انتظار الفرج من الله عبادة
إن من إيمان العبد بربه أن يستشعر أن للآلام نهاية، وأن الآهات ستزول، وأن الشدة لا تدوم، وأن الألم لا يبقى، ولا شك أن ما من عسر إلا ويعقبه يسر، وما من ضائقة إلا ويزيلها الفرج.
ومن إيمان العبد بربه يقينه التام بأن الله جل وعلا من قضى وقدر الأقدار، وأجل الآجال، وسبب الأسباب، وأنه جل وعلا لم يعط أحدًا من عباده خيرًا إلا بفضله، ولم يصب أحدًا من عباده بسوء إلا بعدله، وأن كل شيء قدره بحكمته، وأنه سبحانه لا يريد بعبده إلا خيرًا، عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (1).
وإن من إيمان العبد بربه أيضًا أن يعلم أن ما تعرض له من ابتلاء ومصاب فهو تكفير له من الذنوب، وتطهير له من الخطايا، وذلك والله فرج له من نوعٌ آخر، فكم من عبد غارق في الذنوب والشهوات، وأسير للآثام والسيئات، حتى أصابه ذلك البلاء، وأحاطه شيء من الابتلاء، فصبر وصدق، فكان له ذلك البلاء مصفيًا له ذنوبه الجمة وخطاياه الملمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة» (2).
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذ أحب قومًا ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (3).
فالبلاء السهل له أجر يسير، والبلاء الشديد له أجر كبير، لأن الله عز وجل ذو فضل على الناس، إذا ابتلاهم بالشدائد أعطاهم عليها الأجر الكبير، وإذا هانت المصائب هان الأجر.
وهذه أيضًا بشرى للمؤمن، إذا ابتلى بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه يبغضه، بل قد يكون هذا من علامة محبة الله للعبد، يبتليه سبحانه بالمصائب، فإذا رضي الإنسان وصبر واحتسب فله الرضى، وإن سخط فله السخط.
وفي هذا حث على أن الإنسان يصبر على المصائب حتى يكتب له الرضى من الله عز وجل (4).
انتظر الفرج أيها المكلوم بإيمان وعمل خالص، وحسن ظن بربك جل وعلا، ولا تخرم وثيقة الايمان بسخط متكرر، أو جزع متتالي، أو اعتراض لا يجدي.
انتظر الفرج أيها المحزون بقلب آمن ومطمئن، وبلسان ذاكر شاكر، وبجوارح عاملة باذلة، وبإقامة للعبادات وللطاعات، وتوبة من المعاصي والمنكرات، وبتذلل لله وخضوع، وابتهال إليه وخشوع (5).
وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعًا.
إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله، وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله، وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله، وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض وتشرع له طريقه إلى الله.
ورحمة الله تتمثل في مظاهر لا يحصيها العد، ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه، وتكريمه بما كرمه وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته، وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير.
ورحمة الله تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح، ويجدها من يفتحها الله له في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حال، وفي كل مكان، يجدها في نفسه، وفي مشاعره، ويجدها في فيما حوله، وحيثما كان، وكيفما كان، ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان، ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حالة، وفي كل مكان، ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان.
وما من نعمة يمسك الله معها رحمته حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة تحفها رحمة الله حتى تكون هي بذاتها نعمة، ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله - فإذا هو مهاد، وينام على الحرير- وقد أمسكت عنه- فإذا هو شوك القتاد، ويعالج أعسر الأمور- برحمة الله- فإذا هي هوادة ويسر، ويعالج أيسر الأمور- وقد تخلت رحمة الله- فإذا هي مشقة وعسر، ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام، ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار، ولا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساكها دون سواه، لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب أو في شعاب الهلاك، ولا وسعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم، وفي مراتع الرخاء، فمن داخل النفس برحمة الله تتفجّر ينابيع السعادة والرضا والطمأنينة، ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصب والكد والمعاناة، هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب، وتوصد جميع النوافذ، وتسد جميع المسالك؛ فلا عليك.
