logo

كيف نتعامل مع أخطاء الآخرين؟


بتاريخ : الأحد ، 21 ذو الحجة ، 1444 الموافق 09 يوليو 2023
بقلم : تيار الاصلاح
كيف نتعامل مع أخطاء الآخرين؟

الخطأ هو أمر مخالف لما يجب أن يكون، فلا بأس أن نعرّفه بالنقيض، أو بالضدّ فنقول: الخطأ ضدّ الصواب، بمعنى: أن يفعل الإنسان أو يقول ما لا يصلح له أو يقوله أو يفعله.

وقد يكون المعيار في ذلك شرعيًّا، أو اجتماعيًّا، أو مصلحيًّا، أو غير ذلك.

وقد ورد في القرآن الكريم التعبير بالخطأ؛ لما هو ضدّ الصواب مثل قول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء:31]، وفي قراءة (خَطَأ) بفتح الخاء، وهي قراءة ابن عامر وأبي جعفر.

فهذا خطأ لأنه جريمة شرعيّة وفعل شنيع، وضدّ ما هو صواب؛ فإن الصواب ليس هو قتل الأولاد ووَأْدهم، وإنما الحفاظ عليهم، وتكريمهم ورعايتهم، وتربيتهم، وحياطتهم.

وقد يُطلق الخطأ على ما هو ضدّ العمد.

تقول: فعلت هذا الأمر خطأً، يعني من غير تقصّد، وهذا ورد في موضوع القتل ذاته في القرآن الكريم في قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [النساء: 92]، كأن يكون أراد أن يصيد طيرًا فأصاب إنسانًا، فقد يُسمّى خطأً ما هو ضدّ التعمّد؛ لغفلة أو نسيان من غير نيّة ولا إرادة.

والخطيئة شيء أشنع من الخطأ، والإنسان ربما أراد الحقّ فأخطأه، أما الخطيئة فهي كونه أراد الباطل فأصابه.

وقد تُطلق على الخطأ الكبير الشنيع من كبائر الذنوب، وعظائم الموبقات؛ ولذلك يقول إخوة يوسف: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97]، ولم يقولوا مخطئين؛ لأنهم كانوا تعمّدوا هذا الفعل، وأدركوا أن فِعلتهم فِعلة عظيمة، فاجتمع جانبا التغليظ: القصد، والشدّة.

ومن الناحية الشرعيّة يمكن تعريف الخطأ بأنه: ما كان مخالفًا للكتاب، أو السنة، أو إجماع الأئمة والعلماء، وهذا تعريف جيّد، وهو يخرج الأشياء التي لا تكون معارضة للكتاب، ولا للسنة ولا لإجماع العلماء، وإنما تكون اختلافًا للعلماء؛ فهذا لا يُوصف بأنه خطأ؛ وإنما يكون اختلافًا فيه قول قويّ وأقوى، وقد يكون منه راجح ومرجوح، أو قويّ وضعيف، لكن ليس من الحسن أن نحكم على أقوال أئمة وعلماء أنها خطأ محض؛ إلا في حالات نادرة لأقوال شاذّة أو مهجورة، ومخالفتها للنصوص ظاهرة، وهذا يعتبر استثناء.

أما ما يتعلّق بالاختلاف بين الأئمة والعلماء وتنوّع اجتهاداتهم، فهذه لا ينبغي أن يُستعمل فيها لفظ: خطأ وصواب، بل كلهم على خير وصواب، من جهة اتباعهم ما أمرهم الله به من الاجتهاد، وإن كانوا يتفاوتون في الوصول إلى ما أراده الشارع في مفردات المسائل.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث المتفق عليه: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (1).

فأن يمنحهم الله سبحانه وتعالى أجرًا على الاجتهاد، فهذا تشجيع لهم على أن يجتهدوا إذا كانوا ممن لهم حقّ الاجتهاد والبحث في هذه المسائل، فهنا لا نسمّي فعل من لم يصب الحقّ الذي عند الله خطأ من كل وجه، وإنما هو اجتهاد يُؤجر عليه صاحبه، وكونه خطأً عند الله فهذا أمر لا يستطيع البشر أن يحيطوا به علمًا وجزمًا.

