logo

محاربة الدين من الداخل


بتاريخ : السبت ، 17 جمادى الآخر ، 1442 الموافق 30 يناير 2021
بقلم : تيار الاصلاح
محاربة الدين من الداخل

إن العداوة والصراع في هذه الحياة قائم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وليس هذا الصراع بالضرورة مبني على خطأ ممن نصبت له العداوة، ولا على ظلم، ولا على اعتداء؛ بل إن الله تعالى وهو الإله الكريم الجواد الرحيم الرحمن المتفضل على عباده بكل خير، ومع ذلك كان له من خلقه أعداء، كما قال الله عز وجل: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98].

وهكذا الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وهم خلق عند الله تعالى في السماء، ومع ذلك لهم أعداء، والرسل عليهم الصلاة والسلام لهم أعداء، وأي أعداء قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97].

فذكر أن هناك من اليهود وغيرهم من هم أعداء لجبريل عليه الصلاة والسلام، أما الرسل صلى الله عليهم جميعًا وسلم، فإن العداوة لهم برزت أشد البروز، لأن لكلٍ منهم شريعةً ومنهجًا وأتباعًا ودينًا، وربما أقام النبي عليه الصلاة والسلام دولة، وحارب أعداءه وقاومهم، ولهذا قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31].

فهناك من الأنبياء من لم يكن لهم تابع، لكن كان لهؤلاء أعداء يحاربونهم ويناصبونهم، وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112].

فهؤلاء الذين هم أعداء الرسل، وأعداء الله والملائكة، وأعداء الدين والحق، هم وقود النار، فهذه قاعدة لا بد من فهمها وبيانها، مهما حاولت وجادلت وتحريت وتلطفت، واستخدمت من الأساليب والطرق، فلن تعدم عدوًا، ولن يعدم المؤمن أحدًا يؤذيه حتى ولو كان على قمة جبل.

إن الكيد الموجه ضد الإسلام، والموجه ضد المسلمين، لم يكن ليبلغ مبلغه ويحقق أثره لولا أنه وجد آذانًا صاغية من المسلمين، ووجد تربة خصبةً لزرعه في بلاد الإسلام، ولهذا قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]، ثم قال في الآية التي بعدها: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الأنعام:113]، وقال سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120].

إن من السهل أن نلقي الملامة على عدونا، سواءً الاستعمار، أو الصهيونية، أو الحكومات الجائرة، أو أمريكا، أو القوى الخفية، أو القوى المعلنة، ولكن هذا الكلام ليس دقيقًا، فهو -أعني العدو- إنما نفد من خلالنا، وبحبل منا بلغ ما يريد، حتى الشيطان نفسه، وهو أعظم الأعداء، إنه يقول يوم القيامة في خطبته الشهيرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22].

وقد صدق في بعض ما قال وهو كذوب، فإنه ما كان له من سلطان، إنما سلطانه على الذين آمنوا به وتولوه، قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل: 99- 100].

ومعنى يتولونه يتخذونه وليًا لهم، وهم الملازمون للملل المؤسسة على ما يخالف الهدي الإلهي عن رغبة فيها وابتهاج بها، ولا شك أن الذين يتولونه فريق غير المشركين لأن العطف يقتضي بظاهره المغايرة، وهم أصناف كثيرة من أهل الكتاب، وإعادة اسم الموصول في قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُون} لأن ولايتهم للشيطان أقوى.

وعبر بالمضارع للدلالة على تجدد التولي، أي الذين يجددون توليه، للتنبيه على أنهم كلما تولوه بالميل إلى طاعته تمكن منهم سلطانه، وأنه إذا انقطع التولي بالإقلاع أو بالتوبة انسلخ سلطانه عليهم (1).

فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة والدليل، فليس له حجة أصلًا على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرؤون على المعاصي.

وأما السلطان الذي أثبته فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يؤُزّهم إلى المعاصي أزّا، وهم الذين سلطوه على أنفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه، ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (2).

