logo

دور المنظمات الخيرية في الدعوة إلى الله


بتاريخ : الاثنين ، 4 ربيع الآخر ، 1438 الموافق 02 يناير 2017
بقلم : تيار الاصلاح
دور المنظمات الخيرية في الدعوة إلى الله

إن الدعوة الإسلامية تعيش في منحنى خطير، فالأعداء متربصون بها من كل جانب، وقد نجحوا في تطويق ديار الإسلام واحتوائها كالأخطبوط، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، والإسلام في هذا العصر أشبه ببيت شب فيه حريق هائل، فلا يعقل أن يترك أصحاب المنزل الحريق يدمر كل شيء ويتبادلون الاتهامات حول من أشعل الحريق، ولكن الواجب أن يبادر كل فرد ليطفئ ما يستطيع من لهب تلك النار، التي لا تبقي ولا تذر.

ولقد لاقت الجمعيات الخيرية رواجًا كبيرًا في مختلف أرجاء العالم، فقد استطاعت هذه الجمعيات تطوير أعمالها لتشمل كافة المجالات الصحية والعلمية والمجتمعية؛ كالجمعيات التي تكافح الفقر والبطالة، والتي تهتم برعاية الأيتام ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة واللقطاء، ومنها ما يكافح الأمية، ومنها ما يعمل على تنمية القدرات والمهارات، ودعم المشاريع الاقتصادية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والاهتمام بالمرأة وحقوقها والطفل وحقوقه، والكثير من الأنواع المختلفة لأشكال الأعمال الخيرية.

إن إقامة الجمعيات الخيرية الإسلامية يعدُّ من الأعمال الجليلة؛ لما لها من نفع متعدٍّ للمسلمين، ضعفائهم، وفقرائهم، وإن إعانة هؤلاء وتفريج كرباتهم لهو من الأعمال الجليلة في شرع الله تعالى؛ لما لها من أجور جزيلة.

عن عمر أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, أي الناس أحب إلى الله, وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس, وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم, أو تكشف عنه كربة, أو تقضي عنه دينًا, أو تطرد عنه جوعًا، ولَأَن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا في مسجد المدينة, ومن كف غضبه ستر الله عورته, ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه؛ ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة, ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام»(1).

ومما يؤكد أهمية العمل الخيري ذلكم الربط العجيب بين فعل الصلاة وفعل الخير، حيث يقول الله تعالى موبخًا أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)} [المدثر:42-44]، يعني: أضعنا حق الله بإضاعة الصلاة، وأضعنا حق المسكين بعدم إطعامه.

فالإسلامُ لا يكتفي بالدعوة إلى إطعام المسكين؛ بل إنه يحض على إطعام المسكين، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)} [الماعون:1-3]، وقال تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)} [الفجر:17- 18]، وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)} [الحاقة:33-34].

وردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على أعمال البر المختلفة، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة:177].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني»(2).

وقد وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم مفهوم البر والخير المادي إلى مفهوم معنوي أشمل لكل ما يملكه الإنسان من طاقات وقدرات وإمكانات، جسمية أو عقلية أو معنوية، كما في صحيح البخاري رحمه الله: أن فقراء الصحابة جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور [الأغنياء] بالأجور، يصومون كما نصوم، ويصلون كما نصلي، ويتصدقون بفضول أموالهم وليس عندنا أموال نتصدق منها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به، إنه بكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة»(3).

فمن كان من الجمعيات الخيرية قائمًا على مثل هذه المشاريع النافعة فإنه يُعان ويشجع عليها؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2].

والجمعيات الخيرية ليست كلها سواء من حيث المنهج والاعتقاد؛ بل منها ما هو حزبي جلد، تتعصب لحزبها، ومنها ما يتبنى أفرادها اعتقادًا فاسدًا؛ كالأشعرية، والتصوف.

