logo

حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصوفية وأهل السنة.


بتاريخ : الاثنين ، 29 ذو الحجة ، 1436 الموافق 12 أكتوبر 2015
بقلم : فضيلة الشيخ الدكتور عطية عدلان
حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصوفية وأهل السنة.

تاريخ النشر: الطبعة الأولى (1428هـ - 2007م).

عدد الصفحات: 71 صفحة من القطع الكبير.

الناشر: دار اليسر.

 

مميزات الكتاب:

هذا الكتاب هو محاولة من الباحث لتأكيد وضوح العقيدة الإسلامية، وبساطتها، وانسجامها الكامل مع العقل السليم والفطرة السوية، وأن التصور الإسلامي لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، ومكانته ومنزلته، وواجب المسلمين تجاهه، جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية.

هذا الكتاب هو بيان لحقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم، في القرآن الكريم والسنة النبوية، وتأكيد على أنها صورة واضحة ليس فيها غبش، وسهلة ليس فيها تعقيد، وبسيطة ليس فيها طلسمة، ومباشرة ليس فيها تحوير، وعدل وسط ليس فيها غلو ولا تفريط.

يناقش الكاتب صورة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الصوفية، ويبين بالأدلة الشرعية أنها صورة غير صحيحة ومختلفة لصحيح الشرع، ويجب علينا أن نبرأ إلى الله من الفكر الصوفي المنحرف، ويجب أيضًا أن نأخذ الدين من العلماء الثقات، وليس من الأدعياء الذين يقولون ما تمليه عليه أهواؤهم، ثم يلبسونه ثياب العصمة؛ بنسبه إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم.

هذا الكتاب هو دعوة للمسلمين إلى التمسك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكل خير في اتباعه، وكل شر في تنكب طريقه.

ولقد جاء الكتاب في أسلوب سهل ميسر، يبين في جلاء حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصوفية وأهل السنة، مؤكدًا على انحراف التصور الصوفي لحقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم، والغلو في هذا التصور، الذي رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، كما قام بتذييل كتابه بالعروج على مسألة مصير والدي الرسول، وبين أنها قضية نتيجتها ليست مثمرة ولا مؤثرة.

 

محتوى الكتاب:

بدأ المؤلف كتابه بتمهيد، بيَّن فيه مميزات العقيدة الإسلامية، وتميزها من بين كل العقائد وجميع التصورات السائدة في الأرض اليوم، بالوضوح التام، والبساطة الشديدة، والانسجام الكامل مع العقل السليم، والفطرة السوية.

وبين أن هذا من أسرار جمالها وكمالها، وبرهان صدقها وربّانيتها، فلا يوجد في العقيدة الإسلامية، برغم قوتها، أدنى تعقيد، وليس فيها، برغم شمولها واتساعها، شائبة التباس، وليس فيها، برغم عمقها وأصالتها وروعة تركيبها، شيء، ولو قليل، من الطلسمة أو الإغراب، وسبب ذلك بسيط جدًا؛ فهي ليست من صنع البشر، وإنما هي ربانية المصدر، سماوية المنبع.

ثم تحدث بعد ذلك عن حقيقة الرسول في القرآن والسنة وبين أنه بشر، ولكنه امتاز عن سائر البشر، ليس بطبيعة تتعارض مع الطبيعة البشرية، وإنما بالعصمة والاتصال، امتاز على سائر البشر بأنه كان معصومًا من الزلل، موصولًا برب العزة عن طريق الوحي السماوي.

ثم يبين الصورة البشرية الرائعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بيّنها القران الكريم، وكما صوّرتها السنة المطهرة، ويؤكد أنها صورة واضحة ليس فيها غبش، وسهلة ليس فيها تعقيد، وبسيطة ليس فيها طلسمة، ومباشرة ليس فيها تحوير، وعدل وسط ليس فيها غلو ولا تفريط.

ثم يبين الكاتب الحقيقة المحمدية عند الصوفية، وأن ما أطلق عليه الصوفية "الحقيقية المحمدية" شيء مباين تمام المباينة لما عرفته الأمة، وتناقلتها أجيالها، عن صورة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يتحدثون عن حقيقة وهمية؛ كتلك الصورة التي يسمها خيال النصارى للمسيح، وأسموه: الرب يسوع ابن الله.

