logo

حكم متابعة الإمام في زيادة ركعة في صلاته


بتاريخ : الأربعاء ، 2 ربيع الأول ، 1444 الموافق 28 سبتمبر 2022
بقلم : تيار الإصلاح
حكم متابعة الإمام في زيادة ركعة في صلاته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

فقد اتفق الفقهاء على أن كلا من الإمام والمنفرد إذا تعمد زيادة ركعة أو سجدة في الصلاة فصلاته باطلة، كمن تعمد نقص ركعة او سجدة منها. واختلفوا في المأموم إذا قام لركعة خامسة تبعا لإمامه، وهو يعلم أنها خامسة. ما حكم صلاته؟ على قولين مشهورين: الأول: تبطل صلاته. الثاني: لا تبطل.

والقول الأول قول جمهور الفقهاء، وعليه أكثر المجامع الفقهية، ودور الفتوى، ورجحه ابن باز، ابن عثيمين.

والقول الثاني قول بعض العلماء، منهم الشيخ الألباني، وقليل من أهل العلم من أهل الفتوى المعاصرين.

وفيما يلي نستعرض حجة كل فريق، لنصل للقول الذي تطمئن إليه النفس، في هذه المسألة الهامة المتعلقة بركن هو أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قد تقرر أن الصلوات الخمس قد حد كل منها بعدد، واستقر التشريع على ذلك، وحصل إجماع المسلمين قاطبة عليه، وأن من زاد ركنا ركعة أو غيرها، فقد بطلت صلاته. وهكذا من تابع الإمام في زيادة ليست منها متعمدا فقد زاد في صلاته متعمدا، فبطلت صلاته.

الدليل الثاني: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال, ولتصفق النساء)، وهذا أخذ منه العلماء أن الواجب على الإمام إذا نبهه المأمومون على خطئه يزيادة ركن في الصلاة أن يرجع، مالم يكن يجزم بصواب نفسه، فإذا نبهوه فلم يرجع وأصر على الزيادة التي يجزم بها المأمومون فلا يتابعوه، وإلا لم يكن لهذا التوجيه لنبوي فائدة.

الدليل الثالث: القياس على عدم جواز متابعة الإمام في النقص، وهذا بالإجماع أيضا، فكما تبطل الصلاة بنقص ركن منها متعمدا، فكذلك تبطل بالزيادة عليها متعمدا، لأن في كلا الصورتين تغييرا لهيئة الصلاة المفروضة، وهو إحداث في الدين مردود على فاعله.

وعليه، فكما أنه إذا جلس الإمام في الثالثة من الظهر مثلاً أو العصر أو العشاء, ولم يلتفت لتنبيه المأمومين فإنهم يقومون يكملون صلاتهم ويتمونها وإن خالفوه؛ لأنه أخطأ باعتقادهم؛ فهكذا الأمر إذا قام بعد الثانية من الفجر أو الجمعة، أو للخامسة من الصلاة الرباعية.

الدليل الرابع: القول بأنه يجب أن يكمل المأموم صلاته ويكمل من خلفه تبعا له، ولو زاد ما ليس منها، قول لا يعرف في كلام أحد من السلف، ولا من فعلهم، فهو مخالف لما يعد إجماعا سكوتيا أو عمليا منهم على أن المتابعة إنما هي فيما علم صحته من هيئات الصلاة، التي بينتها لنا السنة المطهرة.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: «وما ذاك؟» قال: صليت خمسا، فسجد سجدتين بعد ما سلم.

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في الصلاة فقام الى ركعة خامسة، والصحابة رضي الله عنهم تابعوه، وأقرهم النبي على متابعتهم له، ولم ينكر عليهم أنها زيادة فعلوها متعمدين، ولم يقل لهم بطلت صلاتكم، أعيدوا صلاتكم.

ونوقش بأن هذه الحادثة كانت في وقت لم يتم فيه التشريع بعد، ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم يعلمون الحكم الشرعي، وكيف يتصرفون، فلما اكتمل التشريع، وتبين لهم كيفية الصلاة، ومنها أحكام متابعة الإمام وأحكام سجود السهو وقفوا عند ما علموه من ذلك.

قال ابن حجر: " وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو، وإنما تابعه الصحابة لتجويزهم الزيادة في الصلاة لأنه كان زمان توقع النسخ ".

وأجيب بأنه لو أن الأمر كان كذلك لبين النبي لهم حكم هذه المسألة اذا وقعت بعد تمام التشريع، بعد نزول قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم. أما والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات دون أن يأتي بشيء جديد يعدل ما فعله أصحابه فإنما يدل ذلك على صحة ما فعله الصحابة، وأنه التصرف الشرعي الصحيح حيال زيادة الإمام.

الدليل الثاني: حديث أم المؤمنين عائشة، أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك، فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع، فاركعوا وإذا رفع، فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا».

وجه الاستدلال: أن هذا دليل عام يأمرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتابع الإمام متابعة تامة كاملة، ولا علينا إن أصاب الإمام أو أخطا. ومن خالف فعليه الدليل.

ونوقش من وجهين:

الأول: أن مقتضى هذا التعليل أن الإمام يتابع فيما يأتي وفيما يذر، حتى لو نقص ركعة أو سجدة، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، وهو خلاف إجماعهم. فبان أن محل العمل بهذا الحديث النبوي ما لم تكن زيادة ركن في الصلاة، أو نقص شيء من أركانها، أو ما لم يعرف المأموم أن إمامه قد قام إلى ركعة زائدة، فانه حينئذ يتابعه عملا بالحديث المذكور: (إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)، فهذا محل العمل به.

الثاني: أن الواجب على من علم بالزيادة أن لا يتابعه لأن هذه المتابعة في الخطأ، ونحن مأمورون أن لا نتابع الأئمة في الخطأ، إنما الطاعة في المعروف.

قال الشيخ ابن باز في تقريره هذا الحكم: "ولا أعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. هذا هو المعروف عند أهل العلم، وهو الموافق للأدلة الشرعية إنما الطاعة في المعروف، لا يطاع أحد في المعاصي أبدا ولا في الأخطاء".

الدليل الثالث: القياس على وجوب متابعة الامام اذا قام للركعة الثالثة ولم يقعد للتشهد الأوسط.

ونوقش من وجهين:

الوجه الأول: هذا القياس غير صحيح، لأن الإمام في هذه الحال اشتغل بركن وترك واجبا، بخلاف ما لو أتى بركن زائد.

والفرق واضح بين المسألتين فمقصود الشارع أن يستمر الإمام في الصلاة إذا كان مشتغلا بركعة من ركعات الصلاة لا ركعة زائدة على الصلاة. أما أن نقول: كل من زاد في الصلاة ركعة أو أكثر واستتم قائما بدلا من القعود للتشهد يجب أن يكمل صلاته ويكمل من خلفه تبعا له، فهذا باطل، ولا يعرف من فعل السلف، ولا في كلام أحد من أهل العلم.

 

قال الشيخ ابن عثيمين: "وقد يتوهَّمُ بعضُ طَلَبَةِ العِلم في هذه المسألة أن حكمها حكم من قام عن التشهُّد الأول، فيظن أنه إذا قام إلى الزائدة، وشَرَعَ في القراءة حَرُمَ عليه الرجوع، وهذا وهمٌ وخطأ، فالزائد لا يمكن الاستمرار فيه أبداً، متى ذكر وجب أن يرجع ، ليمنع هذه الزيادة؛ لأنه لو استمر في الزيادة مع عِلْمِهِ بها، لزاد في الصلاة شيئاً عمدا، وهذا لا يجوز؛ وتبطل به الصَّلاة".

الوجه الثاني: أن هذا - أعني: وجوب متابعة الامام اذا قام للركعة الثالثة ولم يقعد للتشهد الأوسط - هو ما جاءت به الأحاديث ودلت عليه السنة، فوجب العمل به، والوقوف عنده، وأما ما عدى ذلك، فعندنا الأصل، وهو عدم الزيادة على الصلاة أو النقص منها.

الدليل الرابع: المعقول: قالوا: أليس محتملا أن لا تكون الركعة زائدة وإنما هي بدلا من ركعة لاغية بسبب نسيان قراءة الفاتحة مثلا في إحدى الركعات؟ فمع قيام هذا الاحتمال فالواجب على المأموم أن يتابع امامه؛ لأن المتابعة هي الأصل.

المناقشة:

ونوقش بأن الجهة منفكة، بمعنى أنه على  كل من الإمام  والمأمومين أن يعمل بما يعتقده، وما تستقيم له به صلاته.

وتوضيح ذلك أن الإمام بين أمرين: إن كان يعتقد صحة ما فعل وأنه مصيب فالواجب عليه أن يكمل صلاته وصلاته صحيحة، وإن لم يكن يعتقد ذلك، بل علم أو غلب على ظنه بعد تنبيه المأمومين له على الزيادة أنه أخطأ، فالواجب أن يرجع لقولهم، وتبطل صلاته إن استمر وهو على يقين بأنه أخطأ.

والمأمومون الذين اعتقدوا أنه زائد فلم يتابعوه: صلاتهم صحيحة، وقد فعلوا ما هو الواجب عليهم، فلا حرج على الجميع، وكل مأخوذ باعتقاده وما علم أنه صحيح في نفسه.

الترجيح:

بعد عرض الأدلة، ومناقشتها، فإن الذي يظهر أنه القول الراجح، وما تطمئن له النفس هو قول الجمهور؛ وذلك لوجوه:

الأول: أن فيه جمعا بين الأدلة الواردة في المسألة.

الثاني: سلامة أكثر أدلته من المناقشة، وما نوقش به أجيب عليه بما هو واضح.

الثالث: أنه ما عليه اتفاق السلف، وما نصت عليه المذاهب الفقهية المتبوعة جميعها، وعليه الفتوى في مختلف العصور.

وعليه، فإذا زاد الإمام ركعة نبهه المأمومون، فإذا رجع وجلس فالحمد لله، وهو المطلوب، وإن لم ينتبه وأصر على الزيادة فإن الواجب على من علم بالزيادة أن لا يتابعه لأنه قد عرف أنها زيادة فقد عرف أنها خطأ،  فلا يتابعه في الخطأ، وإنما يجلس.

وإن كان المأموم يشك في حصول زيادة من الإمام، أو يغلب على ظنه حصول سهو من الإمام أدى به إلى ترك ركن، كنسيان قراءة الفاتحة أو آية منها، فقام الإمام لتعويض ما فاته، فتابعه المأموم بناء على هذا الظن، فصلاته صحيحة، وقد فعل ما هو واجب عليه من المتابعة،  وإن لم يكن فعل المأموم مبنيا على حصول شك أو ظن، وإنما تابعه وهو على يقين بهذه الزيادة، وأنها ليست لسبب، فإنه تبطل صلاته.

فمع قيام الاشتباه بالنسبة للمأمومين في حال إمامهم، ومع حصول غلبة الظن بوجود سبب أو عذر شرعي لقيامه؛ كأن أشار لهم بالقيام، ونحو ذلك؛ فالواجب عليهم أن يتابعوه، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"، ولأن الأصل وجوب المتابعة .

ونختم بمسائل هامة لها تعلق أكيد بمسألة البحث، وهي فروع متفرعة عنه:

المسألة الأولى: ما يجب على الإمام فعله حيال تنبيه المأمومين له

يفرق في هذه المسألة بين حالين: الأولى: إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة مثلا، ولم يكن على يقين من نفسه، وكان شاكا في فعله، فإنه والحالة هذه يجب عليه الرجوع، فإن استمر في الركعة الخامسة متعمدا بطلت صلاته كما تبطل صلاة من تابعه في ذلك، إن كانوا عالمين بأنها خامسة، كما رجحناه.

والحال الثانية: إذا زاد الإمام في صلاته وكان على يقين أو غلب على ظنه أنه مصيب، والمأمومون يرون أنه في الخامسة مثلًا-، ففي هذه الحالة لا يستجب لهم الإمام، ويعمل بما تيقن أو غلب عليه ظنه.

وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، من الحنفية والحنابلة، وعند المالكية أنه إن كثر عدد من نبهوه من المأمومين، بحيث يفيد العلم الضروري، فإن الإمام يترك يقينه ويرجع لهم فيما أخبروه.

وهذا خلافًا للشافعية؛ فإنهم يرون أن الإمام يبني على اليقين ولا يلتفت للمأمومين.

وقول الجمهور أولى لأن شهادة المأمومين الثقات هي نوع من التحري، فمن ترجَّح له صواب إخبار المأمومين عمل به.

وقال ابن باز رحمه الله: "فالإمام إذا نبهه المأمومون على خطئه وزيادته في الصلاة، فأصر ولم يرجع فهو بين أمرين: إن كان يعتقد صحة ما فعل وأنه مصيب فلا بأس عليه يكمل صلاته وصلاته صحيحة. أما إذا كان ليس عنده ضبط، وإنما أصر من دون ضبط، فلا يجوز ذلك، وعمله غير صحيح، وقد نبهه اثنان أو أكثر من المصلين على الخطأ ولم يرجع، فالزيادة التي زادها مبطلة لصلاته، وعليه أن يعيد صلاته من أولها لأنه تعمد زيادة ركعة في الصلاة".

المسألة الثانية: ما هو الأولى فعله للمأمومين إذا أصر إمامهم على الزيادة: الانتظار أم المفارقة؟

كما ذكرنا أن الراجح أن المأمومين لا يتابعون الإمام في الخطأ لا في الزيادة ولا في النقص، لكن ما هو الأولى فعله بالنسبة للمأمومين؟ المفارقة له بالتسليم من الصلاة بعد التشهد والقعود له؟ أم الانتظار جلوسا حتى يفرغ من زيادته، فيجلس ويتشهد ويسلم ويسلمون معه؟

كلا الأمرين جائز، وبكل قد قال بعض أهل العلم؛ فأما الأول، فوجهه أن لهم عذرا في المفارقة، وقد ثبت بالسنة جواز مفارقة الإمام للعذر لعارض، كما في حديث معاذ لما أطال الصلاة، وكان يقرأ بسورة البقرة، ففارقه بعض الصحابة وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكيا، فأقره ولام معاذا.

وأما القول الثاني فيشهد له ما جاءت به السنة في بعض صور صلاة الخوف، من كون طائفة المأمومين الذين بدأوا الصلاة مع إمامهم ثم قاموا في الصف دون متابعة للإمام حتى يفرغ من أداء ركعة ثانية مع الطائفة الثانية التي حلت محلهم ولم تصل الركعة الأولى مع الإمام، فإن هذه الطائفة الأولى تبقى منتظرة حتى يفرغ الإمام ويقعد للتشهد، فيقعدون ويسلمون مع إمامهم جميعا.

وهذا القول اختاره وقال بأنه الأولى: الشيخان ابن باز وابن عثيمين، وغيرهم. قال ابن باز: "والذين نبهوه إن كانوا متيقنين أنه أطال وأنه مخطئ لا يقومون معه يجلسون يقرؤون التحيات, ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم, ويدعون, وينتظرونه حتى يسلموا معه؛ لأنه معذور وهم معذورون، هم معذورون باعتقادهم أنه مخطي، وهو معذور باعتقاده أنه مصيب وأنهم مخطئون، فكل منهما معذور باجتهاده وتقينه بزعمه صواب نفسه، فإذا سلم سلموا معه".

ويترجح أولوية هذا القول بأن فيه إدراكا لصلاة الجماعة كاملة مع الإمام، ويكون به التسليم مع الإمام عند فراغه منها، فيتم الأجر للجميع، إن شاء الله.

 

المسألة الثالثة: هل يجوز تنبيه الإمام على خطئه بالكلام الصريح، إن لم يفهم بمجرد التسبيح أو التصفيق؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين؛ فالجمهور على عدم الجواز، وأم الصلاة تبطل بحصول كلام فيها ليس من جنسها.

وذهبت طائفة من أهل العلم إلى جواز ذلك؛ إذا كان يؤدي إلى إصلاحها. واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب المالكية.

وبذلك أفتت اللجنة الدائمة؛ فقد جاء فيها السؤال: (كنت في أحد المساجد، وكانت صلاة الظهر قائمة، فصلى الإمام أربع ركعات، وقام للخامسة فسبح المأمومون، وكان ذلك جماعيا، إلا أن الإمام قد انتصب وأكمل الوقوف وتكلم أحد المأمومين، وقال للإمام: إنك في الركعة الخامسة، وأتم تلك الركعة، ودار الجدال بعدها بين الإمام والمأمومين، وكل يدافع عن موقفه، وسؤالي هنا: هل يحق للمأموم أن يتكلم في الصلاة بمثل ما فعل ذلك)؟

فأجابت اللجنة: "الكلام المتعمد في أثناء الصلاة يبطلها إلا في حق الجاهل والناسي، فإنه لا يبطلها على القول الراجح؛ لحديث معاوية بن الحكم، أنه عطس عنده رجل فشمته وهو في الصلاة، فأنكر عليه الصحابة رضي الله عنهم فلما فرغ من صلاته أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» ولم يأمره بالإعادة، فدل ذلك على أن الكلام في الصلاة لا يبطلها إذا كان المتكلم جاهلا بالحكم الشرعي، وكذا التكلم في الصلاة لمصلحتها لا يبطلها؛ لحديث ذي اليدين".

المسألة الرابعة: من كان مسبوقا في الصلاة وزاد الإمام خامسة فهل يعتد المسبوق بهذه الركعة الزائدة أم لا؟

من حضر للصلاة وقد فاته ركعة منها، أو أكثر، وعند انتهاء ركعات الصلاة، قام الإمام إلى ركعة زائدة، فهل ينتظره جالسا حتى يسلم معه، لما سبق ترجيحه في غير المسبوق، أو أنه يقوم معه باعتبار أنه لم يتم صلاته، فيتابعه بنية إتمام صلاته هو كمسبوق؟

وبمعنى آخر: هل يعتبر قد أتم صلاته بأدائه هذه الزيادة مع إمامه، أم يجب عليه إحضار ركعة، وعدم الاعتداد بالركعة الزائدة؟ بكل من القولين قد قال بعض أهل العلم، والمسألة من مما يسوغ فيه الخلاف، ومما اجتهد فيه العلماء.

فذهبت طائفة إلى أن من كان مسبوقا في الصلاة وزاد الإمام خامسة فإن المسبوق لا يعتد بالركعة الزائدة، وعليه أن يقضي ما فاته. وعلى ذلك، فإذا سلم الإمام الذي صلى خمساً فإنه يجب على المسبوق أن يأتي بركعة، فيكون قد صلى خمساً في الصورة، لكن منها واحدة لا تحتسب لأنها متابعة للإمام في زيادة، وهو – أعني المأموم- لا يعلم بها،  واستدلوا بقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). قالوا فهذا الرجل فاته ركعة فيجب أن يأتي بها.

وذهبت طائفة إلى أنه يعتد بها. وهذا القول الأخير أفتى به ابن عثيمين، رحمه الله، وقال معللا إياه، ورادّا على ما استدل به الأولون: "لا يجوز له أن يأتي بركعة خامسة بل يسلم مع الإمام في هذه الحال، لأن الإمام أتى بالخامسة معذوراً، وأما هذا فلا عذر له بعد أن علم أنه صلى أربعاً فلا يحل له أن يزيد في الصلاة.

وأما الجواب عن قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما فاتكم فأتموا)، فإن قوله: (فأتموا) يدل على أن هذا الذي فاته نقصت به صلاته، وهو إذا صلى مع الإمام أربعاً لم تنقص صلاته هذا هو الجواب عن هذا الحديث".

والذي يبدو أن هذا هو القول الأرجح، والعلم عند الله.

انظر: فتاوى اللجنة الدائمة، فتاوى ابن باز، فتاوى ابن عثيمين، فتاوى اسلام ويب، الاسلام سؤال وجواب، فتاوى واستشارات الإسلام اليوم، في مواضع متعددة. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟ فأجاب: " إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن". مجموع الفتاوى (23/53).

كالشيخ صالح المغامسي، والشيخ محمد فراج. راجع فتاوى لهم على بعض المواقع على النت.

قال ابن باز: "ولا أعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. هذا هو المعروف عند أهل العلم، وهو الموافق للأدلة الشرعية".(فتوى صوتية).

صحيح البخاري (1226).

مستفاد من كلام للشيخ الألباني من فتوى صوتية له في هذه المسألة(على موقع يوتيوب)، وقال الشيخ رحمه الله: فاذا قام الامام ساهيا الى الخامسة على المأموم ان يتابعه بعد ان يذكره وأن يفتح عليه كما هو السنة، فإذا لم يتبين الامام أنه في خامسة ينبغي علينا أن نتابعه كما تابعناه في ترك ركن من أركان الصلاة، وترك ركن من اركان الصلاة مبطل للصلاة والقيام إلى الخامسة عمدا مبطل للصلاة، ولكن الذي رفع الإبطال في القضية أو الصورة الأولى هو الذي يرفع الإبطال أيضا في الصورة الثانية.اهـ. يشير إلى حديث أبي هريرة في الحديث المتفق عليه، من قصة ذي اليدين.

فتح الباري لابن حجر (3/ 94).

من كلام للشيخ الألباني الذي سبق الإشارة إليه.

صحيح البخاري (1/ 139).

من كلام للشيخ الألباني الذي سبق الإشارة إليه.

انظر: فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (12/ 386).

من فتوى صوتية للشيخ.

انظر: لقاء الباب المفتوح (79/ 15).

راجع فتوى صوتية للشيخ ابن باز على موقع يوتيوب، وأخرى على موقع الإمام، وستأتي لاحقا.

قال الشيخ صالح الفوزان: "اذا زاد الامام ركعة في الصلاة فالواجب على من علم انها زيادة ان ينبه الامام فيقول الرجال سبحان الله – وتصفق النساء، فاذا اصر الامام فالواجب على من تيقن من المأمومين انها زائدة ان لا يتابع الامام وان تابعه بطلت صلاته، اما اذا كان شاكا من الامر فعليه متابعته او غلب على ظنه صواب الامام.

فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (5/ 435).

انظر: صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة (1/ 467)، فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (5/ 435).

نقلا عن فتوى له، على موقع الإمام ابن باز.

المرجع السابق. وقال ابن عثيمين: قد يقول قائل: كيف أنتظره وأنا أعتقد أن صلاته باطلة لأنه زاد؟ نقول له: اعتقادك أن صلاته باطلة غير صحيح، لأن الإمام أحياناً ينسى قراءة الفاتحة في بعض الركعات، ثم يأتي بالركعة هذه تكملة لصلاته فما دام هذا الاحتمال وارداً فنقول: اجلس للتشهد واقرأ التشهد مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى يصل الإمام ثم تصلي معه. لقاء الباب المفتوح (79/ 15).

جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 397): قوله: "إن سجد إمام سجدة واحدة وترك الثانية سهوا وقام لم يتبعه مأمومه بل يجلس ويسبح له لعله يرجع، فإن لم يفهم كلمه، فإن لم يرجع فإنهم يسجدونها لأنفسهم ولا يتبعونه في تركها وإلا بطلت عليهم ويجلسون معه ويسلمون بسلامه. فإذا تذكر ورجع لسجودها فلا يعيدونها معه على الأصح، وإن استمر تاركها حتى سلم وطال الأمر بطلت عليه دونهم. فهي من جملة المستثنيات".

فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (5/ 435).

وبه أفتت اللجنة الدائمة. انظر: فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (5/ 435).

رواه البخاري (636)، مسلم (152).

انظر: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (14/ 20).