فهو الفرج والفسحة واليسر والرخاء، وهذا الباب وحده يغلق وتفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع، وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء، هذا الفيض يفتح، ثم يضيق الرزق، ويضيق السكن، ويضيق العيش، وتخشن الحياة، ويشوك المضجع..
فلا عليك، فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة، وهذا الفيض يمسك، ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء.
فلا جدوى، وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء، المال والولد، والصحة والقوة، والجاه والسلطان، تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله، فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان.
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله، فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك، ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة، ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة، وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة، والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها، وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبدًا؛ {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} [يوسف: 87] .
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال، وجدها إبراهيم عليه السّلام في النار، ووجدها يوسف عليه السّلام في الجب كما وجدها في السجن، ووجدها يونس عليه السّلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور، فقال بعضهم لبعض: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف: 16].
ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار، ووجدها كل من آوى إليها يأسًا من كل ما سواها، منقطعًا عن كل شبهة في قوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصدًا باب الله وحده دون الأبواب.
ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها، ومتى أمسكها فلا مرسل لها، ومن ثم فلا مخافة من أحد، ولا رجاء في أحد، ولا مخافة من شيء، ولا رجاء في شيء، ولا خوف من فوت وسيلة، ولا رجاء مع الوسيلة، إنما هي مشيئة الله، ما يفتح الله فلا ممسك، وما يمسك الله فلا مرسل، والأمر مباشرة إلى الله قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] (6).
ولِحكمة بالغة أمر الله المسلمين أن يتربصوا بأعدائهم المتربصين، فقال سبحانه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة: ٥٢].
والتربص معناه انتظار الشيء المرغوب حصوله، وشتان بين رغبةٍ ورغبة، فالمعادون للدين يرغبون في ضياع أهله، ويودون دوام قهرهم وعنتهم، وأهل الدعوة يريدون الفرح بنصر الله، والفرج بمعونته لمن والاه، فعمل لنصرة دينه وسنة مصطفاه، والرب جل وعلا فوق الجميع يريد أن يوقن أولياؤه أنهم ليسوا وحدهم، فهو معهم ويده فوق أيديهم، وهو نصيرهم في حال صبرهم ومصابرتهم ومرابطتهم، واستقامتهم على الحق الذي معهم.
يقول تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ}، قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا، كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم؛ ولهذا قال: {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة: 214]، وهي: الأمراض؛ والأسقام، والآلام، والمصائب والنوائب.
قال ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومرة الهمداني، والحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع، والسدي، ومقاتل بن حيان: {الْبَأْسَاءُ} الفقر، قال ابن عباس: {وَالضَّرَّاءُ} السقم.
{وَزُلْزِلُوا} خوفًا من الأعداء زلزالًا شديدًا، وامتحنوا امتحانًا عظيمًا، كما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة شديدة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟، فقعد وهو محمر وجهه، فقال: «إن من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد مما دون عظامه من لحم أو عصب لا يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين لا يصرفه عن دينه، وليتممن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله» (7).
وقال الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 1- 3].
وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة، رضي الله عنهم في يوم الأحزاب، كما قال الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)} [الأحزاب: 10 - 12].
وقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} أي: سنتهم، كما قال تعالى: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} [الزخرف: 8].
وقوله: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ} أي: يستفتحون على أعدائهم، ويدعون بقرب الفرج والمخرج، عند ضيق الحال والشدة، قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، كما قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشرح: 5- 6].
وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها؛ ولهذا قال تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} (8).
هذه المعاني ليست أوهامًا وتمنيات؛ بل هي من الحقائق المحكمات التي علمها أمين السماء لأمين الأرض، فأخبرنا بها في قوله صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» (9).
الفرج انكشاف الشدة والكرب، فكلما اكتربت الأمور فإن الفرج قريب، لأن الله عزّ وجل يقول في كتابه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء} [النمل: 62]، فكل يسر بعد عسر بل إن العسر محفوف بيسرين، يسر سابق ويسر لاحق، قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشرح: 5- 6]، قال ابن عباس رضي الله عنه: لن يغلب عسر يسرين (شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 203).).
وهذا يشهد له قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28]، وقد قال سبحانه عن خير البشر وهم الأنبياء: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف:١١٠].