وإذا نظرنا اليوم إلى عدونا، وقد نفذ إلى مجتمعاتنا، وإلى بلاد الإسلام كلها، فإننا من الممكن أن نتصور أنه كان يمكن أن يحدث النقيض، وكان من الممكن أن يؤثر جهد المسلمين وكيدهم في عدوهم، وكان هناك احتمال أن يقع غزو فكريٌ إسلامي على الأمم الكافرة، ولكن الذي حصل هو أن أعداء الإسلام قووا وضعف المسلمون، ووجد العدو في المسلمين من القبول والاستجابة ما مكن له، فعلينا أن نلوم أنفسنا، وأن نعود إلى ذواتنا، وأن ندرك أنه ما كان هناك شيء ليحدث لولا أننا تجاوبنا مع هذا الكيد، فحقيق بنا أن نخاطب هذه الأمة المكلومة المجروحة بكلمات الشاعر الذي يقول لها:

ادفني قتلاكِ وارضي بالمصيبةْ     واذهبي عاصفةِ الليل غريبةْ

واحملي العارَ الذي أنجبتهِ     وتواري في الزنازينِ الرهيبةْ

أنتِ ضيعت البطولات سدى     يا شعوبًا لم تعلمها المصيبةْ

حين تقرأ عن خطب أعداء الإسلام ودراساتهم واحتياطاتهم؛ تحس بعمق الكيد وخبثه ودهائه، وأنهم يحسبون لكل شيء حسابًا، ويدبرون أدق التدبير وأعظمه وألطفه، فلهم حيل وأساليب خفية لطيفة لا يدركها أكثر الناس، فهنا تتذكر قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 46]، فهو مكرٌ دقيق، مكرٌ لو بلغ أثره وتحقق مقصوده لزالت الجبال بسببه، لكننا نجد أن الجبال باقية في مكانها، إذًا مكرهم دقيق ولطيف وبعيد، ولكن آثاره أقل مما يدبرون ويتصورون.

فإذا نظرت في المقابل إلى الآيات الأخرى التي تتكلم عن ضعف كيدهم، قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر: 25]؛ وجدت مصداق ذلك اليوم في أعمال كثيرة ظنوا هم أنها بأيديهم، فإذا بالأمر يكون خلاف ما يتوقعون، فتجد الثغرات التي تقع في النتائج المترتبة على أعمالهم ولو بعد حين، وتكتشف ضعف الكيد ووهنه، وكثرة ثغراته في أمور كثيرة، منها: مثلًا مواجهة الشيوعية اليوم.

لقد كان العالم الغربي يتعامل مع الشيوعية على أنها قوة باقية لعشرات السنين، وصرحوا بذلك، ولم يكن هناك أي دراسة تتوقع سقوط الشيوعية في الغرب بهذه السرعة، فإذا ببناء الشيوعية يتهاوى خلاف ما كانوا يتوقعون، فلما تهاوى، حاولوا أن يصطادوا في الماء العكر، وقالوا: نحن كنا وراء سقوط الشيوعية، وسربوا أخبارًا عن أعمال الفاتيكان في بولندا للقضاء على الشيوعية، وعن اتصالاتٍ خفية، وعلى أن العالم الغربي هو الذي كان يسعى إلى إسقاط الشيوعية.

نعم كان للعالم الغربي يدٌ في ذلك، لكن اليد الغربية كانت يدًا واهية ضعيفة، وأما الذي أسقط الشيوعية فهي السنن الإلهية العظيمة.

المهم أنهم قد يقدرون ويحسبون ويخططون ويرسمون، لكن تأتي النتائج خلاف ما كانوا يتوقعون، كما قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]؛ إن علينا أن نؤمن بالله عز وجل، وأن الله تبارك وتعالى هو وحده المتصرف في الأكوان، فهو الرب الذي لا يُقضى شيء إلا بإذنه، ولا يقع في الكون إلا ما يريد، وأمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.

فالذي ينفذ هو أمر الله تبارك وتعالى، وليس أمر الغرب أو الشرق، ولا أمر هذه الدولة أو تلك، ولا يقع في الكون شيء إلا بإذن الله عز وجل.

إن النموذج الفرعوني ظاهرٌ اليوم عيانًا، فهذا فرعون كان يقول: إن هؤلاء -أي موسى وأتباعه-: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء: 54]، أي: قلة وحفنة، كما يعبرون بلغة العصر الحاضر: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء: 55]، {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 56]، فهم يقولون: هؤلاء أقلية، ويحاولون أن يعرقلوا خطة الحضارة، وسير الأمور، ونظام الإدارة، ونحن حذرون يقظون، وسوف نقاومهم بكل الوسائل، هذا هو الظن الفرعوني، الظن البشري الجاهلي، عمل على حسب التأييد الشعبي، وعلى ملء عقول الناس، وعلى تشويه نظراتهم، حتى قال عن موسى عليه الصلاة والسلام: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26]، وقيل في المثل: أصبح فرعون واعظًا.

ففرعون يخاف على الدين، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} [غافر: 26]، وفرعون يبعد الفساد ويحاربه: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26]، وهذا يقوله فرعون في مواجهة موسى عليه صلوات الله وسلامه، وجمع فرعون الكهنة، ورجال الدين في زمانه، وجبرهم لصالحه، فكانوا يحضرون الحفلات والمناسبات وغيرها، ويؤيدونه، ولما مات قاموا وصاحوا وبكوا وأعولوا وجمعوا الشعوب بهذه المناسبة، لما مات أحد الفراعنة، لكن النتيجة على الرغم من القوة التأله والطغيان النتيجة: هذا فرعون جثة ملقاة على جانب البحر: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس: 90]، يقول الله تبارك وتعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس:91- 92].

فقذف البحر بجثته إلى الخارج {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92]، وفي الحديث الصحيح عند الترمذي وغيره، أن جبريل عليه الصلاة والسلام يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: «يا محمد! فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه؛ مخافة أن تدركه الرحمة» (3)، أي أن جبريل عليه السلام يضع في فم فرعون الطين الأسود، خشية أن تدركه رحمة الله، فهذا هو إلههم الذي كانوا يعبدون ويؤلهون، وكانوا له يسجدون، وبحمده يسبحون، هاهو جثة ملقاة على البحر، لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا (4).

حرب غير تقليدية:

تنتقل هذه الظاهرة إلى العالم الاسلامي ويكثر السجال بين دعاة نقد التراث بين مؤيد لهذا المسلك الضبابي وبين متهم له بالجبن والتخاذل عن دخول غمار الإصلاح الحقيقي في عمق العقيدة الإسلامية، والاكتفاء بمسايرة الفكر التقليدي العام مع بعض التعديلات.

فإلى جانب طيف من الملاحدة الذين يهاجمون الإسلام ويحاولون نسفه عقيدة وشريعة؛ هناك صنف آخر يحاول تفخيخ الإسلام من الداخل، وقد بلغ محمد أركون درجة كبيرة من الجرأة في نقد الإسلام؛ لكنه مع ذلك بقي متَّهمًا بالتمويه والخداع والمراوغة من طرف أصدقائه في التيار الحداثي، يصف المفكر اللبناني علي حرب هذين الصنفين بقوله: أركون يختلف تمام الاختلاف عن مواقف الذين يتعاملون مع النص القرآني بطريقة تبسيطية أحادية تقوم على نفيه واستبعاده، فإن هؤلاء يرشقون القلعة القرآنية الحصينة بحجارة ترتد عليهم، أما أركون فإنه يحاول متسلحًا بمنهجيته ذات القدرة الهائلة على الحفر والسبر أن يلج إلى القلعة لكي يقوم بتلغيمها أو تفكيكها من الداخل (5).

كل هذا مع أن أركون يعيش في فرنسا حيث لا شيء يمنع من انتقاد الإسلام أو حتى الاستهزاء به، لذا نجد الحرص على عدم إلغاء الواجهة التراثية للإلحاد واضحة عند حسن حنفي أكثر من أركون، وينقل عنه صالح هاشم: أذكر أني عندما التقيت حسن حنفي في إحدى المرات قال لي صارخًا حتى قبل أن يحييني تقريبًا: أنا لست مثل صاحبك أركون، ولا أمتلك كل ترفه الفكري، فهو يستطيع أن يشرح التراث الإسلامي ويفككه كيف يشاء ويشتهي؛ لأنه جالس على ضفاف نهر السين حيث لا يخشى أي شيء، وأما أنا فجالس على ضفاف نهر النيل حيث يحاصرني الشارع والتقليديون الأصوليون من كل الجهات (6).

ويوضح حنفي المنهج الملائم لتدمير التراث الاسلامي، وطريقة التسلل إلى تفكيك العقيدة الإسلامية، وبمعجم مستمد من حروب العصابات: نصر أبو زيد بمثابة اسبينوزا، قال أشياء كنت أتمنى أن أقولها ولكن ربما استخدامي لآليات التخفي حال بين فهم ما أردت أن أقول، نحن مجموعة من الأفراد لو اصطادونا لتم تصفيتنا واحدًا واحدًا، ولذلك أرى أن أفضل وسيلة للمواجهة هي استخدام أسلوب حرب العصابات، اضرب واجرِ، ازرع قنابل موقوتة في أماكن متعددة تنفجر وقتما تنفجر ليس المهم هو الوقت، المهم أن تغير الواقع والفكر.

