logo

من أساليب الإنكار المستحدثة الإضراب عن الطعام


بتاريخ : الجمعة ، 5 رمضان ، 1437 الموافق 10 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
من أساليب الإنكار المستحدثة  الإضراب عن الطعام

نتناول الحديث عن هذه الوسيلة من خلال النقاط التالية:

 

* معنى الإضراب عن الطعام.

* تحرير محل النزاع، وسبب الخلاف.

* أقوال العلماء، وأدلة كل فريق، ومناقشتها.

* الترجيح مع بيان أسبابه. 

 

معنى الإضراب:

الإضراب لغة: الكف والإعراض، قال ابن منظور: «وأضربت عن الشيء: كففت وأعرضت»

قال الهروي: «معنى قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف 5]: أنعرض عنكم ونصفح.

وضرب الذكر: رده وكفه، وقد أضرب عن كذا أي كف عنه وتركه»

والإضراب عن الطعام اصطلاحًا هو: الامتناع عن تناول الطعام، احتجاجًا على سوء معاملة أو سوء أوضاع، أو بقصد الضغط على الغير لتحقيق مطالبه، أو الرضوخ لإرادته.

وغالبًا ما يقوم به الأسير أو السجين لفك أسره أو للإفراج عنه. 

تحرير محل النزاع:

«لا خلاف بين الفقهاء المعاصرين على تحريم الإضراب عن الطعام إذا كان بقصد الانتحار، أو بقصد الاحتجاج على أمر من غير الضرورات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض والمال)؛ لإمكان الصبر على مضايقات الحاجيات والتحسينيات دون الضروريات.

كما أنه لا خلاف بين الفقهاء على مشروعية الإضراب عن الطعام مدة لا يهلك مثله فيها.

وذهب بعض المالكية والشافعية والحنابلة إلى: جواز الإضراب عن الطعام إذا لم يجد إلا الميتة ونحوها من المحرمات؛ لأن المضطر يجوز له تناول الميتة لإبقاء نفسه كما يجوز له تركها؛ عملًا بقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].

 

وذهب الحنفية وجمهور المالكية والشافعية والحنابلة: إلى تحريم الإضراب عن الطعام للمضطر إذا لم يجد سوى الميتة؛ بل يجب عليه الأكل منها لإبقاء نفسه؛ لعموم قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}  [البقرة: 195].

 

واختلف الفقهاء بعد ذلك في حكم الإضراب عن الطعام لغير المضطر مدة قد يهلك مثله فيها ليس بقصد الانتحار، وإنما بقصد تحقيق مصلحة ضرورية»( 3)، وكان خلافهم على قولين.

 

أسباب الخلاف:

1ـ مشابهة الإضراب عن الطعام لاستنفاذ النفس بالانتحار.

2ـ استحداث وسيلة الإضراب عن الطعام للاحتجاج على الظلم بغير سوابق شرعية، مما يجعلها تشبهًا بغير المسلمين.

3ـ معارضة الإضراب عن الطعام للنهي عن الوصال في الصوم( 4).

القول الأول: حرمة الإضراب عن الطعام:

من القائلين به: الشيخ عطية صقر رحمه الله( 5)، والأستاذ الدكتور حسن عبد الغني أبو غدة65 ).

 

أدلتهم:

الدليل الأول: في الإضراب عن الطعام إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وربما تمادى بصاحبه حتى يؤدي إلى الموت فيصير انتحارًا وقتلًا للنفس، وقد قال الله عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء].

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًا فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»(6 ).

 

وجه الاستدلال: هذه النصوص صريحة في تحريم تعريض النفس للهلاك وتحريم قتلها وأنه من الكبائر، وترك الطعام والإضراب عنه مظنة ذلك كله، وما أدى إلى الحرام يكون حرامًا.

 

مناقشة هذا الدليل

هناك فرق كبير بين المنتحر وبين المضرب عن الطعام، فأما المنتحر فضائق بالحياة، متسخط على قضاء الله، وقد يكون في رخاء وجاه وشهرة.. ومع ذلك ينتحر كما نرى ونسمع.

 

وأما المضرب عن الطعام فإنسان له هدف وقضية، أو له مطلب أو شكوى، وربما كان مجاهدًا مدافعًا عن أرضه ذائدًا عن حمى دينه، وأقرب مثال لذلك: الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.

 

كما أنه يمكنه أن يتناول من الطعام ما يحفظ به نفسه من الهلاك.

 

«فليس الإضراب قتلًا للنفس بل جهاد بها في الله، وليس إلقاءً بها إلى التهلكة؛ بل إلقاءً بها إلى الجنة»( 7).

 

الدليل الثاني: أن الله عز وجل أباح أكل المحرمات حفظًا للنفس وصونًا لها عن الإزهاق، فقال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة173].

 

فكيف يحل إذًا الامتناع عن الطعام الحلال مع القدرة عليه، وقد أباح الله الطعام الحرام صونًا للنفس!

 

مناقشة هذا الدليل:

«أن هذه الأدلة تدل على حرمة إهلاك النفس أو الإضرار بها ضررًا معتدًا به، وليس حرمة نفس الإضراب عن الطعام؛ فهي تدل على حرمة بعض الإضراب باللازم، ولا تدل على حرمة كل أنواع الإضراب كما هو المدعى»(8).

 

الدليل الثالث: أن الإضراب عن الطعام شبيه بالوصال في الصيام، وهو حرام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والوصال» قالوا: فإنك تواصل، يا رسول الله، قال: «إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» (9 ).

 

مناقشة هذا الدليل

«النهي عن الوصال في الصوم لمكان التشدد في العبادة التي مبناها اليسر، أما الإضراب عن الطعام فللمطالبة بالحقوق الإنسانية الضرورية المحبوسة عن المضربين.