الشباب صناع التغيير
يمثل الشباب في كل أمة عمودها الفقري، وقلبها النابض، ويدها القوية التي تبني وتحمي، ومخزون طاقتها المتدفق الذي يملأها حيوية ونشاطًا، وهمزة الوصل التي تربط بين الحاضر والمستقبل، ومن هنا وجبت العناية بهم، والحرص على حسن تربيتهم وإعدادهم.
إن معظم محطات التغيير الرئيسية كانت معتمدة اعتمادًا شبه كلي على الشباب، فبالنظر في أعمار المشاركين في غزوة بدر، فإن متوسط العمر في الجيش كان اثنين وثلاثين سنة، فالمواقع القيادية في بدر كلها كانت للشباب، كان حامل راية المهاجرين علي بن أبي طالب، وعمره خمس وعشرون سنة، وحامل راية الأنصار سعد بن معاذ، وعمره اثنان وثلاثون سنة، وحامل الراية العامة للجيش كله مصعب بن عمير، وعمره سبع وثلاثون أو ثمان وثلاثون سنة، كما أن شهداء بدر متوسط عمرهم تحت الثلاثين سنة، فالشباب طاقة هائلة، والتركيز عليهم في موقع الذب وفي غيرها من المواقع الفاصلة كان في منتهى الوضوح، والنصر جاء على أيديهم في بدر وفي غيرها، وليس معنى هذا أننا لسنا محتاجين لحكمة الشيوخ، لا، بل نحن محتاجون لكل الطاقات، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، لكن من المؤسف جدًا أن يكون شباب الأمة الذين يجيء معظم النصر على أيديهم يكون مشغولًا ببعض الأمور التافهة التي لا تصلح لطفل فضلًا عن شاب (1).
والشباب أقرب إلى التغيير والتحول، بخلاف الطاعنين في السن الذين ألفوا ما هم عليه، ويصعب تغييرهم إلى الأحسن أو إلى طريق الرشاد، مما ينبه الدعاة إلى توجيه همتهم إلى الشباب، فهم الذين يستقبلون الدعوة بالاستجابة والإيمان بها، وعلى سواعدهم تبنى الأمم وتنهض الشعوب.
ويعتبر الشباب وقودًا لحركات التغيير في كل المجتمعات، لما يتمتعون به من حماسة القلب، وذكاء العقل، وحب المغامرة والتجديد، والتطلع دائمًا إلى كل جديد، والثورة على التبعية والتقاليد، إلا ما كان دينًا قويمًا، أو تراثًا صحيحًا.
لقد كان أصحاب الكهف الذي أخبر الله تعالى عن قصتهم فتية شبابًا، فروا بدينهم من قوم مشركين، فجعلهم الله تعالى آية على البعث والنشور، واتضح من قصتهم دور الشباب الفاعل في التغيير، للحماسة الجارية في أبدانهم، ولبعدهم عما يقعدهم عن العمل من شواغل الحياة، وإدراك هذا الأمر يرفد الدعوة الإسلامية بطاقات عظيمة.
قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، عرفهم القرآن الكريم بأوصافهم، وأول وصف من هذه الأوصاف أنهم فتية جمع فتى، أي أنهم شبان في باكورة أعمارهم، نفوسهم غضة لم ترهقها الأوهام، ولا العادات والتقاليد، وموروثات الآباء العتيقة التي عششت في رءوس من قبلهم؛ بل إنهم على الفطرة السليمة، والشباب دائمًا أسرع الناس إلى الحق إن لم يكن في توجيههم ما يعوق عنه أو يسد الحجاب دونه (2).
قال ابن كثير: فذكر تعالى أنهم فتية -وهم الشباب-وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ، الذين قد عتوا وعسوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابًا، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا (3).
الشباب في بداية الرسالة:
الدعوة وإن كانت موجهة لكل الأعمار؛ لكن التركيز على الشباب في الفترة الأولى من الدعوة كان واضحًا، لأسباب:
أولًا: أن الشباب لم يَطُل عليهم الأمد في الاستمرار على تقاليد معينة، ولم يعتادوا على عبادة الأصنام لسنوات طويلة، ولم يتمسكوا بالدفاع عنها، فأنت عندما تذهب للكلام مع غير الشباب، وتقول له: أنت لك (40) سنة أو (50) سنة تدافع عن قضية باطلة، كيف يمكن له أن يؤمن بكلامك؟ لكن الشباب أيسر بكثير، لم تتلوث عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثم يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية بسهولة.
ثانيًا: أن الشباب بصفة عامة مولعون بالجديد، لذلك تجد أكثر المقلدين للموضات هم الشباب مهما كانت، حتى لو كانت لا تتوافق مع أهواءهم، لكن المهم أنها شيء جديد.
