logo

دور المربي في ضبط المشاعر لدى المتربي


بتاريخ : الأحد ، 22 شعبان ، 1442 الموافق 04 أبريل 2021
بقلم : تيار الاصلاح
دور المربي في ضبط المشاعر لدى المتربي

 

إن النفس الإنسانية بما تحويه من مخزون عاطفي كبير هي مجال العمل الأول للمربي، وحجر الأساس في العمل التربوي على اختلاف صوره وأشكاله، ولهذا فإن غفلة المربي عن العناية بتلك المشاعر وتهذيبها يعني مواجهة العديد من المشكلات، والفشل في الوصول للأهداف التربوية المرجوة أو العجز عن تحقيق بعضها.

إن المشكلة التربوية التي نعانيها اليوم تجاه المشاعر هي: إما الإفراط أو التفريط، فبعض الآباء والمعلمين يغلو فيها، ويعطي الابن أو الطالب فوق اللازم، ويشبع مشاعره أكثر مما تستحق، فلا يسأله عما يفعل، ولا يحاسبه فيما أخطأ، بحجة الحفاظ على مشاعره، والخوف عليه من التحطيم، وإسقاط الحالة النفسية له.

وبعضهم تجده بعكس ذلك دائمًا محطمًا للنفوس، لاغيًا للمشاعر، شديدًا على من يربيهم بحجة أنه حريص عليهم من العواطف الجياشة والدلع الزائد.

والدارس للعلاقات الإنسانية يلحظ أنه لا تكاد تخلو علاقة من نوع من أنواع المشاعر التي تؤثر في استمرار تلك العلاقات وتوجيهها، كما أنها تلون حياة الإنسان بالفرح أو الحزن، والأمل والتفاؤل أو اليأس والإحباط، والحب أو الكراهية، ودون هذا التلون تصبح الحياة رتيبة مليلة.

ولأن النفس الإنسانية بما تحويه من مخزون عاطفي ومحاولة الارتقاء بها وإصلاحها، هي مجال عمل المربي الأول؛ فمن هنا يُعتبَر الاهتمام بالمشاعر حجر الأساس في العمل التربوي على اختلاف صوره وأشكاله؛ ولذا فإن غفلة المربي عن العناية بتلك المشاعر وتهذيبها يعني مواجهة العديد من المشكلات، والفشلَ في الوصول للأهداف التربوية المرجوة أو العجزَ عن تحقيق بعضها.

إن الدور المنوط بالمربي في العمل التربوي دورٌ يتميَّز بالعمق والتنوع الكبير؛ لذا لا يتمكن المربي من النجاح في أدائه لمجرد تمكُّنه من مجموعة من المهارات التربوية مع بذل الجهد واستفراغ الوسع.

فكلما اهتم المربي برعاية مشاعر المتربي وتنميتها؛ كان أنجح في تربيته، وأقدر على التأثير في تلقيه وتفاعله ونموه، والوصول به إلى الأهداف المرجوة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم» (1)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» (2).

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» (3).

فهذه الأحاديث الشريفة تبين أن الحق في هذا الأمر هو الوسط، وهو أن تعطى النفوس حقها من الجانب الشعوري والاحساس بقيمة النفس، ومحاولة رفعها وتعزيزها، والابتعاد عن هدمها وتحطيمها، حتى تتربى تربية حسنة مستقيمة دون إفراط أو تفريط.

إن النفوس وخاصة نفوس الصغار والأبناء والطلاب تحتاج إلى نوع من الحنان والعطف والتبادل العاطفي الأخوي، الناتج عن المحبة الصادقة والحرص الشديد على سلامة المتعلم أو الابن، لا المحبة التي يكون لها أهداف أخرى ومآرب خاصة.

بل إن التربية في جميع مراحلها تحتاج إلى الارتباط الشعوري الوثيق بين المربي والأفراد، وإلى اهتمامٍ خاصٍّ من المربي ورعاية مستمرة لمشاعر المتربين ونفسياتهم، وأن يكون قريبًا منهم محيطًا بهم مبادلًا للشعور معهم، مما يجعلهم يشعرون بالاستقرار النفسي والاطمئنان المعنوي.

