رفع كفاءة الدعوة
تواجه الدعوة في سيرها كثيرًا من المشكلات التي تُعيقها، أو تسبب وهنًا وضعفًا في جانب من جوانبها، وهذه المشكلات التي تواجهها الدعوة على كثرتها، يبرز قطاع منها بسب التصدر الإداري لبعض العاملين الذين تنقصهم الكفاءة، وتعوزهم الخبرة في ساحة العمل الدعوي، فالمشكلة، التي نريد التحدث عنها هنا، هي ضعف كفاءة الداعية؛ ومشكلة التصدر الإداري لأمثال هؤلاء، أقصد ضِعاف الكفاءة وقليلي الخبرة، وما تعانيه الدعوة من ذلك، وما يترتب عليه من آثار.
وتعمل مراكز التأهيل الدعوي، ومراكز البحوث والدراسات الدعوية على الاهتمام بالدعوة ورفع كفاءة الدعاة، ولكي يمكن لنا أن نرتقي بالدعوة ليكن همنا الأكبر الداعية نفسه، فإعداد الداعية والاهتمام به فكريًا وثقافيًا؛ بل وماديًا، أمور لا بد منها للارتقاء بالداعية ورفع الكفاءة الإنتاجية للدعوة.
فالعناية بإبراز معالم الحكمة في الدعوة التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية، والعمل على صياغة الخطاب الدعوي بما يتواكب مع الأحداث، ويناسب مستجدات العصر, ويخاطب كافة الأطياف، لرفع كفاءة الداعية, وتطوير مهاراته العلمية والميدانية، وتنمية قدراته لاختيار الأسلوب الأمثل من خلال وسائل وبرامج متنوعة.
وكذلك رسم منهجية علمية لدراسة القضايا الدعوية من كافة جوانبها، اعتمادًا على الأصول والقواعد الشرعية، مع الاهتمام بتوحيد الجهود الدعوية, وجمع كلمة الدعاة, والتخطيط للمشاريع الدعوية؛ لتحقيق المقاصد والأهداف.
وأيضًا الاستفادة من التقنية الحديثة والبرامج الحاسوبية في تطوير وسائل الدعوة لتواكب تطور الواقع.
الهدف من رفع كفاءة الداعية:
- إحداث نقلة نوعية للوظيفة الدعوية، والانتقال بها من واقع الاتساع والعمومية إلى عالم المقاييس والمواصفات المعتمدة، والتقييم، والمتابعة.
- رجوعالمسجدكما كان مؤسسة دينية وحضارية شاملة، تؤثر في محيطها المجتمعي، وليس قاصرًا فقط على أداء المناسك.
- اعتبار الداعية قائدًا اجتماعيًا، وموجهًا سلوكيًا، وليس موظفًا، كل همه أن يلقي دروسه ثم ينصرف منالمسجد.
- تطوير العمليات الدعوية الحالية، وضبطها من خلال المعايير المعتمدة لكل عناصر العملية الدعوية، من أهداف، ومحتوى، وبرامج، ودعاة، ومتابعة إدارية، وتقييم الأداء الدعوي الحالي، والوقوف على أوجه الخلل في أركانه ومجالاته، ثم تطوير حقيقي، وضبط فعلي لجودة الدعوة الإسلامية.
- وضع خطط استراتيجية للمؤسسات الدعوية (الوزارة – المسجد- المؤسسة الإسلامية)، ومؤشرات قياس لتحقيق هذه الاستراتيجيات لأهدافها.
- مراجعة منتج المنظومة الدعوي غير المباشر؛ كالآثار الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، التي تحدثها العملية الدعوية في المجتمع، وأثر ذلك على قضايا التنمية، والتقدم الحضاري للشعوب، والتحول من اكتشاف الخطأ في نهاية العمل إلى الرقابة منذ بدء العمل، ومحاولة تجنب الوقوع فيه.