ثالثاً: أن الله سبحانه وتعالى أعطى الشباب حماسة عالية، وحمية ونشاطًا، لا يعترفون بالصعب، وحمل الإسلام صعب وشاق يحتاج إلى عزيمة الشباب، وليس معنى هذا أن الشيوخ ليس لهم مكان في حمل دعوة الإسلام؛ لكن فرصة إيمان الشباب وفرصة حركة الشباب للدعوة بعد الإيمان، وفرصة ثبات الشباب على الحق وتحديه للصعاب والمشاكل أكبر من فرصة الشيوخ، ومن المؤكد أيضًا أن الدعوة تحتاج إلى الشيوخ وحكمتهم بجانب حماسة الشباب.
كل هذا الكلام جعل التركيز الأول على الشباب ذي الأخلاق الطيبة والحسنة، فهؤلاء هم الذين يمكنهم أن يتحملوا الدعوة، سواء في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في الأزمان اللاحقة، أو في زماننا هذا وإلى يوم القيامة (4).
ونظرًا لما يشهده العصر الحالي من التغيرات المتسارعة في كل مجالات الحياة، كالثورة المعلوماتية، والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والقفزة الهائلة في نظم الاتصالات وفضائيات الإعلام، وغير ذلك من مظاهر التغير اللامتناهية، مما يسم حياتنا بعدم الثبات والاستقرار، من هنا وجب علينا أن نربي شبابنا التربية المرنة التي تعلمهم كيف يتعلمون لا ماذا يتعلمون؟
إن الشخصية في تلك المرحلة تترسب في كيان الفتى كما تترسب في كيان الفتاة، إنها مرحلة المراهقة والنضوج والحمية والحماس، والنشاط والعنفوان، وعندها يجب أن يتغير أسلوب التدليل إلى أسلوب الملاطفة، وأسلوب البنوة إلى أسلوب الصداقة، وهنا تظهر الفائدة الكبرى لما سبق أن تعاطاه الشاب أو الفتاة من آيات القرآن الكريم، ومن الذي لقن من الحديث النبوي الشريف أيام الصغر، وبما يحفظ من الآداب التي تلقاها في أيام طفولته السابقة في مرحلة التأديب.
فمهما كان التغيير الذي يطرأ على حياة الشباب من الأحوال الجسمية والعقلية، فإن السلك يكون راشدًا طالما أن مرحل الطفولة تَمَّ تأسيسها على القاعدة الصلبة التي هي العقيدة الإسلامية الراسخة، وعلى الأب أن يتخذ من ولده في هذه المرحلة صديقًا يرافقه في رحلاته، وينيبه عنه في بعض أعماله، وعلى الأم أن تعين زوجها على ذلك، فترشد ولدها إلى ما تراه مفيدًا، تنصحه بالبعد عن مصاحبة الأشرار ورفاق السوء، وبأن يصاحب كل ذي دين ومروءة، ولتذكره بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله، فينظر أحدكم من يخالل» (5)، فإن الأخذ بهذه التوجيهات الكريمة يصلح من حال الأولاد، وينصلح حال المجتمع بصلاحهم (6).
مؤهلات الشباب للتغيير:
نقصد بمؤهلات التغيير أنها الإمكانات والقدرات والخصائص التي يتمتع بها الشباب دون غيرهم من الناس، بحيث تمكنهم من قيادة التغيير في مجتمعاتهم، وتحقيق مستقبل أفضل لها.
وتتمثل هذه المؤهلات فيما يلي:
1- حب التغيير والقدرة على بناء المستقبل:
إن التغيير سنة إلهية يقوم عليها هذا الكون في كل مكوناته المادية والمعنوية، وتتأثر المجتمعات البشرية بسنة التغيير بشكل واضح؛ وإن ظهر بطيئًا أحيانًا، وفي هذا يقول الله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].
وباعتبار أن الشباب هم عنصر الحيوية والعطاء في الأمة والمجتمع؛ فإن هذه الخصائص ترشحهم ليكونوا طليعة التغيير ورواد كل جديد، ذلك أنه يغلب على عنصر الشباب الميل للتغيير وعدم الرضا بالقديم، والبحث عن الجديد، ومن هنا فإن وقود التغيير يعتمد أساسًا على حماسة الشباب وصلابة إرادتهم (7).
وبناء على ريادية الشباب لعملية التغيير فإن حركات التغيير في التاريخ العالمي اتجهت إلى الشباب لتجعل منه وسيلتها، ومادتها، ومحل أفكارها، وإطار حركتها، ومنجم تضحياتها، ومن طبيعة الشباب أن يستهويه كل جديد، ويراوده كل أمل في التغيير (8).
