logo

حكم النمص


بتاريخ : الثلاثاء ، 3 ذو القعدة ، 1444 الموافق 23 مايو 2023
حكم النمص

هل النمص حرام؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتبع هديه، واقتدى بهداه، وبعد:

فإنه مع طغيان موجة الموضة والأزياء، وانتشار عدواها في سائر الأرجاء، أصبح النساء مولعات بأضوائها، ملازمات لإنتاجها، متابعات لقواعدها، حتى ولو كانت مخالفة للنصوص الشرعية.

ومن المخالفات التي يقع فيها بعض النساء في هذا الخصوص: النمص.

والنمص: هو نتف شعر الوجه، وهو وإن كان يطلق على نتف شعر الوجه عامة إلا أنه يغلب على القصد منه نتف شعر الحاجب لغلبة فعله. لذلك إذا قيل: النمص، فالغالب أن يقصد به القص من شعر الحواجب أو نتفها أو التخفيف منها أو الحلق منها[1].

وقد ورد في الحديث الوعيد الشديد لكل متنمصة أو نامصة، وهو اللعنة التي هي الطرد من رحمة الله.

ومع ذلك فإن حكم النمص لم يخل من وجود خلاف فقهي بين أصحاب المذاهب، حتى إن طائفة منهم رأت أنه يجوز للزوجة فعله لأجل التزين لزوجها، وطائفة أخرى رأت جوازه إذا أذن الزوج لها بذلك.

ولا شك أن هناك شبهات حملت أصحاب هذا الاتجاه على هذا القول أو ذاك، وعلى الأخذ به.

وإنما قلنا شبهات، ولم نقل أدلة، لوضوح وصراحة الحديث النبوي في النهي عن النمص، بل وعده مما يوجب لعن فاعلته[2].

ونحن في هذا المقام نفند هذه الشبهات، ونستعين الله عز وجل في الرد عليها.

الشبهة الأولى: حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في النهي عن النمص موقوف عليه أي أنه من كلام عبد الله بن مسعود، فلا يكون حجة. وتبقى المسألة خلافية، والأمر فيه سعة؛ وعليه، فيأخد كل امرئ بما يناسبه وما يقتنع به[3]..

والجواب من وجوه:

الأول: أن القول بأن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في النهي عن النمص موقوف عليه؛ هذا لم يقل به أحد من العلماء، متقدمهم ومتأخرهم.

الثاني: كيف يكون الحديث موقوفا، وقد ورد فيه قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فهذا نص صريح في الرفع، ولا يلزم أن يقول الصحابي حدثني أو سمعت، لكي يثبت للحديث حكم الرفع.

فالحديث متفق عليه[4]، كما قال ابن حجر رحمه الله، وغيره من أهل الفن، وعلماء الحديث والفقه قاطبة[5].

الثالث: وردت نصوص أخرى، غير هذا الحديث، تدل على تحريمه تحريماً بيّناً، فمن ذلك:

قوله تعالى: { إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا. لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا} [النساء:117-121].

ووجه الدلالة من الآية أن الشيطان عدو لله قد أخذ على نفسه عهداً بإضلال الناس عن الهدي ومن بين أعماله في ذلك أن يأمرهم بتغيير خلق الله، {لآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرنَّ خَلقَ اللهِ } ، والنمص فيه تغيير للخلقة الأصلية لأن الوجه ومنه الحواجب قد خلقه الله جلَّ وعلا في أحسن تقويم، كما قال تعالى: { لَقَد خَلَقنَا الإِنسَان فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ } [التين:4]، والنامصة حينما تقوم بحف حواجبها أو قصها أو نتفها أو نتف شعر وجهها فهي بذلك تقع في مصايد الشيطان، ومكايده وتكون من المغيرات خلق الله.

الرابع: مع ثبوت الحديث، ووجود نصوص أخرى شاهدة على هذا الحكم، وعد غير واحد من العلماء للنمص بأنه من كبائر الذنوب؛ فلا يقال بأن المسألة خلافية. بل لا يلتفت إلى هذا الخلاف.

