logo

دور الداعية في الفتن والأزمات


بتاريخ : الاثنين ، 28 شعبان ، 1436 الموافق 15 يونيو 2015
بقلم : تيار الاصلاح
دور الداعية في الفتن والأزمات

إننا نعيش في زمان كثرت فيه الفتن، وتعددت ألوانها، والأمة اليوم تعيش زمنًا عصيبًا، تحتاج معه إلى فقه ودراية، وسعة نظر وإدراك، حتى يمكنها أن تحدد الجرح، وتضع الدواء المناسب عليه.

 

إن فقه التعامل مع الفتن وحُسن إدارة الأزمات جزء من حلها، وعامل رئيس في تخفيف حدّتها، والحدّ من أثرها، وبالمقابل، فالجهل والتوتر والتهور، الناتج عن قلة الفقه، يزيد من تأزم الأزمة، ويضاعف أثرها.

 

إن الفتن والأزمات تثير الضغائن، وتشعل نيران الأحقاد، قال أنس رضي الله عنه: «ما من عام إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم»(1).

 

عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة أنه قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلًا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل(2)، ومنا من هو في جَشَره(3) إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن فيرقق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول: هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»(4).

 

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه»(5).

 

وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن»(6).

 

وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن السعيد لَمَن جُنِّب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواهًا»(7)، ويصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأيام بأنها أيام الصبر؛ لأن الصبر فيها يعتبر الركيزة الأساس في الاستقرار وتجاوز الأزمات بسلام.

 

وكم هي الحاجة إلى معرفة الصواب والثبات عليه أيام الفتن والأزمات؛ لذلك كان لا بد من مراعاة عدة أمور حتى تنجلي الأزمة وتنقضي الفتنة:

 

أولًا: حسن التعامل مع الأخبار:

 

الإعلام اليوم يمارس نوعًا من التحوير للخطاب الإعلامي، والعبث في صياغة أخباره، جريًا على المصالح السياسية! فهو اليوم فاقد لمصداقيته وحياديته في كثير من أخباره؛ وعليه، فإن علينا أن نقف من هذه الإذاعات والقنوات الإخبارية موقف التمحيص والتدقيق، كما في التوجيه الرباني: {إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6].

 

ومن فقه التعامل مع الأخبار حسن النقل، واختيار ما يصلح إذاعته منها مما لا يصلح، فكما أنه ليس كل ما يُقال يصح، فليس كل ما يُعلم يُقال، يقول تعالى: {وَإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلَّا قَلِيلًا} [النساء:83].

 

يقول السعدي رحمه الله معلقًا: «هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة، مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف، الذي فيه مصيبة عليهم، أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر؛ بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم، وتحرزًا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة، أو منه مصلحة لكن مضرّته تزيد على مصلحته لم يذيعوه»(8).

 

لقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم بنقض يهود بني قريظة للعهد، وهو في شدة الأحزاب، والجيوش قد تجمعت حول المدينة، وقد زاغت من المؤمنين الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فأرسل السعدين؛ سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير رضي الله عنهم يستطلعون الخبر، وقال لهم: «انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحقٌ ما بلغنا عنهم، فإن كان حقًا فالحنوا لي لحنًا أعرفه [أي: ورُّوا بكلامكم تورية أفهمها عنكم دون غيري] ولا تفتّوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس»، فخرجوا حتى أتوهم واستطلعوا الخبر، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر بني قريظة، وأنهم قد نقضوا العهد، وكَنَّوا بذلك لرسول الله، فقال: