logo

كيف نخاطب الجيل الجديد؟


بتاريخ : السبت ، 25 محرّم ، 1445 الموافق 12 أغسطس 2023
بقلم : تيار الاصلاح
كيف نخاطب الجيل الجديد؟

منذ بدء الخليقة، وهناك صراع دائم بين القديم والحديث، وتتعاقب الأجيال وبينها فجوة تتسع دائرتها حينما يسود التعصب الذي يؤدي إلى التصادم الفكري بين الأجيال المتعاقبة، فالجيل القديم في أغلبه يرفض كل فكرٍ جديد، رافضًا التغيير، محبًا للاستقرار، متمسكًا بالعادات والتقاليد، وبكل ما اكتسبه في مشوار حياته من خبرات، ويرى أنه الجيل الأفضل والأنضج والأقوى؛ بل والأذكى أيضًا، وعلى يقين بأن الجيل الحديث بلا فكر ولا أدب ولا تعليم ولا يفقه شيئًا في أمور الحياة، ويجب عليه الإنصات إلى نصائح من يكبره سنًا، والتنفيذ دون تفكير، ودون نقاش.

في المقابل، ينظر جيل الشباب إلى جيل الكبار على أنه جيل أكل عليه الزمن وشرب، جيل شاخت أفكاره، وتحجرت عقوله، وما يتمسك به من عادات وتقاليد أصبحت بالية لا تصلح لهذا الزمن، وأن ما اكتسبوه من خبرات ما زالت تحتاج إلى تعديلات حتى تساير هذا العصر.

نعترف بأن الجيلين بينهما اختلافات كثيرة من الصعب أن تجعلهما يلتقيان ويتوحدان ويؤمنان بنفس الأفكار والمعتقدات، فالجيل القديم، جيل الأمس، نشأ وسط إمكانات مادية واجتماعية وثقافية وتعليمية وتكنولوجية بسيطة، لكنه استطاع أن يعيش ويتعايش معها، كما أنه فرضت عليه بعض القيود الصارمة كالتمسك بالعادات والتقاليد، والحفاظ على صلة الأرحام والترابط الأسري، والزواج المبكر، واحترام الكبير، والنزول إلى مجال العمل في سن مبكرة وتحمل المسؤولية، وعلى الرغم من تلك القيود إلا أنها أفرزت علماء ومبتكرين ورجال علم ودين.

أما الجيل الجديد فقد توافر أمامه ما لم يتوافر للجيل الذي سبقه، حيث تحسن مستويات التعليم، وتحسن الأوضاع المادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى اتساع دائرة الحرية والتعبير عن الرأي، والتقدم التكنولوجي الذي وسع مداركه، وجعل الكون أمامه عبارة عن نافذة يتابع من خلالها أخبار العالم، ويتعرف على عادات وتقاليد أخرى غير التي نشأ وتربى عليها.

لذلك أصبح هذا الجيل يتمتع بالعلم والثقافة والفن والفكر والقدرة على المحاورة والمناقشة وإبداء الرأي بحرية بلا خوف، لكنه مع كل هذا استغنى بإرادته عن أشياء أفقدته الكثير، فقد أصبح منغلقًا على نفسه، قاطعًا للرحم، تتمحور علاقاته الاجتماعية حول ما يخرج من شاشة الكمبيوتر ومواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت الدولية، وما يستطيع أن يكتسبه من خلالها من صداقات وهمية.

وحقيقة الأمر أننا لا نستطيع إلقاء اللوم على أي من الجيلين، لأن الكبار دائمًا تجدهم متمسكين بكل ما هو قديم ومألوف، ويرفضون الانسياق وراء كل جديد، والجيل الجديد يميلون بشكل طبيعي إلى الانفتاح، والبحث عن كل جديد، والرغبة في تجربة كل حديث، وكراهية كل قديم، وكل مألوف، وكسر الروتين والجمود، ونتيجة هذا التباين بين الجيلين ينشأ الصراع الذي يؤدي إلى تمرد جيل الشباب على كل أو بعض تلك العادات والتقاليد التي يقدسها الكبار.