والتربص بأعداء الإسلام مع القيام بالواجبات والمهام؛ هو نوع من العبادة، ولا يمنع من كون «انتظار الفرج عبادة» ضعف إسناد الحديث المروي بذلك اللفظ عند الترمذي وغيره؛ فمعناه صحيح، كما قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله.
ولقد كان دأب أولياء الله حسن الظن به، والثقة في موعوده بمجيء الفرج بعد الشدة، ولحسن ظنهم بربهم كان دائمًا عند ظنهم، كما قال تعالى حاكيًا عن يعقوب أنَّه قال لبنيه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ} [يوسف: ٨٧]، ثم قص عقيب ذلك قصة اجتماعهم على غير توقع منهم، وكم قص الله من قصص تفريجِ همومِ أنبيائه عند تناهي كَرْبهم واستحكام بلائهم، كإنجاء نوح ومَنْ معه في الفُلك، وإنقاذه إبراهيم من النار، وفدائه لولده الذي أُمر بذبحه، وإنجاء الله موسى وقومه من اليمِّ مع إغراق عدوِّهم، وما كان مع أيوب ويونس، وما جرى لمحمد صلى الله عليه وسلم من إنجائه من كل أعدائه، كشأنه في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، وغير ذلك.
لستم إذن وحدكم أيها المكروبون المحزونون؛ {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون} [النحل: 128] (10).
وكم من محنة حملت في طياتها منحًا ورحمات لهؤلاء العمالقة من الرجال الصبارين في الشدائد أولي العزم من الناس، الذين كان إيمانهم بالله عز وجل أرسى من الراسيات، هؤلاء الرجال الذين كانوا ينتظرون الفرج من الله تعالى بعد الشدائد؟
المؤمن الواثق بربه عز وجل لا تفقده الأزمة ولا الشدائد والمحن والمصائب نور الإيمان من قلبه، لأنه على يقين بأنه لا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة وجبروت ومنزلة وعلم وقدرة، ومهما بلغت منزلته أن يقطع عنه رزقه، أو ينتقص من أجله شيئًا، لأنه على يقين من قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32]، ومن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلًا} [آل عمران: 145].
هو على يقين بأن رزقه لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، وهو على يقين بأن أجله بيد الله عز وجل لا يستطيع أحد من المخلوقات أن يقدمه لحظة أو يؤخره لحظة.
قال تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1].
وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد (36) وَمَن يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَام (37) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُون (38)} [الزمر: 36- 38].
{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)} [الأنعام: 63- 64].
إن تصور الخطر، وتذكر الهول، قد يردان النفوس الجامحة، ويرققان القلوب الغليظة، ويذكران النفس لحظات الضعف والإنابة كما يذكرانها رحمة الفرج ونعمة النجاة: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
إنها تجربة يعرفها كل من وقع في ضيقة، أو رأى المكروبين في لحظة الضيق، وظلمات البر والبحر كثيرة.
وليس من الضروري أن يكون الليل لتتحقق الظلمات، فالمتاهة ظلام، والخطر ظلام، والغيب الذي ينتظر الخلق في البر والبحر حجاب، وحيثما وقع الناس في ظلمة من ظلمات البر والبحر لم يجدوا في أنفسهم إلا الله يدعونه متضرعين أو يناجونه صامتين، إن الفطرة تتعرى حينئذ من الركام فتواجه الحقيقة الكامنة في أعماقها..
حقيقة الألوهية الواحدة، وتتجه إلى الله الحق بلا شريك لأنها تدرك حينئذ سخافة فكرة الشرك، وتدرك انعدام الشريك (11).
عن زيد بن أسلم، قال كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب، يذكر له جموعًا من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر بن الخطاب: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل الله بعده فرجًا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وأن الله تعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] (12).
وتأمل في أحوال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم: هذا يوسف لما صار في ظلامة الجب، ثم في ضيق السجن، كربًا على كرب، وهمًا على هم، فماذا حصل بعد ذلك؟ تداركته رحمة الله عز وجل، وهي قريب من المحسنين، فأخرجته من ظلامة الجب، ومن ضيق السجن إلى سعة الملك، وبسط في العيش، وجمع بأهله في حال الرخاء بعد الشدة.
