حكم تمثيل الصحابة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتبع هديه، واقتدى بهداه، وبعد:
فإن حقيقة التمثيل هو القيام بمحاكاة الآخرين، للإفادة، ولا شك أن للقائمين عليه أهدافا، منها ما هو مشروع ومحمود، ومنه ما هو مبتدع ومذموم.
وقد اختلف المعاصرون في حكم التمثيل عموما، على قولين مشهورين، والذي يظهر بعد النظر في أدلة الفريقين أن القول بجوازه بضوابط هو الصحيح، وذلك لعدم ورود دليل مانع منه، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة(1)
فإذا كان هذا التمثيل لأهل الفضل والصلاح، والإجلال والتعظيم، والإمامة في الدين، كالرسل والأنبياء والملائكة والصحابة الذين هم خير القرون، فإن الخلاف كذلك موجود وقائم، بيد أنه قد نقل بعضهم الإجماع على عدم جواز تمثيل الرسل والأنبياء.(2)
فإذا سلمنا بحصول الإجماع على حرمة تمثيل الرسل والأنبياء، فلا بحث في هذه الجزئية(3)، ويبقى محور البحث منحصرا في قضية تمثيل الصحابة، هل يلحق في الحكم بتمثيل الرسل والأنبياء فيحرم، أو يلحق بتمثيل غيرهم، فيكون فيه الخلاف المشار إليه.(4)
علما بأن من المانعين لتمثيل أصحاب الفضيلة والإمامة في الدين، من قال: إن هذا لا يمنع من تجسيد أدوار الأنبياء وأبنائهم وزوجاتهم شريطة صحة المادة العلمية المقدمة، وعدم ظهور وجوههم، ذلك أن الوجه هو الذي يفرق الناس بعضهم عن بعض، ولولاه لتشابه غالب الخلق.
يقول الدكتور مسعود صبري (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين):
" أما القول بجواز أن تكون سيرة الأنبياء مادة للدراما، فهو لأهمية الوسيلة، فالدراما الآن من أهم الوسائل الإعلامية التي لم يعد غالب الناس في غنى عنها، ولتأثيرها الكبير على شرائح واسعة من الناس، ولهذا، فنحن نرى جواز التمثيل، بل نراه مستحبا إن روعيت فيه الشروط التي ترفع من شأن الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) وساعتها نعتبره من الجهاد الإعلامي الذي يثاب فاعله عند الله تعالى، مع التأكيد على التزام الضوابط الشرعية في عملية التمثيل"(5)
ومن أبرز من أجاز تمثيل الصحابة: الشيخ محمد رشيد رضا، ومن المعاصرين الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وغيرهما، واحتج من أجازه بأنه موافق للبراءة الأصلية، والأدلة الدالة على جواز التمثيل، والمصالح الكبرى المترتبة عليه، مع قلة المفاسد المتوقع حدوثها، مشترطين أن يضبط ذلك بلجنة شرعية رقابية على النص وعلى الأداء، وإلا فلا يجوز.
وفيما يلي نعرض بشيء من التفصيل لأهم هذه الأدلة، وما اعترضها من مناقشات، محاولين، بعون الله وتوفيقه، الوصول إلى ما نعتقد أنه الصواب، والأصح من القولين.
الدليل الأول: ثبوت تشكل الملائكة في صور بشر، كما هو الحال في مجيء جبريل لمريم في صورة رجل، وتمثله في صورة دحية الكلبي لنبينا محمد، وكما هو الحال في الملائكة الذين أرسلهم الله على صورة أقرع وأبرص وأعمي، وكما في نبأ داود والخصم الوارد في سورة (ص). فهذه الوقائع تدل على جواز القيام بمحاكاة الآخرين، على سبيل الإفادة والتعليم، قياسا على تمثل الملائكة في صور من ذكر لذات الغرض، وهو الإفادة والتعليم، والتوجيه والتقويم، والدعوة والإرشاد.
المناقشة من وجهين:
الأول: أن تشكيل هؤلاء الملائكة إنما هو بأمر الله لهم، ولم يأمرنا الله سبحانه بذلك، ولا شرع لنا أيضاً الاقتداء بهم في ذلك، بل أصل التمثيل مأخوذ من الكفار، ومعلوم تهاونهم بدينهم، وعدم مراعاتهم للحرمات، وعدم احترامهم للمقدسات، والتمثيل يشتمل ولابد على أباطيل ومحرمات من تبرج واختلاط، كما لا أنه لا يكاد يخلو من كذب أو انتقاص من حق الممثل بهم، خاصة إذا كانوا من أهل الفضل والصلاح في الدين، كالرسل والأنبياء والصحابة والأئمة الأعلام.
الثاني: أن تشكيل هؤلاء الملائكة حقيقي، بحيث أنهم أوتوا القدرة على الظهور في قالب آخر، غير قالبهم، فها هم ضيف إبراهيم ملائكة، ولكن من رآهم قال: هم بشر، ولذا سارع إبراهيم بتقديم الأكل لهم، وهذه هو جبريل الذي رآه النبي علي حقيقته ساداً الأفق له ستمائة جناح – يخرج في صورة دحية الكلبي حتى أن الرائي يظنه هو دون تفريق.
أما التمثيل فإنه تشكيل وهمي مكشوف، وطاقة محدودة يعلم الرائي تصنعه ومضاهاته، وبهذا الوجه الذي قبله يعلم بطلان وجود أصل صحيح يقاس عليه. بل يمكن أن يقال إنه قياس لعالم الشهادة على عالم الغيب، وهو ممنوع. وهذا وجه آخر في إبطال هذا القياس المذكور.(6)
الدليل الثاني: قياس التمثيل علي الأمثال المضروبة، والتشبيهات الواردة في الكتاب والسنة مثل قوله تعالي: {لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله}[ الحشر : 21]، وقوله تعالي: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السناء} [ الكهف : 45].
المناقشة:
يناقش ذلك بما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في رد الشبهات حول إباحة التمثيل، حيث قال: "وأما قياسه علي ضرب الأمثال في الكتاب والسنة فهذا قياس مقدوح فيه بقيام الفارق بين المقيس والمقيس عليه، إذ الأمثال قولية، وأما (التمثيليات) فهي فعلية تمارس بالذوات، فكيف هذا على هذا مع عدم تطابقهما. فثبت فساد القياس".(7)
الدليل الثالث: قيام الصحابي الجليل محمد بن مسلمة بدور الصديق المقرب لكعب بن الأشرف الكافر، وذلك أثناء قتله، وكذا قيام الصحابي نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب بدور الصديق الناصح والموالي للقبائل التي تحزبت ضد المسلمين، وتمثله الابن البار والولي المخلص لبني قريظة، وتصوره وقيامه بدور الناصح الأمين لقريش وغطفان والمحرض القوي لمقاتلة محمد.
المناقشة:
أن هذه الوقائع وأمثالها إنما هي في مجال الحرب، ومقاتلة الأعداء، وقد قام الدليل علي تخصيص الحرب بمثل هذه الحيل، وأكبر منها، وذلك في قوله: ((الحرب خدعة)).
