logo

كرة القدم


بتاريخ : الاثنين ، 29 ذو القعدة ، 1438 الموافق 21 أغسطس 2017
بقلم : تيار الاصلاح
كرة القدم

وما أدراك ما هي؟ إنها الهوس المتسلط على عقولنا في الوقت الحاضر، من أجلها تقام المعارك، وتنشب الحروب، وتسقط الضحايا، ولجلالها تطلَّق الزوجات، وتقطع أواصر القربات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ويوم أن تقام مباراة بين فريقين لامِعين فكأن الحرب الضروس قد أعلنت, ورفعت لها الرايات, وانبرت لها الإذاعات، وأعد المشجعون الطوب والأحجار، والطبول والمزمار.

وما أن تنجلي المعركة عن هزيمة أحد الفريقين حتى ينتقل ميدان المعركة من ساحة الملعب إلى ساحات البيوت والمدارس، ومكاتب الموظفين والمنتديات والمجتمع الكبير.

وما أن تهدأ حدتها وتنجلي غمرتها حتى تبدأ معركة أخرى بمباراة ثانية، وهلم جَرًّا.

نظرة مغايرة:

إننا إذا فهمنا روح الاسلام ومنهجه في بناء المجتمعات نجد أن كرة القدم مدرسة تعلم دروسًا في التجميع لا في التشتيت, وفى الوحدة لا في التفرق, وفي الود لا في التباغض والعداوة.

اللعبة التي تؤكد أن الأهداف لا يمكن أن تتحقق إلا بالروح الجماعية، وأن الفرد قليل بنفسه، كثير بإخوانه، هل وعينا الدرس من مدرسة الكرة التي نتعصب لها.

هل يعلم الحكام والمسئولون والجماهير أن روح التفرقة والأثرة والاستبداد بالرأي تقود، في النهاية، إلى الهزيمة المنكرة على مسرح البطولة في كل الميادين.

للأسف، نحْن لم نَعِ الدرس، قلبنا الغاية إلى وسيلة، والوسيلة إلى غايةٍ، وآمنا بالشكل وكفرنا بالمضمون، واعتنينا بالمظهر وألقينا الجوهر وراء ظهورنا.

ما معنى أن أعبد ناديًا وأتعصب له؟ معنى ذلك أنني ضحل التفكير، ضيق الأفق، أناني الطبع، مستبد برأيي، لا أفهم شيئًا عن الروح الرياضية، ولا أجد من أنواع الرياضة إلا التصفيق الأرعن والهتاف المحموم.

إننا لا نحجر عليك في أن تشجع الرياضة، ولكن هناك فرق كبير بين التشجيع والتعصب، ولغة الحجارة والطوب، ولغة الروح الرياضية التي تعلِّمنا أن نبتسم عند الهزيمة، ونتواضع عند النصر، وتعلمنا أن الأيام دُوَل.

فيومٌ علينا ويوم لنا       ويوم نُساء ويوم نُسرّ

إننا نجد أن لعبة كرة القدم قد أخذت اهتمام الرجال والنساء والكبار والصغار، وهي لعبة لا تعلم أحدًا شيئًا؛ لأنها لعبة لذات اللعب، وهي لعبة تعتدي على وقت معظم الناس، وأخذت تلك اللعبة كل قوانين الأمور الجادّة، فهي تبدأ في زمان محدد، ويذهب المشاهدون إليها قبل الموعد بساعات، وتجند لها الدولة من قوات الأمن أعدادًا كثيرة للمحافظة على النظام، مع أنها من اللهو ولا فائدة منها للمشاهد، وقد تمنع وتحول وتُعَطِّل البعض عن عمله، والبعض الآخر عن صلاته، يحدث كل ذلك بينما نجد أن بعضًا من ميادين الجد بلا قانون.

وأقول ذلك حتى يُفيق الناس، ويعرفوا أن هذه اللعبة لن تفيدهم في شيء ما، وأقول هذا الرأي وأطلب من كل رب أسرة أن يُحكم السيطرة على أهله، وينصحهم بهدوء ووعي حتى ينتبه كل فرد في الأسرة إلى مسئولياته، ولنعرف أنها لون من اللهو، ونأخذ الكثير من وقت العمل وواجبات ومسئوليات الحياة؛ حتى لا نشكو ونتعب من قلة الإنتاج.

والواقع في لعبة كرة القدم أن فيها أضرارًا كثيرة جدًا، وليست تتخذ للتقوية على الجهاد، فلا تقاس أبدًا على المسابقة على الأقدام(1).

وإن اللاعب يتعلق قلبه بها، ويكثر من المتابعة لها وتتبع أخبارها، وهذا عكس مقصود الشارع الحكيم، لا يحب أي لعبة تشغل القلب عن ذكر الله، وهذه من أعظم الألعاب التي تشغل القلب عن ذكر الله، فأنى لها أن تقاس على الجري على الأقدام، بالكاد تكون جائزة، فكيف نقول يجوز العوض عليها.

نشأة كرة القدم:

مارسها الصينيون القدامى، وكانوا يقدمون الولائم للفريق الفائز، ويجلدون الفريق المنهزم، وعرفها اليونانيون واليابانيون والمصريون، كما أن بعض آثار الشعر الجاهلي تدل على أن العرب القدامى مارسوا أيضًا هذه اللعبة.