لن يستطيع المربي مهما كانت خبرته في التربية أن يدخل إلى نفس المتربي، ويؤثر فيه، ويعرف طباعه، ويدرك نفسيته، ويشخص حالته، إذا لم يدخل له عن طريق العاطفة والوقوف على خصائصه الشخصية، لأن الفرد عندما يثق في مربيه فإنه يكون كالكتاب المفتوح بين يديه، ويبوح له بالعديد من خبايا النفس وأسرارها التي لا يطلع عليها إلا المقربون، كما أن هذه العاطفة تهيئ للمتربين من جانب آخر التلقي من مربيهم برضىً وقناعة وتقبل (4).

علاقة المشاعر بالسلوك الإنساني:

هناك علاقة تبادلية بين المشاعر والسلوك؛ فالسلوك الذي يصدر عن الإنسان يكمن خلفه مسببات ودوافع، وهذه الدوافع تهدف لإشباع إحدى حاجات الإنسان، وإشباع تلك الدوافع ينضبط بحدود الشرع الحنيف؛ فتتحول الأفكار مع الأيام إلى معتقدات وقيم راسخة، تترجم في نفس الإنسان إلى مشاعر، والمشاعر تَصنع وتولِّد السلوك.

من خلال السلوكيات والانفعالات المصاحبة للمشاعر يستطيع الشخص التعبير عما في داخله وعن حاجاته، وتعتبر تلك الانفعالات الوسيلة التعبيرية الأساسية لدى الأطفال بالأخص في مرحلة الطفولة المبكرة.

قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟» قال قلت: نعم، أنا أذهب، يا رسول الله (5).

الانفعالات السلوكية هي مؤشرات على المشاعر؛ فمثلًا: منظر الوجه الضاحك يعبر عن مشاعر الفرح والسعادة والرضا، وتعبيس الوجه يعبر عن مشاعر الضيق والألم والحزن.

وفي المقابل فإن الأحداث والسلوكيات التي يتعرض لها الشخص وتدخل إليه عبر منافذ المعرفة (الحواس الخمس) وما يتبعها من شعور باللذة أو الألم تنعكس أيضًا على مشاعر الإنسان، وتؤثر على ردة فعله وسلوكه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال، يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا (6).

وللمشاعر دور كبير في رسم علاقات الانسان الخارجية ومواقفه وسلوكه تجاه الآخرين.

فالمشاعر المتفلِّتة التي تسيطر على صاحبها دون أن يسيطر هو عليها تمثل عائقًا كبيرًا أمام تقدمه، وتمنعه عن تحقيق أي إنجاز، وتوقعه في سلوكيات خاطئة تجعله يعيش في حالة من الندم وتأنيب الضمير، وهنا يأتي موضع النصيحة النبوية الثمينة: «لا تغضب» (7).

وتلعب المشاعر دورًا مؤثرًا في تخفيف ثقل ومشقة المهام والواجبات والتكاليف؛ فالمشاعر الإيجابية تجاه سلوك معين ترفع الهمة وتزيد من الاستعداد لعمله دون ضجر أو ملل، وبالعكس لو فقدت تلك المشاعر الإيجابية؛ فقد تدفع الشخص إلى التهرب من القيام بالسلوك المكلف به أو تأديته بأداءٍ ضعيفٍ وصورة روتينية.

عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم؟ تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (8).

والمشاعر هي البوابة الذهبية والمدخل الرئيسي لتربية السلوك وتعديله، فالمشاعر بمثابة الوقود الذي يحرك عجلة السلوك ويحفزه، فما تشعر به النفوس تطلبه، لذا عني النبي صلى الله عليه وسلم بتنمية مشاعر أصحابه رضي الله عنهم، فعَظّم اللهَ تعالى في نفوسهم حتى أصبحت مرضاته غاية مطلبهم، وصوّر لهم الجنة بأنَّ فيها «ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (9)، فاشتاقت لها نفوسهم وعملوا من الأعمال ما يُبلِّغهم إياها.

وعلّم الإسلام أتباعه ضبط مشاعرهم لما له من أثر كبير في ضبط سلوكياتهم، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٣٩].

إن استثارة المشاعر وتوظيفها قد تحدث تغييرًا في السلوك أسرع من المنطق والتفكير، وإجادة المربي لفن توظيف المشاعر بصورة إيجابية محفِّزة وداعمة للاستقرار النفسي يعدُّ من ركائز صناعة النفوس العظيمة وتوجيهها نحو السلوك السوي، وقد حفلت نصوص الكتاب والسنة بالكثير من الخطاب المحرك للمشاعر الحامل على الاستجابة لما يُطلب من النّاس والارتداع عمّا يُزجرون عنه، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ} [البقرة: ١٦٥].

وقوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التّوبة: ٢٤].

وهناك نصوص كثيرة توضح أثر المشاعر على السلوك؛ كالفرح والحزن والغضب والطمأنينة والخوف، منها:

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: ١٠]، قال ابن كثير رحمه الله: كادت من شدة وَجْدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد، وتخبر بحالها، لولا أن الله ثبتها وصبرها (10).

قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٣٩]، فعلم الإسلام أتباعه ضبط مشاعرهم لما له من أثر كبير في ضبط سلوكياتهم.

قال تعالى: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [القصص: ٢٣]، قال عكرمة: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا (11).

عن أبى بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» (12).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» (13)، فمِن رحمة الله أنه جعل الطلاق لا يقع في حالة الغضب الشديد الذي يغلق على صاحبه.

ودور المربي لا يقف عند إقامة علاقات اجتماعية جيدة مع المتربي ومؤانسته فحسب؛ لكنه يتعدى ذلك إلى العمل على بناء مشاعره، وتعويده على ترجمتها في سلوكيات إيجابية تعود عليه وعلى مَن حوله بالنفع.

الأدوار الأساسية للمربي تجاه تربية المشاعر:

دور المربي لا يقف عند إقامة علاقات اجتماعية جيدة مع المتربي ومؤانسته فحسب؛ لكنه يتعدى ذلك إلى العمل على بناء مشاعره، وتعويده على ترجمتها في سلوكيات إيجابية تعود عليه وعلى من حوله بالنفع، ومن ذلك ما يلي:

أولًا: الاستعداد التربوي:

وذلك بأن يستشعر أهمية دوره وغايته، ويرفع من وعيه بمفهوم المشاعر والعوامل المؤثرة فيها وأساليب تربيتها وضبطها، مع الإلمام بالمعارف والعلوم التي تُساعده على فهم مشاعر المتربي.

ثانيًا: القدوة:

فالمربي محط أنظار المتربي، وطريقة تعامله مع مشاعره الإيجابية كالفرح والسعادة، أو السلبية كالقلق والاضطراب، تنعكس في مشاعر المتربي، ومنه يتعلم أساليب التعبير عنها، ويقلدها ويعبر عنها بالطريقة نفسها دون وعي.

ومن الجوانب المنوطة بالمربي في هذه المسألة:

ضبط المربي لانفعالاته المعبرة عن مشاعره: فعندما يشاهد المتربي طمأنينة مربيه في التعامل مع موقف ما يشعر تجاهه بالراحة، ولو واجه موقفًا مشابهًا مستقبلًا فإن هذا الشعور يصاحبه ويتفاعل معه كتفاعل قدوته، وعلى النقيض كما هو في المثال المشهور؛ فإن شعور الأم بالخوف من الحشرات وصراخها ينعكس على الأبناء بالطريقة نفسها، فينتقل إليهم القلق تبعًا لذلك، كما أن الحديث مع المتربي بصورة انفعالية شديدة اللهجة بصفة متكررة تجعله يكتسب هذه الطريقة في التعبير عن مشاعره.

لا تُبْقِ مشاعرك داخل جدران نفسك:

لا ينبغي أن تقف تلك المحبة والعلاقة الأخوية عند حدود المشاعر القلبية وكلمات المودة؛ دون أن تُتَرجَم إلى مواقف عملية يستشعر منها المتربي صدق المحبة ودفء الأخوة مع مربيه.

ويجب الالتفات إلى أن فاعلية تلك العواطف تقل كثيرًا ويختفي أثرها عندما يتم الاحتفاظ بها داخل جدران النفس دون إشعار الآخرين بها؛ فالمحبة مهما بلغت في قلب المربي دون أن يستشعرها المتربون تفقد أثرها الجميل.

والمربي الواعي الخبير بأحوال النفوس هو من يُحكِم بناء تلك العواطف ابتداءً ويُحسِن إظهارها بعد ذلك وإشعار المتربين بها؛ دون مبالغة تُخرِجها إلى درجة التكلف ودون تحفُّظ يصل بها لحد الجفاف.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهر مشاعره لأصحابه ويعبر عنها، يقول أبو سعيد الخدري: فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه (14)، وفي قصة توبة كعب بن مالك قال: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور، ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك» (15).