ولينتبه هنا إلى أن هذا المذكور من فعل الصحابة يختلف كليا عما يحصل في التمثيل من تقمص المسلم دور الكافر أحيانا، مع الإتيان بما أتى به من كفر بسجوده لصنم أو سبه للدين أو طعنه في النبي، أو حتى إتيانه بفحش في القول، فمثل هذا قد يرتقي به للوقوع في الكفر أو الفسق حقيقة؛ إذ لا عذر له عند الله بأنه كان يمثل دور أبي جهل أو أبي لهب، كيف وقد قال الله عن المنافقين: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
وعليه؛ فالتمثيل على هذا النحو حقيق أن يقاس على اللعب الحاصل من هؤلاء المنافقين، والذي وقعوا به في الكفر.(8)
الدليل الرابع: التمثيل وسيلة عصرية سهلة وأسلوب دعوي جذاب يمكن منه الوصول لكثير من الناس والعوام، الذين لا تسمح لهم الظروف غالبا بالقراءة بغرض التعلم والاطلاع على سير هؤلاء القدوات من الصحابة رضي الله عنهم، كما أنه وسيلة مكافئة لمن يستغلون التمثيل ذاته لتشويه هؤلاء الأجلاء والافتراء عليهم ووسائل الدعوة ليست توقيفية، بل اجتهادية
المناقشة:
لا نجادل في أن للتمثيل تأثيرا كبيرا، وأن ما يعرف بـ "الدراما" أسلوب يأخذ بالألباب، لكن ما يعتريه من محرمات لا يمكن تخليه منها، كالاختلاط والتبرج والمبالغة في العرض التي تصل إلى حد الكذب أحيانا، أو قلب الحقائق، تحقيقا لما يعرف بالحبكة الدرامية، يجعلنا نلغي هذا الاعتبار، ولذلك لما تكلم العلماء عن وسائل الدعوة، وأنها اجتهادية، وضعوا لذلك ضوابط، ولم يطلقوا القول بكونها كذلك.
يقول د/ ناصر العمر: الصحيح أن وسائل الدعوة اجتهادية وليست توقيفية ولكن يجب أن تنضبط بالضوابط الشرعية العامة، ومنها أن الوسائل لها حكم الغايات، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة، وأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب، إلى غير ذلك، كسدّ الذرائع.
لذا يجب عرض كل وسيلة جديدة على العلماء الذين يبيّنون حكمها, ومن تأمل عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من خير القرون وجد كثيراً من الوسائل المستحدثة دون نكير.(9)
الدليل الخامس: إذ أقررنا بوجود الخلاف في قضية تمثيل الصحابة، فإنه من الخلاف السائغ المعتبر، إذ إن الأدلة على مشروعيته بضوابط لها قوتها، ولها وجاهتها، فلا تثريب إذن على المخالفين ممن يرون مشروعيته، خاصة أنهم يريدون بذلك الخير، ومصلحة الدعوة، وعندئذ، فما على المحسنين من سبيل.
المناقشة:
مع إقرارنا بوجود الخلاف في المسألة، لكن يبقى أنها قضية خطيرة تتعلق بحملة هذا الدين، وبالاعتقاد في أفضل البشر بعد الأنبياء، فلا ينبغي بحال التساهل في تمثيلهم بما يغلب حصول معه الكذب في حقهم، ويحتمل معه التقليل من شأنهم، أو إيغار الصدور نحو بعضهم، أو الإساءة الصريحة لمن قد أمرنا بالسكوت عن مساوئهم، وغض النظر عن أخطائهم.
نعم، قد أمر المسلمون بالرجوع إلى أهل العلم حال الاختلاف، ولا تثريب على من أخذ بالقول الذي تطمئن له نفسه، بعد الرجوع إلى من يعتقد ورعه ورسوخه في العلم، لكن يبقى الاحتياط للدين، والذب عن صحابة خير المرسلين، والحفاظ على هيبة من صاحبوه.
يقول الشيخ صالح آل الشيخ: الوسائل المختلف فيها يرجع فيها أهل العلم، وإذا اختلف أهل العلم في وسيلة من هذه الوسائل، أعني بأهل العلم الراسخين، فإنها تكون مسألة اجتهادية، وإذا كانت كذلك فإنه لا يلام من أخذ بأحد القولين في الاجتهاد؛ لكن الذي يختار أن يترك المختلف فيه، يترك هذا الذي قال فيه بعض أهل العلم إنه لا يجوز، احتياطا؛ لأن الدعوة إنما يبارك فيها إذا كانت على الاتباع.
وإذا كانت مسألة ثـَـمَّ من أهل العلم من يقول لا تجوز من وسائل الدعوة، فإن تركها أقرب إلى الصواب؛ لأن تركها يمحّض الدعوة للاتباع.(10)
وأما أن القائمين بذلك يريدون الخير، ومصلحة الدعوة، وما على المحسنين من سبيل، فإنه كلام غير دقيق، بل الغالب، وعلى أحسن أحوال القوم، ومع إحسان الظن بهم، أنهم يريدون التكسب لا غير.
ثم لو سلمنا بما ذكر، فإنه يكفي في تغليب جانب التحريم أو المنع من تمثيلهم أنه يتم من قبل أشخاص أقل ما يتسمون به ويعرفون به أنهم فسقة، لا يبالون بالحرمات، وربما لا يؤدون الصلوات، ويصل الأمر إلى أن يقوم بدور الصحابي كافر محض يهودي أو نصراني أو شيعي خبيث.(11)
ومع كل ما ذكرناه فأي إحسان يبقى؟ وأي خير يقصد من هذا الطريق؟
الدليل السادس: الواقع المتمثل في إقبال كافة الناس - إلا ما ندر - على تلك الأعمال الفنية بكثرة خير شاهد على انتفاعهم بهذه الأعمال، وعلى فرض أنه قد يخشى منها الوقوع في بعض المحاذير، فإنها تصدهم عما هو شر محض من التمثيل الغير الإسلامي، الفاضح، المقطوع بحرمته، والمتفق على منعه. والشريعة كما جاءت بمنع المفاسد، فقد جاءت بتقليلها.
المناقشة:
العبرة ليست بالأكثرية، فأكثر الناس لا يعلمون. ومتى كان العوام، وما عليه الناس حجة شرعية؟
والواقع أن كثيرا من هؤلاء لا يبحثون إلا عن مجرد التسلية وقضاء الأوقات.
وأحوالهم تنبئ عن ذلك في كثير من الأحيان، وانظر إلى تضييعهم للصلوات في جماعة، ومكوثهم بالساعات أمام وسائل اللهو المختلفة، وسهرهم وتفريطهم في صلاة الفجر في وقتها، وتساهلهم في النظر المحرم، وسماع الموسيقى، وغير ذلك من عادات من عرفوا بمتابعة الأفلام والمسرحيات والتمثيليات.
وأما أن إباحة هذا النوع من التمثيل يصدهم عما هو شر محض، فغير مسلم، وهو مجرد ظن؛ إذ إننا بذلك نجرئهم على الجلوس أمام هذه الشاشات التي يجزم العقلاء بأن ضررها أكبر من نفعها.
فإن قيل: هم يميزون بين الغث والسمين، والنافع والضار.
قلنا: وأنى لهم ذلك، ولا مصدر لثقافتهم إلا هؤلاء! وماذا يفعل الصغار، والنشء الذين يقتدون بهم؟!
الحقيقة أنه من الضرر العظيم، البالغ الأثر: الاعتماد على تلقي المعلومات من نحو هذا التمثيل، مع كونها لا تخلو غالبا من مغالطات تاريخية، ومخالفات شرعية، وأخطاء عقائدية، واستهانة بالمقدسات، ومن ثم تنشأ شخصيات متميعة، لا تعلم من دينها إلا القشور، ولا تميز بين أهل الاحترام والتبجيل من غيرهم، ولا تلقي بالا لتلقي العلم من أهله، أو القعود للقراءة الهادفة من كتاب، أو التقاء بالمسلمين للحوار في قضاياهم المختلفة، أو القيام بأعمال إيجابية تخدم الدين وترفع من شأن الإسلام وأهله.
