الحياء من خلق الدعاة
قال صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دِين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء»(1).
الحياء خلق رفيع، يمنع الإنسان عن الاتصاف بالأخلاق السيئة والأقوال الفاحشة والأفعال القبيحة.
الحياء هو أساس مكارم الأخلاق، ومنبع كل فضيلة؛ لأنه يترتب عليه القول الطيب والفعل الحسن.
الحياء دليل الدين الصحيح، وسمة الصلاح الشامل، وعنوان الفلاح الكامل.
الحياء خلق شريف، يمنع المرء فعل المحرمات وإتيان المنكرات، ويصونه عن الوقوع في الأوزار والآثام، ومَن فَقَد الحياء فقد مروءته، ومن فقد مروءته خسر كل خير وفضل.
قال الحافظ بن حجر عن الحياء: «خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق»، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحياء من الله عندما قال: «استحيوا من الله حق الحياء»، قالوا: «وما حق الحياء من الله يا رسول الله؟» قال: «أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تؤثر الآخرة على الأولى»(2)، فهذا هو الحياء من الله سبحانه وتعالى بخصوصه.
حقيقة الحياء:
على حسب حياة القلب يكون خلق الحياء، فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم.
إن الحياء من صفات النفس المحمودة، وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ فالحياء دليل على الخير، وهو المخبر عن السلامة، والمجير من الذم.
والحياء صفة من صفات الأنبياء والمرسلين، وقد وُصِفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحياء، فمما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خِدرها»(3).
والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن لنا خُلق الحياء، وأنه من أعظم الأخلاق وأميزها التي يتميز بها المسلم والمسلمة، قال وهب بن منبه: «الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء»(4).
وقيل أيضًا: «من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه».
حياؤك فاحفظه عليك فإنما يدلُّ على فضل الكريم حياؤه
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيـاؤه ولا خير في وجه إذا قلَّ ماؤه
ونظرًا لما للحياء من مزايا وفضائل فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه؛ بل جعله من الإيمان، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»(5).
في رسالة الإمام الأستاذ أبي القاسم القشيري عن السيد الجليل أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه قال: «الحياء رؤية الآلاء [أي النعم]، ورؤية التقصير؛ فيتولد من بينهما حالة تسمى الحياء».
وقال القاضي عياض وغيره من الشراح: «إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة؛ لأنه قد يكون تخلقًا واكتسابًا، كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإيمان بهذا، ولكونه باعثًا على أفعال البر ومانعًا من المعاصي».
وأما كون الحياء خيرًا كله، ولا يأتي إلا بخير؛ فقد يشكل على بعض الناس، من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجله؛ فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق، وغير ذلك مما هو معروف في العادة، وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة، منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة؛ بل هو عجز وخور ومهانة، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازًا لمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق(6).
وفي الحديث أيضًا: «الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر»(7).
والسر في كون الحياء من الإيمان أن كلًا منهما داعٍ إلى الخير مقرب منه، صارف عن الشر مبعد عنه، وصدق القائل:
وربَّ قبيحةٍ ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياءُ
وإذا رأيت في الناس جرأةً وبذاءةً وفحشًا فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»(8).
وفي هذا المعنى يقول أبو تمام:
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاءُ
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
إذا لم تخـش عـاقبة الليـالي ولم تستحِ فافعل ما تشاءُ
والمراد بالحياء الحياء الذي يبعث على العمل الصالح، ويزجر عن العمل السيء، أما الخجل الذي يمنع من مزاولة الأعمال الصالحة؛ كالأمر والنهي والدعوة والتعليم، مثل هذا ليس بحياء، الحياء لا يأتي إلا بخير، وهذا جاءك بشر، فليس من الحياء الشرعي، وإن تعارف الناس على تسميته حياء، وهو في الحقيقة خجل، مثل هذا ليس هو المقصود هنا(9).
وصاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فكيف يكون هذا من الإيمان؟ وأجيب: بأنه ليس بحياء حقيقة؛ بل هو عجز ومهانة، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازًا لمشابهته الحياء الحقيقي، وحقيقته: خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحوه، وأولى الحياء: الحياء من الله تعالى، وهو ألَّا يراك الله حيث نهاك، وذاك إنما يكون عن معرفة ومراقبة، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»(10).
الحياء الصحيح: ما صدك عن المحارم، وهذا حياء واجب.
وما صدك عن المكروهات فهو حياء مستحب، وبعضهم يوجبه.
