تصحيح عقيدة الولاء والبراء في نفس الداعية
إن المتأمل في كتاب الله عز وجل، وفي واقع الدعوة إلى الله عز وجل، يرى أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الدعوة إلى الله تعالى، وبين عقيدة الولاء والبراء في نفس الداعية.
فكلما قويت الدعوة وقوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الداعية المخلص لربه، كلما قويت هذه العقيدة في نفسه، وظهرت بشكلٍ واضحٍ في حياته ومواقفه، ومحبته وعداوته؛ حتى يصبح على استعداد أن يهجرَ وطنهُ وأهله وماله إذا اقتضى الأمر ذلك.
بل إن هذه العقيدة لتبلغ ذروة السنام في قلب الداعية ومواقفه، وذلك في جهاد أعداء الله ولو كانوا أقرب قريب؛ قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
أي: يتناصرون ويتعاضدون، كما جاء في الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه (1) وفي الصحيح أيضًا: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (2).
قال القرطبي: قوله تعالى: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي: قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف (3).
واعلم أن الولاية ضد العداوة، وقد ذكرنا فيما تقدم أن الأصل في لفظ الولاية القرب، ويتأكد ذلك بأن ضد الولاية هو العداوة، ولفظة العداوة مأخوذة من عدا الشيء إذا جاوز عنه.
واعلم أنه تعالى لما وصف المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض، ذكر بعده ما يجري مجرى التفسير والشرح له فقال: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله فذكر هذه الأمور الخمسة التي بها يتميز المؤمن من المنافق، فالمنافق على ما وصفه الله تعالى في الآية المتقدمة (4).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [لأنفال: 72].
الولاء معناه المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء أمر قلبي في أصله.. لكن يظهر على اللسان والجوارح.. فالولاء لا يكون إلا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين كما قال سبحانه: {إنَّمَا ولِيُّكُمُ اللهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا} فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والإشفاق عليهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم وتشييع ميتهم ومواساتهم وإعانتهم والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء.
والبراءة من الكفار تكون: ببغضهم -دينًا- وعدم بدئهم بالسلام وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم –شرعًا- وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم (5).
قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} [آل عمران: 28- 29].
وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين، وتوعد على ذلك فقال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} أي: فقد انقطع عن الله، وليس له في دين الله نصيب، لأن موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان، لأن الإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فمن والى الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله ويفتنوا أولياءه خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم، والميل إليهم والركون إليهم، وأنه لا يجوز أن يولى كافر ولاية من ولايات المسلمين، ولا يستعان به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين (6).
بين عالم الواقع والقلوب:
حفظ العقيدة المجرد لا ينفع صاحبه، إلا أن يمارسه في الواقع ويتذوق معنى الولاء والبراء، ويمارس الأمر بما أمر الله والنهي عما نهى؛ ليجد صلاح قلبه بأثر ذلك، وإلا وهَن منه القلب والحال فللحب علامات، وهذا درب المحبين.
فما من داعية فترت همته وضعف نشاطه، ومال إلى الدنيا وأهلها؛ إلا كان الضعف في عقيدة الولاء والبراء مصاحبًا لذلك ويستمر الضعف والتنازل تبعًا لضعف الاهتمام بشأن هذا الدين، حتى يصل إلى مستوى بعض العامة من الناس الذين لا هم لهـم إلا الدنيا ومتاعها الزائل، ولو نوزع في شيء من دنياه لهـاج ومـاج، أما أمر دينه ودعوته فلا مكان لذلك عنده.
فمثل هذا تصبحُ عقيدة الولاء والبراء في قلبه ضعيفة ورقيقة، سرعـان ما تهتـز أو تزول عند أدنى موقف.
ولعل في هذا تفسيرًا لتلك المواقف المضادة للعقيدة؛ والتي نراها من أولئك البعيدين عن الدعوة، كتلك المواقف التي تظهر فيها أثر القوميات والوطنيات والقبليات على نفوس هـؤلاء اللذين يعقدون ولاءهم وبراءهم، وحبهم وعداوتهم على هذه الرايات الجاهلية وليس على عقيدة التوحيد والإسلام.
يقول العلامة أبو الوفاء بن عقيل: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري -عليهما لعائن الله- ينظمون وينثرون كفرًا ... وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب (7).
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله.. ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقانًا بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (8).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فكان يقول لبعضهم: «أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين» (9).
تفاعل قلب وليس حفظ عقل:
والحاصل أن عقيدة الولاء والبراء ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في الذهن المجـرد؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة وجهاد، ومحبة وكره.
فهي تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدة في الذهن المجرد، سرعان ما تزول وتضمحل عند أدنى موقف ومحك، فإن أردنا أن تقوى هذه العقيدة العظيمة في نفوسنا، فهذا هو طريقها: طريق الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكلَّما ابتعد الداعي عن هذه الأعمال مؤْثرًا الراحة والدعة، فهذا معناهُ هشاشة هذه العقيدة وتعرضها للخطر والاهتزاز، ولا غرابة في ذلك، فإن الإيمان كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية (10).
والولاء والبراء من أخص خصائص الإيمان، فهو يزيد بالعمل الصالح والذي من أفضلهِ الدعوة إلى الله تعالى، وينقص بالمعصية؛ والتي منها ترك واجبِ الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا شك أن المسلم يعيش في بيئته، ويحتك بمن حوله، فمنهم المسلمون ومنهم غير ذلك، والمسلمون ليسوا على حال واحدة؛ فمنهم الملتزمون، ومنهم العصاة والفسقة، ولا بد لهذا المسلم أن يميز بين الأعمال، والسلوكيات، والأفكار، والمعتقدات، التي يمكن أن يواليها ويرتضيها من تلك التي يجب أن يتبرأ منها، وفي كل الأحول فإن المسلم إن والى فإنما هو يستجيب لنصوص كثيرة في نصرة الحق، وإن تبرأ فهذا يجعل في عنقه واجب القيام بالدعوة والإصلاح، وليس له الحق في محاسبة الناس {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].
إن ميدان تطبيق الولاء والبراء بين المسلمين هو من خلال التزام المسلمين بالشرع الإسلامي والعقيدة الصحيحة وإذا تم تجاوز هذين الأمرين فإن المسلم يبرأ من تصرفات وسلوكيات المسلم الآخر في هذا الجانب فقط وتبقى لهم المحبة والنصرة كونهم مسلمين.
أمثلة للبراء من أخطاء المسلمين:
جاء في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه: «إنك امرؤ فيك جاهلية!» (11) هذا وهو أبو ذر في سابقته وصدقه وجهاده، وهذه الجاهلية تستوجب التبرؤ منها، ودعوة صاحبها للعودة عنها، وهو ما حصل عندما اعتذر سيدنا أبو ذر من سيدنا بلال.
كذلك فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيًا إلى الإسلام، فلما رأى بنو جذيمة الجيش بقيادة خالد أخذوا السلاح، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا، فقام رجل منهم يسمى جحدرًا فقال: ويلكم يا بني جذيمة! إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدًا.
فلم يزالوا به حتى وضع سلاحه، فلما وُضع السلاح أمر بهم خالد فكتفوا، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ فيهم أسرًا وقتلًا، فأنكر عليه بعض أصحابه ذلك، ثم دفع الأسرى إلى من كان معه، حتى إذا أصبح يومًا أمر خالد أن يقتل كل واحد أسيره، فامتثل البعض، وامتنع عبد الله بن عمر وامتنع معه آخرون من قتل أسراهم، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه، فغضب ورفع يديه إلى السماء قائلًا: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» (12).
إذن: تبرأ النبي عليه الصلاة والسلام من السلوك الخطأ.
وتأمل ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية مقدَّم المغول بولاي، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة. قال: وجرت بيني وبينه، وبين غيره مخاطبات؛ فسألني فيما سألني: ما تقولون في يزيد بن معاوية؟ فقلت: لا نسبه، ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلًا صالحًا فنحبه، ونحن لا نسب أحدًا من المسلمين بعينه فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالمًا؟ أما قتل الحسين؟ فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله: نقول كما قال الله في القرآن: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] ولا نحب أن نلعن أحدًا بعينه؛ وقد لعنه قوم من العلماء؛ وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد؛ لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن.
وأما من قتل الحسين، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفًا، ولا عدلًا (13).
فإن الإنسان يستحق من البغض والمعاداة بقدر ما فيه من الشر، ويستحق من الحب والموالاة بقدر ما فيه من الخير؛ ولذلك فمن ثبت في حقه فسق، أو فجور، أو ظلم، فإنه يجب أن يبغض بقدر ذلك، وإن كان مسلمًا.
وأما الولاء والبراء مع غير المسلمين:
فإن المسلمين يتبرؤون من اعتقاد غير المسلمين من أصحاب الديانات والعقائد؛ لأنها مخالفة لدين الإسلام، وهذا التبرؤ لا يتناقض مع مبدأ السماحة التي طلبها الإسلام في حسن المعاشـرة، ولـطف المعاملة، ورعـاية الجوار، وهي الأمور التي تحتاج إليها الحيـاة اليوميـة، فمثلًا تتجلى هذه السماحة في مثل قول القرآن في شأن الوالدين المشركين اللذين يحاولان إخراج ابنهما من التوحيد إلى الشرك: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
ونتذكر موقف سيدنا سعد بن أبي وقاص من أمه، حيث نزل فيه وفي أمه حمنة بنت أبي سفيان قول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].
حيث كان بارًا بأمه، فقالت له أمه: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمه! ثم إنها مكثت يومًا وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت قد جهدت ثم مكثت يومًا آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه: لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني، فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله هذه الآية وأمره بالبر بوالديه، والإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في الشرك لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (14).
قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، وأما إذا كان هذا الكافر محاربًا لنا فتجوز محاربته، والتبرؤ منه ولو كان ذا قربى، ومثال ذلك قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
قال أهل العلم: نزلت في أبي عبيدة عامر بن الجراح حين قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وفي أبي بكر حين دعا ابنه للمبارزة يوم بدر، وفي عمر حيث قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر وفي علي وحمزة حين قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبه يوم بدر وقيل غير ذلك من الأسباب (15).
لماذا البراء من الكفار؟
والجواب على هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
أولًا: نتبرأ من الكفار لأن الله عز وجل أمرنا بذلك في كتابه ورسول الله صلى الله عليه وسلم أرشد إليه في سنته كما في النصوص السابقة وغيرها كثير.
ثانيًا: لأنهم أعداء لله محادين له سبحانه وعدو الله عز وجل عدوٌ للمؤمنين قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية.
ثالثًا: لأن ألله أخبرنا أنهم يضمرون العداوة والبغضاء والكراهية للمؤمنين قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ... } [البقرة: 217] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].
رابعًا: لأنهم يصرحون بعدائهم للإسلام والمسلمين على لسان ساستهم ومفكريهم:
يقول بن غريون رئيس وزراء إسرائيل سابقًا: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي حتى ننتصر عليهم.
ويقول لورنس بران: إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي ويقول: لكننا وجدنا الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته المدهشة.
ويقول سالازار: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيروا نظام العالم.
ولأنهم ترجموا تلك الأقوال إلى واقع عملي فأفرغوا ما في قلوبهم من البغض والكراهية والحقد والكيد للإسلام والمسلمين على بلاد المسلمين فأخذوا يبطشون بالمسلمين في كل مكان بل ويرتكبون ضدهم أبشع الجرائم من تقتيل وتشريد وحرق وتدمير ضرب بالصواريخ والدبابات والمروحيات حتى الأسلحة المحظورة دوليًا فهي مباحة إذا كان المستهدفون هم المسلمون وصدق عليهم قول من قال:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
ماذا فعل النصارى بالمسلمين في البوسنة والهرسك وماذا فعلوا بهم في كوسوفا وماذا فعلوا بهم في الصومال وماذا فعلوا ويفعلون بالمسلمين في الإيغور ماذا يفعل الروس بالمسلمين في الشيشان وماذا فعل اليهود والنصار ويفعلون بالمسلمين في أرض فلسطين (16).
------------
(1) أخرجه البخاري (2446) ومسلم (2585).
(2) أخرجه مسلم (2586).
(3) تفسير القرطبي (8/ 203).
(4) تفسير الرازي (16/ 100).
(5) كلمات في «الولاء والبراء»/ مجلة البيان (العدد: 51).
(6) تفسير السعدي (ص: 128).
(7) الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 237).
(8) رسالة أوثق عرى الإيمان (ص: 38).
(9) أخرجه النسائي (4177).
(10) عقيدة الولاء والبراء/ منتديات الطريق إلى الله.
(11) أخرجه البخاري (30).
(12) أخرجه البخاري (4339).
(13) مجموع الفتاوى (4/ 487).
(14) أخرجه الطبراني في الكبير (381).
(15) الولاء والبراء - حقيقة المفهوم وكيفية الإسقاط/ رابطة العلماء السوريين.
(16) لماذا البراء من الكفار/ صيد الفوائد.