logo

بناء الشخصية المستقلة للمسلم


بتاريخ : الأحد ، 3 صفر ، 1442 الموافق 20 سبتمبر 2020
بقلم : تيار الاصلاح
بناء الشخصية المستقلة للمسلم

تعني الشخصية في مفهومها العام ملامح الإنسان وصفاته التي تميزه عن غيره، ولا يقتصر هذا المفهوم على الصفات البدنية؛ إنما يتعداها إلى الصفات النفسية والاجتماعية والعقلية، وقد صارت الشخصية علمًا على السمات الخاصة التي يتميز بها كل إنسان عن الآخر في عقيدته وعواطفه ومشاعره وسلوكه وعلاقته الاجتماعية وطرائق تفكيره وسائر تصرفاته الإرادية؛ لأن هذه هي المقومات الشخصية للإنسان ومحار الحكم على شخصيته.

والمسلم هو حامل أعظم رسالة، وأكمل دين، وقد اختاره الله عز وجل لكى يكون أمينًا على هذا الدين، وهذا يتطلب من المسلم أن يكون ذا شخصية مستقلة متفردة حتى يستطيع نشر الحق الذى معه، وتعليمه لكل من حاد عن طريقه.

وهو شخصية متميزة بسلوكها على حساب دينها الإسلامي، تقف عند حدود الإسلام وشرائعه؛ عبادة ومعاملة وأخلاقًا لا تجامل، ولا تداري ولا تماري ولا تدع لأي ضغط اجتماعي فرصة للتأثير عليها، حتى تتهاون في شيء من قيمها، وهي شخصية تعتز بمقوماتها من غير كبرياء، فلا تلين ولا تضعف، ولا تذوب في أي بيئة تعيش فيها، أو مجتمع يضمها، إنها شخصية تؤثر في غيرها، ولا تتأثر بغيرها، تقود ولا تقاد، توجِه ولا توجَه.

فالشخص المسلم الذي يخضع للعادات والتقاليد الفاسدة التي تفرض وجودها بالانتشار في بعض المجتمعات؛ فيجاري أحوال الناس في فسادهم، أو يعيش في مجتمعات غير إسلامية لمقاصد سليمة، فلا يلبث طويلًا حتى ينخرط في سلكها، ويتقبل أوضاع حياتها التي تتنافى مع عقيدته أو دينه، هذا الشخص أو ذاك لا شخصية له؛ لأنه تهاون في مقومات شخصيته الإسلامية وأهدر قيمتها.

فالمسلم ينبغي أن يكون هو رائد الطريق، وقائد السبيل، لا تذوب شخصيته في الآخرين، وإنما هم الذين يذوبون فيه، ينبغي أن يكون متبوعًا لا تابعًا، وقائدًا لا مقودًا؛ لأن معه الحق والهدى واليقين، معه الحق الذي تحتاجه البشرية في مسيرها، معه الهدى الذي ينقذها من ضلالات الأفكار ومتاهات العقول، معه اليقين الذي يخلصها من شبهات الشكوك، وأوهام الظنون.

إن القلب البشري إما أن يستقيم على فطرته التي فطره الله عليها فيعرف إلهه الواحد، ويتخذه ربًا، ويعترف له وحده بالعبودية، ويستسلم لشرعه وحده ويرفض ربوبية من عداه، فيرفض إذن أن يتلقى شريعة من سواه، إما أن يستقيم القلب البشري على فطرته هذه فيجد اليسر في الاتصال بربه، ويجد البساطة في عبادته، ويجد الوضوح في علاقاته به، وإما أن يتيه في دروب الجاهلية والوثنية ومنعرجاتها، تتلقاه في كل درب ظلمة، ويصادفه في كل ثنية وهم (1).

وإذا ضاعت شخصية المسلم، وأصبح مقلدًا للآخرين ضاع الحق الذي معه، وذهب الدين الصحيح الذي يحمله، لذلك كانت أعظم جناية على الدين هو أن ينسلخ المسلم من شخصيته الإسلامية، وهويته الإيمانية، ويصبح مقلدًا لمن يخالفه في الدين سواء في العقائد أو العبادات أو السلوك.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع»، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: «ومن الناس إلا أولئك» (2).

عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» (3).

قال ابن مسعود: ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلًا، إن آمن: آمن، وإن كفر: كفر؛ وإن كنتم لا بد مقتدين، فاقتدوا بالميت؛ فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة (4).

وهذه منتهى الزراية بمن يعطل تفكيره، ويغلق منافذ المعرفة والهداية، ويتلقى في أمر العقيدة والشريعة من غير الجهة التي ينبغي أن يتلقى منها أمر العقيدة والشريعة (5).

لذلك حرص الإسلام في كثير من تشريعاته على تحقيق الاستقلالية في شخصية المسلم، وترسيخها في عقله وفكره، وغرسها في قلبه وضميره.

إن اتباع العادات الباطلة والتقاليد الفاسدة هو السبب الأساس في ترك كثير من الحق وعدم اتباعه.

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 170- 171].

قال السعدي: أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم -مما تقدم وصفه- رغبوا عن ذلك، وقالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}، فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالًا، وهذه شبهة -لرد الحق- واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا، واتَّبعه إن كان منصفًا.

ثمَّ قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171].

لـما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل، وردهم لذلك بالتقليد، علم من ذلك أنهم غير قابلين للحق، ولا مستجيبين له، بل كان معلومًا لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم، أخبر تعالى أن مثلهم عند دعاء الدَّاعي لهم إلى الإيمان، كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها، وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت الذي تقوم به عليهم الحجة، ولكنهم لا يفقهونه فقهًا ينفعهم، فلهذا كانوا صمًّا لا يسمعون الحق سماع فهمٍ وقبول، عميًا لا ينظرون نظر اعتبار، بكمًا فلا ينطقون بما فيه خير لهم (6).

وقال القرطبي: قال علماؤنا: وقوة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التَّقليد، ونظيرها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [المائدة: 104] الآية (7).

وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104].

أي: إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد مِن الطرائق والمسالك، قال الله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا} أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟! لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم، وأضل سبيلًا (8).

إن ما شرعه الله بيّن، وهو محدد فيما أنزل الله ومبين بما سنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المحك، وهذه هي النقطة التي يفترق فيها طريق الجاهلية وطريق الإسلام، طريق الكفر وطريق الإيمان، فإما أن يدعى الناس إلى ما أنزل الله بنصه وإلى الرسول ببيانه فيلبوا، فهم إذن مسلمون، وإما أن يدعوا إلى الله والرسول فيأبوا؛ فهم إذن كفار ولا خيار (9).

وقال سبحانه: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس: 78].

أي: أجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه آباءنا مِن الشرك وعبادة غير الله، وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له؟! فجعلوا قول آبائهم الضالين حجة، يردون بها الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام (10).

وقوله تعالى: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 53]، وهو جواب يدل على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد الميتة، في مقابل حرية الإيمان، وانطلاقه للنظر والتدبر، وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمها الحقيقية لا التقليدية، فالإيمان بالله طلاقة وتحرر من القداسات الوهمية التقليدية، والوراثات المتحجرة التي لا تقوم على دليل (11).

وقال: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74]، وهو جواب مخجل، ولكن المشركين لم يخجلوا أن يقولوه، كما لم يخجل المشركون في مكة أن يفعلوه، فقد كان فعل الآباء لأمر كفيلًا باعتباره دون بحث؛ بل لقد كان من العوائق دون الإسلام أن يرجع المشركون عن دين آبائهم، فيخلوا باعتبار أولئك الآباء، ويقروا أنهم كانوا على ضلال، وهذا ما لا يجوز في حق الذاهبين؛ وهكذا تقوم مثل هذه الاعتبارات الجوفاء في وجه الحق، فيؤثرونها على الحق، في فترات التحجر العقلي والنفسي والانحراف التي تصيب الناس، فيحتاجون معها إلى هزة قوية تردهم إلى التحرر والانطلاق والتفكير (12).

قال ابن كثير: لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال (13).

وقال: يعني: اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئًا مِن ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يهرعون (14).

وقال ابن عبد البر بعدما سرد الآيات التي فيها ذم التقليد كقوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 166- 167]، وقوله: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 52- 53].

وقوله: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67].

قال: وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملومًا على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضًا، وإن اختلفت الآثام فيه (15).

وجماع ما تتميز به شخصية المسلم أن يكون رجل عقيدة، ترى حياته صورة صادقة لها، يقرأ الناس فيها كتاب الإسلام مسطورًا في آرائه وأفكاره وأخلاقه وسلوكه، حيث تكون نظرته إلى الكون والإنسان والحياة نظرة إسلامية، وتكون المثل الذي يحتذيها والفضائل التي يتحلى بها أخلاقًا قرآنية، ويستقي أحكامه على الأمور كلها من هدي الإسلام وشريعته، ويأخذ نفسه بعد هذا يدين لله في أعماله وشؤون حياته، يفتدي عقيدته بنفسه وماله، ويفي بالبيعة وفاء المؤمنين الصادقين؛ {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

أسس بناء الشخصية المسلمة:

من الجدير بالذكر أن الإيمان الحق بدفع إلى السلوك المستقيم، حيث جاء الإنسان إلى الحياة ومعه فطرة نقية مهيأة لقبول الحق، وكل تغيير لنقاء هذه الفطرة وصفائها ما هو إلا تشويه لشخصية المسلم، الذي ينبغي أن يتجه اتجاهًا مستقيمًا لا عوج فيه، وهو الاتجاه نحو الله تعالى والاستسلام له والاستعانة به في كل أمور وشجون الحياة.

إن الأساس الأول لشخصية المسلم هو الأسوة الحسنة؛ إذ يبدأ المسلم تكوين شخصيته الإسلامية سلوكًا وتطبيقًا من القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكرام رضي الله عنهم، فقد ذكر القرآن، الصفات الأساسية التي تشكل صورة واضحة الملامح لشخصية المؤمن كما أرادها الله تعالى؛ وهي الصورة التي تمثلها شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لآن خلقه القرآن، ولأن الله تعالى قد أدبه فأحسن تأديبه.

أما الأساس الثاني: فهو العلم؛ حيث تتسامى شخصية المسلم بالعلم الذي يكشف له طريق الحق والخير، وينير مسالك الحياة، فيمضي فيها على هدى، فتتميز شخصيته عن غيره بالفكر والعلم المفيد.

ومن أسس الشخصية الإسلامية، العبادات: فهي دعائم الإسلام، وهي التطبيق العملي للعقيدة، والعبادات بدورها تثمر السلوك الصحيح والخلق القويم، وترسم لشخصية المسلم الخطوط العريضة؛ فيعيش حياته موصولًا بربه، حانيًا على مجتمعه، ففي كل عبادة من عبادات الإسلام يستشعر بنبض الإيمان في أعماقه، فلا ينبعث من حياته إلا الخير (16).

إن هذا الدين العظيم جاء ليرسم الخطوط العريضة لأصول العقيدة والتعاملات والأخلاق، ويبين الأحكام الشرعية الخاصة والعامة، ويعطي للمسـلم هويته الخاصة وسمته المتميزة، ومن ذلك ما يلي:

1- الاستقلال في الاعتقاد:

الإسلام لا يريد من المسلم أن يلقى بزمام عقله لغيره، وأن يكون تابعًا له يقوده حيث يشاء، بل يريد منه أن يكون مستقلًا برأيه، معتدًا بفكره، لا يقول إلا ما يراه صحيحًا، ولا يعتقد إلا ما يظنه صوابًا، لذلك جاء كثير من آيات القرآن الكريم تذم التقليد، وتنهى عنه، بل وتأمر بإعمال العقل والفكر، والإيمان بما يؤكده الدليل، وأن الإنسان الحر هو الذي ينبع اعتقاده من عقله، وينبثق رأيه من ضميره.

وإذا كان القرآن ينعي على التقليد فإنه دائمًا ما يطالب بالتفكير الصحيح المدعوم الدليل الواضح، والبرهان اللائح، فنراه يقول: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46]، كما أعلى من قيمة الدليل، وبين أن صاحب العقل الحر هو من يكون يسير وراء الدليل أينما سار؛ لذلك تكرر في القرآن قوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 11]، كما تكرر كثيرا قوله في نهاية الآيات (أفلا يتدبرون، أفلا يتفكرون).

 ولكي يرسخ الإسلام استقلالية الشخصية في الاعتقاد فإنه قرر حرية العقيدة، بقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، فإن العقيدة التي تنبع من عقلٍ مقتنع بها، قد ارتاح ضميره إليها؛ هي العقيدة التي يكون لها أثر في سلوكه وحياته، ويكون عنده الاستعداد للموت في سبيلها، والتضحية من أجلها، أما من يُكرَه على عقيدة لا يؤمن بها، ولا يقتنع بها فإنه ستكون عقيدة واهية في قلبه، ذات أثر ضعيف في نفسه، يوشك أن ينسلخ منها في أقرب فرصة تتاح له عندما يتخلص من إكراه من أكرهه عليها.

 إن كل هذه التعاليم لها أثر كبير في ترسيخ الاستقلالية في شخصية المسلم، وبناء عقله وضميره عليها، فيكون مستقل الفكر والاعتقاد لا يقلد غيره، ولا يسلم عقله له، بل يكون رائده الدليل، وقائده البرهان، وإذا كان الإسلام جعل لغير المسلم حرية الاعتقاد في أخطر قضية وهي قضية الدين، فما بالك بالأفكار والقضايا الأقل شأنًا والأهون خطرًا، إن هذه رسالة للمسلم ألا يقلد أفكارًا واردة عليه من الشرق أو الغرب بسبب انهزاميته، أو انبهاره بما عندهم من تقدم وحضارة، بل عليه أن يقبل ما يتوافق مع ديننا، ويرفض ما يعارضه.

 2- الاستقلال في العبادة:

حرص الإسلام أن يجعل المسلم مستقلًا تمام الاستقلال في عبادته، فلا يقلد غيره وخاصة من أهل الكتاب والمشركين، سواء كان هذا في الصلاة أو الصوم أو الحج، لذلك وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها توجيه للمسلمين بأن يخالفوا غير المسلمين في هذه العبادات، حتى يحقق لهم الشخصية المستقلة البعيدة عن التشبه بالآخرين وتقليدهم، حتى ولو كانت هذه المشابهة غير مقصودة.

ففي الأذان للصلاة رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بالبوق؛ لأنه يشبه فعل اليهود، كما رفض الناقوس؛ لأنه يشبه فعل النصارى، إلى أن شرع الله عز وجل له الأذان عبر رؤية رآها أحد أصحابه، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع -يعني الشبور وقال زياد: شبور اليهود- فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر اليهود» قال: فذكر له الناقوس، فقال: «هو من أمر النصارى» فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه (17).

كما نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها حتى لا نشابه الكفار في سجودهم للشمس في هذين الوقتين، ومع أن نيتنا مخالفة لنية الكافرين، فنحن نسجد لله، وهم يسجدون للشمس إلا أن مجرد هذه التشابه الظاهري مرفوض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يحقق الاستقلالية الكاملة لعبادة المسلم.

كما نهي صلى الله عليه وسلم عن أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة لأنه من فعل اليهود فعن عائشة، رضي الله عنها، كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته وتقول: إن اليهود تفعله (18).

كما أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نصلي في النعال والخفاف مخالفة لليهود فقال: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» (19). 

وفي الصوم؛ فقد أمرنا بالسحور حتى نخالف اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» (20).

وفي الحج فقد خالف النبي صلى الله عليه وسلم المشركين؛ فقد كانوا يقفون بمزدلفة، أما هو فقد خالفهم فوقف بعرفة، فعن عائشة رضي الله عنها: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] (21).

وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة في شهر ذي الحجة مخالفة للمشركين، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برا الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: «حل كله» (22).

3- الاستقلال في السلوك:

حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم المسلمين الاستقلال في سلوكهم، وألا يكونوا مقلدين لغيرهم؛ بل ينبغي أن يكون سلوكهم نابعًا من دينهم، ملتزمًا بشرائعه، بعيدًا كل البعد عن التقليد للغير، والسير في ركابه.

وقد وردت بعض الأحاديث التي تأمر المسلمين بمخالفة غير المسلمين في بعض سلوكهم؛ لكي يعلم المسلمين الاستقلال وعدم التقليد.

 ففي السلام؛ نهانا أن نسلم كتسليم اليهود والنصارى، وإنما لنا تسليمنا المميز لشخصيتنا الإسلامية، وهويتنا الإيمانية، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى، فإن تسليمهم بالأكف والرؤوس والإشارة» (23).

 كما أمر المسلمين بمخالفة اليهود في تعاملهم مع المرأة عندما تحيض، عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول: كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما (24).

