logo

بناء الأجيال لماذا وكيف؟


بتاريخ : السبت ، 21 جمادى الأول ، 1435 الموافق 22 مارس 2014
بقلم : تيار الاصلاح
بناء الأجيال لماذا وكيف؟

من الثابت علميًا أن الإنسان يولد صفحة بيضاء، خالية من أي اتجاه أو تشكل للذات، وإنما يحمل الاستعداد لتلقي العلوم والمعارف وتكوين الشخصية والتشكل وفق خط

 

سلوكي معين، لذا نجد القرآن الكريم يخاطب الإنسان بهذه الحقيقة، ويذكِّره بنعمة العلم والتعليم والهداية.

قال تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل/78].

التربية إنما هي عمل واعٍ دؤوبٌ, هدفه تنميةالفطرة, لبناء الإنسان المتعادل المتوازن فكريًّا وروحيًّا وخُلُقيًا وجسديًا،الإنسان الصالحِ في ذاته, المصلحِ لأمّته، فهي إذن فَـنٌ وعلمٌ ووعيٌ وجهاد.

وتحتاج التربية إلى تكاملِ وتواصلِ كلّ الجهود, إذ يشترك المَهد فيالبيت, والمقعد في المدرسة, والمِنبر في المسجد, في صياغةِ الإنسانِ الهاديالمَهدي، كما تنطلقُ العملية التربوية ابتداءً من اللحظة الأولى من عمرالإنسان, بتبليغ الوليد مبادئ الإسلام بسنّة الأذانِ في أذنه, كي تتشرّب روحههذه الكلمات الخالدات, التي تنجده عندما تعصف به الحياة(1).

والطفل أمانة اللهبأيدينا، ولا حفاظَ على هذه الأمانة إلا بالتربية الحسنة، فالاستثمارُفي تربية الأطفال هو أنجح وأسرع استثمار لأي مجتمعٍ يُخطّط لمستقبل حضاري، وإذا كانت الأمم تحيا بالتجديد, فإنّ هذا التجديد لا يقومُ إلا على حسنِتربية النشء الجديد.

لماذا نربي؟

إن سؤال المربي نفسه ومن حوله: لماذا نربي؟ إعادة تنظير وهيكلة، وقفزة مبشِّرة نحو الارتقاء والنهوض،  أو معركة وصدام يفرضهما واقعٌ سلبيٌ فرضناه على أنفسنا للتخلي عنه، أو للتقويم والمراجعة والتصحيح، وربما غير ذلك مما تكون الحاجة ماسة لوعظ المربين والدعاة به، أيًا كانت الإنجازات أو التراجعات.

 

أولًا: تربية الآخرين تربية للذات:

فماذا يجني من جل ندائه التذكير بالصلاة، ولا يقيم لها في حياته وزنًا، فلا شك أن المربي الحاث على الخير هو أول العاملين به، وإن ضعف فنجده أول المطبقين لما يأمر، بدءًا من اللحظة الحاضرة، فالتربية للمتربي تربية للمربي نفسه من حيث لا يشعر.

 

ثانيًا:  تربية الآخرين اختصار لجهودهم وأوقاتهم وتجاربهم:

 

اختصار للتجارب الطويلة المخطط لها من قبل المتربين، وإزالة للتجارب المخفقة عنهم؛ فكيف يبدأ بإدارة مجمع قرآني، ونجد بعد لم يدر حلقة قرآنية صغيرة! أو يدير محضنًا تربويًا وهو بعدُ لا يستطيع أن يدير مجموعة صغيرة! أو يبدأ بحفظ البخاري ولم يبدأ بالأربعين، ولا بالعمدة أو البلوغ! والمرجو أن يتولى من يجد في نفسه الكفاءة التربوية والخبرة الناضجة، وإلا لأخفق هنا.

 

 ثالثًا: في تربية الآخرين إحياء لمواهب مدفونة، وهمم فاترة، وتنمية مشاريع معطلة:

 

قيل للإمام الذهبي: إن خطك يشبه خط المحدثين، يقول الذهبي: فوقع حب الحديث في قلبي، فأخرج لنا سير أعلام النبلاء، وتاريخ الإسلام، وقيل للإمام البخاري بصحبة إخوانٍ له كانوا عند إسحاق بن راهويه: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح (أي صحيح البخاري).

 

 يقول الدكتور عبد الكريم بكار: وأشعر بالامتنان لأحد الأقرباء-جزاه الله خيرًا- والذي قال لي وأنا في الثالثة عشرة من عمري: لا أرضى لك شهادة أقل من الدكتوراه، وقد أثرت فيّ تلك الجملة تأثيرًا بالغًا، وظلت بالنسبة لي بمثابة الوقود الروحي إلى أن نلت درجة الدكتورة في أصول اللغة عام 1399هجري.