وقد قال الله جل في علاه: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون). النور (51).

وقال سبحانه: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). الأحزاب (36).

الشبهة الثانية: العبرة بالنية؛ فينظر إلى الدافع لهذا العمل هل هو التزين للزوج، فيكون مباحا، على الأصل، أو أنه للفت أنظار الرجال فيكون محرما، وهذا ما فهمته عائشة رضي الله عنها؛ إذ إنها قد أفتت لمن سألتها عن نتف شعر وجهها قائلة لها: أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك، كما تتصنعين...

والجواب من وجوه:

الأول: ما ورد عن عائشة رضي الله عنها لا يمكن أن يقابل به النص النبوي في تحريم النمص، وقد يحمل ذلك على أنها اجتهدت وأخطأت، وقد تكون لم يبلغها النص أصلا. والحجة إنما هي في قول الله تعالى، وفي قول رسوله صلى الله عليه وسلم، لا في قول غيرهما ممن لا تثبت له العصمة.

الثاني: إماطة الأذى لا يتعين فيه النتف، بل يمكن أن يكون ذلك بأي وسيلة أخرى مما يحصل معه التزيين، من اصبغ أو الترتيب أو القص على قول بعض أهل العلم[6]

الثالث: العمل إذا كان خلاف المشروع فإنه لا ينظر فيه إلى نية فاعله، بل هو حينئذ عمل مبتدع مردود على فاعله. كما قال صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ". وقال أيضا: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"[7]. والعبرة بما روي لا بما رأي.

الشبهة الثالثة: كثير من المتزوجات ممن يقمن بالنمص يفعلن ذلك بطلب أو بأمر من أزواجهن، لكون الزوج يحب منها ظهورها بمظهر أجمل، وطاعة الزوج واجبة اتفاقا، والنمص مختلف فيه، فيترجح القول بالجواز، استصحابا للمصالح االمرجوة في ذلك، من استدامة السعادة الزوجية، ودرء أسباب الشقاق، وحرصا على عدم تطلع الزوج إلى غير زوجته

والجواب من وجوه:

الأول: أن هذا مخالف للشرع فإنه كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، فطاعة الزوج واجبة على الزوجة في المعروف، وليس من المعروف أن تقع في النمص الذي يوجب لها العنة والطرد من رحمة الله.

قال الإمام الطبري: (لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين... فكل ذلك داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله تعالى ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر)[8].

الثاني: أن من أهل العلم الثقات من يفتى بجواز تشقير الحواجب، وفي هذا مندوحة عن النمص[9].

كذلك نص أهل العلم على أن شعر الحاجب إذا كان كثيفا أو طويلا إلى حد يخرج عن المعتاد بشكل واضح بحيث يشوه الخلقة ويضر صاحبه، فإنه يجوز عندئذ الأخذ منه بالقدر الذي يزول به التشويه والضرر.

قال الشيخ ابن عثيمين: "وأما التخفيف من الحاجبين فإن كانا غليظين غلظاً غير معتاد ، فلا حرج ، وإن كانا غليظين غلظاً معتاداً ، فالأولى إبقاؤهما على ما كان عليه "[10].

الثالث: كون النمص فيه جمال زائد عن أصل الخلقة، لا يسلم به.

بل ثبت بشهادة نساء كن ينمصن أنه حدث لهن ترهل في الحواجب من كثرة النمص، فأصبحن كالعجائز وهن ما زلن في عمر الزهور!

بل إن بعضهن اضطررن لمراجعة عيادات التجميل من كثرة النمص، لإصلاح ما أفسده النمص.

يقول الدكتور وهبة أحمد حسن: (إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من " مكياجات " الجلد؛ لها ثأثيرها الضار، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة.. إلى أن قال: إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه )[11].