إلا أن اللعبة، في شكلها الممارس اليوم، ظهرت بإنجلترا، ففي سنة 1016م، وخلال احتفالهم بإجلاء الدنماركيين عن بلادهم، لعب الإنجليز الكرة فيما بينهم ببقايا جثت الدنماركيين، ولك أن تحزر أقرب أعضاء الجسم شبهًا بالكرة وأسهلها على التدحرج بين الأرجل، فمنعت ممارستها.

وكانت هذه اللعبة تظهر وتنتشر، ثم تمنع بمراسيم ملكية لأسباب متعددة، ووصل الأمر إلى حد المعاقبة على ممارستها بالسجن لمدة أسبوع، وكانت الحضارات القديمة التي عرفت لعبة كرة القدم تمارسها بأنواع مختلفة من الأشكال الكروية المصنوعة من جلود الحيوانات أو غيرها.

وفي عهد الفراعنة كانت كرة القدم تلعب بكرات من الحجر، لا زالت نماذج منها محفوظة في المتاحف.

فأما دخول لعبة كرة القدم إلى مصر فقد جاءت مرافقةً مترجلةً مع قوات الاحتلال البريطاني، حيث تكَوَّن، وقتئذ، أول اتحاد مصري لها سنة (1339ه)، ونظمت حينئذ مسابقة كأس مصر سنة (1342ه)، ثم بطولة الدوري العام اعتبارًا من سنة (1367هـ/ 1948م).

فانظر، أخي المسلم، إلى تحديد تاريخ تنظيم الدوري العام في مصر الموافق (1367هـ/1948م)، وهو العام نفسه الذي اجتاحت فيه يهود الصهيونية بلاد فلسطين المسلمة.

حتى وصل بنا الحال إلى ما قاله أحد المفكرين المصريين، وهو يصف حال الشباب المصري بعد مباراة (كرة القدم)، وذلك عند قوله: «هل أصبحنا نحب اللعب إلى هذه الدرجة؛ إلى درجة الجنون، وإطلاق الصواريخ، والبالونات، والرصاص، والرقص في الشوارع إلى مطلع الفجر؟! وإذا كانت عندنا كل هذه الطاقة والحماس والهمة فلماذا لا تظهر في عمل جاد؟!

لماذا لا تظهر في بناء، أو نهضة، أو فكر، أو اختراع؟ لماذا لا تظهر إلا في اللهو واللعب؟! وإذا تجمهرنا لفن فإنه دائمًا من نفس النوع؛ فنٌ، ولهوٌ، وتفاريح، ومواكب، وأعياد، إن ما رأيته ليلة المباراة في الشوارع لم يكن انتصارًا؛ بل كان انفجارًا، لقد كادت أحشاؤنا تخرج لمجرد هدف جاء في الشبكة، هذه حالة نفسية، إن ما حدث هو اختلال في جهاز التقييم على مستوى الأمة».

لماذا نشأت؟

نشأت كرة القدم في الأصل للهو واللعب، ولقضاء أوقات في المرح والتريض، ولبناء الأجسام وتقويتها، ثم مورست على مستوى البطولات بين فرق ومنتخبات أعدت لممارستها.

اللهو في الإسلام:

الأصل في الرياضة في الإسلام الحل والجواز؛ لأنها تقوية للجسم، وإعداد للقوة في سبيل الله، قال صلى الله عليه وسلم: «لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر»(2)، وسابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة مرتين؛ مرة وهي خفيفة شابة سبقته، ومرة وهي ثقيلة بعد أن أثقلها اللحم فسبقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، هذه بتلك»(3)، وصارع ركانة فصرعه فأسلم(4).

ومن أنواع الرياضة كرة القدم وهي جائزة شرعًا؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل الحظر، سواء كان لعبها عفويًا تقليديًا أو كان منتظمًا مقننًا، غير أن الناظر في لعبة كرة القدم اليوم يلاحظ أنها تشتمل على محظورات ومخالفات شرعية؛ مثل: كشف الفخذين، وهما عورة، وهي بين الشباب أشد، وذلك لحديث: «يا علي، غط فخذك فإن الفخذ عورة»(5)، ومنها إثارة الفرقة والشحناء والتحزبات المقيتة التي قد تصل إلى القطيعة بين الشباب المسلم؛ بل ربما بين الإخوة الأشقاء في البيت الواحد، وقد يتعدى ذلك إلى الاعتداء الجسدي والأخلاقي، وأخطر من ذلك كله أن هذه اللعبة، كرة القدم، قد شغلت الناس وألهتهم عن ذكر الله وعن الصلاة وكل ما ينفعهم، وقد فطن اليهود إلى هذه المعاني السيئة والخطيرة؛ فعملوا على نشرها وشغل الناس بها، ففي أحد بروتوكولات حكماء صهيون «يجب أن نشغل الأميين [وهم ما عدا اليهود] بالرياضة والفن».

فانتشرت بين الناس أنواع القنوات الهابطة، ورياضة كرة القدم التي سلبت عقول الكثيرين، حتى أصبحت غاية وهدفًا يجتمع الناس ويتفرقون عليها، ولعل من التنبيه إلى أن تقوية الجسم بكرة القدم لا يستفيد منها غير اللاعبين في الميدان، والذين لا يتجاوز عددهم (22) لاعبًا، أما الآلاف المؤلفة من المشاهدين والمشجعين فلا يستفيدون شيئًا؛ بل يخسرون كثيرًا، وإن تقوت أجسام أولئك اللاعبين واتسمت بالخفة والرشاقة، لكنهم لم يتحملوا شيئًا من التعب في غيرها، وإن قل.