تأمل قول اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه؛ تجد الحرص الكامل من الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود في كل أحوالهم إلى درجة أن هذا قد لفت أنظار اليهود أنفسهم، فقالوا هذه المقولة، كما تلحظ الغضب الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابيين أسيد بن حضير، وعباد بن بشر عندما أرادا تقليد اليهود في جماع النساء وقت الحيض، وهذا كله مما يؤكد حرص النبي صلى الله عليه وسلم الشديد على تحقيق الاستقلالية الكاملة لشخصية المسلم.

 وتحقيق الاستقلال في السلوك لا يتعلق فقط بمخالفة غير المسلم؛ وإنما يتحقق أيضًا بمخالفة المسلم في سلوكياته الخاطئة، وعدم اتباعه فيما تبين له عدم صوابه، وفي هذا ورد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل» (25).

عن علي رضي الله عنه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلًا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب، فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبًا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارًا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضًا، ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف» (26).

 وفي هذا الحديث أبلغ رد على هؤلاء المنبطحين أمام رؤسائهم، والذين ينفذون أوامرهم حتى ولو كانت مخالفة للدين وأحكامه، وإذا عُوتب في ذلك يقول قولته المشهورة: أنا العبد المأمور، وهي جملة مخالفة لعقائدنا وتعاليم ديننا، فلا عبودية إلا لله، ولا طاعة إلا لله، وكل أمر يخالف أمر الله عز وجل يجب علي المسلم رفضه، وعدم طاعة رؤسائه فيه، وهكذا يحقق الاستقلالية في شخصيته وسلوكه بدل أن يكون عبدًا لبشر مثله لا يملك له ضرًا ولا نفعًا.

4- الاستقلال في المظهر:

 لقد أراد الإسلام من المسلم أن يكون مستقلًا في مظهره عن غير المسلم، فلا يقلده في ملبس، ولا يتبعه في هيئة، وبالطبع المقصود هنا هو مخالفة غير المسلم في الملبس والهيئة اللتين أصبحتا من خصائص غير المسلم، مثل لبس ملابس القساوسة والرهبان الخاصة بهم، أو يلبس طاقية اليهود ويضفر شعره ضفيرتين كما هو ظاهر من هيئتهم، وعلى هذا حمل كثير من العلماء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» (27). 

فالتشبه المحرم هو ما كان في خصائصهم المميزة لهم عن غيرهم، أما التشبه بهم في أشياء ليست من خصائصهم، وإنما يشترك فيها كل الناس فليس محرمًا ولا يتناوله الحديث.

وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ما الضابط في مسألة التشبه بالكفار؟

فأجاب: التشبه بالكفار يكون في المظهر واللباس والمأكل وغير ذلك؛ لأنها كلمة عامة، ومعناها أن يقوم الإنسان بشيء يختص به الكفار، بحيث يدل من رآه أنه من الكفار؛ وهذا هو الضابط، أما إذا كان الشيء قد شاع بين المسلمين والكفار فإن التشبه يجوز، وإن كان أصله مأخوذًا من الكفار، ما لم يكن محرمًا لعينه كلباس الحرير (28).

 ومما يؤكد ما سبق ذكره الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» (29).

والثياب المعصفرة: هي المصبوغة بالعصفر وهو نوع من الصبغ لونه أصفر، ومن هنا ندرك مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه الاستقلالية الكاملة في المظهر.

 ومن أوامره –أيضًا– في مخالفة غير المسلم في المظهر قوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين: وفروا اللحى، واحفوا الشوارب» (30)، وقوله: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم» (31)، وقد تبعه في ذلك أصحابه ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كتب للمسلمين في أذربيجان: «وإياكم والتنعم، وزي أهل الشرك» (32).

 فكل هذه الأوامر تدلنا بوضوح على أن من أهم جوانب استقلالية المسلم هي استقلاله في مظهره وهيئته، لأن التشبه بغير المسلمين في مظهرهم وهيئتهم سيجعل المسلم يميل إليهم ويتعلق بهم، وسرعان ما يتأثر بهم؛ لأن التشابه في الظاهر سيولِّد تشابها في الباطن، وعندها قد يخسر المسلم دينه وعقيدته.