الشبهة الرابعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يلعن المرأة لمجرد أنها حفت حواجبها فاللعن الطرد من رحمة الله وهو عقاب عظيم لذنب أعظم وكيف تطرد من رحمته من تزينت لزوجها وأماطت الأذى عن وجهها وجسمها؟ ومن ثم يجب أن يتأول النهي في الحديث – إن صح – على من تفعله تجملا لغش خاطب ونحو ذلك، كما في سبب الحديث (سؤال الأم عن الوصل لابنتها المحصوبة)، أو على كونه من شعار الفاجرات زمن ورود الحديث، وهو ما اختاره ابن الجوزي[12].

والجواب من وجوه:

الأول: هذه الشبهة تتعلق برد النص بناء على معارضة العقل تحتاج لكلام طويل كفانا مؤونته علماؤنا الأجلاء في ردهم على المدرسة العقلية وبيان خطئها في رد النصوص الشرعية، ولو جمع الكاتب طرق وروايات الحديث لانزاحت عنه إشكالات كثيرة. ومن ذلك أنه ورد في بعض الطرق الصحيحة لهذا الحديث قول المرأة السائلة لعبد الله بن مسعود: (فلعله في بعض نسائك) هكذا قالت: (فلعله) ولم تجزم[13]، وقد تبين عدم ذلك.

ولو صح ما قاله الكاتب لكانت العبرة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة على كل أحد.

الثاني: ورد سبب تحريم هذا الفعل في الحديث نفسه، وهو: محاولة تغيير خلق الله ‏تعالى، فكيف تلتمس علة أخرى، مع النص النبوي على علة الحكم. وفي ذلك نوع اعتراض على أمر الله تعالى، وعدم الرضا بما فعل. ‏

الثالث: من المؤكد أن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله، إما أن ‏يكون خالياً من الخير مطلقاً وإما أن يكون ما فيه من خير أقل مما فيه من شر وقد قال ‏تعالى عن الخمر والميسر: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ‏وإثمهما أكبر من نفعهما) [البقرة:219]‏.

الرابع: مما يبين رجحان حرمة النمص مطلقا، هو اتفاق الفقهاء على حرمة تفليج الأسنان للحسن مطلقا وهو قرينه في الحديث من غير تقييد بكونه شعارا للفاجرات، أو تقييده بغر المتزوجات. كما جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أن تفليج الأسنان لأجل الحسن حرام، سواء في ذلك طالبة التفليج وفاعلته[14].  

الخامس: وأما ما يتعلق باختيار ابن الجوزي رحمه الله، فهو مخالف لظاهر الحديث، بل إنه عند التحقيق يخرج الحديث عن معناه.

وبيان ذلك أن الحديث نص على العلة، وهي: تغيير خلق الله طلبا للحسن. ولو كانت العلة هي كون ذلك شعارا للفاجرات، لم يكن لتخصيص هذه الأشياء فائدة، فإن كل ما هو شعار للفاجرات محظور، سواء من هذه الأشياء المذكورة في الحديث أو من غيرها.

ومما يؤكد ذلك: سياق حديث ابن مسعود، فإن أم يعقوب لما سألت ابن مسعود وذكر لها الحديث، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه؟ قال: فاذهبي فانظري. فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئا. وهذا يدل دلالة قاطعة على أن النمص لم يكن شعارا للفاجرات، وإلا لم تعترض أم يعقوب ابتداء، ثم لم تظن انتهاء أن امرأة ابن مسعود وهي من فضليات الصحابة تفعله[15].

الشبهة الخامسة: لو كان هذا الحديث لعن الله النامصة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت أم المؤمنين عائشة هي أول من قالت به فهي الأقرب لمسائل النساء وأحوالهن وأولى برواية هذا الحديث من ابن مسعود.

الجواب:

لو كان الأمر كذلك، فماذا يقول مدعي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي يعد أكثر الصحابة رواية للأحاديث وقد روى عددا كبيرا من الأحاديث المتعلقة بالنساء وأحكامهن؟ فهل كان الأجدر بأبي هريرة ألا يرويها لأنها من اختصاص النساء؟

الحقيقة أن هذا تقسيم عجيب لم يقل به أحد من أهل العلم!.

