدخول في أي حوار، وطرح القضايا الشرعية للاستفتاء العام؛ لأن هذا يدل على شخصية ضعيفة، وانهزام أمام ضغط الواقع.
إن هناك من يخاطب الناس على أنهم فئة واحدة، أو أن لديهم القناعات نفسها التي لديه؛ ولذا، تراه يخاطب نفسه في آخر الأمر.
وأرى أن الشباب مثلًا بحاجة إلى من يجيبهم على كثير من الأسئلة الملحة التي تواجههم، بطريقة تناسب تفكيرهم، وتتعامل بشكل صحيح مع المنطلقات الفكرية التي تربوا عليها، ونحتاج أن نقوم بدراسات لمعرفة أكثر الأساليب تأثيرًا عليهم.
إن الدورات التي تتناول مهارات الاتصال، وفنون الحوار والإقناع، وطرق التأثير، متوفرة على شكل كتب أو أشرطة سمعية ومرئية، فقط تحتاج من المربي أو الداعية أن يوجه اهتمامه إليها، ويعنى بتقوية الخير والعلم الذي يحمله بهذه المهارات البالغة التأثير على القلوب.
ولدينا من الخطباء والمحاضرين من استطاع أن يصل إلى شريحة كبيرة من الناس؛ بسبب حرصه على العناية بهذه المهارات، التي ربما تكون عند البعض فطرية، وعند الآخرين تحتاج إلى تنمية.
كما أقدم اقتراحًا بإنشاء مراكز ثقافية، تقدم دورات في فن التأثير على الآخرين، وفن الخطابة، وأصول الحوار، ووسائل الإقناع، وفن التعامل مع المخالف، كما تقدم أيضًا دورات في فن كتابة المقال الدعوي، وهكذا.
وتكون هذه الدورات مجانية أو برسوم رمزية، وتكون متاحة على مدار العام، ويستفيد منها المهتمون بأمور الدعوة، من خطباء ومحاضرين، ومن خلالها أيضًا تدفع المراكز إلى الساحة شبابًا مثقفًا، يبادر إلى ابتكار وسائل جديدة؛ لإيصال العقيدة، والعلم، والفكر الصحيح إلى جمهور الناس على اختلاف شرائحهم.
وإليك نموذجًا نبويًا يتعلق بهذا الموضوع أورده أبو عثمان قال: كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة، وأخذ منها غصنًا يابسًا فهزه حتى تحات ورقه، ثم قال: يا أبا عثمان، ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: ولم تفعله؟ فقال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة، فأخذ منها غصنًا يابسًا، فهزه حتى تحات ورقه فقال: «يا سلمان، ألا تسألني لم أفعل هذا؟»، قلت: ولم تفعله؟ قال: «إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق»، وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] [مسند أحمد، رقم: 23707].
لقد كان ضرب المثل الحي وسيلة عظيمة لتوصيل القناعة وترسيخ المفهوم.
إن تعلم تعبيرات الوجه، والعناية بنظرات العين، والاهتمام بالمظهر ربما يمثل نصف الطريق نحو إقناع الآخرين؛ كما يقول الأستاذ محمد ديماس في كتابه الجيد: (فنون الحوار والإقناع).
كيف تقنع الآخرين بفكرة؟
أولًا: لا بد أن تكون مقتنعًا جدًا بالفكرة التي تسعى لنشرها؛ لأن أي مستوى من التذبذب سيكون كفيلًا أن يَحُول بينك وبين إيصال الفكرة للغير.
ثانيًا: استخدم الكلمات ذات المعاني المحصورة والمحددة؛ مثل: بما أن، إذن، وحينما يكون، فهذه الألفاظ فيها شيء من حصر المعنى وتحديد الفكرة، ولتحذر كل الحذر من التعميمات البراقة التي لا تفهم، أو ذات معاني واسعة.
ثالثًا: ترك الجدل العقيم الذي يقود إلى الخصام، يقول أحدهم: «إذا أردت أن تكون موطأ الأكناف، ودودًا، تألف وتؤلف، لطيف المدخل إلى النفوس، فلا تقحم نفسك في الجدل وإلا فأنت الخاسر، فإنك إن أقمت الحجة، وكسبت الجولة، وأفحمت الطرف الآخر فإنه لن يكون سعيدًا بذلك، وسيسرها في نفسه، وبذلك تخسر صديقًا، أو تخسر اكتساب صديق، أيضًا سوف يتجنبك الآخرون خشية نفس النتيجة».
رابعًا: حلل حوارك إلى عنصرين أساسيين، هما:
1- المقدمات المنطقية: وهي تلك البيانات أو الحقائق أو الأسباب التي تستند إليها النتيجة وتفضي إليها.
2- النتيجة: وهي ما يرمي الوصولَ إليها المحاورُ أو المجادل، مثال على ذلك: المواطنون الذين ساهموا بأموالهم في تأسيس الجمعية، هم الذين لهم حق الإدلاء بأصواتهم فقط، وأنت لم تساهم في الجمعية؛ ولذلك لا يمكنك أن تدلي بصوتك.
خامسًا: اختيار العبارة اللينة الهينة، والابتعاد عن الشدة والإرهاب والضغوط وفرض الرأي.
سادسًا: احرص على ربط بداية حديثك بنهاية حديث المتلقي؛ لأن هذا سيشعره بأهمية كلامه لديك، وأنك تحترمه وتهتم بكلامه، ثم بعد ذلك قدم له الحقائق والأرقام التي تشعره كذلك بقوة معلوماتك وأهميتها، وواقعية حديثك ومصداقيته.
سابعًا: أظهر فرحك الحقيقي، غير المصطنع، بكل حق يظهر على لسان الطرف الآخر، وأظهر له بحثك عن الحقيقة؛ لأن ردك لحقائق ظاهرة ناصعة يشعر الطرف الآخر أنك تبحث عن الجدل وانتصار نفسك.
الإقناع القوة المفقودة:
تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد، والرجل يزداد تمسكًا بمعطفه، وإصرارًا على ثباته وبقاءه، حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه، واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا.
وجاء دور الشمس فتقدمت وبزغت، وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها، فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختارًا راضيًا.
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع، بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة، ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا.
إن الإقناع، كما هو الحوار، لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء؛ وما التزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى، بغض النظر عن قبوله.
والقرآن والسنة، وهما نبراس المسلمين ودستورهم، وفيهما كل خير ونفع، قد جاءا بما يعزز الإقناع ويؤكد على أثره.
فآيات المحاجة والتفكر؛ كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وكالملك الذي حاج إبراهيم عليه السلام في ربه، وكمناقشة مؤمن آل فرعون قومه.
وأما الأحاديث فمن أشهرها حديث الشاب المستأذن في الزنا، وحديث الرجل الذي رزق بولد أسود، وحديث الأنصار بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم وتركهم، كل هذه النصوص مليئة بالدروس والعبر، التي تصف الإقناع وفنونه وطرائقه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: موقع كنانة أون لاين.