logo

دروس وعبر من طوفان الأقصى


بتاريخ : الثلاثاء ، 9 صفر ، 1446 الموافق 13 أغسطس 2024
دروس وعبر من طوفان الأقصى

منذ السابع من أكتوبر لم يعد العالم كما كان، ولن يعود، ومهما حاول البعض التقليل من هذا الحدث الكبير، فلن يستطيعوا فهم أنه الحدث الذي زلزل هذا الكيان الصهيوني، وأصابه في مقتل، ومرغ أنفه في التراب، وقوض مقولة أنه الجيش الذي لا يقهر، وكشف زيف كل عملائه وقواده، وفضح كل طواغيت العرب أمام شعوبهم، وقهر المنافقين والعملاء والمرجفين. 

هذا التاريخ هو يوم فاصل بين الحق والباطل، وبين الظالم والمظلوم، بين الخير والشر، بين الأحرار والعبيد، هو يوم سيُكتب في صحائف أحرار وشرفاء العالم؛ بأن من يريد استعباد إرادتهم فلن يستكينوا له ولن يجني سوى المذلة والعار، فالحر حر مهما تداعت عليه الأيام، والأسود لن ترضخ يومًا للضباع.

لقد تم التعريف بالطريق الحقيقي لنيل الكرامة، فمهما كان الثمن فهو أهون من الذل والخضوع والاستسلام، في هذا اليوم تمَّ التفريق بين أصحاب الأرض الحقيقيين والمحتلين الغاصبين سارقي الأرض والتاريخ، هذا اليوم فارق بين صاحب الحضارة والتاريخ وبين مستوطن جاء مطرودًا من أرضه ومن بلاده ليقيم وطنًا في أرض ليست أرضه، ويبيت تحت سماء ليست سماءه.

تكالبت الظروف على الشعب الفلسطيني فسُرقت أرضه، وأُجبر على العيش كلاجئ في وطنٍ ليس وطنه، أو يعيش وهو مقهور مظلوم في أرضه المحتلة، ولقد تخلى عنه الإخوة في الدين والعقيدة، والإخوة في اللغة وفي المصير، وفي المقابل الكيان الغاصب منذ أول يوم وطئت رجله هذه الأرض، وبوعد ظالم لمن وُهب أرض لا يملكها، منذ ذلك التاريخ يحصل على الدعم والمساعدة في كل شيء مهما كان الثمن.

وبعد سنوات من هذا الصراع الذي تجاوز 75 عامًا، ولا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد، سوى عهود اتفاقية بالية أكل وشرب عليها الزمن، والمستفيد الأكبر من كل هذا هو العدو الصهيوني الغاشم، كل هذه السنين وهو كل يوم يزيد من عدوانه وظلمه، سواء كان بسرقة المزيد من أراضي الشعب الفلسطيني، أو التجرؤ بالقتل واغتيال أصحاب الأرض الأصليين، أو اعتقالهم لتكميم أفواههم، وكذلك تجاوز كل أنوع الغي في تدنيس المسجد الأقصى، ذي المكانة المقدسة لأصحاب الأرض الأصليين، ولأكثر من مليار ونصف مسلم.

من هنا، جاء طوفان الأقصى ردًا على استفزازات سنين، واعتداء لمدة قرون، وصبر جاوز المدى، جاء ردًا على كل من تسول له نفسه أن يعتدي على امرأة مسلمة أو طفل مسلم أو شيخ مسلم، جاء ردًا على تدنيس المسجد الأقصى المتعمد، جاء ردًا على أدعياء السلام ولقطاء الحكمة، الذي هانت عليهم أنفسهم ونساؤهم وأطفالهم ومقدساتهم من أجل مصالحهم الخاصة، فلأجل البقاء على كرسيه يبيع دينه وعرضه وشرفه وكرامته، والعجيب أنه يظن في نفسه الحكمة والرشد، وقد خاب وخسر من حيث يظن أنه يحسن صنعًا، رغم الإهانة والإذلال والاحتقار اليومي له ولمن معه، ولكنها نفسية أشربت الذل والهوان فأبت أن تستنشق عبير الحرية والكرامة.

لقد اصطفى الله لهذه الأمة أبطالًا أشداء على الأعداء، فلا يهابون إلا الله، ولا يلوون على شيء من متاع الدنيا، وهبوا حياتهم لله وللدفاع عن دينه، استرخصوا أنفسهم إرضاءً لربهم، فأصبح شغلهم الشاغل وهمهم القائم تحرير أرضهم ومقدساتهم، والنيل من عدوهم، فكان لهم ما أرادوا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

أصبحوا في الدنيا رجال الآخرة، وفي اليوم رجال الغد، لا تجزعهم مصيبة، ولا تبطرهم نعمة، ولا يشغلهم فقر، ولا يطغيهم غنى، ولا تلهيهم تجارة، ولا تستخفهم قوة، ولا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا (1).

وهذا ما يجعلنا نقف على هذا الحادث الجلل لنتعلم منه الدروس والعبر، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، ومن هذه الدروس والعبر:

الإعداد والاستعداد:

لا شك أن نجاح الهجوم المباغت الذي قام به الأبطال على الكيان الصهيوني في السابع من شهر أكتوبر 2023م يرجع فيه جزء كبير منه إلى الإعداد الجيد للهجوم على جميع المستويات، والمسلمون مطالبون بذلك، يقول الله عز وجل: قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، وقبلها: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، فقوة الحديد لحفظ الكتاب والميزان وحمل الناس عليهما، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 94]، {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} [الشورى: 39- 40] أي: فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم، ليسوا بعاجزين ولا أذلة، بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم (تفسير ابن كثير (7/ 211).).

فلا بد من اعداد العدة لتحطيم قوى الشر وسلطان الطاغوت وإعلاء راية الحق وسلطان الله، فهذا مما يعين على جلاء الحق: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]، كما أن هذه اللفتة تساعدنا على تفهم أبعاد الإيحاء الذي يعطيه قول الله تعالى، في هذه السورة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ..} فإعداد القوة والإرهاب بها مما يعين على جلاء الحق في أنماط من القلوب لا تستيقظ ولا تتبين إلا على إيقاعات القوة التي تحمل الحق وتنطلق به لإعلان تحرير «الإنسان» في «الأرض» (2). 

فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد، والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها.

