logo

كَتب على نفسه الرحمة


بتاريخ : الأربعاء ، 23 ربيع الأول ، 1441 الموافق 20 نوفمبر 2019
بقلم : تيار الاصلاح
كَتب على نفسه الرحمة

الرحمة صفة كمال لائقة بذاته وجلاله وعظمته سبحانه كسائر الصفات، نثبتها له سبحانه كما أثبتها لنفسه من غير تمثيل ولا تحريف ولا تكييف، لا يجوز نفيها أو تأويلها أو تحريفها أو تفويض معناها أو تكييفها، وهذا هو المقرر في مذهب أهل السنة والجماعة في جميع الصفات.

ومن رحمة الله أنك تحس برحمة الله، فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك، ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة، ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة، وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة، والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها، وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبدًا {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} [يوسف: 87].

فالله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم وهو أرحم الراحمين الذي وسعت رحمته كل شيء، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156].

العالم العلوي والسفلي تحت ملكه وتدبيره، وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته وإحسانه، وتغمدهم برحمته وامتنانه، وكتب على نفسه كتابًا أن رحمته تغلب غضبه، وأن العطاء أحب إليه من المنع، وأن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة، إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم، ودعاهم إليها، إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم (1).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة» (2) .

قال المهلب: هذه الرحمة هى رحمته التى خلقها لعباده وجعلها فى نفوسهم، والتى أمسك عند نفسه هى ما يتراحمون به يوم القيامة، ويتغافرون من التباعات التى كانت بينهم فى الدنيا، وقد يجوز أن تستعمل تلك الرحمة المخلوقة فيهم بها سوى رحمته التى وسعت كل شىء، التى لا يجوز أن تكون مخلوقة، وهى صفة من صفات ذاته تعالى لم يزل موصوفًا بها، فهى التى يرحمهم بها زائدًا على الرحمة التى جعلها لهم، وقد يجوز أن تكون الرحمة التى أمسكها عند نفسه هى التى عند ملائكته المستغفرين لمن فى الأرض؛ لأن استغفارهم لهم دليل على أن فى نفوس الملائكة رحمة على أهل الأرض، والله أعلم (3).

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيًا في السبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟»، قلنا: لا، والله! وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (4).

واعلم أن رحمة الله عز وجل ليست رقة، وإنما حدثهم بما يفهمون، فمن عموم رحمته إرسال الرسل، وإمهال المذنبين، فإذا جحده الكافر خرج إلى مقام العناد فلم يكن أهلًا للرحمة، وأما خصوص رحمته فلعباده المؤمنين، فهو يلطف بهم في الشدة والرخاء، يزيد على لطف الوالدة بولدها (5).

ومن رحمة الله بعباده إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع لتستقيم حياتهم على سنن الرشاد، بعيدًا عن الضنك والعسر والضيق، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

ورحمته تعالى هي التي تدخل عباده المؤمنين الجنة يوم القيامة، ولن يدخل أحد الجنة بعمله كما قال عليه الصلاة والسلام: «لن يُدخل أحدًا عمله الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت؛ إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب» (6).

ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال، وجدها إبراهيم عليه السّلام في النار، ووجدها يوسف عليه السّلام في الجب كما وجدها في السجن، ووجدها يونس عليه السّلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، ووجدها موسى عليه السّلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور، فقال بعضهم لبعض: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف: 16]، ووجدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار.. ووجدها كل من آوى إليها يأسًا من كل ما سواها؛ منقطعًا عن كل شبهة في قوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصدًا باب الله وحده دون الأبواب.

ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها، ومتى أمسكها فلا مرسل لها، ومن ثم فلا مخافة من أحد.

ولا رجاء في أحد، ولا مخافة من شيء، ولا رجاء في شيء، ولا خوف من فوت وسيلة، ولا رجاء مع الوسيلة.

إنما هي مشيئة الله، ما يفتح الله فلا ممسك، وما يمسك الله فلا مرسل، والأمر مباشرة إلى الله {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} يقدر بلا معقب على الإرسال والإمساك، ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك، {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها} [فاطر: 2].

وما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه، بلا وساطة وبلا وسيلة إلا التوجه إليه في طاعة وفي رجاء وفي ثقة وفي استسلام.

{وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2]، فلا رجاء في أحد من خلقه، ولا خوف لأحد من خلقه، فما أحد بمرسل من رحمة الله ما أمسكه الله (7).

الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان:

الأول: رحمة ذاتية موصوف بها سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه كسـائر صفـاته، يجـب إثبـاتـها لله عز وجل مـن غيـر تحـريف، ولا تعـطيل، ولا تكـييف، ولا تمـثيل، كـما قـال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: 133].

الثاني: رحمة مخلوقة أنزل الله عز وجل منها رحمة واحدة؛ يتراحم بها الخلائق، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة؛ يرحم الله بها عباده يوم القيامة كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة واحدة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله تعالى بهذه الرحمة» (8).

ومن ذلك أيضًا ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «أن الله عز وجل قال عن الجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء…» الحديث (9).