أما الذي يصدك عن طلب العلم، وعن الأمور النافعة والتحصيل والسؤال الذي فيه النفع، فليس بحياء، لكنه خجل، وهو حياء مذموم.
أنواع الحياء:
أولًا: الحياء من الله:
حين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية، قال الله عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى} [العلق:14]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16].
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اطلاعه على أحوال عباده، وأنه رقيب عليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «استحيوا من الله حق الحياء»، فقالوا: «يا رسول الله، إنا نستحي»، قال: «ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»(11).
ثانيًا: الحياء من الملائكة:
قال بعض الصحابة: «إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم».
وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار:10-12].
قال ابن القيم رحمه الله: «أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟»
وكان أحدهم إذا خلا يقول: «أهلًا بملائكة ربي، لا أعدمكم اليوم خيرًا، خذوا على بركة الله، ثم يذكر الله»(12).
ثالثًا: الحياء من الناس:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «لا خير فيمن لا يستحي من الناس»(13).
وقال مجاهد: «لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه»(14).
وقد نصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء، وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: «ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت»(15).
رابعًا: الاستحياء من النفس:
من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه فنفسه أخس عنده من غيره، فحق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدًا من نفسه كأنه يراه، ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.
فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.
قال بعض السلف: «من عمل في السر عملًا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر»(16).
إن الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهِّد الثناء، وموفِّر العقل، ومعظم القدر:
إني لأستر ما ذو العقــل ساتره من حاجةٍ وأُميتُ السر كتمانًا
وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها جعلتها للتي أخفيتُ عنــــوانًا
إني كأنــــي أرى مَن لا حيــــاء له ولا أمانة وسط القـــوم عريانًا
فضائل الحياء:
أولًا: الحياء مفتاحُ كلِّ خيرٍ:
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء خير كله» أو قال: «الحياء كله خير»(17).
ثانيًا: الحياء قرين الإيمان:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رُفِع أحدهما رفع الآخر»(18).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان»(19).
ثالثًا: الحياء أبهى زينة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه»(20).
فلا يكون في شيء من الأقوال والأفعال إلا زَيَّنه وجَمَّله وحسنه؛ ولا يُنْزَع من شيء إلا شانه وعابه وقبحه، وجر إليه العيب والقبح.
الحياء مفتاح كل خير؛ بل هو الخير كله، والفحش مفتاح كل شر؛ بل هو الشَّرُّ كلّه.
رابعًا: الحياء خلق يحبه الله تبارك وتعالى:
عن أشج عبد القيس رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «إن فيك لخلقين يحبهما الله»، قلت: «وما هما يا رسول الله؟»، قال: «الحلم والحياء»(21).
خامسًا: الحياء يقود إلى الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار»(22).
سادسًا: الحياء خلق الإسلام:
الحياء هو من أفضل الأخلاق وأجلها، وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا(23).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء»(24).
سابعًا: الحياء شريعة جميع الأنبياء عليهم السلام:
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»(25)، رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدر هذه الكلمة، وأجلها، وعظم شأنها؛ لأنها كلمة جامعة لخير الدنيا والآخرة(26).
ثامنًا: الحياء مانع من فعل المعاصي:
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»(27).
والمعنى: أن الرادع عن القبيح إنما هو الحياء، وبغياب الحياء تدمر الأخلاق، وترتكب الفواحش والموبقات، فمن لم يستح فإنه يصنع ما شاء.
مظاهر مشرقة من الحياء:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقالت أم سلمة: «فكيف يَصْنَعْنَ النساء بذيولهنَّ؟»، قال: «يرخين شبرًا»، فقالت: «إذًا تنكشف أقدامهن»، قال: «فيرخينه ذراعًا، لا يزدن عليه»(28).
يا سبحان الله! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأم سلمة: «يرخين شبرًا»، ولكنها تقول: إن النساء لا تطيق هذا؛ لأن أقدامهن ستنكشف عند المشي، فلم ترض أن يرخى الثوب شبرًا يجرجر في الأرض؛ ولكن فتيات هذا الزمان رضين بهذا الشبر، ولكنه ليس شبرًا يجرجر في الأرض، لكنه شبر فوق الركبتين.
المرأة في الحقيقة هي قطعة من الحياء، فإذا فقدت المرأة حياءها فقدت كل شيء، وفعلت كل شيء.
خلوة الذين لا يستحون من الله:
لما غاب الحياء من الله عند كثير من الناس تجرءوا على محارم الله.
عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لأعلمنَّ أقوامًا من أمَّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا» قال ثوبان: «يا رسول الله، صفهم لنا، جلهم لنا ألَّا نكون منهم ونحن لا نعلم»، قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها»(29).
صور من الحياء المذموم:
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنعنَّ رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده أو سمعه»(30).
فلا ينبغي لك أن تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياءً من الناس.
مقارفة الإثم استحياءً من الناس:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس»(31).
واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا رضي عن العبد أرضى الناس عنه، وإذا سخط عن العبد أسخط الناس عليه.
ترك طلب العلم:
قال مجاهد رحمه الله: «لا يتعلم العلم مُسْتَحْيٍ ولا مستكبر»(32).
كيف يكون الحياء من الله:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حقّ الحياء»، قال: قلنا: «يا رسول الله، إنَّا لنستحي والحمد لله»؛ قال: «ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا»(33).
فالمقصود من الحديث أن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه، ومراقبة الله في السر والعلن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرَّجل الصالح من قومك»(34).
وهذا الحياء يسمى حياء العبودية، الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين، وهي مرتبة الإحسان، الذي يحس فيها العبد دائمًا بنظر الله إليه، وأنه يراه في كل حركاته وسكناته؛ فيتزين لربه بالطاعات.
وهذا الحياء يجعله دائمًا يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه؛ لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل.
لما طلب موسى عليه السلام من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه في قضية تخفيف فرض الصلاة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، قال صلى الله عليه وسلم لموسى: «استحييت من ربي»(35)؛ فبعد أن سأل نبينا ربه عدة مرات أن يخفف عن أمته من عدد الصلوات، إلى أن وصل إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، منع خُلق الحياء نبينا صلى الله عليه وسلم من مراجعة ربه أكثر من ذلك.
وأما حياؤه صلى الله عليه وسلم من الناس فالأمثلة عليه كثيرة ومتنوعة؛ فقد ورد أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية التطهر من الحيض، فأخبرها أن تأخذ قطعة من القماش، وتتبع بها أثر الدم، إلا أن تلك المرأة لم تفهم عن النبي قصده تمامًا، فأعادت عليه السؤال ثانية، فأجابها كما أجابها في المرة الأولى، غير أنها أيضًا لم تستوعب منه قوله، فسألته مرة ثالثة فاستحيا منها وأعرض عنها، وكانت عائشة رضي الله عنها حاضرة الموقف، فاقتربت من تلك المرأة وشرحت لها الأمر بلغة النساء.
وعن أنس رضي الله عنه، في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها، أن الصحابة رضي الله عنهم بعد تناول طعامهم تفرق أكثرهم، وبقي ثلاثة منهم في البيت يتحدثون، والنبي صلى الله عليه وسلم يرغب في خروجهم، ولكن ولشدة حيائه صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم شيئًا، وتركهم وشأنهم، حتى تولى الله سبحانه بيان ذلك، فأنزل عليه قوله تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53](36).
ولم تكن صفة الحياء عنده صلى الله عليه وسلم صفة طارئة؛ بل كانت صفة ملازمة له في كل أحيانه وأحواله؛ في ليله ونهاره، وفي سفره وإقامته، وفي بيته ومجتمعه، ومع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والعالم والجاهل؛ وقد روى لنا القاضي عياض في صفة مجلسه صلى الله عليه وسلم فقال: «مجلسه مجلس حلم وحياء، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تُؤْبَنُ فيه الحُرَم، يتعاطون فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب»(37)، فما ظنك بمن كانت مجالسه مجالس تسود فيها صفات الحلم والحياء؟
لكن يشار هنا إلى أن الحياء لا ينبغي أن يكون مانعًا للمسلم أبدًا من أن يتعلم أمور دينه ودنياه؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون رسول الله عن كل ما يعنيهم في أمر دينهم أو دنياهم، حتى ورد في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم علَّم صحابته كل شيء، حتى الأمور المتعلقة بقضاء الحاجات؛ كعدم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وعدم استعمال اليد اليمنى حال إزالة النجاسة...، ونحو ذلك من الأمور التي لم تمنع الصحابة من أن يسألوا عنها لتعلقها بعبادتهم ونظافتهم.
وكذلك كان النساء من الصحابة يسألن رسول الله عن شئون دينهن، وقد صح أن الصحابية أم سُليم رضي الله عنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟»، فقال لها: «نعم، إذا رأت الماء»(38).
ومن خلال استقراء مصادر دينينا الحنيف نجد أن الإسلام شمل كل مجالات الإنسان، ومن ذلك أخلاقه، فمن شمولية هذا الدين وعظمته أنه دين الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة.