إنه لا بد للإسلام من قوة ينطلق بها في «الأرض» لتحرير «الإنسان»، وأول ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة: أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها فلا يصدوا عنها، ولا يفتنوا كذلك بعد اعتناقها، والأمر الثاني: أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على «دار الإسلام» التي تحميها تلك القوة، والأمر الثالث: أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي، وهو ينطلق لتحرير «الإنسان» كله في «الأرض» كلها، والأمر الرابع: أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية، فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها، ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده، ومن ثم فالحاكمية له وحده سبحانه (3).

وقد كبدت فصائل المقاومة القوات المتوغلة خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وقد أقر قادة الكيان الصهيوني العسكريين والسياسيين بصعوبة الوضع في غزة، والحراك السياسي كان حاضرًا في معركة طوفان الأقصى من خلال الرسائل التي أرسلت للجماهير العربية والإسلامية، ومن خلال التفاوض على الأسرى، ومن خلال الإفراج عن أسيرتين لظروف صحية، والسماح بخروج عدد من حاملي الجوازات الأجنبية من معبر رفح.

ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة:

وصلت القضية الفلسطينية لاحقًا إلى أسوأ مراحلها بعد غياب الدعم العربي، ودخلت في إطار التسوية والعملية السياسية التي بدأت مع اتفاقات أوسلو، تبعها عدد من النسخ المتكررة التي لم تحقق حتى اليوم أيَّ تقدُّم يُذكر في قضايا الحل الرئيسة مثل الأرض، والحدود، واللاجئين، وقضية القدس، بل زادت وتيرة الاستيطان والانتهاكات في تهويد القدس الشريف واقتحام المسجد الأقصى، كما زادت عمليات الاجتياحات والاعتقالات والاغتيالات، وتزايدت وتيرة الاستيطان والمستوطنات وبناء الجدار العنصري الفاصل، ويهودية الدولة وغيرها من النكسات التي تعرضت لها القضيةـ وانتهاء بحالة من الخلل في المفاهيم وبناء علاقات عربية مع هذا الكيان المحتل. 

فجاءت عملية طوفان الأقصى لثبتت عمليًا فشل المفاوضات العبثية مع الكيان الصهيوني الغاصب والتي مضى عليها ثلاثة عقود، ارتكب فيها المحتل كل الجرائم والموبقات بحق الفلسطينيين، وبالمقابل ظل الشعب الفلسطيني يقدم نموذجًا نضاليًا مقاومًا بدأ بالحجارة وانتهى بالصواريخ والطائرات المسيَّرة، التي غيَّرت قواعد الصراع، وجعلت الاحتلال يطالب بالتهدئة في المواجهات الأخيرة، والدرس الذي نتعلمه هو أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة (4). 

لا بد لنا أن نفهم كيف تكون القوة حتى نستطيع استغلالها جيدًا، فالعلم قوة ومقاومة، والعلم هنا لا يقتصر على شهادةٍ جامعية؛ بل هو الادراك والتحرر من الجهل والتوسع في التفكير، ثم بعد أن نفهم ذلك لنا أن نوظف وندمج قوتنا العقلية العلمية مع قوة عسكرية موحدة، فنحن لا نستطيع أيضًا أن نتكئ على العلم وحدهـ فالعلم مرتبط بالقوة العسكرية كارتباط الروح بالجسد، فالقوة العسكرية جسد وروحه العقل، نحتاج كلاهما حتى نستطيع صنع مستقبل أجمل لبلادنا. 

الدرس الإعلامي:

من الدروس البارزة في عملية (طوفان الأقصى)، وقد ربحته المقاومة عن جدارة، وذلك من خلال المقاطع التي نشرها الإعلام الحربي التابع للمقاومة، وأعادت للعرب والمسلمين الشعور بالفخر والعزة، والقدرة على رد العدوان. 

ومقاطع الإفراج عن الرهائن جلب تعاطفًا عالميًا مع الفلسطينيين، والمقطع المصور للأسيرات والذي نشرته المقاومة شكل ضغطًا على حكومة نتنياهو وعلى الإدارة الأميركية، وقال عنه نتنياهو: هذه دعاية نفسية قاسية من قبل حماس.

لقد دأب أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، على إيصال رسائل إعلامية مصاغة بعناية، مرئية ودقيقة على حد سواء، حتى أصبح أيقونة للمقاومة، ورمزًا للعزة والشموخ، والجميع باتوا ينتظرون ظهوره ويحرصون على الاستماع لخطابه. 

إن قدرته على الحفاظ على سرية هويته هي انتصار إستراتيجي للمقاومة، وقد لاقت تصريحات أبو عبيدة الواضحة صدى لدى الجماهير العربية والإسلامية والدولية، ما عزز من التأثير الإعلامي للمقاومة. 

وقد حرصت المقاومة الفلسطينية، على إفراد مساحة كبيرة للصورة لما لهذه الصورة من مدى تأثير كبير يتجاوز طبيعة الصراع حيث كان هذا الأمر واضحًا من خلال: 

- الدقة والجودة العالية في عملية تصوير العمليات العسكرية، والتي أظهرت العملية بكل تفاصيلها، فلا يستطيع العدو تكذيبها أو التشكيك فيها، وفي نفس الوقت الراحة والاطمئنان التي يتمتع بها هذا المصور.

- كانت المقاومة موفقة في اختيار الزاوية التي تم التقاط المشهد من خلالها، حيث أظهرت تفاصيل العمليات بشكل واضح، الأمر الذي يترتب عليه توضيح حجم الخسائر وطبيعتها.

– التوقيت الذي قامت المقاومة بنشر هذه المواد المصورة فيه، ولما له من دلالة على إدارة المعركة إعلاميًا واستخباراتيًا وأمنيًا، والمعرفة المطلقة لدي المقاومة لمدى التأثير لهذه المشاهد.

– مكونات المشهد، حيث أوضحت المشاهد التي نشرت أن المقاومة تستهدف الجنود المدججين بالسلاح والذين يشكلون خطرًا واضحًا وليس المدنيين كما يزعم العدو ونعاله.

