logo

الإنفاق على الدعوة


بتاريخ : الثلاثاء ، 17 ذو القعدة ، 1436 الموافق 01 سبتمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الإنفاق على الدعوة

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال أحد ما نفعني مال أبي بكر», قال: فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله(1).

انظر إلى مراعاة التأدب والتواضع في حضرته صلى الله عليه وسلم، فقد جعل نفسه كالعبد، وكذلك الأدب، فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وقال عليه الصلاة والسلام: «إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر»(2).

قال النووي: «قال العلماء: معناه: أكثرهم جودًا وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه أذى مبطل للثواب، ولأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك وفي غيره»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.

لماذا كان مال أبي بكر هو أنفع المال للنبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه جاء في زمان كان النبي صلى الله عليه وسلم أحوج ما يكون إليه؛ لنصرة الدين، ونشر الدعوة، وأداء الأمانة، وتبليغ الرسالة.

ومن ذلك قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10]، فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية أفضل ممن بعدهم، وأبو بكر أفضل من هؤلاء كلهم، فإنه من حين آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ينفق ماله ويجاهد بحسب الإمكان.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الناس علينا منًا أبو بكر؛ زوجني ابنته، وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالًا أبو بكر، أعتق منه بلالًا، وحملني إلى دار الهجرة»(3).

قال عمر رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، ووافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي، فقال: «ما أبقيت لأهلك؟»، قلت: مثله، وجاء أبو بكر بكل ما عنده، فقال: «يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟»، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدًا(4).

عن ابن عمر قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم، فخرج إلى المدينة من مكة في الهجرة وما له غير خمسة آلاف، كل ذلك ينفق في الرقاب والعون على الإسلام(5).

لقد كان أبو بكر رضى الله عنه من كبار الأغنياء، وأنفق أكثر أمواله في سبيل الدعوة إلى الله، فعن عائشة أنها قالت: أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألف درهم، وعنها: أنه لما مات ما ترك دينارًا ولا درهمًا(6).

قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8].

في هذه الآية الكريمة وصف شامل للمهاجرين في دوافع الهجرة، أنهم: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا}، وغايتها أنهم {يَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}، والحكم لهم بأنهم: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.

ومنطوق هذه الأوصاف يدل بمفهومه أنه خاص بالمهاجرين، مع أنه جاءت نصوص أخرى تدل على مشاركة الأنصار لهم فيه، منها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:72]، وقوله تعالى بعدها: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:74].