قواعد في صناعة القوة والنفوذ
الكل منا يتمنى أن يعيش قويًا عزيزًا مُمَكَّننًا في الأرض, صلب العود, قوي الشكيمة, عظيم الصبر والتحمل, ذا نهج قيادي وممارسة حياتية ذات أثر وتأثير.
عندما نتحدث عن الكل فنحن نتحدث بلغة الفطرة التي فُطر الناس عليها، مِن حُبٍّ ليكونوا أقوياء، والسعي الحثيث لهذا الهدف عبر بناء الإنسان لنفسه, كما أنَّ الناس فُطِروا على حب القوي والثقة به، واستحباب التعامل معه.
عندما يداعب هذا المفهوم عقولنا سوف يُخرج لنا الكثير من الانطباعات، منها السلبي ومنها الإيجابي بلا شك, فالبعض يفهم القوة على أنها القمع والقهر والظلم والاستبداد والتكبر والعلو, وهذا اختطاف لمصطلح القوة ذو المغزى الإيجابي, وهو القوة في الحق، والتعامل مع الجميع بالميزان، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، والجهر بالمظلمة، والجرأة في المسألة، والحجة في القول، والتطبيق في العمل، والتجرد من الهوى، والتبرؤ من الأنانية.
القوة تعني مفاهيم نفسية وروحية عميقة, شعارها الأهم ثقة بالله، وثقة بالنفس، وحس قيادي، وتمكن من مجريات الأمور, يعززه أثر واضح يتركه على مجريات الحياة, كما أن القوة أحد مرادفات التأثير, فالقوي، بلا أدنى شك، مؤثر فيمن حوله وملهم لهم, كلامه محل قبول، ورأيه ينزل منازل الرضا على الغالب، لا سيّما إذا كانت قوته مصدرها حب مَن حوله، واحترامهم المتبادل، وتواضعه الجم، وصدق اللهجة والمنطق، وتوازنه وعدله مع الجميع، واحترامه للكبير، وعطفه على الصغير، ورحمته بالضعيف، وتاريخه الناصع؛ حيث تتعانق الأرواح، وتنصهر الأجساد، وتتكامل العقول.
وأؤكد هنا أن قوة الفرد هي قوة لمجتمعه ووطنه وأمته وعز لهم, فالمورد البشري هو عماد أي أمة, ومن هنا جاء الاهتمام بالفرد المكون للجماعة، والإنفاق عليه بكل سخاء في موازنات الدول.
فالإنفاق على التعليم والتدريب والبرامج التنموية والاجتماعية والإعلامية، الموجهة لبناء الفرد وتمكينه في بعض الدول المتقدمة، يصل إلى حوالي ثلث الموازنة العامة للدولة, وهذا رقم كبير، ولا شك، يبين لنا أهمية بناء الإنسان القوي، القادر على إدارة نفسه ومن حوله إلى مواطن النجاح والإبداع والتميز والرقي.
مثلث القوة الذهبي:
كثير يسأل: كيف نكون أقوياء؟، وما هي معادلة القوة والنفوذ السحرية التي تجعلك أحد اللاعبين الهامين في المجتمع، وأحد عناصر الفاعلية الحضارية للإنسان؟
نعم، عندما تطبق هذه المعادلة سوف تكون أحد أبرز عناصر المجتمع، وأكثرهم أعمالًا وإنجازات, وأقربهم إلى قلوب الناس بإذن الله, حيث يتوق الناس إلى لقائك والقرب منك, حيث للنجاح وهج، وللتألق عنوان، وللتجربة قصة.
كل ما نتحدث عنه الآن له أبعاد استراتيجية طويلة الأمد, حيث يحتاج الوصول إليها رؤية بعيدة النظر, وعملًا دءوبًا، وصبرًا على المشقة، واحتواءً للتحديات، وجِدًا واجتهادًا, ولنتذكر قول الله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35].
ويتكوَّن مثلث القوى من ثلاث زوايا بالغة في الأهمية, فمَن تَحَصَّل عليها وتمكن منها أمسك بفانوس القوة السحري، وهي:
المعرفة:
وهي التمكن من أحد التخصصات العلمية، والإبحار بها، والتركيز الكامل على أن تكون، خلال سنوات محددة، أحد أبرز المتخصصين في هذا المجال، وأحد المراجع الهامة فيه, بالإضافة إلى قوة موازية في الثقافة العامة والفكر الإنساني، ومهارات التحليل والاستنتاج، وإنتاج الأفكار، وبروز في مهارات الحياة العامة, وتمتع بقدر كبير من القناعات الإيجابية والسلوكيات الفاعلة في ميدان الحياة, وهنا نؤكد على أهمية التركيز والصبر والدراية, وتحديد الهدف، وطول النفس، ومجاهدة النفس، والتجرد في طلب العلم، والإخلاص، والنية الصالحة في هذا التوجه السامي، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].