وما ذكره بعض السلف؛ كشيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى، من أن لعب الكرة فيه تدريب على الجهاد والكر والفر، فلا أعتقد بحال أن هذا ينطبق على لعب كرة القدم اليوم، لا من بعيد ولا من قريب، وذلك لأن مفهوم الجهاد في قوانين كرة القدم غائب ومغيب، علاوة على أن وسائل الجهاد لا تعتمد على الأقدام والأسلحة التقليدية.

ولو قيل إن لعب كرة القدم ومشاهدتها نوع من التسلية المباحة لقلنا نعم، ولكن التسلية تكون بقدر محدود في حياة المسلم وأوقاته، فهي [أي التسلية] أشبه بالملح مع الطعام في الكَم، أما أن تطغى التسلية على الواجبات والوسيلة على الهدف؛ فكما لو طغى الملح على الطعام، وهذا غير مقبول في الشرع والعقل على السواء.

يباح اللعب بكرة القدم بشروط:

الأول: ألَّا تكون على مال، لا من الفريقين ولا من أحدهما ولا من طرف ثالث؛ لأن العوض أو السبَق لا يجوز دفعه إلا في السباقات المعينة على الجهاد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ»(6).

والسبق: العوض أو الجائزة، والنصل: السهم، والخف: المقصود به البعير (الإبل)، والحافر: الخيل.

وألحق بعض أهل العلم بهذه الثلاثة كل ما يعين على الجهاد ونشر الدين، كمسابقات القرآن والحديث والفقه، فيجوز أن تدفع فيها الجوائز.

وعليه، فالجوائز التي تعطى لمن يفوز في مباريات كرة القدم، بين فريقين أو أكثر، لا يجوز دفعها، ولا أخذها، وهي تدخل في الرهان المحرم.

الشرط الثاني: ألا يصاحبها محرم؛ ككشف العورة، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمعلوم أن أكثر لاعبي هذه اللعبة يكشفون عن أفخاذهم، وهذا محرم لا يجوز.

الشرط الثالث: ألا يؤدي اللعب بها إلى محرم؛ كتضييع الصلوات، وتفويت الجمع والجماعات، ومن المؤسف أن نقول: إن كثيرًا من لاعبي هذه اللعبة في الأندية يفوتون الصلاة لأجل المباراة، ومعلوم أن تأخير الصلاة عن وقتها بغير عذر كبيرة من الكبائر، والمروي عن جماعة من السلف تكفير من تعمد ذلك، فالحذر الحذر.

وهذا بالنظر إلى اللعبة في حد ذاتها، وأما أن تجعل لها مباريات، وتبذل فيها الأموال، ويشغل بها الناس، وتضيع لأجلها الأوقات، وتحيا بها العصبيات، ويُمجّد بها المسلم والكافر، والبر والفاجر، حتى يغدو اللاعب مثلًا للأبناء والبنات، فهذا لا شك في منعه؛ إذ الأمة فيها من المصائب والجهل والتخلف ما يكفيها ويشغلها عن اللعب، الذي تبذل فيه الملايين من أموال الشعوب(7).

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: «الأصل في مثل هذه الألعاب الرياضية الجواز إذا كانت هادفة وبريئة، كما أشار إلى ذلك ابن القيم في كتاب (الفروسية)، وذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية وغيره، وإن كان فيها تدريب على الجهاد والكر والفر وتنشيط للأبدان، وقلع للأمراض المزمنة وتقوية للروح المعنوية، فهذا يدخل في المستحبات إذا صلحت نية فاعله، ويشترط للجميع ألَّا يضر بالأبدان ولا بالأنفس، وألا يترتب عليه شيء من الشحناء والعداوة التي تقع بين المتلاعبين غالبًا، وألا يشغل عما هو أهم منه، وألا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

ولكن من تأمل حالة أهل الألعاب الرياضية اليوم وسبر ما هم عليه، وجدهم يعملون من الأعمال المنكرة ما يقتضي النهي عنها، علاوة على ما في طبيعة هذه الألعاب من التحزبات وإثارة الفتن والأحقاد والضغائن بين الغالب والمغلوب، وحزب هذا وحزب ذاك، كما هو ظاهر، وما يصاحبها من الأخطار على أبدان اللاعبين نتيجة التصادم والتلاكم، فلا تكاد تنتهي لعبتهم دون أن يصاب أحد منهم بكسر أو جرح أو إغماء، ولهذا يحضرون سيارة الإسعاف.

ومن ذلك: أنهم يزاولونها في أوقات الصلاة؛ مما يترتب عليه ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها.

ومن ذلك: ما يتعرض له اللاعبون من كشف عوراتهم المحرمة، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، ولهذا تجد لباسهم إلى منتصف الفخذ، وبعضهم أقل من ذلك، ومعلوم أن الفخذ من العورة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: «لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت»(8)»(9).

