logo

الثقة بالنفس أول مطالب النجاح


بتاريخ : الخميس ، 14 جمادى الأول ، 1441 الموافق 09 يناير 2020
الثقة بالنفس أول مطالب النجاح

ما رأيتُ أروع للنفس من السباق نحو المعالي! ولا شهدت لها حالًا أفضل ولا أحسن من بلوغ المجد في زمن التواني! لقد جاء الله بنا لعمارة الأرض، واستخلفنا فيها لذلك الهدف العظيم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}.

والمتأمل في النفس الإنسانية يجد أن الله تعالى أودع فيها قدرات؛ فوصلت ببعضنا إلى أن نصبت أقدامهم على سطح القمر في ضحى النهار، وأعلنت، حين وصلت هناك، أنه ليس ثمة حدود في الكون تقصر عنها قدرات هذه النفس البشرية، مهما كانت العوائق في سبيلها كبيرة أو قوية، والناظر في تاريخ الإنسان يجد أن البداية واحدة لكل فرد منّا، وليس على ذلك برهان أقوى من صراخنا جميعًا حين نلج إلى عالم الأرض الفسيح، لكن الأمر الذي لا يحتاج إلى برهان هو أن النهاية مختلفة إلى حد بعيد في حياة بعضنا البعض.

إن النجاح في الحياة همّ يؤرق الناجحين وحدهم، وشعور يتألق بهم في عالم الحياة فيجعل منهم آخرين على مساحات هذا الكون الفسيح، وصدق الرافعي حين قال: «إن لم تزد شيئًا على الدنيا كنت أنت زائدًا عليها».

وعبر هذه المساحة المتتابعة، بإذن الله تعالى، سنصل وإياك إلى ما نريد، وأجزم، إن شاء الله، إن كنت على الخطو أن تهنأ بحياة حافلة بالنجاح، وذلك ما نتمناه.

لن يتحقق النجاح في عالم الواحد منا ما لم نؤمن إيمانًا صادقًا ويقينيًا أننا أهل لذلك النجاح، إن العامل النفسي مهم للغاية في إقناع نفوسنا بتحقيق معالم نجاحها في الحياة، وما لم نصل إلى أعماق نفوسنا فنثق بها، ونهتف بتميزها، ونكتب في قرارها أننا من الناجحين لن نحقق شيئًا في مثل هذا العالم الطموح، وهذه بداية الطريق، ومن لم يحسن البداية فلن تكون له نهاية، ولذلك قيل: أضخم المعارك في حياة الإنسان تلك التي يقضيها الإنسان مع نفسه، وعندما تبدأ معركة المرء بينه وبين نفسه فهو عندئذ شخص يستحق الذكر.

لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عالم يتعلق بالشجر، ويسجد للحجر، ويؤلّه التمر واللبن، فوقف على الصفا وأعلن الرحلة من هناك، وواجه بمفرده جيوش الباطل، وظل يناضل عن رسالته، ويجهد في تحقيق أهدافه، ولم يهتف به الموت حتى قلب موازين التاريخ، وغيّر معالم القيم في حياة تلك المجتمعات التي خاض التجربة فيهم، وأعاد أولئك الأفراد من تيه الطريق إلى غاية العبيد، وفي ثنايا الطريق دميت عقبيه، وكسرت رباعيته، وثُلم وجهه، ووضع سلى الجزور على ظهره.

وإنما تضعف الهمم حين لا تقوى على تجاوز الصعاب، وظل كثير من الناجحين على نفس الطريق، فتجاوزوا كل ما يمكن أن يحول بينهم وبين النجاح، وليس أوضح على ذلك من ابن الأثير، فقد كتب كتابه (جامع الأصول) وهو مقعد، ودوّن ابن القيم كتابه (زاد المعاد) وهو في طريق السفر، وهتفت بابن الجوزي حتى طالع عشرين ألف مجلد وهو لا زال في أيام الطلب، واختار سف الكعك على مضغه لتفاوت ما بينهما.

وهكذا يظل النجاح حليف من أقنع نفسه بحياة الناجحين واللحاق بهم، وشاهد التاريخ الحاضر كثير، خاضه حتى من لم يعرف طريق الإسلام بعد، ودوّنت سيرهم أروع التحديات.

خرج أديسون من مدرسته يعيّر بالفشل والغباء، فأكب على التجربة بنفسه، وظل يعاصر الحياة بمفرده، وبعد 999 محاولة في موضوع الكهرباء أضاء الدنيا بأسرها، وكتب يقول عن العبقرية إنها (1%) إلهام، و (99%) عرق جبين.

مسلم يا صعاب لن تقهريني       صارمي قاطع وعزمي حديد

لا أبالي ولـــو أقــــيمت بدربي       وطـــــريقي حواجــــــــز وســــــــــــدود

يقول محمد أحمد الراشد: «كن حمّالًا في السوق، لكن قرّر مع أول خطوة لك فيه أن تصير تاجرًا أو عقاريًا أو مدير شركة فستصل بإذن الله، المهم تصميمك»، وقال في موضع آخر وهو يتحدث عن زرع الأمل في النفس: «وفي هذا المنعطف يجفل الراهب فيدَّعي عَجْزًا، ويقول: تريد مني أن أكون فقيهًا وليس جدي مالكًا ولا الشافعي، وتطلبون أن أتغنى بالشعر وما ولدني المتنبي ولا البحتري، وتتمنون أن ألوك الفلسفة وليس جاري سقراط، فمن أين يأتي لي الإبداع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة»، فنقول: نعم، نريد ونطلب ونتمنى، ونظن، ونجزم، ولا وجه لاستضعافك نفسك، وقد أعطاك الله ذكاءً ونسبًا، فلم لا تتعلّم السهر وتطلب الفصاحة» اهـ.

ورحم الله إقبال حين قال: «لقد هبّت عليَّ نفحة من نسيم السحر في الصباح الباكر وناجتني وقالت لي: إن الذي عرف نفسه وعرف قيمته ومركزه لا يليق به إلا عروش المجد»، وقال في موضع آخر وهو يناديك أنت من بين كل الناس: «فيا رجل البادية، ويا سيد الصحراء، عُد إلى قوتك وعزتك، وامتلك ناصية الأيام، وخذ بعنان التاريخ، وقُدْ قافلة البشرية إلى الغاية العظمى».

وأخيرًا أخي القارئ الكريم، تنمية الذات مفهوم غائب عن أوساط الكثير منا، وحين نحسن الحديث فيه أو الدندنة حوله يمكن لنا أن نجترّ كثيرًا مما لم يزل لم يحلم بعد، وهذه الأسطر نفثة في عالم ذواتنا الفسيح، وفي النفس نفثات أخرى ستخرج تباعًا بإذن الله تعالى، فقط لا يحسن بك أن تقرأ مقالتي القادمة دون أن تتروّح النجاح وأنت على مسافات بعيدة منه، وحينئذ يمكن لك أن تتابع وتستفيد.