يبقى أن ثمة أشياء قد تدخل فيما يظنّ الناس أنه صواب، من مألوفات اجتماعيّة، أو عادات، أو موروثات، وقد يعتبرون مخالفته خطأً، بينما الحقّ أنه هو الخطأ الذي يجب نفيه، مثل العصبيّات القبليّة، أو عدم توريث المرأة في بعض البيئات، وإكراهها على الزواج ممن لا تريد، أو عضْلها، أو فرض أنماط من التعرِّي بحجة مسايرة الناس أو جذب الخُطّاب.

فالإلف المستحوذ على حياة الناس، أو على عقولهم ليس معيارًا في الخطأ والصواب.

والخطأ جزء من الطبيعة البشريّة وقد خُلق الإنسان خلقًا لا يتمالك كما في صحيح مسلم.

والإنسان بشر وليس ملَكًا، حتى الأنبياء في دائرة البشرية {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:9]؛ ولذا فالأخطاء قد تكون نعمة من الله، وقد يجني المرء بسببها من الفوائد ما لا يحتسب، فهي نعمة إذا قادتنا إلى الصّواب، وإذا أحسّنا التعامل معها.

حتى خطأ المعصية يكون نعمة إذا حمل الإنسان على التوبة والإنابة والانكسار، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له» (2).

هذا في مصائب الدنيا، وهو جارٍ في مصائب الدين إذا تاب العبد منها وأناب ورجع إلى الله عز وجل فتكون خيرًا له، فيكون العبد بعد التوبة أفضل منه قبل الذنب، كما قيل عن آدم وداود عليهما السلام.

وذلك لأن المذنب إذا أذنب وأحس بذنبه، ذهب عنه غروره وتضرع إلى ربه، والإحساس بالمعصية وطلب العفو عنها يقربه من الله تعالى ويدنيه منه، ولذا قال بعض حكماء الصوفية: معصية مُذلة خير من طاعة مُدِلَّة، ومعصية أورثت ذلًا وانكسارًا خير من طاعة أورثت دِلًا وافتخارًا، والله عفو غفور (3).

فالمهم أن نصل إلى الله، أن نخضع لله، أنْ نذِلّ لعزته وجلاله، والمعصية التي تُوصِّلك إلى هذه الغاية خير من الطاعة التي تُسلِمك للغرور والاستكبار.

وتأمل معصية إبليس حيث كانت من القلب أورثت طردًا وإبعادًا، ومخالفة آدم حيث كانت بالجوارح أورثت قُربًا واجتباء.

والحاصل: أن كل ما يَردُّ العبد إلى مولاه، ويحقق له العبودية والانكسار، فهو شرف له وكمال، وكل ما يُقوي وجود النفس ورفعتها فهو نقص وإبعاد، كائنًا ما كان، فالعصمة والحِفظة إنما هي من المعاصي القلبية، أو من الإصرار، وأما معاصي الجوارح فيجري على العبد ما كتب، ولا تنقصه، بل تكمله (4).

فهذه إحدى منافع الخطأ التي تؤكّد أنه قد يكون نعمة من الله عز وجل، ثم إن الخطأ يحفّز الإنسان لفعل الخير والتصويب والاستغفار، كما وقع لعمر رضي الله عنه عقب كلمته يوم الحديبية، قال: فعملت لذلك أعمالًا (5).

يظلّ البشر عُرضة لأن يقعوا في أخطاء مهما كانت تقواهم وإيمانهم، وفي الحديث: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه» (6)، فهذا من شأنه أن يجعل الإنسان يعرف نفسه فلا يطغى ولا يتكبّر ولا يتجبّر؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» (7).

ومن منافع الخطأ أن يمنحَ فرصة للآخرين للتصحيح والتصويب والاعتبار من غير شماتة ولا تسلط ولا فرح بالزّلة؛ ولذا جاء الدّين بالنصيحة بين المؤمنين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى.

وعلى الإنسان ألا يلتفت إلى الوراء، وإنما ينظر إلى الأمام، ويدرك أنه كما أن الخطأ قَدَرٌ فالصواب قَدَرٌ، المعصية قدر، والتوبة قدر أيضًا، الهدم قدر، والبناء والتعمير قدر كذلك، الشر قدر، والخير قدر، بل النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والشر ليس إليك» (8).