وهذا يعقوب عليه السلام: عمي من كثرة البكاء والحزن على فقد ولديه، وابيضت عيناه فهو كظيم، تداركته رحمة الله بعد سنوات من الشدة، ومفارقة الأولاد الأحباء إلى نفسه، فجمعهم الله سبحانه بهما على غير ميعاد منهم.
وهذا يونس في بطن الحوت: لما نزل به البلاء دعا ربه في مكان ما دعا به أحد من الناس ربه، في جوف البطن المظلم، فاستجاب الله دعاءه.
وهذه سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيها شدائد، وأهوال، وكرب، وهموم، ومنها شدائد المواطن التي نصره الله بها في معاركه ضد المشركين.
وهذه عائشة رضي الله عنها: لما نزل بها من الضيق الشديد عندما اتهمها المنافقون، وردد ذلك معهم الذين لم يعوا الأمور من المسلمين، ولم يتثبتوا فيها، فاتهموا تلك المسلمة العفيفة، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنها قد وقعت في الفاحشة وهي منها بريئة، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليها فلا يكلمها، ولا يتلطف معها كما كان يتلطف، واشتعلت الفتنة من حولها، والألسن تلوك في عرضها وهي البريئة، حتى بكت الدموع أيامًا متواصلة، حتى انقطع دمعها، وكان لا يأتيها النوم، ثم جاءها فرج الله بتبرئتها من فوق السبع الطباق، وفرج الله همها، وأذهب كربها.
وهؤلاء الثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خلفوا، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بعد أن عزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المجتمع المسلم، ونهى الناس عن تكليمهم، فصاروا غرباء في أهلهم وذويهم، حتى وصل الحال إلى أن أمر زوجاتهم بفراقهم، فصاروا كالمبتوتين من المدينة، الذين لا يتصل بهم أحد، ولا يكلمهم أحد، حتى نزل فرج الله سبحانه وتعالى بالتوبة عليهم، فوسع الله عليهم بعد أن كانوا في ضيق، ونفس عنهم بعد أن كانوا في كربة.
وهؤلاء الثلاثة من بني إسرائيل الذين دخلوا في الغار فانطبقت عليهم الصخرة؛ فرج الله سبحانه وتعالى عليهم بعد أن أيقنوا بالموت والهلاك.
بل إن رحمة الله واسعة تشمل الكافر لو كان في كربة عندما تنزل به إذا شاء ربك أن يفرج عنه، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها: أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم، قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته -أو وقع منها- فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته، قالت: فالتمسوه، فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم، إذ مرت الحدياة فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به، زعمتم وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد -أو حفش- قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلسًا، إلا قالت:
ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
قالت عائشة: فقلت لها ما شأنك، لا تقعدين معي مقعدا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث (13).
فتأمل حال تلك المرأة المسكينة، ولو كانت كافرة، كيف لما نزل بها الكرب فعذبت، تداركتها رحمة الله بحادثة عجيبة ليست بمعهودة أن يأتي ذلك الطائر فيلقي بالقطعة التي خطفها.
والله لطيف بعباده، لطفه واسع، ورحمته واسعة، فإنه ينقذ العباد من الضيق، ولو كان في أعتى صوره، ولا يتخلى سبحانه عن المخلوقين.
يقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله، في كتابه رحلة الصديق إلى البيت العتيق: ولما سار المركب من الحديدة سكن الهواء إلى ثلاثة أيام، ولم يتحرك المركب خطوة من محل القيام، وبعد ذلك هبت الريح الأزيز، وجاء الغيم والمطر بالليل، ورجع المركب إلى عقبه، وسار إلى غير صوبه، فمكثنا بهذه الحالة في البحر إلى أيام آيسين من الوصول إلى المأمول، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، من طول الركوب ومخالفة الهواء، وقلة المطعوم والمشروب، وبلغت الأنفس التراقي، وكانت الأيدي إلى السماء مرفوعة، ثم سمع الله دعاء الآيسين، وهبت لنا ريح طيبة من رب العالمين إلى يومين، وكانت ضعيفة، ولكنها أخرجت المركب من مجمع الجبال المستغرقة في الماء إلى ساحل النجاة، ولما قربنا من جدة، قرب المركب ليلًا إلى جبل في الماء، ومن أخطر الأمور أن يقترب المركب إلى جبل في الماء، فاضطرب له المعلم اضطرابًا شديدًا، وربط أشرع السفينة، وعمل كل تدبير خطر له بالبال، وأنزل الملاحون أقرب -قوارب السفينة- وسعوا إلى جوانبه، وعلموا أن المركب لو سارت قليلًا لتصادم بالجبال، فمضى هذا الليل في غاية الاضطراب، وتمت تلك الليلة بالاستغفار، وإخلاص النية، والتوبة، وكلمة الشهادة على الألسن، وسلموا أنفسهم للموت، وكان رحمة الله علينا بالسلامة حتى طلع الفجر، وشاهدنا ذلك الجبل في ضوء النهار (14).
إن للشدائد فوائد بالرغم من أنها مكروهة للنفس، فمنها:
أن الله يكفر بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات، ويدفع الكربُ المكروبَ إلى التوبة، ويلجأ إلى الله، وينكسر بين يديه، وهذا الانكسار أحب إلى الله من كثير من العبادات، أن ينكسر المخلوق لله سبحانه، وأن يشعر بذله أمام الله، وأن يشعر بحاجته إلى ربه، وافتقاره إلى خالقه، فينقطع إلى الخالق ويترك المخلوق، وهنا يتحقق التوحيد، ويتنقى من أدران الشرك بأنواعها، ويخلص الإنسان لربه (15).
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمنا أدعية إذا نزل بنا الكرب، واشتدت الأمور، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، علمنا ماذا نقول، في الصحيح: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض، ورب العرش العظيم» (16).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» (17)، وقال عليه السلام لأسماء بنت عميس: «ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئًا» (18).
وقال عليه السلام: «من أصابه هم أو غم أو سقم أو شدة فقال: الله ربي لا شريك له؛ كشف ذلك عنه» (19).
وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دعوة المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» (20).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» (21) .
أخي الداعية إلى الله، قد توصد بعض قلوب المدعوين أبوابها في وجهك، وقد تحاول وتحاول دونما فائدة، فتصاب بضيق شديد، وإحباط كبير، لا تحزن، إن الله معك ما دمت تدعو إلى سبيله، وذلك ما استقمت على الجادة، وتذكر صبر نوح على قومه، ينوع عليهم وسائل الدعوة ليلًا ونهارًا، تسعمائة وخمسون عامًا وهو يدعوهم إلى الله.
أخي يا من تحاول أن تكون ربانيًا تربي الناس بصغار العلم قبل كباره: قد تستغلق عليك بعض الأذهان، ولا تفهم المراد، ولا تعي المطلوب، أو يذهب ما تريد أن ترسخه سريعًا، وقد تقع الأخطاء المخالفة لبعض أساسيات المنهج، والتصور الصحيح في نفوس من تعاشرهم، وقد تواجه حالات من الاستعصاء في الانقياد، وتتكرر الأخطاء في مسائل طال عليها التنبيه وتكرر، فتحس باليأس، وأن لا جدوى، لا يركبنك الهم، واعلم أن مع العسر يسرًا، وأن فرج الفهم والتطبيق قريب، وتذكر موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة حاطب وكعب.
وكذلك الداعية إلى الله عندما يبتلى بأذى الناس ربما يجزع في المرات الأولى، ولكن يوسع صدره على الأذى كثرة الأذى، على قدر البلاء تنزل المعونة.
هذه سنة الله في الدعوات، أن الخطوب تشتد عليها، والأخطار من كل جانب، حتى يفعل جميعهم كل الإمكانيات فلا تفيد، وبعد أن يفقدوا الأمل ويصلوا إلى نقطة يحسون أن لا نصر عندها، إذا بنصر الله يأتي {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110].