الشبهة السادسة:  ليس كل تغيير للخلقة حرام، فهناك أشعار في الإنسان مطلوب حلقها أو قصها، وليس ذلك تغييرا لخلق لله، وشعر الحاجب أقرب لأحكام هذه الشعور المأذون في أخذها

الجواب:

نعم، الشعور التي سكت عنها النص فلم يأمر بإزالتها أو وجوب إبقائها، كشعر الساقين واليدين والشعر الذي ينبت على الخدين وعلى الجبهة؛ هذه اختلف العلماء فيها: فقال قوم: لا يجوز إزالتها؛ لأن إزالتها يستوجب تغيير خلق الله كما قال تعالى – حاكياً قول الشيطان: { ولآمرنَّهم فليغيرنَّ خلق الله } النساء / 119.

وقال قوم: هذه من المسكوت عنها وحُكمها الإباحة، وهو جواز إبقائها أو إزالتها؛ لأن ما سكت عنه الكتاب والسنة فهو معفو عنه[16].

أما سائر شعر الحاجبين، فلا يدخل في هذا الخلاف عند المحققين من أهل العلم؛ لأنه قد ورد فيه نص بين بالتحريم.

وإنما اختلافهم المعتبر هو: هل النمص هو إزالة الشعر من كل الوجه، ولا يختص ذلك بالحاجبين، أو أنه إزالة شعر الحاجبين خاصة. وهذا القول الثاني اختارته اللجنة الدائمة.

ومن المتفق عليه بين أهل العلم أنه لا اجتهاد ولا قياس مع وجود النص، وأن الاجتهاد إنما يكون عند عدم الدليل الصريح.

 قال ابن القيم رحمه الله: (فصل: في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص وذكر إجماع العلماء على ذلك.

 قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).[الأحزاب:36].

وذكر جملة من الأدلة: قال عمر بن عبد العزيز:" لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قال الشافعي: "أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس)[17].

وعليه، فيبطل قولكم: إن شعر الحاجب أقرب لأحكام هذه الشعور المأذون في أخذها.

 

الشبهة السابعة: إن المرأة التي تبقي حاجبها كما هو (بدون نمص) تفتقد شيئاً من مقتضيات الأنوثة، ولا ينقصها سوى شارب ولحية حتى يصير وجهها مثل وجه أي رجل!

الجواب من وجوه:

الأول: في هذا الكلام من المجازفة والمغالطة ما يُكذبه الواقع، فضلا عن التجرؤ الواضح على دلالة النصوص وكلام أهل العلم، والذي نعتقده أن مثل هذا الحكم إنما صدر بسبب الإغراق في التشبه المذموم بالكافرات والفاسقات، وجموح الرغبة في الزينة والتجمل على أية حال وبأية وسيلة، حتى صارت معايير الجمال نفسها غربية في كثير من الأحيان.

وهذا بخلاف حال من تمسك بدينه وقيمه، فهو يرى النمص مُثلة، ويرى الجمال في شكل الحاجبين كما خلقهما الله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ {السجدة: 7}. وقال تعالى: الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ {النمل: 88}.

 الثاني: قد سبق أن نبهنا على أن نمص الحاجبين لا يجمل المرأة، ولا يزيد في أنوثتها، بل هي فتنة، وخدعة قال بها أهل الضلال، واغتر بها ضعاف النفوس، وأن النمص وبشهادة النسوة، وبشهادة الأطباء يترتب عليه أضرار وأضرار.

الثالث: كون النمص زَينا أو شَينا، جمالا أو قبحا، ليس هو محل النظر، وإنما محله هو موافقته أو مخالفته لحكم الشرع، فإن كان ترقيق الحاجبين داخلا قطعا في معنى النمص، فهو من الزينة المحرمة، حتى لو أطبقت نساء الدنيا على فعله، وهذا لن يكون، فإنه بحمد الله توجد فئة من المؤمنات، يؤثرن طاعة الله على هوى النفس، وموافقة العرف، وضغط الأمر الواقع.

