logo

الدعاة والشعور بالمسئولية


بتاريخ : الاثنين ، 8 رجب ، 1436 الموافق 27 أبريل 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الدعاة والشعور بالمسئولية

الشعور بالمسئولية:هو الرابط الداخلي للداعية في الدعوة، وهو الذي يبلور ويحدد علاقة الداعية بالدعوة، وعلاقة الداعية بالدعوة مبنية على وضوح وتبني الأهداف والواجبات وفعلية العمل، فكلما وضحت هذه الأمور قويت العلاقة، وكلما قويت العلاقة تعمق الشعور بالمسئولية، وارتباط الشعور بالمسئولية بالسير التكاملي راجع إلى المراقبة والمحاسبة في جانبيها.

{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فهو يدرك أنه مسئول مطلوب منه بذل الجهد المستطاع في امتثال الأمر.

 

قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].

 

وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110].

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طُوِيَ بساطه وأهمل عمله لتعطلت النبوّة، واضمحلت الديانة، وعمّت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، وإن لم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، إنا لله وإنا إليه راجعون؛ إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحى بالكلية حقيقته ورسمه، واستولت على القلوب مداهنة الخلق، وانمحت عنها مراقبة الخالق، واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم، وعزّ على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فمن سعى في تلافي هذه الفترة، وسد هذه الثلمة، إما متكفلًا بعملها، أو متقلدًا لتنفيذها، مجددًا لهذه السنة الداثرة، ناهضًا بأعبائها، ومتشمرًا في إحيائها، كان مستأثرًا من بين الخلق بإحياء سنة أفضى الزمان إلى إماتتها، ومستبدًّا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها(1).

فلا بد من جماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا بد من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والذي يقرر أنه لا بد من سلطة هو مدلول النص القرآني ذاته.

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(2).

وتتوارد النصوص القرآنية والنبوية تترى في هذا المعنى؛ لأن هذا التماسك في كيان الجماعة بحيث لا يقول أحد فيها، وهو يرى المنكر يقع من غيره: وأنا مالي؟! وهذه الحمية ضد الفساد في المجتمع، بحيث لا يقول أحد وهو يرى الفساد يسري ويشيع: وماذا أصنع والتعرض للفساد يلحق بي الأذى؟! وهذه الغيرة على حرمات الله، والشعور بالتكليف المباشر بصيانتها والدفع عنها للنجاة من الله، هذا كله هو قوام الجماعة المسلمة، الذي لا قيام لها إلا به(3).

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا»(4).

إن هذا الحديث يبين لنا أن روح اللامبالاة تقضي على الأمة؛ إذ لو أن ذاك الرجل الذي أراد أن يخرق في موضعه من السفينة خرقًا ترك وشأنه، انطلاقًا من روح اللامبالاة، لهلك وهلك ركاب السفينة جميعًا.

هكذا دين الله، إذا أخذ العقلاء وأهل العلم والدين على الجهال والسفهاء نجوا جميعًا، وإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:25](5).

 

وأما روعة التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حين صور الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر بصورة إيجابية فعالة، لا سلبية مدمرة في صورة بليغة رشيقة، عندما أراد من في أسفلها أن يخرقوا خرقًا؛ ليشربوا بقاءً على حياتهم، فيأمرهم من في أعلاها بالمعروف وينهونهم عن المنكر، لينجوا جميعًا، كما ورد في الحديث الشريف: «فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعًا»، مصداقًا لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105]، والمعنى كما فسره أبو بكر رضي الله عنه: أي عليكم المجتمع المسلم الذي تعيشون فيه، وليس عليكم غيركم من المجتمعات الضالة من غير المسلمين، فلا يضرونكم متى اهتديتم أنتم، وعملتم بشريعة الله عز وجل(6).

 

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»(7).

 

الشعور الذاتي بالمسئولية:

 

وحتى يبلغ الداعية في الإعداد مستوى المعركة التي تواجه الإسلام في الداخل والخارج، ينبغي أن يكون في إيمانه أثبت من الرواسي، وفي فهمه أعمق من اللجج، وفي صبره أقوى من الشدائد، كما ينبغي أن يتولد شعور ذاتي بمسئولية العمل للإسلام، واستعداد كامل لتلبية حاجات هذه المسئولية من النفس والجهد، فهو لا ينتظر التكليف الحركي لينهض بالأعباء والمسئوليات؛ وإنما يتوالد في أعماقه شعور فطري بالمسئولية، ويجري في عروقه إحساس رباني بالتكليف، يشعر بأنه مسئول عن هذا الإسلام، ولو لم يكن عضوًا في جماعة أو جنديًا في الحركة؛ وحسبه أن يكون مسلمًا ليتحرك في ذاته الشعور بالواجب تجاه هذا الدين الذي ينتسب إليه، والحركة الإسلامية، في هذه الأيام، بمسيس الحاجة إلى العناصر التي تتقد شعورًا وإحساسًا بواجباتها الإسلامية، العناصر التي يغلي فيها الشعور بالمسئولية غليانًا، العناصر التي لا يهدأ تفكيرها بهذا الدين، وبالعمل له ساعة من ليل أو ساعة من نهار.

هكذا كان شعور الرعيل الأول من المسلمين بمسئولياتهم تجاه الإسلام، كان شغلهم الشاغل في كل الظروف وفي كل الأحوال، كان محور حياتهم وتفكيرهم ساعة العسر واليسر(8).

 

مر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقال ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس(9).

 

فمضى فقُتِل فماعُرِف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة وضربة ورمية بسهم.

وكانت آخر رسالة صدع بها لله تعالى:ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

قال زيد ابن ثابت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي: «إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله: كيف تجدك؟» قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة؛ ما بين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم، فقلت: يا سعد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ فقال سعد: على رسول الله السلام، قل له: «يا رسول الله، أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف»، وفاضت نفسه من وقته(10).

 

لا عذر لأحد أن يخلص إلى دين الله وفيه عين تطرف، فما قيمة الحياة بلا دين، وما قيمة الحياة بلا هدف أو غاية؟

 

رابع أربعة في الإسلام:

 

أبو ذر رضي الله عنه: جندب بن جنادة، أعرابي جاء من قبلة غفار ينشد الهدى مظنته، أبو ذر الذي إذا أخرج بطاقته الشخصية ليُعَرِّف بنفسه يقول: أبو ذر جندب بن جنادة ربع الإسلام.

 

هذا الذي أسلم رابع أربعة، أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه البداية المبكرة للدعوة، فأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلمالإسلام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغادر مكة؛ لأن وجوده بين ظهراني المسلمين في مكة، وهو غفاري ليس بقرشي، يشكل عبأً على الدعوة، والدعوة لا زالت في بدايتها، فليلحق بقومه.

قال: «والله لا أخرج من مكة حتى أصرخ بها بين أظهرهم».

 

لقد كانت قريش تبني حاجزًا ضخمًا من الصمت يحيط بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا بأبي ذر الذي، لم يحمل من الدين إلا التوحيد، يستشعر أنه يتحمل مسئولية تقديم عمل ما للدين، وليكن هذا العمل تحطيم حاجز الصمت الذي تبنيه قريش سياجًا على دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصرخ بالتوحيد بين ظهراني قريش، وفعلًا كان ذلك.

 

فإذا به يغدو إلى الحرم، وقريش في نواديها فيه، فيصرخ، وهو الرجل الأيد الشديد الجهوري الصوت، أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

ويدوي ندائه في مكة فتثور إليه قريش من أنديتها، تقع عليه، وقع عليه هذا الجمع كله، فيثور إليهم العباس رضي الله عنه وهو رجل موصول العاطفة بالنبي صلى الله ع