وقال رحمه الله: «اللعب بالكرة الآن يصاحبه من الأمور المنكرة ما يقضي بالنهي عن لعبها، هذه الأمور نلخصها فيما يأتي:

أولًا: ثبت لدينا مزاولة لعبها في أوقات الصلاة؛ مما ترتب عليه ترك اللاعبين ومشاهديهم للصلاة أو للصلاة جماعة، أو تأخيرهم أداءها عن وقتها، ولا شك في تحريم أي عمل يحول دون أداء الصلاة في وقتها، أو يفوت فعلها جماعة ما لم يكن ثم عذر شرعي.

ثانيًا: ما في طبيعة هذه اللعبة من التحزبات أو إثارة الفتن وتنمية الأحقاد، وهذه النتائج عكس ما يدعو إليه الإسلام؛ من وجوب التسامح والتآلف والتآخي وتطهير النفوس والضمائر من الأحقاد والضغائن والتنافر.

ثالثًا: ما يصاحب اللعب بها من الأخطار على أبدان اللاعبين بها؛ نتيجة التصادم والتلاكم مع ما سبق ذكره، فلا ينتهي اللاعبون بها من لعبتهم في الغالب دون أن يسقط بعضهم في ميدان اللعب مغمى عليه، أو مكسورة رجله أو يده، وليس أدل على صدق هذا من ضرورة وجود سيارة إسعاف طبية تقف بجانبهم وقت اللعب بها.

رابعًا: عرفنا مما تقدم أن الغرض من إباحة الألعاب الرياضية تنشيط الأبدان، والتدريب على القتال، وقلع الأمراض المزمنة، ولكن اللعب بالكرة الآن لا يهدف إلى شيء من ذلك، فقد اقترن به، مع ما سبق ذكره، ابتزاز للمال بالباطل، فضلًا عن أنه يعرض الأبدان للإصابات، وينمي في نفوس اللاعبين والمشاهدين الأحقاد وإثارة الفتن؛ بل قد يتجاوز أمر تحيز بعض المشاهدين لبعض اللاعبين إلى الاعتداء والقتل، كما حدث في إحدى مباريات جرت في إحدى المدن منذ أشهر، ويكفي هذا بمفرده لمنعها».

وقال أيضًا: «الذي يَقْوى: إذا كانت بالشكل المرتب المخصوص كما في الأندية، فالظاهر منعها مطلقًا، ففيها أخذ للنفوس وما يصد عن ذكر الله، فهي قريبة من القمار، وسموها رياضة وهي لعب، وأمور الجهاد ليست من هذا النوع، وأهلها وإن كان فيهم خفة ومرونة لا يصبرون على شيء من التعب في غيرها.

ثم يدخل فيه أشياء أخر، بعضهم يجعل فيه عوضًا، وهذا الميسر، والشرع ما جعل عوضًا في المسابقة إلا في الأشياء التي فيها عون للدين وتقوية له، إذا كان يقوي الدين أباح فيه الأكل بالمراهنة والمسابقة، وفي الحديث: «لا سبق إلا في خُف أو نصل أو حافرٍ»، وما يؤيد الدين قياسًا على الثلاث التي في الحديث»(10).

وجاء في القول المبين: «جمهور الكرة، الذين يصل عددهم إلى مئات الألوف، يجتمعون في وقت صلاة الجمعة في المدرجات، وينادي منادي السماء، ولكن أنى لهم أن يستجيبوا له، وقد تعطلت عقولهم، وماتت أحاسيسهم، مقابل ماذا؟! مقابل التعصب المقيت للفرق الرياضية المختلفة، ومقابل إشغال الأمة الإسلامية عن التفكير في جهاد أعدائها، وقضاياها المصيرية الكبرى.

ومقابل القضاء على معاني العزة والكرامة في الأمة، حيث بددت الأمة أموالًا طائلةً، وأضاعت أوقاتًا طويلةً، ومقابل قلب الموازين، حيث أصبح البطل في هذا الزمان هو لاعب الكرة، لا المجاهد المدافع عن كرامة الأمة وعزتها، بالإضافة إلى بذل الأموال الضخمة للاعبين، والإسلام لا يقر قلب الموازين؛ بل يعرف لكل إنسان قيمته، بلا إفراط، ولا تفريط(11).

هل المسابقات غاية أم وسيلة؟

الواضح أن المسابقات من باب الوسائل إلى إعداد العدة البدنية والذهنية والتدريبية للجهاد في سبيل الله تعالى، ولحفظ حوزة المسلمين وديارهم، قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46].

وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60].

ما يجوز فيه السبق وما لا يجوز:

ورد في السنة السبق بالخيل والإبل والعدو على الأقدام والرمي بالسهام والحراب والمصارعة؛ على أن يطرح الرجل صاحبه بالأرض ونحوه، وعليه فيجوز ما شابه ذلك من مسابقات؛ كالرماية بالبارود والبنادق، والمسابقة بالسيارات، ومسابقات الجري، وألعاب القوى، وغير ذلك بالشروط والضوابط الشرعية .

وأما ما لا يجوز التسابق فيه فهي الألعاب القائمة على الحظ (الصدفة)؛ كالنرد (الطاولة)، ولعب الورق، والدومنو، وقد جاء في الحديث عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه»(12).

وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله»(13)(14).