والسؤال هنا: هل الأفكار الجديدة التي يميل إليها الشباب ويتبناها وينقلها عن الغرب، ويحارب أجداده كي تكون له أسلوب حياة.. هل استطاع استخدامها بالطريقة الصحيحة، وجنى إيجابياتها وتجنب سلبياتها؟

الإجابة: إن معظم الشباب استخدم تلك الأفكار بالطريقة الخاطئة، فقد حاول أن يكون مختلفًا عمن سبقوه ليثبت أنه موجود، وأن له رأي يخالفهم ولكن اختلافه لم يكن للأحسن ولكن للأسوأ، فما نراه في جيل اليوم هو التقليد الأعمى للقيم الغريبة الدخيلة باسم التطور ومماشاة الواقع الجديد، حتى انتشرت في عصرنا الأوبئة الاجتماعية والجرائم البشعة التي تصور مدى عقوق الأبناء لوالديهم، وعدم احترام الكبير، وجرائم هتك العرض، والخيانة، ورفض الرأي الآخر حتى لو كان صائبًا، فقد أصابه الغرور إلى درجة أفقدته منطقية التفكير.

المسؤولية الدينية والأخلاقية تلزمنا جميعًا بترشيد توجيهات الشباب، وتنمية الوعي لديهم، وتعديل الميول عندهم، ويجب حث الشباب على أخذ كل جديد مفيد، ورفض كل حديث مضر.

وتوجيه الشباب نحو الاستفادة من منجزات العصر العلمية والتقنية والمدنية، ورفض الرذائل الأخلاقية المصدرة إلينا من الغرب أو الشرق.

كما أن من الضروري للآباء تفهم متطلبات الجيل الجديد، ومحاولة فهم ما يفكر فيه الشباب والفتيات، والاقتراب منهم أكثر، والتعامل معهم كأصدقاء، فذلك هو الطريق الأقصر لمعرفة ما يدور في عقولهم من أفكار، وفي قلوبهم من عواطف، كي يتمكن الآباء من توجيه الأولاد نحو الخير والصلاح والفضيلة والإيمان، ومعالجة المشاكل التي تنشأ لديهم نتيجة التغيرات الكبيرة، والغزو الثقافي والفكري الذي يشنه الإعلام ضد عقولنا وأفكارنا وثقافاتنا (1).

إن الموروث الإسلامي (المعارف والعلوم الإسلامية) أمانة في أعناق الأجيال الحاضرة، ومسئولية عليهم أن يؤدوها على الوجه الأكمل، وإلا ضاعت أمجاد الأمة التي وصلت إلينا، بعد أن حفظتها الأجيال الماضية ودافعت عنها، فلقد حفظوها من كل دخيل، ودحضوا عنها كل زيف، إن أمم الأرض اليوم أشد حاجة لهذا الموروث من كل وقت مضى، لما تعاني البشرية من شقاء وعنت، لا سبيل لعلاجه، ولا طريق لإسعاد البشرية إلا بهذا الموروث، الذي هو في الأصل ميراث الأنبياء؛ ومنهج الحق الذي ارتضاه الله لعباده.

إن جيل اليوم من المسلمين عليه مسؤوليات أشد خطورة وأكثر عمقًا من أي وقت مضى، مع تعقد حركة الغزو الفكري، وهجمة الباطل، الذي يحاول أن يجد ثغرة ينفذ من خلالها إلى الناس، ليقطع بذلك الخيط المتصل الذي استمر وامتد منذ نزول الوحي بالإسلام على أنبياء الله، وختم بشريعة القرآن وأمانته للمسلمين بأن يحفظوها، ويدافعوا عنها، وينشروها للعالمين.

وعلى الأجيال الجديدة من المسلمين أن تتعرف على هذا الإرث، وتكتشف عظمته، ومجده، ومعطياته، وهم اليوم في العالم المأزوم، المحتاج للضياء والنور والهدى، ليخرج من الظلام، والشك، والقلق، والتمزق، والضياع.

إذن الموروث الإسلامي أمانة في أيدي قومنا ومثقفينا، وهم مطالبون أولًا بفهم هذا الموروث، ثم بتبيينه للناس، وهم لكي يفهموه لا بد أن يبدأوا بمنابع الإسلام الأصلية، وأن يلتمسوا جوهر المعرفة الإسلامية؛ ولن يستطيعوا أن يحملوا هذا الإرث، أو يدفعوا عنه، أو يقدموه للبشرية، إلا إذا كانوا هم أنفسهم قد صدروا عن العقل الإسلامي، والنفس الإسلامية، والمزاج الإسلامي.