وعن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله (16).

احترام مشاعر الأخرين أمام المتربي:

فالمربي الذي يراعي مشاعر الآخرين ويتعامل معهم بلطف على مرأى ومسمع من المتربي يزرع محبته في قلبه، ويشجعه على التخلُّق بالخلق نفسه، أما المربي الذي يستخف بمشاعر الآخرين ويتسلط عليهم فإنه يزرع في نفس المتربي مشاعر الضغينة والكره، ويزرع في نفسه احتقار الآخرين، ويدفعه ذلك للبحث عن أخطائهم والاستخفاف بمشاعرهم.

استثمار المربي مشاعره في التوجيه التربوي:

وقد وجه الخطاب القرآني الرسولَ صلى الله عليه وسلم لاستثمار العاطفة في تبليغ الرسالة وكسب اهتمام المجموعة بقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: ١٥٩].

فالمربي الذي يراعي مشاعر الآخرين ويتعامل معهم بلطف على مرأى ومسمع من المتربي يزرع محبته في قلبه، ويشجِّعُه على التخلُّق بالخلق نفسه (17).

ولو لاحظنا وصية لقمان الحكيم لابنه لوجدتم أنه كرر لفظ يا بني عدة مرات، ومع كل نصيحة يسديها له كان يكرر هذه الكلمة، {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ} [لقمان: 13]، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ} [لقمان: 16]، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17].

وكذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام كرر لفظ «يا أبتي» أربع مرات مع أبيه، كما هو معلوم في سورة مريم.

وهذا لا يعني أن يصبح المربي متذللًا للمتربي أو منحن له، بقدر ما هي نوع من التربية والاهتمام وتقويم النفوس.

لذا يجب على المربي ألا يدفعه الحرص على من يربيه إلى أن يستميل له، أو يميزه عن بقية أقرانه تمييزًا فاحشًا يؤدي بهم إلى الأحقاد والضغائن والحسد، أو تزيد به العواطف فيتحاشى زجره وتأديبه خوفًا من خدش مشاعره، خاصة إذا فعل فعلًا كبيرًا وجرمًا فاحشًا.

ومن المزالق التي يقع فيها بعض المربين بحجة التعلق العاطفي للمربي أن يفقد شخصيته معهم بسبب الافراط في المخالطة والمعايشة والاحتكاك بهم، وقد تتيه شخصيته وتذوب مع طول الخلطة والمعايشة وينتج عن ذلك نوع من التبسط الزائد والأريحية المفرطة تؤدي في النهاية لنوع من الندِّية في التعامل والتغاضي عن التجاوزات السلوكية، ومن ثَمَّ تسقط هيبة المربي ويفقد زمام التوجيه مع مرور الوقت (18).

ثالثًا: بناء المشاعر:

إن رصيد العاطفة الكبير الذي تسري نسماته بين المربي والأفراد تظهر دلائله واضحة في أسلوب التعامل الراقي والحرص على مشاعر الجميع، وهو أحد أهم صمامات الأمان التي يركن إليها المربي لاستقرار الوسط التربوي، ولتهدئة أجوائه عند حدوث أي توتر أو أزمات؛ حيث تذوب في أجواء المحبة الصادقة حدةُ الغضب وتهدأ الأعصاب المتشنجة، وتُدفَع أيُّ خواطر سيئة قد يوسوس بها الشيطان، أو سوء ظن قد يختلج في النفوس في لحظات ضعفها.

فشعور الأفراد بالأمان مع مربيهم بسبب الارتباط الأخوي من المشاعر المؤثرة إلى حدٍّ كبير في ضبط الاستقرار النفسي لدى المتربين، وفي القضاء على الكثير من المشاكل وحسم أي خلافات قد تنشأ داخل المحاضن التربوية.

بجانب ذلك فإن العاطفة تلعب دورًا مؤثرًا في تخفيف حدَّة التكاليف ومشقة المهام التي يُكلَّف بها المتربي فيؤديها بهمة ومثابرة، دون ضجر أو ملل، خلافًا لما لو فقدت العلاقةُ تلك الأخوة المتميزة ومشاعرها الجميلة؛ فقد تؤدي أية مشكلة أو خلاف يطرأ إلى توتُّر في العلاقة يؤثر على سير العملية التربوية، أو تدفع المتربي للتهرب من أداء التكاليف، أو القيام بها بأداءٍ ضعيف وصورة روتينية لا يحتسب فيها أجرًا ولا يرجو منها فائدة (19).  