- التأكد من أن المنظومة الإدارية تعمل بشكل صحيح، ووفق أعلى كفاءة، بما يحقق دعم ومساندة العملية الدعوية الرئيسية.
- إخضاع كل بنود المنظومة الإدارية بالعملية الدعوية لمفاهيم الجودة الشاملة بما يتناسب مع العملية الدعوية، بدءًا من الهياكل التنظيمية التي تخدم العمليات الرئيسية والمساندة، وانتهاءً بالوصف الوظيفي الصحيح، الذي يحقق الكفاءة لكافة القائمين على المنظومة الدعوية.
- التطوير الإداري على أسس واضحة، بما يتناسب مع أحدث مفاهيم الإدارة العالمية من خلال تفعيل مفاهيم الجودة الشاملة على المنظومة الدعوية بشقيها الإداري والدعوي.
- التحسين المستمر من خلال الرقابة الدائمة وحل نقاط عدم المطابقة.
- السيطرة على المشكلات والفساد الإداري الذي يصيب المؤسسة الدعوية في بعض الأحيان، ووضع آليات داخلية لعلاجها(1).
آثار ضعف الكفاءة الدعوية:
إن ضعف الكفاءة في المجال الدعوي يسبب الكثير من النتائج والآثار السلبية، ومن أبرز هذه الآثار:
(1) ضعف التنظيم والتخطيط:
وهو أمر بدهي، ونتيجة طبيعية؛ فضعيف الكفاءة، وقليل الخبرة أنَّى له أن يُخرِج عملًا دعويًا منظمًا، أو يجيد التخطيط للأنشطة الدعوية، وهذا الضعف في التنظيم والتخطيط يؤثر سلبًا على العمل، فيُفقده ثمرته المرجوة، ونتيجته المنتظرة، فقد يُفوِّض بعض الأعمال لمن ليسوا أهلًا لها، أو يُسند أعمالًا صغيرة لأفراد أصحاب همة عالية، وطاقة كبيرة، فيحرم العمل الدعوي من الاستفادة الكاملة منهم، أو يتأخر في البت في بعض القرارات، أو في البدء في بعض الأعمال المهمة، التي تخدم الدعوة، لكثرة انشغالاته، كذلك قد يكون هناك تدقيق أكثر من اللازم في قضايا روتينية، أو متابعة مفردات صغيرة جدًا لا يحتاج إلى متابعتها بنفسه؛ بل يمكن لآخرين متابعتها... إلخ.
إن أي عمل، مهما كان صغيرًا ومتواضعًا، لا يمكن أن يُكْتَب له النجاح ما لم يكن منظمًا، وكثيرٌ من الطاقات قد تُهدَر وتضيع في غياب التنظيم، بينما تفعل قلة منظمة فِعْلَ الأعاجيب.
(2) التجميد الدعوي:
ويُقصد بالتجميد الدعوي الاستغناء عن بعض العاملين في الدعوة، أو إقصاؤهم عن الأعمال التي كانوا يُثْرون بها الدعوة، ويسدون بها ثغرةً تحتاج الدعوة إلى من يسدها.
وهذا التجميد الدعوي، في ظل ضعف الكفاءة فيمن يتصدر للإدارة الدعوية، يكون سببه:
1- الفهم الخطأ:
ينتج في أحيان كثيرة من قلة ذكاء المستمع، أو ضعف علمه، أو قلة خبرته بالنفوس، أو ضعف فهمه لمرامي الكلام، أو ما قد يحمله الكلام لأكثر من معنى، وكل ذلك يعني ضعف كفاءة الداعية.
وصدق الشاعر حين قال:
وكم من عائبٍ قولًا صحيحًا وآفته من الفهم السقيم
2- سوء الظن:
فكم ضيع سوء الظن من جهود، وكم أهدر من كفاءات، فقد يرى الداعية غيره ممن يقوم بعمل أو جهد دعوي ما، فيبادر إلى إساءة الظن، وقذف التهم، التي تكون في غالبها مخالفة للحقيقة، ومغايرة للواقع.
