الطعن في القرآن
القرآن هو دستور الأمة، ومنهاج الحياة الطيبة، وهو قطب رحى المسلمين الذي عليه يدورون، وهو العروة الوثقى التي بها يتمسكون، وهو المورد العذب الذي إليه يردون، ومنه يصدرون، وهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، ومنهاجه القويم، إنه النور الساطع في ظلمات الجهل والتخلف، والضياء اللامع في بحار الشرك والانحطاط.
والطاعنون في كتاب الله هم المشككون فيه، الذين يوردون عليه الشبه والإشكالات والاضطرابات، يريدون بهذا إسقاط قدسية القرآن من قلوب المسلمين؛ لأنهم يعلمون يقينًا أن أعز ما يملكه المسلمون هو القرآن الكريم، وهو أعجز شيء في طريقهم المشئوم، وهو التحدي الواضح من الله تعالى للثقلين الإنس والجن، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]
وقد كثر الطاعنون في كل قرن، ولكن هذا القرن تميز بنوعين من الطاعنين، وهما:
الصنف الأول: المستشرقون.
الصنف الثاني: العلمانيون، أو تلاميذ المستشرقين، أو العقلانيون.
وخطر هؤلاء أشد؛ لأنهم باسم الإسلام يطعنون في الإسلام، وبزعم الدفاع عنه يحاربونه، وأسماؤهم كأسمائنا، وهم أبناء جلدتنا، فتلبيسهم على عامة الناس؛ بل على بعض الخاصة شديد؛ لذلك كان الرد على هؤلاء، وكشف أباطيلهم وتلبيساتهم من أعظم الواجبات، وآكد الفرائض، حتى تحذر الأمة منهم، وتسلم من شرهم.
لقد اهتم المستشرقون بدراسة الدين الإسلامي ومصادره وأصوله، وكل ما يتصل به من التراث الشرعي واللغوي والتاريخي والحضارة الإسلامية في أغلب كتاباتهم ومؤتمراتهم الاستشراقية، وبكثافة عالية؛ حيث يشكل غالب النتاج الاستشراقي؛ مما يلفت انتباه المهتمين، ويوجههم إلى الاطلاع على هذه الدراسات ونقدها؛ وذلك لما تحويه هذه الدراسات من الأخطاء والأغاليط الكثيرة المنسوبة للإسلام؛ مما يطعن في الدين الإسلامي ومصادره الأصلية وشرائعه الثابتة.
وأقدم نص وجدتُ فيه حدوث الإشكال على الفهم، والطعن في القرآن، واتهامه بالتعارض مع الحقائق، هو حديث المغيرة بن شعبة قال: «لما قدمت نجران سألوني، فقالوا: (إنكم تقرءون: يا أخت هارون، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا)، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال: (إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم)»(1).
وهذا الطعن الذي ذكر في الحديث، مع أن النبي أجاب عليه، إلا أنه لا يزال يردد إلى يومنا هذا.
بعضهم ادعى أنه يستطيع أن يأتي بمثل القرآن: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الأنفال:31]؛ فتحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا.
عن سعيد بن جبير قال: «قتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرًا عقبةَ بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله قال المقداد: (يا رسول الله، أسيري)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه كان يقول في كتاب الله عز وجل ما يقول)، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال المقداد: (يا رسول الله، أسيري)! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أغن المقداد من فضلك)، فقال المقداد: (هذا الذي أردت)»! قال: وفيه أنزلت هذه الآية: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}(2).
وبعضهم زعم أن هذا القرآن إنما هو من قصص الأولين وأساطير السابقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النحل:24]، وهكذا يصفون هذا القرآن الذي يعالج النفوس والعقول، ويعالج أوضاع الحياة وسلوك الناس وعلاقات المجتمع وأحوال البشر في الماضي والحاضر والمستقبل، هكذا يصفونه لما يحويه من قصص الأولين، وهكذا يؤدي بهم ذلك الإنكار والاستهتار إلى حمل ذنوبهم وشطر من ذنوب الذين يضلونهم بهذا القول، ويصدونهم عن القرآن والإيمان، وهم جاهلون به لا يعلمون حقيقته(3).
فقد كانت حرب دعاية منظمة تديرها قريش على الدعوة، ويديرها أمثال قريش في كل زمان ومكان، من المستكبرين الذين لا يريدون الخضوع للحق والبرهان؛ لأن استكبارهم يمنعهم من الخضوع للحق والبرهان، فهؤلاء المستكبرون من قريش ليسوا أول من ينكر، وليسوا أول من يمكر، والسياق يعرض عليهم نهاية الماكرين من قبلهم، ومصيرهم يوم القيامة؛ بل مصيرهم منذ مفارقة أرواحهم لأجسادهم حتى يلقوا في الآخرة جزاءهم، يعرض عليهم هذا كله في مشاهد مصورة على طريقة القرآن المأثورة:
{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)} [النحل:26-27].
{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} والتعبير يصور هذا المكر في صورة بناء ذي قواعد وأركان وسقف، إشارة إلى دقته وإحكامه ومتانته وضخامته.
ولكن هذا كله لم يقف أمام قوة الله وتدبيره: {فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} وهو مشهد للتدمير الكامل الشامل، يطبق عليهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فالقواعد التي تحمل البناء تحطم وتهدم من أساسها، والسقف يخر عليهم من فوقهم فيطبق عليهم ويدفنهم {وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} فإذا البناء الذي بنوه وأحكموه واعتمدوا على الاحتماء فيه، إذا هو مقبرتهم التي تحتويهم، ومهلكتهم التي تأخذهم من فوقهم ومن أسفل منهم، وهو الذي اتخذوه للحماية ولم يفكروا أن يأتيهم الخطر من جهته! إنه مشهد كامل للدمار والهلاك، وللسخرية من مكر الماكرين وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله، ويحسبون مكرهم لا يرد، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط!
وهو مشهد مكرر في الزمان قبل قريش وبعدها، ودعوة الله ماضية في طريقها مهما يمكر الماكرون، ومهما يدبر المدبرون، وبين الحين والحين يتلفت الناس فيذكرون ذلك المشهد المؤثر الذي رسمه القرآن الكريم: {فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}(4).
وبعضهم قال: إنه تعلَّمه من غلام نصراني، فقال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] .
عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قِنًّا بمكة، وكان اسمه بلعام، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: (إنما يعلمه بلعام)، فأنزل الله هذه الآية»(5).
وأما ما كان فقد رد عليهم الرد البسيط الواضح، الذي لا يحتاج إلى جدل: {لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} فكيف يمكن لمن لسانه أعجمي أن يعلم محمدًا هذا الكتاب العربي المبين؟
وهذه المقالة منهم يصعب حملها على الجد، وأغلب الظن أنها كيد من كيدهم الذي كانوا يدبرونه، وهم يعلمون كذبه وافتراءه، وإلا فكيف يقولون، وهم أخبر بقيمة هذا الكتاب وإعجازه، إن أعجميًا يملك أن يعلم محمدًا هذا الكتاب، ولئن كان قادرًا على مثله ليظهرن به لنفسه!
واليوم، بعد ما تقدمت البشرية كثيرًا، وتفتقت مواهب البشر عن كتب ومؤلفات، وعن نظم وتشريعات يملك كل من يتذوق القول، وكل من يفقه أصول النظم الاجتماعية، والتشريعات القانونية أن يدرك أن مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يكون من عمل البشر.
وحتى الماديون الملحدون في روسيا الشيوعية، عندما أرادوا أن يطعنوا في هذا الدين في مؤتمر المستشرقين عام 1954، كانت دعواهم أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عمل فرد واحد، هو محمد؛ بل من عمل جماعة كبيرة، وأنه لا يمكن أن يكون قد كتب في الجزيرة العربية؛ بل إن بعض أجزائه كتب خارجها، دعاهم إلى هذا استكثار هذا الكتاب على موهبة رجل واحد، وعلى علم أمة واحدة.
ولم يقولوا ما يوحي به المنطق الطبيعي المستقيم: إنه من وحي رب العالمين؛ لأنهم ينكرون أن يكون لهذا الوجود إله، وأن يكون هناك وحي ورسل ونبوات! فكيف كان يمكن، وهذا رأي جماعة من العلماء في القرن العشرين، أن يعلمه بشر لسانه أعجمي، عبد لبني فلان في الجزيرة العربية؟! ويعلل القرآن هذه المقولة الضالة فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}.
فهؤلاء الذين لم يؤمنوا بآيات الله لم يهدهم الله إلى الحقيقة في أمر هذا الكتاب، ولا يهديهم إلى الحقيقة في شيء ما، بكفرهم وإعراضهم عن الآيات المؤدية إلى الهدى «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» بعد ذلك الضلال المقيم(6).
وهكذا كلما قالوا شُبْهَةً وطعنوا طعنًا رد الله عليهم بحجة واضحة.
وحصل طعن في القرآن في عصر الصحابة؛ ففي زمن عمر، كان في أجناد عمرو بن العاص رجل يقال له صبيغ، كان يسأل عن متشابه القرآن، فكان يقول: «ما المرسلات عرفًا؟، ما العاصفات عصفًا؟»، تشكيكًا وتعنتًا، فأرسل به عمرو إلى عمر، فلما علم عمر بقدومه أمر رجلًا أن يحضره وقال له: «إن فاتك فعلت بك وفعلت»، وكان عمر قد جهز له عراجين من نخل، فلما جاءه سأله عن أشياء ثم قال له: «من أنت؟» فقال: «أنا عبد الله صبيغ»، فقال: «وأنا عبد الله عمر»، فضربه حتى أدماه، ثم تركه حتى شفي، ثم ضربه حتى أدماه، ثم تركه حتى شفي، ثم ضربه حتى أدماه، ثم تركه حتى شفي، ثم أُحضر فقال صبيغ: «يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلًا جميلًا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئتُ».
فأرسله عمر إلى البصرة، وأمر واليها أبا موسى الأشعري بمنع الناس من مجالسته، فاشتد ذلك على الرجل، فأرسل أبو موسى إلى عمر أن الرجل حسنت توبته، فكتب عمر أن يأذن للناس بمجالسته، فلما خرجت الحرورية قيل لصبيغ: «إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، وقد مات عمر»، فقال: «هيهات، قد نفعني الله بموعظة العبد الصالح»؛ يعني عمر(7).
وغير ذلك من الآثار، وكلما بعد العهد بعصر النبوة، كلما زادت الإشكالات والطعون في القرآن.
يقول الحاخام الأكبر لإسرائيل سابقًا مردخاي الياهو، مخاطبًا مجموعة على وشك الالتحاق بالجيش الإسرائيلي: «هذا الكتاب الذي يسمونه القرآن هو عدونا الأكبر والأوحد، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته، كيف يمكن تحقيق السلام في وقت يقدس العرب والمسلمون فيه كتابًا يتحدث عنا بكل هذه السلبية؟! على حكام العرب أن يختاروا؛ إما القرآن أو السلام معنا»(8).
وفي بدايات هذا القرن كان الجنود الإيطاليون يتغنون بأنشودتهم: «أنا ذاهب إلى ليبيا فرحًا مسرورًا، لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ومحو القرآن، وإذا مت يا أماه فلا تبكيني، وإذا سألك أحد عن عدم حدادك فقولي: لقد مات وهو يحارب الإسلام»(9).
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر: «إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرءون القرآن، ويتكلمون العربية»(10).
ويقول وليم جيفورد: «متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا، حينئذ، أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية ، بعيدًا عن محمد وكتابه»(11).
ويقول اللورد كرومر في مصر: «جئت لأمحو ثلاثًا: القرآن والكعبة والأزهر»(12).
يقول جون تاكلي: «يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح، ضد الإسلام نفسه، بأن نعلم هؤلاء الناس [يعني المسلمين] أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد ليس صحيحًا»(13).
ويقول غلادستون، وزير المستعمرات البريطاني سنة 1895، ثم رئيس الوزراء: «لن تحقق بريطانيا شيئًا من غاياتها في العرب إلا إذا سلبتهم سلطان هذا الكتاب، أخرجوا سر هذا الكتاب [القرآن] مما بينهم تتحطم أمامكم جميع السدود»(14).
وقال أيضًا: «ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا تكون هي نفسها في أمان»(15).
إذن هم يعرفون أن القرآن مصدر قوة المسلمين؛ لذلك أعلنوا الحرب على كتاب الله، وهذه الحرب قديمة قدم نزول القرآن، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26]؛ يعني أن الغلبة لهم على المسلمين إنما تكون باللغو والطعن في القرآن.
ومن أهداف الطعن في كتاب الله:
1- حرب المسلمين؛ لأن الكفار رأوا أن أهل الإسلام لا يمكن قهرهم بالسنان والحروب العسكرية؛ لأنهم قوم يحبون الموت كما هم يحبون الحياة، وإنما كان هذا الحب للشهادة في نفوس المسلمين، لما في كتاب الله من الثناء والحث على الشهادة في سبيله؛ لذلك توجهوا بالحرب إلى القرآن حتى ينتزعوا القدسية عن القرآن، ويثبتوا أنه ليس من عند الله تعالى، بل من عند محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثَم يتم إبعاد المسلمين عن مصدر توحيدهم وسر قوتهم.
2- فتح باب النزاع والشقاق بين المسلمين على مصراعيه، يقول تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:176] .
3- زرع الفتن بين المسلمين، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] .
4- هدم الإسلام: فعن زياد بن حدير قال: «قال لي عمر: (هل تعرف ما يهدم الإسلام؟)، قلت: (لا)، قال: (يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين)»(16).
وبهذا يتحقق لهم ما يريدون، ويصبح المسلمون صيدًا سهلًا، بل قد يصبح المسلمون في صف الكفار وأتباع ملتهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120](17).
وللأسف فقد تحقق لهم الكثير من هذا، فقد عُزل الكتاب عن التحكيم بين الناس، واستبدل بقانون الغرب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا العطاء ما دام العطاء لله، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم»، قالوا: «يا رسول الله، كيف نصنع؟»، قال: «كما صنع أصحاب عيسى بن مريم؛ نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موتُ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله»(18).
الآثار السلبية للطعن في القرآن:
1- الطعن في القرآن والسنة، وهما مصدر التشريع في الدين.
2- محاولة إحياء الفرق المنحرفة الميتة، أو أفكار بعض المنحرفين؛ كالحلاج وغيره.
3- صد الناس عن الإسلام بتشويه تعاليمه، كما فعلت الموسوعة البريطانية.
4- إخراج جيل من أبناء المسلمين منسلخ عن دينه؛ بل محارب له.
5- التشكيك في الثوابت؛ كالجهاد، والحجاب، والميراث، والعقوبات الشرعية؛ كرجم الزاني، وقطع يد السارق، وقتل المرتد، وغير ذلك من الثوابت.
6- إخراج المرأة من جلبابها؛ بتصوير الحجاب بأنه خرقة لا قيمة لها، ومحاولة مساواة المرأة للرجل في كل شيء، حتى في جواز تعدد الأزواج(19).
***
_______________
(1) أخرجه مسلم (2135).
(2) تفسير الطبري (11/ 143).
(3) في ظلال القرآن (4/ 2167).
(4) المصدر السابق (4/ 2168).
(5) جامع البيان (14/ 365).
(6) في ظلال القرآن (4/ 2195).
(7) التحرير والتنوير (3/ 164).
(8) رسالة من الحاخام الأكبر، مجلة البيان (العدد: 159).
(9) صلاح الأمة في علو الهمة (6/ 575).
(10) قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله، ص31.
(11) المرجع السابق، ص49.
(12) الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون، ص29.
(13) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ص329، (العدد:7).
(14) القراءة المعاصرة للقرآن في الميزان، ص17.
(15) منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، ص442.
(16) أخرجه الدارمي (220).
(17) الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري، ص10.
(18) المعجم الكبير، للطبراني (20/ 90).
(19) الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري، ص5.