- إشعار المتربي بأنه متقبَّل من محيطه، مما يشعره بالاحترام والاهتمام، ويُسهم في تكوين مشاعره الإيجابية وردّات فعله تجاه نفسه والآخرين.

- غمر المتربي بدفء المشاعر، وإشباع حاجته من كلمات الحب والتقدير والفخر به، وأن وجوده في حياة والديه مصدر لسعادتهما وأنه جدير بحبهما؛ فهذا يشعره بالأمن والطمأنينة، ويساعده على ضبط انفعالاته وتكوين علاقات إيجابية مع الآخرين، وفي المقابل فإن إهمال المشاعر والتعبير عنها سبب لتكوين مشاعر الكره أو الجفاف العاطفي لدى المتربين، ومما تجدر الإشارة إليه أن توفير احتياجات المتربي المادية لا تغني عن إبداء المشاعر؛ فهي جزء من حقوقه، ولا تعني له شيئًا إن لم تقترن بما ينمي مشاعره وأحاسيسه.

- ملاحظة مشاعر المتربي وتفقدها، وقراءة تعابير وجهه وردود فعله، والاطمئنان عليه بأسلوب يشعره بالاهتمام (يبدو لي أنك منزعج، هل أستطيع مساعدتك)، وهذا يساعده على إخراج ما في صدره من مشاعر والتعبير عنها، لا بأسلوب التحقيق (يبدو أنك ارتكبت خطئًا، لماذا تبدو منزعجًا؟!)، مما يُدخل الخوف والريبة على نفسه ويجعله موضع تُهمة.

فعن مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنَّ أنا اشتهينا أهلينا، فسألنا عمن تركنا في أهلينا؟ فأخبرناه -وكان رفيقًا رحيمًا- فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم» (20).

- تعميق عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر لدى المتربي، ومن ذلك مفهوم الرضا بما قسم الله تعالى للعبد، وأن الخيرة فيما اختاره الله للعبد، وهذا مما يساعد المتربي على الشعور بالطمأنينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» (21).

- توفير احتياجات المتربي المادية لا تغني عن إبداء المشاعر؛ فهي جزء من حقوقه، ولا تعني له شيئًا إن لم تقترن بما ينمي مشاعره وأحاسيسه.

- تدريب المتربي على فهم مشاعره وعواطفه الإيجابية والسلبية، وتأثيرها على سلوكه وحالته النفسية والاجتماعية.

- تعليمه أسماء المشاعر والأفكار المرتبطة بها، والسلوكيات والانفعالات الإيجابية للتعبير عنها والتعامل معها: عن أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طِيَرَة، ويعجبني الفأل الصالح، والفأل الصالح الكلمة الحسنة» (22).

وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبدٍ تُصيبه مصيبة فيقول: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجُرْني في مُصيبتي واخلفني خيرًا منها، إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرًا منها» (23).

- نهي المتربي عن الانفعالات والسلوكيات السلبية للتعبير عن مشاعره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» (24).

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط…» (25).

- توجيه المتربي لتقبل المشاعر السلبية التي تنتابه (الخوف– الحزن– الألم): فمن المستحيل تجنُّب تلك المشاعر أو محاولة إبعادها عن الفرد، والواجب على المربي أن يُعلِّم المتربي كيفية التأقلم مع تلك المشاعر وتوجيهها لمساعدته على البقاء والانتباه للمشكلات التي تحيط به؛ فالمشاعر السلبية يمكن أن تكون علامة مهمة، ودالة على أنه ثمة ما يتطلب الانتباه والمعالجة.

قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)} [آل عمران: ١٣٩- ١٤٠].

- تعديل وتصحيح الأفكار الخاطئة المتعلقة بالأخطار والتوقعات البعيدة عن الواقع، ومساعدة المتربي على التخلص من المشاعر السلبية المرتبطة بها، وتوعيته بالانفعالات والسلوكيات الخاطئة في التعبير عن المشاعر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مصححًا مفهوم الشدة: «ليس الشديدُ بالصُّرَعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (26)، فقد جعله وصفًا لمن يتحكم بمشاعره ويضبطها ويحسن إدارتها، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: الشديد من لا يغضب، فمن طبيعة النفس البشرية الغضب، فلا يتأتى النهي عنه، لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجِبِلة البشرية (27).