إن مخاطر النمص تشمل دين المسلمة ودنياها.. إنه يهدد إيمانها لأنه من إيحاءات الشيطان ووساوسه وحبائله { لآمُرنَّهُم فَلَيُغَيرُنَّ خَلق اللهِ }، كما يهدد صحتها وجمالها لأنه مضر كما تبين للأطباء ولأن جماله مخالف للطبيعة الخلقية التي فُطر على استحسانها الناس[18].

 


[1] وقال محمود محمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري (9/ 222): المتنمصة والنامصة: التي تزيل شعر حاجبها بالمنقاش حتى ترققه وترفعه وتسويه. اهـ. وكذلك اختارت طائفة من العلماء أن النمص يختص بنتف شعر الحاجب، وقالوا لا يدخل فيه الأخذ من شعر الوجه، ولا القص، ولا التشقير على الراجح من قولي العلماء. راجع فتوى صوتية للشيخ خالد المصلح، بعنوان: ما صحة حديث عائشة في جواز نمص الحاجب؟ - على موقع: يوتيوب. وقال الشيخ ابن عثيمين: " ولا بأس يعني بالمقص أو الموس أو ما أشبه ذلك لا بالنتف؛ لأن النتف نمص". والأكثر على استواء القص والحلق مع النتف، وهو الأرجح والأحوط أيضا، إلا لإزالة عيب وتشويه. وهذا القول الثاني اختارته اللجنة الدائمة. وراجع فتوى للشيخ عبد العزيز الطريفي بعنوان: ما حكم النمص وما الفرق بينه وبين القص والتشقير؟ على موقع يوتيوب. وهذا القول بتحريم النمص هو ما أفتى به المحققون من العلماء، كما سيأتي، ونسبه الشيخ سليمان الماجد للجمهور، راجع فتوى صوتية للشيخ بعنوان: تخفيف الحواجب بالقص - على موقع: يوتيوب.

[2] عن ابن مسعود قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت، فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: ومالي لا ألعن ما لعن رسول الله وهو في كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول! فقال: لو كنت قرأتيه لوجدتيه، أما قرأت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُواْ} [الحشر:7]، قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه! قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه! ;قال فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر في حاجبها شيئاً. قال: لو كانت كذلك ما جامعتها» رواه البخاري (5943)، ومسلم (2125)، واللفظ له.

[3] انظر الفتوى رقم (148869)، بعنوان: حكم قص أطراف شعر الحاجبين، من فتاوى إسلام ويب، وفي آخرها: (فهذه المسألة محتملة كما ترين. وعليه فما دمت تأخذين من شعر حاجبيك بالقص دون النتف مقلدة لمن أفتاك من أهل العلم فلا حرج عليك من ذلك إن شاء الله).

[4] انظر تخريج الحديث في الهامش قبل السابق.

[5] انظر الرد على مدعي هذه الشبهة، للدكتور تيسير سعد، في فتاوى إسلام ويب – الفتوى رقم (75840)، بعنوان: رد واف على منكر حرمة نمص الحواجب.

[6] راجع فتوى صوتية للشيخ خالد المصلح، بعنوان: ما صحة حديث عائشة في جواز نمص الحاجب؟ - على موقع: يوتيوب.

وهذا القول بتحريم النمص هو ما أفتى به المحققون من العلماء. ونسبه الشيخ سليمان الماجد للجمهور، راجع فتوى صوتية للشيخ بعنوان: تخفيف الحواجب بالقص - على موقع: يوتيوب.

قال الشيخ ابن باز: (لا يجوز أخذ شعر الحاجبين، ولا التخفيف منهما، لما ثبت عن النبي أنه لعن النامصة والمتنمصة، وقد بيَّن أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص).

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: (التجميل ينقسم إلى قسمين: أحدهما ثابت دائم، مثل: الوشر والوشم، النمص.. فهو محرم بل من كبائر الذنوب لأن النبي لعن فاعله. الثاني: ما كان على وجه لا يدوم، فإنه لا بأس به مثل التجميل بالكحل والورس لكن بشرط ألا يؤدي هذا إلى محظور شرعاً مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، أو أن يكون ذلك من باب التبرج.. فإن هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته).