إن اللعب والسبق لا يخلو من أربعة أحوال :

الحالة الأولى: أن يكون اللعب معينًا على الجهاد، فهذا محبوبٌ مرضيٌ لله تعالى، يجوز السبق به ويباح؛ بل يستحب بذل العوض فيه .

الحالة الثانية: أن يكون اللعب قائمًا على التخمين والحظ (المصادفة)، فهذا يحرم مطلقًا، ويحرم أيضًا العوض فيه.

الحالة الثالثة: إن كان اللعب لا من هذا القائم على التخمين والحظ، ولا من المعين على الجهاد، غير أن فيه تقويةً للبدن، وإعانةً له، فتجوز المسابقة فيه، ويحرم بذل العوض عليه.

الحالة الرابعة: إن كان اللعب فيه ضرر مؤكد، أو كان صادًا عن واجب شرعي، فهذه محرمة مطلقًا؛ في لعبها وعوضها(15).

الآثار السيئة لكرة القدم على الشباب المسلم:

إن الأمر الذي لا ينتطح فيه عنزان، ولا يختلف عليه سيفان؛ أن غاياتها وثمارها هو العداوة والبغضاء، والسب والشتم، والصد عن ذكر الله، وقتل الأوقات، وإلهاء الشعوب عن قضاياهم؛ بل حتى عن مصيرها! إلى غير ذلك.

إلا أننا مع هذا لا نشك أن (كرة القدم) فيها الشيء من الرياضة والترويح؛ إلا أن هذه الفائدة القاصرة لا تقارن بما فيها من الموبقات الهالكة، مما يشهد به الواقع والحال؛ لذا كان القول بحكم الغالب هو من مقاصد الشريعة الإسلامية، كما قال تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة219]، فمن آثارها السيئة:

1- تعظيم كثير من الشباب لهذه اللعبة تعظيمًا يخشى منه على عقيدتهم.

2- حب هذه اللعبة وتقديمها على حب الطاعات.

3- المباريات مشغلة عن الطاعات، وعلى رأسها الصلاة.

4- مضيعة للوقت ومضيعة للتحصيل الدراسي.

5- السهر مع المباريات الدولية، وتضييع صلاة الفجر، وينشأ عن هذا السهر أيضًا عدم الذهاب إلى الوظيفة.

6- إفساد الولاء والبراء، فيحب المسلم اللاعب الكافر لدرجة الموالاة، وبالمقابل يضعف الولاء بين المسلمين؛ بسبب تشجيعهم للأندية المختلفة، هذا يشجع فريقًا وهذا يشجع فريقًا آخر، قد يصل إلى القطيعة والبغضاء؛ بل قد يصل إلى الاقتتال.

7- استطاع أعداء الإسلام أن يُلهو الشعوب الإسلامية بهذه الألعاب؛ ليصرفوهم عن الأهداف السامية.

محظورات كرة القدم(16):

المحظور الأول: ضياع مفهوم الولاء والبراء:

وما أحسن ما جاد به قلم الأستاذ محمد قطب حفظه الله في غور تدابير هذه الآية، وهو يعايش الحاضر البائر؛ إذ يقول: «وقد أباح الله للمسلمين في حالة الاستضعاف ألا يظهروا العداوة لأعدائهم، ولكنه لم يبح لهم قط أن يوالوهم، فعدم إظهار العداوة شيء، والموالاة شيء آخر، الموالاة التي تشمل مودة القلب، والتناصر، والمحبة، هذه لا تكون إلا بين المؤمنين بعضهم لبعض {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28]، نعم، يحذركم الله نفسه، وهو المطلع على دخائل نفوسكم، وعلى مداخل الشيطان إليها، أن يدخل إليكم من باب الاستضعاف والخوف فيقول لكم: لا عليكم أن توالوا الكفار لتأتمنوهم، وتصرفوا شرهم عنكم! كلا، لا ولاء! حتى في الاستضعاف لا ولاء! إنما هو فقط عدم إظهار العداوة لهم، وعدم استفزازهم للاعتداء عليكم، وأنتم لا تستطيعون رد بأسهم.

أما الولاء القلبي فغير جائز؛ لأنه ينقض (لا إله إلا الله)، ولأنه يذيب الحاجز النفسي الذي يفصل المؤمن عن أعداء الله، فيميل إليهم، فينسى دينه، ويصبح مثلهم: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء139-140]، هذا في ولاء القلب، فكيف بالتعاون معهم، لا على البر والتقوى! ولكن على حرب الإسلام والمسلمين؟! تلك كلها نواقض لـلا إله إلا الله، يقع فيها كثير من الناس في وقتنا الحاضر دون أن يدروا»(17).

وما قاله سيد قطب رحمه الله: «إن معنى (الولاية) التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى هي ولاية التناصر والتحالف، ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم، فيبعد جدًا أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود أو النصارى في الدين، وإنما الذي يخشى منه هو ولاء التحالف والتناصر، الذي كان يلتبس على المسلمين أمره في أول الدعوة الإسلامية؛ حتى نهاهم الله عنه، وأمر بإبطاله»(18).

إن السواد الأعظم من المسلمين قد انحرفوا بواجب الموالاة والمعاداة عن منهجه الصحيح، وبدءوا يوالون ويعادون في قضايا ساذجة تافهة هزيلة، أشبه ما تكون بتصرفات صبيانية، وهذا النمط من التفكير من الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من ذلة ومهانة وقطيعة(19).