وقد فات الدعوةَ خيرٌ كثير؛ بسبب عدم تطبيق المنهج الرباني العظيم، ألا وهو اجتناب سوء الظن، حيث يقول المولى تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الظن فقال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»(2).
3- عدم التثبت:
لقد كانت قضية التثبت من الأخبار، وما زالت، قضية محورية في مجال الدعوة إلى الله؛ بل وفي حياة المسلمين عمومًا، ذلك أن إهدار هذه القضية، وضعف العمل بها كثيرًا ما يوغر الصدور، أو يملأ بالحقد النفوس، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى سوء التصرف، أو حدة الردود.
وما التحييد الدعوي، وسياسة الإقصاء، إلا واحدة من تلك الثمار السيئة، والنتائج الخبيثة لهذه الآفة، آفة عدم التثبت التي حذرنا منها رب العالمين، فقال في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]، وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا»(3).
4- اتباع الهوى:
يُراد به السير وراء ما تميل إليه النفس مما لم يبحه الشرع، أو النزول على حكم العاطفة، من غير تحكيم للعقل أو الرجوع إلى شرع أو تقدير لعاقبة.
فاتباع الهوى يُعمي ويصم، ويقلب الحقائق، فيصبح المُصلح مفسِدًا، والمفسد مصلحًا، وعند غلبة الهوى لا ينفع العلم ولا المعرفة؛ بل إن صاحب الهوى يستخدم العلم والمعرفة لتأييد ما يهواه، ويسوغ انحرافه.
وقد ذكر الله تبارك وتعالى الهوى في معرض الذم فقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23].
وأمرنا بإقامة القسط والعدل وعدم اتباع الهوى فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:135].
وقد ذكر علي بن أبي طالب سبب ذم اتباع الهوى فقال: إنما أخشى عليكم اثنين: طول الأمل، واتباع الهوى، فإن طول الأمل يُنْسِي الآخرة، وإن اتباع الهوى يصد عن الحق(4).
5- بغض النقد:
فالمسئول أو المتصدر لعمل دعوي، إذا لم يتحلَ بسعة الصدر، وقبول النقد، واستيعاب الآراء التي تهدف لتصحيح المسار ودفع الدعوة إلى الأمام، فإنه يعمل على إسكات المخالفين أو إقصائهم عن العمل الدعوي، حتى يُريح باله، ويتخلص ممن يرى أنه لا يوافقه في كل ما يرى، حتى وإن كان سيؤدي اتباعه إلى ما لا يُحمد عقباه، ويُدخل الدعوة في دائرة المعاناة، فالرأي رأيه، والقول قوله، والكلمة كلمته، أما حق الاعتراض، أو إبداء الرأي، أو توجيه النقد البناء بالأسلوب المهذب، فإن ذلك ممنوع، وخروج عن القيادة غير مشروع.
6- ضيق الأفق:
وضيق الأفق هو ضعف أو خلل في البصيرة، يؤدي إلى حصر التفكير أو الرؤية في حدود ضيقة لا تتجاوز المكان والزمان، أو بعبارة أخرى: هو ضعف أو خلل في البصيرة يؤدي إلى رؤية القريب وما تحت القدمين فقط، دون النظر إلى البعيد، ودون تقدير الآثار والعواقب.
كيف نتجنب الوقوع في هذه المشكلة؟
يمكن للدعوة تجنب الوقوع في هذه المشكلة، مشكلة تصدر ضعيف الكفاءة في العمل الدعوي، عن طريق بعض الخطوات، منها:
- حسن انتقاء الإدارة:
لا يمكن النجاح للفريق إلا بوجود قيادة جيدة، وعليه فإن على الدعوة أن تُحسن انتقاء من تتوسم فيهم الأهلية للإدارة، أو تعلم مقدرتهم على القيادة.
ولو تأملنا في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، القائد المعلم، سنجد هذا الأمر بوضوح، فمثلًا: لمَّا مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه، وحضرت الصلاة، أمر أن يؤم الناسَ في الصلاة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومعلوم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد علَّق ابن رجب على ذلك فقال: «وكان قصد النبي صلى الله عليه وسلم تقديم أبي بكر على الناس في أهم أمور الدين؛ حتى تكون الدنيا تبعًا للدين في ذلك»(5)، وقال المباركفوري رحمه الله: «استدل به أهل السنة على خلافة أبي بكر رضي الله عنه»(6).
- المتابعة والتصحيح:
فعلى القيادة العليا في الدعوة أن تجتمع بمن أولتهم الأمور الدعوية، وتقف على طريقتهم، وتتعرف على أهم المشكلات التي يواجهونها، ورؤيتهم للحلول المناسبة، ثم تقوم بتقييم كل ذلك، وتصحيح ما يحتاج إلى تصحيح.
- الإعداد والتأهيل:
إن أي عمل تنظيمي يتطلب مجموعة من المهارات، يمكن لمن لديه الاستعداد أن يكتسب هذه المهارات، ويطبقها في أي عمل مؤسسي، يروم له النجاح، ويرجو له التقدم.
وعلى صعيد الدعوة، فإن المسئول لا بد أن يكون لديه هذه المهارات التي تؤهله لقيادة مجموعة عمل دعوي، وتناسب موقعه ومكانه؛ لكي يستطيع أن يُخرج عملًا دعويًا ناجحًا، ويتغلب على ما يواجهه من مشاكل وأزمات.
ومن أهم المهارات، التي ينبغي توافرها في الداعية، مهارات الحوار وسبل الإقناع، ومهارات إدارة الوقت وإدارة الأعمال، والتعامل مع التخصصات والمواهب، وإدارة الأزمات وحل المشاكل، وإدارة المواقف، واتخاذ القرار، وتكوين فريق العمل، وتحفيز الآخرين، والتفكير الإيجابي، والتخطيط والتنظيم.
- التوريث الدعوي:
وأقصد بالتوريث أن يقدِّم السابق للاحق خلاصة تجاربه، وعصارة خبرته في الحياة، ليبدأ اللاحق من نقطة انتهاء السابق، والملاحظ أن الهيئات الإسلامية والتجمعات الدعوية، الرسمية منها والشعبية، لا تكاد تلتفت إلى هذه القضية المهمة، فتجد المسئولين يغادرون مواقعهم، التي مكثوا فيها سنوات، فيأتي مَن لا خبرة له، أو صاحب الخبرة الضحلة، ليتولى مسئولية عمل لم يتقنه، أو لم يُحط به علمًا كما ينبغي، وهو إما أن يكون قد شارك في فريق ذلك المسئول عن العمل، أو أنه جديد تمامًا، وفي كلتا الحالتين فإنه قد ورث تركة ثقيلة، مدار إدارتها على تعاليمَ شفوية، في أكثر الأحيان، ليبدأ طريقًا طويلًا، يفتقد فيه الصلة بمن سبقه(7).
بصائر ومعالم في طريق الدعاة إلى الله تعالى للرفع من كفاءتهم وقدراتهم:
أولًا: الاستعانة بالله تعالى وإخلاص النية له، والتجرد من حظوظ النفس، فعلى المسلم الداعية أن يعزل الدعوة عن مصالحه الشخصية, هذا الإخلاص هو سر النجاح في الدنيا والآخرة, والله تعالى قد يقبل منا الجهد القليل، ولكنه لا يقبل إلا النية الخالصة له وحده.
ثانيًا: على المسلم الداعية أن يؤمن حقيقة بما يطرح من أفكار كي يؤمن معها الناس، وعليه أن يسقي أفكاره من دمعها، وأن يطعمها حرقة من قلبه حتى تنبت في القلوب؛ فالمحافظة على يقظة الفكر وعلى حضور القلب في كل كلمة شرط للمحافظة على حياة هذه الكلمة، وما جدوى كلام يخرج ميتًا؟ إنه لن يتبناه أحد؛ فالناس لا يتبنون الأموات .
