الزواج العرفي والآثار المترتبة
من شروط صحة عقد الزواج: وجود ولي للمرأة، وشاهدي عدل:
عظم الإسلام من شأن عقد الزواج، حتى أسماه ميثاقا غليظا، واستحبه وأمر به أتباعه، ونهاهم عن التبتل والرهبانية،
ومن مظاهر تعظيم الشريعة الإسلامية لهذا العقد أن جعلت لصحته شروطا، من أهمها: وجود ولي للمرأة يتولى العقد لها أو عنها، ووجود شاهدين عدلين، فقال: "لا نكاح إلا بولي". وفي حديث آخر: "وشاهدي عدل".
وقال: " لا تزوج المرأة المرأة, ولا تزوج المرأة نفسها , فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ".
ويقول: ” أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له.
كما أمر النبي بإعلان النكاح، فقال: "أعلنوا النكاح"، زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: "واضربوا عليه بالدف".
ومعنى: "أعلنوا النكاح": إذاعته بين الناس، وبناء على هذا الأمر ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الإعلان، قالوا: والإشهاد يقوم مقام الإعلان، وقال المالكية: الإعلان فرض ولا يغني عنه الإشهاد.
والجمهور على أنه مستحب، اكتفاء بحصول الشهادة على العقد من شاهدي عدل على الأقل.
وحملوا نَهي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن نِكاح السّر على النّكاح الَّذي لَم يَشهَدْه الشّهود؛ بدليلِ أنَّ عُمَر أُتِي بِنِكاحٍ لَم يشْهَدْ عليْه إلا رجلٌ وامْرأة، فقال: "هذا نِكاحُ السر ولا أُجِيزُه، ولو كنت تقدَّمْتُ فيه لرَجَمْتُ"؛ أخرجه مالك عنِ ابْنِ الزّبير.
قال التّرمذي: "والعملُ على هذا عند أهْلِ العلم من أصحابِ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومَن بَعْدَهم من التَّابعين وغَيْرِهم، قالوا: "لا نكاح إلا بشهود" لَم يختلف في ذلك من مضى منهم إلا قومٌ من المتأخّرين من أهل العلم".
وقال ابنُ حزم: "وقالَ قَوْمٌ: إذَا اسْتُكْتِمَ الشَّاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ، وهُوَ بَاطِلٌ". قالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: "وَهَذَا خَطَأٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَهْيٌ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ إذَا شَهِدَ عليْهِ عَدْلانِ.
والثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ سِرًّا مَا عَلِمَهُ خَمْسَةٌ: النَّاكِحُ، وَالمُنْكِحُ، وَالمُنْكَحَةُ، وَالشَّاهِدَانِ".
وقال العلماء: النكاح إذا لم يَحْضُرْه سوى شاهدٍ واحدٍ فَقَطْ، فهُو نِكاحٌ فاسدٌ شرعًا، وهذا هو الرَّاجح، من قول الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة وهو المُعتمد عند الحنابلة.
قال ابنُ قدامة في "المغني": "إنَّ النّكاح لا يَنعقد إلا بشاهِدَيْن، هذا المشهورُ عن أحْمد".
وقال الدرديري من المالكيَّة: "وفسخ إن دخَلا بلاهُ أيْ بلا إشْهاد بطلقةٍ لِصِحَّة العقد بائنة لأنَّه فسخٌ جبريّ".
وقال في "المجموع" (شافعي): "ولا يَصِحّ إلا بعَدْليْن".
وجاء في "رد المحتار" (حنفي): "شُرِطَ (حُضُورُ) شَاهِدَيْنِ (حُرَّيْنِ) أَوْ حُرٌّ وَحُرَّتَيْنِ (مُكَلَّفَيْنِ سَامِعَيْنِ قَوْلَهُمَا مَعًا) على الأَصَحِّ (فَاهِمَيْنِ) أَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ". اهـ.
فإذا كان ذلك النّكاح استوفى كلَّ شُروطِه، ولكن لم يَحْضُرْه سوى شاهدٍ واحدٍ فَقَطْ، فهُو نِكاحٌ فاسدٌ شرعًا على الرَّاجح، من قول الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة، وهو المُعتمد عند الحنابلة.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة سؤال ملخصه: إمام حضر لإبرام عقد زواج، مع وجود شاهدين، وبعد العقد ظهر أن أحد الشاهدين لا يصلح للشهادة، وتم العقد وسافر الرجل بزوجته، ثم سأل بعض أهل العلم ببلده فأجابوه أن الزواج صحيح، ولكنه رغب سؤالكم ليطمئن.
والجواب: الأصل صحة العقد إن كان الشاهد المذكور مسلما، وإن كان غير مسلم فإنه يجب إعادة العقد بشاهدين عدلين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".اهـ.
وقال ابنُ القيّم في "إغاثة اللَّهفان":
"وشرط في النّكاح شروطًا زائدة على مُجرَّد العَقْد فقَطَعَ عنْهُ شبه بعْضِ أنواع السِّفاح به؛ كاشتِراط إعلانِه إمَّا بِالشَّهادة أو بِتَرْك الكِتْمان أو بِهما، واشتِراط الولِيّ، ومنَع المرْأة أن تليه وندَب إلى إظْهاره حتى استحبَّ فيه الدُّفَّ والصوت والوليمةَ وأوجب فيه المهر".اهـ.