فالحياء دليل الدين الصحيح، وشاهد الفضل الصريح، وسمة الصلاح الشامل، وعنوان الفلاح الكامل، من كان فيه نظم قلائد المحامد، ونسق وجمع من خلال الكمال ما افترق...(39).
قال عمرو بن عثمان: «والحياء يعمر القلوب بدوام الطهارة، ويُخْرِجُ من القلوب حلاوة الماء، ثم حلاوة الشهوات، ودوام الحياء يوجب على القلوب إعظام حرمات الله، بإعظام مقام الله حياءً من جلاله؛ لأن إجلال حرمات الله في القلوب غاسل للقلوب بماء الحياة الوارد عليها من فوائد الله، فتخلق الدنيا في قلوبهم، وتصغر الأشياء فيها»(40).
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: «خمس من علامات الشقاوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل»(41).
وإذا تقرر هذا فليُعلم أن معيار الأخلاق الحسنة وعلامتها هو الحياء، كما أنه رأس مكارم الأخلاق، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: رأس مكارم الأخلاق الحياء(42)؛ بل إنه من الإيمان؛ بل إن الحياء والإيمان قرناء لا يفترقان، قال صلى الله عليه وسلم: «الحياء والإيمان قرناء جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر»(43).
وهو علامة الكرم، كما أنه شعبة من شعب الإيمان، وخلق نبوي كريم، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير»(44)، إذن فهو يحمل طابعًا تعبديًا؛ فالدين يحث عليه ويأمر به، كما تهتم كثير من النصوص بإظهار وإبراز مزاياه وفضائله، وهو دليل على كَرِمِ السجية، وطيب المنبت، فالحياء فطرة، والحياء دين، وهو حلة جمال، وحلية كمال في عيون الناس، وصاحبه يزداد قدره ويعظم جانبه، وإذا رأى ما يكره غض بصره عنه، وكلما رأى خيرًا قبله وتلقاه، أو أبصر شرًا تحاشاه، يمتنع عن البغي والعدوان، ويحذر الفسوق والعصيان، يخاطب الناس كأنه منهم في خجل، ويتجنب محارم الله عز وجل، فمن لبِسَ ثوب الحياء استوجب من الخَلق الثناء، ومالت إليه القلوب، ونال كل أمر محبوب، ومن قل حياؤه قل أحباؤه(45).
ومن ثَم فإن تحلى به الشخص كان في أحسن صورة، وأحلى تصرف، وأجمل فعل.
ولذا سيظل الالتزام الحق بالدين حاجزًا منيعًا في وجه الانحطاط الخلقي والتفسخ الحضاري؛ لأن القيم مهما كانت عميقة يمكن أن تخضع للتطور الذاتي، ويمكن أن تئول على نحو يفرغها من مضامينها، ويمكن تجاوزها إذا لم تكن مرتكزة على عقيدة سليمة، وإلى إطار مرجعي رباني لا بشري؛ لأن هذا الأخير قاصر بطبعه وإن حسنت النوايا فيه.
وإن الذين يوهنون الحس الإسلامي ويخدشون فطرة الأمة، من خلال نشر الإباحية والفساد، يكيدون للأخلاق، ويعرضونها لمحنة عظيمة(46).
فيا له من قبح عندما يلبس لباس الإيمان، ولباس التقوى، ولباس الفضيلة، فيستكبر المرء وينزعه، ليلبس القبيح من كلِّ منكر من القول والعمل، ويتولى ويدبر إلى مستنقع الرذيلة باسم الحرية الشخصية والحداثة والتلاقح الثقافي، وعندما يُلبس لباس العلم بالله فيستكبر وينزعه، ويلبس لباس الجهل والبهيمية، التي أصبحت مظاهرها لا تعد ولا تحصى حتى في بلاد المسلمين من طرف المغربين، وعندما يستبعد لقاء الله تعالى، وهو منه قريب، وعندما تؤكل أموال الناس بالباطل، وتستغل المسئوليات العامة والخاصة لنهب ثروات البلاد والهروب من المحاسبة، والمغالاة في الشهوات والملذات وافتقار المجتمع لمعاني التضامن والتكافل!
فإن من فقد الحياء تدرج في حياته من السيء إلى الأسوأ، وهبط من الرذيلة إلى الأرذل، ولا يزال يهوي حتى ينحدر إلى الدركات السفلى والعياذ بالله.