- خطاب المقاومة موحد وصادر عن جهة متفق ومتوافق عليه، فيما تصدر خطابات العدو من أكثر من جهة؛ نتنياهو يوظف الخطاب دعاية انتخابية، بيني جانتس يشكك فيه ولا يختلف عنه في الهدف، ثانيًا: خطاب المقاومة في مجمله يؤكد على الصمود ولغة الانتصار، في حين يبدو خطاب العدو مهزومًا كتعبير غير مباشر عن هزيمته في المعركة، ثالثًا: بما أن المقاومة هي من يحدد مجريات الحرب فإن خطابها يأتي متوازنًا واثقًا، الانقسام الحاصل في المستوى السياسي والمجلس المصغر

-الكابينت- انعكس على لغة الخطاب وحتى على الشارع، رابعًا: تأثير كل من الخطابين على المتلقي يختلف تمامًا عن جمهور كل منهما، فبقدر الثقة التي يمنحها الناطق باسم المقاومة نجد أن الشارع الصهيوني فاقد الثقة بقادته.

وعن لغة الجسد فإن حركة الناطق باسم المقاومة تنم عن ثقة وثبات ودراية، في المقابل عبرت نظرات المتحدث الصهيوني وحركات جسده عن تخبط وجهل فيما ستؤدى إليه الخطوة التالية.

مع كل ما سبق وبعد الملاحظة يتضح مدى الأهمية التي توليها المقاومة للإعلام، ومدى التطور الإعلامي لديها (5).

درس المقاطعة:

انطلقت دعوات المقاطعة في أكثر من مناسبة، ولكن الدعوة الأخيرة المصاحبة لمعركة طوفان الأقصى، أظهرت تزايد الوعي لدى فئات كثيرة من العرب والمسلمين بأهمية وتأثير المقاطعة على الكيان الصهيوني وعلى الشركات الداعمة له.

والجديد هو ما لمسناه من إبداع في توجيه رسائل المقاطعة، وذلك من خلال الصور ومقاطع الفيديو المعبرة عن الفظائع والجرائم التي ترتكب في غزة، والتي تشجع على مقاطعة الشركات الداعمة لجيش الاحتلال الصهيوني. 

وسلاح المقاطعة سلاح مؤثر وقاطع ولا يستهان به، وقد ظهر تأثيره من خلال هبوط أسعار أسهم الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وأجبرتها المقاطعة على عرض وبيع جميع منتجاتها بأسعار مخفضة، وبعضها وضع اسم فلسطين على منتجاته، وتبرأ آخرون في بيانات رسمية من دعم الكيان الصهيوني (6).

ولو تبينت حقيقة المقاطعة، وما ينتج عنها من إضرار بالعدو لما قال من قال: لا تجدي شيئًا، ولما أنكرها منكر، إن خسائر بعض الشركات قدرت بالملايين نتيجة المقاطعة. 

وقد رأيت شعارين هما أجمل ما رأيت فيما يتعلق بالمقاطعة الأول: إذا كنت لا تستطيع أن تشتري رصاصة لفلسطيني، فلا تدفع ثمن رصاصة ليهودي.

والثاني: قاطعوهم؛ إنهم يقتلوننا بأموالنا، والله تعالى أعلم.

والمطلوب عربيًا وإسلاميًا هو استمرار حملة المقاطعة للكيان الصهيوني وداعميه، ولكل الشركات التي تدعم أعداء الأمة، وللدول التي تسيء للإسلام، أو تضيق على المسلمين الموجودين على أراضيها، مثل فرنسا والصين وغيرهما، وأن نشجع وندعم المنتجات المحلية، وأن تكون الأولوية للصناعات الغذائية، والدوائية، والعسكرية (7).

 

الحياة بكرامة أو الموت بشهادة:

الدرس الأكبر الذي نتعلمه من غزة رمز العزة، ومن معركة طوفان الأقصى، هو أن نحيا كرامًا أو نموت شهداء، يقول الله عز وجل: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)} [آل عمران: 139، 140]، لا تهنوا- من الوهن والضعف- ولا تحزنوا- لما أصابكم ولما فاتكم- وأنتم الأعلون.. عقيدتكم أعلى فأنتم تسجدون لله وحده، وهم يسجدون لشيء من خلقه أو لبعض من خلقه! ومنهجكم أعلى، فأنتم تسيرون على منهج من صنع الله، وهم يسيرون على منهج من صنع خلق الله! ودوركم أعلى، فأنتم الأوصياء على هذه البشرية كلها، الهداة لهذه البشرية كلها، وهم شاردون عن النهج، ضالون عن الطريق، ومكانكم في الأرض أعلى، فلكم وراثة الأرض التي وعدكم الله بها، وهم إلى الفناء والنسيان صائرون.. فإن كنتم مؤمنين حقًا فأنتم الأعلون، وإن كنتم مؤمنين حقًا فلا تهنوا ولا تحزنوا، فإنما هي سنة الله أن تصابوا وتصيبوا، على أن تكون لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء والتمحيص (8). 

وقال تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ} [محمد: 35]، أنتم الأعلون فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم، أنتم الأعلون اعتقادًا وتصورًا للحياة، وأنتم الأعلون ارتباطًا وصلة بالعلي الأعلى، وأنتم الأعلون منهجًا وهدفًا وغاية، وأنتم الأعلون شعورًا وخلقًا وسلوكًا، ثم أنتم الأعلون قوة ومكانًا ونصرة، فمعكم القوة الكبرى: {وَاللهُ مَعَكُمْ} فلستم وحدكم، إنكم في صحبة العلي الجبار القادر القهار، وهو لكم نصير حاضر معكم، يدافع عنكم، فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم؟ وكل ما تبذلون، وكل ما تفعلون، وكل ما يصيبكم من تضحيات محسوب لكم، لا يضيع منه شيء عليكم: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ} ولن يقطع منها شيئًا لا يصل إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه، فعلام يهن ويضعف ويدعو إلى السلم، من يقرر الله سبحانه له أنه الأعلى، وأنه معه، وأنه لن يفقد شيئًا من عمله، فهو مكرم منصور مأجور؟ (9).

لا تسقني ماء الحياة بذلة     بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

سقوط الأقنعة:

الكشف عن الوجه القبيح عمن يتشدقون بحقوق الإنسان والمنظمات الأممية التي هي في الحقيقة مجرد واجه أو دُمى يحركونها على ميولهم، فقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عن ضرورة احترام المثليين، ورفعوا شعارتهم في كل مكان، بل إنهم حاولوا إسقاط نظام سياسي كامل للاشتباه في مقتل امرأة على يد الشرطة، بينما لم تحرك ضمائرهم منظر آلاف الأطفال وآلاف النساء وهم يدفنون أحياء، ويُنحرون من الوريد للوريد، ويموتون وهم جوعى بلا بيوت ولا مأوى، لم تتحرك ضمائرهم للآلاف من البشر يتعرضون للإبادة، ويقصفون بأشد أنواع القنابل المحرمة دوليًا حتى في الحروب الطبيعية.

سقط قناع الديمقراطية العفن الذي تتغنى به بلاد الغرب، وأن هؤلاء الساسة هم الفئة التي تمثل حكم الشعوب لهذه البلدان حين تظاهرت شعوبهم بالملايين في الشوارع رافضة مواقف، هذه الحكومات الداعمة لهذا الكيان، وأن الحكومات لا تمثل إلا نفسها، وخرجت هذه الشعوب بالألوف في الشوارع داعمة قضية فلسطين، ومستنكرة عمل هذا العدو الغاشم وجرائمه ضد الإنسانية، وبالتالي سقطت هذه الديمقراطية إلى غير رجعة، وعلى هذه البلدان مراجعة مرجعيتها، وانظمتها السياسة من جديد (10). 

ظهرت حقيقة ضعف وهوان ما يعرف بالعالم العربي، وماذا يمثل لهذا العالم، فهو مجرد رقم أو مصدر من مصادر المال، أو مصادر الطاقة، وهو بلا وزن ولا أهمية، فقد وقف موقف المتفرج عاجز حتى عن إيصال الطعام أو الشراب، أو يساعد في وقف احتضار المرضى بالمستشفيات، وهم بلا أدوية أو طاقة أو ماء.

يا أهل النَّخوة من قومي        من يمن العرب إلى الشامِ

يا أهل صلاة وخشوع     يا أهل لباس الإحرام

يا أهل الأبواق أجيبوا     يا أهل السَّبق الإعلامي

يا هيئة أمم مقعدة        تشكو آلاف الأورامِ

يا مجلس خوف أحسبه      أصبح مأجور الأقلامِ

يا أهل العولمة الكبرى      يا أخلص جند الحاخامِ

يا من سطرتم مأساتي      ورفعتم شأن الأقزامِ

يا أهل النخوة في الدنيا       أولستم أنصار سلام؟

أسلام أن تسرق أرضي       أن يقتل في حضني رامي؟ (11)

 

أكدت أحداث غزة مدى الحاجة الماسة للدول العربية لمراجعة حساباتها، ومصالحة شعوبها حين خرجت هذه الشعوب عن صمتها، وتقف لأول مرة صفًا واحدًا ضد هذا العدوان من خلال الاهتمام والحديث عمّا يجري في غزة، بينما اكتفت معظمهم بموقف الشجب والإدانة دون موقف سياسي واحد واضح وحاسم.

استطاع أهل غزة وشجعانها دحض ادعاءات الغرب ومن يقف ورائهم بإلصاق تهم الإرهاب بالمسلمين، ولم تعد هذه الادعاءات تصدق في كل العالم؛ فالعالم لا يتحدث هذه المرة إلا عن شعب يقاتل ويضحي من أجل الحصول على حقوقه، وأرضه المسلوبة دون تكرار الأسطوانة القديمة، والحديث عن إرهاب المسلمين، أو الالتفات إلى من يروجها.

لن تستطيع أي قوة مهما كانت أن تُنكر حقوق الشعب الفلسطيني، وحقه في مطالبته في دولته المستقلة بعد اليوم، لأن وجود دولة فلسطين أصبح واقعًا، ومجرد مسألة وقت، فالموضوع خرج من يد قرار حكومات الدول إلى شعوبها، وأصبح أمر نيل شعب فلسطين لحقوقهم واستعادة أرضهم حديث العالم في كل بيت أو كل شارع.

أثبتت أحداث غزة صحة نظرية المؤامرة، وما يُحاك للعالم العربي من دسائس هو أمر واضح وفاضح، وكشفته المخططات تلو الأخرى، وعلى حكام وشعوب هذا العالم العربي أن يعوا ويدركوا وينظروا إلى أحداث التاريخ في السنوات الأخيرة، كيف تسير؟ ولمصلحة من؟، مما يُحتم عليهم إعادة الحسابات، وأن يفيق العالم العربي من سباته العميق، وأن يعيد حساباته، فالغرب يريد للعرب والمسلمين أن يعيشوا في فرقة وضعف وانقسام ويريدهم غارقين في الديون والحاجة، ويريد لإرادتهم السياسية أن تكون بعيدة عن أحلام وطموحات شعوبهم، وبالتالي؛ تبقى هذه الدول وحتى إن كثرت أموالها بلا إرادة، ولا رأي، ولا استقلال حقيقي.

"طوفان الأقصى" اليوم أعاد برمجة الصراع، وقَلَب الموازين رأسًا على عقب؛ حيث سقطت سردية فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" أولًا، ثم تلاها سقوط سردية "الجيش الذي لا يُقهر"، ثم سقطت سردية "تفوُّق العقل الصهيو-أمريكي" بعد السابع من أكتوبر، واختراق القبة الحديدية والجدار العازل بتقنياتهم التي وُصِفَت بالمعجزة، ثم سقطت سردية قوة الكيان العسكرية والتقنية الحامية للمطبعين مستقبلًا، ثم سَقَطت الحلول العربية للتطبيع مع العدو كحل الدولتين والتي يصفها العدو اليوم بالانتحار.

المواجهة اليوم لم تَعُد بين النظام الرسمي العربي وشعبه لتمرير التطبيع؛ بل بين مُكوِّنات النظام الرسمي العربي نفسه، والذي وقع في حَرَج تاريخي كبير بعد الطوفان، هذا الطوفان الذي أَيْقَظ العالم حول قضية فلسطين العادلة، وتكاتفوا لنُصرتها، وجعل من الدعوة للتطبيع فجورًا سياسيًّا غير مُبرَّر ولا مسبوق.

وفي المقابل، يشهد العالم ثباتَ موقف الشعب العربي عبر فصائله المُقاوِمَة، والتي نأت عن تخاذل النظام الرسمي العربي وواجهت غطرسة الصهاينة ورعاتهم ببسالة نادرة، وأسقطت سردياتهم وهيبتهم أمام العالم. 

النظام الرسمي العربي اليوم في أسوأ حالاته وخياراته، وقد تمثَّل ذلك في "قمة المنامة"؛ حيث كانت كلمات غير العرب من الحضور أقوى وأشد غِيْرةً وتعبيرًا لإدانة وحشية الكيان وجرائمه، ونصرة الحق الفلسطيني، أكثر بكثير من أصحاب الحق أنفسهم من العرب الحضور! وما زال الطوفان يتناسل ليعتصر الجديد من المواقف، ويُزلزل الكثيرَ من القناعات المتقادمة (12). 