والموقف من الأولى يختلف عنه من الثانية، ففي حال كانت الجمعية حزبية، والحزب في إطاره العام من أهل السنَّة، فإنها تُعان على ما فيه خدمة للإسلام، ولا تعان على ما فيه نشاط لحزبها وجماعتها، وأما الجمعيات التي يقوم عليها أصحاب اعتقاد فاسد فينبغي هجرها، وأن يقوم أهل السنَّة بإنشاء جمعية مستقلة خاصة بهم.

وفي فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»(4).

ففي تخصيص بيت أبي سفيان شيء يُشبع ما تتطلع إليه نفس أبي سفيان، وفي هذا تثبيت له على الإسلام، وتقوية لإيمانه، وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملًا على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان، وبرهن له بأن المكانة التي كانت له عند قريش لن تنتقص شيئًا في الإسلام، إن هو أخلص له، وبذل في سبيله، وهذا منهج نبوي كريم، على العلماء والدعاة إلى الله أن يستوعبوه، ويعملوا به في تعاملهم مع الناس(5).

ظاهرة انتشار الجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي بشارة حسنة، تعطي انطباعًا بأن الوعي بالمسئولية تجاه المجتمع أصبح ينتشر، وأن الجهود بدأت تنصهر من أجل إشاعة عمل الخير الذي يسعى إليه كل إنسان سويّ، صاحب ضمير حي وقلب سليم؛ لما يترتب عليه من إغاثة الملهوفين، ومساعدة المعوزين، وإرشاد التائهين، ودفع الأذى عن المتضررين، ورسم الابتسامة على وجوه الأطفال المحرومين من العطف والحنان.

ولكون العمل الخيري يجلب لصاحبه المثوبة الجزيلة والمحبة من الخالق جل جلاله؛ {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]؛ فلا غرابة إذًا مما نشاهد اليوم من ازدياد للمنظمات الأهلية في البلدان الإسلامية، التي تسعى إلى تكريس العمل الخيري، سواء تعلق الأمر بتوجهه الرعائي أو التنموي، ومن أهمها جمعيات تدريب وتأهيل، ومنح قروض، وإقامة مشروعات صغيرة، وجمعيات ذات توجه نحو محاربة الأمية والنهوض بالتعليم، وأخرى تسعى إلى تأهيل المرأة، وإلى التوعية والدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية.

وهناك عائق كبير وتحد جسيم أمام هذه المنظمات، يتمثل في كونها كلما يتسع مجال عملها وتنتشر ويعم نفعها تبدأ مضايقتها بغلق الأرصدة، وتكال لها التهم التي لا أساس لها، وهذه المضايقات، الصادرة من الغرب أساسًا، إنما هي محاولات دنيئة للوقوف أمام العمل الخيري الإسلامي، وعرقلة أداء الجمعيات الخيرية الإسلامية، من أجل إرباكها وإضعافها، وهو أمر لن يكون إن شاء الله؛ ذلك أن عزيمة الرشد، التي يتحلى بها القائمون على الجمعيات الخيرية الإسلامية، تنبع من إيمانهم القوي بفعل الخير الذي يكرسه الإسلام، دين الرحمة والتسامح، دين المحبة والمودة والتعاطف والحنان والبذل.

وبما أن العمل الخيري عمل إنساني، يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع من خلال إيصال الخير للفقراء والمحتاجين، والمرضى على اختلاف أمراضهم ومعالجاتهم، وتقديم المفيد لتطور المجتمع؛ فعلى المجتمع الإسلامي توفير الجو المناسب لتشجيع هذه المنظمات، وعلى حكومات البلدان الإسلامية اضطلاعها بمسئولياتها تجاه شعوبها، بإعطاء عناية أكبر لهذه المنظمات، والدفاع عنها، وتذليل الصعاب أمام العمل الخيري الذي تقوم به المنظمات التي تتدخل ابتغاء مرضاة الله جل جلاله، ووفقًا لسنة رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مع أخذ الحيطة من الجمعيات الخيرية التنصيرية، التي تبتغي من وراء عملها الاحتيال على المجتمع المسلم، وتقوده إلى الهلاك في الدنيا والآخرة(6).

