logo

متى يستجاب لنا


بتاريخ : الأربعاء ، 20 رمضان ، 1441 الموافق 13 مايو 2020
بقلم : تيار الاصلاح
متى يستجاب لنا

كان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة، فكذب عليه رجل، فقال: اللهم إن كان كاذبًا، فاعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، فأصاب الرجل ذلك كله، فكان يتعرض للجواري في السِّكك ويقول: شيخ كبير، مفتون أصابتني دعوة سعد (1).

ودعا على رجل سمعه يشتم عليًا، فما برح من مكانه حتى جاء بعير ناد، فخبطه بيديه ورجليه حتى قتله (2).

وكان العلاء بن الحضرمي في سرية، فعطشوا فصلى فقال: اللهم يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوَّك، فاسقنا غيثًا نشرب منه ونتوضأ، ولا تجعل لأحد فيه نصيبًا غيرنا، فساروا قليلًا، فوجدوا نهرًا من ماء السماء يتدفق فشربوا وملؤوا أوعيتهم، ثم ساروا فرجع بعض أصحابه إلى موضع النهر، فلم ير شيئًا، وكأنه لم يكن في موضعه ماء قط (3).

الدعاء عبادة تقوم على سؤال العبد ربه والطلب منه، وهو من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية للأمراض، وسبب لدفع المكروهات والكربات، وهو استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة من ملهوف برب مغيث، وتوجه إلى مصرف الكون ومدبر الأمر، ليزيل علة، أو يرفع محنة، أو يكشف كربة، أو يحقق رغبة، وهو أحد أسباب دفع ورفع البلاء الذي نزل بالعبد.

قال القاسمي: وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلًّا وتضرعًا ورقّة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده صلى الله عليه وسلم، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألحّ عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدّم بين يدي دعائه صدقة- فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا (4).

قال القرطبي: فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي، وفي الدعاء، وفي الشيء المدعو به؛ فمن شرط الداعي أن يكون عالمًا بأن لا قادر على حاجته إلا الله، وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه، وأن يكون مجتنبًا لأكل الحرام، وألا يمل من الدعاء (5).

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل»، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك، ويترك الدعاء» (6).

عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» (7).

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» (8).

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليبسطن الله عليكم سلطانًا ظالمًا لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم، ويدعوا عليه خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون، وتستغفرون فلا يغفر لكم (9).

بل إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتقصير فيه سبب من أسباب هلاك الناس؛ فعن أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا، يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» (10).

قال العلماء عن هذا الحديث فيه: دليل على أن البلاء قد يرفع عن غير الصالحين إذا كثر الصالحون؛ فأما إذا كثر المفسدون وقل الصالحون هلك المفسدون والصالحون معهم إذا لم يأمروا بالمعروف ويكرهوا ما صنع المفسدون، وهو معنى قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]؛ بل يعم شؤمها من تعاطاها ومن رضيها هذا بفساده وهذا برضاه وإقراره (11).

وقال النووي رحمه الله: واعلم أن هذا الباب -أعنى باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًا، وهو باب عظيم، به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]؛ فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فان الله تعالى قال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40]؛ وقال تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]؛ وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]؛ وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 2- 3] (12).

واعلم أن الأجر على قدر النصَب، ولا يتاركه أيضًا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقًا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدوًا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها (13).

لكن إجابة الدعاء مقيدة بقيود بالنسبة للعبد، منها:

1- عدم الاعتداء بتجاوز حدود الله، فكل مصرّ على كبيرة عالمًا بها أو جاهلًا، فهو معتد، وقد أخبر تعالى أنه لا يحب المعتدين، فقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يدّخر له، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها» (14).

2- ترك الاستعجال:

عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» (15).

قال بعض العلماء: قوله: «ما لم يعجل» يعنى يسأم الدعاء ويتركه فيكون كالمانِّ بدعائه، وأنه قد أتى من الدعاء ما كان يستحق به الإجابة، فيصير كالمبخل لرب كريم، لا تعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء، ولا تضره الذنوب.