والذي يشكل على الناس في زماننا أن القانون أتى بمخالفة الحكم المنصوص عليه في الشرع، فحكم بصحة الزواج "العرفي"، ولو بدون ولي، ولو بدون شاهدين.
وانساق كثير من الشباب وراء هذا القانون إرضاء لنزواتهم، وإشباعا لرغباتهم، مستهينين بقضاء ربهم، وحكم نبيهم، أو جاهلين بأحكام دينهم، ومقلدين لأترابهم.
ونتج من هذا السلوك البغيض نكاح السر، وما أسموه بالزواج العرفي، وترتب على ذلك أن عاشوا في الحرام، وأنتجوا أولادا كذلك في الحرام، وهم لا يشعرون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولما أفاقوا، وأنبهم ضميرهم، وفوجئت "المتزوجات" بأولاد من أرحامهن هجرهم من ولدوا بمائهم، راحوا يتساءلون: ماذا يفعلن؟ وما حكم الشرع فيما أتين؟ ولمن يكون نسب هؤلاء الأطفال؟
ولا ريب أن في التشريع الإسلامي علاجا لكل واقع، وحلا لكل إشكال، وبيانا لكل شيء، وأنه لم يدع صغيرة ولا كبيرة من القضايا المستحدثة إلا وله فيها قضاء وحكم.
فما هو الحل الإسلامي لهذه المعضلة؟
وما رأي علماء المسلمين في هذه القضية؟
هذا هو محل بحثنا، إن شاء الله، في الصفحات التالية.
تعريف الزواج العرفي، وبيان قسميه، وحكم كل قسم:
يُطْلَقُ الزواج العُرْفي على أحد معنيين: الأول: عقد الزواج الذي لم يُوثَّق بوثيقة رسمية، وإن كان مستوفيا لشروط صحته، ولأركانه.
والثاني: عقد الزواج الذي لم يستوفي شروط صحته من حيث انعدام الولي، وشاهدي العدل.
ولكل حكمه، والأصل أن الأول يقع صحيحا، ويترتب عليه آثاره، من حل استمتاع، ولزوم مهر، ووجوب نفقة، وحصول توارث، وغير ذلك، وأن الثاني يقع باطلا، لا أثر له، عند جماهير العلماء، لكن من أهل العلم، من يرى أنه العقد الفاسد قد يقبل التصحيح، فيحصل معه استلحاق الأولاد بمن ولدوا من مائهم، فينسبون إليهم، وتثبت به حرمة المصاهرة.
يقول الشيخ عطية صقر:
يُطْلَقُ الزواج العُرْفي على عقد الزواج الذي لم يُوثَّق بوثيقة رسمية، وهو نوعان: نوع يكون مستوفيًا للأركان والشروط، ونوعٌ لا يكون مُسْتوفيًا لذلك.
والأول: عقدٌ صحيح شرعًا يَحلُّ به التمتُّع وتَتَقَرَّر الحقوق للطرفين وللذُّرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن تُوجد الأنظمة الحديثة التي توجِب توثيق هذه العقود.
أما النوع الثاني من الزواج العُرْفي فله صورتان: صورة يُكْتَفَى فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يَعْلَمَ بذلك أحدٌ من شهود أو غيرهم، وصورة يكون العقد فيها لمدة معيَّنة كشهر أو سنة، وهما باطلان باتفاق مذاهب أهل السنة.
وإذا قلنا إن النوع الأول صحيح شرعًا تحلُّ به المعاشرة الجنسية، لكنْ له أضرار، وتترتب عليه أمور مُحَرَّمة منها:
1 ـأن فيه مخالفة لأمر ولي الأمر، وطاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويُحَقِّق مصلحة، والله يقول: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيُعوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59).
2 ـأن المرأة التي لها معاش ستحتفظ بمعاشها؛ لأنها في الرسميات غير متزوجة، لكنها بالفعل متزوجة، وهنا تكون قد استولت على ما ليس بحقها عند الله؛ لأن نفقتها أصبحت واجبة على زوجها، فلا يصح الجمع بين المعاش الذي هو نفقة حكومية وبين المعاش المفروض على زوجها، وهذا أكل للأموال بالباطل وهو مَنْهِيٌّ عنه.
3 ـكما أن عدم توثيقه يُعَرِّض حقها للضياع كالميراث الذي لا تُسمع الدعوى به بدون وثيقة، وكذلك يَضِيعُ حَقُّها في الطلاق إذا أُضيرَت، ولا يصح أن تتزوج بغيره ما لم يُطَلِّقْهِا، وربما يتمسَّك بها ولا يُطَلقها.
ومن أجل هذا وغيره كان الزواج العُرْفي الذي لم يُوَثَّق ممنوعًا شرعًا مع صحة التعاقد وحِل التمتُّع به، فقد يكون الشيء صحيحًا ومع ذلك يكون حرامًا، كالذي يُصلِّي في ثوب مسروق، فصلاته صحيحة، ولكنها حرام من أجل سرقة ما يَسْتُرُ الْعَوْرَة لتصح الصلاة.
وكذلك لو حَجَّ من مال مسروق، فإن الفريضة تسْقُط عنه، ومع ذلك فقد ارتكب إثمًا كبيرًا من أجل السرقة.