وقال الإمام أبو حاتم رحمه الله: «إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه، ودفن مساويه، ونشر محاسنه، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره هان على الناس ومقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن فقد عقله، ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له، ولا دواء لمن لا حياء له»، وقال: «وإن من أعظم بركته تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ومجانبتها الخلال المذمومة»(47).
قال المناوي: «إذا رأيت من أخيك في الدين ثلاث خصال فأمل أن ينتفع برأيه ومشورته، وارج له الفلاح والفوز بالنجاح؛ لما لاح فيه من مخايل الخير، وأمارات الرشد التي من ثمرات هذه الخصال، وهي: الحياء، والأمانة، والصدق، فإنها أمهات مكارم الأخلاق، فإذا وُجِدت في عبد دل على صلاحه فيرتجى ويرجى له الفلاح.
وإذا لم ترها مجتمعة فيه فلا ترجه لشيء مما ذكر، ولا تأمل فلاحه؛ لأنها إذا لم تجتمع في إنسان دل على قلة مبالاته بالعاقبة، وجرأته على الله وعلى عباده»(48).
فحري بالإنسان أن يلتفت إلى نفسه؛ ليستخرج منها القبيح الفاحش إلى نعيم الطهر والنزاهة، إلى جنة الدنيا بالتقى والعلم، وجنة الآخرة بالعودة إلى شرع الله.
الداعية يستحي من ربه أن يراه على معصيته ومخالفته، وإذا فعل ذنبًا أو معصية فإنه يخجل من الله خجلًا شديدًا، ويعود سريعًا إلى ربه طالبًا منه العفو والغفران.
الداعية يتأدب مع الله تعالى ويستحيي منه؛ فيشكر نعمة الله، ولا ينكر إحسان الله وفضله عليه، ويمتلئ قلبه بالخوف والمهابة من الله، وتمتلئ نفسه بالوقار والتعظيم لله، ولا يجاهر بالمعصية، ولا يفعل القبائح والرذائل؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه، يسمعه ويراه.
في زمن ضاع فيه الحياء:
إن ما تعانيه المجتمعات اليوم من المحن، وتتابع الفتن، واستباحة المحرمات، ومعانقة الرذيلة، ما ذاك إلا بسبب فقد الحياء وذهاب الحياء.
إن منزوع الحياء لا تراه إلا على قبح، ولا تسمع منه إلا لغوًا وتأثيمًا، عين غمازة، ونفس همازة، ولسان بذيء؛ يتركه الناس اتقاء فحشه، مجالسته شر، وصحبته ضُر، وفعله عدوان، وحديثه بذاء.
من مظاهر ذهاب الحياء:
المجاهرة بالذنوب والمعاصي وعدم الخوف من الله:
فعديم الحياء لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله، ولا باطلاعهم عليه؛ بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل.
أفعال وتصرفات لا تليق بإنسان أنعم الله عليه فخصّه بهذا الخلق خلق الحياء، دون سائر الحيوانات والمخلوقات، زينه الله بزينة الحياء ليمنعه من فعل القبيح، فمن لا حياء له فليعلم أن فطرته مطموسة وقلبه ميت.
الفحش في الكلام:
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه، أو ودعه الناس اتقاء فحشه»(49).
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»(50).
وعن أَبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِياكم والفحش، فإن الله لا يحب الفاحش والمتفحش، وإياكم والظلم، فإن الظلم هي الظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح، فإن الشح دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم»(51).
العقوق:
عندما لا يستحي الابن أن يسب أبويه، أن يسخر منهما، أن يؤذيهما، أن يقابل إحسانهما بالإساءة إليهما، فأي حياء عند هذا؟ والله تعالى يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء:23-24].
التبرج وكشف العورات أمام الملأ:
حياؤك من الناس يقتضي أن تستر عورتك عنهم، فقد أخرج أحمد وأصحاب السنن عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: «يا نبي الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟»، قال: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك»، قلت: «يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟»، قال: «إن استطعت ألَّا يراها أحد فلا تُرِيَنَّهَا»، قال: «قلت: يا نبي الله، إذا كان أحدنا خاليًا؟»، قال: «فالله أحق أن يستحيا منه من الناس»(52).
فأين الستر؟ وأين الحياء؟ وديننا دين الستر والحياء.
انظر رحمك الله إلى هذه النماذج في التستر والحياء:
فهذا الصديق رضي الله عنه خطب في المسلمين يومًا فقال: «أيها الناس، استحيوا من الله، فوالله، ما خرجت لحاجة، منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد الغائط إلا وأنا مقنع رأسي حياءً من الله تعالى»(53).
