حرية الاعتقاد
مصطلح حرية الاعتقاد لقيط غربي، أراد بعض المفكرين من المسلمين أن تتبناه الشريعة الإسلامية فأدخلوه فيها قسرًا.
الإسلام يوجب توحيد الله والإخلاص له سبحانه وتعالى، والالتزام بدينه والدخول في الإسلام، والبُعد عما حرم الله، وأعظم الواجبات وأهمها توحيد الله والإخلاص له، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب الشرك بالله عز وجل، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد، فالله سبحانه يقول: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء:36]، ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23]، ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5], ويقول عز وجل: {فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر:2]، ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل»(1).
فبيَّن الرب عز وجل، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب العقيدة ووجوب الالتزام بشرع الله، وأن لا حرية للإنسان في هذا، فليس له أن يختار دينًا آخر، وليس له أن يعتنق ما حرم الله، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه؛ بل يلزمه، ويُفتَرض عليه أن يستقيم على دين الله، وهو الإسلام، وأن يوحد الله بالعبادة، وألا يعبد معه سواه سبحانه وتعالى، وأن يؤمن برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يستقيم على شريعته، ويوالي على هذا ويعادي على هذا، وأن يقيم الصلاة كما أمر الله، وأن يؤدي الزكاة كما أمر الله، وأن يصوم كما أمر الله، ويحج كما أمر الله.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك»، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك»، فأنزل الله في هذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ} [الفرقان:68–70](2).
فدل ذلك على أن توحيد الله والإخلاص له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتحريم القتل وتحريم الزنا أمر مفترض لا بد منه، وليس لأحد أن يشرك بالله، وليس له أن يزني، وليس له أن يسرق، وليس له أن يقتل نفسًا بغير حق، وليس له أن يشرب الخمر، وليس له أن يدع الصلاة، وليس له أن يدع الزكاة وعنده مال فيه الزكاة، وليس له أن يدع الصيام وهو قادر على صيام رمضان إلا في السفر والمرض، وليس له أن يترك الحج وهو قادر على أن يحج مرة في العمر، إلى غير ذلك.
فلا حرية في الإسلام في ذلك؛ بل يجب أن يلتزم الإنسان العقيدة الصحيحة، ويدع ما حرم الله، نعم له حرية في الأمور المباحة التي أباحها الله له، له حرية في الأمور المستحبة التي لا تجب، فلو شاء تركها لا بأس، والمباح إن شاء فعله الإنسان وإن شاء تركه، أما ما أوجب الله فيلزمه فعله، وما حرمه الله عليه فيلزمه تركه، وليس له أن يعتنق الشيوعية أو النصرانية أو اليهودية أو الوثنية أو المجوسية، ليس له ذلك؛ بل متى اعتنق اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو الشيوعية صار كافرًا حلال الدم والمال، ويجب أن يستتاب، يستتيبه ولي الأمر المسلم الذي هو في بلده، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدَّل دينه فاقتلوه»(3).
فمن بدل دينه دين الإسلام بالكفر يجب أن يقتل إذا لم يتب، فبهذا يعلم أنه ليس للمسلم حرية أن يترك الحق وأن يأخذ بالباطل أبدًا؛ بل يلزمه الاستقامة على الحق، ويلزمه ترك الباطل، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لله ويدعو إلى الله عز وجل، وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن يدعو الناس إلى ترك ما حرم الله عليهم، كل هذا أمر مفترض حسب الطاقة(4).
وقد قامت فكرة حرية الاعتقاد في الفكر الغربي على أساس فلسفي، وهو نسبية الحقيقة، وأن لا أحد يمتلك الحقيقة كاملة، وعلى أساس علماني، يقوم على عزل الدين عن أن يكون جزءًا من أنظمة الدولة؛ بل للدولة مذهبها الخاص الذي تصوغ على ضوئه كل قوانينها، دون تدخل من الدين إلا في الحدود التي لا يضر فيها بمذهب الدولة، وأصبحت العقيدة مسألة شخصية، الحق فيها نسبي، ولا دخل للدولة فيها، فليعتنق كل فرد ما يشاء، بشرط عدم الإضرار بالنظام العام أو بحريات الآخرين.
وقد قام الغرب بنشر هذا المصطلح وفق مفهومه لديهم، وفرضه على العالم بالترغيب تارة، وبالترهيب تارة أخرى، ووصل التأثر بهذا المفهوم إلى أن أصبح منصوصًا عليها في دساتير كثير من بلاد العالم الإسلامي، وصار له دعاة يدعون إليه سرًا وجهرًا؛ نظرًا لما يحققه من اعتراف بشتى العقائد والمذاهب، وهنا يصبح المجال مفتوحًا لضعاف النفوس والزائغين للانتقال من دين لآخر؛ مما يسبب فتنة الناس عن دينهم، وتسهيل سبل الانحراف لهم.
وقد حاول بعض الناس التوفيق بين نصوص الشريعة وأحكامها وبين المفهوم الغربي لحرية الاعتقاد؛ فكانت النتيجة التعسف في تأويل نصوصها وتوهين بعض أحكامها(5).
إن الإسلام يمنح الحرية الفردية في أجمل صورها، والمساواة الإنسانية في أدق معانيها، ولكنه لا يتركها فوضى، فللمجتمع حسابه وللحرية اعتبارها، وللأهداف العليا للدين قيمها، ولهذا يقرر مبدأ التبعية الفردية في مقابل الحرية الفردية، ويقرر إلى جانبها التبعية الجماعية، التي تشمل الفرد والجماعة بتكاليفها، وهذا ما ندعوه بالتكافل الاجتماعي.
حرية الاعتقاد حسب المنظور الشرعي:
عدم إكراه أحد من الكافرين ممن تقبل منه الجزية، ما دام باذلًا لها، على اعتناق الإسلام، أما من لا تقبل منه الجزية فلا يقبل منه غير الإسلام، وإذا أسلم فلا يسعه تغيير عقيدته إلى عقيدة أخرى، وإذا غيرها كان القتل عقوبته حدًا لا تعزيرًا.
يجب على الخلق أجمعين قبول دعوة التوحيد، واتباع دين الأنبياء والمرسلين (دين الإسلام)، فيجب على كل مكلف أن يوحد الله، وأن يعبده ولا يشرك به شيئًا، وإلا فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.
إن المرتد عن الإسلام، وهو غير مكره على ذلك، عقوبته القتل حدًا لا تعزيرًا، سواء ارتبطت ردته بالحرابة أو لم ترتبط، وذلك بعد أن تُستوفى في حقه شروط الردة، وشروط إقامة حدها عليه، مع مراعاة اختلاف وجهات أنظار الفقهاء في هذه الشروط.
فمن الآثار المترتبة على المفهوم الإسلامي لحرية الاعتقاد:
- أن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، فهو النظام الحاكم والعقيدة الرسمية، فلا يجوز الإخلال بهذا المبدأ، ولا الخروج عليه.
- بيان سماحة الإسلام وعدله؛ إذ لم يُكرِه أحدًا على الدخول فيه.
ومن الآثار المترتبة على المفهوم الغربي لحرية الاعتقاد:
- المساواة بين دين الإسلام الحق وبين غيره من الأديان الباطلة؛ إذ كلها في ميزان الحرية ذات المفهوم الغربي سواء، وهذا مدخل يلج منه دعاة التقريب بين الأديان.
- تمييع العقيدة الإسلامية في نفوس الناس واهتزاز مكانتها في نفوسهم؛ مما يسهل عليهم عدم الاكتراث بها...
ويقف الإسلام بين الأديان متميزًا في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكره أحدًا من أهل الكتاب على الدخول في الإسلام، وكانت تتردد في جميع الكتب التي وجهها إلى القبائل التي أسلمت أو عاهدت عبارة واحدة، هي: ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يفتن عنها، وعليه الجزية، وأنهم متى قبلوا أداء الجزية فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم ذمته وأمانه، بحيث يتمتعون بذات الحقوق التي يتمتع بها المسلمون، ويحق لهم ممارسة شعائرهم الدينية(6) .
أساس العلاقة مع غير المسلمين:
نص القرآن الكريم على أساس العلاقة مع غير المسلمين، فقال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة:8-9].
فالأساس في التعامل هو البر والقسط مع الناس جميعًا، ولو كانوا غير مسلمين، إلا إذا قاتلوا وحاربوا واضطهدوا، فهنا يشرع القتال والحرب والجهاد ضدهم .
وذكر العلامة القرافي المالكي معنى البر الذي أمر الله به المسلمين في شأنهم فقال: «وأما ما أمر به من برهم، من غير مودة باطنة، فالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف بهم والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذاهم في الحوار، مع القدرة على إزالته، لطفًا منا بهم، لا خوفًا وتعظيمًا، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم، وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم بجميع حقوقهم، وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله فإن ذلك من مكارم الأخلاق»(7).
اعتراف الباحثين الغربيين بحقيقة سماحة الإسلام:
فقد جاء عن العالم والمستشرق البريطاني السير توماس أرنولد بهذا الصدد ما ترجمته حرفيًا: «إذا نظرنا إلى التسامح الذي امتد إلى رعايا المسلمين من المسيحيين في صدر الحكم الإسلامي، ظهر أن الفكرة التي قد شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق».
وقد أورد العالِم المذكور العديد من الشواهد الدالة على أن الحكم الإسلامي في عهد الخلفاء الراشدين كان يكفل حرية العقيدة الدينية كفالة تامة، وبصورة خاصة للمسيحيين، حيث قال: «ولما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن، وعسكر أبو عبيدة في محل، كتب الأهالي المسيحيون في هذه البلاد إلى العرب يقولون: يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا».
وقال في موضع آخر بأن الفتح الإسلامي قد جلب إلى القبط في مصر حياة تقوم على الحرية الدينية، التي لم ينعموا بها قبل ذلك بقرن من الزمان، وقد تركهم عمرو بن العاص أحرارًا على أن يدفعوا الجزية، وكفل الحرية في إقامة شعائرهم الدينية، وخلصهم بذلك من هذا التدخل المستمر الذي عانوا من عبئه الثقيل في ظل الحكم الروماني(8).
ويقول الدكتور جوستاف لوبون في كتاب (حضارة العرب): «كان يمكن أن تعمي فتوحات العرب الأولى أبصارهم، فيقترفون من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادة، ويسيئون معاملة المغلوبين، ويكرهونهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون بنشره في أنحاء العالم، ولو فعلوا ذلك لتألبت عليهم جميع الأمم التي كانت بعد غير خاضعة لهم، ولأصابهم مثل ما أصاب الصليبيين عندما دخلوا بلاد سوريا مؤخرًا، ولكن الخلفاء السابقين، الذين كان عندهم من العبقرية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة، أدركوا أن النظم والأديان ليست مما يفرض قسرًا، فعاملوا أهل سوريا ومصر وأسبانيا، وكل قطر استولوا عليه، بلطف عظيم، تاركين لهم نظمهم وقوانينهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في مقابل حمايتهم لهم، وحفظ الأمن بينهم، والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب»(9).
التقييد الدولي لحرية الاعتقاد:
في المادة (18) فقرة (3) من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الذي اعتمد عام 1966م، ما نصه: «لا يمكن لحرية إظهار الدين أو القناعات أن تكون مقيدة إلا بالقيود التي يضعها القانون، والتي هي ضرورية لحماية الأمن والنظام والصحة العامة، أو لحماية الأخلاق والحريات والحقوق الأساسية للآخرين»(10)، أما في الميثاق الأفريقي فهي مقيدة بالمحافظة على النظام العام(11).
فالفكر الغربي في حرية الاعتقاد يرفض أي وصاية دينية على تلك الحرية، ولو اجتمعت عليها الشرائع الصحيحة مع المحرفة، ويجعل الوصاية عليها للأهواء البشرية في قيود فضفاضة، تجعل السياسي الغربي يتمتع باستخدامها ضد من يشاء، ويُخرج منها من يشاء، فهي قيود تتمثل في (حماية الأمن والنظام والصحة العامة، أو حماية الأخلاق والحريات والحقوق الأساسية للآخرين).
فمن يضبط هذه القيود الفضفاضة؟ ومن يضع حدودها؟
إذن فالفكرة الغربية في حرية الاعتقاد تتلخص في رفض تدخل الشرائع الربانية في تقييدها، وإحالة التقييد على الأهواء البشرية، وليس كل البشر يشاركون بأهوائهم في هذا التقييد؛ بل هو حكر على المُشَرِّع الغربي العنصري، الذي يملك الحقيقة المطلقة دون سائر البشر.