وهذه الرحمة من باب إضافة المفعول إلى فاعله، وهذه الرحمة ليست صفة لله تعالى؛ بل هي من أثر رحمته التي هي صفته الذاتية الفعلية.

قال القرطبي: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12]، أي وعد بها فضلًا منه وكرمًا، فلذلك أمهل، وذكر النفس هنا عبارة عن وجوده وتأكيد وعده، وارتفاع الوسائط دونه، ومعنى الكلام الاستعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال إليه، وإخبار منه سبحانه بأنه رحيم بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة (10).

قال أبو السعود: وقوله تعالى {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} جملةٌ مستقلةٌ داخلةٌ تحتَ الأمر، ناطقةٌ بشمول رحمتِه الواسعةِ لجميع الخلق، شمولَ مُلكِه وقدرته للكلِّ، مَسوقةٌ لبيان أنه تعالى رءوف بعباده؛ لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم التوبة، والإنابة، وأن ما سبق ذكرُه وما لحِقَ من أحكام الغضب ليس من مقتَضيَات ذاتِه تعالى؛ بل من جهة الخَلْق، كيف لا، ومن رحمتِه أن خلقَهم على الفطرة السليمةِ، وهداهم إلى معرفته وتوحيدِه بنَصْب الآياتِ الأنفسية والآفاقية، وإرسالِ الرسل، وإنزالِ الكُتب المشحونة بالدعوة إلى موجباتِ رِضوانِه والتحذير عن مقتضيان سُخْطِه، وقد بدّلوا فطرةَ الله تبديلًا، وأعرَضوا عن الآياتِ بالمرة، وكذّبوا بالكتب واستهزءوا بالرسل، وما ظلمهم الله ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين، ولولا شمولُ رحمتِه لسلك بهؤلاءِ أيضًا مَسلكَ الغابرين، ومعنى كتب الرحمة على نفسه أنه تعالى قضاها وأوجبها بطريق التفضُّل والإحسانِ على ذاته المقدّسةِ بالذات لا بتوسُّط شيءٍ أصلًا (11).

واختلفوا في المراد بهذه الرحمة فقال بعضهم: تلك الرحمة هي أنه تعالى يمهلهم مدة عمرهم ويرفع عنهم عذاب الاستئصال ولا يعاجلهم بالعقوبة في الدنيا، وقيل إن المراد أنه كتب على نفسه الرحمة لمن ترك التكذيب بالرسل وتاب وأناب وصدقهم وقبل شريعتهم (12).

رحمة الله عز وجل لعباده نوعان:

الأولى: رحمة عامة:

وهي لجميع الخلائق بإيجادهم، وتربيتهم، ورزقهم، وإمدادهم بالنعم والعطايا وتصحيح أبدانهم، وتسخير المخلوقات من نبات وحيوان وجماد في طعامهم وشرابهم، ومساكنهم، ولباسهم، ونومهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وغير ذلك من النعم التي لا تُعَد ولا تُحصَى، قال الله عز وجل: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7].

يقول الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله تعالى، عند هذه الآية: وهذه هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفار؛ لأن الله قرن الرحمة هذه مع العلم؛ فكل ما بلغه علم الله- وعلم الله بالغ لكل شيء- فقد بلغته رحمته؛ فكما يعلم الكافر، يرحم الكافر أيضًا.

لكن رحمته للكافر رحمة جسدية دنيوية مختصة بالدنيا؛ فالذي يرزق الكافر هو الله، الذي يرزقه بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمنكح وغير ذلك (13).

الثانية: رحمة خاصة:

وهذه الرحمة لا تكون إلا للمؤمنين؛ فيرحمهم الله عز وجل في الدنيا بتوفيقهم إلى الهداية والصراط المستقيم، ويثبِّتهم عليها، ويدافع عنهم، وينصرهم على الكافرين، ويرزقهم الحياة الطيبة، ويبارك لهم فيما أعطاهم، ويمدهم بالصبر واليقين عند المصائب، ويغفر لهم ذنوبهم، ويكفرها بالمصائب.

ويرحمهم في الآخرة بالعفو عن سيئاتهم، والرضا عنهم والإنعام عليهم بدخولهم الجنة، ونجاتهم من عذابه عز وجل ونقمته، وهذه الرحمة هي التي جاء ذكرها في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43].

يقول الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله تعالى، عن هذه الرحمة الخاصة بعد حديثه عن الرحمة العامة: أما المؤمنون؛ فرحمتهم رحمة أخص من هذه وأعظم، لأنها رحمة إيمانية دينية دنيوية.

ولهذا تجد المؤمن أحسن حالًا من الكافر، حتى في أمور الدنيا؛ لأن الله يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97].

الحياة الطيبة هذه مفقودة بالنسبة للكفار؛ حياتُهم كحياة البهائم؛ لكنّ المؤمن إن أصابته ضَرّاء صبر واحتسب الأجر على الله عز وجل، وإن أصابته سَرّاء شكر فهو في خير في هذا وفي هذا، وقلبه منشرح مطمئن (14).