ويقول بعض الباحثين:
والحقيقة أن الشريعة الإسلامية الغراء لا تعرف معنى كلمة زواج عرفي وزواج رسمي وإنما تعرف الزواج الشرعي الذي طبق شروطه وأركانه وموجباته على سبيل العموم فلا هي تفرق بين هذا أو ذاك.
فإذا كانت هذه الشروط والأركان والموجبات موجودة ومتحققة فإن الزواج يكون صحيحاً حلالاً شرعاً أما لو نقص شرط أو ركن فإن أي من الزواجين يحكم عليه بأنه زواج غير جائز أو باطل أو فاسد، فرب زواج رسمي تحت الإكراه فهو غير جائز شرعاً ويكون باطلًا، ورب زواج عرفى طبقت فيه جميع الشروط من الرضا ووجود الولي وشاهدي عدل فإنه زواج مبارك إن شاء الله.
ـ ولكن الأغلب الأعم أن الزواج الرسمي دائماً ما يصدر صحيحاً وينعقد صحيحاً محللاً لأنه غالباً ما تتوافر فيه شروط صحة الزواج وبالتالي فهو الزواج الذي يسير حسب منهج الشريعة الإسلامية
وأما الزواج العرفي فإنه غالباً ما يكون الباعث عليه مريباً به شبه وبالتالي فيكون غير مكتمل الأركان والشروط ومن ثم يقع مخالفا للشريعة.
ويقول الشيخ حسام عفانة:
"بعض الناس يستعملون اصطلاح الزواج العرفي فيما يتم بين شاب وفتاة كأن يقول لها زوجيني نفسك فتقول له زوجتك نفسي ثم يكتبان ورقة بينهما أو عند محامٍ وهذا النوع أصبح منتشراً في بلاد كثيرة وبدأ يمارس في بلادنا.
ولا شك في بطلان هذا النوع، ولا يعتبر هذا زواجاً في الشرع بل هو زناً والعياذ بالله تعالى".
وفي أهمية توثيق عقد الزواج يقول الشيخ أيضا:
"لا شك أن عقد الزواج كان يتم قديماً بدون وثيقة وبدون تسجيل ... كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
[لم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون صداقات لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخّروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة تطول وينسى صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له]. مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/131.
ولكن صار تسجيل عقد الزواج أمراً لا بد منه، ولا يقال لماذا لا نمشي على ما مشى عليه السابقون من عدم التسجيل؟
فأقول: شتان ما بيننا وبينهم فلقد خربت ذمم كثير من الناس وقلت التقوى وكاد الورع أن يغيب في عصرنا لذا أؤكد على وجوب تسجيل الزواج في وثيقة رسمية وأعتقد أن من تزوج عرفياً أو زوج ابنته في زواج عرفي فهو آثم شرعاً وإن كان الزواج العرفي إن تم مستكملاً لأركان الزواج وشروطه صحيحاً شرعاً وكونه صحيحاً لا يمنع من تحريمه كمن حج بمال حرام فحجه صحيح ولكنه آثم شرعاً.
ومن المعلوم أن كتابة العقود وتوثيقها بمختلف أنواعها أمر مطلوب شرعاً وخاصة في هذا الزمان حيث خربت ذمم كثير من الناس وقل دينهم وورعهم وزاد طمعهم وجشعهم، وإن الاعتماد على عامل الثقة بين الناس ليس مضموناً لأن قلوب الناس متقلبة وأحوالهم متغيرة.
وقد أمر الله جل جلاله بتوثيق الدين حيث يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ .... وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا) سورة البقرة الآيتان 282-283. فهذا الأمر الرباني في كتابة الدنانير والدراهم لما في الكتابة من حفظ للحقوق فمن باب أولى كتابة ما يتعلق بالعرض والنسب.
ويضاف إلى ما سبق أنه يجب على الناس الالتزام بما نص عليه قانون الأحوال الشخصية فطاعة هذا القانون من باب الطاعة في المعروف وخاصة أنه يحقق مصالح الناس ويحفظ حقوقهم وبالذات حقوق المرأة والأطفال.اهـ.
والغرض: أن القول بأنه يجب شرعاً تسجيل الزواج بوثيقة رسمية، قول محتمل، وليس ببعيد، لكن من لم يفعل ذلك فإن العقد يكون صحيحاً تترتب عليه آثاره الشرعية، ومع ذلك لا ينبغي لأحد أن يشجع على الزواج العرفي لما يترتب عليه من مفاسد وضياع لحقوق الزوجة والأولاد.
والخلاصة في أنواع الزواج العرفي ما يلي:
1. إن كان الزواج قد تمَّ بشاهدين وولي، واستوفى جميع الأركان والشروط، من غير توثيقٍ في المحاكم الشرعية، فهذا زواجٌ صحيح، ولكنه قد يوجد فيه تأخيرٌ وتضييقٌ على الزوجة في أخذ حقوقها التي وجبت لها من زوجها.
2. إن كان العقد قد تمَّ بتراضي الطرفين على الزواج لكن بدون شهودٍ على ذلك، فهذا نكاح السِّر، وهو عقدٌ باطل.
3. إن كان العقد قد تمَّ بتراضي الطرفين على الزواج، وبحضور شاهدين، لكن بدون وليٍّ على ذلك، وسيأتي بيان ذلك لاحقاً.
بيان مذهب أبي حنيفة في عدم اشتراط الولي:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم أن كل نكاح وقع بدون ولي فهو باطل؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل".
وفي صحيح ابن حبان عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".