وتعتبر المجتمعات العربية والإسلامية مجتمعات شابة قياسًا إلى المجتمعات الغربية التي تتجه نحو الشيخوخة، ويمثل هذا المعطى حافزًا لأهل الإصلاح والتغيير من الدعاة والمصلحين لوضع البرامج الكفيلة باستثمار هذه الطاقات الشابة لتغيير الواقع الإسلامي أولًا ثم الواقع العالمي ثانيًا، وبالتأكيد حسم مستقبل الصراع بين الفلسطينيين واليهود في حالة أن يتوحدوا تحت راية الإسلام تربية وجهادًا.
2- الإيمان بالفكرة:
ليس هناك من عملية تغيير حققت أهدافها إلا وكان وراءها قيادة آمنت بفكرة التغيير، وتشربت حبها، وتفانت في سبيلها، ذلك أن حياة الأفكار لا تتحقق إلا بذوبان الأشخاص فيها، حتى يصبحوا أدلاء عليها، وهذا ما ربى عليه القرآن أتباعه؛ {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162- 163]، وكما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن (9).
وقد أثمرت هذه التربية جيلًا فريدًا امتزجت الفكرة عندهم بأرواحهم وعقولهم وسلوكهم، فكان أحدهم قرآنًا يدب على الأرض، عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «كيف أصبحت يا حارث؟» قال: أصبحت مؤمنًا حقًا، فقال: «انظر ما تقول؟ فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» فقال: قد عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت لذلك ليلي، واطمأن نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: «يا حارث عرفت فالزم» ثلاثًا (10).
3- الميل للعمل الجماعي:
لا شك أن مهمة التغيير التي ينتدب الشباب أنفسهم لها لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، ويكتب لها النجاح؛ إلا إذا تضافرت حولها الجهود، وحشدت لها الطاقات، وتوزعت على روادها الواجبات والمسئوليات، ومن هنا كان التغيير يستلزم العمل الجماعي، وبما أن الشباب وقود التغيير، إذا لا بد أن يميلوا للعمل الجماعي، وينخرطوا في سلكه، وينضووا تحت لوائه، وإلا فإن الجهود الفردية سرعان ما يزول أثرها، وينزوي تأثيرها، ويتفرق أنصارها بموت قائد التغيير، الذي لم يصهر طاقات هؤلاء في مؤسسة جماعية ذات قرار شورى.
ولا شك أن مرحلة الشباب هي بدء مرحلة النزوع إلى تشكيل الجماعات، والانسلاك في الأعمال الجماعية، والحياة ضمن أطر جماعية ضرورة تربوية لا تعوض بغيرها (11).
4- الطاقة والحيوية والعطاء:
فإذا رسمنا منحنىً بيانيًا يمثل نسبة العطاء والحيوية في مراحل العمر، سنجد أن قمة هذا المنحنى في مرحلة الشباب، ففيها الدراسة والاجتهاد العلمي، وفيها العمل وتحصيل الرزق، وفيها الانخراط في العمل السياسي والجهادي والاجتماعي، ولذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم باغتنام هذه المرحلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (12).
ومن أمثلة الطاقة والحيوية عند الشباب: ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟»، فقلت: بلى يا رسول الله قال: «فلا تفعل صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله»، فشددت، فشدد علي قلت: يا رسول الله إني أجد قوة قال: «فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه»، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: «نصف الدهر»، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم (13).
5- الحماسة والإرادة:
أن الحماسة تعلق وولع بالأمر يدعو إلى التشدد فيه، والجرأة والشجاعة في إنفاذه، فهو يبدأ بشعور وعاطفة وتعلق، ينبثق منه حينئذٍ تغير وسلوك نفسي يتولد من خلاله جرأة تترجم إلى شجاعة في إنفاذ الأمر وعدم التساهل أو الترخص فيه.
ومن ذلك تحدي عبد الله بن مسعود لقريش بالجهر بالقرآن أمامها، وهو يعلم ما يمكن أن يصيبه من وراء ذلك، ورغم ما أصابه من ضرب وإهانة جسدية إلا أنه فاجأ المسلمين في اليوم التالي وهو يقول: ما كان أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدًا، قالوا: حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون (14)، أي لم تنهزم نفسيته؛ بل لديه شعور بالتحدي وعدم الاستسلام.