وتظهر هذه المنهجية الحربائية بشكل جلي أيضًا عند الملحد المصري سيد القمني، الذي حاول لفترة طويلة الترويج لنفسه مفكرًا إسلاميًا؛ رغم الالحاد الصريح في كتاباته، وحاول مرارًا التنصل من أقواله لدرجة نطقه الشهادتين في برنامج تلفزيوني، وهو يحاول أن يثبت إسلامه، ثم بعدها يخرج معلنًا كفره في ضيافة إحدى المنظمات الإلحادية الأوروبية، وهو كما قال الله عز وجل: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14].

وهكذا انتشر بين دعاة الإلحاد (التنوير) خداعًا، نوع من التقية الفكرية التي تستبطن أفكارًا وتقدم أخرى، وتفضل نقد أصول الدين تلميحًا لا تصريحًا، وتعتمد التأسيس للتخلي عن الدين من خلال التشكيك وتفكيك مصادر الشريعة بأساليب يميل فيها المتنور إلى الحفاظ على الهيكل العام للدين ولو بلغ أقصى درجات الإلحاد.

وانتشرت في العالم الإسلامي مؤسسات تنويرية على هيئة مسجد الضرار الأول وأسست كياناتها إرصادًا لمن حارب الله ورسوله من الصليبيين واليهود.

والأعجب أن يُخرج هؤلاء إنكارهم لشرائع الإسلام وطعنهم في عقائده مخرج الغيرة على الدين والحرص على نقائه، فتجدهم يقدمون أنفسهم دعاة للإسلام المستنير، فينكرون الأحاديث النبوية غيرة منهم على الجناب النبوي، ويزعمون أن في ذلك تنزيهًا للنبي صلى الله عليه وسلم عن أوهام ابتدعوها، وتكاد تكون هذه سمة مشتركة بين من يهاجمون دواوين السنة، وما أشبه هؤلاء بحال الوضّاعين الأوائل حين قالوا متأولين كذبهم: نحن نَكذِب له لا عليه، فلسان حال هؤلاء اليوم: نحن نُكذِّب الحديث له لا عليه.

وتجدهم يسعون جاهدين لإسقاط السنة النبوية متظاهرين بتعظيمهم للقرآن الكريم، وهم في الحقيقة لم ينكروا السنة إلا ليتفرغوا لتحريف القرآن حسب أهوائهم.

وبنفس الطريقة يحاولون إقناعك بأنهم يفصلون الدين عن السياسة حفاظًا على المقدس من أوساخ السياسة المدنسة (7).

لماذا الهجوم على الإسلام الآن؟

وما كادت تسقط آخر خلافة إسلامية، وتقسم أراضي الإسلام بين الدول الصليبية الكافرة، حتى انطلقت الألسن من كل اتجاه قائلة إن سبب ضعف المسلمين يكمن في الإسلام الذي أقعدهم عن طلب العلم والنهضة، وكبلهم في التخلف والجهل، وتحت هذه المقالات الفاجرة نشأت الحكومات التي استبدلت شريعة الله بشرائع الكفار، ونظام التعليم الإسلامي بنظام التعليم الغربي، وبدأت أجهزة الإعلام تغرس عقائد القومية، واللادينية (الإلحاد)، والوطنية الإقليمية مكان العقيدة الإسلامية.

ولكن لم يمض وقت طويل حتى اكتشف المسلمون أنفسهم زيف هذه الدعاوى؛ فقد تحطمت دعوة القومية وصارت هباءً منثورًا بعد أول مواجهة مع اليهود، وخلفت أحقادًا يتعذر تجاوزها، وتحولت دعوة الوطنية الإقليمية إلى مسخ مشوه بعد التحقق أن أية دولة من الدول العربية الإسلامية لا يمكن لها أن تعيش وتبقى وحدها.

وانتهى الإلحاد بنهاية بائسة، حيث بدأ أهله يبحثون في الفلسفات القديمة والأديان الخرافية عن ملجأ لهم من اللهيب والظلمة الكفر والضياع الذي خلفته المادية الإلحادية، واكتشف المسلمون أخيرًا أنهم دون عقيدتهم وإسلامهم قطيع تائه، بل قطعان تائهة، وأنه لا حياة لهم ولا عز ولا نصر إلا بالدين الذي أعزهم الله به، وانتصروا في ظلاله وتحت لوائه على مدى ثلاثة عشر قرنًا من الزمان.

وابتدأت طلائع الشباب المثقفين والمتعلمين منهم خاصة تعود إلى الدين، وتشق طريقها في الحياة وفق تعاليمه وتحت ظلاله، وهنا جن جنون أعداء الله الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل سلخ هذه الأمة عن دينها، فكيف تكون النهاية هكذا؟ كيف ينقلب الناس إلى الإسلام من جديد، وقد ظنوا أن المسلمين قد فارقوا الإسلام إلى الأبد، وأنه لا عودة لهذا الدين من جديد وأن قضيته لن يكون لها وجود، وأن دولته لن تعقد لها راية، ولن يرفع لها لواء.. وهنا تنادى أعداء الله في شرق الأرض وغربها أن اغدوا لشن الغارة من جديد على الإسلام وأهله وحُولُوا بين أبنائه والعودة إليه.

من الذي يحارب الإسلام الآن؟

والذين يحملون اليوم لواء الحرب على الإسلام أصناف عديدة جدًا، رغم تباينهم واختلافهم في أنفسهم إلا أنهم اجتمعوا حول هذا الهدف المشترك والغاية الواحدة وأهم هذه الأصناف اليوم ما يلي:

1- أشياع الشيوعيين وفروخهم:

وذلك أن العقيدة الشيوعية تقوم أساسًا على جحد الأديان والكفر برسالات السماء؛ بل الكفر بكل الغيب، وجعل الحياة الدنيا هي الغاية ونهاية المطاف، وتسليم الحكم لسلطة الحزب، وجعل إله الآلهة، ومُشرع القوانين، ومرجع كل خلاف هو كارل ماركس ولينين، اللذان قالا في زعم الشيوعيين الكلمة الأخيرة في كل شيء، في الاقتصاد والحياة، والأخلاق والفن والأديان والحكم والسياسة والتاريخ والماضي والمستقبل والطبيعة، وما وراء الطبيعة.. الخ.

ومن أجل ذلك لم يبق أمام الشيوعية من عقيدة تستطيع أن تنافحها بل أن تهزمها وفي عقر دارها في روسيا غير الإسلام العقيدة العلمية النقية الخالصة، التي جاءت بثورة على كل ظلم وفساد وجهل، وخرافة، وشرك وجحود ونكران.. من أجل ذلك صب الشيوعيون في كل مكان جام غضبهم على هذه العقيدة وأهلها وابتدأوا حربها بكل سبيل.

وهؤلاء هم عملاؤهم الذين لم يتسلموا سلطة والذين يسمون أنفسهم بالشيوعيين تارة واليساريين أخرى، والديمقراطيين ثالثة، لا عمل لهم إلا حرب الإسلام، ولا هدف لهم إلا محاولة القضاء عليه، وها هي أيديهم لا تكون إلا مع أعداء الإسلام، يزعمون محاربة أمريكا وهم وإياها جبهة واحدة ضد الدين، ويرفعون شعار الديمقراطية وهم أعدى أعداء حرية الرأي والكلمة، وينادون بالوطنية وهم دائمًا مع روسيا ضد مصالح أوطانهم، ويرفعون شعار القومية وهم دائمًا مع أعداء قوميتهم وخاصة العرب منهم، هؤلاء هم العدو الأول للمسلمين في بلاد الإسلام.

2- أذناب اليهود وخدامهم:

زرع اليهود أنفسهم في أرض فلسطين بعد غياب عن هذه الأرض لنحو من ثلاثة آلاف، وقد علموا علم اليقين أنه لا بقاء لهم إلا مع فرقة العالم الإسلامي، وضياعه وشتاته، فهم لم يستطيعوا أبدًا إنشاء وطن لهم في فلسطين عندما كان المسلمون أمة واحدة أو شبه واحدة، ولكن لما تفرق المسلمون شيعًا وأحزابًا وأوطانًا وزالت خلافتهم الإسلامية، ووقعوا تحت حكم الكفار من الإنجليز والفرنسيين استطاع اليهود إنشاء وطنهم في فلسطين.

واليهود اليوم يعلمون علمًا لا يتطرق إليه شك أنه في الوقت الذي تقوم بأرض الإسلام دولة قوية، ووحدة بين أوطانه فإنه لا بقاء لهم، ولذلك فهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة لتشتيت هذه الأمة وضياعها، وإبقاء دولها فقيرة عاجزة مكبلة بالديون والفقر والتخلف، مرتبطة مرهونة بالاستعمار الشرقي والغربي، ويعلم اليهود بل كل عدو للمسلمين أن سر قوة المسلمين إنما هو عقيدتهم وإسلامهم فهو الذي يستطيع أن يجمع شتاتهم، ويوحد دولهم، ويبعث العزة والحمية في نفوسهم، ويؤجج العداوة الدائمة لهم، وذلك لما في القرآن والسنة من لعنهم وسبهم وعداوتهم، وبما في التاريخ الإسلامي من التعريف بغدرهم ومكرهم ودهائهم..

ومن أجل ذلك كله يعادي اليهود الإسلام والمسلمين، ولما كان إظهارهم لهذه العداوة، قد ينقلب عليهم بنتائج عكسية حين يتحمس المسلمون لدينهم، فإن اليهود قد فضلوا أن يحاربوا الإسلام عن طريق عملاء لهم من أبناء المسلمين أنفسهم.

ولذلك عملوا في كل التاريخ على تكوين ما اصطلح على تسميته بالفرق الباطنية التي ترجع معظمها إلى مؤسسين من اليهود نشروا الفكرة وتركوها تنمو في أوساط المسلمين، وهم أيضًا الذين نشروا العقيدة الشيوعية أول ما جاءت إلى البلاد العربية ثم تركوها تنموا في أوسط المسلمين، وهم اليوم وراء تشجيع كل نحلة وطائفة وفرقة يمكن أن تمزق الجسد الإسلامي، ولهذا فهم اليوم وراء الباطنيين والدروز والأحزاب الشيوعية، والطوائف على اختلاف أنواعها، وهم اليوم خلف كل دعوات التحلل من الإسلام والميوعة عن طريق منظماتهم العالمية السرية والعلنية كالماسونية والأندية المختلفة، وهم اليوم وراء ترويج الفواحش والمخدرات، والتعري، وكل ما يمكن أن يسلخ المسلم عن دينه وهم اليوم وراء تشجيع المنظمات النسائية اللادينية، وثورات العمال والشباب، وقد استطاع اليهود الدخول إلى كل ذلك عن طريق المنظمات الرهيبة التابعة لهم والتي أسسوها على مدى ثلاثة آلاف سنة، وعن طريق أجهزة الإعلام التي امتلكوا أكثرها وعن طريق أماكن الثقافة والفكر المتخصصة وخاصة في البيوت الاستشارية وعن طريق أساتذة الجامعات في أمريكا وأوروبا.

إن نصيحة واحدة من بيت من هذه البيوت لحاكم واحد من حكام المسلمين تقول له: احذر الجماعات الإسلامية الفلانية لأن فيها خطرًا على حكمك وسلطانك، وهذه النصيحة التي قد لا تتعدى بضع ورقات من بيت من البيوت الاستشارية التابعة لليهود كافية لأن ينظم هذا الحاكم حملة شعواء لحرب الإسلام في بلده، خاصة إذا اقترنت هذه النصيحة بكيفية حرب هذه الجماعات وأنها يجب أن تكون بكذا وكذا وكذا.. الخ.

وإن مقالًا واحدًا يكتب في صحيفة سيارة كالتايم، والنيوزويك والتايمز.. يطبع منه ملايين بشتى اللغات يحذر فيه كاتب المقال حكومة ما من خطر إسلامي، كاف جدًا لتجنيد كل إمكانيات هذا البلد لحرب الإسلام؛ بل إن الحملة الشعواء الآن التي يشترك فيها العالم أجمع تقريبًا ضد الإسلام على امتداد الكرة الأرضية قد كانت بفعل بعض المقالات المتناثرة في عدد من هذه الصحف السيارة التي باتت تحذر من الخطر الإسلامي المرتقب، وهكذا استطاع اليهود رغم قلتهم العددية أن يكون لهم أبلغ الأثر في حرب الإسلام، وذلك بالرغم من عدم ظهورهم العلني السافر.