وتنص أغلب الدساتير العربية على حرية الاعتقاد الديني وحرية ممارسة شعائر الأديان، شريطة ألا تتعارض مع النظام العام والآداب في الدولة(12).
وهذا القيد فضفاض كما هو شأن القيود الغربية، فيمكن أن يُجعل ما ورد من أحكام الإسلام داخلًا ضمن النظام العام الذي تقيد به حرية الاعتقاد، وحينئذ تفقد حرية الاعتقاد حقيقتها الغربية، ويصبح تقريرها من لغو الكلام.
ويمكن أن تكون الدولة علمانية لا تأبه بأحكام الشريعة، وتكون القيود لمصلحة النظام السياسي؛ بل قد يُمنع من الشعائر الإسلامية الظاهرة بحجة هذا القيد، كما منع الحجاب في تركيا إبان سيطرة الأتاتوركية الاستئصالية على القرار فيها، وهكذا مُنع النقاب في تونس وسوريا قبل الربيع العربي، وتمت مضايقة المنتقبات في مصر، وهناك توجه دولي عربي، بعد تأزمهم من انتشار الإسلام، للسطو على الشعائر الظاهرة للإسلام بدءًا بالنقاب.
أما المفكرون المسلمون، الذين تلقفوا اللقيط الغربي ليدخلوه في التشريع الإسلامي بالقوة، فقد اضطربوا اضطرابًا كبيرًا في القيود على حرية الاعتقاد، وهذا الاضطراب يدل على عسف في إدخال هذا اللقيط الغربي في التشريع الإسلامي؛ إذ لو كان من الإسلام لكان منضبطًا لا مضطربًا، ويمكن تقسيم الاتجاهات الفكرية الإسلامية في تقييد حرية الاعتقاد إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: نص أصحابه على إطلاق حرية الاعتقاد، وزعموا عدم وجود قيود عليها، ومن الأمثلة على هذا الاتجاه:
1- قول نخبة من أساتذة القانون في مصر: حرية الدين مطلقة لا يرد عليها أي قيد...؛ فللإنسان أن يؤمن بأي دين سماوي أو غير سماوي، وله أن يكون ملحدًا أو كافرًا، يقول سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] ويقول جل شأنه: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29](13).
2- ويقول أحمد الحاضري: «إن حرية الإنسان تقتضي عدم وضع قيد على هذه الحرية، وعدم إكراه الإنسان بأي نوع من أنواع الإكراه»(14).
3- ويقول كريم كشاكش: «يقصد بحرية العقيدة الدينية أن الشريعة الإسلامية تكفل لكل فرد في الدولة أن يعتنق أي دين يشاء، وأن يقيم شعائر دينه بحرية تامة»(15).
وبطلان هذه التقريرات شرعًا أظهر من أن يناقش، ومخترعو حرية الاعتقاد من ملاحدة الغرب لم يجعلوها بلا قيود.
الاتجاه الثاني: المتفقون على تقييدها، المضطربون في تحديد هذه القيود:
1- فمنهم من قيدها بعموم الشريعة الإسلامية:
أ- كل حر في عقيدته، لكن في إطار الشريعة الإسلامية(16).
ب- فكل عقيدة لا تصطدم بالحق والخير من حيث كونها تنبثق في أصلها وأساسها من الإيمان بوجود الله الخالق، بقطع النظر عن ملابسات التفكير الجانبية الخاطئة التي طرأت عليها؛ هي في نظر الإسلام عقيدة يصان أهلها عن كل إكراه(17).
2- ومنهم من قيدها بالنظام العام، أو بما لا يدعو إلى فتنة أو يثير الانتقام والشقاق في البلاد(18).
3- ومنهم من قيدها بعدم الردة، واحترام الديانات السماوية الأخرى، وقبول مبدأ التعايش معها، وعدم اعتماد العنف والإكراه(19).
4- ومنهم من قيدها بألَّا يعتدوا على المسلمين، ولا على الدين الإسلامي(20).
5- ومنهم من فرق في القيود بين المسلم وغيره، فجعل قيد المسلم ألا يخرج عن أصل الدين، وغير المسلم باحترام سلامة النظام العام وأمن الدولة(21).
6- ومنهم من ذكر أن ضابطها وضابط ممارسة الشعائر والدعوة إلى الدين أن تكون في ظل الحفاظ على أمن المجتمع، والحرص على سلامة النسيج الوطني(22).