ولماذا لا نوجه هؤلاء للطريق الصحيح في التعلم والارتباط بسير هؤلاء الأعلام؟ بدلا مما يملى عليهم من أناس لا هم لهم إلا المكسب المادي، ولا يعرفون إلا بالميوعة والانحراف، وأحيانا كثيرة بالفسق والفجور، وربما بالكفر والعربدة.
والخلاصة: أن ما يقال من وجود مصلحة جراء هذا التمثيل، وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه؛ رغبة في العبرة والاتعاظ - فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع المسلمين ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.
ومن القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة، فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة، وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك، وهذا ما قرره أهل العلم الثقات، وحملة الشريعة الغيورون، الذين أمرنا بالرجوع إليهم فيما اختلفنا فيه.(12)
الترجيح:
الأدلة محتملة؛ فمن قال بالجواز فله سلف صالح، واستدل بأدلة من الكتاب والسنة والقواعد الأصولية والفقهية، ومن قال بعدم الجواز فله سلف صالح واستدل بقاعدة المقاصد، فلا يصح تفسيق ولا تبديع أيٍّ من الفريقين.
ويبقى الترجيح رهين الواقع الذي يغلب بثقله، ويمكن القول بالتوقف، مع عدم الإنكار على المجيزين، بشروط ثلاثة:
الأول: الأخذ في الاعتبار بالمصالح والمفاسد المترتبة على ذلك.
الثاني: الاتفاق على الضوابط التي أشرنا إليها من كون التمثيل هادفا، خاليا من المحظورات الشرعية.
الثالث: يخصص للقيام بدور الشخصيات الفاضلة والأئمة في الدين أناس من أهل الاستقامة والعدالة.(13)
وبدهي أن ذلك لكي يواكب وينافس المعروض، ويحقق المأمول منه، يستلزم مجهودات ضخمة، وأعباء تستدعي ميزانيات هائلة، لا تتحملها إلا دول مسلمة، وحكومات راشدة، وقيادات حكيمة، ودعاة مصلحون. فالله المستعان.
(1) اختلف العلماء في جواز التمثيل؛ فحرمه مجموعة من المشايخ الأفاضل منهم: ابن باز والألباني وبكر بو زيد، وأباحه آخرون من المشايخ الأفاضل منهم محمد رشيد رضا وابن حميد وابن عثيمين وابن جبرين ولجنة فتوى الأزهر. والأرجح – كما اخترناه - قول من أجازه. فالأصل في المعاملات الإباحة ما لم يرد دليل مانع، ولما ثبت من تمثل جبريل ومجموعة من الملائكة في صورة البشر، ومثل النبي (صلى الله عليه وسلم) تصرف بعض الصالحين لما حكى قصتهم، وللمصالح الكبيرة المترتبة عليه إذا ضبط بلجنة شرعية رقابية. وقال ابن عثيمين: لا بأس بالتمثيل إذا كان خاليا من الفتنة، وكان يهدف لمعالجة ظاهرة اجتماعية او مشكلة مما عمت بها البلوى وما شابه ذلك، وكان لا يشتمل على محظور شرعي من اختلاط وعري وخناعة، كذلك لا يتضمن شيئا محرما كما لو قام فيها الرجل بدور المرأة، أو المرأة بدور الرجل؛ لأن هذا من باب التشبه، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهين من النساء بالرجال. كذلك لا يشتمل على محاكاة البهائم والحيوان، لأن هذا لم يرد في القرآن والسنة إلا في مقام الذم. انظر: إباحة التمثيل بشكل عام وإباحة تمثيل الصحابة والرد على المحرمين - للشيخ عدنان عبد القادر البحث منقول من موقع الشيخ.