وهذا مثال عال في الحياء والطهر للمرأة المسلمة، إنها ابنة رجل صالح، تنحدر من بيت كريم، ينضح بالعفاف والطهارة والصيانة وحسن التربية، وكفاها شرفًا ثناء الله عليها في كتابه، قال تعالى: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:25].
مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال على استحياء، في غير تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء.
وعن عائشة قالت: «كنت أدخل بيتي الذى دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، فأضع ثوبي فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله، ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي؛ حياءً من عمر»(54).
وهذه المرأة السوداء، امرأة من أهل الجنة، عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟، قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي»، قال: «إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيك»، فقالت: «أصبر»، فقالت: «إني أتكشف، فادع الله ألا أتكشف»، فدعا لها(55).
اعلمي أن تبرجك دليل على نزع الحياء منك، وأن نزع الحياء منك عقوبة من الله عز وجل.
فمِن أعظم الحياء محافظة المرأة المسلمة على كرامتها وحشمتها، ومراقبة ربها، وحفظ حق بعلها، والبعد عن مسالك الريبة ومواطن الرذيلة؛ لئلا يغيض ماء الحياء ويذهب بالعفاف والبهاء، فاتقين الله يا نساء المؤمنين، والزَمْنَ العفاف والحياء فذلك خير وأبقى.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا؛ بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدّم وصورتهما الظاهرة، كما أنّه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة.
وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئًا من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقًّا، ولم يصل له رحمًا، ولا بر له والدًا؛ فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإما دنيوي علوي، وهو حياء فاعلها من الخلق.
فقد تبين أنه لولا الحياء، إما من الخالق أو من الخلائق، لم يفعلها صاحبها».
ثمّ قال رحمه الله: «إن للإنسان آمرين وزاجرين، آمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه امتنع من فعل كل ما يشتهي، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطبيعة، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره، أطاع آمر الهوى والشهوة ولا بد»(56).
***
_______________
(1) أخرجه ابن ماجه (4181).
(2) أخرجه الترمذي (2458).
(3) أخرجه البخاري (3562).
(4) مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا، ص21.
(5) أخرجه مسلم (35).
(6) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 5-6).
(7) الأدب المفرد (1313).
(8) أخرجه ابن ماجه (4183).
(9) شرح جوامع الأخبار (9/ 7).
(10) عمدة القاري (1/ 129).
(11) أخرجه الترمذي (2458).
(12) الجواب الكافي، ص108.
(13) أدب الدنيا والدين، ص249.
(14) مكارم الأخلاق، ص41.
(15) السلسلة الصحيحة (1055).
(16) مدارج السالكين (2/ 353).
(17) أخرجه مسلم (37).
(18) أخرجه الألباني في مشكاة المصابيح (5020).
(19) أخرجه مسلم (35).
(20) صححه الألباني في صحيح الترغيب (2635).
(21) صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (454).
(22) أخرجه الترمذي (2009)، وابن ماجه (3392).
(23) مفتاح دار السعادة (1/ 277).
(24) أخرجه ابن ماجه (3389).
(25) أخرجه البخاري (6120).
(26) بحر الفوائد، ص267.
(27) أخرجه البخاري (6120).
(28) أخرجه الترمذي (1731)، وابن ماجه (5351).
(29) أخرجه ابن ماجه (3442).
(30) أخرجه ابن ماجه (4007).
(31) صحيح الترغيب (2250).
(32) أخرجه البخاري (1/ 38).
(33) أخرجه الترمذي (2458).
(34) صحيح الجامع (2541).
(35) أخرجه البخاري (349).
(36) أخرجه البخاري (4793).
(37) شرح السنة، للبغوي (13/ 274).
(38) أخرجه أحمد (6859).
(39) التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 510).
(40) حلية الأولياء (10/ 295).
(41) مدارج السالكين (2/ 260).
(42) الآداب الشرعية (2/ 220).
(43) أخرجه الحاكم في مستدركه (58).
(44) أخرجه البخاري (5766).
(45) حكم وآداب من مآثر العرب (2/ 129).
(46) بصائر في العلم والثقافة (1/ 81).
(47) روضة العقلاء (1/ 58).
(48) فيض القدير (1/ 355).
(49) أخرجه البخاري (6131).
(50) أخرجه الترمذي (1977).
(51) أخرجه ابن حبان (5177).
(52) أخرجه الترمذي (4017).
(53) مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا، ص20.
(54) أخرجه أحمد (25661).
(55) أخرجه البخاري (5652).
(56) مفتاح دار السعادة (1/ 278).