يقول الله جل وعلا: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: 79]، وقد نبّهنا الله إلى مقاومة الخطأ والشر، فالترهيب والتخويف تحذير من ركوب المعصية والترغيب والوعد بالرضوان والجنة دعوة إلى التوبة وفتح لأبوابها، «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» (9).

المصائب التي تصيب الإنسان حتى الهمّ والغمّ والشوكة يُشاكها وغيرها مما يكفّر الله بها عنه من خطاياه (10).

بحاثة الأخطاء:

عندما يبحث الإنسان عن الأخطاء، ويكون ذلك ديدنه وعادته يقع في إشكالية تشرب الخطأ، ويصبح كأنه مغناطيس ترمي به في التراب فلا يلتقط إلا الران والحديد.

وهذا نمط تربوي واقع في المجتمعات أو المدارس العلمية أو المحاضن التربوية، ومنشؤه خلل في القصد والهدف، وجنوح في أصل التربية على إعطاء الفرد نفسه حق التصويب والتخطئة، مع الإسراف في ملاحظة الآخرين، وتتبعهم، وعد أنفاسهم، إضافة إلى شبهات مترسبة في أعماق النفس باتت وكأنها الحق الصراح.

والتغافل عن الأخطاء ليس غباء أو سذاجة أو إقرار خطأ؛ فإن من يقر الناس على أخطائهم ليس فقيهًا، ومثله الذي يلاحقهم ويتابع أخطاءهم ويقسو عليهم، والفقيه بحق هو من جمع هذا وذاك.

ويسري ميزان الوسط بين التغافل والملاحقة في كل المعاملات حتى بين الزوجين، وفي الصحيحين في حديث أم زرع: قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد (11).

يقول ابن حجر: يحتمل المدح والذم أيضًا؛ فالمدح بمعنى أنه شديد الكرم كثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب من ماله، وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك، أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب؛ بل يسامح ويغضي.

ويحتمل الذم؛ بمعنى أنه غير مبال بحالها حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة وغاب ثم جاء لا يسأل عن شيء من ذلك، ولا يتفقد حال أهله ولا بيته؛ بل إن عرضت له بشيء من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب.

وأكثر الشراح شرحوه على المدح، فالتمثيل بالفهد من جهة كثرة التكرم أو الوثوب، وبالأسد من جهة الشجاعة، وبعدم السؤال من جهة المسامحة (12).

وغالبًا ما تتحكم العواطف؛ فيتصرف الناس بإملاء منها، وأشد ما يكون هذا عندما يتعلق بالشرع، ورغم ذلك فالناس لا يحبون أن تهان كرامتهم، أو يستخف بهم.

ولما أجاز ابن عباس رضي الله عنه الدينار بالدينارين؛ قال له أبو أسيد الساعدي في ذلك، وأغلظ له؛ فقال ابن عباس: ما كنت أظن أحدًا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي مثل هذا (13).

والمرء لا يسلم من الهوى في الحكم على الآخرين إلا من رحم الله، وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن المعلمي صاحب التنكيل تجربة شخصية حيث يقول:

وبالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى، وقد جربت نفسي، أنني ربما أنظر في القضية زاعمًا أنه لا هوى لي، فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريرًا يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذلك الخادش، وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه، وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولًا تقريرًا أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخادش! فكيف لو لم يلح لي الخادش، ولكن رجلًا آخر اعترض عليّ به! فكيف لو كان المعترض ممن أكرهه؟ (14).

وهذا يبين لك مساحة حظ النفس، والأنانية في الجبلة البشرية.

تصيد الأخطاء قد يكون بحسن نية ودافعه خير؛ لأنه بحث من يستشعر الغيرة والرقابة، لكن تتولد عنده الروح السلطوية الفوقية على الناس.

وأنت حين تلتزم بقول أو رأي أن فلانًا يؤخذ عليه كذا من الأقوال والمذاهب أو الأحوال أو الأخطاء، ثم تذهب للتحقق من ذلك والتحري حوله؛ ففي الغالب قد يسعدك أن تكتشف صواب ظنك السيئ فيه، بينما المفترض هو أن تحزن لتحقق الخطأ في أخيك المسلم.