أما إذا حالوا ذلك عن طريق فلسفات أجنبية، أو معارف استشراقية، أو مناهج غربية، أو شرقية، فإن ذلك لن يحقق لهم الوصول إلى الفهم الصحيح لهذه الحضارة ولهذا الدين، فهذا المنهج أصيل لا ينتمي إلى غيره أبدًا.

قال الأستاذ أنور الجندي: إن للإسلام منهجه الأصيل في المعرفة؛ وأسلوبه الخاص في الفهم، ذلك هو الأسلوب القرآني، وهو الحق، ولقد دافع كثيرون عن الإسلام، وكتبوا دراسات مهمة ونافعة، وقد اصطنعوا أسلوب الفلسفة الغربي، أو أسلوب المنطق الأرسطي، أو أسلوب الوجدان والقلب والإشراق، لكنهم فعلوا ذلك في مرحلة وبيئة معينة، فلما انتهى زمنهم لم يستطع دفاعهم أن يكون مسلمًا، فأصبح تاريخًا محضًا (2).

أما الإسلام؛ فإنه منهج متكامل شامل، إنه منهج يجري على الأبعاد المختلفة للفكر، ويغطي طرائق العقل والقلب، والنظر والمشاهد والاستدلال.

وقد استوعب القرآن طرق المعرفة كلها ووسائلها جميعًا، بحيث أتيح له أن يصل إلى مختلف الناس، فيخاطبهم ملبيًا حاجتهم أجمعين، أبيضهم وأسودهم.

لقد وضع القرآن أساس المعرفة على أساس الكم والكيف، والمادة والروح، والغاية والسبب، وربط القرآن بين الحواس والعقل والوجدان؛ ووضع أهم القواعد التي تحفظ العقل من الطيش، والقلب من الزيغ، كما دعا إلى التقدير والتقرير، وعدم التعجل في الحصول على النتائج قبل استكمال البحث والموازنة والاستقراء؛ ودعا إلى التخصص قبل البحث، وعدم المكابرة والعناد، ودعا إلى المراجعة والمعاودة والاستمساك بالحق، والبعد عن الغرور، وحث على الجهر بالحق والدفاع عنه (3).

إنه دين المجد والعظمة والسؤدد، لكن المصيبة في جهل حامليه به -في هذا الزمان إلا من رحم الله– استمع معي لمقالة الإمام الحكيم الترمذي: إنا وجدنا دين الله مبنيًا على ثلاثة أركان: على الحق والعدل والصدق، فالحق على الجوارح، والعدل على القلوب، والصدق على العقول، فإذا افتقد الحق من عمل؛ خلفه الباطل، وإذا افتقد العدل؛ خلفه الجور، وإذا افتقد الصدق؛ خلفه الكذب (4).

واجب أجيال اليوم أن تقدم للناس الإسلام الذي أنزله الله على حقيقته، ومن خلال مناهجه، وليس شيء آخر توهمناه من خلال مناهج الغرب الوافدة علينا فبدا تصورًا مهزومًا منكوسًا للأسف الشديد.

إننا لو نظرنا اليوم إلى مناهج الدرس والعلوم في كثير من مؤسساتنا التعليمية، لوجدنا أن لغتنا العربية، وتاريخنا، وثقافتنا وغير ذلك؛ تدرس بطرق تدريس وافدة، وتوضع المناهج على قوالب أوربية، بعيدة عن بيئتنا وأصولنا، فنحرم الجيل الجديد من الاستفادة الكبيرة من مناهجنا الأصلية.

فالتاريخ عندنا يدرس على أنه تاريخ اقتتال وصراع، ويفصل بين أقطار أمتنا، فنحرم أمتنا من امتداداتها الطبيعية، ولا ذكر لأمجاد الأمة وحضارتها في درس التاريخ في الغالب الأعم.

دعونا نواجه خطر الغزو الفكري القائم، وأن ندفع برسالتها إلى مكانها الصحيح، منهج حياة لأمة: هي خير أمة أخرجت الناس، وحتى يجد الناس الإسلام حيًا قائمًا، وليس كتبًا محفوظة؛ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (5).