6- الاستعداد للتضحية:
فمن الذين يتقدمون الصفوف للدفاع عن حمى الوطن من سطوة المعتدين؟ ومن الذين يبذلون دماءهم رخيصة من أجل كرامته؟ إنهم الشباب بشكل رئيس، وربما يكون الشيوخ سببًا لإعاقتهم عن أداء هذا الدور العظيم.
ففي غزوة أحد حينما شاور النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في شأن البقاء في المدينة لمواجهة المعتدين أم الخروج لملاقاتهم، كان رأي الشباب هو الغالب والذي يقضي بالخروج لملاقاتهم خارج المدينة حفاظًا على كرامة المسلمين وعزتهم، ولذلك رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش وهو يقول: يعصيني ويطيع الولدان؟
الشباب هو محرك الحياة في المجتمع، وقلبها النابض، ومجددها ومطورها، فالشباب هم طليعة المجتمع وعموده الفقري، وقوته النشطة والفعالة والقادرة على قهر التحدي وتذليل الصعوبات وتجاوز العقبات، فدورها الأساسي واضح في المجتمع أكثر من غيرها، ولديه الاجتهاد بما تملكه من قدرات بشرية ومادية للحفاظ على الأبناء، وتأهيلهم لتحمل المسؤولية، وتمكينهم وحمايتهم من الفراغ الأيديولوجي القاتل، لذا فإن أي مجتمع يجب أن يفتخر بشبابه؛ لأنهم الرئة النقية التي يتنفس منها، الشباب المؤهل بالعلم والمعرفة، الطموح القادر على الآخذ بزمام المبادرة، المثقف الواعي الحريص على قضايا أُمّته، المحصن بتقوى الله، الجريء في قول الحقّ بلا إفراط أو تفريط، صاحب العزيمة، المحافظ على مكتسبات الوطن المادّية والمعنوية، يتمثل قول الله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} [القصص: 26].
المنتمي لدينه ووطنه وأُمّته، لا يتردد أبدًا في أن ينخرط في الخدمة العامة بارتياح واطمئنان، يسهم في رسم الخطط لإحداث التغيير الإيجابي الجذري بدون كلل لأنه يؤمن بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، ينظر إلى أُمّته بعين المحبة، يخلص في أداء واجبه لأنه عبادة يتقرب بها إلى ربه عز وجل، لقد أودع الله في الشباب طاقات يجب أن تستغل في العطاء الخير الذي يعود على أبناء الأمة بالسعادة والرضا والأمان المادي والمعنوي، والشباب قادر على تخطي العقبات التي تعترض مساره بالحكمة للوصول إلى الهدف المنشود، كما أنه صادق في تحمله الأعباء، لأنه يتعامل مع قضايا الوطن بطرق علمية حضارية قائمة على العلم والإحاطة للتحديات الحاضرة والمستقبلية التي تجابه الأُمّة.
إن الشباب هم عنصر الحيوية والعطاء في المجتمع، فإنّ هذه الخصائص ترشحهم ليكونوا طليعة التغيير ورواد كل جديد، ذلك أنه يغلب على عنصر الشباب الميل للتغيير وعدم الرضا بالقديم، والبحث عن الجديد، ومن هنا فإن وقود التغيير يعتمد أساسًا على حماسة الشباب وصلابة إرادتهم، ويعتبر الشباب وقودًا لحركات التغيير في كل المجتمعات، لما يتمتعون به من حماسة القلب، وذكاء العقل، وحب المغامرة والتجديد، والتطلع دائمًا إلى كل جديد، والثورة على التبعية والتقاليد، إلا ما كان دينًا قويمًا، أو تراثًا صحيحًا.
لقد أصبح الشباب في واقعنا المعاصر يعانون من مشاكل كثيرة بسبب البطالة "مشكلة الباحثين عن عمل" وهدر طاقاتهم وعدم الاهتمام بهم بالشكل المطلوب، إضافة إلى ارتفاع مستوى المعيشة وغلاء الكثير من المواد المهمّة المستخدمة في حياتهم اليومية، وقد سبّب ذلك انطوائهم وعزوفهم عن الزواج وتهربهم من المجتمع بطرق ملتوية وانخراطهم في تناول المخدرات.
وهنا يأتي دور الدعاة في توجيه الشباب بالوجهة الصحيحة، وترسيخ القيم والأخلاق الفاضلة فيه.
لا يخفى على الشباب بأنّ النظرة الحالية لهم بأنّهم طائشون وغير مسؤولون ولا يستطيعون تحمّل الصعاب؛ فهذه النظرة الخاطئة كفيلة بكسر وتحطم القدرات الجبارة عند الشباب، وتساعد في هروبهم وارتمائهم في أحضان من يريد بهم وبأمتهم ومستقبلهم سوءًا (15).