5- الاستقلال في المال:

من المعلوم أن الإنسان في الغالب أسير لمن يحسن إليه، وينفق عليه، وكلما أنفق عليه كلما طوَّقه بجميله، وجعله رهن إشارته وعند ذلك يفقد شخصيته، ويصبح كالعبد بين يديه؛ لذلك كان من أكثر ما يجعل للإنسان استقلالية في شخصيته ورأيه ومواقفه أن يكون مستقلًا في ماله، فلا يتواكل على أحد، ولا يريق ماء وجهه في السؤال.

لذلك أمرنا الله عز وجل بالسعي في الحياة حتى نحصل أرزاقنا، ونعف أنفسنا عن مهانة المسألة وذل الطلب، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: ١٥]، وقال أيضًا: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: ١٠].

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم السعي في تحصيل الرزق؛ لكي ينفق الإنسان على نفسه وأولاده من الجهاد في سبيل الله وذلك ليحث المسلمين على طلب الرزق وعدم القعود عن تحصيله، عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان» (33).

وقال أيضًا في ترغيب المسلم أن يأكل من عمل يده: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده» (34)، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعَها، فيكُفَّ اللهُ بها وجهه: خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أعطَوْه أو منعوه») (35)

وكما أمرنا بالسعي في الرزق فإنه نهانا عن المسألة فقال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناسَ حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعةُ لحمٍ» (36)، أي: قطعة لحم.

كما حذر تحذيرًا شديدًا من عاقبة الذي يسأل الناس، ويتكثر من أموالهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تكثُّرًا، فإنما يسأل جمرًا (أي: من جهنَّم)، فليستقل أو ليستكثِرْ» (37).

إن هذه التوجيهات النبوية الشريفة تبنى مسلمًا ذا استقلالية في ماله، وبالتالي يصبح ذا استقلالية في شخصيته فلا يستعبده أحد، ولا يملي عليه رأيًا، بل تكون مواقفه وتوجهاته نابعة من عقله وضميره، وهذه هي قمة الاستقلالية في أسمى صورها وأجلى مظاهرها.

من خلال كل ما سبق ذكره يتبين لنا حرص الشريعة على تحقيق الاستقلالية الكاملة للمسلم، وتربيته على هذه الاستقلالية، وغرسها في قلبه وضميره، وعندها يكون هو القائد لا المقود، المتبوع لا التابع وبذلك يحافظ على دينه وعقيدته من الذوبان في أديان الآخرين وعقائدهم، وبذلك يكون هو المسلم المنشود الذي به يُنصَر الدين، ويعلو الإسلام، ويُرفع به لواء الحق في كل زمان ومكان (38).

_____________

(1) في ظلال القرآن (2/ 988).

(2) أخرجه البخاري (7319).

(3) أخرجه البخاري (7320).

(4) أخرجه الطبراني (8764).

(5) في ظلال القرآن (1/ 156).

(6) تيسير الكريم الرحمن (ص: 81).

(7) الجامع لأحكام القرآن (2/211).

(8) تفسير القرآن العظيم (3/211).

(9) في ظلال القرآن (2/ 991).

(10) التَّصوير النَّبوي للقيم الخلقية والتشريعيَّة (ص: 178).

(11) في ظلال القرآن (4/ 2385).

(12) في ظلال القرآن (5/ 2602).

(13) تفسير القرآن العظيم (5/348).

(14) تفسير القرآن العظيم (6/146).

(15) جامع بيان العلم وفضله (2/977).

(16) الشخصية المتميزة للمسلم/ موقع إمام المسجد.

(17) أخرجه أبو داود (498).

(18) أخرجه البخاري (3458).

(19) أخرجه أبوداود (652).

(20) أخرجه مسلم (1096).

(21) أخرجه البخاري (4520).

(22) أخرجه البخاري (1564).

(23) أخرجه النسائي (10100).

(24) أخرجه مسلم (302).

(25) أخرجه أحمد (3889).

(26) أخرجه البخاري (4340).

(27) أخرجه أبو داود (4031).

(28) مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي (3/ 367).

(29) أخرجه مسلم (2077).

(30) أخرجه البخاري (5892).

(31) أخرجه البخاري (5899).

(32) أخرجه أحمد (92).

(33) أخرجه الطبراني في الأوسط (6835).

(34) أخرجه البخاري (2072).

(35) أخرجه البخاري (1471).

(36) أخرجه البخاري (1474).

(37) أخرجه مسلم (1041).

(38) الإسلام وأثره في بناء الشخصية المستقلة للمسلم/ صيد الفوائد.