مخاطبة الجيل الجديد بالكتاب والسنة:

نحن في موضوع الدعوة إلى الله نحتاج إلى أن يأتي هؤلاء إلى حياض الشريعة والدين، ويتفيؤوا ظلاله، ويتربوا عليه: أن يعرفوا معاني الآيات وشروح الأحاديث النبوية، وأن يتعرفوا على أحكام الشريعة، والحلال والحرام، وأن يحكموا الشريعة في واقعهم، وأن تنضبط سلوكياتهم وأخلاقهم بهذه الشريعة، وأن يكونوا على وفق آدابها وما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها.

إذًا، نحن نريد من هذا الجيل أن يتربى وينشأ ويكبر وينمو في ظلال الكتاب والسنة.

عندما يخاطب القرآن الإنسان {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]، فإنما يخاطب الإنسان المكلف بحمل الأمانة والعهد والوصية، يخاطب الإنسان المتميز بالعلم والبيان والعقل {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، يخاطب الإنسان المسؤول عن عمله لا يؤخذ واحد بوزر أحد، {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، يخاطب الإنسان المعرض للابتلاء بالخير والشر، والمتهيء بفطرته لاحتمال المسؤولية ومشقة الاختيار {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، وأنه في الوقت نفسه هو مخلوق ضعيف لا يجب عليه أن يتكبر على خالقه ولا أن تأخذه نشوة الغرور، ويجب أن يتذكر دائمًا نشأته الأولى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2]، {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، كما تذكره الآيات القرآنية بطبيعته التي يستطيع أن يتخلص منها حين يزكي نفسه {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6- 7]، {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: 12].

عن أبي أمامة قال: إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه. مه. فقال: «ادنه، فدنا منه قريبًا»، قال: فجلس قال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا، والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أفتحبه لعمتك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه» فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (6).

الجيل الجديد هذا ينبغي أن تزرع فيه العزة الإيمانية، يعني الاعتزاز بالإسلام، الاعتزاز بهذا الدين، الاعتزاز بالنبي صلى الله عليه وسلم، الاعتزاز بالقرآن العظيم، الاعتزاز بالصحابة، الاعتزاز بالسلف، بعظماء الأمة، بأبطالها، بعلمائها، التاريخ الإسلامي، السيرة النبوية رأس التاريخ الإسلامي، لا بد أن يزرع في هذا الجيل الاعتزاز باللغة العربية.

فإذًا، نحن بحاجة ماسة إلى ربط الجيل هذا بتاريخه، بلغته، إلى ربطه بجذوره وأصوله.

مخاطبة الجيل الجديد عاطفيًا:

الجيل الجديد أليس له عاطفة؟ ألا يمكن مخاطبته عاطفيًا؟ ليس فقط عقليًا، يعني ليس فقط معلوماتيًا، العاطفة هذه مهمة جدًا، العاطفة هذه مخاطبتها في قضية تأسيس عظمة الله في النفوس.

عظمة الله... كان الله ولم يكن شيء معه، خلق العرش وخلق الماء، وجعل العرش على الماء، وخلق القلم، وقال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.

وخلق السماوات والأرض وما بث فيها من دابة، وخلق فيها المعايش، وأخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها، وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، وما خلق الله من الملائكة والعوالم الأخرى، والجن، وغيرهم، والدواب، والله تعالى الذي خلق الجنة والنار، وهذه الدار دار كرامته، وما فيها من العجائب، وهذه دار عذابه وعقابه، وما فيها من الإيلامات ومن أنواع العذاب الأليم.

هذه المخاطبات لعاطفة الجيل الجديد الشباب والفتيات هذه تزيد الإيمان، تجعلهم يحبون الله، يخافون الله، يخشون الله، يخلصون لله، يتوجهون إلى الله، يستحيون من الله، يصدقون مع الله، يتوكلون على الله.

هذا الجيل الذي إذا ذكر ستبنى فيه قواعد الإيمان فينقاد إلى الاستجابة لشريعة الله مثلما ذكرت عائشة رضي الله عنها: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده (7).