ولهذه الرحمة لم يسارع بإنزال الهلاك على العصاة ممن بعث إليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، عسى أن يخرج من ذرية المشركين من يعبد الله سبحانه وتعالى، ويخلص في إيمانه.

من مظاهر رحمته سبحانه وتعالى:

ومن مظاهر رحمته أن يعاقب المسيء، ويثيب المحسن، فإن ذلك هو العدل وفيه رحمة، فحيث كان العدل كانت الرحمة، فهل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون، وهل تستوي الظلمات والنور، وهل يستوي الأخيار والأشرار.

بل إن عقاب العاصي رحمة بالعموم، وإن لم يكن رحمة بذات العاصي فهو لَا يستحق الرحمة؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لَا يَرحَمْ لَا يُرْحَم» (15).

ولقد ذكر سبحانه أن من مقتضى رحمته أن يجمع الناس يوم القيامة ليوم لَا ريب فيه، يجازى فيه المحسن بإحسان، ويعاقب فيه السيئ؛ فقال تعالت كلماته: {لَيَجْمَعَنَّكمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الأنعام: 12]، فهذه الجملة استئنافية لبيان نوع من العدل، وهو أن يثاب المحسن، ويعاقب السيئ، ويحاسب كل على ما قدم من عمل في هذه الدنيا، إذ هو رحمة بالخلق، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن القصاص فيه رحمة كبيرة، فقال تعالت كلماته: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، والقصاص بكل ضروبه فيه حياة ورحمة (16).

ومن رحمته الإمهال إلى يوم القيامة، والاعلام بالجمع يوم القيامة، لإثابة الطائعين وتعذيب العاصين، وهذا الإنذار المسبق رحمة أيضًا من الله بعباده لأنهم إذا علموا بأنه لا إفلات من الحساب، فكروا في أنفسهم، وأصلحوا أعمالهم، وصححوا إيمانهم (17).

ومن مظاهر رحمته؛ جمعه الناس ليوم القيامة ليحاسبهم ويجازيهم بعملهم الحسنة بعشر أمثالها، أما السيئة فبسيئة مثلها فقط.

قال البيضاوي: ومن ذلك الهداية إلى معرفته، والعلم بتوحيده بنصب الأدلة، وإنزال الكتب والإِمهال على الكفر (18).

استجلاب رحمة الله تعالى بفعل أسبابها:

1- من أعظم ما تستجلب به رحمة الله تعالى فعْل ما يرضيه ويأمر به، واجتناب ما يُسخطه وينهى عنه؛ باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ} [الأعراف: 156- 157].

2- ومن الطرق التي تُنال بها رحمة الله عز وجل؛ تدبُّر القرآن والإنصات إليه، قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204].

3- وكذلك الاستغفار من أعظم ما تُستجلب به رحمة الله تعالى، قال الله عز وجل: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46].

4- وقد أرشدَنا الله عز وجل إلى سؤاله سبحانه الرحمة لأنفسنا وأقاربنا، وقد أثنى سبحانه على أنبيائه بذلك، وذكرهم للتأسّي بهم؛ قال الله تعالى عن موسى عليه السلام ودعائه لنفسه وأخيه: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151] (19).

إلا أن تلك الرحمة قد شملت الخلائق أجمعين؛ من حلمه على عباده ورزقه إياهم، وتوفيقه لهم في أمور معاشهم ودنياهم، وغير ذلك مما يدل على فضله الواسع ورحمته البالغة، إنها رحمة عظيمة أعظم من رحمة الأم بولدها.

وفي هذا بشارة واضحة وجلية بسعة رحمة رب العالمين جل وعلا، وأنها دومًا تسبق وتغلب غضبه، رغم أنه الملك الجبار القاهر فوق عباده والقادر على كل شيء، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي» (20).

ولهذا جاء في القرآن ما يجلي لنا ذلك ويؤكده فقد قال الله تبارك وتعالى: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ (50)} [الحِجر: 49-50].

***

______________

(1) تفسير السعدي (ص: 251).

(2) أخرجه مسلم (6908).

(3) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 214).

(4) أخرجه البخاري (5653) ومسلم (6912).

(5) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 94).

(6) أخرجه البخاري (5349) ومسلم (7042).

(7) في ظلال القرآن (5/ 2923).

(8) أخرجه مسلم (2753).

(9) أخرجه البخاري (4850)، ومسلم (2846).

(10) تفسير القرطبي (6/ 395).

(11) تفسير أبي السعود (3/ 115).

(12) تفسير الرازي (12/ 489).

(13) شرح العقيدة الواسطية (1/249) بتصرف يسير.

(14) شرح العقيدة الواسطية (1/249).

(15) أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318).

(16) زهرة التفاسير (5/ 2449).

(17) التفسير المنير للزحيلي (7/ 154).

(18) تفسير البيضاوي (2/ 155).

(19) كتب ربكم على نفسه الرحمة/ ناصحون.

(20) أخرجه البخاري (3194)، ومسلم (2751).