7- ومنهم من قرر أن حرية العقيدة لا تعني التلاعب في المعتقدات الدينية، أو اتخاذها هزوًا أو لعبًا، أو استحداث عقائد جديدة تتناقض مع الأديان السماوية، وعلى الأخص دين الإسلام(23).
8- ومنهم من زعم أن من بنود الحرية الدينية في الإسلام أن يترك لغير المسلمين حرية تأدية شعائرهم، وأن يترك لهم حرية الدعوة إلى دينهم ما لم يؤد ذلك إلى إثارة الفتن والفوضى في المجتمع، كما أن المسلم يدعو لدينه وبالضابط نفسه(24).
9- ومنهم من ادعى أنه في إمكان غير المسلمين أن يعلنوا عن دينهم ومذهبهم وعقيدتهم، وأن يباشروا طقوسهم الدينية، وأن ينشئوا المدارس والمعابد لإقامة دينهم ودراسته دون حرج عليهم، سواء كانوا يهودًا أو نصارى؛ بل ولهم أن يكتبوا ما يشاءون عن عقيدتهم، وأن يقارنوا بينها وبين غيرها من العقائد الأخرى في حدود النظام العام والآداب والأخلاق الفاضلة(25).
10- ومنهم من ادعى أن الشريعة سمحت لغير المسلم، في أي بلد إسلامي، أن يعلن عن دينه ومذهبه وعقيدته، وأن يباشر طقوسه الدينية، وأن يقيم المعابد والمدارس لإقامة دينه ودراسته دون حرج...، وأن من حقهم أن يباشروا عباداتهم علنًا(26).
11- ومنهم من قرر أن الأمر لا يقف عند اعتراف الإسلام بحرية العقيدة؛ بل يمتد ليشمل حق الإنسان في التعبير عن عقيدته، وممارسته إياها في علنية وحرية، وفي حقه في الدفاع عنها وفي الدعوة إليها، وفي نقد غيرها من المعتقدات(27).
12- ومنهم من قرر أن حرية العقيدة تستلزم احترام أماكن العبادة جميعًا، من دون تمييز بين الأديان، وفقًا للآية الكريمة: {وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40](28).
ومؤدى هذا الكلام أن تحترم أماكن الوثنية وبيوت الأصنام، كما تحترم المساجد، فيحترم محل الشرك كما يحترم محل التوحيد.
وهذا التخبط في القيود على حرية الاعتقاد نتج عن محاولة أصحابه الجمع بين ما جاء في الإعلانات العلمانية لحقوق الإنسان وما فرضته الشريعة الإسلامية مع ما بينهما من تناقض.
وتقييدها بالشريعة الإسلامية هو إلغاء لحرية الاعتقاد بالمفهوم الغربي، وتقرير للعبودية لله تعالى، فصار تقريرها من لغو الكلام؛ لثبوت التضاد بين الحرية الغربية وبين مقام العبودية لله رب العالمين.
أدلتهم على حرية الاعتقاد:
ويمكن نظم النصوص المستدل بها على حرية الاعتقاد في الموضوعات التالية:
أولًا: النصوص التي تنهى عن الإكراه في الدين أو تنفيه:
وغاية ما تدل عليه هذه النصوص أن أفراد الكفار لا يكرهون على الدخول في الإسلام، لكن يكرهون على الانضواء تحت سلطانه، ويضرب عليهم الذل والصغار بالجزية، ولا يظهرون شعائرهم، ولا يدعون لدينهم، وهذا يتعارض تعارضًا كليًا مع المفهوم الغربي لحرية الاعتقاد؛ لأن فيه منعًا من إظهارهم شعائرهم ودعوتهم إلى دينهم، كما أن فيه تمييزًا على أساس ديني.
ثانيًا: النصوص التي ظاهرها التخيير بين الإيمان والكفر:
وهذه النصوص جاءت في سياق التهديد والوعيد، فكيف يستدل بها على حرية الاعتقاد، وفي النصوص نفسها ما يدل على أن من اختار غير دين الحق، وهو الإسلام، فإنه يعذب في النار، فهل من تُوعد بالنار مخير في اعتقاده؟!
وقد يقول من يحتج بها: نقصد التخيير في الدنيا، كما احتج بذلك عبد المتعال الصعيدي.