(2) قال الدكتور مسعود صبري: " والصحابة ليسوا درجة واحدة، وليس من دليل صريح في منع تجسيد الصحابة من حيث الجملة، بل نحن في أمس الحاجة أن نعرض سيرهم بكل وسيلة ممكنة، حتى تفيد الأمة منهم. ولكن يستثنى من ذلك تجسيد الخلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فهؤلاء لا يجوز تمثيلهم إلا بما قيل في جواز الأنبياء، وإن لم يكونوا أنبياء، ولا يعني هذا القول بعدم جواز تمثيل كل من هو مبشر بالجنة على ما قاله بعض المجامع الفقهية، لأن المنع بالبشارة بالجنة ليس محصورا على عشرة ولا على مئات من الصحابة. والأدلة على تقييد منع تمثيل الخلفاء الأربعة إلا بمنع ظهور وجوههم، مستند على ما يلي: أولا- أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حياة الخلفاء الراشدين جزءا من سنته، فقد ألحق أفعالهم بسنته، وذلك في حديثه الترمذي وأحمد وأبي داود: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ). فإن كان يحرم ظهور شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يحدث حتى الآن، فإنه يلحق به الخلفاء الراشدون لجعل النبي هديهم من هديه، وسيرتهم من سيرته.
ثانيا- أن الأمة أجمعت على مكانة هؤلاء الأربعة بلا خلاف بينها، وجعلتهم متمايزين عن غيرهم، وفي إجماع الأمة على مكانتهم ما يسهم في تدعيم القول بحرمة تمثيل أدوارهم، وقد زكاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما لم يزك به غيرهم ". انظر: حكم تمثيل أدوار الأنبياء والصحابة في المسلسلات والأفلام – فتوى أجاب عليها: الدكتور مسعود صبري عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - نشرت في أخبار اليوم يوم 19 - 05 – 2012 – نقلا عن موقع (جزايرس).
(3) قال الدكتور مسعود صبري: " إجماع علماء أهل السنة على أنه يحرم تجسيد أدوار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك الحال في أبنائهم وزوجاتهم، لما لهم من مكانة عظيمة، ولأن التمثيل يتطلب تشبه القائم بالتمثيل بمن مثل دوره، والأنبياء هم أفضل البشر عند الله تعالى، وهم حجة الله تعالى على خلقه، كما قال سبحانه: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)". المرجع السابق - وقد نقل هذا الإجماع في أكثر من فتوى لبعض علماء الأزهر الشريف، وممن لم يسلم به الشيخ محمد الحسن الددو.
(4) وهو خلاف سائغ ومعتبر، وراجع في ذلك كلاما جيدا للشيخ عدنان العرعور، في مداخلة له على بعض القنوات الفضائية (على موقع: يوتيوب).
(5)حكم تمثيل أدوار الأنبياء والصحابة في المسلسلات والأفلام. (د/ مسعود صبري – المرجع المشار إليه آنفا). قال مبينا سبب لحوق زوجات النبي وبناته وأولاده صلى الله عليه وسلم به في المنع من تمثيلهم: "لارتباطهم بحياته صلى الله عليه وسلم، ولاصطفاء الله تعالى لهم، وجعلهم زوجاته وأولاده، فتكون العلة في التحريم واحدة، تنسحب من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه وأولاده".
(6)انظر: شبهات حول جواز "التمثيل" والرد عليها – للشيخ ابن برجس – موقع البيضاء العلمية.
(7) التمثيل للشيخ بكر أبو زيد (ص51).
(8)جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: فتوى رقم (4723): إذا قدر أن التمثيلية لجانبين، جانب الكافرين كفرعون أبي جهل ومن على شاكلتهما، وجانب المؤمنين كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وأتباعهم - فإن من يمثل الكافرين سيقوم مقامهم ويتكلم بألسنتهم فينطق بكلمات الكفر ويوجه السباب والشتائم للأنبياء ويرميهم بالكذب والسحر والجنون.. إلخ، ويسفه أحلام الأنبياء وأتباعهم ويبهتهم بكل ما تسوله له نفسه من الشر والبهتان مما جرى من فرعون وأبي جهل وأضرابهما مع الأنبياء وأتباعهم لا على وجه الحكاية عنهم، بل على وجه النطق بما نطقوا به من الكفر والضلال هذا إذا لم يزيدوا من عند أنفسهم ما يكسب الموقف بشاعة ويزيده نكرا وبهتانا وإلا كانت جريمة التمثيل أشد وبلاؤها أعظم وذلك مما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من الكفر وفساد المجتمع ونقيصة الأنبياء والصالحين.اهـ.