كان الخيار الاستراتيجي للكيان الصهيوني ورعاته بعد تلك الهزائم العسكرية النكراء من فصائل المقاومة، وثبوت عجز النظام الرسمي العربي عن كبحها، أو السيطرة عليها، أو مُواجهتها، تسويقَ العدو ككيان صناعي اقتصادي عملاق في المنطقة، ومتفرد في التقنيات والبرامج الأمنية، وذلك بقصد تمرير التطبيع والشراكات والتعاون مع الأقطار العربية المُطبعة وتبادل المنافع تلك معها. 

إذ يصل دخل الكيان الصهيوني السنوي حاليًا إلى 520 مليار دولار، منها 14 مليار عائد تصديره للبرمجيات الأمنية الإلكترونية لعدد من الدول حول العالم، ويطمح الكيان إلى مضاعفة الدخل عبر فتح أسواق جديدة في جغرافيات مختلفة، وعلى رأس أولوياته التطبيع مع عدد من الأقطار العربية بضغوط من أمريكا والغرب. 

كما إن الكيان سوَّق نفسه للعالم طيلة العقود الماضية ككيان استيطاني آمن للسكن والاستثمار، مُعتمدًا على سجل انتصاراته على النُظم الرسمية العربية عسكريًا أو سياسيًا، وعلى سرديته كضحية تاريخية مُحاطة ببحر من العداء والكراهية من قبل العرب. 

لكن يأتي "طوفان الأقصى" اليوم ليُبدِّد حلم الكيان الصهيوني ورعاته والمراهنين على قواه المتعددة "الخارقة"- كما يزعمون- ليجعل من استراتيجية الكيان الثانية والبديلة للمواجهة والردع العسكرية أكذوبة كبرى؛ حيث هُزم الكيان عسكريًا واقتصاديًا واستخباراتيًا وعقليًا منذ الساعات الأولى للطوفان، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، وتعرضت كل جغرافيته للقصف من قبل فصائل المقاومة ومن الجغرافيات المختلفة في غزة ولبنان والعراق واليمن، فتبدَّد الحلم الأخير للكيان، وتبدَّدت معه سرديات لا حصر لها، ولم يعد يَلُوحُ لهم من خيار سوى الزوال والرحيل؛ فالطوفان قد عصف بكل شيء على الأرض وبداخل العقول كذلك.

أفصح 23% من الصهاينة بأنهم سيغادرون فلسطين المحتلة في حال ثبوت تملك إيران لسلاح نووي، واليوم ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية أقر 49% من الصهاينة بأن "إسرائيل" لم تعد أرضًا آمنة وصالحة للسكن! والله غالب على أمره (13).

التعامل مع الأحداث من خلال استصحاب السنن الربانية:

ولقد مثلت معركة طوفان الأقصى مسرحًا كبيرًا تجسدت على خشبته السنن الإلهية: الكبرى منها والصغرى، والكبرى مثل: التدافع، التغيير، الأخذ بالأسباب، الاستعمال، الاستبدال، النصر، التمكين، والصغرى هي القوانين المتفرعة على الكبرى، وهو ما يذكرنا بالقواعد الفقهية، منها قواعد كلية كبرى، ومنها قواعد صغرى وهي التي تتفرع على الكبرى وتندرج تحتها، وفي السطور الآتية نتحدث عن بعض السنن على سبيل المثال من خلال مشهد معركة طوفان الأقصى: 

سنة التدافع:

من هذه السنن الإلهية التي تجلت في مشهد طوفان الأقصى سنة التدافع؛ فلا يمكن أبدًا أن يتجلى الحق ويبرز الباطل إلا بإعمال سنة التدافع، ولولا هذه السنة لاختلطت الأمور وفسدت الأرض، وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد، كما عبر القرآن الكريم في موضعين، الأول: قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]، والثاني قوله عز من قائل: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

وفي معركة طوفان الأقصى تتجلى هذه السنة، فهذا العدو المحتل لن يرحل بالسلم ولا بالمفاوضات ولا بمجلس الأمن ولا بهيئة الأمم، وإنما بالانسلاك في التدافع الذي يقتضي المقاومة الجهادية بالسلاح الرادع لهذا العدو، والمضعف له، والدافع نحو إجلائه، وإلا فإن الأرض لا تتحرر بالسلام والوئام وتقسيم الأرض، وإنما بالجهاد، والجهاد وحده، فلا عز إلا بالجهاد، وما ترك المسلمون الجهاد إلا ضرب الله عليهم الذل حتى يرجعوا إلى دينهم. 

سنة الأخذ بالأسباب:

من السنن المهمة سنة الأخذ بالأسباب، ولو تأملنا سير الأنبياء لوجدنا ذلك متجسدًا في تاريخ دعوتهم لأقوامهم، ولا نجد أفضل من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكل سيرته أخذ بالأسباب المادية والمعنوية، وحسبنا فقط التأمل في الحدث الذي غير مجرى التاريخ وهو الهجرة النبوية، فإن كل ما فيها أخذ شامل بالأسباب المادية والمعنوية بما يقوم نموذجا يحتذى وبه يقتدى.

وإن مقاومة المحتل لا بد لها من الأخذ بالأسباب، وذلك يكون بإعداد القوة اللازمة لمقاومة هذا المحتل وتحرير الأرض والمقدسات، وفي هذا يقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].

قال العلامة جمال الدين القاسمي: دلت هذه الآية على وجوب إعداد القوة الحربية، اتقاء بأس العدو وهجومه، ولما عمل الأمراء بمقتضي هذه الآية، أيام حضارة الإسلام، كان الإسلام عزيزًا عظيمًا، أبي الضيم، قوي القنا، جليل الجاه، وفير السنا؛ إذ نشر لواء سلطته على منبسط الأرض، فقبض على ناصية الإفطار والأمصار، وخضد شوكة المستبدين الكافرين، وزحزح سجوف الظلم والاستعباد، وعاش بنوه أحقابًا متتالية وهم سادة الأمم، وقادة شعوب، وزمام الحول والطول وقطب روحي العز والمجد، لا يستكينون لقوة، ولا يرهبون لسطوة.