لقد حول أعداء الإسلام قضية (الموالاة والمعاداة) عن مسارها الصحيح إلى مسار تافه هزيل، فقد أفرغت قلوب الأجيال، إلا من عصم الله، من حب الله ورسوله والمؤمنين إلى حب أعداء الله، وما يخدم أعداء الله من تافه القول وساقط العمل.

إنه لا يجوز ولا يصح من المسلم أن يحب لعبةً من اللعب، ولا شخصًا أو جماعةً من الناس، ولا عملًا من الأعمال، ما لم يكن ذلك موافقًا لما يحبه الله ورسوله، ومستمدًا محبته من محبتهما، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران:31-32].

فالمسلم بحكم إيمانه بالله تعالى لا يحب إلا في الله، ولا يبغض إلا في الله، ودليل هذا الآية السابقة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان»(20).

وبناءً على هذا كان واجبًا على المسلم أن يحب ويوالي جميع عباد الله المسلمين، كل بحسب إيمانه ما دام أصل الإيمان موجودًا، وأن يبغض ويعادي جميع الكافرين دون استثناء ما دام أصل الإيمان منتف عندهم.

فصور المولاة للكفار كثيرة جدًا؛ منها ما هو كفر، ومنها ما هو دون ذلك، فمن ذلك: الرضا بكفرهم، أو التولي العام لهم، أو الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون شرع الله، أو مودتهم ومحبتهم، أو الركون إليهم، أو مداهنتهم ومداراتهم على حساب الدين، أو اتخاذهم بطانةً من دون المؤمنين، أو طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون، أو مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله، أو بالمؤمنين، أو توليتهم أمرًا من أمور المسلمين، أو الرضا بأعمالهم، أو التشبه بهم، والتزيي بزيهم، أو البشاشة لهم، والطلاقة وانشراح الصدر لهم، أو إكرامهم، وتقريبهم، أو الثناء عليهم، أو نشر فضائلهم، أو تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم، أو السكنى معهم في ديارهم، وتكثير سوادهم، أو الدخول في أحلافهم وتنظيماتهم... إلخ(21).

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»(22)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا»(23).

المحظور الثاني: التشبه بالكفار:

وأصل المشابهة بين بني آدم؛ بل سائر المخلوقات، على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يئول الأمر إلى ألَّا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط، ولأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة، كما أجلبته شميطاء الغرب (كرة القدم) إلى بلاد المسلمين، وألبسته أبناء المسلمين من اشتباه وتشابه.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع؛ حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟»(24).

وقال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»(25).

المحظور الثالث: إحياء دعوى الجاهلية والعصبيات القومية:

أما إحياء دعوى الجاهلية والعصبيات القومية بين عشاق (كرة القدم) فَلَونٌ آخر؛ حيث تجسدت هذه الدعاوى والعصبيات بينهم تَجَسُّد الروح بالبدن؛ بل لا تكون ولا تزداد جذوة التشجيعات، والحماسات، والمنافسات الرياضية في أوساط المشجعين إلا عند وجود هذه العصبيات والنعرات الجاهلية ضرورةً ولا بد!

وإنا لا نشك طرفة عين أن (كرة القدم) غدت منبع الضلال، ومنجم الجهال، وعرصة الغي، ومسرح البغي؛ حيث ضرب حولها الشيطان فسطاط ضلالته، وحفها بسرادق جهالته، فمنها تنشأ سحائب الغواية، وإليها تقاد خبائث العماية!

وهل عنا الصحافة والقنوات الإعلامية ببعيد؟ يوم نراها لا تفتر ولا تكل في إذكاء فتيل الحروب الجاهلية، والعصبيات القومية، والنعرات الصبيانية بين أهل (كرة القدم) بخاصة، وغيرها من الألعاب الرياضية بعامة، فحسبنا الله على ما يصفون وعلى ما يحرضون!

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفرٌ»(26).

المحظور الرابع: القتال والسباب:

من أهم التجمعات البشرية المعاصرة التجمعات التي تحدث لمشاهدة مباريات (كرة القدم)، الوطنية منها أو الدولية، هذا إذا علمنا أن هذه التجمعات التي تتقاطر على ملاعب (كرة القدم) فئاتٌ متباينة الطبائع، والطبقات، والأعمار؛ مما يجعل منها بيئةً صالحةً لارتكاب شتى الجرائم، وتتنامى فيها الانفعالات والمشاعر التي تبارك فريقًا، وتلعن فريقًا آخر، وقد تخرج هذه الانفعالات والمشاعر من الصدور في صورة صيحات إعجاب، أو غضب، وقد تتطور إلى تشابك بالأيدي، أو تضارب بالعصي، أو المدي، أو الحجارة، أو أي أداة في متناول اليد!

فعندها كان حقًا على أعداء الإسلام أن يستبيحوا الأعراض والمقدسات، والبلاد، والعباد، إذ الأمة ما زالت تهيم في تيه الجاهلية الأولى، وغياهب النعرات البغيضة!

المحظور الخامس: كشف العورات:

قال النووي رحمه الله: «ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الفخذ عورة؛ استنادًا إلى حديث علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت»، فعورة الرجل ما بين السرة والركبة».