قالوا: فما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، إلا أن يثبت عضل الولي لها، وحينئذ فهي كفاقدة الولي، والسلطان ولي من لا ولي له.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وفقهاء الحنفية إلى أن للمرأة أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح، وأقوى ما استدل به أن الله تعالى قال: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:232].
قالوا: أضاف النكاح إليهن ونهى عن منعهن.
وقالوا: ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها.
كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: الأيم أحق بنفسها من وليها.
الرد على مذهب أبي حنيفة رحمه الله:
ولا شك في ضعف مذهب الحنفية، وقد بين الفقهاء بطلان ما ذهبوا إليه، فقالوا: أما الآية فهي حجة عليهم لا حجة لهم، وبيان ذلك: ما ذكره ابن قدامة في المغني، إذ يقول:
" وأما الآية، فإنَّ عَضْلها الامتناعُ من تزويجها، وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي. ويدل عليه: أنها نزلت في شأن معقل بن يسار، حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجها. وأضافه إليها لأنها محل له".
وقال البخاري في الرد عليه: باب من قال: لا نكاح إلا بولي، لقول الله تعالى: {فلا تعضلوهن} [البقرة: 232] فدخل فيه الثيب، وكذلك البكر، وقال: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} [البقرة: 221]، وقال: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32].
وأما ما ذكروه من القياس، فيجاب عليه بأنه قياس في مقابل النص، فلا يصح، وهذا يسميه العلماء: قياس فاسد الاعتبار.
ومن القواعد المقررة عند أهل العلم : "أنه لا اجتهاد مع النص".
وأما ما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها"، فقد قال الترمذي في التعليق عليه: هذا حديث حسن صحيح، رواه شعبة، والثوري، عن مالك بن أنس. وهو ما احتج به فقهاء الحنفية وبعض الناس على إجازة النكاح بغير ولي، فليس فيه حجة لهم؛ لأنه قد روي من غير وجه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي، وهكذا أفتى به ابن عباس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا نكاح إلا بولي، وإنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: الأيم أحق بنفسها من وليها عند أكثر أهل العلم: أن الولي لا يزوجها إلا برضاها وأمرها، فإن زوجها فالنكاح مفسوخ على حديث خنساء بنت خذام، حيث زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه.
والحاصل أن الأحاديث التي استدل بها جماهير الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم واضحة قطعية صريحة في اشتراط الولي لصحة النكاح، وأن ما استدل به الحنفية فيه تكلف كبير، مع كونه مردودا عليهم، كما أسلفنا.
ويكفي في بيان هذه الزلة قوله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"، مع نصه الصريح صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي".
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله:
لا عقد إلا بولي، يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (لا نكاح إلا بولي)، فالمرأة لا تزوج نفسها، ولا تزوج غيرها، فلا بد في النكاح من الولي، النكاح يحضره أربعة: الولي والزوج والشاهدين هذا هو النكاح الشرعي، وليٌ وهو أقرب العصبة إلى المرأة أبوها ثم جدها وإن علا من الذكور، ثم ابنها ثم ابن ابنها وإن نزل، ثم أخوها الشقيق، ثم أخوها لأب، ثم بقية العصبة الأقرب فالأقرب، لا بد من الولي وأن يكون مسلماً معروفاً بالخير عدلاً حسب التيسير، فإن لم يتيسر العدل جاز وإن كان غير عدل إن كان مسلماً، فالمقصود أنه لا بد من الولي، ولا بد من شاهدين معروفين بالخير والعدالة، فالزوج هو صاحب الحاجة، والولي يزوج ويقول: زوجتك فلانة بن فلان أو بنته أو أخته أو نحو ذلك، والزوج يقول قبلت، والشاهدان يشهدان بذلك. أما ما يسمى بالزواج العرفي، وهو كونها تزوج نفسها من دون ولي فهذا لا يجوز، بل هو باطل عند جمهور أهل العلم، وعليه دل النص الصحيح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وهو قوله: (لا نكاح إلا بولي)، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها).
توابع الزواج العرفي إذا وقع، والآثار التي تترتب عليه:
كما أسلفنا فإن الراجح جليًا من أقوال الفقهاء أن الزواج يشترط له وجود ولي للمرأة، وشاهدي عدل، مع الإيجاب الذي يكون من ولي المرأة، والقبول الذي يكون من جهة الزوج، فإن عدم شيء من ذلك بطل العقد، وأن ما يعرف الآن في أوساط الشباب وغيرهم بالزواج العرفي الكائن بلا ولي زواج باطل.
لكن يبقى تساؤلات يفرزها الواقع، أهمها: هل عقد الزواج العرفي قابل للتصحيح؟ وماذا تفعل المتزوجة عرفيًا التي هرب زوجها بسفر ونحوه، أو أنكر هذا الزواج من أصله وتنصل منه؟ هل تظل معلقة أو أن لها أن تتزوج زوجًا جديدًا؟
وهل يجوز للمتزوج عرفيا أن يستلحق الولد الذي أتى من مائه، فينسبه إلى نفسه، فيكون كابنه الشرعي فيتوارثان، وتثبت به حرمة المصاهرة؟
للإجابة عما سبق نقول، معتمدين على فتاوى أهل العلم في هذا الباب:
أولا: نص غير واحد من أهل العلم على إمضاء هذا الزواج إذا حكم به حاكم مسلم، أو كان القضاء قد جرى على ذلك، أو حصل ذلك واقعا.