المال:
لا شك أن المال أحد أهم عناصر القوة الاقتصادية والبشرية في العالم، وهو المُشَغِّل للطاقة الإنتاجية في العالم بلا شك، وبدونه يصعب القيام بالكثير من المشاريع، بما في ذلك المشاريع الخيرية أو الدعوية أو الاجتماعية أو التنموية أو الثقافية غير الهادفة للربح، وما أكثر المبدعين والمخترعين والمصلحين والمفكرين والدعاة والعلماء الذين لم يستطيعوا الوصول إلى الناس بفكرهم ونفعهم ومشاريعهم الرائدة؛ بسب العوائق المالية، بكل أسف، والعكس صحيح فيمن توفر له أو استطاع توفير ذلك، عبر تفعيل قوة العلاقات والتي نفصل فيها، قال صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح».
العلاقات:
تكون العلاقات العميقة والإيجابية مع عناصر المجتمع الفاعلة، والمميزة، والبارزة، والنخبة المجتمعية، والمجموعات الإبداعية، والطاقات الشبابية، وأهل الحل والعقد في كل مجال، وأصحاب الاهتمامات القريبة من اهتماماتك، والمشاريع القريبة من توجهاتك، والرؤية المتقاطعة مع رؤيتك الخاصة, وذلك بالتأكيد يكسبك قوة كبيرة وطاقة خلَّاقة للعمل والتألق والطموح, وهنا نؤكد أن تكون العلاقات قائمة على قاعدة التعاون على البر والتقوى، وليس قائمة على النفعية البغيضة أو الوصولية المقيتة أو النفاق الاجتماعي، الذي لا يزيد صاحبه إلا خبالًا ومذلة وإثمًا، قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
قاعدة:
بتفعيلك لكل هذه الأركان سوف تحصل على القوة والنفوذ, وعندما تفعّل بعضها سوف تحصل على قوة ونفوذ ولكن بشكل أقل ممن اجتمعت له كل الأركان السابقة، ولكن عندما تخسرها كلها تنتقل إلى عالم الضعفاء، المليء بالمعاناة والبؤس والتحديات.
أنواع النفوذ:
اسُتخدمت كلمة نفوذ بشكل واسع في مجال العمل السياسي، وعلاقات الدول والتكتلات السياسية والحزبية، ولكن واقع الحال يؤكد لنا أن النفوذ له عدة أشكال وألوان؛ فهناك النفوذ الاقتصادي، والاجتماعي، والأسري، والعلمي، والفكري، والإعلامي، والوظيفي، فكل مجتمع فرعي أو كلي تنطبق عليه قواعد القوة والنفوذ، ويتحرك داخل أطره الأقوياءُ الفاعلون والضفعاء الذين يفضلون لعب دور الأتباع ليس إلا.
مشروع المؤمن القوي:
من يتأمل التشريع الإسلامي والوصايا النبوية الشريفة يجد ديننا الحنيف يوجه باتجاه صناعة المؤمن القوي، وهذا يتضح من خلال الكثير من الدلائل النقلية والعقلية؛ فالمسلم يجب أن يكون قويًا في العلم والفكر، وقويًا في الحق والسلوك، وقويًا في المال والجوانب الاقتصادية، وقويًا في التأثير والنشاط الاجتماعي، وقويًا في الجوانب الروحية والتعبدية ومميزًا فيها، وهذه المعادلة الإسلامية تحتاج منا أن ننقي ما علق في أذهان البعض من أن التدين يعني الضعف والدروشة وإهمال الدنيا، وهو فهم دخيل وليس أصيل، وهو مردود عليه بلا شك.
إن نهوض المجتمعات العربية والإسلامية سوف يكون عندما يغادر إنسان هذا الزمان قمقم الإحباط إلى جنة التفاؤل، وسرداب الخرافة إلى محراب العلم، ووهن الضعف إلى رسوخ القوة، ووهم الاستسلام إلى حقيقة النصر والتمكين في الأرض.
دستور القوة:
لا تؤتي القوة أُكُلَها إلا عندما تعوم على نهر متدفق من القيم، والأخلاق، والثوابت، وصدق المقصد، ونبل الغاية, فالقوة بلا أمانة كارثة بشرية، أول ضحاياها هو إنسان قوي ولكن بلا مبادئ.
قال الله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26].
تأصيل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» [رواه مسلم].
______________
المصدر: موقع: مهارات النجاح للتنمية البشرية.