ورغم ملاحظة ازدياد النتائج الإيجابية الملموسة للجمعيات الخيرية الإسلامية، فلا يزال دورها قاصرًا عن بلوغ الأهداف المرجوة لأسباب، منها:

1- عدم التنسيق بين المنظمات الخيرية الإسلامية.

2- عدم رسم خريطة موحدة للمحتاجين من أجل تدخل هادف ومتكامل وسليم.

لم تعد الحملة الشرسة على الإسلام والمسلمين في العالم تحتاج لدليل أو برهان, فالواقع المعاصر ينطق بهذه العداوة بفصاحة وبيان, والأحداث اليومية الدامية ضد المسلمين، في كل مكان من هذا العالم, تنبئ عن خروج هذه العداوة الغربية العلمانية عن عباءة التستر بالشعارات الكاذبة, إلى التصريح والمجاهرة والعلن.

ولم تقتصر هذه العداوة على المسلمين في العالم الغربي غير المسلم؛ بل تعدته إلى البلاد العربية والإسلامية.

وكعادة الغرب في تعامله مع التيار الإسلامي منذ عقود من الزمان, فإن العنف والقوة ومصادرة الحريات هو سلاحه الأهم في معركته مع المسلمين, بعد هزيمته الحالية والتاريخية أمامهم ديمقراطيًا وحضاريًا, ولعل ما يحدث في مصر ترجمة حقيقية لما سبق, فبعد فشل العلمانيين في الفوز بأي استحقاق برلماني أو رئاسي, لم يجدوا إلا الطريقة الغربية الأخيرة للتعامل مع الإسلاميين, والتي لم تكتف باستهداف قادة التيار الإسلامي واعتقالهم؛ بل تعدته إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية, التي تتحمل عبئًا كبيرًا عن الدولة المصرية في مساعدة الفقراء والمساكين وعلاج المرضى والمصابين.

ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحرب على الجمعيات الخيرية الإسلامية, فتح الباب على مصراعيه للجمعيات النصرانية كبديل عن الجمعيات الإسلامية، التي صدر بشأنها قرار تجميد أموالها مؤخرًا.

وقد أكد خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية، أن نحو ربع مليون أسرة مصرية معرضون لخطر اللجوء للجمعيات القبطية، المتهمة بالقيام بأعمال أخرى في الخفاء؛ مثل التنصير, مؤكدًا رصد عدة حالات تنصير في عدة محافظات مصرية، إنها السياسة الغربية المعادية للإسلام والمسلمين، التي لم تتغير منذ عقود, التي تجعل من حاجة المسلمين الماسة إلى لقمة العيش والغذاء والدواء وسيلة للمساومة على الدين والعقيدة, وتحقيق المصالح الغربية المادية المقيتة.

ومن هنا يمكن فهم حرص الغرب الشديد على إبقاء الفقر مخيمًا على معظم بلاد المسلمين(7).

أهمية المنظمات الخيرية:

يجب أن نشير إلى أهمية المنظمات بصفة عامة في المجتمع، فالمنظمات لها تأثير واسع في حياتنا، سواءً أكان ذلك بإرادتنا أو للضرورة الاجتماعية، كما أنها، أي المنظمات، هي القواعد التي يستند إليها في تطوير المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا، وتنبع أهميتها من عدة أمور، هي:

(1) أنها هي حجر الأساس في المدنية الحديثة، كونها تمثل عنصر التطوير والتحديث في المجتمع.

(2) أنها هي الوحدات التطويرية الأساس في إثراء البشرية وتقدمها؛ لكونها المستخدم والموزع للمصادر والموارد والابتكارات بشكل يؤدي إلى إشباع الرغبات الإنسانية بشكل واسع.

(3) أنها هي القائدة لعمليات التغيير والرائدة فيها؛ لأنها تقود عمليات التغيير المجتمعي والحياتي.

(4) كونها تشكل تأثيرًا كبيرًا على المجتمع بصفة عامة وسلوكيات أفراده؛ لأنها وسيلة إشباع الرغبات والحاجات الإنسانية والاجتماعية.

(5) من خلال الخدمات التي تقدمها المنظمات الخيرية للمجتمع وأفراده، وهي كبيرة جدًا، وتساهم في قيام المجتمعات واستقرارها ونموها لمستوى مرموق، كما يقال: إن تشجيع وتبني المنظمات غير الربحية، المستقلة في القطاع الاجتماعي، تعتبر خطوة هامة من أجل تغيير أسلوب الحكومة وجعلها تعمل من جديد.

مساهمة المنظمات الخيرية في بناء المجتمعات:

تساهم المنظمات الخيرية في بناء المجتمعات وتطويرها ورقيها وتقدمها، من خلال قيامها بالأمور التالية:

(أ) إكمال جوانب القصور في القطاع الحكومي وفي الخدمات التي تقدم للمجتمع، سواء أكانت خدمات اجتماعية أو صحية أو علمية أو ثقافية أو ترفيهية أو غير ذلك.

(ب) إتاحة المجال لأفراد المجتمع للمساهمة الفعالة في حل مشاكل المجتمع، من خلال قنوات واضحة وصحية وسليمة؛ مما يساعد على تماسك المجتمع، ووجود الألفة بين أفراده، وشعورهم بالانتماء إليه.

(ج) قدرتها على كسب رضا المجتمع، وإثارة حماسه أكثر من المنظمات الحكومية الأخرى أو الأهلية؛ وذلك لكونها لا تستهدف الربح؛ مما يعطي لها مصداقية خاصة.

(د) استغلال أوقات وطاقات وأموال المجتمع بما يعود عليه بالخير والنفع، بدلًا من هدرها فيما لا نفع فيه، ويتم ذلك بأسلوب مؤسسي منظم، يعطي أكبر عائد لهذه الأموال والجهود والطاقات، ويشعر فيه الفرد بأن عمله مقدر من المجتمع بشكل عام.

(هـ) تعطي قوة داخلية للمجتمع من حيث التماسك والحيوية والانتماء، وتساعده وتعينه على أن يكون كتلة واحدة ضد أي عدو يتربص به، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(8)، إن ما تقدمه المؤسسات غير الربحية للمتطوعين لديها قد يكون أكثر أهمية مما تقدمه لمتلقي الخدمات التي تقدمها.

(و) تحافظ المنظمات الخيرية على المواطنة، وعلى مسئوليات وحقوق المجتمع المدني، وبذلك تمثل المواطنة، وتمثل أيضًا الاعتزاز المدني الذي هو غاية الجماعة، فهي المجال الوحيد الذي يمكن أن يتم فيه إشباع حاجة المواطنة؛ حيث يستطيع الأفراد أن يساهموا فيه.

مساهمة المنظمات الخيرية في بناء الفرد:

(أ) تمكن الفرد من الحصول على الفضائل المترتبة على الصدقة، وتيسير ذلك له عبر مؤسسات موثقة.

(ب) تخلق الشعور بالرضا والطمأنينة والسعادة والراحة لدى الفرد، وهذه نعمة من الله لمن أخلص النية لله، وقصد مرضاته وحده.

(ج) إعانة الأفراد على تحقيق الأهداف التي يريدونها من خلال عمل مؤسسي، ومن خلال التعاون بينه وبين أفراد المجتمع.

(د) مساعدة الفرد المتصدق بالمال أو الجهد والوقت على معالجة الشح والأنانية من نفسه، وتدريب نفسه تدريبًا عمليًا على ذلك، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، فما تقدمه المؤسسات غير الربحية للمتطوعين لديها قد يكون أكثر أهمية مما تقدمه لمتلقي الخدمات التي تقدمها.

(هـ) فتح مجالات للعمل التطوعي للأفراد لخدمة المجتمع، وهذا ما يساعدهم على استغلال طاقاتهم وأوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع، وعلى مجتمعهم بالنماء والرقي(9).

معوقات العمل التطوعي:

يواجه العمل التطوعي المؤسسي، شأنه في ذلك شأن كافة الأعمال، عقبات تحد من فاعليته، ونبين تلك العقبات ونعرض لها فيما يلي بإيجاز:

(أ) المعوقات المتعلقة بالمتطوع:

- الجهل بأهمية العمل التطوعي.