3- عملاء أمريكا ونعالها:

أمريكا مارد عملاق وأخطبوط بألف ذراع قد تمكن اليهود من عقله، وتغلغلوا في أحشائه ومصوا دماءه لصالحهم، وركبوا هذا الثور المجنون وجعلوه ينطح من أجل مصالحهم؛ وإن حطم أنفه وجبهته، ما دام أنه ينطح أعداء اليهود، ويقتل أعداء اليهود، وقد استخدم اليهود مقدرات أمريكا في صالحهم دائمًا، فالأموال الأمريكية هي التي تحمي الاقتصاد اليهودي، وتمده، والسلاح الأمريكي هو الذي يحمي الصهاينة، والسياسة الأمريكية هي التي تفرض حمايتها لليهود، وفي مقابل ذلك يبيع اليهود للأمريكيين الوهم بأنهم حراس مصالحهم في العالم الإسلامي وأنهم السد الذي يمنع عنهم الشيوعية التي يخافونها، وتبيعهم أسرار الدول العربية المستباحة، ويسهلون لهم الوصول إلى ثروات العالم الإسلامي المنهوبة بما لليهود من خبرة في السمسرة والتضليل وإفساد الدول العربية المستباحة، ويسهلون لهم الوصول إلى ثروات العالم الإسلامي المنهوبة بما لليهود من خبرة في السمسرة والتضليل وإفساد الذمم والرشاوي.

هذا ما يبيعه اليهود لأمريكا في مقابل مص دمائهم، والركوب فوق ظهورهم، وتسخيرهم في مصالحهم، ومن أعظم ما يستخدم فيه اليهود أمريكا هو ضرب الإسلام ومحاربته والتضييق عليه.

فأمريكا هي التي توعز إلى عملائها في العالم الإسلامي بضرب الإسلام، والخروج منه إلى حريتهم الزائفة، وأمريكا هي التي لا تفتأ تحذر عملاءها ممن تسميتهم المتطرفين المسلمين، وهي التي تقدم نصائحها لأذنابها.

بل إن أمريكا هذه القوة العمياء هي التي تمول كثيرًا من الأحزاب الشيوعية في العالم الإسلامي؛ وذلك بهدف ضرب الإسلام، وذلك أنها تعتقد أن ديمقراطية الغرب لا تستطيع أن تقف أمام المد الإسلامي؛ ولذلك تستعين بالعقيدة الشيوعية والعملاء الشيوعيين لضرب الإسلام والمسلمين.

وهكذا تظل أمريكا حصانًا مزدوجًا يركبه اليهود ويركبون عليه أيضًا عملاؤهم وأفراخهم، فبالأموال الأمريكية يحارب اليهود الإسلام وينشرون الشيوعية ويمكنون اليهود في بلاد المسلمين.

وهكذا يعمل لأمريكا في بلاد المسلمين خليط عجيب متناقض شكلًا ولكنه يتفق هدفًا ومضمونًا، فمن يساري متشدق بالشيوعية، إلى منحل لا ديني، إلى امرأة حاقدة على كل استقامة وعفة، إلى حاكم جبان رعديد عدو لأمته ودينه، كل هؤلاء يجتمعون لحرب الإسلام والنيل منه، وهم أشتات وأخلاط ومذاهب.

4- الجهلاء أصحاب المصالح التافهة والرغبات الحقيرة:

الصنف الرابع من الأصناف التي تحارب الإسلام من أبناء الإسلام هو كل جاهل غبي يجهل تاريخ أمته ودينه، ممن يقدم مصالحه الصغيرة التافهة على مصلحة أمته، فقد يرى في الإسلام مانعًا لكسبه للمال عن طريق الربا والحرام، ولاستمتاعه بالزنا والفجور، ولرياسته وتسلطه، ولشهواته، وأهوائه، من أجل ذلك يرى في الإسلام عدوًا وحاجزًا أمام شهواته.

ومن هذا الصنف أيضًا أناس عميت أبصارهم، ونقل لهم الإسلام مشوهًا ممسوخًا فظنوه فقط سيفًا يقطع الأيدي والرقاب، وسوطًا يجلد الظهور، أو ظنوه ركونًا إلى الجهل والتخلف، قعودًا عن العلم والعمل، أو حسبوا الإسلام طريقًا إلى الفرقة والشتات، وسبيلًا إلى الخراب وسفك الدماء.