وذلك لانطباع النفوس بالنفرة عن ترك المألوف، وهذا الأسلوب نفسه هو الذي يفيد في مخاطبة الجيل الجديد، وتربية الجيل الجديد.

محاورة الجيل الجديد:

هذا الجيل يحتاج إلى ردم الهوة اليوم بين الأب والجد، وبين الأب والحفيد، لا بد أن يعرف كيف يتعامل معه، لا بد أن يستمع إليه كثيرًا.

نحتاج إلى جلسات إصغاء، أن يعرف ماذا يعاني منه الولد؟ ماذا يحتاج الولد؟ هناك فضفضات، أو هناك أنواع النقاشات الذي يحتاج الجيل الجديد أن يقولها لأبيه ولأمه.

وفي ذات الوقت يقال لهؤلاء الشباب الجدد والبنات: ترى مهما كان الأكبر يعني له مكانة في الدين، البركة مع أكابركم، «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم» (8) الخبرة، كبّر كبّر في الكلام، احترام الكبير.

قضية نقل العادات الاجتماعية الطيبة، حتى آداب الضيافة، حتى طريقة الترحيب بالضيف، التعامل مع كبار السن، يقال لهؤلاء: كيف يتعاملون في المناسبات الاجتماعية المختلفة.

الجيل يحتاج إلى صقل، يحتاج إلى إعادة تشكيل، يحتاج إلى نقل خبرة، وهكذا.

دعاء الآباء للجيل الجديد:

وتأملوا في الدعوات الإبراهيمية: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40]، هو وابنه يقول: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128].

اهتم إبراهيم عليه السلام بموضوع الذرية والدعاء للذرية، والدعاء للأولاد، أولاد الأولاد، وحتى الأجيال القادمة: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} [البقرة: 129].

واستجيبت الدعوة قرابة عدة آلاف سنة، {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38]، لكن بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بدعوة إبراهيم الخليل عليه السلام.

إبراهيم عليه السلام كان حريصًا على إسماعيل عليه السلام فيقول: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم: 37]، جاءت جرهم القبيلة العربية، وبعدها جاءت قبائل العرب أقاموا حتى صارت مكة، {اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: 126]، بدون ألف ولام.

دعاء ثان في القرآن {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35] بالألف واللام، قالوا: دعاء إبراهيم {اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} ما كان فيه بلد، ولما رجع ووجد الناس وبدأ يتكون البلد، قال: {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}.

فله دعوتان، واحدة قبل نشوء البلد، وواحدة بعد نشوء البلد، {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126].

وحفظ الله ذرية إبراهيم {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} شوف إبراهيم يناشد ربه {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].

إذًا، هذه الدعوات الكثيرة من إبراهيم الخليل هذه تجعلنا نحن اليوم ونحن نتعامل مع هذا الجيل، تجعلنا نركز على قضية الأشياء الإيمانية، والأشياء العقلية، والأشياء المعيشية والحياتية في التعامل معهم ولا شك.

لا شك أن الدعوة مشوار طويل، التربية مشوار طويل، لكن الله تعالى يعين، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، وربنا تعالى حذرنا: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].

ونحن ليس عندنا خيار آخر غير أننا نُقبل على الله، ونعتصم بالله، ونستعين بالله في تربية أولادنا، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا.

الرفق واللين في دعوة الجيل الجديد:

يا أيها الدعاة، يا أيها المعلمون، يا أيها الخطباء، يا أيها الأئمة، يا كل من يخاطب أو يصل إلى الجيل الجديد: أنت عندما تسهم في التأثير فيه كما أمر الله لك الأجر العظيم: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].

فإذا سلكت السبيل الذي عليه ربك: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56]، ماذا تريد أحسن من ذلك؟

نبيك صلى الله عليه وسلم ماذا قال الله عنه؟ ماذا وصفه؟ {وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46]، {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار}ِ [غافر: 41].