وأما اليوم، فقد ترك المسلمون العمل بهذه الآية الكريمة، ومالوا إلى النعيم والترف فأهملوا فرضا من فروض الكفاية، فأصبحت جميع الأمة آثمة بترك هذا الفرض؛ ولذا تعاني اليوم من غصته ما تعاني، وكيف لا يطمع العدو بالممالك الإسلامية، ولا ترى فيها معامل للأسلحة، وذخائر الحرب، بل كلها مما يشترى من بلاد العدو؟ أما آن لها أن تتنبه من غفلتها، وتنشئ معامل لصنع المدافع والبنادق والقذائف والذخائر الحربية؟ فلقد ألقي عليها تنقص العدو بلادها من أطرافها درسًا يجب أن تتدبره، وتتلافى ما فرطت به قبل أن يداهم ما بقي منها بخيله ورجله، فيقضي –والعياذ بالله– على الإسلام وممالك المسلمين، لاستعمار الأمصار، واستعباد الأحرار، ونزع الاستقلال المؤذن بالدمار، وبالله الهداية (14). 

وننبه هنا إلى أن الأخذ بالأسباب يكون شاملًا، أسباب محسوسة مادية، وأسباب معنوية إيمانية، وهذا ما لا يتوفر لأمة غير أمة الإسلام، فالأمم الأخرى تؤمن بالأسباب المادية، وترى بها أنها قادرة على كل شيء، لكن أسباب الإيمان واليقين ليست لأمة سوى أمة الإسلام، ولا يتحقق النصر إلا بتعانق الأسباب المادية والمعنوية معًا.

نحن نرى بإذن الله تعالى أن معركة طوفان الأقصى قد تحقق فيها النصر للمسلمين بالفعل وذلك منذ يوم السابع من أكتوبر 2023م، وهم بهذه المعركة في طريق التحرير الذي بدأت تلوح بشائره في الأفق. 

سنتا النصر والتمكين:

لا يتحقق النصر إلا بالتدافع، ولا يكون التدافع إلا بالأخذ بالأسباب، وهذا يقتضي التغيير في القناعات والواقع، وتغيير ما بالأنفس، كما أنه يعني الاستعمال وليس الاستبدال، ومن هنا فإن السنن الإلهية منظومة متكاملة يتحرك بعضها مع بعض، ويرتبط بعضها ببعض.

والله تعالى قد بين معالم النصر في القرآن الكريم، فقرر أن النصر من عند الله: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]، وبين أن الله لا ينصر قومًا إلا إذا نصروه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، ونصر الله يتجلى في طاعته والقيام بمقتضى منهجه ومتطلبات شرعه.

وقد يتحقق النصر لكن لا يتحقق التمكين، فسنة التمكين لها قوانينها ومعالمها، وبناء على ذلك فإن كل تمكين يعد نصرًا؛ لأنه لا يكون إلا به أو بعده، وليس كل نصر تمكينًا، فكم حدثت انتصارات شكلية، لكن لم يترتب عليها تمكين، ولا يتحقق التمكين إلا بعد النصر.

ونحن نرى بإذن الله تعالى أن معركة طوفان الأقصى قد تحقق فيها النصر للمسلمين بالفعل وذلك منذ يوم السابع من أكتوبر 2023م، وهم بهذه المعركة في طريق التحرير الذي بدأت تلوح بشائره في الأفق، فقد كنا نستبعد التحرير أو اقترابه، لكن معركة طوفان الأقصى جعلت النصر ممكنا، والتحرير في الأفق باديًا.

وهكذا فإن التأمل في مشهد طوفان الأقصى في ضوء السنن الإلهية أمر بالغ الأهمية والخطر، وهو ما يجعل المسلمين يعيدون النظر في واقعهم، وفي تصورهم، وفي ثقافتهم، ويجعلوا للسنن الإلهية منها مكانًا عليًا؛ فلا أمل في نهضة ولا نصر ولا رفع راية للإسلام، أو صناعة مشروع لنهضة المسلمين إلا والسنن الإلهية في القلب منه، تلك السنن التي أقام الله عليها الحياة والأحياء، والكون جميعًا.

إن طريق المقاومة والمواجهة والتصدي وإعداد القوة والنفير في وجه العدو، هو الطريق الوحيد في سبيل التحرير وتخليص الأرض المقدسة من رجس الصهاينة، تؤكد عملية طوفان الأقصى ذلك ويؤكده الفشل الذريع لمسلسل المفاوضات العبثي الذي ما زاد القضية إلا نكوصًا، وأخر التحرير لعقود (15).

إحياء قضية فلسطين بعد نسيان متعمد:

إن لم يكن لمعركة طوفان الأقصى من حسنة سوى أنها أعادت القضية الفلسطينية لواجهة الاهتمام لكان ذلك كافيًا، فمنذ الربيع العربي المُجهض سعى الاستكبار العالمي وذيوله لاغتيال القضية في وجدان الشعوب وشَغلِها بقضايا أخرى هامشية.

طوفان الأقصى وما أحدثه من وقائع على الأرض أربك الأوراق وبعثرها وبخاصة فيما يتعلق بملف التطبيع، فللحظة توهم المتوهمون أن الأمر استتب وبأن الشعوب تعايشت مع العدو وقبلت به، فجاء الطوفان ليعيد الأمور للمربع الأول وليذكر الناس بطبيعة العدو وإجرامه.

كشف قوة الحاضنة الشعبية في الميدان:

ثبات الشعب الغزاوي رغم القتل والدمار، رغم التجويع والحصار، ثبات قل نظيره في عالم مادي، ثبات يذكرنا بالصحابة رضي الله عنهم، في تمسكهم بدينهم والدفاع عنه، هذا الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء، حتى قال هرقل: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ۚوَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: ٢٧]، مشهد الصمود والثبات وهو مشهد يذكرنا بأهل بدر “كم من فئة قليلة غلبة فئة كثيرة” ، فأذاقوا قريشًا أشد العذاب، وهو نفس الشيء الآن يتكرر في غزة، المجاهدون مرغوا جيش الاحتلال، وأذاقوه شر هزيمة، لم يكن يتصور مثلها يومًا ما (16).