وقال بعضهم: إنما يعجل العبد إذا كان غرضه من الدعاء نيل ما سأل، وإذا لم ينل ما يريد ثقل عليه الدعاء، ويجب أن يكون غرض العبد من الدعاء هو الدعاء لله، والسؤال منه، والافتقار إليه أبدًا، ولا يفارق سمة العبودية وعلامة الرق، والانقياد للأمر والنهي والاستسلام لربه تعالى بالذلة والخشوع، فإن الله تعالى يحب الإلحاح في الدعاء.

وقال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة وهو لا يخلف الميعاد (16).

3- ومنها أكل الحرام وما في معناه:

لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» (17)، وهذا استفهام على جهة الاستبعاد من قبول دعاء من هذه صفته.

4- أن يكون مما يجوز شرعًا:

قال الزحيلي: ومن شرط المدعو فيه: أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعًا، كما جاء في الحديث السابق: «ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم».

ويدخل في الإثم جميع الذنوب، ويدخل في الرحم: جميع حقوق المسلمين ومظالمهم.

وقال سهل بن عبد الله التّستري: شروط الدعاء سبعة:

أولها التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال.

ومن شرائط الدعاء كما ذكر ابن عطاء: أربع:

أولها: حفظ القلب عند الوحدة.

ثانيها: وحفظ اللسان مع الخلق.

ثالثها: وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحلّ.

رابعها: وحفظ البطن من الحرام.

فإذا تحققت شروط الدعاء وقيوده استجيب، قال ابن عباس: كل عبد دعا استجيب له، فإن كان الذي يدعو به رزقًا له في الدنيا أعطيه، وإن لم يكن رزقًا له في الدنيا، ذخر له (18).

5- الإخلاص

يأتي في مقدمة شروط قبول الدعاء الإخلاص لله، وإفراده سبحانه بالقصد والتوجه، فلا يدعو العبد إلا الله، ولا يسأل أحدًا سواه، قال الله تعالى: {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14]، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} [الجن: 18].

6- الاطمئنان واليقين بقبول الدعاء:

من أسباب قبول الدعاء قوة اليقين بقبول واستجابة الله عز وجل له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» (19)، فعلى المسلم أن يطمئن ولا يتردد، ولا يستعجل الإجابة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئتَ، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إنه يفعل ما يشاء، لا مُكْرِهَ له» (20).

7- الخوف والرجاء وخفض الصوت في الدعاء:

يقول الله عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف: 55- 56]، ويُستنبط من ذلك وجوب الخشوع والتضرع والرجاء في الدعاء.

قال ابن كثير في تفسيره: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} قيل معناه: تذللًا واستكانة، {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}: خوفًا مما عنده من وبيل العقاب، وطمعًا فيما عنده من جزيل الثواب (21).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس؛ ارْبَعُوا -هونوا وأشفقوا- على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم» (22).

8- المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158].

ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم.

فمنها ما في السنن، وفي صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحًدا، فقال: «لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» (23)، وفي لفظ: «لقد سألت الله باسمه الأعظم» (24).

ومن حديث أنس بن مالك أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنّان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» (25).

وعن أسماء بنت يزيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران {الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}» (26).

وعن أبي هريرة وأنس بن مالك وربيعة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» (27)، يعني: تعلقوا بها والزموها وداوموا عليها (28).

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض، ورب العرش العظيم» (29).

أسباب عدم قبول الدعاء:

وقد ذكر ابن القيم بعض الأسباب المانعة من إجابة الدعاء فقال: وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه في نفسه -بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان- وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًا، فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو، وَغَلَبَتِهَا عَلَيْهَا (30).

ومرَّ إبراهيم بن أدهم بسوق البصرة يومًا، فالتف الناس حوله، وقالوا يا أبا إسحاق! يرحمك الله، ما لنا ندعو الله فلا يُستجاب لنا؟

فقال إبراهيم: لأنكم أمتم قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله، فلم تؤدوا حقوقه، وزعمتم حب رسوله، ولم تعملوا بسنته، وقرأتم القرآن، ولم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله، ولم تؤدوا شكرها، وقلتم بأن الشيطان لكم عدو، ولم تخالفوه، وقلتم بأن الجنة حق، ولم تعملوا لها، وقلتم بأن النار حق، ولم تهربوا منها، وقلتم بأن الموت حق، ولم تستعدوا له، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم، وانتبهتم من نومكم، فانشغلتم بعيوب الناس، ونسيتم عيوبكم.

