logo

الخوف من التجربة


بتاريخ : الأربعاء ، 27 جمادى الأول ، 1436 الموافق 18 مارس 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الخوف من التجربة

المسلم في سعيه في هذه الدنيا، وفي تأديته لأعماله، وتخطيطه لمستقبل حياته العملية والخاصة، يؤمن بقضاء الله وقدره، ويتوكل على الله في سعيه؛ لأنه سبحانه هو المصرّف للأمور، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء.

 

الخوف من التجربة يكون غالبًا الحائط الذي تتكسر عليه آمالنا وأحلامنا، نخاف فنجبن ونقف مكتوفي الأيدي، لا ندري ماذا نفعل، هل نتسلق الجدار ونواصل أحلامنا وآمالنا ونفعل ما نريد بدون خوف أو وجل، أم نستسلم لمخاوفنا ونتخلى عن أحلامنا.

 

نوهم أنفسنا بأن الخوف قد انتصر؛ لأنه، وببساطة، حجب عنا الرؤية، وترك لنا تلك الزاوية الضيقة لننظر من خلالها، حرمنا من رؤية جميع الزوايا؛ لكي لا نرى الأشياء من منظورها الصحيح.

 

النبيُّ صلى الله عليه وسلم ربّى أمته على غير ذلك؛ إذ علّمهم أن تحقيق الهدف مرهون بأمرين:

 

أولهما: فعل السبب الملائم.

 

وثانيهما: توفيق الله عزَّ وجل.

 

لذا، عندما سأل رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في شأن الناقة؛ أيُطْلِقها ويتوكل على الله في حفظها وعدم ضياعها، أم يعقلها ويتوكل على الله بعد عقلها؟ قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم حينئذٍ: «اعقلها وتوكل»(1).

 

إن خوض التجربة قد يكون ثقيلًا على بعض الناس، خاصة الذين ليس عندهم ثقة في أنفسهم، فيدفعهم هذا الخوف إلى القعود عن تحقيق أهدافهم.

 

يعقوب عليه السلام يطلب من أولاده خوض التجربة:

 

يقول تعالى مخبرًا عن يعقوب عليه السلام: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(87)} [يوسف:87]، إنه ندب بنيه على الذهاب في الأرض، يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين، ونهضهم وبشرهم، وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله، أي: لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون(2).

 

بني إسرائيل ودخول الأرض المقدسة:

 

وها هم بنو إسرائيل لمَّا أَبَوا أن يخوضوا التجربة ضرب الله عليهم الذل والتيه في الأرض أربعين سنة.

 

لقد جربهم (موسى عليه السلام) في مواطن كثيرة طوال الطريق الطويل، ثم ها هو ذا معهم على أبواب الأرض المقدسة؛ أرض الميعاد التي من أجلها خرجوا، الأرض التي وعدهم الله أن يكونوا فيها ملوكًا، وأن يبعث من بينهم الأنبياء فيها ليظلوا في رعاية الله وقيادته...

 

لقد جربهم فحق له أن يشفق، وهو يدعوهم دعوته الأخيرة، فيحشد فيها ألمع الذكريات، وأكبر البشريات، وأضخم المشجعات، وأشد التحذيرات: {يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ(20) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ(21)} [المائدة:20-21].

 

إن جِبِلَّة يهود لتبدو هنا على حقيقتها، مكشوفة بلا حجاب، ولو رقيق، من التجمل؛ ذلك أنهم أمام الخطر، فلا بقية إذن من تجمل، ولا محاولة إذن للتشجع، ولا مجال كذلك للتمحل، إن الخطر ماثل قريب؛ ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض، وأن الله قد كتبها لهم؛ فهم يريدونه نصرًا رخيصًا لا ثمن له، ولا جهد فيه، نصرًا مريحًا يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى! {إِنَّ فِيها قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ} [المائدة:22].

 

ولكن تكاليف النصر ليست هكذا كما تريدها يهود! وهي فارغة القلوب من الإيمان! {قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23].

 

هنا تبرز قيمة الإيمان بالله، والخوف منه، فهذان رجلان من الذين يخافون الله، ينشئ لهما الخوف من الله استهانةً بالجبارين! ويرزقهما شجاعة في وجه الخطر الموهوم! وهذان هما يشهدان بقولتهما هذه بقيمة الإيمان في ساعة الشدة، وقيمة الخوف من الله في مواطن الخوف من الناس، فالله سبحانه لا يجمع في قلب واحد بين مخافتين؛ مخافته جل جلاله ومخافة الناس، والذي يخاف الله لا يخاف أحدًا بعده، ولا يخاف شيئًا سواه.

 

{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ}، قاعدة في علم القلوب وفي علم الحروب، أقدموا واقتحموا، فمتى دخلتم على القوم في عقر دارهم انكسرت قلوبهم بقدر ما تقوى قلوبكم، وشعروا بالهزيمة في أرواحهم، وكتب لكم الغلب عليهم.

 

{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فعلى الله وحده يتوكل المؤمن، وهذه هي خاصية الإيمان وعلامته، وهذا هو منطق الإيمان ومقتضاه.

 

ولكن لمن يقولان هذا الكلام؟ لبني إسرائيل؟! {قالُوا يا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَدًا مَا دَامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنا قَاعِدُونَ} [المائدة:24].

 

وهكذا يحرج الجبناء فيتوقحون، ويفزعون من الخطر أمامهم فيرفسون بأرجلهم كالحمر ولا يقدمون! والجبن والتوقح ليسا متناقضين ولا متباعدين؛ بل إنهما لصنوان في كثير من الأحيان، يدفع الجبان إلى الواجب فيجبن، فيحرج بأنه ناكل عن الواجب، فيسب هذا الواجب ويتوقح على دعوته التي تكلفه ما لا يريد! {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ}.

 

هكذا في وقاحة العاجز، الذي لا تكلفه وقاحة اللسان إلا مد ا