وضوح الهدف:

يقول عبد السلام ياسين: رسالتنا لأنفسنا وللإنسان أن يكون الله عز وجل غاية كل فرد من العباد، أن يكون ابتغاء رضاه، والسباق إلى مغفرته وجنته، والسير على مدارج الإيمان والإحسان لمعرفته، والوصول إليه، والنظر إلى وجهه الكريم، منطلق الإرادة، وحادي المسارعة وقبلة الرجاء، هذا معنى أن الإسلام دعوة إلى الله، دعوة إلى الاستسلام بين يديه، نحب لقاءه، ونطيع أمره، ونقبل حاكميته، ونجاهد لإعلاء كلمته، ونطلب الاستشهاد في سبيله، بهذا فقط نكون قدرًا من قدر الله (17). 

كشف دور المنافقين في حصار الدعوة:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣]، قال ابن مسعود: يجاهدهم بيده، فإن لم يستطع فليكْفَهِرَّ في وجوههم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان، أُذهِبَ الرفق عنهم (18). 

هذا الصنف من البشر، حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وخصهم الحق سبحانه بسورة في كتابه الكريم تذكر وتتلى في كل وقت وحين، لأن مكرهم وخيانتهم تتكرر، أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذر منهم وبين علاماتهم، وكلف بهم صحابي يحصي أسمائهم، لخطورة أفعالهم على الدعوة والدعاة، أخطر ما خلق الله تعالى، لذلك وعدهم بالدرك الأسفل من النار، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: ١٤٥].

مشهد المنافقين الذين ساندوا الكفار في حربهم على الرسول صلى الله عليهم وسلم، نفسه يتكرر اليوم على أهل غزة جموع من المسلمين وحكامهم لا تستطيع فك الحصار على أهل غزة، لا تستطيع تقديم الطعام والدواء، فالقليل من اليهود يتفننون في إذلال أمة يفوق عددها المليار والنصف.

كشف الحقد الصليبي على الإسلام:

مشهد مؤلم أن تتحرك الدول الكبرى في العالم بأسطولها الحربي وبحاملات الطائرات الحربية، لقتل شعب أعزل محاصر مند سنوات لا يملك شيء سوى إيمانه بالله تعالى، وبقضيته في تحرير أرضه، جل الدول الصليبية تتحرك لدعم الكيان اللقيط تدعمه بالسلاح والمال والغذاء.

كانت غزوة الأحزاب من أهم الغزوات التي حدثت في التاريخ الإسلامي، حيثُ لاقى المسلمون أذى كبير في هذه المعركة، ولكنهم تحملوا وحاربوا بشجاعة فانتصروا في نهاية الأمر، فعندما عرف النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم جيش المشركين أمر النبي الصحابي سلمان الفارسي بحفر خندق في اتجاه شمال المدينة المنورة، حتى يمنع هذا الخندق جيوش الأحزاب من دخول المدينة، فلولا الأنفاق، والقدرة الإلهية في حماية عباده، لكانت إبادة جماعية لهذه الثلة من البشر المؤمنة.

التأييد الرباني:

هل كان يعتقد أحد أن هذه البقعة الصغيرة التي يحاصرها القريب قبل البعيد تستطيع أن تصمد هذه المدة الطويلة أمام جيوش العالم المتنوعة، أليس هناك تأييد رباني؟ أليس هذا الحدث يذكرنا بغزوة بدر؟ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: ١٢٣]، حدثت هذه الغزوة بعد أن أذن الله لعباده بالقتال، ودخول عدد كبير من أهل المدينة في الإسلام بعدما بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على النصرة والجهاد، فحقق الله للمسلمين في هذه المعركة الكبرى انتصارًا عظيمًا، وكانت فرقانا بين الحق والباطل، وهذا ما نتمناه في طوفان الأقصى أن يكون قنطرة للعبور الى المسجد الأقصى وتحريره، وإرجاع العزة والكرامة للأمة جمعاء (19). 

أمة واحدة:

لقد أحيت غزة الشعور بأمة الجسد الواحد من جديد، وهو الشعور الذي خفت بريقه مع تعدد الرايات والانتماءات، وسيطرتها على وجدان الشعوب، حتى غدا كل أهل قُطر بما لديهم فرحين، لا يكترثون لشيء سوى ما يحدث في نطاق حدودهم الجغرافية.

هذه الحرب أمسكت بتلابيب أبناء الأمة في المشارق والمغارب، وأخذت بحجزهم إلى تأييد وتعاطف غير مسبوقين مع القضية الفلسطينية، لا فرق في ذلك بين عربي وأعجمي، فكانت المظاهرات المؤيدة والفعاليات المثمرة في نصرة القضية في باكستان، وتركيا، وإندونيسيا، وغيرها من البلدان الإسلامية غير العربية، حتى الهند التي يئن مسلموها تحت وطأة الاستبداد الهندوسي، لم يتوان أهلها في نصرة القضية رغم خطورة وضعهم هناك.

في المساجد يقنت المسلمون في الصلوات بالدعاء لغزة والنصر على الأعداء، في خطب الجمعة عاد الحديث، بعد غياب، عن الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، وضرورة نصرة الأشقاء في غزة، غدت الجماهير تتابع أخبار «طوفان الأقصى» بحماس كسابق حرصهم على متابعة مباريات الكرة، الناس على المقاهي وصالات الألعاب الرياضية والمنازل يتابعون بيانات أبي عبيدة، المتحدث باسم «كتائب القسام» كأنهم يتابعون رئيس دولتهم وقت الحرب.

 

يقظة الوعي:

غزة قد أحدثت طفرة في وعي الأمة، وخلال شهر منذ اندلاع الحرب تكونت لدى الجماهير ثقافة سياسية وقدرات تحليلية للأحداث، وربطها ببعضها، وصارت على دراية بالموقف الغربي من بلاد الإسلام، وبرزت على السطح قضايا كان بحثها يدور في فلك المختصين والنخب الثقافية والسياسية، كأقدمية السكنى للعرب قبل مجيء اليهود إليها وحق العرب التاريخي في فلسطين، وحق المسلمين فيها باعتبار أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي تسلم الريادة في القدس في رحلة الإسراء والمعراج (20). 

وعززت هذه الأحداث من اهتمام الناس بتفسير آيات سورة «الإسراء»، عن الإفساد والعلو لبني إسرائيل؛ {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا (7)} [الإسراء: ٤- ٧]. 

وراج بشدة على مواقع التواصل حديث الشيخ الشعراوي، رحمه الله، في ظلال هذه الآيات، والتبشير بأننا بانتظار المرحلة الأخيرة التي يسوء فيها المؤمنون وجوه بني إسرائيل ودخول «الأقصى»، وتدمير العلو «الإسرائيلي»، شرط استحقاق أن نكون عباداً لله بحق.