ثالثًا: إن القيم المعصومة في القرآن والسنة, والسيرة المطهرة تمنح العقل المسلم رؤية واضحة للكون وللحياة، فالقرآن الكريم هو سجل الوجود, كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فالمنطلق من هاهنا، ولا أسلم للدعاة ولا أحكم من اتباع المنهاج القرآني في الدعوة؛ هذا المنهج الذي ركز على: الخوف من الله تعالى, الرجاء في الله واليوم الآخر, محبة الله تعالى ومحبة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم, التدبر العميق لآيات الله في القرآن، والتفكر في آيات الله المبثوثة في الآفاق والأنفس, العيش في ظلال السنة المشرفة، والسيرة النبوية المطهرة، باعتبارها الفترة المعصومة من تاريخنا التي طبقت فيها قيم القرآن والسنة.
وإن الحياة في ظلال الرسول حياة, واعتماد الدعاة هذا المنهج يوصلهم، بحول الله، إلى بناء إنسان مسلم، يكون هاديًا مهديًا، صالحًا في نفسه، مصلحًا لأمته، محبًا للخير والحق والجمال، متوازنًا عقديًا وفكريًا وروحيًا وحضاريًا(8) .
ولا بد من رفع الكفاءة وصنع القرار للتغلب على كل ما يعجز عن مواجهة الأحداث والمتغيرات المتلاحقة والمفاجئة؛ لإخراج الأمة من حافة الترهل والاسترخاء إلى حالة التصدي والمواجهة لأخطار إقليمية متوقعة عبر الخطوات الآتية:
- تكوين فريق عمل من أفضل الكوادر، والقيام بالتجهيزات، وتوفير الأدوات لمواكبة التخطيط السليم، وتزويدهم بحوادث مماثلة عبر التاريخ، وكيف استطاع من سبقهم تجاوز المرحلة.
- تخطيط لاستغلال الوقت أثناء الأزمات، والاستفادة منه في تخفيف أثر الأزمات المتلاحقة والمتعاقبة على الأصعدة كلها.
- رفع معنويات الدعاة بأنهم يملكون مفاهيم وعقائد لا يملكها غيرهم؛ مما يشعرهم بالحماس لتوظيفها في الحكمة والحنكة اللازمين لدعوتهم.
- الإبداع والتجديد لقراءة الساحة لتقديم حلول وأراء وفتاوى غير مسبوقة، وتحديد المشكلة وأسبابها، وطرائق الوقاية والعلاج في ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف.
- العمل على حصر المشكلات ودراستها دراسة حيادية، ويكون مرجعهم في ذلك الكتاب والسنة؛ للشعور بالطمأنينة والثقة بالله سبحانه بأن ديننا كامل، وقادر على إيجاد الحلول {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].
الاستخارة والمشاورة والإلحاح بالدعاء، والثقة بالله عز وجل أولًا وأخيرًا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].
وفي الحديث: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم»(9).
- عدم التقيد بما تمليه علينا بعض الأطروحات أو الضغوط لصب الآراء في مصلحة خاصة على حساب المصلحة العامة للمسلمين، والصدع بالحق ولو كان على أنفسنا.
- الإحساس بالمسئولية العظيمة الملقاة على الدعاة إلى الله، وبذل كل ما في وسعنا للحصول على مزيد من المعلومات والرغبة في النمو والتطور.
- والداعية هو مشارك أساسي في الإصلاح وبلورة النجاح، وهو يملك العلم والخبرة والذكاء والسرعة والبديهة والقدرة على التأثير والتفكير الإبداعي، والقدرة على حل مشكلات معقدة، والاستفادة من علوم الآخرين وخبراتهم، وينطبق عليهم قوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26].