وقال الشيخ عبد الله بن جبرين: (لا يجوز القص من شعر الحواجب ولا حلقه ولا التخفيف منه، ولا نتفه، ولو رضي الزوج، فليس فيه جمال، بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك، ولعن من فعله، وذلك يقتضي التحريم). انظر: فتاوى المرأة:170.

وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: (ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن، حتى تكون كالقوس أو الهلال. يفعلن ذلك تجملاً بزعمهن! وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعن فاعله بقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله). آداب الزفاف (201،202).

[7] الحديث بهذا اللفظ متفق عليه، رواه البخاري (2697)، مسلم (1718)، وباللفظ الأول رواه مسلم في الموضع ذاته، والبخاري تعليقا.

[8] فتح الباري (10/377).

[9] منهم الشيخ ابن عثيمين، والشيخ خالد المصلح، والشيخ عبد العزيز الطريفي، والشيخ محمد حسان، وغيرهم.

[10] فتاوى نور على الدرب.  انظر الفتوى رقم: (218579)، بعنوان: حكم تخفيف شعر الحاجب إذا كان كثيفاً- على موقع: الإسلام سؤال وجواب.

[11] انظر: المتبرجات للزهراء فاطمة بن عبد الله: 94. وانظر: مقال بعنوان: النمص بين الطب والشرع، لخولة درويش. على موقع: صيد الفوائد

[12] جاء في الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل: وأباح ابن الجوزي النمص وحده، وحمل النهي على التدليس أو أنه شعار الفاجرات. انتهى.

[13] انظر: مسند أحمد (7/58).

[14] الموسوعة الفقهية الكويتية (13/ 106).

[15] انظر: فتاوى إسلام ويب – الفتوى رقم (136339)، بعنوان: تحريم النمص مطلقا هو أسعد الأقوال بالدليل. وفيها: " وأما مسألة اللعن، فهناك أنواع ثابتة منه يتعسر ضبطها بما ذكره الشيخ رحمه الله (الرد في الفتوى على الشيخ علي الطنطاوي)، ومن ذلك لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري. ولعنه صلى الله عليه وسلم من نصب الحيوان الحي هدفا يرميه. رواه البخاري ومسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني. وقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور. رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان والبوصيري والألباني. وقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من يسم في الوجه. رواه الطبراني، وصححه الألباني. وقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله قاطع السدر. رواه الطبراني والبيهقي، وصححه الألباني. وغير ذلك كثير. ولمعرفة كلام أهل العلم الراسخين في ضابط الكبيرة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 123437، ففيها ما يشفي ويكفي إن شاء الله. هذا، ولابد من التنبه إلى أن الكبائر نفسها ليست على درجة واحدة، بل بعضها أشد وأكبر من بعض، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى ذنوبا معينة: أكبر الكبائر، فقال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور. رواه البخاري ومسلم. وهذا يعني أن هناك كبائر دون ذلك". اهـ.

[16] وهذا القول اختاره علماء اللجنة الدائمة، كما اختاره أيضاً الشيخ ابن عثيمين انظر فتاوى المرأة المسلمة (3 / 879). جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5 / 210): "لا حرج على المرأة في إزالة شعر الشارب والفخذين والساقين والذراعين، وليس هذا من التنمص المنهي عنه".

وقال الشيخ خالد المصلح: " والذي يظهر مع هذا الاختلاف في معنى النمص أنه نتف شعر الحاجب، فهذا هو القدر المتفق عليه بين أهل العلم جميعاً أما ما زاد فهو محل خلاف، والحق أنه لا سبيل للترجيح في الدخول والمنع فالاقتصار على اليقين أقرب للصواب فيكون ما زاد على الحاجب باقياً على أصل الإباحة". انظر: فتوى للشيخ على موقع: طريق الإسلام. بعنوان: حكم النمص وأخذ الأجرة عليه.

[17] إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 199).

[18] انظر: مقال بعنوان: أختاه احذري النمص – على موقع كلمات.