أسهمت أحداث غزة في يقظة الوعي بذلك التمايز غير المسبوق للصفوف، فكأنها فرقان، فرق الله به بين المنتمين لهذه الأمة وناصريها، وأعدائها وثلة النفاق التي اشرأبت أعناقها؛ وهذا يؤكد استعادة مركزية القضية الفلسطينية في نفوس الجماهير، بعد فشل التطبيع، وانكشاف أبعاد الصراع؛ صراع عقدي يصطف فيه الغرب الصليبي إلى جانب العدو «الإسرائيلي» الجائر.

 

إيجابية وفاعلية:

من أبرز الآثار تحت المحنة، انتقال الجماهير من حيز التعاطف الوجداني إلى التحرك الفعلي على الأرض، لا أدل على ذلك من تفعيل سلاح المقاطعة لمنتجات الصهاينة وداعميهم على نحو غير مسبوق، وأصبح سلوكًا شرائيًا تلقائيًا أن يتجنب الناس شراء هذه المنتجات، وفي بعض الدول، وبسبب هذه المقاطعة، أُحييت منتجات محلية كانت قد اندثرت، وأصبح التجار لا يلاحقون سعي الجماهير لشرائها، بينما خفضت شركات المنتجات التي تمت مقاطعتها أسعار بضائعها بما وصل إلى ٧٥%.

أما على مواقع التواصل، فالملاحظ أن مؤيدي القضية يخوضون في استبسال معركة وعي، بنقل وتداول المقاطع المصورة من قلب الحدث، والترويج لآثار المجازر الوحشية التي يرتكبها العدو في غزة، لتصل إلى شعوب العالم، والترويج لدلائل انتصارات المقاومة لرفع الروح المعنوية للأمة، والرد على الشبهات المثارة حول المقاومة، بل وصل التفاعل إلى ابتكار البعض وسائل بدائية لتنقية مياه الصرف لتصلح للشرب والتواصي بنشرها لتصل إلى أهل غزة، بينما ينشر البعض الآخر طريقة التعامل مع قنابل الفوسفور الأبيض، وغيرها من الحلول العملية (21). 

- إحياء مفهوم الجهاد.. والإعداد..  ولن تسترد الأمة مجدها إلا من طريقه.

- ومن الدروس جو الألفة بين الغزِّيين فأذكر ما وقع منهم ويقع من تقاسم اللقمة وتشارك الهم والهمة بالمهاجرين والأنصار.

- تجلي الصورة المشرقة للمرأة المؤمنة الصابرة المحتسبة ممثلة في الأم الغزّيّة المضحية والمستبشرة بالشهادة.

- التفات كثير من المسلمين إلى التماس هدايات القرآن العظيم بتنزيل آياته على الواقع.

-  ومن دروس الطوفان، إدراك ناصع لهشاشة اليهود ومن خلفهم برغم هَول القدرات المادية.

- عودة استكشاف الإسلام من قِبل الغربيين، وثَمَّ من أسلم.. وكثير منهم أبدوا اندهاشهم من تلقي الغزّيين للمجازر المهولة، بحمد الله والرضا بقضائه وبالقوة والعزيمة، وعَزْو ذلك إلى القرآن..

- هتك ستر المنافقين ونحوهم، من جلدتنا.. ممن يتكلمون بألستنا، وهم في كل دولة.. وهذا مقصد عظيم وحيوي وهو من مقدمات النصر {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]. 

- تيقظ كثير من شباب المسلمين للوعي بواقع الأمة، بل هناك من تحرك فيه حوافز قوية ومنعطفات، كالتوبة أو بناء النفس علميًّا، وعمل مشاريع.. على خطى الإعداد.

- ظهور خزي حكام العرب بنحو فجّ.. بل حتى إيران التي تتاجر بقضية فلسطين هي وأذرعها الخبيثة، بان عوارها لكثير من المغفلين ممن كان يحسبهم على شيء. 

- وبعد أن كانت التفاهة عنوان المشهد في ساحات كثيرة، ومشاهير الكرة والسخف قدواتٍ للشباب إلا ما رحم، صرنا نرى الناس ترفع صور أبي عبيدة والسنوار، باعتزاز.. إلخ 

- استخراج معادن الناس.. فكم شاهدنا من مواقف مؤثرة من شتى بقاع المعمورة تفاعلًا مع الحدث، وارتفاع منسوب الإيمان في الأمة.. 

- دروس عملية في العقيدة حضرناها، والمعلمون فيها كانوا هم أهل غزة بامتياز، في تعليقاتهم الدالة على التوكل والثبات ومعاني العزة والإباء.. 

- ارتباك عالمي.. ظهر في تصريحات سياسيين كبار وزخم هائل بالدعم السريع.. بنحو مبالغ فيه، فالعالم يدرك أن تغير معادلة القوى يصنع أفقًا جديدًا.. ويتخوّف على مستقبله ومستقبل وكلائه في المنطقة (22).

----------

(1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص: 74).

(2) في ظلال القرآن (3/ 1526).

(3) في ظلال القرآن (3/ 1543).

(4) دروس من معركة طوفان الأقصى/ الجزيرة نت.

(5) كيف انتصرت غزة في معركة الإعلام؟ الجزيرة نت.

(6) ما هو واجبنا تجاه فلسطين/ الجزيرة نت.

(7) دروس من معركة طوفان الأقصى/ الجزيرة نت.

(8) في ظلال القرآن (1/ 480).

(9) في ظلال القرآن (6/ 3302).

(10) الدروس والعبر المُستفادة من طوفان الأقصى/ جريدة الرؤية العمانية.

(11) من قصيدة: اجلس يا رامي، عبد الرحمن العشماوي.

(12) المرجع السابق.

(13) الهزيمة الاستراتيجية لكيان العدو/ جريدة الرؤية العمانية.

(14) محاسن التأويل (5/ 316).

(15) دروس جولة طوفان الأقصى وواجبات الأمة/ مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية.

(16) مشاهد من طوفان الأقصى/ ناصحون.

(17) المنهاج النبوي تربية وتنظيمًا وزحفًا (ص: ٢٢).

(18) تفسير الماوردي (2/ 382).

(19) مشاهد من طوفان الأقصى/ ناصحون.

(20) من محنة غزة وُلدت المنحة/ ناصحون.

(21) دروس وعِبر من طوفان الأقصى/ مجلة إشراقات.