وفي فتاوى الإسلام سؤال وجواب، ما يفيد ذلك، حيث وجه لهم سؤال مفاده أن العقد عندهم في أوزباكستان يجري على المذهب الحنفي، حيث لا يشترط حضور الولي، وإنما يحضر عقد الزواج الإمام والعروس والعريس وشاهدان، ويقوم الإمام أولاً بإلقاء خطبة بأن يقوم بقراءة بعض آيات من القرآن وبعض الأدعية، ثم يأخذ موافقة العروسين على النكاح، ويتم العقد بذلك.
وكان من ضمن الجواب ما يلي:
ثانيا: نظراً لأن المسألة اجتهادية، واختلف فيها الأئمة، فإنه إذا كان أهل بلد يعتمدون المذهب الحنفي كبلادكم وبلاد الهند وباكستان وغيرها، فيصححون النكاح بلا ولي، ويتناكحون على هذا، فإنهم يقرّون على أنكحتهم، ولا يطالبون بفسخها.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" إذا ثبت هذا، فإنه لا يجوز لها تزويج أحد. وعن أحمد، لها تزويج أمتها. وهذا يدل على صحة عبارتها في النكاح، فيخرج منه أن لها تزويج نفسها بإذن وليها، وتزويج غيرها بالوكالة. وهو مذهب محمد بن الحسن. وينبغي أن يكون قولا لابن سيرين ومن معه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها، فنكاحها باطل». فمفهومه صحته بإذنه، ولأن المرأة إنما منعت الاستقلال بالنكاح، لقصور عقلها، فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة، وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها.
والصحيح الأول؛ لعموم قوله: «لا نكاح إلا بولي». وهذا يقدم على دليل الخطاب، والتخصيص هاهنا خرج مخرج الغالب، فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بغير إذن وليها، والعلة في منعها، صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال، وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة، فإن حَكَمَ بصحة هذا العقد حاكمٌ , أو كان المتولي لعقده حاكماً , لم يجز نقضه".
وعليه ؛ فلا يلزمك إعادة عقد النكاح ، وينبغي أن تنصح لإخوانك وأقاربك وأن تبين لهم أهمية وجود الولي في النكاح ، وأن إجراءه للعقد هو الأولى والأكمل ، وفي ذلك خروج من الخلاف. اهـ.
ثانيا: إذا لم يكن ذلك على الوجه المذكور من كونه يصحح العقد بحكم الحاكم أو القضاء الشرعي، وإنما يتم العقد بمجرد تراضي الرجل والمرأة، دون حضور ولي للمرأة أو شهود على العقد، فإن العقد على هذا النحو باطل، وهو في حكم الزنا، ولا يترتب عليه أثره، بل يجب التفريق بينهما فورا، وعليها التوبة مما فعلا، وللحاكم تعزيرهما بما يراه مناسبا.
لكن إن كانا في ذلك متبعين لفتوى عالم يرى جواز العقد على هذا النحو، ولم يتعمدا المخالفة لحكم الشرع، فهنا يترتب على العقد آثاره، وإن كان ي الأصل فاسدا، ويجب أيضا التفريق بينهما، أو إعادة العقد على الوجه المستوفي لأركانه.
ففي فتاوى الشبكة الإسلامية، سؤال مفاده: ما حكم إقدام شاب وفتاة على الزواج في السر بدون ولي، وبمجرد قول المرأة للرجل زوجتك نفسي، وقوله لها: قبلت زواجي بك؟
وكان من ضمن الجواب ما يلي: "إن كان الزواج مجمعاً على بطلانه مثل أن يكون بغير ولي وبغير شاهدين، فلا أثر حينئذ له... وذلك لأن من القواعد الفقهية المعروفة عند بعض أهل العلم أن: المعدوم شرعاً كالمعدوم حسا".
وسئلوا أيضا عن امرأة تزوجت عرفيا معتقدة جوازه..
فأجابوا:
"إن كانت أمك قد تزوجت بغير إذن وليها، فهذا نكاح فاسد، لأن الولي شرط لصحة النكاح على الراجح من أقوال الفقهاء، وإن كانت تجهل ذلك، أو أخذت بقول من يجيز ذلك فنرجو ألا إثم عليها، والنكاح الفاسد بعد الدخول تترتب عليه آثار النكاح الصحيح، ومن ذلك أنه يثبت به الميراث إذا حصل الموت قبل الفسخ".
وفي فتاوى دار الإفتاء المصرية (1/ 339) ورد هذا السؤال الذي مفاده: أنه قد تم الاتفاق بين رجل وامرأة على زواجهما ببعض، دون شهادة شاهدين على هذا العقد فهل يعتبر عقد زواج رسمي، وبالتالي هل يكون صحيحا شرعا؟
وكان من ضمن الجواب ما يلي:
"المنصوص عليه في فقه الحنفية أن عقد الزواج باعتباره عقدا موصلا لاستباحة الوطء واحلاله يجب أن يظهر امتيازه بهذا الاعتبار عن الوطء المحرم وطريق ذلك اعلانه واشهاره والاشهاد عليه ولهذا أوجب عامة العلماء اعلانه.
وروى ابن حبان عن طريق عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال" "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له.
ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين، وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه.