وقال أيضًا رحمه الله في شرح هذا الحديث: «ففيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرامٌ بالإجماع...، وهذا التحريم في حق غير الأزواج، والسادة...»، ثم قال: «وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة، سواء كان نظره بشهوة أم لا، وسواء أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه رحمهم الله تعالى، ودليله: أنه في معنى المرأة، فإنه يشتهى كما تشتهى، وصورته في الجمال كصورة المرأة؛ بل ربما كان كثير منهم أحسن صورةً من كثير من النساء؛ بل هم في التحريم أولى لمعنًى آخر، وهو يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن من مثله في حق المرأة، والله أعلم»(28).

المحظور السادس: ترك صلاة الجمعة والجماعات في المسجد:

وهذا ما قرره مشهور بن حسن: «جمهور الكرة، الذين يصل عددهم إلى مئات الألوف، يجتمعون في وقت صلاة الجمعة في المدرجات، وينادي منادي السماء، ولكن... أنى لهم أن يستجيبوا له، وقد تعطلت عقولهم، وماتت أحاسيسهم، مقابل ماذا؟! مقابل التعصب المقيت للفرق الرياضية المختلفة، فهذا يشجع فريقًا، وذاك يشجع فريقًا آخر؛ بل إن أهل البيت الواحد ينقسمون على أنفسهم، هذا يتبع فريقًا، وذاك يتبع فريقًا آخر، ولم يقف الأمر عند حد التشجيع؛ بل تعداه إلى سخرية واستهزاء أتباع الفريق المنتصر من أتباع المنهزمين، وفي نهاية المطاف، يكون هناك الشجار والعراك الذي يدور بين مشجعي الفريقين، وسقوط الجرحى والقتلى بالمئات من ضحايا (كرة القدم) .

ومقابل إشغال الأمة الإسلامية عن التفكير في جهاد أعدائها، وقضاياها المصيرية الكبرى.

ومقابل القضاء على معاني العزة والكرامة في الأمة؛ حيث بددت الأمة أموالًا طائلةً، وأضاعت أوقاتًا طويلةً، لو استغلتها الأمة في الأعمال النافعة، والصناعات المفيدة لأصبحت الأمة في مقام الدول المتقدمة في المجالات المختلفة .

ومقابل قلب الموازين، حيث أصبح البطل في هذا الزمان هو لاعب الكرة، لا المجاهد المدافع عن كرامة الأمة وعزتها، بالإضافة إلى بذل الأموال الضخمة للاعبين، والإسلام لا يقر قلب الموازين؛ بل يعرف لكل إنسان قيمته، بلا إفراط ولا تفريط»(29).

المحظور السابع: هدر الأموال وضياعها:

ومن ذلك امتصاص أموال البلاد؛ من نفقات تجهيز الملاعب، ودعم النوادي، وأداء تكاليف إقامة المباريات، وإصلاح الأضرار المادية التي تلحق المرافق العمومية، ومن ذلك التجهيزات الأمنية التي تبذلها الدولة جراء الجماهير؛ من غوغاء، وفوضى، وتخريب، ومطاردات، ومسيرات جماعية... إلخ؛ مما يشكل عبئًا كبيرًا على أموال الدولة وجهودها .

والمؤسف حقًا أن تتصدر بعض الدول الإسلامية قائمة الدول التي ترصد لهذه الرياضة قدرًا كبيرًا من ميزانيتها.

كما غدت ظاهرة استجلاب المدربين واللاعبين الأجانب في كثير من الدول العربية والإسلامية عادةً محكمةً، وما تتطلب من مبالغ مالية هائلة قد تصل في مجموعها إلى ميزانية بعض الدول الإسلامية الفقيرة، ناهيك أنها لو صرفت على مستحقيها من الفقراء والمعوزين، الذين يقطنون في نفس البلاد الجالبة، لكفتهم، وربما زادت عن حاجاتهم، فإلى الله المشتكى.

فكان من مفاسد الأموال الطائلة التي تنفق على (كرة القدم) وغيرها من الألعاب الرياضية من غير فائدة، أو نفع للمسلمين، ما يلي باختصار :

أولًا: ما ينفق على هذه النوادي من مبالغ تتجاوز الملايين، والمسلمون في أمس الحاجة إليها.

ثانيًا: ما يقدمه الأغنياء والموسرون، عن طيب نفس، من سيارات فاخرة، وعقارات سكنية، ونحو ذلك، للاعبين، كما أنهم في الوقت نفسه يتخاذلون عن مد يد العون للفقراء والمحتاجين بالقدر الذي ينفق للاعبي (كرة القدم)(29).

المحظور الثامن: قتل الأوقات وضياعها:

وفي بيان عمق مشكلة الفراغ وخطورته يقول الأستاذ محمد قطب: «إن شغل أوقات الفراغ لهو مشكلة من أسوء المشاكل في الجاهلية، وفي جاهلية القرن العشرين بصفة خاصة، وما الخمر، والميسر، والمخدرات، و(حانات) الرقص والمجون، وانحراف الشباب، وجنوحه إلى الجريمة وإلى الشذوذ... إلخ.

ما كل ذلك إلا صدًى لمشكلة الوقت الفائض، الذي لا يعرفون له متصرفًا إلا هذا السوء، والفراغ في الجاهلية الحديثة ليس في حقيقته فراغ الوقت؛ ولكنه فراغ النفس، فراغ القلب، فراغ الروح، فراغ القيم والمبادئ العليا، فراغ الأهداف الجادة التي تشغل الإنسان حين يكون على صورته الربانية في أحسن تقويم»(31).