- غياب الإخلاص لله تعالى، وظهور حظوظ النفس.

- السعي وراء الرزق، وعدم وجود وقت كاف للتطوع.

- العزوف عن تحمل المسئولية.

- تعارض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة؛ مما يفوت عليه فرصة الاشتراك في العمل التطوعي.

- بعضهم يسعى لتحقيق أقصى استفادة شخصية ممكنة من العمل الخيري، وهذا يتعارض مع طبيعة التطوع المبني على الإخلاص لله.

- استغلال مرونة التطوع إلى حد التسيب والاستهتار.

(ب) معوقات متعلقة بالمنظمة الخيرية:

- عدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين، تهتم بشئونهم، وتعينهم على الاختيار المناسب حسب رغبتهم.

- عدم الإعلان الكافي عن أهداف المؤسسة وأنشطتها.

- عدم تحديد دور واضح للمتطوع وإتاحة الفرصة للمتطوع لاختيار ما يناسبه بحرية.

- عدم توافر برامج خاصة لتدريب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل.

- عدم التقدير المناسب للجهد الذي يبذله المتطوع.

- إرهاق كاهل المتطوع بالكثير من الأعمال الإدارية والفنية.

- المحاباة في إسناد الأعمال، وتعيين العاملين من الأقارب من غير ذوي الكفاءة.

- الإسراف في الخوف، وفرض القيود إلى حد التحجر، وتقييد وتحجيم الأعمال.

- الخوف من التوسع خشية عدم إمكان تحقيق السيطرة والإشراف.

- الخوف من الجديد ومن الانفتاح والوقوع في أسر الانغلاق.

- اعتبار أعمال الجمعية من الأسرار المغلقة التي يجب عدم مناقشتها مع الآخرين.

- تقييد العضوية أو الرغبة في عدم قبول عناصر جديدة، فتصبح المنظمة حكرًا على عدد معين.

(ج) معوقات متعلقة بالمجتمع:

- عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، فثقافة التطوع متدنية بشكل كبير في كثير من المجتمعات العربية.

- اعتقاد البعض التطوع مضيعة للوقت والجهد وغير مطلوب.

- عدم بث روح التطوع بين أبناء المجتمع منذ الصغر.

- عدم وجود لوائح وتنظيمات واضحة تنظم العمل التطوعي وتحميه(10).

بعض الإشكاليات المتعلقة بالعمل التطوعي:

المشكلة الأولى: العلاقة بين المتطوعين والموظفين الرسميين، حيث يشعر الموظفون الرسميون (مدفوعو الأجر) أن وظيفتهم، ومرتباتهم، وساعاتهم الإضافية مهددة عند استخدام المتطوعين، كما أن كون المتطوع مدفوعًا للقيام بالأعمال التي له اهتمام بها فقط؛ بالتالي سيجد الموظفين الرسميين أن حجم العمل ونوعية الإحالات والمعاملات بدأت تتغير، ويصبح هناك تكدس لنوعية معينة من المعاملات.

كما أن دور المتطوعين داخل المؤسسة إذا لم يحظ بقبول وموافقة من الموظفين الرسميين، فإننا سنتوقع أن الاستفادة المثلى من المتطوعين ستحجم كثيرًا.

هناك كثير من الانتقادات التي توجه لعمل المتطوعين، ولكن معظم هذه الانتقادات إما مبنية على آراء شخصية، أو أنها غير مبنية على أدلة واقعية، إن الاتجاه السليم للحد من هذه المشاكل يكمن في الاختيار السليم للمتطوع من خلال وسائل وطرق علمية سليمة، وتحديد المهام والواجبات بوضوح، هذا بالإضافة إلى تدريب المتطوع وتهيئته للعمل، والإشراف المستمر عليه أثناء تأدية العمل، هذه الأمور يؤمل أن تحد من الأمور السلبية والمخاطر المصاحبة لأي برنامج تطوعي جديد.