والمقرر في فقه الحنفية أيضا أنه إذا خلا عقد الزواج من شهادة الشاهدين يكون عقدا فاسدا لفقده شرطا من شروط الصحة، وهو شهادة الشاهدين، ويكون دخول الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد معصية، وحكم الزواج الفاسد أنه لا يحل للرجل فيه الدخول بالمرأة، ولا يترتب على هذا العقد شيء من آثار الزوجية.
فإن دخل الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد الفاسد كان ذلك معصية ووجب تعزيرهما والتفريق بينهما".
ثالثا: بالنسبة للآثار المترتبة على فساد العقد، غير ما سبق، وكان قد حدث الدخول حقيقة، وهل يستلحق المولود بمن قد أتى من مائه، فيكون له أبا شرعيا، فيتوارثان، وتثبت بالدخول حرمة المصاهرة؟ فقد جاء في بقية الفتوى السابقة ما يلي:
"... فإن دخل الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد الفاسد كان ذلك معصية ووجب تعزيرهما والتفريق بينهما، ويترتب على الدخول الآثار الآتية:
1- يدرأ حد الزنى عنهما لوجود الشبهة.
2- إن كان قد سمى مهر كان الواجب الأقل من المسمى ومهر المثل.
3- تثبت بالدخول حرمة المصاهرة.
4- تجب فيه العدة على المرأة، وابتداؤها من وقت مفارقة الزوجين أو أحدهما للآخر، إن تفرقا باختيارهما، ومن وقت تفريق القاضي بينهما إن لم يتفرقا اختيارا، وتعتد المرأة لهذه الفرقة عدة طلاق حتى في حالة وفاة الرجل.
5- يثبت به نسب الولد من الرجل إذا حصل حمل من ذلك الدخول، وذلك للاحتياط في احياء الولد وعدم تضييعه.
ولا يثبت شيء من هذه الأحكام إلا بالدخول الحقيقي، فالخلوة ولو كانت صحيحة لا يترتب عليها شيء من هذه الأحكام أما غير ذلك من أحكام الزوجية فلا يثبت في الزواج الفاسد، فلا يثبت توارث بين الرجل والمرأة، ولا تجب فيه نفقة ولا طاعة زوجية". اهـ.
هذا، وقد قال الإمام الشاطبي من المالكية بمراعاة الخلاف في صور لو وقعت وكان في إزالتها ضرر أعظم من الاستمرار عليها، ومثل لذلك بالنكاح بدون ولي، فهو يرى أنه باطل، لكن إذا عثر عليه بعد الدخول فقد يراعى فيه الخلاف، فلا تقع فيه الفرقة لأن نقضه وإبطاله يؤول إلى مفسدة توازي مفسدة النهي أو تزيد.
يقول رحمه الله في كلام ماتع وقيم، نسوقه بنصه في ختام هذا المبحث، لكونه تأصيلا لما نحن بصدده:
" ... وإذا ثبت هذا، فمن واقع منهيا عنه، فقد يكون فيما يترتب عليه من الأحكام زائد على ما ينبغي بحكم التبعية لا بحكم الأصالة، أو مؤد إلى أمر أشد عليه من مقتضى النهي، فيترك وما فعل من ذلك، أو نجيز ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل، نظرا إلى أن ذلك الواقع وافق المكلف فيه دليلا على الجملة، وإن كان مرجوحا، فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأن ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهي، فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن [به] من القرائن المرجحة، كما وقع التنبيه عليه في حديث تأسيس البيت على قواعد إبراهيم، وحديث [ترك] قتل المنافقين، وحديث البائل في المسجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتركه حتى يتم بوله؛ لأنه لو قطع بوله لنجست ثيابه، ولحدث عليه من ذلك داء في بدنه، فترجح جانب تركه على ما فعل من المنهي عنه على قطعه بما يدخل عليه من الضرر، وبأنه ينجس موضعين وإذا ترك، فالذي ينجسه موضع واحد.
وفي الحديث: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل"، ثم قال: "فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل منها". وهذا تصحيح للمنهي عنه من وجه، ولذلك يقع فيه الميراث ويثبت النسب للولد، وإجراؤهم النكاح الفاسد مجرى الصحيح في هذه الأحكام وفي حرمة المصاهرة وغير ذلك دليل على الحكم بصحته على الجملة، وإلا كان في حكم الزنى، وليس في حكمه باتفاق فالنكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح جانب التصحيح.
وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة [مقتضى] النهي أو تزيد.
ولما بعد الوقوع دليل عام مرجح تقدم الكلام على أصله في كتاب المقاصد، وهو أن العامل بالجهل مخطئا في عمله له نظران:
نظر من جهة مخالفته للأمر والنهي، وهذا يقتضي الإبطال.
ونظر من جهة قصده إلى الموافقة في الجملة؛ لأنه داخل مداخل أهل الإسلام ومحكوم له بأحكامهم، وخطؤه أو جهله لا يجني عليه أن يخرج به عن حكم أهل الإسلام، بل يتلافى له حكم يصحح له به ما أفسده بخطئه وجهله وهكذا لو تعمد الإفساد لم يخرج بذلك عن الحكم له بأحكام الإسلام؛ لأنه مسلم لم يعاند الشارع، بل اتبع شهوته غافلا عما عليه في ذلك، ولذلك قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} الآية [النساء: 17].
وقالوا: إن المسلم لا يعصي إلا وهو جاهل، فجرى عليه حكم الجاهل، إلا أن يترجح جانب الإبطال بالأمر الواضح، فيكون إذ ذاك جانب التصحيح ليس له مآل يساوي أو يزيد، فإذ ذاك لا نظر في المسألة، مع أنه لم يترجح جانب الإبطال إلا بعد النظر في المآل وهو المطلوب.
ومما ينبني على هذا الأصل قاعدة الاستحسان، وهو - في مذهب مالك - الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي، ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس، فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك الأشياء المفروض...".
أخرجه أحمد عن أبي موسى، وابن ماجه عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7555).
أخرجه البيهقي، عن عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7557).
رواه ابن ماجه والدارقطنى، وقال الألباني في إرواء الغليل (1841): صحيح. دون الجملة الأخيرة.
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، عن عائشة، وصححه الألباني في الإرواء (1840).
أخرجه أحمد وابن حبان عن ابن الزبير، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1072)، وأورد الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/ 409) الحديث بلفظ: " أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف ". وقال: ضعيف بهذا التمام. أخرجه الترمذي (1 / 202) والبيهقي (7 / 290). اهـ.
سنن الترمذي، ط. شاكر (3/ 404).
المحلى بالآثار (9/ 49).
المغني لابن قدامة (7/ 8).
انظر: الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 216).
المجموع شرح المهذب (16/ 198).
الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (3/ 21)، وانظر: فتوى للشيخ: خالد عبد المنعم الرفاعي، على موقع: طريق الإسلام، بعنوان: حكم زواج السر.
انظر: فتوى للشيخ: خالد عبد المنعم الرفاعي، على موقع: طريق الإسلام، بعنوان: حكم زواج السر.
فتاوى اللجنة الدائمة (18/ 183).
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 365).
وهذا هو المراد ببحثنا؛ فالزواج العرفي مصطلح يطلق على علاقة باطلة بين رجل وامرأة، تقوم فيه المرأة بتزويج نفسها بدون موافقة أو علم وليها وأهلها، ويتسم عادة بالسرية التامة، ويكون بإحضار أي شخصين كشاهدين، وثالث يكتب العقد.
انظر ص 268 من الجزء الثاني من كتاب (بيان للناس من الأزهر الشريف)، ص342، والجزء الأول من: موسوعة: الأسر تحت رعاية الإسلام. نقلا عن موقع: اسلام أون لاين، مقال بعنوان: الزواج العرفى: أنواعه وحكمه.
الزواج العرفي دراسة مقارنة في التوفيق ما بين الشريعة والقانون. لمحمد الحسين سلامة - منقول عن: المدونة الالكترونية.
من موقع فضيلة الشيخ.
قال: وهو زواج معتبر شرعاً وهو ما كان سائداً بين المسلمين قديماً إلى أن صار توثيق الزواج بوثائق رسمية متعارفاً عليه بين المسلمين وصارت بعض قوانين الأحوال الشخصية تلزم تسجيل الزواج رسمياً.
المرجع السابق.
انظر: مقال بعنوان: (حكم الزواج العرفي)، على موقع جامعة الإيمان. مؤسسها: الشيخ/ عبد المجيد بن عزيز الزنداني.
سبق تخريجه.
سبق تخريجه.
واختلفت الرواية عن صاحبيه: أبي يوسف ومحمد. انظر: الاختيار لتعليل المختار (3/ 90)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 117).
رواه الجماعة إلا البخاري، وانظر: إرواء الغليل (6/ 231) من حديث ابن عباس. (1833).
المغني (7/6).
صحيح البخاري (7/ 15).
انظر موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم: (132787).
انظر: سنن الترمذي (2/ 407).
سبق تخريجه.
سبق تخريجه.
انظر فتوى الشيخ على موقع الإمام ابن باز.
المغني لابن قدامة (7/ 8)، قال أيضا في الموضع ذاته: وخرج القاضي في هذا وجها خاصة أنه ينقض وهو قول الإصطخري من أصحاب الشافعي؛ لأنه خالف نصا. والأول أولى؛ لأنها مسألة مختلف فيها، ويسوغ فيها الاجتهاد، فلم يجز نقض الحكم له، كما لو حكم بالشفعة للجار، وهذا النص متأول وفي صحته كلام، وقد عارضه ظواهر.اهـ.
انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (6/ 106).
انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 1075).
فتاوى الشبكة الإسلامية. رقـم الفتوى :(266551). وفيها أيضا الفتوى رقم: (258364): السؤال التالي: من أخذت بقول الشافعي في الزواج الفاسد، بأنه لا يحتاج إلى طلاق، أو فسخ. ولنفترض أنها أخذت به تتبعا للهوى، وكانت تعرف أن تتبع الهوى مذموم. هل يمكنها الزواج من رجل آخر بعد ذلك؟ والإجابــة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فالنكاح الفاسد لا يجوز الاستمرار عليه، وله حالتان: الأولى: أن يكون مجمعا على فساده كنكاح الخامسة، أو المعتدة فلا يحتاج لفسخ، ولا طلاق؛ لأنه كالعدم، ويجوز للمرأة حينئذ الزواج من شخص آخر مباشرة إن لم يحصل وطء في ذلك النكاح الفاسد، فإن حصل، فبعد الاستبراء.
الثانية: أن يكون مختلفا في فساده كوقوعه بلا ولي، أو بلا إشهاد عند العقد. فهذا إذا أرادت صاحبته أن تتزوج، فلا بد فيه من فسخ، أو طلاق عند أكثر أهل العلم، فإن تزوجت قبل الفسخ، أو الطلاق فهي آثمة، ونكاحها باطل.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا تزوجت المرأة تزويجا فاسدا، لم يجز تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها، أو يفسخ نكاحها، وإذا امتنع من طلاقها، فسخ الحاكم نكاحه، نص عليه أحمد.اهـ. وما ذكره ابن قدامة هو مذهب الجمهور، وخالف الشافعي فجعل القسم الثاني كالقسم الأول. جاء في الحاوي للماوردي: الطلاق مختص بالفرقة، والنكاح الفاسد لا يحتاج فيه إلى وقوع الفرقة. اهـ.
وفي المغني لابن قدامة: وقال الشافعي: لا حاجة إلى فسخ، ولا طلاق؛ لأنه نكاح غير منعقد، أشبه النكاح في العدة. ولنا، أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتيج في التفريق فيه إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه؛ ولأن تزويجها من غير تفريق يفضي إلى تسليط زوجين عليها، كل واحد منهما يعتقد أن نكاحه الصحيح، ونكاح الآخر الفاسد، ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين. اهـ.
وانظري الفتوى رقم: 181051
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأخذ بقول الشافعي تقليدا لا حرج فيه، أما الأخذ به من باب تتبع الرخص، فهو غير جائز، وفاعله آثم، تجب عليه التوبة إلى الله تعالى، كما بينا في الفتوى رقم: 4145، ومن شروط التوبة عدم الاستمرار في ذلك الإثم.
فعليك أن لا تتزوجي من شخص آخر حتى تتراضي مع الزوج السابق على الفسخ، إن كان النكاح غير مجمع على فساده، أو تترافعا إلى المحكمة الشرعية لتقضي فيه؛ فحكم القاضي يرفع الخلاف في مسائل الأنكحة والطلاق؛ كما بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 47816 - 48058 - 68211 - 5584. والله أعلم.
فتاوى دار الإفتاء المصرية (1/ 339). المفتي: الشيخ: أحمد هريدي.
بخصوص هذه المسألة: استلحاق الولد الناشئ من الزواج العرفي بمن ولد من مائه، أو بمعنى آخر: إذا زنا الرجل بامرأة غير متزوجة، وكانت نتيجة هذا الزنا طفل، فهل يجوز له أن ينسبه له؟ ورد لبعض أهل العلم هذا الجواب المفصل:
"اتفق العلماء على أن الفراش هو الأصل في ثبوت النسب، والمراد بالفراش: الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة. واختلف العلماء في الزاني إذا أراد استلحاق ابنه من الزنا به، هل يثبت نسبه له شرعاً أم لا، على قولين مشهورين: الأول: أن ابن الزنا لا يُنسب إلى الزاني ولو ادعاه واستلحقه به. وهو قول عامة العلماء من المذاهب الأربعة والظاهرية وغيرهم. وبناء على هذا القول: فإن ولد الزنا – ذكرا كان أو أنثى – لا ينسب إلى الزاني، ولا يقال إنه ولده، وإنما ينسب إلى أمه، وهو محرَم لها، ويرثها كبقية أبنائها.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) متفق عليه. ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل ولداً لغير الفراش، كما لم يجعل للعاهر سوى الحجر، وإلحاق ولد الزنا بالزاني إلحاق للولد بغير الفراش.
فقوله (الولد للفراش) يقتضي حصر ثبوت النسب بالفراش. القول الثاني: أن الزاني إذا استلحق ولده من الزنا فإنه يلحق به.
وهو قول عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وإسحاق بن راهويه، كما نقله عنهم ابن قدامة في " المغني" (9/123). واختار هذا القول: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم.
واختاره أيضاً من المعاصرين: الشيخ محمد رشيد رضا في "تفسير المنار" (4/382)، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، كما في "الشرح الممتع" (12/127). لأن هذا الطفل متولد من مائه، فهو ابنه قدراً وكوناً، ولا يوجد دليل شرعي صحيح صريح يمنع من إلحاق نسبه به. وأما حديث: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) فهو وارد في حال وجود الفراش، ومسألتنا في حال عدم وجود الفراش. ويشهد لهذا ما جاء في قصة جريج العابد، لما قال للغلام الذي زنت أمه بالراعي: (قالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ، قَالَ: الرَّاعِي...) متفق عليه. فكلام الصبي كان على وجه الكرامة وخرق العادة من الله، وقد أخبر أن الراعي أبوه، مع أن العلاقة علاقة زنى؛ فدل على إثبات الأبوة للزاني. ولأن الشارع يتشوف لحفظ الأنساب ورعاية الأولاد، والقيام عليهم بحسن التربية والإعداد، وحمايتهم من التشرد والضياع. والحاصل: أن القول بالمنع والجواز قولان معتبران عند أهل العلم، وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد، ويبقى النظر في كل واقعة بملابساتها، فإذا كان الولد يضيع ديناً أو دنياً فالأخذ بالقول بالاستلحاق فيه تحقيق مصلحة حفظه، وهي مصلحة شرعية". اهـ. نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب. فتوى رقم (230367)، ورقم (192131).
انظر: الموافقات (190: 195).