أساليب دعوية
الدعوة إلى الله شرف عظيم، ومقام رفيع، وإمامة للناس، وهداية للخلق، فضلًا عما ينتظر الداعين في الآخرة من أجر عظيم، ومقام كريم، وباستجابة الناس للدعوة وعملهم بالشريعة تحفظ الأموال، وتعصم الدماء، وتصان الأعراض، ويأمن الناس على أنفسهم، ويطمئنوا على أموالهم وأعراضهم، وينتشر الخير، وينقطع الفساد.
وبالدعوة إلى الله تعالى تستقيم معاملات الناس، من بيع وشراء، وعقود، ونكاح، وتصلح أحوالهم الاجتماعية والأسرية، وتتحسن أخلاق الناس، وتقل خلافاتهم، وتزول أحقادهم وضغائنهم، ويقل أذى بعضهم لبعض.
ولقد أصبح من الضروري لهداية من ضل، ولإصلاح ما فسد، واستقامة ما انحرف، ولتقوية إيمان من ضعف، إحياء الدعوة إلى الله عز وجل على أسس سليمة، ومنهجية معتدلة، وأساليب متجددة مباحة، كي يعم الصلاح، وينقطع الفساد.
وأساليب الدعوة الإسلامية ليست قضيَّة يجب الوقوف عندها، ويمتنع الأخذ بغيرها، بينما هي من المجالات المتاحة للداعية، يختار منها ويبتكر ما يناسب مدعوّه، بشرط عدم اصطدامها بقاعدة شرعيّة ثابتة.
»تقوم أساليب الدعوة الناجحة على تشخيص الداء في المدعوين ومعرفة الدواء، والتأكيد على ذلك، وإزاحة الشبهات التي تمنع المدعوين من رؤية الداء والإحساس به، وترغيبهم في استعمال الدواء، وترهيبهم من تركه، ثم تعهُّد المستجيبين منهم بالتربية والتعليم؛ لتحصل لهم المناعة ضد دائهم القديم»(1).
»لما قدم موسى عليه السلام على فرعون كان المنهج هو: تقديم الدعوة إلى الإيمان بالله، من توحيد الربوبية، بأن الله هو الخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، وبيده كل شيء، وهو على كل شيء قدير، وبيان ما عليه فرعون من الكفر والضلال، وإقامة الحجة على ذلك بالبينة العقلية، والاستدلال الواقعي، والحجة المادية، من المعجزات التي أتى بها موسى، وما شابه ذلك، ثم الدعوة إلى عبادة الله وحده، فهذا يدخل في إطار المنهج.
وأما الأسلوب: فكان الرفق بالرجل، واللين معه في الكلام، واستعمال أسلوب المحاورة الهادفة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والتذكير بالمصير، والتخويف من الجبار، وما شابه ذلك»(2).
الأساليب الدعوية(3):
أولًا: تحديد أصل الداء وتشخيص الدواء:
الداعي إلى الله تعالى طبيب القلوب والأرواح، فعليه أن يسلك نفس هذا الأسلوب في معالجة الأرواح، فيشخص الداء أولًا، ثم يعيِّن العلاج ثانيًا، ولا يقف عند أعراض الداء محاولًا علاجها تاركًا أصلها وعلتها.
وأصل داء الناس في القديم والحديث جهلهم بربهم وشردوهم عنه، أو كفرهم ورفضهم الدخول في العبودية الكاملة له، والسير على النهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه، واغترارهم بالدنيا وركونهم إليها، وغفلتهم عن الآخرة أو إنكارهم لها، هذه هي مقوّمات الداء، وهي تجتمع مع الكفر بالله، وتتفرَّق مع أصل الإيمان به، كما نجده في ضعاف العقيدة من المسلمين، فإذا وجد أصل الداء بكلِّ مقوماته وجدت الشرور والمفاسد بكل صنوفها وأنواعها، وإذا وجدت بعضها وجد من الشرور والمفاسد بقدرها.
أمَّا أصل الدواء لهذا الداء فهو الإيمان بالله ربًّا وإلهًا لا إله غيره، والكفر بالطاغوت بكل أنواعه ومظاهره، والإقبال على الله وعدم الركون إلى الدنيا، قال تعالى عن نوح عليه السلام: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ(25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم(26)} [هود:25-26]، وكذلك قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لرؤساء قريش، وقد جاءوا إلى أبي طالب يسألونه: ماذا يريد منهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول الكريم: «تقولون: لا إله إلّا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه»(4)، وهكذا قالت رسل الله جميعًا بلا استثناء، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
ثانيًا: إزالة الشبهات: