logo

طاعة الزوجة لزوجها


بتاريخ : الأحد ، 22 ربيع الأول ، 1439 الموافق 10 ديسمبر 2017
بقلم : تيار الاصلاح
طاعة الزوجة لزوجها

طاعة المرأة لزوجها هي أمر شرعي محض، وهي طاعة لله أولًا، ثم طاعة لزوجها المخلوق ابتغاء رضا الله سبحانه وتعالى.

يقول النبي الأمين صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما عظم الله من حقه عليها»(1).

وأكثر ما يُدخِل المرأة النار عصيانها لزوجها، وكفرانها إحسانه إليها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن»، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط»(2).

بل من عِظَم حق الزوج على زوجته أن قرن الإسلام طاعة الزوج بإقامة الفرائض الدينية وطاعة الله؛ فعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ»(3).

وطاعة الزوجة لزوجها مشروطة بأن تكون في معروف؛ أي أن ما يأمرها به ويجب طاعتها له هو ما يكون فيه توافق مع كتاب الله وسنة رسوله ومكارم الأخلاق المتعارف أنها كذلك.

عن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: «أي هذه، أذاتُ بعل؟»، قلت: نعم، قال: «كيف أنت له؟»، قلت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: «فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك»(4).

قال محدث الشام ناصر الدين الألباني: «قلت، والحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك»(5).

دخلت أيم العرب على سيد الإسلام والمسلمين أول العشاء عروسًا، وقامت من آخر الليل تطحن، وهي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها(6).

قال علي رضي الله عنه: «لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونضعه على الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها، ولما زوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أرسل بي معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين وسقاء وجرتين، فَجَرَّت بالرحاء حتى أثرت في يدها، واستقت بالقِربة حتى أثرت القربة بنحرها، وَقَمَّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القِدر حتى دنست ثيابها»(7).

وعن أبي البَختَرِي قال علي رضي الله عنه لأمه: «اكفي فاطمة الخدمة خارجًا، وتكفيكِ هي العملَ في البيت، والعَجْن والخبز والطحن»(8).

وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوَّج فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين، وسقاءين، قال: فقال علي لفاطمة يومًا: «لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله بسبي، فاذهبي، فاستخدمي»، فقالت: «وأنا والله، قد طحنت حتى مجلت يداي»، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما جاء بك أي بنية؟»، فقالت: «جئت لأسَلمَ عليك»، واستحيت أن تسأله، ورجعت، فأتياه جميعًا فذكر له عليٌّ حالهما، قال: «لا والله، لا أعطيكما وأدعُ أهل الصفة تتلوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم»، فرجعا، فأتاهما وقد دخلا قطيفتهما، إذا غطيا رءوسهما بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رءوسهما، فثارا، فقال: «مكانكما، ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟»، فقالا: «بلى»، فقال: «كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان في دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبران عشرًا، وإذا أويتما إلى فراشكما فَسَبِّحا ثلاًثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين»، قال علي: «فوالله، ما تركتهن منذ علمنيهن»، وقال له ابن الكواء: «ولا ليلة صفين؟»، فقال: «قاتلكم الله يا أهل الطروق، ولا ليلة صفين»(9).

قال ابن حبيب في الواضحة: «حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم عَلَى فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على عَلِيٍّ بالخدمة الظاهرة»، ثم قال ابن حبيب: «والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله»(10).

وقال ابن حجر: «قال الطبري: يؤخذ من حديث عليّ رضي الله عنه في شكوى فاطمة أن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها، من خبز وطحن وغير ذلك، أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفًا أن مِثلها يلي ذلك بنفسه، ووجه الأخذ أن فاطمة لما سألت أباها الخادم فلم يأمر زوجها أن يكفيها ذلك؛ إما بإخدامها بخادم، أو باستئجار من يقوم بذلك، أو يتعاطى ذلك بنفسه، ولو كانت على الزوج لأمره به، كما أمره أن يسوق الصداق قبل الدخول»(11).

وعن أسماء رضي الله عنها أنها قالت: «كنت أخدم الزبير خدمة البيت كُله، وكان له فرَس، وكنت أسُوسُه، وكنت أحتَش له، وأقوم عليه»(12) .

وعنها رضي الله عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتَخْرِز الدلوَ، وتَعجِن، وتنقُل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ(13) .

وقالت رضي الله عنها: «تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا شيء غير فرسه وناضحه، فكنت أعلف فرسه، [زاد مسلم: وأسوسه]، وأدق النوى لناضحه، وأستقي الماء وأخرز غربه، وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ، حتى أرسل إلي أبو بكر بجارية، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إخ، إخ، يستنيخ ناقته ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت، فجئت الزبير فحكيت له ما جرى، فقال: والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه صلى الله عليه وسلم(14).

صور من الطاعة بالمعروف:

1- استئذانه في صيام التطوع: لما كان صوم المرأة بغير إذن زوجها لربما يوقع الرجل في حرج إن طلبها لنفسه، أو كره فراقها على مائدة الطعام فشعر منها ببعض الجفاء، فقد عمد النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي أُرسِل بتأليف الأرواح وغرس المحبة في القلوب، إلى إرساء قواعد الطاعة؛ فقال: «لا تصوم المرأة وبعلها [أي: زوجها] شاهد إلا بإذنه»(15).

قال الحافظ في الفتح: «وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير؛ لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع»(16).

ويقول النووي رحمه الله: «وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور، فلا يفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي»(17).

إذًا ماذا تفعل الزوجة إذا أرادت أن تصوم نافلة؟ عليها أن تحصل على إذن الزوج، وقد بيَّن العلماء رحمهم الله أنها إذا شرعت في صيام التطوع من غير أن تحصل على إذن من زوجها فإن من حقه أن يقطع صيامها، أما إذا عزمت الزوجة أن تصوم شهر رمضان فلا يتوقف ذلك على إذن من أحد، سواء أكان زوجها أم غيره؛ لأن صوم رمضان واجب عليها(18).

2- الاستئذان قبل الخروج من البيت: عند خروج الزوجة الطائعة من بيتها، فعليها أن تأخذ إذن زوجها، وبعد ذلك يمكنها أن تذهب لقضاء احتياجاتها أو احتياجات المنزل، وإذا منعها الزوج من الخروج ماذا تفعل؟ فهنا تأبى عليها طاعتها الإيمانية إلا أن تطيع زوجها، وفي نفس الوقت لها أن تفتح معه بابًا للنقاش حول السبب من المنع، متفهمة لوجهة نظره، وعلى الزوج، الذي يُقدِّر ما تقوم به زوجته من أجله، ألَّا يداوم على تعسف ينشئ جفافًا في العواطف، ويبدِّل الحب جفاءً، ومع أنه لا يجوز لها الخروج إلا بإذن زوجها؛ فلا ينبغي للزوج منعها من زيارة والديها أو عيادتهما؛ حتى لا تضطر الزوجة إلى مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، ولكن لا تفهم المرأة من ذلك أن تكون كل يوم في زيارة والديها مثلًا دون داعٍ لذلك؛ مما يعطل واجبات الزوجية(19).

3- ألا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه»(20)، ومعنى ذلك أنه لا يحل للمرأة أن تأذن لأحد من الأجانب أو الأقارب، حتى النساء، في دخول البيت، إلا بإذن زوجها أو العلم برضاه(21)؛ لأن في دخول من يكره الزوج إلى البيت بابًا من المشاكل وإثارة للخلافات بين الزوجين، والزوجة العاقلة تعرف من زوجها من يحب ومن يكره بداية حتى تتجنب المشاكل.

4- ألَّا تمنعه نفسها: لا أظنكِ أيتها الفاضلة تطيقين أن يغضب عنكِ الله، ولا أحسبك ترضين أن تنزل عليك لعنة الملائكة ليلًا حتى الصباح، إن المرأة المسلمة التي ينبض قلبها بطاعة ربها تأبى أن تقع في هذا المحظور والامتناع عن طلب زوجها، وإلَّا دخلت تحت طائلة الإثم والمعصية؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح»(22).

ولعل السبب في هذا، والله أعلم، أن الرجل أضعف من المرأة في الصبر على ترك الاتصال الجنسـي، حتى أن بعض العلماء قال: إن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح؛ ولذلك حض الشـرعُ النساءَ على مساعدة الرجل في ذلك(23).

ولقد كان الزواج في الإسلام لإحصان الرجل والمرأة؛ ومن هنا كان على المرأة أن تستجيب لرغبة زوجها إذا سألها نفسها مهما كانت الشواغل؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتُجب وإن كانت على ظهر قتب»(24)، لا لذوبان الشخصية، ولا تفهم الزوجة العاقلة أن الطاعة بهذه الصورة معناها ذوبان شخصيتها في شخصية زوجها، فنحن لا نقصد هذا بالمرة، فالطاعة الواعية التي نبحث عنها تختلف اختلافًا بينًا عن الذوبان الزوجي، فالزوجة لو فعلت ذلك لكان هذا تدميرًا للشخصية، وتحطيمًا للثقة بالنفس وإلغاء الآخر، ولو اتبعت المرأة مبدأ (الذوبان) لما صار عندنا إنتاج متميز ومبدع في العلاقات الزوجية.

إن الذوبان الزوجي يؤدي إلى إلغاء الطرف الآخر وتهميشه، وهذا ضد الاحترام، وهو منهي عنه، فقد أوصانا الله تعالى بالتشاور وتبادل الآراء قبل اتخاذ القرار، وجعل المسئولية فردية، وأعطى للمسلم استقلالية في اتخاذ قراره وتحمل المسئولية عن تصـرفاته؛ قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء:15].

والمتتبع لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم يجد احترامه لشخصية أمهات المؤمنين وتقديرهن، بدءًا من خديجة رضي الله عنها وحتى آخر زوجاته، ولم نقرأ في السيرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على خلاف ذلك؛ بل قرأنا العكس بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صرَّح وقال بأن الإسلام عندما جاء أعطى المرأة حقوقًا لم يكن يعرفها العرب؛ وأهمها أنه أعطاها الاستقلال الشخصي، وتحملها مسئولية قرارها حتى في زواجها(25).

حدود طاعة الزوجة لزوجها الطاعة الواجبة:

وجوب طاعة المرأة لزوجها إنما تكون فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه.

طاعة المرأة لزوجها ليست طاعة مطلقة، وإنما مقيدة بقيود ثلاثة:

الأول: ألا تكون في معصية، فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف»(26).

فيحرم على المرأة أن تطيع زوجها في فعل محرم أو ترك واجب.

القيد الثاني: أن تكون في استطاعة الزوجة، ولا يلحقها فيها ضرر أو مشقة عظيمة، لقول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»(27).

والقيد الثالث: أن تكون في أمور النكاح وما يتعلق به، قال ابن نجيم الحنفي: «لأن المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به، إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه، خصوصًا إذا كان في أمره إضرار بها»(28).

طاعة الزوجة لزوجها في المعروف واجبة، ولكن ليس معنى هذا أن تلغي المرأة شخصيتها تمامًا، وأن تذوب في شخصية زوجها، فلا ترى إلا ما يرى زوجها، ولا تسمع إلا ما يسمع، ولا تفعل إلا ما يهوى في كل الأمور، كلا؛ بل طاعة الزوج إنما تجب في النكاح وتوابعه.

وعلى الزوجة أن تعلم أن من أعظم الأعمال التي تقربها من الله والفوز برضوانه أن تطيع زوجها إذا أمرها بما لا إثم فيه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت»(29)، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة»(30)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه»(31).

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره»(32).

وطاعة الزوج مقدمة على طاعة كل أحد، حتى الوالدين؛ لأن حقه عليها بعد زواجها به أعظم من حق والديها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب»(33).

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «بعض الأزواج يمنع زوجته من إخراج زكاة حليها بناءً على القول الثاني الضعيف، وهذا حرام عليه، لا يحل للزوج، ولا للأب، ولا للأخ أن يمنع أحدًا يريد أن يزكي ماله، وعلى الزوجة أن تعصي زوجها بهذا، وأن تُخرِج الزكاة رغمًا على أنفه؛ لأن طاعة الله أولى من طاعة الزوج، وقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وزوجها لا ينجيها يوم القيامة من عذاب الله عز وجل، فتقول للزوج إذا قال: هذه مسألة خلافية، وأنا ما أعتقد الوجوب، تقول: أنت لك اعتقادك، وأنا لي اعتقادي، أنا لا يمكن أن أترك الزكاة، وأنا يترجح عندي أنها واجبة، وفي هذه الحال يجب أن تعصيه طاعة لله عز وجل، فإذا قالت: أخشى أن يغضب، قلنا عن ذلك جوابان:  

أحدهما أن نقول: وليكن ذلك؛ لأن غضبه في رضا الله ليس بشيء.

والجواب الثاني أن نقول: تداريه، يعني: أخرجي الزكاة من حيث لا يعلم، وبهذا تؤدين الزكاة الواجبة عليك، وتسلمين من غضب الزوج وتنكيده عليك.

لكن نحن من هنا نخاطب الأزواج نقول لهم: اتقوا الله، ما دامت الزوجة ترى الوجوب لا يحل لكم أن تمنعوها من أداء الواجب، وكذلك الأب لو قال لابنته: لا تُخرجي الزكاة، أنا ما أرى وجوبها، فإنها لها الحق أن تقول: لا سمع ولا طاعة، السمع والطاعة لله ولرسوله، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، لكن إذا خافت أن يغضب؛ لأن بعض الناس عقله ضعيف ودينه ضعيف، فإنها تداريه، وتُخرج بدون علمه»(34) .

وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بدٌّ، سواء أرادت زيارة والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: «طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها».

ولأن طاعة الزوج واجبة، والعيادة غير واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأن في ذلك قطيعة لهما، وحملًا لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف(35) .

وقد ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من زيارة والديها .

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررًا بزيارتهما، فيمنعهما دفعًا للضرر.

قال ابن نجيم الحنفي: «ولو كان أبوها زمِنًا مثلًا، وهو يحتاج إلى خدمتها، والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه، مسلمًا كان الأب أو كافرًا, كذا في فتح القدير، وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه»(36).

وليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها، ويُقضى عليه بذلك، خلافًا لابن حبيب(37).

ابن رشد: «هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة, وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها, وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج» .

والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها(38).

وكل شيء مباح لها فإن له أن يمنعها منه، أو يُلزمها بقوله إن كان يراه حرامًا، ويتحتم ذلك عليها إن كان في فعلها إساءة لزوجها، وتعريضه للإهانة أو التنقص، ومثاله: تغطية وجهها، فهي مسألة خلافية، وليس يوجد من يقول بحرمة تغطيتها لوجهها، فإن كانت ترى أنه يسعها كشف وجهها فإن له أن يمنعها من إظهاره للأجانب، وله أن يلزمها بقوله وترجيحه، وهو وجوب ستر وجهها، وهو القول الراجح، وليس لها مخالفته، وهي مأجورة على فعلها ذلك إن احتسبت طاعة ربها بطاعة زوجها، وفعل ما هو أستر.

وكل ما تراه المرأة واجبًا أو حرامًا أو بدعة فلا طاعة للزوج بترك الواجب أو فعل الحرام والبدعة .

فلو كانت ترجح حرمة كشف وجهها أمام الأجانب لم يكن لزوجها أن يأمرها بكشفه بعلة أنه يرى إباحة كشف الوجه.

ويحرم على الزوجة طاعة زوجها فيما حرم الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن ذلك كشف وجهها أمام غير محارمها من الرجال، سواء كانوا من أقاربه، أم أقاربها، أم غيرهم، في البيت، وخارج البيت، وفي الشرفة، وعند فتح الباب لمحصل الكهرباء والضيوف، ولا يكون الحجاب كاملًا إلا بالمحافظة على ما ذكر(39) .

وننبه هنا إلى أمور :

أ. أن العشرة بين الزوجين بالمعروف واجبة على الطرفين .

ب. لا يجوز للزوجين التهكم والسخرية بالطرف الآخر لترجيحه لمسألة أو لتقليده فيها .

ج. يجب على الزوجين تقليد الأكثر علمًا ودينًا ممن يرجعون إليه في الفتوى، ويجب عليهما ترك اتباع الهوى في البحث عن الرخص .

د. ما كان فيه سعة من المسائل لا ينبغي للزوج التضييق فيها على زوجته، وما كان فيه سعة منها بالنسبة للزوجة فالتزام قول الزوج أفضل وأولى .

هـ. نوصي الزوجين، والأزواج عمومًا، بطلب العلم، والبحث عن الحق، وترك المماراة والمجادلة بالباطل، وليضع كل واحد منكما الحق نصب عينيه .

و. الأسرة السعيدة هي التي يكون بين قطبيها المودة والألفة والحب والتفاهم، فأنتما لستما في معهد علمي، ولا جامعة لتجعلوا الأمور مبنية على المناقشات والمناكفات، وكونوا قدوة لأولادكم في اتباع الحق، والاختلاف بتعقل دون شطط(40).

***

_________________

(1) أخرجه أبو داود (2140).

(2) أخرجه البخاري (29).

(3) أخرجه أحمد (1661).

(4) أخرجه أحمد (19003).

(5) آداب الزفاف في السنة المطهرة، ص286.

(6) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 19).

(7) أحكام النساء، لابن الجوزي، ص124.

(8) سير أعلام النبلاء (2/ 125).

(9) أخرجه أحمد (838).

(10) ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (27/ 54).

(11) فتح الباري (9/ 506).

(12) أخرجه مسلم (2182).

(13) ذخيرة العقبى (27/ 54).

(14) أخرجه البخاري (5224).

(15) أخرجه البخاري (5192).

(16) فتح الباري (9/ 296).

(17) شرح النووي على مسلم (3/ 474).

(18) بناء الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة، ص109.

(19) صورة البيت المسلم، ص124.

(20) أخرجه البخاري (5195).

(21) صورة البيت المسلم، ص141.

(22) أخرجه البخاري (3237).

(23) بناء الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة، ص108.

(24) صحيح الجامع (533).

(25) مجلة الفرحة، العدد 75، ص66.

(26) أخرجه البخاري (7257).

(27) أخرجه ابن ماجه (2340).

(28) البحر الرائق (5/ 77).

(29) أخرجه أحمد (1661).

(30) أخرجه الترمذي (1161).

(31) أخرجه ابن حبان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه (4171).

(32) أخرجه النسائي (3231).

(33) مجموع الفتاوى (32/ 261).

(34) جلسات رمضانية لعام 1412هـ، السؤال رقم (5).

(35) المغني (8/ 130).

(36) البحر الرائق (4/ 212).

(37) التاج والإكليل على متن خليل (5/ 549).

(38) الموسوعة الفقهية (29/ 294).

(39) فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 257-258).

(40) الاختلاف بين الزوجين في المسائل الخلافية، موقع: الإسلام سؤال وجواب.