خطوات عملية للاستفادة من الوقت
إن الوقت هو الحياة، ومن ضيع وقته فقد ضيع حياته، وإنه لمن العجب كل العجب أن نجد أناسًا يستهينون بأوقاتهم ويضيعونها سدًى وهملًا، فتمر أعمارهم ويتركون دنياهم ولا أثر لهم يُذكر، ولا تذكرهم صفحات التاريخ؛ بل ولا يذكرهم الأحياء.
يقول الحسن البصري رحمه الله: «ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك».
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «إني لأكره أن أرى الرجل فارغًا؛ ليس في عمل آخرة ولا عمل دنيا».
وقال الحسن: «بادر أجلك، ولا تقل غدًا غدًا؛ فإنك لا تدري متى تصير إلى الله».
وقال أبو الوفاء بن عقيل: «إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد ما كنت أجده وأنا ابن عشرين».
وكان يقول: «وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرًا على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها».
والوقت أسهل ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
فهكذا كان ميراثهم، ميراث العلماء، وسلف هذه الأمة في الاستفادة بالوقت والاعتناء به.
ونحن سنحاول، إن شاء الله، معًا أن نضع معك، أيها القارئ الكريم، خطوات عملية للاستفادة بالأوقات، لعلها تكون نفعًا لك في اقتداء آثارهم الصالحة:
الخطوة الأولى: أدرك أهمية وقتك:
إن الذين لا يدركون أهمية أوقاتهم هم أكثر الناس تضييعًا لها، وإلا فلم يحافظ على وقته من لم يعلم قيمته؛ ولذلك فإننا ننصح بعدة نصائح في هذه المجال لإدراك أهمية ما لديك من وقت، فتعال معي:
- وقت الفراغ هو خرافة وضعها الفارغون، فلا تردد هذه اللفظة ولا تستعملها، فإنه لا فراغ إلا عند التافهين.
قال الحسن رحمه الله: أدركت أقوامًا كان أحدهم أشح على عمره ووقته منه على درهمه وديناره.
- إن كل دقيقة تمر بك تستطيع من خلالها أن تعبد الله، أو تذكره، أو تسبحه، أو تشكره، أو تؤدي خدمة للمسلمين، أو تأمر بمعروف، أو تنهى عن منكر، أو تعلم خيرًا...، فكم تساوي هذه الدقيقة إذن؟
- هناك معادلة بديهية ينبغي إدراكها، وهي أنه لا قيمة للوقت عند الفارغين، ولا قيمة للفارغين في الحياة وبين الناس.
- الغربيون يثمنون أوقاتهم ودقائقهم وساعاتهم بمقياس الدولار واليورو، ونحن نقيس ساعاتنا برضا الله سبحانه عنا في عبادة أو جهاد أو كسب حلال...
إن ساعة من وقتك تستطيع فيها أن تمسح عبرة يتيم، أو تعين عاجزًا، أو تغيث ملهوفا، كم تساوي بمقياس البشر؟ وكم تساوي بمقياس الآخرة؟
- عاشر وخالط الذين يهتمون بأوقاتهم كي تصيبك العدوى، وإياك والفارغين، وابحث عن دواء يمنع عدواهم.
- اذكر دائمًا أن أهل الجنة لا يندمون على شيء ندمهم على ساعة لم يطيعوا الله فيها، وأن ركعتين مما نستقل من صلاتنا أحب إلى أهل القبور من دنيانا وما فيها، فهل نغنم الفرصة قبل ضياعها؟
- ما من العلماء والصالحين أحد إلا وهو حريص على كل دقيقة من وقته، وما من الجهال والمذنبين أحد إلا وهو مضيع لأوقاته، فتدبر.
الخطوة الثانية: قف وقفة حزم:
كثير ممن تضيع أوقاتهم بغير فائدة هم أناس غير حازمين، وفي كثير من الأحيان مترددون، لا يستطيعون أخذ القرارات ولا إصلاح الخطأ من حياتهم، وذلك من أكبر الأسباب التي تؤثر في ذهاب الأوقات وضياعها؛ ولذلك فعليك بإمعان النظر في النصائح الآتية:
- قف مع نفسك وقفة تدبر فيها قول الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}.
- رتب أهدافك: أهداف حياتك عمومًا، ثم أهدافك المرحلية، ثم أهدافك القريبة جدًا، واجعلها لا تغيب عنك أبدًا، ستشعر بالفارق الكبير، إن الذي لا يدري إلى أين يسير سينتهي حتمًا إلى نقطة.
- بعد تدوينك لأهدافك بوضوح ينبغي لك أن تسأل نفسك في كل عمل تقوم به: هل هذا العمل يقربني من أهدافي أو يباعدني عنها؟ أم يقف بي فلا يقربني ولا يباعدني؟ أم أنه ربما يقربني وربما لا؟ وعليك ألا تقدم على ذلك العمل إلا إذا وجدته يقربك من هدفك.
- سئل أحد الإداريين الناجحين: ما الذي يمنع الناس عن النجاح؟ فأجاب: الأهداف غير الواضحة.
- ليس عيبًا مطلقًا أن تكتب أهدافك بخط واضح، وتعلقها على جدار الغرفة، أو أن تحملها في كارت واضحة في حقيبة يدك، وأن تتدبرها كل وقت.
- ركز على أهم الأعمال التي تنتج النتائج المرغوبة، واترك الأعمال التي ربما تنتج وربما لا تنتج، وبعبارة أوضح أهمل من الأعمال قليل الفائدة.
- حاول أن تستعمل الكتابة في إنجاز الأشياء وتذكرها، فإن ذلك يباعد عنك القلق والهم، وسوف تستطيع أن تنام بعمق إذا كانت واجباتك مدونة.
- المفكرة اليومية وسيلة ناجحة، ولكنها تحتاج إلى أناس يقظين.
- إياك أن تكتب برنامجًا يوميًا تستغرق في كتابته ساعة ثم تنساه في مكان ما.
- إذا وضعت لنفسك جدولًا للعمل والاستفادة بالأوقات فأعط فرصة للتعديل فيه عند الحاجة.
- لا تثقل على نفسك أثناء وضعك لجداولك، ولا تكن مثاليًا أكثر من اللازم، وحاول أن تقترب من الواقع لتقترب من النجاح.
- ابتكر لنفسك خطة للاستفادة بأوقاتك بأقصى قدر ممكن، ولتكن خطتك شاملة لجميع أولوياتك واهتماماتك.
- حدد موعدًا لإنهاء الواجبات المطلوبة منك، وكذلك حدد موعدًا لما تطلبه من الآخرين.
- لا بد أن تحتوي خطتك وقتًا للراحة والرياضة والترفيه، فإنها أوقات دافعة للنجاح والإنجاز، وليست أوقاتًا للفراغ.