المشكلة الثانية: العلاقة بين المتطوعين والعملاء، إنه من المعروف أن علاقة المتطوع بالعميل تتسم بجودتها؛ حيث إن المتطوع يتخطى كل حدود البيروقراطية في التعامل، كما يتحول مبدأ الواجب لدى الموظف الرسمي إلى مبدأ الرعاية والاهتمام، وبالتالي فإن العلاقة بين المتطوع والعميل تكون في أحسن صورها ونوعيتها.

ولكن هناك مشكلة لا بد من الإشارة لها، خصوصًا في بعض المجتمعات التي تمتاز بالعنصرية، حيث نتوقع أن تكون العلاقة بين المتطوع والعميل مرتبطة بما هو سائد في المجتمع العام من ممارسات وتمييز في المعاملة، فقد تشوب العلاقة بين المتطوع والعميل أو الخدمة المقدمة شيء من التميز أو التمييز، فقد يكون التحيز في تقديم الخدمات للفئة أو القبيلة التي ينتمي إليها المتطوع، أو يحرم بعض فئات المجتمع من الحصول على الخدمة نظرًا للتمييز الممارس ضدهم، نظرًا للمعتقد أو العرق أو الجنسية، ولحل هذه المشكلة يلزم الحصول على تمثيل متكافئ لفئات المجتمع المختلفة في العمل التطوعي، إلا أن ذلك يعد أمرًا صعبًا ومشكلة قديمة.

المشكلة الثالثة: تعتبر مشكلة مكانية؛ حيث تمتاز بعض المناطق المحتاجة للخدمات التطوعية بقلة المتطوعين، بينما في المقابل نجد كثرة منهم في مناطق أخرى أقل حاجة، كما أنه من الصعوبة نقل المتطوع من منطقة للعمل في منطقة أخرى، حيث إنه متطوع وليس موظفًا رسميًا، ولحل هذه الإشكالية بالإمكان توجيه وتكثيف الخدمات الرسمية في المناطق التي تفتقر إلى متطوعين، وتقليلها في المناطق التي يكثر فيها المتطوعين؛ أي إعادة توزيع الخدمات الرسمية.

المشكلة الرابعة: ترتبط بعدم جدية بعض المتطوعين، وهذا الأمر يرتبط بالأشخاص وليس بالمؤسسات، فبعض المتطوعين لا يمكن الاعتماد عليه في أداء بعض المهام، إما لعدم جديته أو لعدم كفاءته.

المشكلة الخامسة: التمويل الحكومي، والأمر يتعلق بتأثير التمويل على استقلالية المؤسسة التطوعية وحياديتها، إن القطاع التطوعي لا يكون مبدعًا وتقدميًا إلا إذا كان مستقلًا ماليًا، وتقل هذه الميزة كلما قلت الاستقلالية المالية.

بل إن الأمر أحيانًا يؤثر على جودة ونوعية الخدمة المقدمة، فالعاملون بالمؤسسة الممولة من قبل الحكومة سيكونون مشغولون بإظهار أنهم يقدمون خدمة أمام الحكومة أكثر من اهتمامهم بنوعية الخدمة المقدمة.

المشكلة السادسة: تكمن في ضرورة التوازن بين القطاع التطوعي والقطاع الحكومي، إن ازدهار القطاع التطوعي بدأ يقلص من الالتزام الحكومي في قطاع الخدمات، نعم نحن ندعم، وفي بعض الحالات نفضل، أن يتولى القطاع التطوعي تقديم بعض الخدمات؛ مثل مساندة ذوي الحاجات الخاصة على سبيل المثال، ولكن هذا لا يعني أن تكون الأمور كذلك في جميع الخدمات، لا بد أن يكون هناك توازن، وألَّا تتخلى الحكومة عن مسئولياتها تجاه قطاعات المجتمع المختلفة واحتياجاتها، وعدم الاعتماد كلية على القطاع التطوعي في القيام بكل المهام وتقديم كافة الخدمات؛ لأن له طاقة محدودة.