وأورد الكاتب قطوفًا من أقوالهم، التي تغص بها كتبهم، وتؤكد ما ذهبوا إليه، فهم يعتقدون أن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كبشرية الناس، وأن طبيعته البشرية تختلف عن الطبيعة البشرية العامة في أصل الخِلقة، وأن أصله نور، وكان أول الخلق، وغاية الوجود، ولولاه ما خلق الله الخلق.

ويناقش الكاتب دعاوى الصوفية ويفندها، ويردها إلى أصولها، ويبين أن هذا الفكر الصوفي منحرف، ويدعو المسلمين إلى التمسك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكل خير في اتباعه، وكل شر في ترك هديه وسنته.

ثم يناقش الكاتب موقف العلماء من عصمة الأنبياء، ويوضح أن الله عز وجل قد خص نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بغفرانه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

ويناقش الكاتب المهمة التي بعث بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن بيان حقيقة مهمته صلى الله عليه وسلم فيها رد وإبطال لكثير من مظاهر الغلو عند الصوفية.

ثم يذيل الكاتب كتابه بمسألة (مصير والدي الرسول)، وبيَّن أنها قضية نتيجتها ليست مثمرة ولا مؤثرة.

 

ومما جاء في الكتاب:

«فرسول الله صلى الله عليه وسلم بشر ككل البشر؛ يأكل، ويشرب، ويمشي في الأسواق: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]، {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان:7]، ولأنه بشر، ككل البشر، فهو محكوم عليه بالموت مثلهم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].

لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكًا من الملائكة، ولم يَدَّع ذلك، ولم يكن إلهًا ولا ابنًا للإله، ولم يدَّع ذلك: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء:94-95].

{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:79-80].

{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الزخرف:81-82].

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من الغيب شيئًا، إلا ما أطلعه الله تعالى عليه، ولم يكن يملك من خزائن الله ولا من أمره شيئًا إلا اتباعه لما أوحي إليه، ولم يكن بيده نفع ولا ضر لنفسه، ولا لغيره، ولم يدَّع شيئًا من ذلك: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام:50]، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:188].

حتى الهداية التي هي بمعنى تحريك القلوب، وشرح الصدور، وحمل العباد على الاهتداء فإنها ليست بيده؛ بل هي لله تبارك وتعالى وحده، إن عليه إلا البلاغ والتذكير، وما يملك إلا هداية الإرشاد إلى الحق، والدلالة على الصواب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]، {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:17].

{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21-22]، {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45].

وليس في كتاب الله تعالى، ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصّ يشير، من قريب أو بعيد، إلى خلاف الحقيقة التي شهد بها الواقع، ونقلها أجيال الأمة نقلًا متواترًا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر، خلق مما خلق منه البشر، وعاش كما يعيش البشر، وكان يخضع كسائر البشر للنواميس الإلهية التي تحكم الطبيعة البشرية.

هذه هي الحقيقة التي ظهرت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهورًا ليس معه غبش، وتبدَّت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبديًّا ليس دونه غموض، واستقرت في حياة الأمة، وفي ضمير الأجيال، استقرارًا لا يشوبه أدنى قلق، أو توتر، أو اضطراب، إلا ما شاب بعض الجهال المنحرفين، الذين لا يحسبون على الأمة، وليسوا بين المسلمين في العير ولا النفير.

وليس في هذا أدنى تنقيص لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الطبيعة البشرية ليست بذاتها سافلة، وإنما يأتيها السفول من الارتداد عمَّا فطرها الله عليه من القيم: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [التين:4-6].

ولأن مجرد التميز عن الطبيعة البشرية لا تتجلى فيه العظمة، بقدر ما تتجلى في أن يسمو صاحب الطبيعة البشرية على سائر البشر بصفاته وشمائله، وأخلاقه وفضائله، وكمال عبادته لربه، وطاعته لمولاه، وعظمة جهاده وجلاده؛ ولذلك جاوز رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج ما انتهى إليه جبريل الأمين.

كان بشرًا، نعم، ولكنه امتاز عن سائر البشر، امتاز عنهم، ليس بطبيعة تتعارض مع الطبيعة البشرية، وإنما بالعصمة والاتصال، امتاز على سائر البشر بأنه كان معصومًا من الزلل، موصولًا برب العزة عن طريق الوحي السماوي، كان بشرًا ولكن يوحى إليه، وهذا هو الذي يميزه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:110]».