- الداعية يملك الموازنة الموضوعية بين البدائل المتاحة، واختيار أقربها نفعًا لحل الأزمة، وتحقيق مصلحة العمل فيما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
- الداعية يملك القيام بالاستخارة والاستشارة، والتمسك بالقيم والمثل والأخلاق والسلوكيات الحسنة، والشجاعة في الصدع بالحق، والتفاؤل وعدم التشاؤم، فضلًا عن إيمانه بالقدر والقضاء: «ما أصابك لم يكن ليخطئك»(10).
- الداعية عنده العزيمة الأكيدة والعمل الدءوب، وعدم التخاذل والتردد، وعنده حسن التوكل على الله، والتعاون على البر والتقوى(11).
- لا بد من تطوير الداعية لقدراته ومواهبه، بالاكتساب والاستفادة من خبرات الآخرين، وذلك في مختلف المجالات اللازمة لنجاح الدعوة وشيوعها، وهو ما عنيت به مناهج الدعوة الإسلامية لتمكين الداعية من إيصال رسالته إلى كافة الناس، بمختلف الوسائل والأساليب الممكنة، ومراعية بذلك حالة التطور التكنولوجي، والتي تسهل على مستخدميها مخاطبة الآخرين والتأثير عليهم.
- إن قدرة الداعية البيانية والبلاغية من الأمور الهامة، التي تمكنه من إيصال فكرته التي يريدها دون خلل أو تحريف؛ لذا اهتمت نصوص الكتاب والسنة في العناية بهذه الوسيلة، مبينة أهميتها كي يسعى الدعاة بتطوير قدراتهم اللغوية، فيفهموا الناس ما يريدون إذا ما خاطبوهم أو وعظوهم، قال تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء:63].
يقول يحيى بن معاذ رحمه الله: «القلوب كالقدور في الصدور؛ تغلي بما فيها، ومغارفها ألسنتها، فانتظر الرجل حتى يتكلم؛ فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض، وعذب وأجاج؛ يخبرك عن طعم قلبه اغترافُ لسانه»(12)، ووصف ابن القيم اللسان بأنه: بريد القلب وترجمانه(13)، وقال في موضع آخر: «إذا أردت أن تستدل على ما في القلوب فاستدل عليه بحركة اللسان؛ فإنه يطلعك على ما في القلب، شاء صاحبه أم أبى»(14).
- ينبغي للداعية أن يجتهد في تطوير قدراته، وابتكار وسائل دعوية جديدة، مراعيًا الضوابط الشرعية التي وضعها العلماء، فلا يكون قانعًا بما لديه دون الجد في البحث عن جديد منها؛ كي يحقق أعلى درجات النجاح لدعوته، متأسيًا في ذلك بمنهج الأنبياء عليهم السلام، واستخدامهم العديد من وسائل الدعوة، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام:90].
إن تعليم مهارات التفكير الإبداعي للدعاة، وتدريبهم عليها، هو بمثابة تزويد الداعية بالأدوات النقدية، والمهارات العقلية التي يحتاجها؛ حتى يتمكن من التعامل بفاعلية مع هذه المتغيرات أو المواقف الدعوية المختلفة، وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي قد تعترض سبيل دعوته؛ مما له دور في الأهم في إصلاح شأن الدعاة، وتصحيح مسيرتهم، وتعضيد جهودهم.
________________
(1) الهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء، موسوعة ويكيبيديا.
(2) رواه البخاري (5143)، ومسلم (2563) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه أبو داود (4972).
(4) الزهد والرقائق، لابن المبارك، ص86.
(5) فتح الباري، لابن رجب (6/ 69).
(6) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 94).
(7) مشكلات في طريق الدعوة، موقع الفرقان.
(8) بصائر للداعيات إلى الله، موقع: صيد الفوائد.
(9) أخرجه الترمذي (3573).
(10) أخرجه أبو داود (4699).
(11) دور الداعية في إدارة الأزمات، موقع: الفرقان.
(12) حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني (10/ 63).
(13) الفوائد، لابن القيم، ص106.
(14) الجواب الكافي، لابن القيم، ص139.