متى أتى النصر؟ أتى النصر عندما اشتدت الأمور وظنوا أنه لم يأتِ جَاءهُمْ نَصْرُنَا، وهكذا لكي لا يكون النصر رخيصًا، فلو كان النصر رخيصًا لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئًا، ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثًا ولعبًا، فإنما هي قواعد في حياة البشر ومنهاج لهم.
إنه لا ينبغي لأحد يواجه الجاهلية بالإسلام أن يظن أن الله تاركه للجاهلية وهو يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالربوبية، كما أنه لا ينبغي له أن يقيس قوته الذاتية إلى قوى الجاهلية فيظن أن الله تاركه لهذه القوى وهو عبده الذي يستنصر به حين يغلب فيدعوه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}.
إن القوى في حقيقتها ليست متكافئة ولا متقاربة، إن الجاهلية تملك قواها، ولكن الداعي إلى الله يستند إلى قوة الله، والله يملك أن يسخر له بعض القوى الكونية- حينما يشاء وكيفما يشاء- وأيسر هذه القوى يدمر على الجاهلية من حيث لا تحتسب، وقد تطول فترة الابتلاء لأمر يريده الله، ولقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا قبل أن يأتي الأجل الذي قدره الله، ولم تكن حصيلة هذه الفترة الطويلة إلا اثني عشر مسلمًا، ولكن هذه الحفنة من البشر كانت في ميزان الله تساوي تسخير تلك القوى الهائلة، والتدمير على البشرية الضالة جميعًا، وتوريث الأرض لتلك الحفنة الطيبة تعمرها من جديد وتستخلف فيها.
إن عصر الخوارق لم يمض، فالخوارق تتم في كل لحظة- وفق مشيئة الله الطليقة- ولكن الله يستبدل بأنماط من الخوارق أنماطًا أخرى، تلائم واقع كل فترة ومقتضياتها، وقد تدِق بعض الخوارق على بعض العقول فلا تدركها ولكن الموصولين بالله يرون يد الله دائمًا، ويلابسون آثارها المبدعة.
والذين يسلكون السبيل إلى الله ليس عليهم إلا أن يؤدوا واجبهم كاملًا، بكل ما في طاقتهم من جهد ثم يدَعوا الأمور لله في طمأنينة وثقة، وعند ما يُغلبون عليهم أن يلجئوا إلى الناصر المعين وأن يجأروا إليه كما جأر عبده الصالح نوح: {فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، ثم ينتظروا فرج الله القريب، وانتظار الفرج من الله عبادة فهم على هذا الانتظار مأجورون (22).
إنه لا سبيل إلى احتمال البلاء إلا بالرجاء في نصر الله، ولا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله، ولا سبيل إلى الاستعلاء على الضر، والكفاح للخلاص إلا بالاستعانة بالله، وكل حركة يائسة لا ثمرة لها ولا نتيجة إلا زيادة الكرب، ومضاعفة الشعور به، والعجز عن دفعه بغير عون الله، فليستبق المكروب تلك النافذة المضيئة التي تنسم عليه من روح الله (23).
***
_____________
(1) أخرجه مسلم (2999).
(2) أخرج أحمد (7846).
(3) أخرجه الترمذي (2396).
(4) شرح رياض الصالحين (1/ 259).
(5) انتظر الفرج/ صيد الفوائد.
(6) في ظلال القرآن (5/ 2921- 2923).
(7) أخرجه النسائي (5862).
(8) تفسير ابن كثير (1/ 572).
(9) أخرجه أحمد (2803).
(10) انتظار الفرج/ طريق الإسلام.
(11) في ظلال القرآن (2/ 1124).
(12) موطأ مالك (2/ 446).
(13) أخرجه البخاري (439).
(14) رحلة الصديق الى البيت العتيق (ص: 23).
(15) دروس للشيخ محمد المنجد- الموسوعة الشاملة.
(16) أخرجه البخاري (6345)، ومسلم (2730).
(17) أخرجه الترمذي (3524).
(18) أخرجه أبو داود (1525).
(19) صحيح الجامع (6040).
(20) أخرجه أبو داود (5090).
(21) أخرجه الترمذي (3505).
(22) في ظلال القرآن (4/ 1893).
(23) في ظلال القرآن (4/ 2414).