logo

قم فأنذر


بتاريخ : الاثنين ، 8 ذو الحجة ، 1436 الموافق 21 سبتمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
قم فأنذر

النذير: مشتق من الإنذار، وهو الإخبار بحلول حادث مسيء أو قرب حلوله.

والإنذار: هو استثارة مواطن الخوف في النفس، والإخبار بما فيه تخويف وتهديد، وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالإنذار فقال تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} [إبراهيم:44]، وقال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]،وقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} [المدثر:1-2]، وقال عن المؤمنين: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].

 

فالإنذار فيه اتباع لرسول الله، ودليل على شفقة المنذر وخوفه على من ينذره، كما أنه إبراء للذمة، وإقامة الحجة على الكافرين والمنافقين والعاصين وقطع أعذارهم.

 

ومن يطالع دعوات الرسل يجد أن دعوتهم قد اصطبغت بالتبشير والإنذار، ويبدو أن التبشير والإنذار على النحو الذي جاءت به الرسل هو مفتاح النفس الإنسانية، فالنفس الإنسانية مطبوعة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، فإذا بصر الرسل النفوس بالخير العظيم، الذي يحصلونه من وراء الإيمان والأعمال الصالحة، فإن النفوس تشتاق إلى تحصيل ذلك الخير، وعندما تُبين لها الأضرار العظيمة التي تصيب الإنسان من وراء الكفر والضلال؛ فإن النفوس تهرب من هذه الأعمال، ونعيم الله المبشر به نعيم يستعذبه القلب، وتلذه النفس، ويهيم به الخيال، اسمع إلى قوله تعالى يصف نعيم المؤمنين في جنات النعيم: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)}[الواقعة:15-38].

وانظر إلى عذاب الكفرة في دار الشقاء: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)}[الواقعة:41-45]،{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}[الواقعة:51-56].

إن بعض الذين لم يفقهوا دعوة الإسلام يعيبون على دعاة الإسلام أخذهم بالإنذار والتبشير، ويقولون: فلان واعظ، ويعيبون عليهم عدم فلسفتهم للأمور التي يدعون إليها، ويطالبون الدعاة بالكف عن طريقة الوعظ وتخويف الناس وترغيبهم، وهؤلاء بحاجة إلى أن يراجعوا أنفسهم، وينظروا في موقفهم هذا، في ضوء نصوص القرآن وأحاديث الرسول التي تبين أسلوب الدعوة، وتوضيح مهمة الرسل الكرام.

إلى من نتوجه بالإنذار:

إنالإنذاريتوجهإلىالكافرفلايعبأبهحينيكونطاغيًاومخاصمًا،ويتوجهإلىمؤمنٍآمنبالله واليومالآخر؛لكنهقصرفيالأداءالسلوكي،وقصرفيالطاعةوالانضباطبأمراللهسبحانهوتعالى،فقصروقصر عنرتبةالتقوى،فتوجهالإنذارإليهليرفعهمعالإيمانإلىسويةالتقوى،ومنزلةالانقيادوالانضباط.

واقرءواقولهتعالىوهويزيدالمسألةتفصيلًا:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[يس:10].

فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)}[المدثر:1-2]، قال ابن كثير: أي: شمر عن ساق العزم، وأنذر الناس.

ويكون الإنذار في القرآن خاصًا بالكفار، لأنهم هم الواقعون فيما أنذروا به من النكال والعذاب، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} [الأعراف:2].

لكنه لما ختم الآية بقوله:{وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:2]، كأنه قصر الإنذار عليهم قصرًا إضافيًا لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم، ويدل لذلكقوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق:45]، وقوله تعالى: {إِنْ أَنَا إلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:188]،وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:45]، إلى غير ذلك من الآيات، وكما قصر الإنذار قصرًا إضافيًا على المؤمنين قصر التذكير عليهم أيضًا، فقوله تعالى في سورة الغاشية: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21]، فالتذكير عام، إلا أنه لما كان المنتفع به المؤمن الذي يخشى الله ويخاف وعيده؛ صار كأنه مختص به ومقتصر عليه، ويدل لذلكقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:55]، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [الحاقة:48].

إلى غير ذلك من الآيات، فمن أعرض عن الذكر أعرض عن الإنذار، ودخل في الوصف الذي وصف الله تعالى به الكفار كما قال:{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يس:10].

لكن من ينتفع بالإنذار:

{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} أيمنانتمىإلىالقرآن، {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} صدقبوجودالله وعظمته،وهاهنامقدر يستفادمنالآياتالأخرى،وهوأنهإذاسمعذلكالإنذارفإنهينتبهويقتديويتقي،فإذاكانحالهكذلك {فَبَشِرُهبِمَغْفِرَة}،فانتقلمنأسلوبالإنذارإلىأسلوبالتبشير،فقدحصلالمراد.

أيفبشرهبعدأنأنذرتهبمغفرةلماسبق،والإسلاميجبماقبله،واللهسبحانهيعفوويغفر،ويقبلاليسيرمن العمل،ويغفرالكثيرمنالزلل،إنأتيتهتمشيأتاكهرولة،إنتقربتإليهشبرًاتقربمنكذراعًا،إنهالذي يفرحبتوبةعبده.

إن كل أحد، وكل شيء، وكل قيمة، وكل حقيقة؛ صغير، والله وحده هو الكبير، وتتوارى الأجرام والأحجام، والقوى والقيم، والأحداث والأحوال، والمعاني والأشكال وتنمحي في ظلال الجلال والكمال، لله الواحد الكبير المتعال.

وهو توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم ليواجه نذارة البشرية، ومتاعبها وأهوالها وأثقالها، بهذا التصور، وبهذا الشعور، فيستصغر كل كيد، وكل قوة، وكل عقبة، وهو يستشعر أن ربه الذي دعاه ليقوم بهذه النذارة، هو الكبير، ومشاق الدعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التصور وهذا الشعور.

قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأنعام:51].

أنذر به هؤلاء الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم، حالة أن ليس من دونه ولي ينصرهم ولا شفيع يخلصهم، ذلك أنه ما من شفيع يشفع عند الله إلا بإذنه، وهو لا يشفع يومئذ، بعد الإذن، إلا لمن ارتضى الله أن يشفع عند الله فيهم، فهؤلاء الذين تستشعر قلوبهم خوف ذلك اليوم الذي ليس فيه، من دون الله، ولي ولا شفيع، أحق بالإنذار، وأسمعُ له، وأكثر انتفاعًا به، لعلهم أن يتوقوا في حياتهم الدنيا ما يعرضهم لعذاب الله في الآخرة، فالإنذار بيان كاشف كما أنه مؤثر موحٍ، بيان يكشف لهم ما يتقونه ويحذرونه، ومؤثر يدفع قلوبهم للتوقي والحذر، فلا يقعون