كان جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر شبابًا خرجوا معه لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فحطموا الأصنام، وداسوا الأزلام، وحذفوا رؤوس الأقزام، واستمر الشباب في كل أمة وفي كل جيل يصنعون أملها المنشود ومجدها الموعود.
وعجبي من شباب مفلسين محبطين فاشلين ليسوا ناجحين في الدين ولا في الدنيا، بل تجدهم متذمرين من الطاعة لله، عندهم خجل من التدين، ما أخذوا من الغرب إلا ركوب الـ «بنز»، ولبس الجنز، فصار أحدهم كالعنز، قلوبهم فارغة من الإيمان، وأدمغتهم فاضية من الثقافة والمعرفة، وهم ممتازون في السهر الضائع وقتل الوقت في نفث سجائر الدخان والأحلام الوردية والوساوس الشيطانية.
إن الأمة الإسلامية لا يصنع تغييرها إلى الأفضل والأجمل والأكمل؛ إلا شباب مؤمن يعترف بالقبلة والمصحف والشريعة، مؤمن بالعمل، وينتشر بعد الصلاة إلى المكتب والثكنة والعيادة والمزرعة والجندية والجامعة والسوق، يشارك في صنع الحياة، فيبني ويعمر، ويخطط ويهندس، ويحرث الأرض، ويبيع ويشتري، ويحرس الأمة، ويكون عضوًا صالحًا في المجتمع المسلم.
لا نريد شبابًا فاجرًا يستهزئ بالديانة، ويخون الأمانة، لا يشارك في صنع الحياة، وإنما هو غدة زائدة في الجسم، وصفر مهمل في عدد الأمة، من أين أتتهم الفكرة التي تقول: لن يحصل تقدم دنيوي إلا بالتنكر للدين؟! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].
لقد شاهدنا الشباب المسلم الناجح في الشرق والغرب الذي حصل على أعلى الشهادات وأعظم الجوائز في كل تخصص، وهو يحافظ على الصلوات الخمس، ورأينا الشباب الفاشل المهزوم المسحوق وقد تنكر للعبادة، ففشل في الدراسة والوظيفة والإنتاج.. نريد أن نجمع بين المسجد والمصنع، والجامعة والميدان، والمصحف والمختبر، بين المجد في الدنيا والنجاة في الآخرة، وأعوذ بالله من الكفر والفقر والفجور والكسل.
يقول الله تعالى في كتابه عن الشباب المؤمن صانع التغيير: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] (16).
بعض المثالب التي يجب أن يتجنبها الدعاة:
1- الفهم الخاطئ لأولويات الإسلام: وهنا قد يعتقد البعض أن هناك أشياء هي الأولى، وقد يبذل فيها الجهود التي إن بذلها في مجال آخر لكانت أنفع له ولغيره.
2- التشدّد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يقول الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، سماحة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت تجبر من أمامه على فعل الخير، أمَّا التشدّد على النَّاس يجعلهم ينفرون من الحق.
3- التعلق بالأشخاص دون الأفكار: حينما مات النَّبي صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر، وقال: من كان يعبد محمَّدًا، فإنَّ محمَّدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حي لا يموت (17)، هناك منهج واضح جلي لا يتغيَّر، والحق فيه ثابت لا يتغير بتغيّر الأشخاص أو الأزمان أو الأماكن، لذا يجب أن نرجع للثابت وليس للمتغير (18).
---------
(1) السيرة النبوية/ راغب السرجاني (22/ 5)، بترقيم الشاملة آليًا.
(2) زهرة التفاسير (9/ 4495).
(3) تفسير ابن كثير (5/ 140).
(4) السيرة النبوية- راغب السرجاني (5/ 7)، بترقيم الشاملة آليًا.
(5) أخرجه أبو داود (4833).
(6) من قضايا التربية الدينية في المجتمع الإسلامي (ص: 116).
(7) منهج التغيير الإسلامي (ص: 89).
(8) مشكلات الشباب الحلول المطروحة والحل الإسلامي (ص: 9).
(9) أخرجه النسائي (11287).
(10) أخرجه الطبراني (3367).
(11) مشكلات الشباب الحلول المطروحة والحل الإسلامي (ص: 11).
(12) أخرجه النسائي (11832).
(13) أخرجه البخاري (1975).
(14) سيرة ابن اسحاق (ص: 186).
(15) الشباب صناع التغيير الإيجابي/ منتديات البلاغ.
(16) الشباب صناع التغيير/ المنتدى العالمي للوسطية.
(17) أخرجه البخاري (3667).
(18) الشباب والتغيير صفات لا بدَّ منها/ بصائر.