فنحن ندعو الشباب إلى النجاة، ندعو الجيل الجديد إلى النجاة، ندعوه إلى العودة، ندعوه إلى التمسك، ندعوه إلى ألا يضيع في خضم التقنية والشبكات والانفتاح، وإذا كان منهم من انحرف، وقع في أنواع من المعاصي، وحصل ما حصل نتيجة الانفتاح والتقنية وسقوط الحواجز بين الجنسين اليوم حصلت أشياء، كيف نستقبل الجيل الجديد؟

أن نخاطبه بفرح الله بتوبة عبده، هناك أشياء من الرجاء من المهم توجيهها للجيل الجديد، يعني فلا يكون الخطاب مقتصرًا على قضية النار والعذاب والعقاب، لا، أيضًا في ذكر عظم رحمة الله، باب التوبة المفتوح، والله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، الله تعالى أفرح بتوبة عبده من أحدكم أضاع الناقة ووجدها بعد ذلك عليها طعامه وشرابه.

عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما جئتك حتى ما تركت حاجة، ولا داجة إلا أتيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أليس تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟»، قال: بلى، قال: «فإن الله قد غفر لك كل حاجة وداجة» (9)، قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].

إذا ما استطعت ترك معصية معينة افعل طاعات لتكفيرها: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، هذا يفتح أمامه مجالًا، فلا يصاب بالإحباط، ولا يستولي عليه الشيطان.

ثم «لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم» (10)، «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه» (11).

وينبغي أن يكون هناك دعاة يجيدون التواصل مع هذه الفئة العمرية، كيف يخاطبونها، يتكلمون معها على بصيرة، وبالحكمة كما أمر الله تعالى.

عندما يشعر أنك حريص عليه، تحب له الخير؛ سيقبل، سيحبك، سيسير وراءك، هذه هي الموعظة الحسنة، هذا هو الخطاب من الوحي: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} [الزمر: 53] أنت الآن تخاطب الجيل الجديد بهذه الروح، فيشعر بالشفقة، ويحس بالرحمة، يشعر بأنك حريص على نصحه حتى لو عصى، حتى لو فعل الفواحش.

الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها، فلنكن كذلك نحن في تعاملنا مع هؤلاء الشباب والفتيات، ونستنقذهم من الشيطان، الشيطان يريد أن تميلوا ميلًا عظيمًا: {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27].

نقول: يا أخي ترى باب التوبة مفتوح إلى آخر لحظة، إذا ما غرغرت الله يقبل توبتك.

عن أبي قلابة، أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنبًا وكانوا يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا تستخرجونه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أفلا نبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله فإذا ترك فهو أخي (12).

خطف لص عمامة النووي في السوق، والعمامة لها قدر، قدر على الرأس، وقدر بالمال، وجعل النووي رحمه الله يعدو وراءه، يعدو وراء اللص، ويقول: ملكتك إياها ملكتك إياها، قل: قبلت، قل: قبلت، حتى تدخل في ملكه، حتى ما يصير عنده شيء مسروق، حتى ما يبوء بإثمها (13).

انظر إلى رحمة العلماء بالشباب، حرامي خطف عمامة عالم، والعالم يجري وراءه يقول: قل: قبلت، وهبتك إياها، ملكتك إياها، قل: قبلت، سبحان الله العظيم.

وهكذا يكون التعامل مع العصاة من هؤلاء، بترغيبهم وفتح المجال لهم، وأمرهم بالحسنات الماحية، والتوبة، وتحقيق التوبة سيجعل لهم منفذًا عظيمًا إلى الخير، والقول اللين دائمًا يأتي بالنتائج الطيبة، وإرادة النصيحة.

وأحيانًا يكون المذنب المنكسر عند الله أحسن من الطائع المعجب بطاعته، المغرور بطاعته (14).

-----------

(1) بين جيلين/ الرؤية.

(2) شبهات التغريب في غزو الفكر الاسلامي (ص: 163).

(3) حقائق مضيئة في وجه شبهات مثارة (ص: 17).

(4) إحياء علوم الدين (4/387).

(5) الموروث الإسلامي/ إسلام ويب.

(6) أخرجه أحمد (22211).

(7) أخرجه البخاري (4993).

(8) أخرجه أبو داود (4843).

(9) أخرجه البيهقي (6684).

(10) أخرجه البخاري (2942)، ومسلم (2406).

(11) أخرجه مسلم (2674).

(12) أخرجه البيهقي في الشعب (6264).

(13) انظر: المنهل العذب (ص: 111).

(14) كيف نخاطب الجيل الجديد؟ الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح، بتصرف شديد.