فالإسلام يقوم عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا بأنه أسمى وأغلى من أن تضيع فقراته بين لهو عابث سخيف لا قيمة له، ولعب باطل لا يأتي من ورائه بمنفعة دنيوية عظيمة، ولا أخروية نبيلة، فهو مسئولية في عنق المسلم يحاسب عليه يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن عمله ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه»(32)، وهناك كثير من الأدلة الدالة على أهمية الوقت مما يطول ذكرها.

المحظور التاسع: تخدير المسلمين عن قضاياهم:

إن قضية التخدير والإلهاء يظهران بوضوح، لا ريب فيه، في (كرة القدم)، وغيرها من الألعاب الرياضية هذه الأيام! حيث تَخَدر أكثرُ أبناء المسلمين، وانشغلت أذهانهم حتى لا يفكر أحد منهم في دين، وربما دنيا، ولا يحترم مقدسًا...، كل هذا من جراء الرياضة التي طغت وبغت على ثقافات واهتمامات أبناء المسلمين، فليس هذا بشيء مفترى، ولكنه الواقع المر والأليم!

وما هذه التنظيمات والدورات والمباريات الرياضية، التي تقام دواليك في حلقات متصلة، وأوقات مترابطة، إلا زيادةً في تخدير أبناء الأمة الإسلامية، وعزلهم عن قضاياهم، كل ذلك إبقاء لهم في دوامة لا تفتر ولا تكل من المباريات الدولية والمحلية؛ ككأس العالم، وأوروبا، والعرب، وأبطال الأندية الأفروآسيوية...، وكذا الدوريات المستمرة تحت أسماء كثيرة لا نهاية لها إلا دفع الشباب المسلم في مهاوي لا قرار لها من الغواية والتيه!

المحظور العاشر: تمرير مخططات أعداء الإسلام:

السينما مؤسسة يهودية مالًا، وفكرًا، وتخطيطًا، وتنفيذًا، وهدفها الأول هو إفساد الأولاد والبنات، بما تعرض من صور الحياة العابثة اللاهية، القائمة على علاقات حرمها الله ورسوله، فكل ولد أو بنت في الأرض كلها أصابه (جنون السينما)، فهو حبل من الناس يمد اليهود! يمدهم بالمال الذي ينفقه في السينما من جهة، وبالفساد في ذات نفسه من جهة أخرى، وكذلك جنون (التلفزيون، والفيديو)؛ فهما يسيران على ذات الدرب، أيًا كان المخرج، والمنتج، والفنان!

وكل بنت في الأرض أصابها جنون (الموضة) وجنون الزينة فهي حبل من الناس، تمد اليهود بالمال، وتمدهم بالفساد في ذات نفسها، وفي المجتمع كله، حين يتحول المجتمع إلى فتنة هائجة تجتاح الأولاد والبنات على السواء، وتقرب الأشرار من تحقيق هدفهم الشرير.

وجنون الرياضة عامةً، وجنون الكرة خاصةً، لون من الجنون يبثه اليهود في الأرض، من خلال وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها ويوجهونها.

وكل فتاة أو فتًى أصابه جنون الرياضة، أو جنون الكرة، فهو حبل من الناس يمد اليهود بتفاهة اهتماماته، والوقت الحي الذي يقتله في الاهتمامات الفارغة، بعيدًا عن الرشد، بعيدًا عن الوعي، بعيدًا عن رحمة الله(33).

***

________________

(1) تفسير الشعراوي (6/ 3589).

(2) أخرجه ابن ماجه (2878).

(3) انظر الإرواء (1502).

(4) المصدر السابق (1503).

(5) المصدر السابق (269).

(6) أخرجه الترمذي (1700).

(7) تسأل عن الزواج من لاعب كرة قدم، موقع: الإسلام سؤال وجواب.

(8) أخرجه أبو داود (4015).

(9) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (8، سؤال:1948).

(10) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (8/ 117).

(11) القول المبين، ص332.

(12) أخرجه مسلم (2260).

(13) أخرجه أبو داود (4938).

(14) كرة القدم بين المصالح والمفاسد، ص20-21.

(15) المسابقات وأحكامها في الشريعة، موقع: الدرر السنية.

(16) انظر: حقيقة كرة القدم، دراسة شرعية من خلال فقه الواقع، ذياب الغامدي.

(17) لا إله إلا الله عقيدة وشريعة، ص164.

(18) في ظلال القرآن (6/ 758).

(19) الموالاة والمعاداة (1/ 63).

(20) أخرجه أبو داود (4681).

(21) الولاء والبراء، ص230-247.

(22) أخرجه ابن أبي شيبة (45).

(23) حلية الأولياء (1/ 312).

(24) أخرجه البخاري (3456).

(25) أخرجه أبو داود (4031).

(26) أخرجه البخاري (48).

(27) أمن الملاعب الرياضية، ص63.

(28) شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 41).

(29) القول المبين، ص332.

(30) بغية المشتاق، ص102.

(31) منهج التربية الإسلامية (2/ 159).

(32) أخرجه الترمذي (2416).

(33) رؤية إسلامية، ص118.