فالجواب: لم إذن تقولون: حرية الاعتقاد في الإسلام؟ فالإسلام يجمع بين الدنيا والآخرة في أحكامه وتشريعاته.
وهذا يدل على مدى سيطرة الفكرة العلمانية على كثير من المفكرين الإسلاميين في إقصاء الآخرة أثناء معالجة الحرية وقضاياها، والاقتصار على النظرة الدنيوية كما يفعل الغربيون.
ثالثًا: النصوص التي فيها أن الهداية الكونية لله تعالى وحده:
ولا حجة فيها؛ لأن الإنسان يعاقب على اختياره، وأيضًا يلزم من احتج بهذه النصوص على حرية الاعتقاد أن يحتج بها على حرية عدم الالتزام بالأنظمة والقوانين الوضعية، وهم لا يقولون بذلك.
فإن قيل: إن الناس ملزمون بها، ويعاقبون على الإخلال بها.
قيل: فكذلك الناس ملزمون بالإيمان والعمل الصالح، ويعاقبون على الإخلال به.
ويظهر تأثير المنهج المادي الدنيوي في كتابات كثير من المسلمين، المتناولين لقضايا الحرية، في أنهم إن جاء الحديث عن حقوق الله تعالى الدينية عظموا شأن حرية الاعتقاد، وحرية ممارسة الشعائر، وحشدوا لها من النصوص ما يرونه يؤيد أقوالهم.
وأما إن كان الحديث عن الالتزام بالأنظمة والقوانين حكوا أن الإسلام يربي أفراده على النظام، والالتزام به، ومراعاة حقوق الآخرين، مع أن الصورتين متطابقتان، لكن كان موضوع الأولى حقوق الله تعالى فاستهانوا بها، وكان موضوع الثانية حقوق البشر، فعظموها على طريقة الماديين الغربيين في تعظيم الدنيا وما يلزم لها، وإقصاء الآخرة وما يجب للنجاة فيها.
رابعًا: النصوص التي فيها أن مهمة الرسول هي البلاغ فقط:
وأكثر المفسرين والفقهاء على القول بنسخها بآيات السيف والجهاد.
وأيضًا: الرسول وأتباعه ملزمون بإقامة الشرائع في الناس، ومنها الشرائع المتعلقة بالكفار حربًا وسلمًا؛ كدعوتهم للإسلام، ومحاربتهم على الخضوع لحكمه بالرق أو بالجزية أو بالخراج، وكل ذلك مما يناقض حرية الاعتقاد بمفهومها الغربي.
ومن العجيب أن كثيرًا ممن يحتج بنصوص البلاغ في هذا الموطن، من العلمانيين والتنويريين العرب، هم من أشرس الناس في محاربة هذا البلاغ ومحاصرته والمنع منه، وتجفيف منابعه، وإيذاء القائمين به بكل الوسائل الممكنة.
خامسًا: النصوص التي فيها مقولات المنافقين الكفرية، ولم يؤاخذهم بها النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الاستدلال غلط؛ لأن المنافقين كانوا يسترون نفاقهم ولا يظهرونه حتى فضحهم الله عز وجل، ومع ذلك أنكروا أنهم قالوا ما قالوا، وحلفوا على هذا الإنكار كما في سورة التوبة، والدليل على أن المنافقين كانوا يسترون نفاقهم قول حذيفة رضي الله عنه: «إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون»(29).
وهذا نص صريح من أعلم الصحابة رضي الله عنهم بالمنافقين، وأمين سر النبي صلى الله عليه وسلم فيهم بأنهم كانوا مستخفين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعاملهم بظاهر حالهم، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، ولا يعاملهم بعلمه في بعضهم.
ومن أظهر منهم نفاقه فقال كفرًا ولم يؤاخذه النبي صلى الله عليه وسلم به كانت علة ذلك: حتى لا يقول الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه، ولم يعلله بحرية الاعتقاد أو حرية التعبير.
سادسًا: النصوص التي تنكر على المشركين اتباع آبائهم وتقليدهم في شركهم:
وهذا الاستدلال حق في بابه، لولا أن المستدلين بهذه الآيات، من المفكرين المسلمين، نقدوا عموم التقليد، وخاصة في العقائد، وهي لوثة كلامية، تسربت إليهم من أهل البدع في ادعاء أن أول الواجبات هو النظر أو القصد إليه أو الشك.
وموضوع النصوص التي استدلوا بها إنما هو التقليد في الباطل الذي ليس عليه دليل، وأما التقليد في الحق الذي ثبت بالدليل، وهو المسمى (الاتباع) فهو مطلوب شرعًا، ومأمور به في الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام أنه قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف:38]، وقال تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} [آل عمران:95].
بل زعم بعضهم أن النصوص المنتقدة تقليد المشركين لآبائهم تنص صراحة على أن الأنبياء، وأتباعهم بطريق الأولى، لم يرسلوا لكي يلزموا الناس بتعاليم دينهم، أو يكرهوهم على شيء لا يعتقدون صحته(30).
وتجاوز بعضهم إلى ادعاء أن القتال هو لمن أحدث الفتنة، وفرض القهر والتسلط الديني، مستدلين بقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله} [البقرة:193](31).
بمعنى أن هذه الآية ومثيلاتها إنما هي في قتال من فرض التسلط الديني، أيًّا كان دينه، ومن لوازم تقرير ذلك أن الاحتساب على الناس، المأمور به في القرآن والسنة، وكذلك الجهاد هو من التسلط الديني الذي يجب قتال أصحابه استدلالًا بهذه الآية، ويساوون بين الإسلام وغيره، كما هو مقتضى القوانين الوضعية والمواثيق الدولية وإعلانات حقوق الإنسان؛ بل منهم من يجعل أديان اليهود والنصارى كالإسلام؛ فيسمونها أديانًا توحيدية، تمييزًا لها عن الوثنية.
وفي أثناء حشدهم للنصوص التي يستدلون بها على حرية الاعتقاد، في عملية انتقائية من القرآن والسنة، أهملوا ذكر حقائق مهمة في هذا الجانب، ومنها:
أولًا: النصوص التي فيها نقد الكفار، واتهامهم في عقولهم، وتسفيه آلهتهم، والإخبار عنهم بأنهم أضل من الأنعام، وأنهم شر البرية، وأنهم لا يعقلون.
ثانيًا: تغافلوا عما جرى من إنكار الأنبياء عليهم السلام لممارسات أقوامهم، وأبلغ ذلك وأوضحه تكسير الخليل عليه السلام أصنام قومه، مما يعد اعتداء صارخًا على حرية الاعتقاد بمفهومها الغربي، ومثله إحراق موسى عليه السلام العجل الذي عبدوه، وظهر أثر هذا الانحراف في تقرير حرية الاعتقاد حين هدمت طالبان أوثان البوذيين؛ إذ أنكره عدد من المفكرين الإسلاميين.
ثالثًا: أهملوا ذكر هلاك المكذبين السابقين بسبب بقائهم على الكفر، وتهديد المكذبين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام بالعذاب.
رابعًا: أنهم في إثباتهم لحرية الاعتقاد في الإسلام ألغوا أحكامًا شرعية ثابتة؛ وذلك لتوسيع هذه الحرية التي أدخلوها في الإسلام قسرًا، والاقتراب بها من مثيلتها في الفكر الغربي، وإذا ما وقع شيء من التعارض بينهما سلكوا سبل الاعتذار والتحريف، والانتقاء من المذاهب والأقوال ما يكون أقرب إلى الفكرة الغربية، ولو كان رأيًا شاذًا أو محدثًا مخالفًا للإجماع، كما فعلوا في نفي حد الردة الثابت بالنص والإجماع، وكما فعلوا في حصر الجهاد في الدفع دون الطلب مع ثبوته بالنص والإجماع أيضًا.
خامسًا: أنهم تحرجوا من أحكام شرعية ثابتة، فأوجدوا لها أعذارًا باهتة، ومخارج ضيقة؛ مثل: الجزية، وكذلك مشروعية الرق في الإسلام، وكونه ذلًا سببه الكفر، فاعتذروا عنه بأنه كان موجودًا عند الأمم كلها وليس عند المسلمين فقط؛ ولذلك أقره الإسلام، وكأن الإسلام يقر الباطل إذا كان سائدًا! وهو ما أنزل إلا ليهدم الباطل، وإلَّا فإن الشرك كان سائدًا فلماذا أبطله الإسلام، وأبطل كثيرًا من اعتقادات المشركين وشعائرهم وعاداتهم؟!