- إعطاء الفرصة للمتربي للتعبير عن مشاعره وتفريغها؛ سواء كانت إيجابية أو سلبية، والإنصات له والاهتمام بما يقول ويشعر، وتدريبه على تنفيس انفعالاته بشكل صحيح من خلال الاتصال بالله تعالى وبث همومه إليه، أو ممارسة بعض أنواع الرياضة، أو الحوار، أو الكتابة والرسم، وغيرها من الوسائل المعرفية والسلوكية التي تساعده على استعادة توازنه النفسي والانفعالي والتحكم بمشاعره على المدى البعيد.

- الوقوف مع المتربي في أزماته، والإصغاء له عندما يبدي مشاعره تجاهها، وإظهار الاعتراف بها والتعاطف معه (أتفهَّم أنَّك تشعر بالإحباط– فعلًا هذا الأمر مخيف– معك حقٌّ أن تشعر بالانزعاج من …)، وإعانته على التفكير بحلِّ مشكلاته وتجاوزها، كل هذا يترك أثرًا كبيرًا في نفس المتربي ويكسبه الشعور بالأمان.

قال الله تعالى: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: ٦٨- ٦٩]، فأمر الله موسى عليه السلام بعدم الخوف وعلمه ما يذهب عنه الخوف.

- إشعار المتربي بأن مربيه سند له بعد الله سبحانه تعالى، يمكنه الوثوق به في تأمين الحماية له والدفاع عنه إن تعرض له أحد بأذى أو انتقص منه أو وجه الإساءة إليه.

الجوانب المتعلقة بتربية مشاعر المتربي نحو الآخرين:

- تعويد المتربي وتعليمه أن طريقة التعبير عن المشاعر تنعكس على المناخ الاجتماعي له؛ فالشخص حاد المزاج يستثير من حوله ويشعرهم بالانزعاج، والشخص المتعاطف والودود يشعر الآخرين بالراحة والطمأنينة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوًا، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» (28).

- إكساب المتربي مهارة تفهم مشاعر وعواطف الآخرين، وقراءتها واحترامها وعدم الاستخفاف بها، وكيفية التعامل معهم فيما يخص ردود أفعالهم التي يعبرون بها عن مشاعرهم.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» (29).

- تعليم المتربي وسائل تحريك مشاعر الآخرين نحو الهدف والرسالة التي يريد إيصالها لهم.

- تعويد المتربي على إبداء المشاعر والعواطف للآخرين بطريقة إيجابية: فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على إخبار الآخرين بعاطفة الحب نحوهم، فعن أنس بن مالك أن رجلًا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرّ به رجل فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعْلَمتَه؟»، قال: لا، قال: «أعلِمه»، قال: فلحقه، فقال: إني أحبُّك في الله، فقال: أحبَّك الذي أحببتني له (30).

- تعويد المتربي على الاندماج في المجتمع والتواصل مع محيطه وبيئته من الأرحام والأقارب والجيران، وأداء الصلاة مع الجماعة والمساهمة في الأعمال التطوعية مما يكسبه الشعور بقوة الجماعة وعواطفها المشتركة (31).

التربية الجافّة القائمةُ على التسلُّط وتجاهُل مشاعر المتربي وكبتها، هي تربية فاسدة تُقسِّ مشاعر المتربين وتجمّد عواطفهم.

أخطاء تربوية مدمرة لمشاعر المتربي:

وفيما يلي تفصيل لأهم الأخطاء التربوية التي تؤثر على نفسية المتربي، وقد تسبب فيها دمارًا يترك بصمته على شخصيته:

الاستخفاف بمشاعر المتربي:

فحين تُقمع المشاعر بطريقة غير مناسبة، كأن يُستخف بخوفه من زمان أو مكان ما، أو لا تُقدَّر مشاعره، أو يُعنَّف عند إظهار الابتهاج لحدوث أمر سار بالنسبة له نراه تافهًا أو سخيفًا، فإن ذلك يرسخ في ذهنه أن التعبير عن مشاعره نوع من الضعف أو سخافة العقل والتصرفات.