وما ورد من بعض الأسباب والذنوب التي تحول دون استجابة الدعاء، ينبغي أن يُحمل على الذنوب التي لم يتب منها صاحبها توبة نصوحًا؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة النصوح تجُبُّ ما قبلها، فإذا صدق العبد، وتاب إلى ربه من ذنوبه المانعة من استجابة دعائه، كان ذلك سببًا -بإذن الله- في استجابة دعائه.

هذه بعض أسباب قبول الدعاء وعدم قبوله، فاحرص أخي المسلم أن تستجيب لله تعالى، وأن يكون حالك مع أمر الله الامتثال والطاعة، ومع نهيه الاجتناب والبعد، واستفتح دعاءك بالثناء على الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرَّى أوقات الإجابة في وقت السحر (الثلث الأخير من الليل)، وفي السجود فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من نهار يوم الجمعة، واستقبل القبلة في دعائك، وارفع يديك في ذلٍ وتضرع، مع عدم رفع الصوت وتكلف السجع، واعلم أن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب لا يُرد، فحقِّق في نفسك أسباب وشروطً قبول الدعاء، وابتعد عن أسباب وموانع إجابة الدعاء، حتى يكون دعاؤك مقبولًا.

يحدثنا القرآن عن أصحاب طالوت وكانوا قلة كانوا في عدد أهل بدر، وحينما رأوا جنود جالوت وهم أكثر عددا وأقوى عدة، قال بعضهم: {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]، {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} أصبحوا وجهًا لوجه وصفًا لصف {قَالُواْ رَبَّنَا} هنا الدعاء {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250].

هكذا دعوا وهم في قلب المعركة فمتى كانت النتيجة {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء} [البقرة:251].

هؤلاء الذين يدعون الله كم منهم من يحرص على الحلال الخالص لا يأكل الحرام، لا يأكل الفوائد الربوية، لا يتعامل بمعاملات محظورة، لا يطمع في حقوق الآخرين، لا يظلم عماله ولا موظفيه، لا يأكل عرق أجير، لا يأخذ مال بغير حق، كم من الناس يحرص على أن يطهر رزقه ويطهر دخله من كل حرام أو رشوة أو شبهات (31).

***

_______________

(1) أخرجه البخاري (755).

(2) أخرجه الطبراني في (307).

(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في "مجابو الدعوة" (40).

(4) محاسن التأويل (2/ 33).

(5) تفسير القرطبي (2/ 311).

(6) أخرجه مسلم (2735).

(7) أخرجه أحمد (6654).

(8) أخرجه الترمذي (2313).

(9) إحياء علوم الدين (2/ 311).

(10) أخرجه البخاري (3346)، ومسلم (2880).

(11) التذكرة (ص: 606).

(12) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (2/ 24).

(13) قبل أن تدعوا فلا أجيب/ طريق الإسلام.

(14) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (710).

(15) أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735).

(16) شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/ 100- 101).

(17) أخرجه مسلم (1015).

(18) التفسير المنير للزحيلي (2/ 155- 156).

(19) أخرجه الترمذي (3479).

(20) أخرجه البخاري (6339).

(21) تفسير ابن كثير (3/ 429).

(22) أخرجه البخاري (4205).

(23) أخرجه أبو داود (1493).

(24) أخرجه النسائي (7619).

(25) أخرجه أبو داود (1495).

(26) أخرجه الترمذي (3478).

(27) أخرجه الترمذي (3524).

(28) محاسن التأويل (2/ 33- 34).

(29) أخرجه البخاري (6345).

(30) الداء والدواء (ص: 9).

(31) لماذا ندعو الله فلا يستجاب لنا؟/ ملتقى الخطباء.