وما أجمل هذا الأثر الصحيح الذي يصف (البحاثة عن الأخطاء) عندما لا يرى إلا عيوب الآخرين وأخطاءهم، مع أنه قد يكون أسوأ حالًا منهم: «يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه» (15).

فنحن حينما نحاول أن نزن حسنات الآخرين وسيئاتهم؛ تجدنا في الغالب نضع إصبعنا على طرف الكفة؛ لترجح هنا أو هناك بحسب ميلنا أو هوانا.

وقديمًا كان حكيم الفقهاء (الشافعي) يحلف ويقول: ما ناظرت أحدًا قط إلا على النصيحة، وما ناظرت أحدًا ما فأحببت أن يخطئ، أفهكذا أنت يا أخي بالله عليك؟ إن ادعيت ذلك، فقد زعمت أنك خير من الأخيار، وبدل من الأبدال، والذي يظهر من أهل وقتنا أنهم يناظرون مغالبة لا مناظرة، ومكايدة لا مناصحة، ولربما ظهر من أفعالهم ما قد كثر وانتشر في كثير من البلدان، فمما يظهر من قبيح أفعالهم وما يبلغ بهم حب الغلبة، ونصرة الخطأ أن تحمر وجوههم، وتدر عروقهم، وتنتفخ أوداجهم، ويسيل لعابهم، ويزحف بعضهم إلى بعض، حتى ربما لعن بعضهم بعضًا، وربما بزق بعضهم على بعض، وربما مد أحدهم يده إلى لحية صاحبه.

ولقد شهدت حلقة بعض المتصدرين في جامع المنصور، فتناظر أهل مجلسه بحضرته، فأخرجهم غيظ المناظرة، وحمية المخالفة؛ إلى أن قذف بعضهم زوجة صاحبه ووالدته، فحسبك بهذه الحال بشاعة وشناعة على سفه الناس وجهالهم، فكيف بمن تسمى بالعلم، وترشح للإمامة والفتيا.

ولقد رأيت المناظرين في قديم الزمان وحديثه، فما رأيت ولا حدثت، ولا بلغني أن مختلفين تناظرا في شيء ففلجت حجة أحدهما، وظهر صوابه، وأخطأ الآخر، وظهر خطأه، فرجع المخطئ عن خطئه، ولا صبا إلى صواب صاحبه، ولا افترقا إلا على الاختلاف والمباينة، وكل واحد منهما متمسك بما كان عليه، ولربما علم أنه على الخطأ، فاجتهد في نصرته، وهذه أخلاق كلها تخالف الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح من علماء الأمة (16).

ومن الجيد رؤية الجانب الإيجابي حتى لدى المخطئ، وخاصة حين يكون السياق داعيا لاستحضارها أو ذكرها، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي بأنه ملك لا يظلم عنده أحد وكان يومئذ كافرًا، وقد قال ذلك لمناسبة أمر الصحابة بالهجرة إليه.

رأت إحدى الداعيات في بلد إسلامي امرأة محجبة وهي تدخن فقالت: سبحان الله محجبة تدخن؟

ولو شاءت لقالت: ما شاء الله بالرغم من أنها مدخنة إلا أنها التزمت بالحجاب.

صحيح أن الإنسان الذي عليه سمات التقوى قد يعاتب، ويؤاخذ على ما لا يؤاخذ غيره، ويتحمل مسؤولية أكثر مما يتحمل غيره، لكن علينا أن نتدرب على الوزن بالقسط وألا نخسر الميزان.

هل يعني هذا أن علينا أن نبتلع الأخطاء ونتشربها؟ كلا، بل الأصل معالجة الخطأ، لكن إذا أفرط الإنسان في المعالجة احتاج إلى معالجة، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة: «المؤمن مرآة أخيه، إذا رأى فيها عيبًا أصلحه» (17).

