logo

لماذا تتعطل الأهداف؟


بتاريخ : الأربعاء ، 26 ربيع الأول ، 1437 الموافق 06 يناير 2016
لماذا تتعطل الأهداف؟

إن لحظة الوصول للهدف هي لحظة عظيمة في حياة أي إنسان، ويظل صاحب الهدف يحلم بها ليل نهار، ويتخيل تلك اللحظة الحاسمة التي سيحقق فيها هدفه، ومن ثم ينتقل إلى هدف آخر مواصلًا طريق النجاح، ولكن أحيانًا كثيرة تظل الأهداف مجرد أفكار لم تخرج إلى حيز التنفيذ، أو مشاريع باءت بالفشل بعد أن خطا فيها أصحابها خطوات ولم يكملوا للنهاية، فما هي أسباب ذلك؟ لماذا تتعطل الأهداف عن الخروج للنور أو الاكتمال والوصول إليها بنجاح؟

لنرَ معًا ما هي أهم الأسباب التي تعوق الفرد عن الوصول إلى أهدافه وتحقيق النجاح فيها.

أعزائي، لو طرحنا سؤالًا: لماذا لا يحقق أغلب الأشخاص أهدافهم؟

ستكون الإجابة، غالبًا، في الأسباب الآتية:

- لأنهم لا يعرفون كيف يضعون أهدافًا لحياتهم:

وهنا المشكلة من أن كثيرًا من البشر لا يتعبون أنفسهم في معرفة كيفية وضع أو كتابة الأهداف، ناهيك عن كيفية تحقيقها! بل يعيشون هكذا حسبما تسير بهم رياح الحياة؛ أينما توجهت توجهوا معها، وهذا من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في حق نفسه، ولم يربنا الإسلام على افتقاد الرؤية والهدف بهذا الشكل، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، والعبادة هنا بمعناها الواسع الذي أراده الله تعالى من إصلاح الدين والدنيا واحتساب الأجر في كل منهما، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل الناس يغدو فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها» [رواه مسلم (223)]، ليعلمنا أن الإنسان لا بد أن يعرف وجهته كل صباح؛ لأن ذلك سيترتب عليه نجاته أو خسرانه.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إني لأرى الرجل فيعجبني٬ فإذا سألت عنه فقيل: لا حرفة له٬ سقط من عيني»٬ وقال أيضًا: «إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللًا [أي: فارًغا]؛ لا في عمل دنيا٬ ولا في عمل الآخرة»٬ وقال حكيم: «من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه٬ أو فرض أداه٬ أو مجد أثله٬ أو حمد حصله٬ أو خير أسسه أو علم اقتبسه٬ فقد عق يومه وظلم نفسه».

- لأنهم يعتقدون بأن غيرهم من يتحكم بحياتهم:

كثير من الناس يعتقد أن ليس له أي تأثير على حياته! وأنّ الأمور التي تحصل له هي من واقع تأثير الآخرين عليه؛ بل يرى أن كل أو غالبية ما يصيبه هو ضرب من الحظ، وليس نتيجة حتمية لما فكر به وعمله بناءً على طريقة تفكيره.

- لأنهم يضعون أهدافًا هلامية غير واضحة المعالم (مال، سعادة، راحة...):

وهذا من شأنه أن يبعد قدرتنا على تحقيق أهدافنا؛ فهو إن وضع أهدافًا هلامية يكون مثل أشعة الشمس، بالرغم من طاقتها وحرارتها العالية؛ إلا أن حرارتها مشتتة؛ لذلك فإنها لن تحرق ورقة لو وضعناها أمام أشعة الشمس، وأقصى ما تفعله الشمس هو تحويل لونها للاصفرار.

ولكن ماذا يحدث لو وضعنا مكبرًا بين الورقة وأشعة الشمس؟ ما سيحدث هو أن المكبر سيقوم بحرق أو إشعال نار في الورقة!

هذا بحد ذاته ما سيحدث فيما لو كتبت أهدافك بصورة محددة، فالتركيز سيوصلك لأهدافك بسرعة كبيرة.

- لأنهم ينتظرون معجزة من السماء!

لا تجلس مكانك متجمدًا، عليك اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الهدف من أجل أن تتقدم ولو خطوة واحدة نحوه، لن تصدق عدد الأشخاص الذين أُجْرِيت معهم مقابلات واكتشف الباحثون أنهم لم يفعلوا أي شيء، في انتظار أن يحقق لهم الله ما يتمنوه دون بذل أي جهد من ناحيتهم! إن الله يساعد من يساعد نفسه لتغيير هذا الوضع، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، روي أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى بعض الناس في المسجد بعد صلاة الجمعة فسألهم: «من أنتم؟»، قال: «متوكلون»، قال: «بل أنتم متواكلون...، لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، إنما يرزق الله الناس بعضهم من بعض، أما سمعتم قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10]، وعلاهم بدرته وأخرجهم من المسجد.

- لا يكتبون أهدافهم بناءً على قيمهم ومبادئهم وغاياتهم:

فلو سألت كثيرًا من الناس عن أهدافهم فإنهم قد يقولون: أريد مالًا أو سيارة، وهلم جرًا، وكثير من البشر يبدءون بمحاولة تحقيق أهدافهم، ومن ثم بعد فترة يقفون عاجزين عن استكمال أهدافهم، أتدري لِمَ؟ لأنهم لم يضعوا أهدافهم بناءً على قيمهم ومبادئهم!

لنضرب مثالًا على ذلك، لو سألنا شخصًا: ما هدفك؟ فقد يقول: شراء سيارة؛ فلو سألناه: لم ترغب بشرائها؟ فقد يجيب: لكي توصلني للمكان الذي أريده، فلو قلنا له: سيارات الأجرة من الممكن أن توصلك، وكذلك سيارات الباصات؛ فلِمَ لا تستقلهم؟ فقد يجيب: أنا أريد الراحة والحرية بالتنقل.

هنا هو يرغب بشراء السيارة لتحقيق قيم لديه، وهما الراحة والحرية، فلو علمنا ما قيمنا ووَضَعْنا أهدافنا بناءً عليها فإنها ستكون مثل الشعلة التي ستضيء لنا الطريق، بالإضافة إلى أنها ستشعل طاقاتنا وتوقد رغباتنا للوصول لأهدافنا.

- لأنهم يضعون أهدافًا غير واقعية:

فتكون أهدافهم كبيرة جدًا وبوقت قصير، أو كثيرة وبوقت قصير، وهذا للأسف يفعله كثير من الناس، فهم قد يضعون أهدافًا طويلة الأجل، ويرغبون بتحقيقها في وقت قصير، وكذلك هم يريدون أشياء كثيرة ويرغبون بتحقيقها في وقت قصير، وهذا ما لا يمكننا تحقيقه.

- لأنهم يضعون أهدافًا لإرضاء غيرهم من آباء وأصدقاء:

والمقصود أنهم يفعلون ذلك دون أن توافق هذه الأهداف ميولهم أو رغباتهم الشخصية، فيجدون أنفسهم يعيشون حياة غيرهم وليس حياتهم! فلو افترضنا أنه حقق إنجازًا فلن يجعله يشعر بالسعادة، ولكن سيعيش حياة ليس بها أي متعة.

- لأنهم غالبًا يركزون على المعوقات والمصاعب بدلًا من التركيز على أهدافهم:

وهذه نظرة المتشائم؛ الذي يرى الظلام بدلًا من النور! ويرى المشاكل بدلًا من الفرص! ويرى نقاط ضعفه بدلًا من نقاط قوته! وهكذا...، لا يرى إلا نصف الكوب الفارغ، فمن يكون هذا ديدنه فلن تكون لديه قوة وطاقة لتحقيق أهدافه.

- المماطلة والتسويف:

بعض البشر كثير المماطلة والتسويف، حتى أصبحت تلك عادته! فإن أراد أن يؤدي خطوة من خطوات تحقيق الهدف فقد يتعذر بعدم ملاءمة الوقت، أو شعوره بالتعب، أو عدم اكتمال المعلومات لديه، وغيرها من الأعذار...، وسأضرب مثالًا يوضح لنا الأمر، تخيلوا معي أن الهدف هو نبتة صغيرة أريد أن أجعلها تنمو لكي تثمر، ومن ثم أقطف ثمارها، لنفترض أنني كلما أردت أن أسقيها بالماء ادعيت أنني مشغول، وأن الجو حار الآن، وسأسقيها حالما تكون أشعة الشمس خفيفة بالمساء، ومن ثم تبدأ انشغالاتي بالظهور على الساحة بالمساء، فأضطر لتأجيل السقي للغد، وهكذا أقوم بتأجيل السقي من وقت لوقت آخر للأعذار الواهية التي ذكرتها، ما الذي سيحصل؟ بالطبع تتفقون معي بأن النبتة ستموت، وهذا ما سيحصل للأهداف، ستموت شعلتها داخل أنفسنا ولن تكون لدينا القدرة على تحقيقها.

- استبعاد الوصول نظرًا لضخامة الهدف:

فقد يجد الشاب في نفسه فتورًا أو ضعفًا إذا نظر إلى النهايات لكبرها وضخامتها، لكنه قد ينسى أن جميع العظماء لم يصلوا إلى أهدافهم دفعة واحدة؛ بل كانت بداياتهم صغيرة أكثر مما نتخيل، لكنهم حرصوا على تنميتها ورعايتها وتهذيبها حتى أصبحت بعد أمد بعيد عظائم الأعمال التي نراها بعدما رحلوا، فلا ينبغي أن ينظر العاملون إلى النهايات إلا من قبيل التحفيز لأنفسهم، ولبعث الأمل فيها حينما يرقبون الفجر الباسم بإذن ربهم؛ والعبرة بالخواتيم.

وأخيرًا أعزائي، ليبحث كل منا داخل مفكرة أهدافه: هل ينجح في تحقيقها أم تعترضه مثل هذه العقبات؟

وإن كان هناك بالفعل ما يعيقنا عن تحقيق أهدافنا فليس علينا إلا أن نستعين بالله تعالى، ونبدأ مجددًا في التغلب عليها، والتصميم على الوصول إلى نقطة الإنجاز، ومواصلة النجاحات.

المصدر: موقع: مفكرة الإسلام.