ومما يزيد الطين بِلّة أن يعمد المربي إلى إعادة رواية شعور المتربي وردّات فعله أمام الآخرين من باب الطرفة أو الاستهزاء، ووسمه ببعض الألقاب السلبية (خواف –جبان- أهبل- مهرج..)، مما يولد مشاعر الضيق والخجل وامتهان الكرامة، فيتعود على كبت انفعالاته وعدم إظهار مشاعره، ويصبح ضعيف القدرة على التعبير عن مشاعره للآخرين، وتتراكم لديه مشاعر الكُره والبغضاء والحقد.

العبث بمشاعر المتربي:

كأن يعمد المربي إلى المزاح مع المتربي بأداء سلوكيات للحصول على ردود أفعال يراها ظريفة أو لطيفة، لكنها تسبب الانزعاج أو عدم الراحة للمتربي، والأشد من ذلك توثيقها أو نشرها على وسائل التواصل، والاستعراض بمشاعره السلبية أمام الآخرين دون احترام لخصوصيته وحساسية مشاعره.

تخويف المتربي من أمورٍ قد تكون سخيفةً في نظر الكبار، لكنها جادّةٌ بالنسبة للصغار، فالضحك عليهم وإغاظتهم لا يساعد في بناء مشاعر إيجابية لديهم، ولا يفيد في التغلب على تلك المخاوف بل يزيد من حجمها.

مقارنة المتربي بغيره لحثه على الاستجابة للأوامر والتحسين من تصرفاته، فلكل شخص قدراتُه وإمكانياتُه وظروفُه وشخصيتُه الخاصةُ به وخصائصه المختلفة، ومقارنته بغيره تكوِّن لديه مشاعر الحقد تجاه الآخرين والإحباط تجاه نفسه.

عدم العدل في التعامل مع المتربين، مما يولِّد لديهم مشاعر الغيرة والحسد.

غرس مشاعر الضعف في نفس المتربي من خلال ترداد بعض العبارات التي تصف حاله بغض النظر عن واقعيتها نحو: (مسكين – ضعيف– مظلوم– الكل يتعدى على حقوقه).

الغلو في إبداء المشاعر للمتربي:

سواء بالخروج عن الحد الطبيعي في إظهار المشاعر والتودد والقرب منه و(تدليله) حبًا فيه أو لكسب ثقته واستمالته، أو تكلف هذه المشاعر، مما ينتج صورًا متنوعة من السلبيات التي تصيب المتربي والمربي أيضًا، فقد يحصل لدى المتربي نوع من التعلق العاطفي يضعف شخصيته ويفسد عليه قلبه ومشاعره، كما أنه ينمي فيه صفات الأنانية وحب الذات والتواكل.

إنَّ الإنسانَ هو حجر الأساس في العمل التربوي، والإنسان مجموعة من عواطف، فجهل المربي بالتعامل مع هذه المشاعر أو غفلته عنها له نتائج خطيرة على الفرد والمجتمع، من أهمها فشل المتربي في حياته، أو فشل العملية التربوية برمَّتها، مما يوجب على المربين والمؤسسات التربوية العناية بهذه المسألة، وتقديم الحلول الناجعة للتعامل معها دون إفراط أو تفريط؛ للوصول للأهداف التربوية المرجوة، وتحقيق استخلاف الإنسان في الأرض وعمارتها (32).

محاذير تربوية:

- قد يغلو المربي في علاقة المحبة التي تربطه بالمتربين فيخرج عن الحد الذي ينبغي أن تنضبط به علاقته بهم، وينتج عن ذلك صور منوعة من السلبيات التي تصيب المتربي وبقية المتربين والوسط التربوي كلَّه، ولا يسلم منها المربي ذاتُه، ومن ثَمَّ يستوجب الأمر مراعاة الضوابط والآداب الشرعية حتى تنضبط العلاقة في شقَّيها: الأخوي والتوجيهي.

- لا تعني الحاجة إلى الاعتناء المستمر والتعهد القوي بالمتربي أن يتكلف المربي في مشاعره تجاه المتربين، أو يبالغ في إبراز اهتمامه بهم؛ فإن لذلك سلبيات مستقبلية على نفس المتربي، (والأصل عدم إمكانية استمرار التكلف في كل وقت).