وأخيرًا: فإن مبنى الحرية بكاملها، ومنها حرية الاعتقاد، على أصل فاسد وهو أن الأصل في البشر السلم، وأن الأصل في الإنسان أنه مسالم لا يحب العدوان، وهي فرضية غير صحيحة؛ بل الأصل في البشر الحرب وليس السلم، والأصل في الإنسان العدوان وليس العدل؛ كما قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، فقد أخبرنا الله عن جنس الإنسان أنه ظلوم جهول(32) والظلم والجهل يحملان الإنسان على الاعتداء وسفك الدماء.
والملائكة كانوا يعرفون حقيقة البشر قبل أن يخلقوا بما علمهم الله تعالى، أو بتجربة خلق لله تعالى سابقين على البشر سكنوا الأرض فأفسدوا فيها، أو بالنظر إلى طبيعة خلق آدم عليه السلام، وأنه خلق أجوف فهو يشتهي، والشهوة ستكون سببا للأثرة والصراع؛ ولذا قال الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30].
وإذا كان الأصل في الإنسان الجهل والظلم، كان لا بد من ضبطه بالشرائع أو بالقوانين لكي لا يعبث في الأرض بجهله وظلمه؛ فأهل الإيمان ارتضوا أن يُضبط الإنسان بشريعة الله تعالى، والعلمانيون ومن وافقهم ارتضوا أن يُضبط بما تنتجه الأهواء البشرية من قوانين.
وإذا كان السلم ليس أصلًا في البشر، وهو خرافة ابتدعها الغرب ليستسلم لهم المسلمون، كان لا بد من توجيه الصراع، الذي هو سمة البشر، بحيث تكون وجهته إعلاء كلمة الله تعالى، ليكون الدين كله له سبحانه وتعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة:251] وهذا الدفع سيبقى إلى آخر الزمان، فلم يكن ثمة حرية اعتقاد البتة(33).
***
___________________
(1) أخرجه البخاري (25)، ومسلم (21).
(2) أخرجه البخاري (3017).
(3) المصدر السابق.
(4) هل الإسلام يقر حرية العقيدة، الموقع الرسمي للإمام ابن باز.
(5) حرية الاعتقاد في الإسلام، مركز التأصيل للدراسات والبحوث.
(6) المصدر السابق.
(7) حقوق الإنسان، ص209.
(8) نظام الحكم في العهد الراشدي، ص291.
(9) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، ص291.
(10) مدخل تاريخي لدراسة حقوق الإنسان، ص258-259.
(11) الحماية الدولية لحقوق الإنسان، نصوص ووثائق، ص170.
(12) الحقوق والحريات والواجبات العامة في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي، مع المقارنة بالدستور المصري، ص75.
(13) حقوق الإنسان وطرق حمايتها في القوانين المحلية والدولية، ص180.
(14) الحرية منهج الإسلام وتشريعه، ص91.
(15) الحريات العامة في الأنظمة السياسية، ص262.
(16) الحقوق والحريات العامة في عالم متغير، ص39.
(17) حقوق الإنسان في ظل العولمة، ص209.
(18) الحقوق والحريات العامة في عالم متغير، ص40.
(19) حقوق الإنسان وحريته الأساسية، ص163.
(20) حقوق الإنسان في القانون والشريعة الإسلامية، ص80.
(21) حقوق الإنسان في الأديان، ص180.
(22) الحرية الدينية ومقاصدها في الإسلام، ص39.
(23) حقوق الإنسان، الوثائق العالمية والإقليمية، ص60.
(24) الحرية الدينية ومقاصدها في الإسلام، ص38.
(25) حقوق الإنسان، الوثائق العالمية والإقليمية (3/ 60).
(26) التشريع الجنائي في الإسلام مقارنًا بالقانون الوضعي (1/ 32-33).
(27) حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية، ص71.
(28) أركان حقوق الإنسان، ص123.
(29) أخرجه البخاري (6696).
(30) الحرية الدينية ومقاصدها في الإسلام، ص36.
(31) حقوق الإنسان في القرآن الكريم، ص89.
(32) الحرية الدينية ومقاصدها في الإسلام، ص36.
(33) تهافت دعوى حرية الاعتقاد، شبكة: الألوكة.