(9)انظر: وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد – مقال على موقع المقالات.
(10)المرجع السابق.
(11)جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: فتوى رقم ( 4723 ): " إن المشاهد في التمثيليات التي تقام والمعهود فيها طابع اللهو وزخرفة القول والتصنع في الحركات ونحو ذلك مما يلفت النظر ويستميل نفوس الحاضرين ويستولي على مشاعرهم ولو أدى ذلك إلى لي في كلام من يمثله، أو تحريف له أو زيادة فيه، وهذا مما لا يليق في نفسه فضلا عن أنه يقع تمثيلا من شخص أو جماعة للأنبياء وصحابتهم وأتباعهم فيما يصدر عنهم من أقوال في الدعوة والبلاغ، وما يقومون به من عبادة وجهاد أداء للواجب ونصرة للإسلام... إن الذين يشتغلون بالتمثيل يغلب عليهم عدم تحري الصدق وعدم التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وفيهم جرأة على المجازفة وعدم مبالاة بالانزلاق إلى ما لا يليق ما دام في ذلك تحقيق لغرضه من استهواء الناس وكسب للمادة ومظهر نجاح في نظر السواد الأعظم من المتفرجين، فإذا قاموا بتمثيل الصحابة ونحوهم أفضى ذلك إلى السخرية والاستهزاء بهم والنيل من كرامتهم والحط من قدرهم وقضى على مالهم من هيبة ووقار في نفوس المسلمين ".اهـ.
(12)انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء- الفتوى رقم (2442).
(13)يقول د/ مسعود صبري: " يجب أن تراعى بعض الضوابط الشرعية، التي استند إليها القائلون بالتحريم، فإدراك ما للصحابة من فضل يجب أن يظهر في عرض أعمالهم، وأن يكون هناك صدق تاريخي فيما يكتب، وأن تكون هناك هيئة استشارية من علماء التاريخ الإسلامي، لاعتماد الروايات وترجيحها على روايات أخرى، فمن المعلوم أن التاريخ الإسلامي شابه بعض الدخل الذي غير بعض حقائقه، فالرجوع إلى أهل الذكر هام جدا، وأهل الذكر هنا هم علماء التاريخ والفقهاء، كما يجب أن يراعى أن الحبكة الفنية لا تطغى على حقيقة الواقع، مع اعتماد التقنيات الفنية، وأن يخرج عملا فنيا محترما بمراعاة الأدوات الفنية، فيظهر فيه الاحتراف مع التصوير الصادق، وأن يراعى ألا يكون في العمل الفني أضرار تعود على المجتمع، فإن الأمة تحتاج إلى إظهار محاسنها، والتعلم من أخطائها، غير أن التعلم من الخطأ ليس شرطا أن يكون مكانه الدراما إلا إذا ظهر بشكل يتعلم منه الأخطاء الواقعة في التاريخ، ومن أهم الضوابط التي يجب أن تراعى حسن سيرة واستقامة القائم بالتشخيص، ويمكن عمل تغييرها في وجهه ونبرة صوته إن كان الممثل على كفاءة عالية، والغرض من ذلك ألا ترتبط الصورة الذهنية بين الممثل وبين الصحابي الذي تقوم مادة الدراما عليه، للأثر السلبي لسيرة بعض الممثلين من غير ذوي الاستقامة، وغير ذلك من الضوابط الشرعية التي ذكرت في أدلة كل فريق".اهـ.