عوامل نجاح العمل التطوعي:

العمل التطوعي لا بد له من مقومات وأسباب تأخذ به نحو النجاح، ولذلك من الأهمية بمكان معرفة أسباب النجاح؛ ليتم الحرص عليها، وتفعيلها، وتثبيتها، وفي المقابل معرفة الأسباب التي تؤدي إلى الفشل والإخفاق؛ ليتم البعد عنها، وعلاجها في حال الوقوع فيها أو في بعضها، وبالتالي فإن معالجة المعوقات أعلاه تعد من العوامل الهامة المساعدة على نجاح العمل التطوعي(11).

مقترحات للنهوض بالجمعيات الإسلامية:

بعض الآراء والمقترحات للنهوض برسالة الجمعيات الإسلامية، ولتحقيق ما يناط بها من آمال تشرئب لها أعناق المسلمين وتهفوا لها قلوبهم:

أولًا: يجب على الجمعيات أن تقف من تاريخها الماضي موقف الحساب، ولتسأل كل جمعية نفسها الأسئلة التالية:

1- ما الذى تحقق، وما الذى لم يتحقق من الأهداف؟

2- ما الموانع والعوائق التي حالت دون تحقيق الأهداف؟

3- ما الأمور التي قامت بها الجماعة وكان الأجدر بها ألا تفعلها؟

4- ما الأهداف التي يمكن تحقيقها على الفور؟ وما الآمال التي سوف تتحقق على المدى البعيد؟

5- هل تمت المتابعة المستمرة للأعضاء والوقوف على مدى التزامهم بمبادئ جمعيتهم؟ وما الأثر المترتب على تلك العضوية؟

ثانيًا: أن تنأى الجمعيات العاملة في ميدان الدعوة عن الخلافات الفرعية التي انغمست فيها طوال القرن الماضي، وصرفتها عن عظائم الأمور التي اجتاحت الإسلام والمسلمين.

ثالثًا: ألا تقتصر الجمعيات الإسلامية في دعوتها على الخطب والمواعظ فحسب، ولكن ينبغي عليها أن تقتحم ميدان العمل الاجتماعي، من خلال رؤية إسلامية ومخلصة وأمينة، وذلك في المجالات التالية:

1- الاهتمام بالطفولة والشباب؛ بأن تنشئ كل جمعية في فروعها مدارس إسلامية تربي الطفل والشاب على العقيدة الإسلامية، وتغرس في عقله وقلبه معاني الخير، وأن تنمي فيه آيات الولاء لله والرسول والإسلام.

2- أن تشارك الجمعيات الإسلامية مجتمعة في وضع برنامج إصلاح سياسي، ينبع من تعليم الإسلام الذي لا يعرف النفاق السياسي، ولا المكائد التي تحاك في مضمار السياسة العالمية.

3- تستطيع الجمعيات، من خلال فروعها المنتشرة في أنحاء البلاد، أن تساهم مشتركة في بعض المشروعات الاقتصادية التي تنأى عن الربا والاستغلال، وتدار بعقلية إسلامية، ومن محصلة أرباح تلك المشروعات تساهم الجمعيات في رفع المعاناة عن جماهير المسلمين؛ كحل مشكلة الإسكان، وتحسين مستوى الأداء، والمشاركة في توفير احتياجات المسلم في مأكله وملبسه، وإذا ما تحقق ذلك في الجمعيات الإسلامية تكون قد نجحت في رسالتها على الوجه الذي يرضي الله ورسوله والمسلمين.

رابعًا: أن يتم التنسيق والتعاون والتكامل بين الجمعيات الإسلامية:

اتضح خلال تاريخ الجمعيات الإسلامية أن كل جمعية كانت تولي ظهرها للأخرى، وتتربص بها، وتظهر الشماتة إذا ما نزل بإحداها بلاء أو محنة، وإذا ما أريد لتلك الجمعيات أن تساهم في اليقظة الإسلامية المعاصرة فلا بد من توحيد صفوفها والتنسيق فيما بينها.