ومما ساعد على وجود هذا الصنف الجاهل وجود بعض النماذج الإسلامية الجاهلة، والحاقدة التي ضربت للإسلام أبشع الأمثلة وصورته بأقبح الصور، ولما كان هذا الصنف الجاهل يجهل حقيقة الإسلام، وتاريخه فإنه ظن أن الإسلام هو هذا الذي يراه من هذه النماذج الهشة، والحاقدة، والجاهلة.

وهذا الصنف الرابع هو أكثر الأصناف اليوم وجودًا، وهم ليسوا بالضرورة عملاء مباشرين للشيوعيين، أو اليهود أو الأمريكيين في حربهم للإسلام، بل كثيرًا ما تكون منطلقاتهم في حرب الدين منطلقات خاصة، وتحركات فردية وقناعات ذاتية، ولكنهم بالضرورة أيضًا دُمى يحركها أعداء الإسلام، وقنابل موقوتة يفجرونها وقتما يشاؤون، وثيران تنطح بمجرد التحدي أو التحريض.

ولا شك أن من هذا الصنف أيضًا منافقون حاقدون يحاربون الإسلام كراهية وبغضًا، وعن علم أكيد بأنه دين الحق وسبيل العز والنصر، ولكنهم كما قال الله في أسلافهم: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18].

المستقبل للإسلام:

بالرغم من كل ما قدمناه عن أعداء الدين المحدثين وحملتهم الجديدة عليه، إلا أن سعيهم إلى ضلال وتدبيرهم إلى تباب، والعاقبة للمتقين، والنصر للموحدين، والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].

وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28].

وقوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59].

وإذا كانت هذه آيات عامة تبشر دائمًا بنصر الدين، وعساكر الموحدين فإن السُنة الشريفة جاءت بالأخبار التفصيلية بأن الإسلام باق إلى آخر الدنيا، وأنه لا تزال طائفة من أمة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قائمة بأمر الله إلى أن يقاتل آخرهم الدجال.

وأنه لو اجتمع كل من في الأرض جميعًا على أهل الإسلام ما كان لهم أن يستأصلوا شأفة المسلمين ويستبيحوا بيضتهم، وأن كسرى وقيصر ستنفق كنوزهما في سبيل الله، وأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وأن مدينة هرقل "القسطنطينة" تفتح قبل "روما" وأن اليهود يقتلون آخر الزمان بأيدي المسلمين حتى إن الشجر والحجر لينادي المسلم قائلًا: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله.

وأن عيسى بن مريم ينزل في دمشق على عساكر المسلمين وقد صفت للصلاة، وإمام المسلمين منهم، ويصلي عيسى بن مريم وراءه تكرمة لهذه الأمة، وأن الدجال الذي يدعي الألوهية والربوبية في آخر الزمان لا يتصدى له في الأرض إلا أهل الإسلام، وأنه يُقتل بحربة عيسى بن مريم، وأن عيسى بن مريم ينزل ليحكم بشريعة القرآن فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، وينادي بصلاة أهل الإسلام، ويعبد الله على منهج محمد بن عبدالله، ولا شك أن خبر الرسول صلى الله عليه وسلم كله صدق فما أخبر عن شيء مما مضى وكان كذبًا، وما أخبر عن شيء مما يجيء إلا وجاء كما أخبر به، ألم يخبر بهلاك كسرى وقيصر وإنفاق كنوزهما في سبيل الله وقد كان.. مما كان يُعد حُلمًا بعيد المنال.

ألم يخبرنا بفتح القسطنطينية؟ وقد كان هذا عند المكذبين ضربًا من خيال، وقد كان الأمر كما أخبر؟ والله ليقعن الأمر كما أخبر به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، وقد بدأت بحمد الله تباشير ذلك، وها هي أحداث العالم، ومجريات الأمور يوجهها خالق السموات والأرض، ومن بيده الملك كله، ومن يقلب الليل والنهار، لتخرج من جديد خير أمة أخرجت للناس بلباس جديد، وتاريخ جديد (8).

 

____________________

(1) التحرير والتنوير (14/ 279).

(2) تفسير السعدي (ص: 425).

(3) أخرجه الترمذي (3107).

(4) أساليبهم في حرب الإسلام/ سلمان العودة.

(5) الممنوع والممتنع (ص: 121).

(6) الانسداد التاريخي: لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي/ صالح هاشم.

(7) التقية الفكرية وتفخيخ الإسلام من الداخل/ مركز يقين.

(8) الهجوم على الإسلام مِنْ مَنْ؟ ولماذا؟ / عبد الرحمن عبد الخالق.