- الحذر من التدليل في التعامل مع المتربين: ومنشأ ذلك التدليل قد يكون حرص المربي على القرب من المتربين والتودد إليهم لكسب ثقتهم واستمالتهم، وقد ينشأ التدليل أحيانًا مع بعض المتربين بسبب قدراتهم الكبيرة ومواهبهم المنوعة تلك التي تدفع المربي لتمييزهم بشكل خاص خلافًا لبقية أقرانهم، مع معاملتهم بصورة ينشأ معها الفرد على التدليل؛ فهو يضيق ذرعًا إذا ما جرى التعامل معه مثل بقية أقرانه، وقد لا يتقبل العقاب أو مجرد اللوم في حال تقصيره.

- قد ينشأ من التعلق العاطفي المفرط للمربي بأحد الأفراد مع المخالطة والمعايشة ضعف في شخصيته، وقد تبهت وتذوب في شخصية المتربي، بل قد يتولد

- مع طول الخلطة والمعايشة - نوع من التبسط الزائد والأريحية المَرَضية، تؤدي -إذا لم يفطن المربي لها مبكرًا- لنوع من الندِّية في التعامل وبعض التجاوزات السلوكية التي لا يقصدها المتربي (في الغالب) ومن ثَمَّ تسقط هيبة المربي ويفقد زمام التوجيه مع الوقت.

- من المزالق التي قد يقع فيها بعض المربين تمييز بعض المتربين والتعلق بهم وتقريبهم وتخصيصهم بمزيد اهتمام يفوق بقية أقرانهم بصورة تثير حفيظة بقية أقرانهم وقد يكون ذلك بسبب الجاذبية الشخصية التي تُميز بعض المتربين وتجعلهم محط إعجاب من حولهم بما فيهم المربي نفسه.

  إن الأصل في الجو التربوي إشاعة روح الثقة لدى المتربين؛ وهذا بالطبع لا ينشأ إلا إذا استشعر المتربي إنصاف مربيه وعدالته واتباعه للشرع في معاملة الجميع دون تمييزٍ لا داعي له ولا حاجة إليه (33).

______________

(1) أخرجه البخاري (5997).

(2) أخرجه البخاري (2457)، ومسلم (2668).

(3) أخرجه أحمد (23304).

(4) المشاعر في العمل التربوي، أهميتها وضوابطها/ ملتقى الخطباء.

(5) أخرجه مسلم (2310).

(6) اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٩٣).

(7) أخرجه البخاري (٦١١٦).

(8) أخرجه مسلم (537).

(9) أخرجه مسلم (٢٨٢٥).

(10) تفسير القرآن العظيم (٦/ ٢٠١).

(11) معالم التنزيل (٨/ ٤٠).

(12) أخرجه البخاري (٦٧٣٩)، ومسلم (١٧١٧) واللفظ له.

(13) أخرجه أحمد (٢٦٤٠٣).

(14) أخرجه البخاري (٦١٠٢)، ومسلم (٢٣٢٠).

(15) أخرجه البخاري (٤٦٧٧)، ومسلم (٢٧٦٩) واللفظ له.

(16) أخرجه مسلم (٩٧٦).

(17) تربية المشاعر/ مجلة رواء.

(18) المشاعر في العمل التربوي، أهميتها وضوابطها/ ملتقى الخطباء.

(19) أهمية المشاعر في العمل التربوي/ مجلة البيان (العدد: 273).

(20) أخرجه البخاري (٧٨٥)، ومسلم (٦٧٤).

(21) أخرجه مسلم (٢٦٦٤).

(22) أخرجه البخاري (٥٤٢٤)، ومسلم (٢٢٢٤).

(23) أخرجه مسلم (٩١٨).

(24) أخرجه البخاري (٥٧١٨).

(25) أخرجه البخاري (٢٧٣٠).

(26) أخرجه البخاري (٥٧٦٣)، ومسلم (٢٦٠٩).

(27) فتح الباري لابن حجر (١٠/٥٢٠).

(28) أخرجه البخاري (٥٦٦٥).

(29) أخرجه مسلم (٢٥٦٤).

(30) أخرجه النسائي في الكبرى (١٠٠١١).

(31) التربية الإسلامية (ص: ٣٥).

(32) تربية المشاعر/ رواء.

(33) أهمية المشاعر في العمل التربوي/ مجلة البيان (العدد: 273).