وها هي ذي بعض المقترحات التي تساعد على التنسيق والتعاون والتكامل:

1- أن يشكل مجلس ليضم رؤساء الجمعيات الدينية لوضع سياسة مشتركة للنهوض بالدعوة والدعاة.

2- التنسيق في ميدان الدعوة، بحيث تعتبر كل جمعية نفسها على ثغر من ثغور الإسلام، فلا تؤتى من قبلها، وتكمل كل منها الأخرى في ميدان الدعوة.

3- أن يكون هناك مسح شامل لبلاد القطر، بحيث لا تخلو مدينة من المدن من جمعية من الجمعيات، وهذا أفضل مما هي عليه الآن، إذ قد توجد أكثر من جمعية في مدينة واحدة؛ بينما تخلو بلاد كثيرة منها.

4- أن يشكل في عواصم المحافظات الإسلامية أن يلتقوا فيما بينهم في الخلافات، ويعملوا على رأب الصدع، والتقريب بين وجهات النظر المتباينة، وصولًا للحق لا ابتغاءً للمجادلة وحبًا للانتصار، وأن يكف العاملون في مضمار الجمعيات عن أساليب الإثارة والتشهير.

6- أن تشترك الجمعيات الإسلامية في إصدار جريدة يومية تكون لسان حالها مجتمعة، حيث تعرض الفكر الإسلامي على القارئ المسلم، من خلال رؤية صادقة وواعية وأمينة للقرآن والسنة وفكر السلف، كما تعرض تلك الجريدة للجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال ينابيع الإسلام.

لقد تصدرت بعض الجمعيات والجماعات الإسلامية، خطأ، أنهم سدنة الدعوة وحراس العقيدة؛ مما نتج عنه الجنوح إلى الغلو والتطرف، وحدوث ما لا تحمد عقباه في ساحة الدعوة(12).

ومن أسباب نجاح العمل التطوعي:

- أن يتفهم المتطوع بوضوح رسالة المنظمة وأهدافها.

- أن يوكل بكل متطوع العمل الذي يتناسب وإمكاناته وقدراته.

- فهم المتطوع للأعمال المكلف بها والمتوقع منه.

- أن يلم المتطوع بأهداف ونظام وبرامج وأنشطة المنظمة وعلاقته بالعاملين فيها.

- أن يجد المتطوع الوقت المطلوب منه قضاؤه في عمله التطوعي بالجمعية.

- الاهتمام بتدريب المتطوعين على الأعمال التي سيكلفون بها؛ حتى يمكن أن يؤدوها بالطريقة التي تريدها المنظمة.

- إيضاح الهيكل الإداري للمنظمة للمتطوعين.

- إجراء دراسات تقويمية لأنشطة هؤلاء المتطوعين في المنظمة.

ونعتقد أن الأخذ بهذه الأمور، من بين أمور أخرى، من شأنه أن يدفع المنظمات الخيرية الإسلامية إلى الأمام في مكافحة الفقر، والتغلب على التحديات، والرفع من مستوى العمل الخيري.

ويبقى توفير الحكومات الحماية لهذه المنظمات الضمانة الضرورية للزيادة من الفعل الخيري الجماعي، ويئول إلى ترقية العمل الخيري الإسلامي(13).

***

_____________

(1) السلسلة الصحيحة (906).

(2) أخرجه البخاري (5373).

(3) أخرجه مسلم (720).

(4) رواه مسلم (1780).

(5) السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، ص756.

(6) العمل التطوعي ودوره في تنمية المجتمع، موقع: الفرات.

(7) بديل الجمعيات الإسلامية المصرية المجمدة، موقع: المسلم.

(8) أخرجه مسلم (2586).

(9) المتبرع والمنظمة الخيرية، عبد الله سالم باهمام.

(10) العمل التطوعي.. فلسفته ومعوقاته وآليات تفعيله، صبري خليل.

(11) العمل التطوعي.. أهميته، معوقاته، وعوامل نجاحه، حميد بن خليل.

(12) الوقف ومنظمات العمل الأهلية، ص42.

(13) من أجل ترقية عمل الجمعيات الخيرية، موقع: المختار الإسلامي.