logo

قصة داعية (نوح عليه السلام)


بتاريخ : السبت ، 9 شوّال ، 1436 الموافق 25 يوليو 2015
بقلم : تيار الاصلاح
قصة داعية (نوح عليه السلام)

إن قصص الأنبياء تمثل مراكز للتأهيل الدعوي، ونماذج عملية للتدريب على الصبر والجهاد وتحمل المشاق والصعاب، ومدارس في النصح والتوجيه.

ونحن هنا إذ نتحدث عن أحد أولي العزم من الرسل، أرسله الله إلى قومه ليدعوهم إلى الإيمان وإخلاص العبادة لله وحده، وترك الشرك والآلهة المصطنعة، وأن يطيعوا رسولهم فيما جاءهم به من عند الله، وأن يتقوا الله في سائر أعمالهم، ثم دعاهم إلى النظر في خلق السماوات والأرض والبحار والليل والنهار والشمس والقمر، فهي آيات كونية تدل على قدرة الواحد القهار، ثم النظر إلى خلق الإنسان، وأنه ينشأ من الأرض كما ينشأ النبات، وأن الأرض مسخرة له يتصرف فيها كما يشاء، وبما يحقق مصلحة الناس.

وقصة نوح عليه السلام تعدُّ منارة للدعاة، يستضيئون بهديها في طريق دعوتهم، كما تعد مدرسة للمجاهدين في سبيل إعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل، وهي، قبل هذا وذاك، تعتبر مثالًا يحتذى للمضي قدمًا في طريق الثبات على المبدأ، وتحمل المشاق والصعاب من أجل نشره بين الناس.

ولقد تكررت هذه القصة في سور عديدة من القرآن، وبأساليب متنوعة، فجاءت في سورة هود أكثر تفصيلًا، وجاء الحديث عنها في سور الأعراف، ويونس، والمؤمنون، والشعراء، والعنكبوت، والصافات، والقمر، وجاءت إشارة إليها في سور الأنبياء والفرقان والذاريات، وسورة كاملة في القرآن سميت باسم سيدنا نوح عليه السلام، تحكي لنا ما دار بين نوح وقومه، وما قاله لقومه، وما ردوا به عليه.

بداية الحكاية:

 

نوح عليه السلام أرسله الله إلى قوم كانوا يعبدون الأصنام، ويتخذون لها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، فأخذ نوح عليه السلام يدعو قومه بكل السبل الترغيبية والترهيبية ليتركوا عبادة تلك الأوثان، ويعبدوا الله الواحد القهار، وقد أخبرهم عليه السلام أنه لا يبتغي من وراء ذلك أجرًا دنيويًا؛ بل هو يبتغي الأجر من الله {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:109]، فهو عامل لله، ومبلِّغ رسالة ربه، بيد أن قومه لم يستجيبوا له، ووصفوا دعوته بالضلال، فقالوا: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأعراف:60]، ليس هذا فحسب؛ بل أصروا على كفرهم وشركهم، {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:23].

وقد مكث نوح في دعوة قومه ما يقرب الألف سنة، بيد أن قومه لم يستجيبوا لندائه، ولم يلبوا دعوته، حتى أخبره سبحانه: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود:36]، ولما لم تنفع معهم أساليب الدعوة كافة، أغرقهم الله سبحانه، وجعلهم عبرة لمن يعتبر، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء:77].

أصول الدعوة عند نوح عليه السلام:

قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح:1-4].

إن هذه الآيات الكريمة لتوضح الأصل الأول من أصول الدعوة، وهو تقرير مصدر الرسالة والعقيدة الذي يتلقى منه الرسل؛ وهو الله الذي خلق الناس على فطرة التوحيد، وعندما انحرفوا أرسل إليهم الرسل ليدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار، قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

خاطبهم بأسلوب المودة والرحمة؛ {يَا قَوْمِ} يا عشيرتي، يا أهلي؛ إني أحذركم من عذاب أليم، فأَوْضَح لهم أمر الدعوة، وأنه صاحب رسالة يريد لهم الخير والنجاة، وهذه الآية الكريمة توضح وسيلة من وسائل الدعوة، وهي الإنذار؛ أي تخويف الناس من الله رب العالمين.

وتتلخص دعوة نوح في أمور ثلاثة طلبها منهم:

قال تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ}.

1- عبادة الله وحده، وامتثال أمره، واجتناب نواهيه، وهذا يعني الخضوع والاستسلام والتطبيق الكامل لما يدعو إليه المرسلون.

2- تقوى الله، ومراقبته وخشيته في السر والعلن، فهو الرقيب الحسيب الذي أحاط بكل شيء علمًا.

3- طاعة الرسول؛ فهو الداعي الأمين المبلغ عن الله سبحانه.

إن هذه الآية توضح لنا المنهج السليم في الحياة، المتمثل في عبادة الله وحده، وتصور لنا حقيقة العلاقة بين الخالق والخلائق، وهذا هو الأصل الأول من أصول الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

أما الآية الأخيرة من هذا المقطع، قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح:4]، فهي تتحدث بأسلوب التشويق، وتحببهم في الامتثال والاستجابة لدعوة نبيهم، فإن أطاعوه وعدهم بشيئين، وهما:

1- غفران الذنوب في الآخرة.

2- تأجيل الأجل في الدنيا، فالله سبحانه بيده ملكوت كل شيء، إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، ويمحو ما يشاء من القضاء والقدر، قال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}