والتعبير بالمرآة هنا بليغ، فأنت ترى فيها صورتك على حقيقتها بدون تعديل، وهكذا المسلم يرى فيه أخوه المسلم الوجه الطيب المشرق من الصواب، كما يرى فيه الخطأ أو النقص والجانب السلبي، خلافًا لما يفهمه قوم وهم يرددون هذا الحديث ويظنون أنه يعني بيان العيب والخلل (18).

كيف نتعامل مع الخطأ؟

ولكن كثيرًا ما تتداخل المفاهيم وتختلف المشاعر وتتوالد السلبيات في أثناء تعاملنا مع أخطاء الآخرين، ولكن هناك علامات إيمانية مضيئة قدمها المنهج النبوي الكريم في تعاملنا مع أخطاء الغير؛ تقوم السلوك الإنساني في الحكم على الآخرين، وتدعو إلى العدل والإحسان مع المخطئ، نشير إلى بعضها بإيجاز:

1- أن يكون قصد الوقوف على خطأ الغير هو لله وحده لا شريك له؛ فلا يكون بقصد التشفي والانتقام، ولا بقصد السعي لنيل رضا الناس، ولا لمصلحة شخصية عائدة أو ظنية.

2- أن يكون منطلق البحث في أخطاء الغير؛ العلم بأن الناس جميعًا خطاؤون، وأن النفس البشرية تخطئ وتصيب، وقد علم هذا وتواتر كمنهج إسلامي شرعي، ففي الأثر الحسن «كل بني آدم خطاء» وقال مالك: كلنا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا المقام، وأشار إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

3- التفريق بين المخطئ العامد والمخطئ الساهي أو المضطر أو الجاهل أو غيره، وكذلك اعتبار ظروف الخطأ.

4- اختيار من يصحح الأخطاء، بحيث يتوافر فيهم العدل والشفافية والبعد عن المصلحة، وعدم الخلفية الخلافية أو العدائية، ولما ناظر داود الظاهري أحدهم، رد عليه ذلك الشخص، وقال له: إذا كنت تقول كذا وكذا؛ فقد كفرت والحمد لله، قال له داود: لا حول ولا قوة إلا بالله! كيف تفرح لكفر أخيك المسلم؟

5- مراعاة قيمة المخطئ وإيجابياته وقياس فضائله ووزنها بأخطائه، ففي الحديث «لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم» (19)، وللأسف فنحن حينما نحاول أن نزن حسنات الآخرين وسيئاتهم؛ تجدنا في الغالب نتمنى أن يميل الميزان لترجح هنا أو هناك بحسب ميلنًا أو هوانًا، وكان الشافعي رحمه الله يقول: ما ناظرت أحدًا إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه.. فانظر وتأمل.

6- استبدال لوم المخطئ بتوجيهه وتعليمه وتقويم سلوكه، وكما يقول أنس بن مالك: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئًا قط (20).

7- بيان الصواب للمخطئ؛ لأنه ربما ظن نفسه محقًا وربما بعد البيان يعود المخطئ إلى الصواب، وفي قصة معاوية بن الحكم حيث قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (21)(22).

 

______________

(1) أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716).

(2) أخرجه مسلم (2999).

(3) زهرة التفاسير (10/ 5152).

(4) البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (3/ 431).

(5) أخرجه البخاري (2731).

(6) أخرجه البخاري (6243)، ومسلم (2657).

(7) أخرجه مسلم (2749).

(8) أخرجه مسلم (771).

(9) أخرجه مسلم (2759).

(10) ما هو الخطأ- أرشيف ملتقى أهل التفسير، الموسوعة الشاملة.

(11) أخرجه البخاري (5189)، ومسلم (2448).

(12) فتح الباري لابن حجر (9/ 262).

(13) سير أعلام النبلاء (5/ 386).

(14) التنكيل (2/ 212).

(15) أخرجه ابن حبان (5761).

(16) الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 547).

(17) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (238).

(18) مقال بعنوان «بحَّاثة الأخطاء» للشيخ سلمان العودة.

(19) أخرجه االبخاري (3007)، ومسلم (2494).

(20) أخرجه مسلم (2309).

(21) أخرجه مسلم (537).

(22) منهج تصحيح الأخطاء نظرة تقويمية/ موقع المسلم.