 

رابعًا: رجاء الأجر والثواب:

 

إن المربي يربي رجاء أن يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: »إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له« (2)، وبلا شك أن المربي داخل في هذا الحديث متى ما توفرت في طلابه وتلاميذه الخصال الثلاث: الصدقة الجارية، ونشر علمه بعد وفاته، والدعاء له(3).

 

خامسًا: حاجة المجتمع للتربية:

فإن في التربية إيجاد تهيئة بيئة ميسرة للمربي في تربية أبناءه فيما يستقبل من حياته، وفيها التعمق في النفس البشرية، بمعرفة أنماط الشخصيات، ونفسياتهم، وطرق حل مشكلاتهم، ورعايتهم (ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه).

 

كيف نربي:

بناء وتربية الأجيال أمر من الأمور المهمة في الحياة، وهذه التربية لا بد أن تقوم على أساس قوي من المنهج السليم، والعقيدة الصافية التي لا يخالطها أي شائبة؛ لأن التربية قضية من القضايا الجوهرية في الأمة، ولا بد من توفر المربي المتمكن، والناجح الذي يستطيع أن يصنع الأجيال وفق ما تمليه علينا عقيدتنا، ويقرره ديننا.

 

وتربية الأجيال لها عدة أطراف لا بد من أن تجتمع لتحقق هذا الهدف وهو إخراج الجيل الفريد، وهذه الأطراف هي: [الأسرة- المدرسة- المعلم].

 

فهذه العناصر الثلاثة هي الأركان الأساسية التي تقوم عليها قضية تربية وبناء الأجيال، وإن اختل أحد هذه الأركان، أو ظهر القصور في أحدها؛ أثر ذلك سلبًا على عملية بناء وتربية الجيل المسلم.

 

إن الهدف من تربية الأجيال هو إخراج جيل على منوال السلف الصالح، متمسك بدينه وعقيدته الإسلامية وفق ضوابط ومعايير معينة؛ ليتم إعدادهم الإعداد المناسب الذي يبصرهم بدينهم، ويحميهم من كل مظاهر الغزو الثقافي الذي يسعى الأعداء لنشره في أوساط الجيل، بهدف إخراجهم وإبعادهم عن عقيدتهم، ونشر الرذيلة في أوساطهم.

 

أولًا: الأسرة:

 

الأسرة هي اللبنة الأولى في التربية، والتي تقع عليها المسئولية العظمى في بناء الأجيال، وتخريجهم إلى الواقع، ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ].

 

قال قتادة رحمه الله: تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به وتساعدهم عليه، فإذا رأيت معصية قذعتهم عنها، وزجرتهم عنها(4) . 

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها... «(5).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: » ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يُحطها بنصحه إلا لم يرح رائحة الجنة« (6).

 

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: أدب ابنك فإنك مسئول عنه، ماذا أدَّبته؟ وماذا علَّمته؟ وهو مسئول عن برّك وطواعيته لك(7) .

 

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التربية خير من الصدقة فقال: »لأن يؤدِّب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع« (8)، كما أرشد إلى أن تعليم الولد الخُلُقَ الحسن أفضل من كل عطاء فقال: »ما نَحَل والدٌ ولدًا أفضل من أدب حسن«(9).

 

وحين تربي الأسرة طفلها فإنها تشكل اتجاهاته وميولاته وفق معايير معينة؛ لتعينهم على تكوين النظرة السليمة للحياة، وهذه التربية مقترنة بالتعليم الذي يصقل ملكات الأفراد، وينمي مواهبهم بهدف تهذيب الأخلاق، وإبعادهم عن كل طرق الانحراف والضياع، وهنا فإن على الأسرة أن تربي الأبناء على عدة أمور منها:

 

(1) على الأسرة أن تربي أبناءها على حب الله عز وجل، والأدب معه، ومع كلامه، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع كلامه، وغرس ذلك في نفوسهم، وتنشئتهم عليه، وفي هذا امتثال لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1].

 

(2) المحافظة على شعائر الدين الظاهرة والباطنة، وجعلها من الأمور التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقصر عن أدائها، أو يتنازل عنها: كالمحافظة على الجمعة والجماعة، ونحوها من شعائر الدين.

 

(3) الاهتمام بحفظ كتاب الله عز وجل، حفظًا متقنًا عن ظهر قلب.

 

(4) التربية على العقيدة السليمة التي لا تخالطها البدع ولا الأهواء، وعلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، وعدم الاستهانة بأمر من أمور العقيدة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: »افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله« (10).

 

(5) التربية على تعظيم حرمات الله تبارك وتعالى وشعائره؛ {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [الحج: 30]، {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].

 

(6) التربية على عقيدة الولاء والبراء، وعدم موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 144]، وتعريفه بأن هؤلاء هم أعداء حقيقيون لا يريدون للأمة المسلمة الخير ولا الصلاح، {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة: 217]، والكشف له عن مخططات العدو الكافر الاستعمارية سواء كانت عبر الغزو الثقافي، أو الغزو العسكري، وكل وسائل الأعداء.

 

(7) إلزامه الأحكام والآداب الشرعية كآداب الطعام واللباس والاستئذان والنوم، وكافة الآداب التي وردت، ويكون هذا التعويد في السنوات الأولى، ويمنعه من مفسدات الأخلاق، ومن المعاصي، وإن أكبر ما يفسدها أشعار الغزل والأغاني إذ تبذرُ فيه بذرة الفساد، ويُلحق بها الروايات والقصص الغرامية والأفلام المفسدة، ويجب أن يحرص الوالدان على حماية أبنائهم من رؤية ما يخدش الحياء سواءً في وسائل الإعلام أو في البيت.

هذه الأمور من أهم الأمور في تربية الأبناء داخل الأسرة المسلمة، وتنشئتهم عليها، وعلى أن تكون من منهج حياته وسلوكه، حتى إذا كبر ودخل إلى المحضن الثاني من محاضن التربية يكون قد ألمّ بأهم الأمور في حياته الدينية.

 

ثانيًا: المدرسة:

دور المدرسة مكمل لدور الأسرة، فالمدرسة تعمل على تأكيد المفاهيم الصحيحة التي تربى عليها الناشئة في الأسرة، لأن دور المدرسة لا يقتصر على التعلم فقط بل هو أكبر من ذلك، فدورها يشمل التربية والتعليم، والتثقيف، وتصحيح العقائد...إلخ، ولهذا فإن على المدرس مراعاة كثير من الأمور:

 

1) أن تكون المدرسة هي مكان القدوة، والتزود بالأخلاق، والتجدد في التفكير.

2) على المدرسة غرس المفاهيم الإسلامية الصحيحة، وإزالة البدع التي تنتشر من خلال ما هو سائد في أوساط المجتمع.

3) واجب المدرسة تنمية الأخلاق الحسنة الفاضلة، والقضاء على الأخلاق السيئة الفاسدة، ومعالجة الأخطاء التي تحصل من قبل الطالب بالإقناع، والإرشاد إلى السلوك السليم.

4) ودور المدرسة يتنوع بتنوع المراحل الدراسية التي يمر بها الطالب، وعلى المدرسة متمثلة في القائمين عليها والمدرسين؛ فهم هذه النقطة ليسهل التعامل مع الطلبة، وفهم نفسياتهم وميولاتهم.

 

ثالثًا: المعلم أو المربي:

 

يقول الأستاذ عبد الحكيم بحلاق: »أَعطِني مُربّيًا ناجحًا؛أُعطك شعبًا حضاريًا ناضجًا«.

فالمعلم هو الأب الثاني للطالب، وهو المصدر الأول من مصادر تلقي الطالب المعلومات، والأخلاق، والمعاملات، وغيرها من الأمور الهامة في حياة الطالب، بل إن المدرس هو المربي الذي يستطيع أن يوجه سلوك الطالب سلبًا أو إيجابًا؛ لأنه قدوة يقتدي به الطالب في السلوك والأخلاق، والتعامل ... إلخ، ولهذا فإن المدرس أو بالأصح المربي  تقع عليه مسئولية عظيمة في بناء الأجيال.

 

وحين يتوفر في الأمة الأسرة الملتزمة، المتمسكة بتعاليم ربها، ويتوفر المدرسة الناجحة المنضبطة، وفوق كل هذا يأتي القدوة وهو المدرس الناجح، والمربي الذي يستطيع جذب التلاميذ والمتربين إليه (إلى المنهج لا إلى الشخص)، ويستطيع أن يجعل الطالب محبًا لمدرسة التحفيظ، والأستاذ بدوره يقوم على محاربة الأخطاء التي تظهر على الطلاب سواء كانت أخلاقية، أو عقدية، أو أي أخطاء كانت، ويعالجها العلاج الصحيح والسليم، ويستطيع أن يسير بالطلاب على المنهج الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ هنا نستطيع القول بأن نبني جيلًا مسلمًا فريدًا على منهج النبوة، سائراً على طريق الصحابة رضي الله عنهم، وحينها فقط تعود للأمة مكانتها، ويعود للأمة هيبتها التي فُقِدت منها بسبب بعدها في منهج التربية عن المنهج التربوي السليم، النابع من كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم(11).

 

__________________________

([1][1]) معالم في تربية الأطفال، د.عبد المعطي الدالاتي

(2) رواه مسلم، (1631).

(3) لماذا نربي، ملتقى المربين.

(4) تفسير ابن كثير، (4/391).

(5) البخاري، (853)، مسلم، (1829)، الترمذي، (1705)، أبو داود، (2928)، أحمد (2/121).

(6) البخاري، (6731)، مسلم، (142).

(7) تحفة المودود بأحكام المولود، (ص: 177).

(8) الترمذي، (1951)، أحمد، (5/96).

(9) الترمذي، (4/337- 338).

(10) البيهقي في شعب الإيمان، (6/398)، تحفة الأحوذي، (4/64).

(11) بناءالأجيال وأي جيل نبني، موقع إمام المسجد.